العبّاس بن علي عليهما السلام رائد الكرامة والفداء في الإسلام

باقر شريف القرشي

العبّاس بن علي عليهما السلام رائد الكرامة والفداء في الإسلام

المؤلف:

باقر شريف القرشي


المحقق: مهدي باقر القرشي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار المعروف للطباعة والنشر
المطبعة: نگارش
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-8275-79-7
الصفحات: ٢٣٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &



وقبل أن أتحدّث عن ولادة أبي الفضل العبّاس عليه‌السلام ونشأته أعرض بإيجاز إلى نسبه الوضّاح ، ذلك النسب الكريم الذي كان له الأثر التامّ في بناء شخصيّته العظيمة ، وتكوين سلوكه المشرّف القائم على الشرف والفضيلة ، وفيما يلي ذلك :

نسبه عليه‌السلام الوضّاح

ليس في دنيا الأنساب نسبٌ أسمى ، ولا أرفع من نسب أبي الفضل ، فهو من صميم الاُسرة العلويّة ، التي هي من أجلّ وأشرف الاُسر التي عرفتها الإنسانيّة في جميع أدوارها ، تلك الاُسرة العريقة في الشرف والمجد ، التي أمدّت العالم العربي والإسلامي بعناصر الفضيلة ، والتضحية في سبيل الخير ، وما ينفع الناس ، وأضاءت الحياة العامّة بروح التقوى والإيمان ، وهذا عرض موجز للاُصول الكريمة التي تفرّع قمر بني هاشم ، وفخر عدنان منها .

الأب

أمّا الأب الكريم لسيّدنا العبّاس عليه‌السلام فهو الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وصيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وباب مدينة علمه ، وختنه على حبيبته ، وهو أوّل من آمن بالله ، وصدّق رسوله ، وكان منه بمنزلة هارون من موسى ، وهو بطل الإسلام ، والمنافح الأوّل عن كلمة التوحيد ، وقد قاتل الأقربين والأبعدين من أجل نشر رسالة الإسلام ، وإشاعة

٢١
 &

أهدافه العظيمة بين الناس ، وقد تمثّلت بهذا الإمام العظيم جميع فضائل الدنيا ، فلا يدانيه أحد في فضله وعلمه ، وهو ـ بإجماع المسلمين ـ أثرى شخصيّة علميّة في مواهبه وعبقريّاته بعد الرسول محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو غنيّ عن البيان والتعريف ، فقد استوعبت فضائله ومناقبه جميع لغات الأرض . . ويكفي العبّاس شرفاً وفخراً أنّه فرع من دوحة الإمامة ، وأخ لسبطي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

الاُمّ

أمّا الاُمّ الجليلة المكرّمة لأبي الفضل العبّاس عليه‌السلام فهي السيّدة الزكيّة فاطمة بنت حزام بن خالد . . وأبوها حزام من أعمدة الشرف في العرب ، ومن الشخصيّات النابهة في السخاء والشجاعة وقري الأضياف .

وأمّا اُسرتها فهي من أجلّ الاُسر العربيّة ، وقد عُرفت بالنجدة والشهامة ، وقد اشتهر منها جماعة بالنبل والبسالة منهم :

١ ـ عامر بن الطفيل

وهو أخو عمرة الجدّة الاُولى لاُمّ البنين ، وكان من ألمع فرسان العرب في شدّة بأسه ، وقد ذاع اسمه في الأوساط العربيّة وغيرها ، وبلغ من عظيم شهرته أنّ قيصر إذا قدم عليه وافد من العرب ، فإن كان بينه وبين عامر نسب عظم عنده ، وبجّله وأكرمه ، وإلّا أعرض عنه .

٢ ـ عامر بن مالك

وهو الجدّ الثاني للسيّدة اُمّ البنين ، وكان من فرسان العرب وشجعانهم ، ولُقّب بملاعب الأسنّة لشجاعته الفائقة ، وفيه يقول الشاعر :

يُلاعِبُ أَطرافَ الأَسِنَّةِ عامِرٌ

فَراحَ لَهُ حَظُّ الكَتائِبِ أَجْمَعُ

٢٢
 &

وبالإضافة إلى شجاعته ، فقد كان من اُباة الضيم ، وحفظة الذمار ، ومراعاة العهد ، ونقل المؤرّخون عنه بوادر كثيرة تدلّل على ذلك .

٣ ـ الطفيل

وهو والد عمرة الجدّة الاُولى لاُمّ البنين ، كان من أشهر شجعان العرب ، وله أشقّاء من خيرة فرسان العرب ، منهم : ربيعة ، وعبيدة ، ومعاوية ، ويقال لاُمّهم ( اُمّ البنين ) ، وقد وفدوا على النعمان بن المنذر فرأوا عنده الربيع بن زياد العبسي ، وكان عدوّاً وخصماً لهم ، فاندفع لبيد بن ربيعة الشاعر المشهور وقد تميّز من الغيظ فخاطب النعمان :

يا واهِبَ الَخيرِ الجَزيل مِنْ سَعَة

نَحنُ بَنو اُمِّ البَنينِ الأَرْبَعَة

وَنَحنُ خَيرُ عامِرِ بْنِ صَعْصَعَة

المُطْعِمونَ الجَفنَةَ المُدَعْدَعَة

الضّارِبونَ الهامَ وَسطَ الحَيصَعَة

إِلَيكَ جاوَزْنا بِلاداً مُسْبِعَة

تُخْبَرُ عَنْ هٰذا خَبيراً فَاسْمَعَه

مَهْلاً أَبَيتَ اللَّعنَ لَا تَأْكُلْ مَعَه

فتأثّر النعمان للربيع ، وأقصاه عن مسامرته ، وقال له :

شَرِّدْ بِرَحلِكَ عَنّي حَيثُ شِئْتَ وَلا

تُكثِرْ عَلَيَّ وَدَعْ عَنْكَ الأَباطيلا

قَدْ قيلَ ذلِكَ إنْ حَقّاً وَإِنْ كَذِباً

فَما اعْتِذارُكَ في شَيْءٍ إِذا قِيلا (١)

ودلّ ذلك على عظيم مكانتهم ، وسموّ منزلتهم الاجتماعيّة عند النعمان ، فقد بادر إلى إقصاء سميره الربيع عن مسامرته .

٤ ـ عروة بن عتبة

وهو والد كبشة الجدّة الثانية لاُمّ البنين ، وكان من الشخصيّات البارزة في العالم

__________________________

(١) خزانة الأدب : ١٤ . معجم البلدان : ١٠ : ٣٨٦ .

٢٣
 &

العربي ، وكان يفد على ملوك عصره فيكرمونه ويجزلون له العطاء ، ويحسنون له الوفادة (١) .

هؤلاء بعض الأعلام من أجداد السيّدة الكريمة اُمّ البنين ، وقد عرفوا بالنزعات الكريمة ، والصفات الرفيعة ، وبحكم قانون الوراثة فقد انتقلت صفاتهم الشريفة إلى السيّدة اُمّ البنين ، ثمّ منها إلى أبنائها الممجّدين .

قِران الإمام عليه‌السلام باُمّ البنين

ولمّا ثكل الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام بوفاة بضعة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وريحانته سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها‌السلام ندب أخاه عقيلاً ، وكان عالماً بأنساب العرب أن يخطب له امرأة قد ولدتها الفحول ليتزوّجها لتلد غلاماً زكيّاً شجاعاً لينصر ولده أبا الشهداء في ميدان كربلاء (٢) ، فأشار عليه عقيل بالسيّدة اُمّ البنين الكلابيّة ، فإنّه ليس في العرب من هو أشجع من أهلها ، ولا أفرس ، وكان لبيد الشاعر يقول فيهم : « نحن خير عامر بن صعصعة » ، فلا ينكر عليه أحد من العرب ، ومن قومها ملاعب الأسنّة أبو براء الذي لم يعرف العرب مثله في الشجاعة (٣) .

فندبه الإمام في خطبتها ، وانبرى عقيل إلى أبيها فعرض عليه الأمر ، فأسرع فرحاً إليها فاستجابت باعتزاز وفخر ، وزفّت إلى الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقد رأى فيها العقل الراجح ، والإيمان الوثيق ، وسموّ الآداب ، ومحاسن الصفات ، فأعزّها وأخلص لها أعظم ما يكون الإخلاص .

__________________________

(١) قمر بني هاشم : ١ : ١١ ـ ١٣ .

ذكر المحقّق الشيخ عبد الواحد المظفر في كتابه ( بطل العلقمي ) عرضاً مفصّلاً لمآثر هذه الاُسرة الكريمة .

(٢) و (٣) تنقيح المقال ٢ : ١٢٨ .

٢٤
 &

رعايتها لسبطيّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

وقامت السيّدة اُمّ البنين برعاية سبطي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وريحانتيه ، وسيّدي شباب أهل الجنّة الحسن والحسين عليهما‌السلام ، وقد وجدا عندها من العطف والحنان ما عوّضهما من الخسارة الأليمة التي مُنيا بها بفقد اُمّهما سيّدة نساء العالمين ، فقد توفّيت ، وعمرها كعمر الزهور ، فقد ترك فقدها اللوعة والحزن في نفسيهما .

لقد كانت السيّدة اُمّ البنين تكنّ في نفسها من المودّة والحبّ للحسن والحسين عليهما‌السلام ما لا تكنّه لأولادها الذين كانوا ملء العين في كمالهم وآدابهم .

لقد قدّمت اُمّ البنين أبناء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على أبنائها في الخدمة والرعاية ، ولم يعرف التاريخ أنّ ضرّة تخلص لأبناء ضرّتها وتقدّمهم على أبنائها سوى هذه السيّدة الزكيّة ، فقد كانت ترى ذلك واجباً دينياً ، لأنّ الله أمر بمودّتهما في كتابه الكريم ، وهما وديعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وريحانتاه ، وقد عرفت اُمّ البنين ذلك فوفت بحقّهما ، وقامت بخدمتهما خير قيام .

مكانتها عند أهل البيت عليهم‌السلام

ولهذه السيّدة الزكيّة مكانة متميّزة عند أهل البيت عليهم‌السلام ، فقد أكبروا إخلاصها وولاءها للإمام الحسين عليه‌السلام ، وأكبروا تضحيات أبنائها المكرّمين في سبيل سيّد الشهداء عليه‌السلام .

يقول الشهيد الأوّل ـ وهو من كبار فقهاء الإماميّة ـ : « كانت اُمّ البنين من النساء الفاضلات ، العارفات بحقّ أهل البيت عليهم‌السلام ، مخلصة في ولائهم ، ممحضة في مودّتهم ، ولها عندهم الجاه الوجيه ، والمحلّ الرفيع ، وقد زارتها زينب الكبرى بعد وصولها المدينة تعزّيها بأولادها الأربعة ، كما كانت تعزّيها أيّام العيد » (١) .

__________________________

(١) العباس / المقرّم : ٧٢ و ٧٣ نقلاً عن مجموعة الشهيد الأوّل .

٢٥
 &

إنّ زيارة حفيدة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وشريكة الإمام الحسين عليه‌السلام في نهضته زينب الكبرى عليها‌السلام لاُمّ البنين ، ومواساتها لها بمصابها الأليم بفقد السادة الطيّبين من أبنائها ، ممّا يدلّ على أهميّة اُمّ البنين وسموّ مكانتها عند أهل البيت عليهم‌السلام .

مكانتها عند المسلمين

وتحتلّ هذه السيّدة الجليلة مكانة مرموقة في نفوس المسلمين ، ويذهب الكثيرون إلى أنّ لها منزلة عظيمة عند الله ، وأنّه ما التجأ إليها مكروب ، وجعلها واسطة إلى الله تعالى إلّا كشف عنه ما ألمّ به من المحن والخطوب ، وهم يفزعون إليها إن ألمّت بهم كارثة من كوارث الزمن ، أو محنة من محن الأيّام .

ومن الطبيعي أن تكون لها هذه المنزلة الكريمة عند الله ، فقد قدّمت في سبيله أفلاذ أكبادها ، وجعلتهم قرابين لدينه .

الوليد العظيم

وكان أوّل مولود زكيّ للسيّدة اُمّ البنين هو سيّدنا المعظّم أبو الفضل العبّاس عليه‌السلام ، وقد ازدهرت يثرب ، وأشرقت الدنيا بولادته ، وسرت موجات من الفرح والسرور بين أفراد الاُسرة العلويّة ، فقد ولد قمرهم المشرق الذي أضاء سماء الدنيا بفضائله ومآثره ، وأضاف إلى الهاشميّين مجداً خالداً ، وذكراً نديّاً عاطراً .

وحينما بُشّر الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام بهذا المولود المبارك سارع إلى الدار فتناوله ، وأوسعه تقبيلاً ، وأجرى عليه مراسيم الولادة الشرعيّة ، فأذّن في أُذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى .

لقد كان أوّل صوت قد اخترق سمعه صوت أبيه رائد الإيمان والتقوى في الأرض ، واُنشودة ذلك الصوت : الله أكبر . . لا إلٰه إلّا الله .

وارتسمت هذه الكلمات العظيمة التي هي رسالة الأنبياء ، واُنشودة المتّقين

٢٦
 &

في أعماق أبي الفضل ، وانطبعت في دخائل ذاته ، حتّى صارت من أبرز عناصره ، فتبنّى الدعوة إليها في مستقبل حياته ، وتقطّعت أوصاله في سبيلها .

وفي اليوم السابع من ولادة أبي الفضل عليه‌السلام ، قام الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام بحلق شعره ، والتصدّق بزنته ذهباً أو فضّة على المساكين ، وعقّ عنه بكبش ، كما فعل ذلك مع الحسن والحسين عليهما‌السلام عملاً بالسنّة الإسلامية .

سنة ولادته عليه‌السلام

أفاد بعض المحقّقين أنّ أبا الفضل العبّاس عليه‌السلام وُلد سنة ٢٦ هـ في اليوم الرابع من شهر شعبان (١) .

تسميته عليه‌السلام

سمّى الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام وليده المبارك بـ ( العبّاس ) وقد استشفّ من وراء الغيب أنّه سيكون بطلاً من أبطال الإسلام ، وسيكون عبوساً في وجه المنكر والباطل ، ومنطلق البسمات في وجه الخير ، وكان كما تنبّأ ، فقد كان عبوساً في ميادين الحروب التي أثارتها القوى المعادية لأهل البيت عليهم‌السلام ، فقد دمّر كتائبها ، وجندل أبطالها ، وخيّم الموت على جميع قطعات الجيش في يوم كربلاء ، ويقول الشاعر فيه :

عَبَسَتْ وُجوهُ القَومِ خَوفَ الْمَوتِ

وَالعَبّاسُ فيهِمْ ضاحِكٌ مُتَبَسِّمُ

كنيته عليه‌السلام

وكُنّي سيّدنا العبّاس عليه‌السلام بما يلي :

__________________________

(١) قمر بني هاشم : ٢ : ٥ .

٢٧
 &

١ ـ أبو الفضل

كُنّي بذلك لأنّ له ولداً اسمه الفضل ، ويقول في ذلك بعض من رثاه :

أَبا الفَضْلِ يا مَنْ أسَّسَ الفَضْلَ وَالْإِبا

أَبى الفَضْلُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ أَبا

وطابقت هذه الكنية حقيقة ذاته العظيمة ، فلو لم يكن له ولد يُسمّى بهذا الاسم ، فهو حقّاً أبو الفضل ، ومصدره الفيّاض ، فقد أفاض في حياته ببرّه وعطائه على القاصدين لنبله وجوده ، وبعد شهادته كان موئلاً وملجأً لكلّ ملهوف ، فما استجار به أحد بنيّة صادقة إلّا كشف الله ما ألمّ به من المحن والبلوى .

٢ ـ أبو القاسم

كُنّي بذلك ، لأنّ له ولداً اسمه ( القاسم ) ، وذكر بعض المؤرّخين أنّه استشهد معه يوم الطفّ ، وقدّمه قرباناً لدين الله ، وفداءً لريحانة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

ألقابه عليه‌السلام

اُمّا الألقاب التي تُضفى على الشخص فهي تحكي صفاته النفسيّة حسنة كانت أو سيّئة ، وقد اُضيفت على أبي الفضل عليه‌السلام عدّة ألقاب رفيعة تنمّ عن نزعاته النفسيّة الطيّبة ، وما اتّصف به من مكارم الأخلاق ، وهي :

١ ـ قمر بني هاشم

كان العبّاس عليه‌السلام في روعة بهائه ، وجميل صورته ، آية من آيات الجمال ، ولذلك لقّب بقمر بني هاشم .

وكما كان قمراً لاُسرته العلويّة الكريمة ، فقد كان قمراً في دنيا الإسلام ، فقد أضاء طريق الشهادة ، وأثار مقاصدها لجميع المسلمين .

٢٨
 &

٢ ـ السقّاء

وهو من أجلّ ألقابه ، وأحبّها إليه ، أمّا السبب في إضفاء هذا اللقب الكريم عليه ، لقيامه بسقاية عطاشى أهل البيت عليهم‌السلام حينما فرض الارهابي المجرم ابن مرجانة الحصار على الماء ، وأقام جيوشه على الفرات لتموت ذرّيّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله عطشاً .

وقد قام بطل الإسلام أبو الفضل باقتحام الفرات عدّة مرّات ، وسقى عطاشى أهل البيت عليهم‌السلام ، ومن كان معهم من الأنصار ، وسنذكر تفصيل ذلك عند التعرّض لشهادته .

٣ ـ بطل العلقمي

أمّا العلقمي فهو اسم للنهر الذي استشهد على ضفافه أبو الفضل العبّاس عليه‌السلام ، وكان محاطاً بقوى مكثّفة من قِبل ابن مرجانة لمنع ريحانة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسيّد شباب أهل الجنّة ، ومن كان معه من نساء وأطفال من شرب الماء .

وقد استطاع أبو الفضل بعزمه الجبّار ، وبطولته النادرة أن يجندل الأبطال ، ويهزم أقزام ذلك الجيش المنحطّ ، ويحتلّ ذلك النهر ، وقد قام بذلك عدّة مرّات ، وفي المرّة الأخيرة استشهد على ضفافه ومن ثمّ لُقّب ببطل العلقمي .

٤ ـ حامل اللواء

ومن ألقابه المشهورة ( حامل اللواء ) وهو أشرف لواء ، إنّه لواء أبي الأحرار الإمام الحسين عليه‌السلام ، وقد خصّه به دون أهل بيته وأصحابه ، وذلك لما تتوفّر فيه من القابليّات العسكريّة ، ويعتبر منح اللواء في ذلك العصر من أهمّ المناصب الحسّاسة في الجيش ، وقد كان اللواء الذي تقلّده أبو الفضل يرفرف على رأس الإمام الحسين عليه‌السلام منذ أن خرج من يثرب حتّى انتهى إلى كربلاء ، وقد قبضه بيد من

٢٩
 &

حديد ، فلم يسقط منه حتّى قطعت يداه ، وهوى صريعاً بجنب العلقمي .

٥ ـ كبش الكتيبة

وهو من الألقاب الكريمة التي تمنح الى القائد الأعلى في الجيش ، الذي يقوم بحماية كتائب جيشه بحسن تدبير ، وقوّة بأس ، وقد اُضفي هذا الوسام الرفيع على سيّدنا أبي الفضل ، وذلك لما أبداه يوم الطفّ من الشجاعة والبسالة في الذبّ والدفاع عن معسكر الإمام الحسين عليه‌السلام ، فقد كان قوّة ضاربة في معسكر أخيه ، وصاعقة مرعبة ومدمّرة لجيوش الباطل .

٦ ـ العميد

وهو من الألقاب الجليلة في الجيش التي تُمنح لأبرز الأعضاء في القيادة العسكريّة ، وقد قُلّد أبو الفضل عليه‌السلام بهذا الوسام لأنّه كان عميد جيش أخيه أبي عبد الله عليه‌السلام ، وقائد قوّاته المسلّحة في يوم الطفّ .

٧ ـ حامي الظعينة

ومن الألقاب المشهورة لأبي الفضل عليه‌السلام : ( حامي الظعينة ) .

يقول السيّد جعفر الحلّي في قصيدته العصماء التي رثاه بها :

حامي الظَّعينَةِ أَينَ مِنهُ رَبيعَةٌ

أَمْ أَينَ مِنْ عَلْيا أَبيهِ مُكَرَّمُ

وإنّما اُضفي عليه هذا اللقب الكريم لقيامه بدور مشرّف في رعاية مخدّرات النبوّة وعقائل الوحي ، فقد بذل قصارى جهوده في حمايتهنّ وحراستهنّ وخدمتهنّ ، فكان هو الذي يقوم بترحيلهنّ ، وإنزالهنّ من المحامل طيلة انتقالهنّ من يثرب إلى كربلاء .

ومن الجدير بالذكر أنّ هذا اللقب اُطلق على بطل من شجعان العرب وفرسانهم ،

٣٠
 &

وهو ربيعة بن مكرم ، فقد قام بحماية ظعنه ، وأبلى في ذلك بلاءً حسناً (١) .

__________________________

(١) جاء في العقد الفريد ٣ / ٣٣١ : « أنّ دريد بن الصمّة خرج ومعه جماعة من فرسان بني جشم حتّى إذا كانوا في وادٍ لبني كنانة يقال له الأخرم ، وهم يريدون الغارة على بني كنانة ، فرأوا رجلاً معه ظعينة في ناحية الوادي ، فقال دريد لفارس من أصحابه : امض واستول على الظعينة ، وانتهى الفارس إلى الرجل فصاح به : خلّ عن الظعينة وانج بنفسك ، فألقى زمام الناقة ، وقال للظعينة :

سِيري عَلىٰ رِسْلِكِ سَيرَ الآمِنِ

سَيرَ دَراجٍ ذاتَ جأْشٍ طامِنِ

إِنَّ التَّأَنّي دونَ قَرْني شائِني

اُبْلى بَلائي فَاخْبِري وَعايِني

ثمّ حمل على الرجل فصرعه ، وأخذ فرسه وأعطاها للظعينة ، وبعث دريد فارساً آخر لينظر ما صنع صاحبه فلمّا انتهى إليه رآه صريعاً ، فصاح بالرجل فألقى زمام الظعينة ، فلمّا انتهى إليه حمل عليه وهو يقول :

خَلَّ سَبيلَ الحُرَّةِ المَنيعَة

إِنَّكَ لاقٍ دونَها رَبيعَة

في كَفِّهِ خَطِّيَّةٌ مَنيعَة

أَوْ لا فَخُذْها طَعْنَةً سَريعَة

وحمل عليه فصرعه ، ولمّا أبطأ بعث دريد فارساً آخر لينظر ما صنع الرجلان ، ولمّا انتهى إليهما وجدهما صريعين ، والرجل يجرّ رمحه ، فلمّا نظر إليه قال للظعينة : اقصدي قصد البيوت ، ثمّ أقبل عليه وقال :

ماذا ترىٰ مِنْ شَيْئَمٍ عابِسٍ

أَما تَرى الفارِسَ بَعدَ الفارِسِ

أَرْداهُما عامِلُ رُمْحٍ يابِسٍ

ثمّ حمل عليه فصرعه ، وانكسر رمحه .

وارتاب دريد في أمر جماعته وظنّ أنّهم أخذوا الظعينة وقتلوا الرجل فلحقهم ، وقد دنا ربيعة من الحيّ ، فوجدهم دريد قد قتلوا جميعاً ، فقال لربيعة : إنّ مثلك لا يقتل ، ولا أرى معك رمحك ، والخيل ثائرة بأصحابها ، فدونك هذا الرمح ، فإنّي منصرف عنك إلى أصحابي ، ومثبّطهم عنك .

فانصرف إلى أصحابه وقال لهم : إنّ فارس الظعينة قد حماها ، وقتل أصحابكم ، وانتزع رمحي ، فلا مطمع لكم فيه ، فانصرف القوم .

=

٣١
 &

٨ ـ باب الحوائج

وهذا من أكثر ألقابه شيوعاً وانتشاراً بين الناس ، فقد آمنوا وأيقنوا أنّه ما قصده ذو حاجة بنيّة خالصة إلّا قضى الله حاجته ، وما قصده مكروب إلّا كشف الله ما ألمّ به من محن الأيّام ، وكوارث الزمان ، وكان ولدي محمّد الحسين ممّن التجأ إليه حينما دهمته كارثة ففرّج الله عنه .

إنّ أبا الفضل نفحة من رحمات الله ، وباب من أبوابه ، ووسيلة من وسائله ، وله عنده الجاه العظيم ، وذلك لجهاده المقدّس في نصرة الإسلام ، والذبّ عن أهدافه ومبادئه ، وقيامه بنصرة ريحانة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى استشهد في سبيله .

هذه بعض ألقاب أبي الفضل ، وهي تحكي بعض معالم شخصيّته العظيمة ، وما انطوت عليه من محاسن الصفات ومكارم الأخلاق (١) .

ملامحه عليه‌السلام

أمّا ملامحه فقد كان صورة بارعة من صور الجمال ، وقد لقّب بقمر بني هاشم لروعة بهائه ، وجمال طلعته ، وكان متكامل الجسم قد بدت عليه آثار البطولة والشجاعة ، ووصفه الرواة بأنّه كان وسيماً جميلاً ، يركب الفرس المطهّم (٢) ورجلاه

__________________________

= فقال دريد في ذلك :

ما أَنْ رَأَيتُ وَلا سَمِعتُ بِمِثلِهِ

حامي الظَّعينَةِ فارِساً لَمْ يُقْتَلِ

أَرْدىٰ فَوارِسَ لَمْ يَكونوا نُهْزَةً

ثُمَّ اسْتَمَـرَّ كَأَنَّهُ لَمْ يَفْعلِ

فَتَهَلَّلَتْ تَبْدو أَسِرَّةُ وَجْهِهِ

مِثْلُ الحُسامِ جَلَتْهُ كَفُّ الصَّيْقَلِ

يُزْجي ظَعينَتَهُ وَيَسحَبُ رُمْحَهُ

مِثلَ البُغاثِ خَشينَ وَقْعَ الجَنْدَلِ

(١) جاء في تنقيح المقال ٢ / ١٢٨ : « أنّه تحدث للعباس ستّة عشر لقباً » .

(٢) الفرس المطهم : هو السمين الفاحش في السمن ، كما في القاموس .

=

٣٢
 &

يخطّان في الأرض (١) .

تعويذ اُمّ البنين له عليه‌السلام

واستوعب حبّ العبّاس قلب اُمّه الزكّية ، فكان عندها أعزّ من الحياة ، وكانت تخاف عليه ، وتخشى من أعين الحسّاد من أن تصيبه بأذى أو مكروه ، وكانت تعوّذه بالله ، وتقول هذه الأبيات :

اُعيـذُهُ بِالواحِدِ

مِنْ عَينِ كُلِّ حاسِدِ

قائِمِهِمْ وَالقاعِدِ

مُسلِمِهِمْ وَالجاحِدِ

صادِرِهِمْ وَالْوارِدِ

مُوَلِّدِهِمْ وَالوالِدِ (٢)

مع أبيه عليه‌السلام

كان الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام يرعى ولده أبا الفضل في طفولته ، ويعنى به أشدّ ما تكون العناية فأفاض عليه مكوّنات نفسه العظيمة العامرة بالإيمان والمثل العليا ، وقد توسّم فيه أنّه سيكون بطلاً من أبطال الإسلام ، وسيسجّل للمسلمين صفحات مشرقة من العزّة والكرامة .

كان الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام يوسع العبّاس تقبيلاً ، وقد احتلّ عواطفه وقلبه ، ويقول المؤرّخون : إنّه أجلسه في حجره ، فشمّر العبّاس عن ساعديه ، فجعل الإمام يقبّلهما ، وهو غارق في البكاء ، فبهرت اُمّ البنين وراحت تقول للإمام عليه‌السلام : ما يبكيك ؟

__________________________

= وفي المنجد إنّه التامّ الحسن .

(١) مقاتل الطالبيّين : ٥٦ .

(٢) المنمّق في أخبار قريش : ٤٣٧ .

٣٣
 &

فأجابها الإمام بصوت خافت حزين النبرات : نَظَرْتُ إِلىٰ هٰذيْنِ الْكَفَّيْنِ ، وَتَذَكَّرْتُ ما يَجْري عَلَيْهِما .

وسارعت اُمّ البنين بلهفة قائلة : ماذا يجري عليهما ؟

فأجابها الإمام بنبرات مليئة بالأسى والحزن قائلاً : إِنَّهُما يُقْطَعانِ مِنَ الزَّنْدِ .

وكانت هذه الكلمات كالصاعقة على اُمّ البنين ، فقد ذاب قلبها ، وسارعت وهي مذهولة قائلة : لماذا يقطعان ؟

وأخبرها الإمام عليه‌السلام بأنّهما إنّما يقطعان في نصرة الإسلام ، والذبّ عن أخيه حامي شريعة الله ريحانة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأجهشت اُمّ البنين بالبكاء ، وشاركنها مَن كان معها من النساء لوعتها وحزنها (١) .

وخلدت اُمّ البنين إلى الصبر ، وحمدت الله تعالى في أن يكون ولدها فداءً لسبط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وريحانته .

نشأته عليه‌السلام

نشأ أبو الفضل العبّاس عليه‌السلام نشأة صالحة كريمة ، قلّما يظفر بها إنسان ، فقد نشأ في ظلال أبيه رائد العدالة الاجتماعيّة في الأرض ، فغذّاه بعلومه وتقواه ، وأشاع في نفسه النزعات الشريفة ، والعادات الطيّبة ليكون مثالاً عنه ، واُنموذجاً لمثله ، كما غرست اُمّه السيّدة فاطمة في نفسه جميع صفات الفضيلة والكمال ، وغذّته بحبّ الخالق العظيم ، فجعلته في أيّام طفولته يتطلّع إلى مرضاته وطاعته ، وظلّ ذلك ملازماً له طوال حياته .

ولازم أبو الفضل أخويه السبطين ريحانتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الحسن والحسين عليهما‌السلام سيّدي شباب أهل الجنّة ، فكان يتلقّى منهما قواعد الفضيلة ، واُسس الآداب

__________________________

(١) قمر بني هاشم ١ : ١٩ .

٣٤
 &

الرفيعة ، وقد لازم بصورة خاصّة أخاه أبا الشهداء الإمام الحسين عليه‌السلام ، فكان لا يفارقه في حلّه وترحاله ، وقد تأثّر بسلوكه ، وانطبعت في قرارة نفسه مُثله الكريمة ، وسجاياه الحميدة ، حتّى صار صورة صادقة عنه يحكيه في مُثله واتّجاهاته .

وقد أخلص له الإمام الحسين عليه‌السلام كأعظم ما يكون الإخلاص ، وقدّمه على جميع أهل بيته لما رأى منه من الودّ الصادق له حتّى فداه بنفسه .

إنّ المكوّنات التربويّة الصالحة التي ظفر بها سيّدنا أبو الفضل العبّاس عليه‌السلام قد رفعته إلى مستوى العظماء والمصلحين الذين غيّروا مجرى تاريخ البشريّة بما قدّموه لها من التضحيات الهائلة في سبيل قضاياها المصيريّة ، وإنقاذها من ظلمات الذلّ والعبوديّة .

لقد نشأ أبو الفضل على التضحية والفداء من أجل إعلاء كلمة الحقّ ، ورفع رسالة الإسلام الهادفة إلى تحرير إرادة الإنسان ، وبناء مجتمع أفضل تسوده العدالة والمحبّة والإيثار ، وقد تأثر العبّاس بهذه المبادئ العظيمة ، وناضل في سبيلها كأشدّ ما يكون النضال ، فقد غرسها في أعماق نفسه ، ودخائل ذاته ، أبوه أمير المؤمنين ، وأخواه الحسن والحسين عليهم‌السلام .

هؤلاء العظام الذين حملوا مشعل الحريّة والكرامة ، وفتحوا الآفاق المشرقة لجميع شعوب العالم واُمم الأرض من أجل كرامتهم وحرّيّتهم ، ومن أجل أن تسود العدالة والقيم الكريمة بين الناس .

٣٥
 &

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEMawsouah-Syrah-Ahl-Bayt-part37imagesrafed.jpg

٣٦
 &

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEMawsouah-Syrah-Ahl-Bayt-part37imagespage0037.png

٣٧
 &

Description: E:BOOKSBook-LibraryENDQUEUEMawsouah-Syrah-Ahl-Bayt-part37imagesrafed.jpg

٣٨
 &



واحتلّ أبو الفضل عليه‌السلام قلوب العظماء ومشاعرهم ، وصار اُنشودة الأحرار في كلّ زمان ومكان ، وذلك لمّا قام به من عظيم التضحية تجاه أخيه سيّد الشهداء عليه‌السلام ، الذي ثار في وجه الظلم والطغيان ، وبنى للمسلمين عزّاً شامخاً ، ومجداً خالداً .

وفيما يلي بعض الكلمات القيّمة التي أدلى بها بعض الشخصيّات الرفيعة في حقّ أبي الفضل عليه‌السلام :

أوّلاً : الإمام السجّاد عليه‌السلام

أمّا الإمام زين العابدين عليه‌السلام فهو من المؤسّسين للتقوى والفضيلة في الإسلام ، وكان هذا الإمام العظيم يترحّم دوماً على عمّه العبّاس ، ويذكر بمزيد من الإجلال والإكبار تضحياته الهائلة لأخيه الحسين ، وكان ممّا قاله في حقّه هذه الكلمات القيّمة :

« رَحِمَ اللهُ عَمِّيَ الْعَبّاسَ ، فَلَقَدْ آثَرَ وَأَبْلىٰ ، وَفَدىٰ أَخاهُ بِنَفْسِهِ حَتّىٰ قُطِعَتْ يَداهُ ، فَأَبْدَلَهُ اللهُ ، عَزَّ وَجَلَّ بِهِما جِناحَيْنِ يَطيرُ بِهِما مَعَ الْمَلائِكَةِ في الْجَنَّةِ كَما جَعَلَ لِجَعْفَرِ بْنِ أَبي طالِبٍ ، وَإِنَّ لِلْعَبّاسِ عِنْدَ اللهِ تَبارَكَ وَتَعالىٰ مَنْزِلَةً يَغْبِطُهُ بِها جَميعُ الشُّهَداءِ يَوْمَ الْقِيامَةِ » (١) .

__________________________

(١) الخصال : ٦٨ ، الحديث ١٠١ . أمالي الصدوق : ٥٤٨ ، الحديث ٧٣١ . بحار الأنوار : ٢٢ : ٢٧٤ ، الحديث ٢١ . العوالم : ٢٤٩ .

٣٩
 &

وألمّت هذه الكلمات بأبرز ما قام به أبو الفضل من التضحيات تجاه أخيه أبي الأحرار الإمام الحسين عليه‌السلام ، فقد أبدى في سبيله من ضروب الإيثار وصنوف التضحية ما يفوق حدّ الوصف ، وما كان به مضرب المثل على امتداد التاريخ ، فقد قطعت يداه الكريمتان يوم الطفّ في سبيله ، وظلّ يقاوم عنه حتّى هوى إلى الأرض صريعاً ، وإنّ لهذه التضحيات الهائلة عند الله منزلة كريمة ، فقد منحه من الثواب العظيم ، والأجر الجزيل ما يغبطه عليه جميع شهداء الحقّ والفضيلة في دنيا الإسلام وغيره .

ثانياً : الإمام الصادق عليه‌السلام

أمّا الإمام الصادق عليه‌السلام فهو العقل المبدع والمفكّر في الإسلام ، فقد كان هذا العملاق العظيم يشيد دوماً بعمّه العبّاس ، ويثني ثناءً عاطراً ونديّاً على مواقفه البطوليّة يوم الطفّ ، وكان ممّا قاله في حقّه :

« كانَ عَمِّيَ الْعَبّاسُ بْنُ عَلِيٍّ عليه‌السلام نافِذَ الْبَصيرَةِ ، صُلْبَ الْإِيمانِ ، جاهَدَ مَعَ أَخيهِ الْحُسَيْنِ ، وَأَبْلىٰ بَلاءً حَسَناً ، وَمَضىٰ شَهيداً » (١) .

وتحدّث الإمام الصادق عليه‌السلام عن أنبل الصفات الماثلة عند عمّه العبّاس ، والتي كانت موضع إعجابه وهي :

١ ـ نفاذ البصيرة

أمّا نفاذ البصيرة ، فإنّها منبعثة من سداد الرأي ، وأصالة الفكر ، ولا يتّصف بها إلّا من صفت ذاته ، وخلصت سريرته ، ولم يكن لدواعي الهوى والغرور أي سلطان عليه ، وكانت هذه الصفة الكريمة من أبرز صفات أبي الفضل ، فقد كان من نفاذ

__________________________

(١) ذخيرة الدارين : ١٢٣ . معالي السبطين : ١ : ٤٣٤ .

٤٠