الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة - ج ٣

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة - ج ٣

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


المحقق: جواد القيّومي الاصفهاني
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٢
ISBN: 964-424-428-1
الصفحات: ٤١٦
الجزء ١ الجزء ٣

عبيد الله بن زياد لعنه الله كتب إلى يزيد يعرّفه ما جرى ويستأذنه في حملهم ولم يحملهم حتّى عاد الجواب إليه ، وهذا يحتاج إلى نحو عشرين يوما أو أكثر منها ، ولانّه لما حملهم الى الشام روي أنّهم أقاموا فيها شهرا في موضع لا يكنّهم من حرّ ولا برد ، وصورة الحال يقتضي انّهم تأخّروا أكثر من أربعين يوماً من يوم قتل عليه‌السلام إلى ان وصلوا العراق أو المدينة.

وامّا جوازهم في عودهم على كربلاء فيمكن ذلك ، ولكنّه ما يكون وصولهم إليها يوم العشرين من صفر ، لأنّهم اجتمعوا على ما روى جابر بن عبد الله الأنصاري ، فإن كان جابر وصل زائراً من الحجاز فيحتاج وصول الخبر إليه ومجيئه أكثر من أربعين يوما ، وعلى ان يكون جابر وصل من غير الحجاز من الكوفة أو غيرها.

وامّا زيارته عليه‌السلام في هذا اليوم :

فانّنا روينا بإسنادنا إلى أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري قال : حدّثنا محمد بن علي بن معمر ، قال : حدثني أبو الحسن علي بن مسعدة والحسن بن علي بن فضال ، عن سعدان بن مسلم ، عن صفوان بن مهران قال : قال لي مولاي الصادق عليه‌السلام في زيارة الأربعين : تزور عند ارتفاع النهار فتقول :

السَّلامُ عَلى وَلِيِّ اللهِ وَحَبِيبِهِ ، السَّلامُ عَلى خَلِيلِ اللهِ وَنَجِيبِهِ (١) ، السَّلامُ عَلى صَفِيِّ اللهِ وَابْنِ صَفِيِّهِ ، السَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ الْمَظْلُومِ الشَّهِيدِ ، السَّلامُ عَلى أَسِيرِ الْكُرُباتِ وَقَتِيلِ الْعَبَراتِ (٢).

اللهُمَّ انِّي اشْهَدُ انَّهُ وَلِيُّكَ وَابْنُ وَلِيِّكَ ، وَصَفِيُّكَ وَابْنُ صَفِيِّكَ ، الْفائِزُ بِكَرامَتِكَ ، اكْرَمْتَهُ بِالشَّهادَةِ وَحَبَوْتَهُ (٣) بِالسَّعادَةِ ، وَاجْتَبَيْتَهُ بِطِيبِ الْوِلادَةِ ، وَجَعَلْتَهُ سَيِّداً مِنَ السَّادَةِ ، وَقائِداً مِنَ الْقادَةِ ، وَذائِداً مِنَ الذَّادَةِ ، (٤) وَاعْطَيْتَهُ

__________________

(١) في المصباح : نجيّة.

(٢) العبرة : الدمعة قبل ان يفيض.

(٣) الحبوة : قربه ومنعه ـ ضد.

(٤) الذود : السوق والطرد أي يدفع عن الإسلام والمسلمين ما يوجب الفساد.

١٠١

مَوارِيثَ الأَنْبِياءِ ، وَجَعَلْتَهُ حُجَّةً عَلى خَلْقِكَ مِنَ الأَوْصِياءِ.

فَاعْذَرَ (١) فِي الدُّعاءِ ، وَمَنَحَ (٢) النُّصْحَ ، وَبَذَلَ مُهْجَتَهُ فِيكَ لِيَسْتَنْقِذَ (٣) عِبادَكَ مِنَ الْجَهالَةِ وَحَيْرَةِ الضَّلالَةِ ، وَقَدْ تَوازَرَ عَلَيْهِ (٤) مَنْ غَرَّتْهُ الدُّنْيا وَباعَ حَظَّهُ بِالْأَرْذَلِ الأَدْنى ، وَشَرى آخِرَتَهُ بِالثَّمَنِ الاوْكَسِ (٥) ، وَتَغَطْرَسَ (٦) وَتَرَدّى (٧) فِي هَواهُ.

وَاسْخَطَكَ وَاسْخَطَ نَبِيَّكَ ، وَأَطاعَ مِنْ عِبادِكَ اهْلَ الشِّقاقِ وَالنِّفاقِ وَحَمَلَةَ الأَوْزارِ الْمُسْتَوْجِبِينَ النّارَ ، فَجاهَدَهُمْ فِيكَ صابِراً مُحْتَسِباً (٨) ، حَتّى سُفِكَ فِي طاعَتِكَ دَمُهُ وَاسْتُبِيحَ حَرِيمُهُ ، اللهُمَّ فَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَثِيراً وَبِيلاً (٩) ، وَعَذِّبْهُمْ عَذاباً أَلِيماً.

أَنَا يا مَوْلايَ عَبْدُ اللهِ وَزائِرُكَ جِئْتُكَ مُشْتاقاً ، فَكُنْ لِي شَفِيعاً الَى اللهِ ، يا سَيِّدِي ، اسْتَشْفِعُ الَى اللهِ بِجَدِّكَ سَيِّدِ النَّبِيِّينَ ، وَبِأَبِيكَ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ ، وَبِأُمِّكَ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمِينَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ سَيِّدِ الأَوْصِياءِ.

اشْهَدُ انَّكَ أَمِينُ اللهِ وَابْنُ امِينِهِ ، عِشْتَ سَعِيداً وَمَضَيْتَ حَمِيداً ، وَمُتَّ فَقِيداً مَظْلُوماً شَهِيداً ، وَاشْهَدُ انَّ اللهَ مُنْجِزٌ لَكَ ما وَعَدَكَ ، وَمُهْلِكٌ مَنْ خَذَلَكَ ، وَمُعَذِّبٌ مَنْ قَتَلَكَ ، وَاشْهَدُ انَّكَ وَفَيْتَ بِعَهْدِ اللهِ وَجاهَدْتَ فِي سَبِيلِهِ ، حَتّى أَتاكَ الْيَقِينُ ، فَلَعَنَ اللهُ مَنْ قَتَلَكَ ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ ظَلَمَكَ ، وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً

__________________

(١) أعذر : أبدى عذرا.

(٢) منحه : أعطاه.

(٣) النقذ : التخليص.

(٤) وأزر على الأمر : عاونه وقوّاه.

(٥) الأوكس : الأنقص.

(٦) تغطرس : أعجب بنفسه.

(٧) تردّى : سقط.

(٨) احتسب عليه : أنكر.

(٩) الوبيل : الشديد.

١٠٢

سَمِعَتْ بِذلِكَ فَرَضِيَتْ بِهِ.

اللهُمَّ إِنِّي اشْهِدُكَ انِّي وَلِيٌّ لِمَنْ والاهُ ، وَعَدُوٌّ لِمَنْ عاداهُ ، بِأَبِي انْتَ وَأُمِّي يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ ، اشْهَدُ انَّكَ كُنْتَ نُوراً فِي الأَصْلابِ الشَّامِخَةِ وَالأَرْحامَ الْمُطَهَّرَةِ لَمْ تُنَجِّسْكَ الْجاهِلِيَّةُ بِأَنْجاسِها وَلَمْ تُلْبِسْكَ الْمُدْلَهِمّاتُ (١) مِنْ ثِيابِها ، وَاشْهَدُ انَّكَ مِنْ دَعائِمِ الدِّينِ وَأَرْكانِ الْمُسْلِمِينَ (٢) وَمَعْقِلِ الْمُؤْمِنِينَ.

وَاشْهَدُ انَّكَ الإِمامُ الْبَرُّ التَّقِيُّ الرَّضِيُّ الزَّكِيُّ الْهادِي الْمَهْدِيُّ ، وَاشْهَدُ أَنَّ الأَئِمَّةَ مِنْ وُلْدِكَ كَلِمَةُ التَّقْوى وَاعْلامُ الْهُدى وَالْعُرْوَةُ الْوُثْقى ، وَالْحُجَّةُ عَلى اهْلِ الدُّنْيا ، وَاشْهَدُ انِّي بِكُمْ مُؤْمِنٌ ، وَبإِيابِكُمْ مُوقِنٌ ، بِشَرائِعِ دِينِي وَخَواتِيمِ (٣) عَمَلِي ، وَقَلْبِي لِقَلْبِكُمْ سِلْمٌ ، وَامْرِي لِأَمْرِكُمْ مُتَّبِعٌ وَنُصْرَتِي لَكُمْ مُعَدَّةٌ ، حَتّى يَأْذَنَ اللهُ لَكُمْ ، فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لا مَعَ عَدُوِّكُمْ ، صَلَواتُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَعَلى أَرْواحِكُمْ وَأَجْسادِكُمْ وَشاهِدِكُمْ وَغائِبِكُمْ وَظاهِرِكُمْ وَباطِنِكُمْ ، آمِينَ رَبَّ الْعالمِينَ ، ثمّ تصلّي ركعتين وتدعو بما أحببت ، وتنصرف ان شاء الله (٤).

أقول : ووجدت لهذه الزيارة وداعاً يختصّ بها ، وهو ان تقف قدّام الضريح وتقول :

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ عَلِيِّ الْمُرْتَضى وَصِيِّ رَسُولِ اللهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا بْنَ فاطِمَةَ الزَّهْراءِ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمِينَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا وارِثَ الْحَسَنِ الزَّكِيِّ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ اللهِ فِي ارْضِهِ وَشاهِدَهُ عَلى خَلْقِهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَبَا عَبْدِ اللهِ الشَّهِيدِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا مَوْلايَ وَابْنَ مَوْلايَ.

اشْهَدُ انَّكَ قَدْ اقَمْتَ الصَّلاةَ وَأتَيْتَ الزَّكاةَ ، وَامَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَيْتَ

__________________

(١) ادلهمّ الليل : اشتد سوادها.

(٢) المؤمنين ( خ ل ).

(٣) بخواتيم ( خ ل ).

(٤) عنه البحار ١٠١ : ٢٣١ ، رواه في التهذيب ٦ : ١١٣ ، مصباح الزائر : ١٥٢ ، مزار الشهيد : ٥٧ ، المزار الكبير : ١٧١ ، مصباح المتهجد ٢ : ٧٨٨.

١٠٣

عَنِ الْمُنْكَرِ وَجاهَدْتَ فِي سَبِيلِ اللهِ حَتّى أَتاكَ الْيَقِينُ ، وَاشْهَدُ انَّكَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكَ ، اتَيْتُكَ يا مَوْلايَ زائِراً وافِداً راغِباً ، مُقِرّاً لَكَ بِالذُّنُوبِ ، هارِباً الَيْكَ مِنَ الْخَطايا لِتَشْفَعَ لِي عِنْدَ رَبِّكَ.

يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ حَيّاً وَمَيِّتاً ، فَانَّ لَكَ عِنْدَ اللهِ مَقاماً مَعْلُوماً وَشَفاعَةً مَقْبُولَةً ، لَعَنَ اللهُ مَنْ ظَلَمَكَ ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ حَرَمَكَ وَغَصَبَ حَقَّكَ ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ قَتَلَكَ وَلَعَنَ اللهُ مَنْ خَذَلَكَ ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ دَعَوْتَهُ فَلَمْ يُجِبْكَ وَلَمْ يُعِنْكَ ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ مَنَعَكَ مِنْ حَرَمِ اللهِ وَحَرَمِ رَسُولِهِ وَحَرَمَ أَبِيكَ وَأَخِيكَ ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ مَنَعَكَ مِنْ شُرْبِ ماءِ الْفُراتِ لَعْناً كَثِيراً يَتْبَعُ بَعْضُها بَعْضاً.

( اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) ، ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ، ) اللهُمَّ لا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زِيارَتِهِ ، وَارْزُقْنِيهِ ابَداً ما بَقِيتُ وَحَييتُ يا رَبِّ ، وَانْ مِتُّ فَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَتِهِ ، يا ارْحَمَ الرّاحِمِينَ (١).

وامّا زيارة العباس بن مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام وزيارة الشهداء مع مولانا الحسين ، فتزورهم في هذا اليوم بما قدمناه من زيارتهم في يوم عاشوراء ، وان شاء بغيرها من زياراتهم المنقولة عن الأصفياء.

__________________

(١) عنه البحار ١٠١ : ٣٣٢ ، رواه في مصباح الزائر : ١٥٣.

١٠٤

الباب الرابع

فيما نذكره ممّا يختصّ بشهر ربيع الأول ، وما فيه من عمل مفصّل

وفيه فصول :

فصل (١)

فيما نذكره من التّنبيه على فضل هذا الشهر وما فيه

اعلم انّ هذا شهر ربيع الأوّل ، جرى فيه من الفضل المكمّل ما لم يجر في غيره من شهور العالم ، فانّ فيه كانت ولادة سيّدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وسيأتي ما يفتحه الله تعالى من فضل مقدّس ولادته في الفصل المختصّ بها على ما نقدر عليه من حقيقته ، وفيه كانت مهاجرة النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من مكّة إلى المدينة ، وسلامته من كيد الأعداء الكارهين لإرساله ، ممّا أرادوه من ذهاب نفسه الشريف ومنعه من آماله.

وقد روينا عن شيخنا المفيد رضوان الله تعالى عليه من كتاب حدائق الرياض عند ذكر شهر ربيع الأول ما هذا لفظه :

أوّل يوم منه هاجر (١) النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من مكة إلى المدينة سنة ثلاثة عشرة من مبعثه ، وكان ذلك يوم الخميس ، يستحبّ صيامه لما أظهر الله فيه من أمر نبيه والنجاة من عدوه (٢).

__________________

(١) مهاجر ( خ ل ).

(٢) عنه البحار ٩٨ : ٣٥٠.

١٠٥

أقول : فهو يوم صومه منقول وفضله مقبول ، فصمه على قدر الفوائد بالشكر على سلامة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وما فتح بالمهاجرة من سعادة الدنيا والمعاد ، ويحسن ان تصلّي صلاة الشكر الّتي نذكرها في كتاب السعادات بالعبادات الّتي ليس لها أوقات معيّنات وتدعوا بدعائها ، فإنه يوم عظيم السعادة ، فما احقّه بالشكر والصدقات والمبرّات.

وقال جدّي أبو جعفر الطوسي رضي‌الله‌عنه في المصباح : « ان هجرته كانت ليلة الخميس أول شهر ربيع الأول » (١).

والظاهر انّه توجّهه من مكة إلى الغار كان ليلا ولم يكن بالنّهار ، لانّ الخائف الذي يريد ستر حاله ما يكون سفره نهارا من بين أعدائه المتطلعين على أعماله ، ولانّ مبيت مولانا على صلوات الله عليه على فراشه يفديه بمهجته شاهده انّ التوجه كان ليلا بغير شك في صفته ، وقال المفيد في التواريخ الشرعية : ان الهجرة كانت ليلة الخميس أول ربيع الأول.

ولعل ناسخ كتاب الحدائق غلط في ذكره اليوم عوض الليلة ، أو قد حذف الليلة كما قال الله تعالى ( وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ ) (٢) ، أراد أهل القرية (٣).

ذكر ما فتحه الله علينا من أسرار هذه المهاجرة وما فيها من العجائب الباهرة :

منها : تعريف الله جلّ جلاله لعباده لو أراد قهر أعداء رسوله محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ما كان يحتاج إلى مهاجرته ليلا على تلك المساترة ، وكان قادراً ان ينصره وهو بمكّة من غير مخاطرة بآيات وعنايات باهرة ، كما انّه كان قادراً ان ينصر عيسى بن مريم علي اليهود بالآيات والعساكر والجنود ، فلم تقتض الحكمة الإلهية الاّ رفعه إلى السماوات العلية ، ولم يكن له مصلحة في مقامه في الدنيا بالكليّة ، فليكن العبد راضياً بما يراه مولاه له من التّدبير في القليل والكثير ، ولا يكن الله جلّ جلاله دون وكيل الإنسان في أموره الّذي يرضى بتدبيره ، ولا دون جاريته أو زوجته في داره الّتي يثق إليها في تدبير إيثاره.

__________________

(١) مصباح المتهجد ٢ : ٧٩١.

(٢) يوسف : ٨٢.

(٣) عنه البحار ٩٨ : ٣٥٠.

١٠٦

ومنها : التنبيه على انّ الّذي صحبه إلى الغار ـ على ما تضمّن (١) وصف صحبته في الاخبار ـ يصلح في تلك الحادثات الاّ للهرب ولأوقات الذل والخوف من الاخطار الّتي يصلح لها مثل النّساء الضّعيفات ، والغلمان الّذين يصيحون في الطرقات عند الهرب من

المخافاة ، وما كان يصلح للمقام بعده ليدفع عنه خطر الأعداء ، ولا ان يكون معه بسلاح ولا قوة لمنع شيء من البلاد.

ومنها : انّ الطبري في تاريخه وأحمد بن حنبل رويا في كتابيهما انّ هذا الرّجل المشار اليه ما كان عارفا بتوجّه النّبي صلوات الله عليه ، وانّه جاء إلى مولانا علي عليه‌السلام فسأله عنه ، فأخبره أنه توجّه فتبعه بعد توجّهه حتّى تظفر به ، وتأذّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالخوف منه ، لمّا توجه لما تبعه وعثر بحجر ففلق قدمه.

فقال الطبري في تاريخه ما هذا لفظه :

« فخرج أبو بكر مسرعا ولحق نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الطريق ، فسمع النبي جرس أبي بكر في ظلمة الليل ، فحسبه من المشركين ، فأسرع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يمشي ، فانقطع (٢) قبال نعله ، ففلق إبهامه حجر وكثر دمها ، فأسرع المشي فخاف أبو بكر ان يشقّ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فرفع صوته وتكلم ، فعرفه رسول الله ، فقام حين أتاه ، فانطلقا ورجل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تشرّ (٣) دماً حتّى انتهى إلى الغار مع الصبح ، فدخلاه وأصبح الرهط الّذين كانوا يرصدون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فدخلوا الدّار ، فقام علي عليه‌السلام عن فراشه ، فلمّا دنوا منه عرفوه ، فقالوا له : اين صاحبك؟ قال : لا أدري ، أو رقيبا كنت عليه أمرتموه بالخروج ، فخرج ، فانتهروه (٤) وضربوه وأخرجوه إلى المسجد ، فحبسوه ساعة ثم تركوه ونجى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. » (٥)

أقول : وما كان حيث لقيه يتهيّأ أن يتركه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويبعد منه خوفا

__________________

(١) تضمنه ( خ ل ).

(٢) فقطع ( خ ل ).

(٣) شرّ الماء : تقاطر متتابعاً.

(٤) انتهر السائل : زجره.

(٥) تاريخ الطبري ١ : ٥٦٨.

١٠٧

أن يلزمه أهل مكة فيخبرهم عنه ، وهو رجل جبان ، فيؤخذ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويذهب الإسلام بكماله ، لأنّ أبا بكر أراد بكر أراد الهرب من مكّة ومفارقة النبي عليه‌السلام قبل هجرته ، على ما ذكره الطبري في حديث الهجرة ، فقال ما هذا لفظه :

« وكان أبو بكر كثيراً ما يستأذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الهجرة ويقول له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تعجل. » (١)

أقول : فإذا كان قد أراد المفارقة قبل طلب الكفّار ، فكيف يؤمن منه الهرب بعد الطلب ، وكان أخذه معه حيث أدركه من الضّرورات الّتي اقتضاها الاستظهار في حفظ النبي صلوات الله عليه وسلامه ، من كشف حاله لو تركه يرجع عنه في تلك الساعة ، وقد جرت العادة ان الهرب مقام تخويف يرغب في الموافقة عليه قلب الجبان الضعيف ، ولا روى فيما علمت انّ أبا بكر كان معه سلاح يدفع به عن النّبي صلوات الله عليه ولا حمل معه شيئاً يحتاج إليه.

وما ادري كيف اعتقد المخالفون انّ لهذا الرجل فضيلة في الموافقة في الهرب ، وقد استأذنه مراراً ان يهرب ، ويترك النبي عليه‌السلام في يد الأعداء الذين يتهدّدونه بالعطب ان اعتقاد فضيلة لأبي بكر في هذا الذلّ من أعجب العجب.

ومنها : التكسّر على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بجزع صاحبه في الغار ، وقد كان يكفي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تعلّق خاطره المقدس بالسلامة من الكفار ، فزاده جزع صاحبه شغلاً في خاطره المقدس ، ولو لم يصحبه لاستراح من كدر جزعه واشتغال سرائره.

ومنها : انّه لو كان حزنه شفقة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو على ذهاب الإسلام ، كان قد نهى عنه ، وفيه كشف انّ حزنه كان مخالفا لما يراد منه.

ومنها : انّ النّبي صلوات الله عليه ما بقي يأمن ان لم يكن أوحى إليه انّه لا خوف عليه ان يبلغ صاحبه من الجزع الذي ظهر عليه ، الى ان يخرج من الغار ويخبر به الطالبين له

__________________

(١) تاريخ الطبري ١ : ٥٦٥.

١٠٨

من الأشرار ، فصار معه كالمشغول صلوات الله عليه بحفظ نفسه من ذلّ صاحبه وضعفه ، زيادة على ما كان مشغولاً صلوات الله عليه وآله بحفظ نفسه.

ومن أسرار هذه المهاجرة أنّ مولانا علي عليه‌السلام بات على فراش المخاطرة ، وجاد بمهجته لمالك الدنيا والآخرة ، ولرسوله صلوات الله عليه فاتح أبواب النعم الباطنة والظاهرة ، ولو لا ذلك المبيت واعتقاد الأعداء أنّ النائم على الفراش هو سيد الأنبياء ، والاّ ما كانوا صبروا عن طلبه إلى النهار حتى وصل إلى الغار ، وكانت سلامة صاحب الرّسالة من قبل أهل الضلالة ، صادرة عن تدبير الله جلّ جلاله بمبيت مولانا علي عليه‌السلام في مكانه ، وآية باهرة لمولانا علي عليه‌السلام شاهدة بتعظيم شأنه وأَسَفاً لأجل وصيّه عليه أفضل السلام في الثبوت في ذلك المقام.

وانزل الله جلّ جلاله في مقدس قرآنه ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ ) (١) ، فأخبر أن سريرة مولانا علي عليه‌السلام كانت بيعاً لنفسه الشريفة وطلباً لمرضاة الله جلّ جلاله دون كل مراد.

وقد ذكرنا في الطرائف من روى هذا الحديث من المخالف ومباهاة الله جلّ جلاله تلك الليلة بجبرئيل وميكائيل في بيع مولانا علي عليه‌السلام بمهجته ، وانه سمح بما لم يسمح به خواصّ ملائكته (٢).

ومنها : انّ الله جلّ جلاله زاد مولانا علياً عليه‌السلام من القوّة الإلهية والقدرة الربانية إلى انّه ما قنع له ان يفدي النبي صلوات الله عليه بنفسه الشريفة النبي صلوات الله عليه بنفسه الشريفة حتّى أمره ان يكون مقيماً بعده في مكّة مهاجراً للأعداء ، وانّه قد هربه منهم وستره بالمبيت على الفراش وغطّاه عنهم ، وهذا ما لا يحتمله قوّة البشر الاّ بآيات باهرة من واهب النفع ودافع الضرر.

ومنها : ان الله جلّ جلاله لم يقنع لمولانا علي عليه‌السلام بهذه الغاية الجليلة ، حتّى

__________________

(١) البقرة : ٢٠٧.

(٢) الطرائف : ٢٦ ، مسند أحمد بن حنبل ١ : ٣٣١ ، العمدة : ١٢٣ ، إحقاق الحق ( عن الثعلبي ) ٦ : ٤٧٩ ، البحار ٣٦ : ٤١.

١٠٩

زاده من المناقب الجميلة وجعله أهلاً أن يقيم ثلاثة أيام بمكة لحفظ عيال سيّدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وان يسير بهم ظاهراً على رغم الأعداء ، وهو وحيد من رجاله ومن يساعده ، على ما بلغ من المخاطرة إليه.

ومنها : انّ هذا الاستسلام من مولانا علي صلوات الله عليه للقتل وفدية النبي صلوات الله عليه ، أظهر مقاماً وأعظم تماماً من استسلام جدّه الذبيح إسماعيل لإبراهيم الخليل عليه وعليهم‌السلام ، لأنّ ذلك استسلام لوالد شفيق يجوز معه ان يرحمه‌الله جلّ جلاله ويقيه من ذبح ولده ، كما جرى الحال عليه من التوفيق ، ومولانا علي عليه‌السلام استسلم للأعداء ، الّذين لا يرحمون ولا يرجون لمسامحة في البلاء.

ومنها : انّ إسماعيل عليه‌السلام كان يجوّز انّ الله جلّ جلاله يكرّم أباه بأنّه لا يجد للذّبح ألماً ، فإن الله تعالى قادر ان يجعله سهلاً ، رحمة لأبيه وتكرماً ، ومولانا علي عليه‌السلام استسلم للّذين طبعهم القتل في الحال على الاستقصاء وترك الإبقاء والتعذيب إذا ظفروا بما قدروا من الابتلاء.

ومنها : انّ ذبح إسماعيل بيد أبيه الخليل عليه‌السلام ما كان فيه شماتة ومغالبة ومقاهرة من أهل العداواة ، وانّما هو شيء من الطاعات المقتضية للسعادات والعنايات ، ومولانا علي عليه‌السلام كان قد خاطر بنفسه لشماتة الأعداء والفتك (١) به ، بأبلغ غايات الاشتقاء والاعتداء ، والتمثيل بمهجته الشريفة والتعذيب له بكلّ إرادة من الكفّار سخيفة.

ومنها : انّ العادة قاضية وحاكمة انّ زعيم العسكر إذا اختفى أو اندفع عن مقام الاخطار وانكسر علم القوة والاقتدار ، فإنّه لا يكلّف رعيّته المتعلّقون عليه ان يقفوا موقفاً قد فارقه زعيمهم وكان معذوراً في ترك الصبر عليه ، ومولانا علي عليه‌السلام كلّف الصبر والثبات على مقامات قد اختفى فيها زعيمه الّذي يعوّل عليه صلوات الله وسلامه عليه ، وانكسر فيها علم القوّة الذي تنظر عيون الجيش إليه ، فوقف مولانا على صلوات

__________________

(١) فتك به : بطش به أو قتله على غفلة.

١١٠

الله عليه وزعيمه غير حاضر ، فهو موقف قاهر ، وهذا فضل من الله جلّ جلاله لمولانا علي عليه‌السلام باهر وبمعجزات تخرق عقول ذوي الألباب وتكشف لك انه القائم مقامه في الأسباب.

ومنها : انّه فدية مولانا علي عليه‌السلام لسيّدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت من أسباب التمكين من مهاجرته ، ومن كل ما جرى من السعادات والعنايات بنبوّته ، فيكون مولانا علي عليه‌السلام قد صار من أسباب التمكين من كلّ ما جرت حال الرسالة عليه ومشاركا له في كل خير فعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبلغ حاله إليه.

وقد اقتصرت في ذكر أسرار المهاجرة الشريفة النبوية على هذه المقامات الدّينيّة ، ولو أردت بالله جلّ جلاله أوردت مجلّدا منفرداً في هذه الحال ، ولكن هذا كاف شاف للمنصفين وأهل الإقبال.

فصل (٢)

فيما نذكره ممّا يدعي به في غرّة شهر ربيع الأول

وجدنا ذلك في كتاب المختصر من المنتخب ، فقال ما هذا لفظه : الدعاء في غرّة ربيع الأول ، نقول :

اللهُمَّ لا إِلهَ إِلاَّ انْتَ ، يا ذَا الطَّوْلِ وَالْقُوَّةِ ، وَالْحَوْلِ وَالْعِزَّةِ ، سُبْحانَكَ ما أَعْظَمَ وَحْدانِيَّتَكَ ، وَأَقْدَمَ صَمَدِيَّتَكَ ، وَأَوْحَدَ إِلهِيَّتَكَ ، وَأَبْيَنَ رُبُوبِيَّتَكَ ، وَأَظْهَرَ جَلالَكَ ، وَأَشْرَفَ بَهاءَ آلائِكَ ، وَأَبْهى كَمالَ صَنائِعِكَ (١) ، وَأَعْظَمَكَ فِي كِبْرِيائِكَ ، وَأَقْدَمَكَ فِي سُلْطانِكَ ، وَأَنْوَرَكَ فِي أَرْضِكَ وَسَمائِكَ ، وَأَقْدَمَ مُلْكَكَ ، وَأَدْوَمَ عِزَّكَ ، وَأَكْرَمَ عَفْوَكَ ، وَأَوْسَعَ حِلْمَكَ ، وَأَغْمَضَ عِلْمَكَ ، وَأَنْفَذَ قُدْرَتَكَ ، وَأَحْوَطَ قُرْبَكَ.

أَسْأَلُكَ بِنُورِكَ الْقَدِيمِ ، وَأَسْمائِكَ الَّتِي كَوَّنْتَ بِها كُلَّ شَيْءٍ ، أَنْ تُصَلِّيَ

__________________

(١) أكرم بها صنائعك ( خ ل ).

١١١

عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ (١) ، كَما صَلَّيْتَ وَبارَكْتَ وَرَحِمْتَ وَتَرَحَّمْتَ عَلى إِبْراهِيمَ وَآلِ إِبْراهِيمَ (٢) إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ، وَأَنْ تَأْخُذَ بِناصِيَتِي إِلى مُوافَقَتِكَ ، وَتَنْظُرَ إِلَيَّ بِرَأْفَتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَتَرْزُقَنِي الْحَجَّ إِلى بَيْتِكَ الْحَرامِ ، وَانْ تَجْمَعَ بَيْنَ رُوحِي وَأَرْواحِ أَنْبِيائِكَ وَرُسُلِكَ ، وَتُوصِلَ الْمِنَّةَ بِالْمِنَّةِ ، وَالْمَزِيدَ بِالْمَزِيدِ ، وَالْخَيْرَ بِالْبَرَكاتِ ، وَالإِحْسانَ بِالإِحْسانِ ، كَما تَفَرَّدْتَ بِخَلْقِ ما صَنَعْتَ ، وَعَلى مَا ابْتَدَعْتَ وَحَكَمْتَ وَرَحِمْتَ.

فَأَنْتَ الَّذِي لا تُنازَعُ فِي الْمَقْدُورِ ، وَأَنْتَ مالِكُ الْعِزِّ وَالنُّورِ ، وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً ، وَأَنْتَ الْقائِمُ الدَّائِمُ الْمُهَيْمِنُ الْقَدِيرُ.

إِلهِي لَمْ أَزَلْ سائِلاً مِسْكِيناً فَقِيراً إِلَيْكَ ، فَاجْعَلْ جَمِيعَ أُمُورِي (٣) ، مَوْصُولاً (٤) بِثِقَةِ الاعْتِمادِ عَلَيْكَ ، وَحُسْنِ الرُّجُوعِ إِلَيْكَ ، وَالرِّضا بِقَدَرِكَ ، وَالْيَقِينِ بِكَ ، وَالتَّفْوِيضِ إِلَيْكَ.

سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ، سُبْحانَهُ ، بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ ، سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النّارِ ، سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ، سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ ، سُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

سُبْحانَ اللهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، سُبْحانَ اللهِ عَمّا يُشْرِكُونَ ، ( سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) ، ( فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ) ، ( وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ. )

( يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ

__________________

(١) على آل محمد ( خ ل ).

(٢) على آل إبراهيم ( خ ل ).

(٣) أمري ( خ ل ).

(٤) في البحار : موصولة.

١١٢

مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ ، سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ، ) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً.

سُبْحانَ رَبَّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً ، سُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ، سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ ، سُبْحانَهُ هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهّارُ ، سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنّا ظالِمِينَ ، سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمّا يَصِفُونَ ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

اللهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَعَرِّفْنا بَرَكَةَ هذَا الشَّهْرِ وَيُمْنَهُ ، وَارْزُقْنا خَيْرَهُ وَاصْرِفْ عَنّا شَرَّهُ ، وَاجْعَلْنا فِيهِ مِنَ الْفائِزِينَ ، بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ (١).

فصل (٣)

فيما نذكره من حال اليوم التاسع من ربيع الأول

اعلم أنّ هذا اليوم وجدنا فيه رواية عظيمة الشأن (٢) ، ووجدنا جماعة من العجم والإخوان يعظّمون السرور فيه ، ويذكرون أنّه يوم هلاك بعض من كان يهوّن بالله جلّ جلاله ورسوله صلوات الله عليه ويعاديه ، ولم أجد فيما تصفّحت من الكتب إلى الآن موافقة أعتمد عليها للرواية الّتي رويناها عن ابن بابويه تغمده الله بالرضوان (٣) ، فإن أراد أحد تعظيمه مطلقاً لسرّ يكون في مطاويه غير الوجه الّذي ظهر فيه احتياطاً للرواية ، فكذا عادة ذوي الرّعاية.

أقول : وإنّما قد ذكرت في كتاب التعريف للمولد الشريف عن الشيخ الثقة محمّد بن جرير بن رستم الطّبري الإمامي في كتاب دلائل الإمامة أنّ وفاة مولانا الحسن العسكريّ صلوات الله عليه كانت لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأوّل.

__________________

(١) عنه البحار ٩٨ : ٣٤٨.

(٢) عظيم الشأن ( خ ل ).

(٣) رواه ابن طاوس في زوائد الفوائد ، عنه البحار ٩٨ : ٣٥١.

١١٣

وكذلك ذكر محمّد بن يعقوب الكلينيّ في كتاب الحجّة ، وكذلك قال محمّد بن هارون التلعكبري ، وكذلك ذكر حسين بن حمدان بن الخطيب ، وكذلك ذكر الشيخ المفيد في كتاب الإرشاد ، وكذلك قال المفيد أيضا في كتاب مولد النبيّ والأوصياء ، وكذلك ذكر أبو جعفر الطوسيّ في كتاب تهذيب الأحكام ، وكذلك قال حسين بن خزيمة ، وكذلك قال نصر بن عليّ الجهضميّ في كتاب المواليد ، وكذلك الخشّاب في كتاب المواليد أيضا ، وكذلك قال ابن شهرآشوب في المناقب (١).

فإذا كانت وفاة مولانا الحسن العسكري عليه‌السلام كما ذكر هؤلاء (٢) لثمان خلون من ربيع الأوَّل ، فيكون ابتداء ولاية المهدي عليه‌السلام على الأمّة يوم تاسع ربيع الأوّل ، فلعلّ تعظيم هذا اليوم وهو يوم تاسع ربيع الأوّل لهذا الوقت المفضّل والعناية لمولى المعظّم المكمّل.

أقول : وإن كان يمكن أن يكون تأويل ما رواه أبو جعفر ابن بابويه ، في أنّ قتل من ذكر كان يوم تاسع ربيع الأوّل ، لعلّ معناه أنّ السبب الّذي اقتضى عزم القاتل على قتل من قتل كان ذلك السبب يوم تاسع ربيع الأوّل ، فيكون اليوم الّذي فيه سبب القتل أصل القتل.

ويمكن أن يسمّى مجازا بالقتل ، ويمكن أن تأوّل بتأويل آخر ، وهو أن يكون توجّه القاتل من بلده إلى البلد الّذي وقع القتل فيه يوم تاسع ربيع الأوّل ، أو يوم وصول القاتل إلى المدينة الّتي وقع فيها القتل كان يوم تاسع ربيع الأوّل.

وأمّا تأويل من تأوّل أنّ الخبر بالقتل وصل إلى بلد أبي جعفر ابن بابويه يوم تاسع ربيع الأوّل ، فلأنّه لا يصحّ ، لأنّ الحديث الّذي رواه ابن بابويه عن الصادق عليه‌السلام ضمن أنّ القتل كان في يوم تاسع ربيع الأوّل فكيف يصحّ تأويل أنّه يوم بلغ الخبر إليهم.

__________________

(١) في المواليد ( خ ل ).

(٢) راجع الكافي ١ : ٥٠٣ ، الإرشاد للمفيد : ٣٤٥ ، دلائل الإمامة : ٢٢٣ ، كفاية الأثر : ٣٢٦ ، البحار ٥٠ : ٣٢٥ ، مناقب آل أبي طالب ٤ : ٤٢١ ، تهذيب الأحكام ٦ : ٩٢.

١١٤

فصل (٤)

فيما نذكره من صوم اليوم العاشر من شهر ربيع الأوّل

روينا ذلك بإسنادنا إلى شيخنا المفيد رضوان الله جلّ جلاله عليه من كتاب حدائق الرّياض الذي أشرنا إليه ، فقال عند ذكر ربيع الأول ما هذا لفظه :

اليوم العاشر منه تزوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خديجة بنت خويلد أمّ المؤمنين رضي‌الله‌عنها ، ولها أربعون سنة وله خمس وعشرون سنة ، ويستحب صيامه شكرا لله تعالى على توفيقه بين رسوله والصالحة الرضيّة المرضيّة (١). (٢)

فصل (٦)

فيما نذكره من صوم اليوم الثاني عشر من ربيع الأول

روينا ذلك (٣) بإسنادنا إلى شيخنا المفيد قدس الله جلّ جلاله سرّه فيما ذكره في كتاب حدائق الرياض ، فقال عند ذكر ربيع الأول ما هذا لفظه :

اليوم الثاني عشر منه كان قدوم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المدينة مع زوال الشمس ، وفي مثله سنة اثنتين وثمانين من الهجرة كان انقضاء دولة بني مروان ، فيستحب صومه شكراً لله تعالى على ما أهلك من أعداء رسوله وبغاة عبادة (٤).

أقول : لأنّ فيه بويع السفّاح أوّل خلفاء الدولة الهاشميّة ، أمّا قتل مروان وزوال دولة بني أميّة بالكليّة فإنّه كان في يوم سابع وعشرين من ذي الحجّة ، كما تقدم ذكره في عمل ذي الحجّة.

أقول : وقد روينا في كتاب التعريف للمولد الشريف عدّة مقالات ان اليوم الثاني

__________________

(١) النقية ( خ ل ).

(٢) عنه البحار ٩٨ : ٣٥٧.

(٣) ذلك أيضاً ( خ ل ).

(٤) عنه البحار ٩٨ : ٣٥٧.

١١٥

عشر من ربيع الأول كانت ولادة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فصومه مهمّ احتياطاً للعبادة بما يبلغ الجهد إليه.

فصل (٦)

فيما نذكره من صلاة في اليوم الثاني عشر من ربيع الأوّل

وجدناها في كتب أصحابنا من العجم ، فقال عن ربيع الأوّل ما هذا لفظه :

في الثاني عشر منه يستحب ان تصلّي فيه ركعتين ، في الأولى الحمد مرة و ( قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ) ثلاثا ، وفي الثانية الحمد مرة و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ثلاثا (١).

فصل (٧)

فيما نذكره مما يختصّ باليوم الثالث عشر من شهر ربيع الأول

من فضل شملني فيه قبل أن أتوسل (٢) ليعلم ذرّيتي وذوو مودّتي انّني كنت قد صمت يوم ثاني عشر ربيع الأول كما ذكرناه من فضله وشرف محله وعزمت على إفطار يوم ثالث عشر ، وذلك في سنة اثنتين وستّين وستمائة ، وقد أمرت بتهيئة الغذاء ، فوجدت حديثاً في كتاب الملاحم للبطائني عن الصادق عليه‌السلام يتضمّن وجود الرّجل من أهل بيت النبوة بعد زوال ملك بني العباس ، يحتمل ان يكون (٣) الإشارة إلينا والانعام علينا.

وهذا ما ذكره بلفظه من نسخة عتيقة بخزانة مشهد الكاظم عليه‌السلام ، وهذا ما رويناه ورأينا عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال :

الله أجل وأكرم وأعظم من ان يترك الأرض بلا امام عادل ، قال : قلت له : جعلت فداك فأخبرني بما أستريح إليه ، قال : يا أبا محمد ليس يرى امّة محمّد صلّى الله عليه

__________________

(١) عنه البحار ٩٨ : ٣٥٧.

(٢) أتوصل ( خ ل ).

(٣) يكون إليه ( خ ل ).

١١٦

وآله فرجاً ابداً ما دام لولد بني فلان ملك حتى ينقرض ملكهم ، فإذا انقرض ملكهم أتاح الله لامّة محمد رجلاً (١) منّا أهل البيت ، يشير بالتقى ويعمل بالهدي ولا يأخذ في حكمه الرّشى ، والله انّي لا عرفه باسمه واسم أبيه ، ثمّ يأتينا الغليظ القصرة ذو الخال والشّامتين ، القائم العادل الحافظ لما استودع يملأها قسطاً وعدلا كما ملأها الفجار جوراً وظلما ـ ثم ذكر تمام الحديث.

أقول : ومن حيث انقرض ملك بني العباس لم أجد ولا أسمع برجل من أهل البيت يشير بالتّقي ويعمل بالهدي ولا يأخذ في حكمه الرشا ، كما قد تفضّل الله به علينا باطناً وظاهراً ، وغلب ظنّي أو عرفت انّ ذلك إشارة إلينا وإنعام ، فقلت ما معناه :

يا الله ان كان هذا الرجل المشار إليه أنا فلا تمنعني من صوم هذا يوم ثالث عشر ربيع الأول ، على عادتك ورحمتك في المنع ممّا تريد منعي منه وإطلاقي فيما تريد تمكيني منه ، فوجدت إذنا وأمراً بصوم هذا اليوم وقد تضاحى نهاره ، فصمته.

وقلت في معناه : يا الله ان كنت انا المشار إليه فلا تمنعني من صلاة الشكر وأدعيتها ، فقمت فلم امنع بل وجدت لشيء مأمور فصلّيتها ودعوت بأدعيتها ، وقد رجوت ان يكون الله تعالى برحمته قد شرّفني بذكري في الكتب السالفة على لسان الصادق عليه‌السلام.

فانّنا قبل الولاية على العلويين كنّا في تلك الصفات مجتهدين ، وبعد الولاية على العلويين زدنا في الاجتهاد في هذه الصفات والسّيرة فيهم بالتقوى والمشورة بها والعمل معهم بالهدي ، وترك الرّشى قديماً وحديثاً ، لا يخفى ذلك على من عرفنا ، ولم يتمكّن أحد في هذه الدولة القاهرة من العترة الطاهرة ، كما تمكّنا نحن من صدقاتها المتواترة واستجلاب الأدعية الباهرة والفرامين المتضمّنة لعدلها ورحمتها المتظاهرة.

وقد وعدت انّ كلّ سنة أكون متمكّنا على عادتي من عبادتي اعمل فيه ما يهديني الله إليه من الشكر وسعادة دنياي وآخرتي ، وكذلك ينبغي ان تعمله ذريّتي ، فإنّهم

__________________

(١) برجل ( خ ل ).

١١٧

مشاركون فيما تضمّنته كرامتي.

ووجدت بشارتين فيما ذكرته في كتاب البشارات في الملاحم ، تصديق انّ المراد نحن بهذه المراحم والمكارم.

فصل (٨)

فيما نذكره من انّه ينبغي صوم اليوم الرابع عشر من ربيع الأول

أقول : كان شيخنا المفيد رضي‌الله‌عنه قد جعل هلاك بعض أعداء الله جلّ جلاله في يوم من الأيّام يقتضي استحباب الصيام شكراً لله جلّ جلاله على ذلك الانعام والانتقام ، وقد ذكر رحمه‌الله في اليوم الرابع عشر ما هذا لفظه :

الرابع عشر منه سنة أربع وستّين كان هلاك الملحد الملعون يزيد بن معاوية لعنه الله ولعن من طرق له ما أتاه إلى عترة رسوله ومهّد له ورضيه ومالاه (١) عليه.

أقول : فهذا اليوم الرابع عشر حقيق بالصيام شكراً على هلاك امام الظلم والغدر (٢) ، ويوم الصدقات والمبالغة في الحمد والشكر.

فصل (٩)

فيما رويناه من تعظيم ليلة سبع عشرة من ربيع الأول

ووجدت في كتاب شفاء الصدور في الجزء الخامس والأربعين منه في تفسير القرآن عند تفسير بني إسرائيل تأليف أبي بكر محمد بن الحسن بن زياد المعروف بالنقّاش ، في حديث الإسراء بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ما هذا لفظه : « يقال : اسرى به في ليلة سبع عشرة من ربيع الأول قبل الهجرة بسنة. » أقول : فإن صحّ ما قد ذكره من الإسراء في الليلة المذكورة ، فينبغي تعظيمها ومراعاتها وحقوقها المذكورة بالأعمال المشكورة.

__________________

(١) كذا في النسخ ، ولعل الأصل : ما لامه عليه.

(٢) العدوان ( خ ل ).

١١٨

فصل (١٠)

فيما نذكره من ولادة سيّدنا وجدّنا الأعظم محمد صلوات الله عليه وآله رسول المالك الأرحم وما يفتح الله جلّ جلاله فيها علينا من حال معظم

اعلم انّ الحمل لسيدنا ومولانا رسول ربّ العالمين وولادته المقدسّة العظيمة الشّأن عند الملائكة والأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم أجمعين ما يقوى قلبي ولا عقلي ولا لساني ولا قلمي ولا محلّي ، ان اقدر على شرح فضل الله جلّ جلاله باختيارها وإظهار أَنوارها ، لانّ سيّدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اشتملت ولادته الشريفة ورسالته المعظّمة المنيفة على فضل من الله جلّ جلاله لا يبلغ وصفي إليه.

فمن ذلك : انّه كان صلى‌الله‌عليه‌وآله قد جاء بعد مائة ألف نبي وأربعة وعشرين ألف نبي :

منهم من تضمّن القرآن الشريف انّه اصطفاه واسجد له ملائكته وجعله رسولاً ، ومنهم : من اتخذه الله جلّ جلاله خليلاً ، ومنهم : من سخّر الله جلّ جلاله له الجبال ، « يُسَبِّحْنَ مَعَهُ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْراقِ » (١) ، وبلغ به غايات من التمكين ، ومنهم : من أتاه من الملك ما لم يؤت أحداً من العالمين ، ومنهم : من كلّمه الله جلّ جلاله تكليماً ووهبه مقاماً جليلاً عظيماً ، ومنهم : من جعله الله جلّ جلاله روحا من أمره ، ومكّنه من احياء الأموات ، وبالغ في علوّ قدره ، وغيرها.

وهؤلاء من الأنبياء والأوصياء انقضت أيّامهم وأحكامهم وشرائعهم وصنائعهم ، ولم يتّفق لأحد منهم ان يفتح من أبواب العلوم الدينيّة والدنيويّة ، وان ينجح من أسباب الآداب الإلهيّة والبشريّة ما بلغ إليه سيّدنا محمد صلوات الله عليه ، وانّه بلغ بأمنيّته (٢) وبلغت أمّته به صلوات الله عليه إلى حال يعجز الإمكان والزّمان عن شرح ما جرت علومه وعلومهم منه عليه‌السلام ، وقد ملئوا أقطار المشارق والمغارب بالمعارف وذكر

__________________

(١) ص : ١٨.

(٢) بأمته ( خ ل ).

١١٩

المواهب والمناقب.

ومنها : انّ زمان تمكينه من هذه العلوم المبسوطة في البلاد والعباد كانت مدّة يسيرة لا تقوم في العادة بهذا المراد الاّ بآيات باهرة أو معجزات قاهرة (١) من سلطان الدنيا والآخرة (٢) ، لانّ مقامه صلى‌الله‌عليه‌وآله بمكّة رسولا مدّة ثلاثة عشرة سنة كان ممنوعا من التمكين ، ومدّة مقامه بالمدينة ، وهي عشر سنين ، كان مشغولاً بالحروب للكافرين ومقاساة الضّالين والمنافقين والجاهلين ، ولو انّه صلوات الله عليه كان في هذه الثلاثة وعشرين سنة متفرّعاً لما بلغ حال علومه وهدايته إليه ، كان ذلك الزّمان قليلا في الإمكان بالنسبة إلى ما جرى من الفضل وبسط لسان العقل والنقل ، وكان ذلك من آيات الله جلّ جلاله العظيمة الشأن وآياته صلوات الله عليه الّتي تعجز عنها عبارة القلم واللسان.

ومنها : انّه صلوات الله عليه أحيى العقول والألباب ، وقد ماتت وصارت كالتراب ، وصار أصحابها كالدواب.

ومنها : انّه صلوات الله عليه نصر العقل بعد إحيائه ، وقد كان انكسر عسكره واستولت عليه يد أعدائه.

ومنها : انّه صلوات الله عليه زكّى الأنبياء صلوات الله عليهم على التفصيل في وقته القليل بما لم يبلغوا إلى تزكيتهم لله جلّ جلاله ولهم عليهم‌السلام في زمانهم الطويل.

ومنها : انّه صلوات الله عليه كشف من حال شرف مواضعهم وتحت شرائعهم وأسرارهم وأنوارهم ما لم يبلغ إليه المدّعون لنقل اخبارهم وآثارهم.

ومنها : انّه صلوات الله عليه شرّف بأنّه خاتمهم وناطقهم (٣) وآخرهم في العيان وأوّلهم وأسبقهم في علوّ المكان.

ومنها : انّه صلوات الله عليه شرّف باثني عشر من مقدّس ظهره قائمون بأمره وسرّه

__________________

(١) باهرات ، قاهرات ( خ ل ).

(٢) المعاد ( خ ل ).

(٣) ناظمهم ( خ ل ).

١٢٠