رحلتي من الظلمات إلى النّور

السيد عبد الكريم هاشمي نجاد

رحلتي من الظلمات إلى النّور

المؤلف:

السيد عبد الكريم هاشمي نجاد


المترجم: علاء رضائي
الموضوع : علم‌النفس والتربية والاجتماع
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: پاسدار إسلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦١
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

ج ـ النساء المجرمات في امريكا

نقلت إحدىٰ المجلات الصادرة في عددها ٤٥٩ عن مجلة متروبوليس ، خبراً مفاده : حسب احصائيات صحيحة قام بها الاحصائيون الامريكان ، فان عدد المجرمات قد بلغ في غضون عشرة سنوات من عشرة بالمئة الىٰ ثمانين بالمئة !

احصائية عجيبة !!

تحت عنواني « الفتيات والفتيان الامريكان يحطمون الرقم القياسي في الجريمة » و « المدارس والجامعات اماكن العشاق » نشرت احدىٰ المجلات هذه الاحصائيات الرهيبة :

٢٠,٠٠٠ شاب فرنسي مابين سن ١٥ ـ ١٧ عام ارتكبوا جرائم حوكموا عليها ، ١٢٣٧٥ شاب امريكي ارتكبوا جرائم بالسيارات والدرجات والاسلحة النارية ، وهذه الاحصاءات تشمل الموارد التي تدخل فيها البوليس او اكتشفها ، اما تلك التي بقيت خافية عن انظار البوليس فهي كثيرة أيضاً وكما ان عدد الذين ارتكبوا جرائم في امريكا : ٤٦٧٨٥٠ من الشباب و ٩٨٧١٧ من الشابات (١).

وهذه مجرّد نماذج لاحصائيات الجريمة التي يقوم بها انسان القرن

________________

(١) مجلة أمل ايران ، العدد ٣٤٣. ( بالفارسية )

٢٠١

العشرين في عصره الذهبي وفي البلدان المتحضرة !

ه‍ ـ احصائية عن الجريمة في امريكا :

حسب الاحصائيات المنشورة ، ان كل ٢٥ ثانية يقع في امريكا حادث جريمة ، وفي كل ٢٤ ساعة عملية قتل وخمسين عمل لا اخلاقي وتجاوز بالعنف و ٧٣٠ سرقة كبيرة وما يقرب ثلاثة آلاف سرقة صغيرة ، وبشكل عام تقع سنوياً ما يقرب مليون وخمسين الف جريمة (١).

وفي تقرير نشره « هاور » رئيس دائرة المباحث الامريكية ، يقول :

ان عدد الجرائم في سنة ١٩٦٠ بلغ ١٨٦١٠٠٠ جريمة ، بزيادة قدرها ٤% عن العام الماضي.

ويضيف « هاور » في تقريره :

انّنا لو قارنّا بين الجرائم التي حدثت سنة ١٩٥٠ و ١٩٦٠ سنجد ان معدلاتها ارتفعت ٩٨ بالمئة ، في حين ان سكان امريكا لم يزدادوا في الفترة نفسها الّا ١٨ بالمئة (٢).

و ـ احصائية عن السرقة والاختلاس في مهد الحضارة

الجميع يعلمون تطور عمليات السرقة حالياً في اوروبا وامريكا وحداثتها ، وفي امريكا هناك سارقون محترفون يطلق عليهم اسم Gangsters (

________________

(١) كتاب روح البشر : ٤٢. ( بالفارسية )

(٢) صحيفة اطلاعات الايرانية بتاريخ ٣٠ / ٧ / ١٩٦١.

٢٠٢

اعضاء العصابة ) ، وإليكم بعض الاحصائيات فيما يتعلق بهم :

ـ في نيويورك وحدها هناك ١٥٠٠ عصابة يتجاوز عدد افراد كل واحدة منها المئات.

ـ يدفع اهالي شيكاغو سنوياً ١٦٥ مليون دولار رشوة الىٰ السارقين المحترفين ، وفي جميع الولايات المتحدة الاميريكية تبلغ عائدات عصابات السرقة من هذه الرشاوي ١٢ مليار دولار ، ففي نيويورك وحده يحصل « راكتي » الذي يعمل في تزوير الوثائق علىٰ ٤٠٠ مليون دولار سنوياً.

وكان راكت روبرت يسرق اكثر من ثلاثة آلاف سيارة في السنة ويبيعها ، واللأسف الشديد هناك العديد من رجال الدولة شركاءه في ذلك (١).

ز ـ احصائية عن السرقة في ايران :

طبقاً للأحصائيات الرسمية التي نشرت مؤخراً ، ثم الكشف في دائرة شرطة طهران لوحدها علىٰ ١٩٤ عملية سرقة خلال كانون الثاني ١٩٦١ فقط ، والقي القبض في نفس الفترة علىٰ ٣٤٢ سارق ، وهؤلاء السارقين غير الذين القت القبض عليهم شرطة المباحث ، في كانون الثاني نفسه والذين يقدرون ب‍ ٥٠٠ من اكبر وأهم السارقين (٢)

________________

(١) مفكرة نور العلم السنوية ، سنة ١٩٥٦.

(٢) صحيفة اطلاعات الايرانية : ٨ / ٥ / ١٩٦١.

٢٠٣

اعدموا السارقين

لقد بلغ وضع الجريمة في عالمنا مستوىٰ ارعب مسؤولي الامن والبوليس والقضاء ، وكانت احدىٰ الصحف قد كتبت ان رئيس دائرة الامن الداخلي والبوليس في احدىٰ الدول الغربية طالب اعضاء البرلمان بتشريع قانون يجيز اعدام السارق.

اعدام المرتشي

وجاء في صحفية نداء الحق العدد ٤٤٣ نقلاً عن وكالة الاسيوشايتدبرس ، خبر مفاده :

« صوّت اعضاء البرلمان في تايلند بشكل أولي علىٰ قانون يوجب الاعدام لموظف الدولة الذي يأخذ رشوة ».

عجباً ، كيف يقبل العالم بأعدام السارق والمرتشي ، وهو الذي كان يعتبر قطع يد السارق وعقابه من اجل اجتثاث هذه الظاهرة من المجتمع عملاً وحشياً يستحق الاستنكار ؟!

أليس غريباً ان يعتبر مجرد قطع يد السارق عملاً وحشياً ، فيما لا يعتبر اعدامه كذلك !!

وكيف تحولت تلك المربيات اللاتي يرين انفسهن اكثر عطفاً من الاُم ولا يرضين بقطع اصابع يد انسان خائن ( طبعاً حسب الشروط التي ذكرها

٢٠٤

الاسلام ) ، الىٰ موجودات قاسيات يحكمن بالاعدام ( القتل ) علىٰ السارق والمرتشي ؟!

وقد عجزت تلك العقول التي لعبت بها الخمرة عن فهم حقيقة مفادها : الاعدام ليس حلاً للسرقة ولا يمكنه اجتثاثها من المجتمع وتأثيره أقل من تأثير قطع اليد. لأن اعدام السارق علىٰ الرغم من شدته ينسىٰ بعد فترة من الوقت ، لكن قطع يده يبقىٰ علامة في المجتمع علىٰ العقاب الذي يطال من يفعل ذلك ، مما يشكل رادعاً للآخرين عن القيام بالسرقة.

اصدقائي الاعزاء !

هل وجدتم في التاريخ شعوباً متملقة ومتحايلة مثل الشعوب الاوروبية والاميركية.

أليس عجيباً ان تثير الدول الاوروبية والاميركية كل هذا الضجيج الاعلامي لقطع اصابع سارق يخلّ بالامن والمصلحة العامة ، لكنها تقوم هي في نفس الوقت وعلىٰ مدىٰ سنين بالسيطرة علىٰ الدول الصغيرة والضعيفة وتمتص دماءها وخيراتها ، دون ان يتحرك ساكن او تدان علىٰ ذلك ؟

أليس هناك أحد يقول لرجال اوروبا وامريكا العطوفين والرؤوفين ! أيّها الذئاب المتوحشة وأيّها المخادعون ، انتم الذين تدّعون الشفقة والرحمة ليد تقطع بحق ، لماذا كل هذا التسابق في صنع تلك الاسلحة المدمرة والفتاكة ، واين عواطفكم واحاسيسكم الرقيقة تلك من استخدام ذلك السلاح ضد الابرياء والعزّل من شعوب العالم التي تريدون ابادتها ؟!

٢٠٥

ويا زعماء الشرق والغرب المتوحشين ، يا زعماء موسكو وواشنطن ولندن .. هل تتصورون ان العالم نسي المشاهد الدموية التي جرت علىٰ ايديكم في الحربين العالميتين الاُولىٰ والثانية ؟ وهل تُنسىٰ الدماء التي اُريقت والأشلاء التي تناثرت بواسطة قنابلكم وصواريخكم ؟

ان صيحات وآهات المفجوعين من النساء والرجال والشيوخ والاطفال لازالت تدوي في سماء عالمنا المعاصر ، رغم ضجيج اعلامكم ومنجزاتكم المزعومة.

ويا أيّها المخادعون ، كيف تجيزون كل ذلك القتل في حروبكم من اجل السيطرة علىٰ العالم والشعوب وتفجعون الآباء والاُمهات بأبنائهم والنساء بأزواجهن ، دون أن تتأثر لذلك قلوبكم السوداء ، بل تعدونه من مفاخركم وانجازاتكم ، في حين تعتبرون قطع يد سارقة عملاً وحشياً وعقوبة شديدة ، لا يمكن اجرائها ضد البشر (١).

ضرورة وعي السياسة الغربية والشرقية

من اجل ان يعي بعض ابناء شعبنا واُمّتنا ، المتأثرين بشعارات الشرق والغرب ، حقيقة اولئك المستعمرين الناهبين لثروات الشعوب والمهيمنين علىٰ

________________

(١) بلغت خسائر الحرب العالمية الاُولى : مقتل ١٠ ملايين عسكري ، وجرح ما بين ٢٥ إلى ٣٠ مليون آخرين ، وفي الحرب العالمية الثانية ، حيث الاحصائيات ادق ، فقد بلغ عدد القتلى ٣٥ مليون و ٢٠ مليون معوّق و ١٢ مليون حالة اسقاط جنين ، وتدمير ١٣٠ الف مدرسة ، و ٦ آلاف جامعة و ٨ آلاف مختبر ، وقد اُلقيت أكثر من ٣٩٠ الف مليار قذيفة. راجع : تاريخ الحرب العالمية الثانية ، تأليف الفريق أول نخجوان. ( بالفارسية )

٢٠٦

المستضعفين والمحرومين في العالم ولكي يعلموا ان اولئك المخمورين في اوروبا وامريكا والذي يعتبرون انفسهم قادة العالم وموجهوه ما هم إلّا حفنة من المخادعين القتلة ، ولا بدّ من ذكر نماذج لأعمالهم الدنيئة والبشعة التي يرتكبونها ضد الشعوب الفقيرة.

اقرأوا بدقة اكثر الهند في مخالب بريطانيا !

هنا ، اليكم نموذجاً لتصرفات احدىٰ الدول العطوفة التي لا تقبل بقطع يد السارق وتعد ذلك عملاً وحشياً ، وتلك هي بريطانيا التي فعلت أحط الاعمال مع الشعب الهندي.

لنسمع من أحد المؤرخين الاوروبيين :

يقول الدكتور غوستاف لوبون في كتابه « حضارة الاسلام والعرب » وفي الصفحة ٧٤٣ حول معاملة الانجليز للشعب الهندي :

« صحيح ان بريطانيا تطورت واصبحت غنية ، لكن الناس الذين اخذت منهم هذه الثروات ( الشعب الهندي ) اصبحوا في ادنىٰ مستويات الفقر والفاقة ».

٢٠٧

تقرير السيد غرانديدير (١) عن وضع الشعب الهندي

في تقرير للسيد غرانديدير عن وضع الشعب الهندي خلال استعماره من قبل انجلترا ، يقول :

« كانت طبقة المزارعين الهنود والتي تشكل اغلبية الشعب تدفع في السابق سدس ( ١ / ٦ ) محاصيلها الىٰ امرائها المحليين ، اما في فترة السيطرة الانجليزية فقد كان عليهم أن يدفعوا نصف ( ١ / ٢ ) محاصيلهم اما اذا امتنعوا عن دفع تلك الضرائب ، فان املاكهم واراضيهم تصادر بشكل مأساوي ، وقد أدىٰ هذا الامر الىٰ مآسي وفجائع بالنسبة للمزارعين تفوق مستوىٰ التصور ».

حالة الشعب الهندي نقلاً عن السيد هيندمان (٢)

يقول السيد هيندمان الذي زار الهند في فترة الاستعمار البريطاني :

« لقد قام الانجليز من جهة بالضغط علىٰ الشعب الهندي من خلال الضرائب الباهضة بشكل جعلهم يتضورون جوعاً ومن جهة اخرىٰ قاموا بتدمير مصانعهم وصناعتهم مما ادىٰ الىٰ غلقها وذلك من اجل السيطرة علىٰ السوق الهندية وزيادة صادراتهم ، وبهذه التصرفات فاننا ( الشعب الانجليزي ) نسير

________________

(١) Grandidier.

(٢) Hind man.

٢٠٨

نحو كارثة ليس لها مثيل في التاريخ ».

وفي مكان آخر من كتاب حضارة الاسلام والعرب ، يتحدث الدكتور غوستاف لوبون عن حالة الشعب الهندي ، فيقول :

« يوجد في ولاية مدرس (١) وحدها وحسب الاحصائيات الرسمية ستة عشر مليون متسول. ولماذا لا يكون كذلك ؟ فالشعب الهندي المسكين كان عليه أن يدفع مصروفات الحرب والتي بلغت اربعمائة مليون باوند وكذلك مصروفات الدوائر الحكومية البريطانية ومبلغها خمسين مليون باوند ، وما عدا تلك المبالغ الضخمة ، كان عليهم أن يدفعوا سنوياً خمسمائة مليون باوند ـ خالصة ـ إلى خزانة الحكومة البريطانية ، وعلى هذا الاساس يكون مجموع ما حصلت عليه بريطانيا خلال فترة عشرين سنة (٢) من سيطرتها على الهند ، يفوق عشرة ملياردات باوند ، طبعاً هذا غير المبالغ العظيمة التي صرفت على المأمورين الانجليز في الهند ، لأن اولئك المأمورين كانوا يتقاضون خلال فترة اقامتهم في الهند مرتبات مساوية لما يتقاضاه الوزير في بريطانيا ».

ثم ينقل الدكتور لوبون عن تقرير السيد هيندمان ، فيقول :

« ومن الاُمور العجيبة والمرعبة هي أن الولايات الشمالية الغربية كانت مجبورة على ارسال محاصيلها من الحبوب إلى الخارج ، في حين أن ثلاثمائة

________________

(١) من ولايات جنوب شرق الهند ، يبلغ عدد سكانها ٤٤ مليون نسمة ، وأهم منتوجاتها الرز والتبغ والشاي والقطن.

(٢) الفترة المذكورة ، حتى تاريخ كتابة « حضارة الاسلام والعرب ».

٢٠٩

شخص ماتوا جوعاً هناك خلال بضعة أشهر.

وفي سنة ١٨٨٧ م مات في ولاية مدرس وحدها ٩٣٥ الف شخص ( حسب الاحصائيات الرسمية ) جوعاً ، وكانت الحالة تزداد سوءً يوماً بعد يوم ، لأن المزارعين كانوا مضطرين إلى زراعة اراضيهم أكثر من الحد الطبيعي لكي يتمكنوا من دفع الضرائب الباهظة التي تأخذها منهم الحكومة الاستعمارية بالقوة ، وبذلك فقدت الاراضي طاقاتها وخربت بشكل تام ».

وبعد أن ينقل الدكتور لوبون ذلك التقرير عن السيد هيندمان ، يعلق ويقول :

« الارقام التي نشرها السيد هنيدمان ، لم تعترض أو تعلق عليها الحكومة البريطانية ، كما انها لم تكذبها أيضاً. والجواب الوحيد الذي أعطته في مجلة « كل خمسة عشر يوماً » حول الخمسمائة مليون باوند التي على الحكومة الهندية أن ترسلها الى خزانة بريطانيا ، هو : « أن هذا المبلغ هو ثمن حكومة منظمة وآمنة اعطيت للشعوب الهندية ».

ويقول لوبون بعد نقله لهذا الجواب القاطع في المجلة المذكورة :

« ولا يخفى أن اطلاق لفظة آمنة على حكومة مسالمة ! بلغت خسائرها من الجوع أكثر من خسائر حرب ضروس ، لم يكن يفسره الشعب الهندي بغير الكذب ».

وهذا التصرّف المشين هو نموذج لسياسة دولة عظمى ومتحضّرة مع الشعب الهندي ، تلك الدولة التي تتحدّث عن حقوق الانسان وعواطفه وتعدّ قطع يد السارق عملاً وحشياً.

٢١٠

اصدقائي الاعزاء

ما ذكرناه من التصرفات والسياسات الوحشية لحكومة بريطانيا الاستعمارية في الهند ، هو جزء يسير من همجيتهم وبربريتهم ، لم يقتصر الأمر على الهند فقط ، بل شمل جميع المناطق التي استعمرتها ( الحقيقة استثمرتها ) تلك الحكومة التي تدّعي الدفاع عن حقوق الانسان ! وبالامكان الحديث عن نماذج اُخرى لوحشيتهم وجرائمهم في العديد من الدول الآسيوية والافريقية التي احتلوها واستعمروها.

٢١١

امريكا وريثة الاستعمار

الىٰ اولئك الجهلة والمسلمين غير الواعين الذين يرجون الدعم الأمريكي من اجل استيفاء حقوقهم الانسانية.

الىٰ الذين لا يزالون يعتبرون امريكا كعبة آمالهم ، فيلهجون بذكرها ويسبحون بحمدها ، ومن أجل ان تعرفوا ان أمريكا لا تقل عن بريطانيا وحشية وبربرية ، وكما يقول المثل « الكلب اخو الذئب » ، اقرأوا الخبر بدقّة ، لكي تعرفوا حقيقة امريكا وريثة الاستعمار البشعة ، من خلف قناع الانسانية الذي تتظاهر به.

سنة ١٩٤٥ م قامت امريكا التي تدفع عن حقوق الانسان والتي تقيم الدنيا وتقعدها من أجل قطع يد سارق بألقاء قنبلتين ذريتين ( صغيرتين !! ) علىٰ مدينتي هيروشيما وناكازاكي في اليابان ، لان اليابان قاومت الهجوم الامريكي ولم تستطع امريكا ان تنتصر عليها رغم استسلام قوات المحور في اوروبا وذلك لبسالة الجنود اليابانيين وشجاعتهم ، وكانت نتيجة ذلك التدمير المدينتين بالكامل ومقتل سبعين ألف شخص.

وقبل فترة قصيرة ، قرأت في احدىٰ المجلات خبراً تحت عنوان « حادث غريب هزّ اوروبا وامريكا » ، كانت هناك صورة لذلك الضابط الشريف !! والشهم !! الذي القىٰ قنبلته الذرية علىٰ الشعب الياباني بأمر من حكومته وهذا التعليق اسفلها :

٢١٢

الطيار الذي ألقىٰ أول قنبلة ذرية علىٰ هيروشيما يعيش حالة من الندم والجنون ، ويشاهد دائماً يتكلم مع البوليس والقضاة : « ألقوا القبض عليّ ، اسجنوني ».

ثمّ تضيف المجلة : « الرائد اترلي يرىٰ كل ليلة في منامه دخاناً برتقالي اللون يتّجه نحوه ويسمع اصوات استغاثات ، واناس كثيرون يصرخون في اذنيه » ، ثمّ تقول المجلة نقلاً عن مجلة « بارس ماج » التي تصدر في باريس : « ان جنون الرائد اترلي من اغرب ألاعيب الطبيعة التي حيّرت الجميع في القرن العشرين ».

اصدقائي الاعزاء :

هذه المجازر الجماعية وتدمير هاتين المدينتين الصناعيتين الكبيرتين ، بجميع معاملهما وشركاتهما ومؤسساتهما وابنيتهما ، نموذج من سلوكيات وتصرفات القادة المصلحين ! المحبين للانسانية في امريكا ، الذين لا يفكرون بشيء سوىٰ تقديم خدمات للدول النامية والشعوب الضعيفة ، وهو ما قدموه لتلك الدولة الشرقية ، اي اليابان ! ولو سنحت فرص اخرىٰ لامريكا المحبّة للبشرية ! امريكا التي تحتل موقع الصدارة في الحضارة المعاصرة ! لكررت ذلك النموذج مع شعوب ضعيفة اُخرىٰ.

وما تكلّمنا عنه للتعريف بحقيقة امريكا ونواياها الشريرة ، هو جزء يسير من جرائهما الكبيرة التي اقترفتها ولا زالت تقترفها بحق البشرية ، والحقيقة ان جرائم هذا الذئب الغدّار الذي ورث الامبراطوريات الاستعمارية بعد الحرب

٢١٣

العالمية الثانية واسعة بشكل بيّضت وجوه جميع من سبقوها في تاريخ الاستعمار والتسلّط ، فبالاضافة الىٰ القتل والدمار والنهب الذي قامت به امريكا علىٰ مدىٰ عشرة سنين في فيتنام والذي قتل فيه عشرات الآلاف من البشر الأبرياء بأبشع الصور.

كما تقوم امريكا بجرائم اقتصادية وسياسية وثقافية وحضارية في العديد من المجتمعات والبلدان اما بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق الحكومات العميلة والمرتبطة بها ، بشكل لم يسبق له مثيل ولم يشاهد ان قام به جزار وسفاك ومجرم قبلها في التاريخ.

وأمريكا التي لم يمض علىٰ ظهورها علىٰ الساحة الدولية إلّا بضع سنين ، تتصرف ببشاعة وجنون في نهب خيرات الشعوب واستضعافها ، ولا يمكن الوقوف امامها إلّا بتوعية الشعوب وتحركها.

تعرّفوا علىٰ فرنسا المخادعة

يا شبابنا المسلم ! الفرنسيون الذين كانوا يعتبرون انفسهم ما قبل قرنين حملة راية الحرية ... ! والواضعون للبيان العالمي لحقوق الانسان ، هؤلاء العطوفون الذين يرون قطع يد السارق عملاً وحشياً ، تعاملوا مع الشعب الجزائري المسلم بقسوة جعلت كل انسان شريف وصاحب ضمير في حيرة من امره ، ولا يزال الشعب الجزائري بنسائه ورجاله وشيوخه وشبابه يجاهدون ويقفون امام هذا الغول والذئب المتوحش ويقدمون الضحايا تلو الضحايا من اجل ان يحصلوا علىٰ استقلالهم ويحكموا بلادهم بأنفسهم ، لكن الفرنسيين

٢١٤

الوضيعين وكأنما يريدون ان يفقدوا ارض آباءهم واجدادهم ، ليسوا مستعدين للتخلي عن الجزائر ووقف مجازرهم هناك.

لقد قدم الشعب الجزائري المسلم والشجاع مليون شهيداً في سبيل حريته واستقلاله ، ولقد كان تعامل الحكومة الفرنسية بشع حتىٰ مع الاسرىٰ المسلمين المحتجزين في معسكرات الجيش الفرنسي بحيث نقلت وكالات الانباء العالمية اخباراً عن وضع الأسرى المؤسف ، واعترضت على الحكومة الفرنسية بشدّة للكف عن المعاملة اللانسانية مع اولئك الاسرىٰ.

طبعاً لفرنسا مثل الغولين الاستعماريين امريكا وبريطانيا سجل دموي آثم في جميع مستعمراتها في آسيا وافريقيا ، وهو ما يتفق فيه جميع المستعمرين ، فالتاريخ الاستعماري اساساً هو ليس إلّا القتل والنهب والخيانة ، وسحق جميع القيم الثقافية والدينية للشعوب الصغيرة.

وعلىٰ هذا الاساس ، لا يمكن حصر جرائم فرنسا ( وكغيرها من اقرانها المستعمرين ) بنوع ومجال معين ، لأنها واسعة ومتنوعة.

اصدقائي الاعزاء !

هذه النماذج مختصرة وصغيرة من آلاف التصرفات الوحشية التي تقوم بها الدول الكبرىٰ ، مع الشعوب الضعيفة ، تلك الدول العظمىٰ التي تعتبر انفسها مدافعة عن الانسانية ... وتريد ان تخلّص البشر من وحل الشقاء بعقولها المخمورة ، تلك الدول العظمىٰ الرؤوفة بالانسان والانسانية ، والتي تعتبر قطع يد السارق كعقوبة وفق الشروط التي وضعها الاسلام ، عملاً وحشياً غير جائزاً !

٢١٥

أليس عجيباً ان يحاول هؤلاء المتوحشون الدوليون الحيلولة دون الاعمال الوحشية التي يقوم بها بعض البشر ، وأليس غريباً ان يحاول هؤلاء السارقون المسلحون بالاسلحة الذرية الوقوف امام السرقات والاعتداءات التي يقوم بها البشر ... ومن المحيّر جداً ان يحاول هؤلاء الجزّارون الذين تلطخت اياديهم بدماء ملايين البشر ، والوقوف امام القتل والجريمة.

هنا وبمشاهدتنا لجميع تلك الجرائم والمجازر الرهيبة التي قامت بها الدول الاوروبية والامريكية المتقدمة علمياً ، لابدّ ان نعترف بان عالمنا المعاصر ارتكب خطأً كبيراً عندما ضحّىٰ بالمعنويات من اجل الماديات ، لأنه وعلىٰ الرغم من التطورات التي شهدها عالمنا في المجالات العلمية والصناعية ، لكن وجود هذه المجازر والانحرافات العلمية والاخلاقية دليل حيّ علىٰ موت الفضيلة والانسانية ، بشكل تام ، وان العاطفة والصفات الانسانية قد اضمحلت ، فالبشرية تخلفت عن قافلة اخلاق والفضيلة بنفس المقدار الذي تقدمت فيه في ميدان العلوم المادية.

التضحية بالمعنويات امام الماديات

يقول الدكتور الكسيس كارل ، الذي مرّ ذكره ، حول انحطاط البشر الاخلاقي في عالم اليوم :

« الحضارة الجديدة ارتكبت خطأً فادحاً بتضحيتها بالمعنويات امام الماديات ، وهذا الخطأ كبير لأنه يحيي عند الناس الشعور بالعصيان ».

ويضيف الدكتور كارل في بحث آخر حول عدم جدوىٰ العلوم المادية

٢١٦

لوحدها ، فيقول :

« لا جدوىٰ من زيادة عدد الاختراعات الميكانيكية ولربما لا تكون الاكتشافات الفيزيائية والكيميائية والنجومية كبيرة جداً ، طبيعي ثابت لدينا ان العلم بحد ذاته غير مضر بالنسبة لنا ، لكنها تحصر بجمالها الباهر جميع نشاطاتنا الفكرية في الموارد غير الحيوية.

وعلىٰ البشرية اليوم ان تركز انتباهها علىٰ نقاط الضعف الاخلاقية والفكرية التي تعاني منها ، فما الفائدة من كثرة وسائل الراحة والزينة والجمال والعظمة وهذه الحضارة إذا لم تكن لنا القدرة في ادارتها بأحسن وجه ، وما هي حصيلة استمرار حالة معيشية تؤدي الىٰ ضعف الاسس الاخلاقية وتدمير عوامل الاعراق الاصيلة ، أليس من الافضل ان نتهم بأنفسنا بدل الغرق في صناعة التلسكوبات العظيمة لدراسة الكواكب والنجوم أو صناعة السفن المتطورة والسيارات الحديثة و ... الخ.

فلو استطعنا السفر من اوروبا الىٰ الصين خلال بعض ساعات بالطائرة ، فما هو التقدّم الذي حصل في داخلنا ، هل التقدم الفيزيائي والكيميائي و ... يوجد لدينا اخلاقاً فاضلةً وذكاءً أو صحةً وتعادلاً نفسياً أو أمناً وسلاماً ، علينا ان نركز علىٰ قضايا كثر جدّية من الفيزياء أو الأحياء ، وهي النفس الانسانية والمعنويات ».

اصدقائي الاعزاء !

هذه العبارات هي نص اعتراف احد كبار شخصيات اوروبا حول

٢١٧

انحطاط تلك البلدان ، ومع الأخذ بكل ما ذكرناه من جرائم مرعبة وانحرافات اخلاقية وعلمية في الغرب ، أليس عجباً ان يغتر بعض المسلمين والشرقيين بزخارف الصناعات الاوروبية والامريكية وينسوا انفسهم ويفقدوا هويتهم ، لكي يفتخروا بتقليد اعمىٰ لكل ما موجود في الغرب !!

اصبت بزكام اجنبي

مسكين احد المتغرّبين الايرانيين ، كان قد سمع ان الاوروبيين يسمون الزكام « غريب » (١) ، فأجهد نفسه لكي يتعلم تلك الكلمة حتىٰ يفتخر بأستخدامها عند محادثة الآخرين ! ولربما انتظر فصل الشتاء كثيراً وتمنىٰ لو يصاب بالزكام حتىٰ يلفظ تلك الكلمة عندما يسأله الآخرون عن حالته ، وبعد فترة طويلة حصل له ما كان يتمناه ، فسأله احد اصدقائه عن صحته ، لكن هذا المسكين نسيَ لفظة Grippe وكلما حاول ان يتذكرها خانته ذاكرته ، وفي نفس الوقت لم يكن حاضراً لأن يجيب صديقه بأنه مصاب بالزكام ، فقال لصديقه : اصبت بزكام اجنبي !!

وهنا انفجر الحاضرون بالضحك.

ايها السادة ! لا تعجبوا من ذلك ، فهناك نماذج كثيرة من هذا القبيل في بلادنا ، من الذين ينظرون الىٰ أكثر الاعمال وحشية وانحطاطاً في الغرب علىٰ انها مقدّسة لمجرد صدورها عن الغرب.

________________

(١) Grippe مرض مسري وهو علىٰ نوعين ، الأول الزكام العادي والثاني اخطر منه وهو الذي يسمىٰ انفلونزا Anfluenza.

٢١٨

اقول لنفسي بعض الاحيان ، لا يُلام قادة الشعوب الغربية لو منحوا بعض متغربينا اعظم اوسمة الجهل والحماقة ، لانهم لايزالون يتوقعون ان يقوم الغرب بأصلاحات في بلداننا مع ان الغرب ومنذ عشرات السنين يقوم بنهب ثرواتنا والتسلط علىٰ بلداننا ثقافياً وسياسياً ، بشكل جعلنا متخلفين في جميع شؤون الحياة.

اين أجرة الحمار في النهاية !!

هذه السذاجة في التفكير وهذا التوقع من هؤلاء الذئاب ، شبيه بالقصه التي ينقلها المرحوم الشيخ البهائي ، وهي :

كان هناك رجلاً في بغداد قد استقرض كثيراً من الناس ، بحيث كان الجميع يطلبونه ، والحقيقة هو ان الرجل كان متحايلاً غريباً ، حتىٰ اشتكىٰ عليه غرماءه عند القاضي ، فقام القاضي بالكشف عن وضعه المالي مباشرة ، فوجد انه لا يملك شيئاً يمكن استرداده منه ، لذلك فقد شخّصه بانه مفلس وخلّصه من أيدي الطالبين ، ولكن ومن أجل ان لا يتحايل الرجل علىٰ شخص آخر ويستدين منه مالاً ، أمر القاضي بايجار حمار يطاف عليه الرجل في الاسواق ليعرف الناس انه مفلس ولا يقرضه أحد مالاً.

وبعد ان أدىٰ صاحب الحمار عمله المنهمك من الصباح الىٰ وقت المغرب ، طالب الرجل بأجرته ، فأجابه المفلس ضاحكاً : لم اشاهد من هو احمق وأسفه منك ، فأنت تدور بي منذ الصباح في المدينة وتعلن للناس انني مفلس ومدان وان لا يقرضني أحد مالاً ، ومع ذلك تطالبني الآن

٢١٩

بأجرة الحمار؟

يضحك الحاضرون ملياً.

والحقيقة ان توقعنا الحصول علىٰ خدمات ومساعدة من تلك الدول الاوروبية والاميريكية ، يشابه توقع صاحب الحمار من ذلك الرجل المفلس ، لان هؤلاء وبالاضافة الىٰ المآسي التي قاموا بها في بلداننا الاسلامية ، فان مساعداتهم المالية والقروض التي قدموها لنا لم يصلنا من اغلبها الّا الضرر ، فيما ذهبت تلك الاموال في جيوب السماسرة والمسؤولين الحكوميين.

اعتراف غريب للدكتور غوستاف لوبون

في بحث له بهذا الصدد ، يعترف الدكتور غوستاف لوبون بصراحة :

« لم تأت حضارتنا بشيء لشعوب الشرق سوىٰ الشقاء والمآسي ، ومن مصلحتهم ان يقطعوا ارتباطهم بأوروبا وشعوبها ».

ويقول في كتابه حضارة الاسلام والعرب ، بعد بحث معقد ومحيّر :

« ان كتمان هذه الحقيقة لن يؤثر شيئاً ، ولابد ان اقول بصراحة قد لايستسيغها رجال اوروبا ، ان تعاملنا نحن الاوروبيون مع شعوب الشرق ، منحط وقاسي ، بل ووحشي ».

ثم يضيف :

« ومما يؤسف له اكثر من كل شيء ، هو ان تعامل الدول الاوروبية مع الشعوب الشرقية المتحضرة مثل الصينيين والهنود وغيرهم ، ليس بأفضل

٢٢٠