الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة - ج ٢

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]

الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة - ج ٢

المؤلف:

السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسني الحلّي [ السيّد بن طاووس ]


المحقق: جواد القيّومي الاصفهاني
الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الاعلام الاسلامي
المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي
الطبعة: ٢
ISBN: 964-424-300-5
الصفحات: ٥١٥

١
٢

٣
٤

٥
٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وبه نستعين

للتنوّر بأنوارها (١) والاستضاءة بأضواء عنايات الله جلّ جلاله وإسرارها ، ونشكر الله تبارك وتعالى بأن أحلّنا محلّ ألطافه وعناياته الجليلة ، وجعلنا قابلا للتحلّي بالصفات الجميلة.

وشرّفنا للتهيّأ لمناسك أوّل بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً هُدىً لِلْعالَمِينَ ، وأرانا بفضله وكرمه ما فيه من الآيات البيّنات الّتي من جملتها مقام إبراهيم ، وجعل لنا الأمن والأمان من أذى الظّالمين وموجبات سخط ربّ العالمين ، بدخولها لمناسك وعبادات قد فصّلها بلسان الشرع ، كما قال عزّ من قائل ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) (٢) ، وأوجب هذه العبادات والمناسك على كلّ من استطاع إليه سبيلا ، ووجد من الزّاد والراحلة على تيسّره دليلا ، وأشار إلى ذلك بقوله : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) (٣).

ونصلّي على نبيّنا الرّءوف علينا بالهداية إلى هذه الخيرات والحثّ على تلك المبرّات ، وعلى آله الأئمة الهداة والسالكين مسالك الألطاف والعنايات صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.

الباب الأول : فيما نذكره من فوائد شهر شوال ، وفيه عدّة فصول :

فصل : فيما نذكره ممّا روي في تسمية شوّال.

__________________

(١) كذا في النسخ الموجودة ، وقد سقط منها عبارات من خطبة المؤلف.

(٢) آل عمران : ٩٧.

(٣) آل عمران : ٩٧.

٧

فصل : فيما نذكره من انّ صوم السّتة أيّام من شوّال تكون متفرّقة فيه.

فصل : فيما نذكره من صيام شوّال.

فصل : فيما نذكره من كيفية الدّخول في شهر شوال ، وما أنشأناه عند رؤية هلاله من الابتهال ، وما نذكره من الإشارة إلى المنسك بإجمال المقال.

الباب الثاني : فيما نذكره من فوائد شهر ذي القعدة ، وفيه عدة فصول :

فصل : فيما نذكره من الرّواية بأنّ شهر ذي القعدة محلّ لإجابة الدّعاء عند الشدّة.

فصل : فيما نذكره من ابتداء فوائد ذي القعدة.

فصل : فيما نذكره في كيفية الدخول في هذا الشهر.

فصل : فيما نذكره مما يعمل في يوم الأحد من الشهر المذكور وما فيه من الفضل المذخور.

فصل : فيما نذكره من فضل صوم ثلاثة أيام من الشهر الحرام.

فصل : فيما نذكره من فضل ليلة النصف من ذي القعدة والعمل فيها.

فصل : فيما يتعلق بدحو الأرض وإنشاء أصل البلاد وابتداء مساكن العباد.

فصل : فيما نذكره مما يعمل يوم خمس وعشرين من ذي القعدة.

فصل : فيما نذكره من زيادة رواية في فضل يوم دحو الأرض.

فصل : فيما ذكره من التنبيه على فضل الله جل جلاله بدحو الأرض وبسطها لعباده ، والإشارة إلى بعض معاني إرفاده بذلك وإسعاده.

فصل : فيما نذكره من فضل زائد لليلة يوم دحو الأرض ويومها.

فصل : فيما نذكره من الدعاء من يوم خمس وعشرين من ذي القعدة.

فصل : فيما نذكره مما ينبغي ان يكون المكلف عليه في اليوم المشار إليه.

فصل : فيما نذكره مما يختم به ذلك اليوم.

الباب الثالث : فيما يختص بفوائد من شهر ذي الحجّة وموائد للسّالكين صوب المحجة ، وفيه فصول :

فصل : فيما نذكره من الاهتمام بمشاهدة هلاله.

٨

فصل : فيما نذكره في كيفيّة الدّخول في شهر ذي الحجّة.

فصل : فيما نذكره من فضل العشر الأوّل من ذي الحجة على سبيل الإجمال.

فصل : فيما نذكره من زيادة فضل لعشر ذي الحجّة على بعض التفصيل.

فصل : فيما نذكره من فضل صلاة تصلّي كلّ ليلة من عشر ذي الحجّة.

فصل : فيما نذكره من فضل أوّل يوم من ذي الحجّة.

فصل : فيما نذكره من فضل صوم التّسعة أيّام من عشر ذي الحجّة.

فصل : في صلاة ركعتين قبل الزّوال في أوّل يوم من ذي الحجّة.

فصل : فيمن يريد ان يكفي شرّ ظالم فيعمل أوّل يوم من ذي الحجّة.

فصل : فيما نذكره من فضل اليوم الثّامن من ذي الحجّة ، وهو يوم التروية.

فصل : فيما نذكره من فضل ليلة عرفة.

فصل : فيما نذكره من دعاء في ليلة عرفة.

فصل : فيما نذكره من فضل زيارة الحسين عليه‌السلام في ليلة عرفة.

فصل : فيما نذكره من فضل يوم عرفة على سبيل الجملة.

فصل : فيما نذكره من الاهتمام بالدّلالة على الامام يوم عرفة عند اجتماع الأنام ، لأجل حضور الفرق المختلفة من أهل الإسلام.

فصل : فيما نذكره من فضل صوم يوم عرفة والخلاف في ذلك.

فصل : فيما نذكره من فضل زيارة الحسين عليه‌السلام يوم عرفة.

فصل : فيما نذكره من لفظ الزيارة المختصّة بالحسين عليه‌السلام يوم عرفة.

فصل : فيما نذكره من صلاة ركعتين قبل الخروج للدعاء المعتاد ، وهل الاجتماع للدعاء يوم عرفة أفضل أو الانفراد.

فصل : فيما نذكره من الاستعداد لدعاء يوم عرفة أين كان من البلاد.

فصل : فيما نذكره من صلاة تختصّ بيوم عرفة بعد صلاة الظهرين.

فصل : فيما نذكره من أدعية يوم عرفة.

فصل : فيما نذكره مما ينبغي ان يختم به يوم عرفة.

٩

الباب الرابع : فيما نذكره ممّا يتعلّق بليلة عيد الأضحى ويوم عيدها ، وفيه فصول :

فصل : فيما نذكره من فضل إحياء ليلة عيد الأضحى.

فصل : فيما نذكره من فضل زيارة الحسين عليه‌السلام عيد الأضحى.

فصل : فيما نذكره من الإشارة إلى فضل زيارة الحسين عليه‌السلام يوم الأضحى وبما ذا يزار.

فصل : فيما نذكره مما ينبغي أن يكون أهل السعادة والإقبال عليه يوم الأضحى من الأحوال.

فصل : فيما نذكره من الرواية بغسل يوم الأضحى.

فصل : فيما نذكره ممّا يعتمد الإنسان في يوم الأضحى عليه بعد الغسل المشار إليه.

فصل : فيما نذكره من صفة صلاة العيد يوم الأضحى.

فصل : فيما نذكره من فضل الأضحيّة وتأكيدها في السنّة المحمديّة.

فصل : فيما نذكره من رواية عن كم تجزئ الأضحيّة وما يقال عند الذبح.

فصل : فيما نذكره من تعيين أيام وقت الأضاحي.

فصل : فيما نذكره من قسمة لحم الأضحيّة.

فصل : فيما نذكره مما يختم به يوم عيد الأضحى.

الباب الخامس : فيما نذكره مما يختصّ بعيد الغدير في ليلته ويومه من صلاة ودعاء ، وشرف ذلك اليوم وفضل صومه ، وفيه فصول :

فصل : فيما نذكره من عمل ليلة الغدير.

فصل : فيما نذكره من مختصر الوصف ممّا رواه علماء المخالفين عن يوم الغدير من الكشف.

فصل : في بعض تفصيل ما جرت عليه حال يوم الغدير من التعظيم والتبجيل.

فصل : فيما نذكره من فضل الله جلّ جلاله بعيد الغدير على سائر الأعياد وما فيه من المنّة على العباد.

فصل : فيما نذكره من فضل عيد الغدير عند أهل العقول من طريق المنقول.

١٠

فصل : فيما نذكره من فضل يوم الغدير من كتاب النشر والطيّ.

فصل : فيما نذكره أيضا من فضل يوم الغدير برواية جماعة من ذوي الفضل الكثير ، وهي قطرة من بحر غزير.

فصل : فيما نذكره من جواب من سأل عما في الغدير من الفضل وقصر فهمه عمّا ذكرناه في ذلك من الفضل.

فصل : فيما نذكره من تعظيم يوم الغدير في السّماوات برواية الثقات وفضل زيارته عليه‌السلام في ذلك الميقات.

فصل : فيما نذكره من جواب الجاهلين بقبر أمير المؤمنين صلوات الله عليه من المخالفين.

فصل : فيما نذكره من الإشارة إلى من زاره من الأئمّة من ذريّته عليه وعليهم أفضل السلام وغيرهم من عترته من ملوك الإسلام.

فصل : فيما نذكره ممّا رأيتها أنا عند ضريحه الشريف غير ما رويناه وسمعناه به من آياته التي تحتاج إلى مجلدات وتصانيف.

فصل : فيما نذكره من تعيين زيارة لمولانا علي صلوات الله عليه في يوم الغدير المشار اليه.

فصل : فيما نذكره من عوذة تعوّذ بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم الغدير.

فصل : فيما نذكره من عمل العيد الغدير السعيد مما رويناه بصحيح الاسناد.

فصل : فيما نذكره من زيارة لأمير المؤمنين صلوات الله عليه ، يزار بها بعد الصلاة والدعاء يوم الغدير السعيد من قريب أو بعيد.

فصل : فيما نذكره مما ينبغي ان يكون عليه حال أولياء هذا العيد السعيد في اليوم المعظم المشار إليه.

فصل : فيما نذكره من فضل تفطير الصائمين فيه.

فصل : فيما نذكره مما يختم به يوم عيد الغدير.

الباب السادس : فيما يتعلّق بمباهلة سيّد أهل الوجود لذوي الجحود ، الّذي لا يساوي ولا يجازي ،

١١

وظهور حجّته على النصارى والحبارى ، وانّ في يوم مثله تصدّق أمير المؤمنين عليه‌السلام بالخاتم ، ونذكر ما يعمل من المراسم ، وفيه فصول :

فصل : فيما نذكره من إنفاذ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لرسله إلى نصارى نجران ودعائهم إلى الإسلام والايمان ومناظرتهم فيما بينهم وظهور تصديقه فيما دعا إليه.

فصل : فيما نذكره من زيارة أهل المباهلة والسعادة.

فصل : فيما نذكره من فضل يوم المباهلة من طريق المعقول.

فصل : فيما نذكره مما ينبغي ان يكون أهل المعرفة بحقوق المباهلة من الاعتراف بنعم الله جلّ جلاله الشاملة.

فصل : فيما نذكره من عمل يوم بأهل الله فيه بأهل السّعادات وندب إلى صوم أو صلوات أو دعوات.

فصل : فيما نذكره في اليوم الرابع والعشرين من ذي الحجّة أيضا لأهل المواسم من المراسم وصدقة مولانا علي عليه‌السلام بالخاتم.

فصل : فيما نذكره من الإشارة إلى بعض من روى ان آية : ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) ، نزلت في مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه من طريق المخالفين عليه.

فصل : فيما نذكره من عمل زائد في هذا اليوم العظيم الشأن.

فصل : فيما نذكره من زيادة تنبيه على تعظيم هذا اليوم وما فيه من المسار وما يختم به آخر ذلك النهار.

الباب السابع : فيما نذكره مما يتعلّق بليلة خمس وعشرين من ذي الحجّة ويومها ، وفيه فصول :

فصل : فيما نذكره من الرواية بصدقة مولانا علي عليه‌السلام ومولاتنا فاطمة صلوات الله عليها في هذه الليلة على المسكين واليتيم والأسير.

فصل : فيما نذكره ممّا يعمل يوم خامس وعشرين من ذي الحجّة.

الباب الثامن : فيما نذكره مما يتعلّق باليوم التاسع والعشرين من ذي الحجّة وما يستحب فيه

١٢

لأهل الظفر بصواب المحجّة.

الباب التاسع : فيما نذكره من عمل آخر يوم من ذي الحجّة.

وها نحن نفصّل ما أجملناه وننجز ما وعدناه ، فنقول :

١٣

الباب الأول

فيما نذكره من فوائد شهر شوال

وفيه فصول :

فصل (١)

فيما نذكره ممّا روي في تسمية شوال

ذكر مصنّف كتاب دستور المذكّرين ومنشور المتعبدين بإسناده المتّصل فقال : قيل للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا رسول الله ما شهر رمضان ـ أو ما رمضان؟ قال : ارمض الله تعالى فيه ذنوب المؤمنين وغفرها لهم ، قيل : يا رسول الله فشوّال؟ قال : شالت فيه ذنوبهم فلم يبق فيه ذنب الاّ غفره.

قال مصنّف هذا الكتاب : ارمض اى أحرق ، وشالت أي ارتفعت وذهبت عنهم ، قال : والمعنى فيه انّهم إذا عرفوا حق رمضان صار كفّارة لهم واذهب عنهم ذنوبهم وطهّرهم منها ، وانّما يتمّ ذلك بانقضاء رمضان وانقضاء رمضان بدخول شوال.

قلت : وقال مصنف الصحاح في اللغة ما هذا لفظه : وشوّال أوّل أشهر الحجّ والجمع شوّالات وشواويل ، وشوّال أي خفيف من العمل والخدمة.

فصل (٢)

فيما نذكره من انّ صوم السّتة أيّام من شوال تكون متفرّقة فيه

قد ذكرنا في كتاب الزّوائد والفوائد في عمل شهر الصيام روايات بصوم هذه الستّة

١٤

الأيّام ولم نذكر الرّواية بصومها متفرّقة ، وأحببنا أن نذكرها في فوائد شوال الرواية بذلك ، فنقول :

روى صاحب دستور المذكرين عن الطبراني ، وهو ثقة عند المحدثين ، بإسناده عن إسحاق بن إبراهيم الدّيري قال : سألت عبد الرزاق عمّن يصوم الثاني من الفطر ، فكره ذلك وأباه إباء شديدا ، وقال عبد الرزاق : وسألت معمّرا عن صيام الستّ الّتي بعد يوم الفطر وقالوا له : تصام بعد الفطر بيوم ، فقال : معاذ الله انّما هي أيّام عيد وأكل وشرب ، ولكن تصام ثلاثة أيّام قبل أيام الغرّاء وبعدها ، وأيام الغرّاء ثالث عشرة ورابع عشرة وخامس عشرة.

فصل (٣)

فيما نذكره من صيام شوّال

بإسناد مصنّف دستور المذكرين إلى من سمّاه ، قال عفّان بن يزيد انّه سمعه من خلق في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من صام شهر رمضان وشوّالا والأربعاء والخميس دخل الجنّة.

وفي حديث آخر منه بإسناده إلى مسلم بن عبيد القرشي انّ أباه رضي‌الله‌عنه أخبره انّه سأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا نبي الله أصوم الدّهر؟ فسكت ، ثمّ سأله الثانية ، فسكت ، ثمّ سأله الثالثة ، فقال : يا نبي الله أصوم الدهر كله؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من السائل عن الصوم؟ فقال : أنا يا رسول الله ، فقال : اما لأهلك حقّ ، صم رمضان والّذي يليه وكلّ أربعاء وخميس ، فإذا أنت قد صمت الدهر.

فصل (٤)

فيما نذكره من كيفية الدخول في شوّال وما أنشأناه عند رؤية هلاله من الابتهال ، وما نذكره من الإشارة إلى المنسك بإجمال المقال

أقول : انّ الدخول في شهر شوال ، فهو كما قدّمناه من الدخول في شهر رجب ، فان

١٥

ظفرت به ففيه بلاغ في المقال ، وان لم تظفر بما أشرنا إليه ، فليكن دخولك في شهر شوّال دخول المصدّقين ، فإنّه شهر حرام له حقّ التعظيم بالمقال والفعال.

كمن دخل في دروب مكّة إلى مسجدها الأعظم ، فلا بدّ ان يكون لدخوله كيفيّة على قدر تصديقه صاحب المسجد المعظّم ، فاجتهد أن يكون قلبك وعقلك مصاحبا له بالتّعظيم وجوارحك محافظة على سلوك السبيل المستقيم ، فمن عادة الملوك المؤدّب الكامل أن يكون موافقا لمالكه في سائر مسالكه.

فصل : وامّا ما يقال عند رؤية هلال شوّال :

فقد قدّمنا في كتاب عمل الشهر دعاء أنشأناه يصلح لجميع الشهور (١) ، فان لم يجده فليقل عند رؤية الهلال المذكور :

اللهُمَّ انَّكَ قَدْ مَنَنْتَ عَلَيْنا بِضِياءِ الْبَصائِرِ وَالأَبْصارِ ، حَتَّى عَرَّفْتَنا (٢) ما بَلَّغْتَنا إِلَيْهِ مِنَ الأَسْرارِ وَالاعْتِبارِ ، وَشاهَدْنا هِلالَ شَوَّالَ ، وَهُوَ مِنْ شُهُورِ التَّعْظِيمِ وَالإِجْلالِ.

فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَوَفِّقْنا لِمُصاحَبَتِهِ بِما يُقَرِّبُنا الَيْكَ ، وَشَرِّفْنا فِيهِ بِتَمامِ إِقْبالِنا عَلَيْكَ ، وَاجْعَلَهُ لَنا مِنْ اهْلِ السُّعُودِ وَالإِقْبالِ فِي جَمِيعِ الأَحْوالِ وَالأَعْمالِ وَالأَقْوالِ ، كَما (٣) اخْلَعْتَ عَلَيْنا خِلَعَ التَّوْفِيقِ لِلظَّفَرِ بِنَصْرِهِ وَبِرِّهِ وَخَيْرِهِ.

وَاجْعَلْ ساعاتِهِ وارِدَةً عَلَيْنا بِزِياداتِ الإِحْسانِ إِلَيْنا ، حَتّى نُدْرِكَ بِتَأْيِيدِكَ وَعِنايَتِكَ افْضَلَ ما ادْرَكَهُ أَحَدٌ فِيهِ مِنْ مَزِيدِكَ وَعَفْوِكَ وَعافِيَتِكَ بِرَحْمَتِكَ.

وَابْدَأْ بِكُلِّ ما تُرِيدُ الْبَدْأَةَ بِهِ فِي الدَّعَواتِ ، وَأَشْرِكْ مَعَنا مَنْ يَعِزُّ عَلَيْنا مِنَ الْأَهْلِ وَذَوِي الْمَوَدّاتِ وَالْحُقُوقِ الْمَحْفُوظاتِ ، يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

فصل : وامّا المنسك للحج وتصنيفه على سبيل التحرير والاستظهار ، فقد كنّا شرعنا فيه وأخّرنا إتمامه لبعض الاعذار.

__________________

(١) الدروع الواقية : ٢٦.

(٢) الدروع الواقية : ٢٦.

(٣) الدروع الواقية : ٢٦.

١٦

الباب الثاني

فيما نذكره من فوائد شهر ذي القعدة

وفيه عدة فصول :

فصل (١)

فيما نذكره من الرّواية بأنّ شهر ذي القعدة محلّ لإجابة الدّعاء عند الشدّة

رأيت كتاب بالمدرسة المستنصريّة تأليف أبي جعفر محمد بن حبيب ، تاريخ كتابته ما هذا لفظه : وكتب عمر بن ثابت في شهر رمضان سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة ، انّ عياض بن خويلد الهذلي قال :

كان بنو ضيعا رهطا حرمة ، وكنت جارا لهم ، فكانوا يظلمونني ويؤذونني ، فأمهلتهم حتّى دخل الشهر الحرام ، وهو ذو القعدة ، وكان النّاس لا يدعو بعضهم على بعض الاّ فيه ، فقمت قائما فبهلتهم ، (١) فقلت : يا ربّ أدعوك دعاء جاهدا أقتل بني الضّيعاء الاّ واحدا ، ثم اضرب الرّجل فدعه قاعدا أعمى إذا قيد ـ يعني القائد ـ فاصطلموا (٢) وبقي هذا ، ففعل به ما ترى ، وكان المدعو عليه زمنا.

قلت أنا : ورأيت هذه الحكاية برواية دستور المذكّرين انّها كانت في شهر رجب.

فصل : ورأيت في كتاب محمّد بن الحبيب المذكور ، عند ذكر من استجيبت دعوته في

__________________

(١) البهل : اللعن.

(٢) اصطلم : استأصل.

١٧

الجاهليّة ، ما رواه عن أبي عبد الله بن الأعرابي :

انّ عبد الله بن حلاوة السعدي نزل يبني العنبر بن عمر بن تميم ، وله مال من إبل وغنم ، فأكلوه واستطالوا عليه بعددهم ، فأمهلهم حتّى دخل الشّهر الحرام ، ثم رفع يديه فقال :

يا ربّ انّ كان بنو عنبر آل السلب ، منهم مقصورة ، قد أصبحوا كأنّهم قارورة (١) ، من غنم ونعم كثيرة ، ومن شابّ حسن صورة ، ثمّ عدوا الحلقة مقصورة ، ليس لها من إثمها صادورة ، ففجروا بي فجرة مذكورة ، فأصبب عليهم سنة قاسورة (٢) ، تختلق (٣) المال اختلاق النّورة ، فيقال ـ والله اعلم ـ انّ أموالهم اجتيحت (٤) فلم يبق عليهم منها شيء.

فصل (٢)

فيما نذكره من ابتداء فوائد ذي القعدة

أقول : فمن ابتداء فوائده الاهتمام بمشاهدة هلاله ، لأجل ما يأتي ذكره فيه من مواقيت ، لإطلاق مكارم الله جل جلاله وإقباله ، وما يدعى به عند مشاهدة الهلال الموصوف.

ولم أجد إلى الآن تعيين دعاء لذلك المقام المعروف ، فيقول ان شاء ما نذكره على سبيل الإنشاء ، ما يطلقه على قلمنا مالك الأشياء :

اللهُمَّ إِنَّ هذا شَهْرُ ذِي الْقَعْدَةِ ، مِنَ الْأَشْهُرِ الَّتِي امَرْتَ بِتَعْظِيمِها ، وَجَعَلْتَ فِيها مِنْ أَسْرارِ الْعِباداتِ ما شَهِدَ بِتَكْرِيمِها ، وَقَدْ شَرَّفْتَنا بِانْ جَعَلْتَ لَنا طَرِيقاً الى مُشاهَدَةِ هِلالِهِ وَمَعْرِفَةِ حَقِّ إِقْبالِهِ ، وَلَمْ تَحْجُبْهُ عَنَّا بِالْغُيُومِ وَحَوادِثِ السَّماءِ ، وَلا حَجَبْتَنا عَنْهُ بِما يَمْنَعُ أَبْصارَنا مِنَ الضِّياءِ.

__________________

(١) قرّت عينه : بردت سرورا.

(٢) قسره على الأمر : قهره وأكرهه عليه.

(٣) خلق الثوب : بلى.

(٤) احتجبت ( خ ل ) ، أقول : الجوح : الإهلاك والاستئصال كالاجاحة والاجتياح ـ القاموس.

١٨

فَاسْأَلُكَ انْ تُتِمَّ مَا ابْتَدَأْتَ مِنَ النِّعَمِ الْباطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ ، بِانْ تَجْعَلَنا مِنَ الظَّافِرِينَ فِيهِ بِسَعادَةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ، وَكُنْ بِرَحْمَتِكَ الْمُسَيِّرَ لَنا فِي تَقَلُّباتِهِ وَلَحَظاتِهِ بِكَمالِ حَظِّنا مِنْ خَيْراتِهِ وَبَرَكاتِهِ.

وَاحْفَظْنا مِنْ آفاتِهِ وَمَخافَتِهِ ، حَتّى نَكُونَ مِنْ اسْعَدِ مَنْ نَظَرَ الى هِلالِهِ وَبَلَّغْتَهُ مِنْهُ غايَةَ آمالِهِ ، وَابْدَأْ بِكُلِّ مَنْ يُرْضِيكَ الْبَدْأَةَ بِذِكْرِهِ فِي الْمُناجاةِ مِنْ اهْلِ النَّجاةِ ، وَاشْرِكْ مَعَنا اهْلَ الْمُصافاةِ وَالْمُوالاةِ ، وَأَرِنا آياتِ الإِجاباتِ وَالْقَبُولِ فِي جَمِيعِ الْمَأْمُولِ وَالْمَسْؤُولِ ، بِرَحْمَتِكَ يا ارْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

فصل (٣)

فيما نذكره في كيفية الدّخول في هذا الشهر

فأمّا كيفيّة الدّخول في شهر ذي القعدة المعظم في الإسلام ، فعلى نحو ما أشرنا إليه من دخول كلّ شهر حرام ، ونزيد في هذا الشهر على التعيين انّه الشّهر الذي دحاه (١) الله فيه الأرض وهيّأها للعالمين ـ على ما سيأتي شرحه على التفصيل ـ فكأنّه مطيّة قد اهتديت إليك لتوصلك إلى المسكن الجليل والموطن الجميل ، وما يتّصل به من العطاء الجزيل.

فاشكر واهب تلك المطيّة واعرف حقّه وحقّها وما تظفر به من الامنيّة ، فإنّك ترى العقول السّليمة دالّة على تعظيم المطايا إذا وصلت إلى شرف العطايا ، كما قيل :

وإذا المطيّ بنا بلغن محمدا

فلها علينا حرمة وذمام

بلّغتنا من خير من وطي الحصا

وظهورهنّ على الرّجال حرام

وليكن حفظك لحرمة هذا الشّهر بالقلب والعقل وحفظ الجوارح ، لتدرك ما فيه من الفضل الرّاجح ، ان شاء الله تعالى.

أقول : وقد ذكرنا انّه شهر موصوف بإجابة الدعوات ، فاغتنم أوقاته وصم فيه صيام الحاجات ، وابدأ بالحوائج المهمات على الترتيب الذي يكون أهم عند من تعرض

__________________

(١) دحى الأرض : بسطها.

١٩

الحوائج عليه ، فيوشك ان يظفر بما تقصد إليه ، ان شاء الله تعالى.

فصل (٤)

فيما نذكره ممّا يعمل في يوم الأحد من الشّهر المذكور وما فيه من الفضل المذخور

وجدنا ذلك بخطّ الشيخ علي بن يحيى الخيّاط رحمه‌الله وغيره في كتب أصحابنا الإماميّة ، وقد روينا عنه كلّما رواه ، وخطّه عندنا بذلك في إجازة تاريخها شهر ربيع الأوّل سنة تسع وستّمائة ، فقال ما هذا لفظه : روى أحمد بن عبد الله ، عن منصور بن عبد الحميد ، عن أبي أمامة ، عن انس بن مالك قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الأحد في شهر ذي القعدة فقال : يا أيّها النّاس من كان منكم يريد التّوبة؟ قلنا : كلّنا نريد التوبة يا رسول الله ، فقال عليه‌السلام : اغتسلوا وتوضّئوا وصلّوا اربع ركعات واقرءوا في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرّة و ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) ثلاث مرّات والمعوّذتين مرة ، ثمّ استغفروا سبعين مرّة ، ثمّ اختموا بلا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم ، ثم قولوا :

يا عَزِيزُ يا غَفَّارُ ، اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَذُنُوبَ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ الاَّ انْتَ.

ثم قال عليه‌السلام : ما من عبد من أمّتي فعل هذا الاّ نودي من السّماء : يا عبد الله استأنف العمل فإنّك مقبول التّوبة مغفور الذنب ، وينادي ملك من تحت العرض : أيّها العبد بورك عليك وعلى أهلك وذريتك ، وينادي مناد آخر : أيّها العبد ترضى خصماؤك يوم القيامة ، وينادي ملك آخر : أيّها العبد تموت على الايمان ولا يسلب منك الدّين ويفسح في قبرك وينوّر فيه ، وينادي مناد آخر : أيّها العبد يرضى أبواك وان كانا ساخطين ، وغفر لأبويك ذلك ولذرّيتك وأنت في سعة من الرّزق في الدنيا والآخرة ، وينادي جبرئيل عليه‌السلام : انا الّذي آتيك مع ملك الموت ان يرفق بك ولا يخدشك اثر الموت ، انّما تخرج الروح من جسدك سلا.

قلنا : يا رسول الله لو انّ عبدا يقول في غير الشهر؟ فقال عليه‌السلام : مثل

٢٠