الرسائل الفقهيّة - ج ٢

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي

الرسائل الفقهيّة - ج ٢

المؤلف:

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

وقول الصادق عليه‌السلام في الحديث السابق « من نظر الى حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا » الحديث شاهد صدق عليه لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

ويا ليت شعري أي جزء من أجزاء مقبولة عمر بن حنظلة يدل على ما يريد منها الاخباري على ما أفدت وجعلتها دليلا له لا عليه ، أقوله عليه‌السلام « الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ، ولا يلتفت الى ما حكم به الاخر ».

أم قوله عليه‌السلام « ينظر الى ما كان روايتهما عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه أصحابك فيؤخذ به ـ الى قوله عليه‌السلام ـ فان المجمع عليه لا ريب فيه ».

ولعلك تقول : قوله عليه‌السلام في آخر الحديث « اذا كان كذلك فارجه حتى تلقى امامك ، فان الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات » يدل على مراده وليس الامر كذلك.

فان هذا الجزء من هذا الحديث يدل على وجوب التوقف عند تعذر الجمع بين الاحاديث بأحد من الوجوه المذكورة في هذا الحديث الشريف ، وينفي التخيير على ما يزعمه الاخباري.

ومن هنا ترى أن الفقهاء والمحدثين كثيرا ما يتوقفون في كثير من المسائل الفقهية الفرعية ويترددون فيها ، لتعذر الجمع بينها ، لتعادلها وتعارضها ، وعدم امكان اطراحها والقائها رأسا.

فهذا الحديث بحمد الله دليل عليه لا له ، كما أفدت وأصررت عليه ، فاختر لنفسك أيهما شئت بعد أن تكون عازلا لحكم الوهم وجانبا عنه.

وأما ما أفدت في حديث البراءة الاصلية وان مدارك بعض الاحكام عقلية ،

٤٨١

وقلت : ان بعض أحكام المسائل مما لم يرد فيها نص عند الاصحاب ، وهم اذا وجدوا مسائل قد ورد فيها النص يعدوا حكم المسألة المنصوص عليها الى المسألة التي لا نص عليها بطريق الاولوية والمشافهة ، وقلت : هذا قياس وهم لا يقولون به.

وما أقحمت من أنهم يقولون ان الامر بالشي‌ء نهي عن ضده وبالعكس وما أشبه ذلك مما قد ذكرت في مجلس المناظرة.

فجوابه : أنهم يقولون انه قد استفاض عن الائمة عليهم‌السلام وأجمع علماء الاسلام أن الاصل في الاشياء كلها الطهارة حتى يعلم نجاستها.

وقد رووا في ذلك عن علي عليه‌السلام أنه قال : ما أبالي أبول أصابني أم ماء اذا لم أعلم ذلك ، لان البول ماء والاصل فيه الطهارة حتى يعلم أنه شرب وصار بولا ، والاخبار في ذلك كثير (١) وما ذكرناه في هذا المقام لتقرير أصل المرام ففيه كفاية إن شاء الله تعالى.

ثم قالوا : ومما يشبه أصل الطهارة أصل براءة الذمة ، وفرعوا عليه ما لا يتناهي من المسائل ، بل أكثر مدار فروع الفقه عليه.

كما يقولون : الاصل براءة الذمة من وجوب تطهير الشي‌ء ، والاصل براءة الذمة من وجوب اعادة الصلاة ان شك في صحتها ونحو ذلك.

ومما يجري مجرى الاصل عندهم الاستصحاب وحقيقته يرجع الى أن الاصل بقاء الشي‌ء على ما كان عليه ، كما يقولون : ان هذا الشي‌ء كان نجسا ، والاصل

__________________

(١) منه ما رواه محمد بن يعقوب الكلينى رحمة الله عليه باسناده في فروعه فى أول باب طهارة الماء عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : الماء كله طاهر حتى يعلم أنه قذر وقد روى هذا الخبر بعينه عنه عليه‌السلام بسند آخر في ذلك الباب أيضا ، فارجع اليه « منه ».

٤٨٢

بقاء نجاسته الى أن يعلم طهره ، فاذا طهرناه فالاصل بقاء الطهارة حتى يعلم عروض النجاسة.

نعم اختلف الاصوليون في أن الاصل في الاشياء الحل أو الحرمة ، وأكثر العلماء على أن الاصل الحل ، والدليل بحمد الله قائم عليه.

وأما أصل الطهارة وبراءة الذمة ، فلم يخالف فيه أحد ، وهذا هو الذي يعبرون عنه بالدليل العقلي (١).

والحاصل أنهم يقولون : اذا حكمنا بنجاسة شي‌ء أو تحريمه من غير دليل شرعي ، وقعنا في الاثم ، والحق معهم لان ذلك بدعة وادخال في الدين ما ليس منه ، وقد نهى الله ورسوله والائمة المعصومون عليهم‌السلام عن ذلك.

وقالوا : اذا تعارض الاصل والظاهر ، قدم الاصل الا في مواضع يسيرة ، لان الاصل دليل عقلي وحجة بالاجماع ، والظاهر كثيرا ما يخرج الامر بخلافه وليس بحجة.

وكذلك قالوا : الاصل في أفعال المسلمين الصحة ، وهذه قاعدة ورد بها النص عن الائمة عليهم‌السلام وأجمع عليها العلماء الاعلام ، وعليها مدار تفاريع الاحكام منها : أنه لو أخبر أحد من المسلمين عن شي‌ء كان نجسا أنه طهره ، قبل قوله لان الاصل في أقواله الصحة ، لان القول فعل لساني ، وقد مر أن الاصل في أفعال المسلمين الصحة.

وهذا الكلام بظاهره على ما قيل يشمل ما اذا كان الشي‌ء ملكا للمخبر ، أو ملكا للمستخبر ، وهو غير بعيد كما ذكرنا وجهه في رسالتنا المسماة بالتعليقات.

__________________

(١) وقد ذكرناه مفصلا في تعليقاتنا وحواشينا على الايات الاحكامية المنسوبة الى الحضرة المولى أحمد الأردبيلي المجاور بالمشهد المقدس الغروى « منه ».

٤٨٣

سأل سيدنا مهنا المدني مولانا العلامة الحلي رحمه‌الله عليهما عن مسائل ، منها : ما يقول سيد الامام العلامة في الغسالين الذين يغسلون في الاسواق ثياب الناس وما يعرف قطعا لمن يغسلون ، ولكنهم يغسلون الثياب الطاهرة والنجسة ، ومن جملتها الثياب التي يبعثها الانسان اليهم وهم يغسلون في اجامة واحدة ، ويأتون بالثياب نظيفة مصقولة ، هل يجوز الحكم بطهارة الثياب وجواز الصلاة فيها أم لا يحكم بذلك؟ أفتنا يرحمك الله. وهل يرجع الانسان الى قولهم اذا أخبروا بأنهم طهروا الثياب أم لا؟

قال العلامة في الجواب : يحكم بطهارتها ، لاصالة طهارة المسلم ، وأصالة صحة أخباره بها ، وأصالة طهارة الثوب انتهى (١).

وسأل الشيخ أحمد رحمه‌الله مولانا الشيخ زين الدين نور الله مرقده عن مسائل ، منها مسألة : لو أعطى ثوبه لفاسق ليطهر ، فهل يفتقر الى سؤاله أم لا؟

قال في الجواب : نعم يفتقر الى السؤال ويقبل قوله في تطهيره (٢).

وعلى الاصل الذي ذكرناه سابقا نحكم بطهارة كل ما في أيدي المسلمين وان لم نسألهم ، لان الاصل الطهارة (٣).

فقد روي عن الحسن بن الجهم أنه قال قلت لابي الحسن الرضا عليه‌السلام أعترض السوق فأشتري خفا لا أدري أذكي هو أم لا؟ قال : صل فيه ، قلت : النعل ، قال : مثل ذلك ، قلت : اني أضيق من هذا ، قال : أترغب عنا؟ كان أبو الحسن عليه‌السلام يفعله (٤).

__________________

(١) أجوبة المسائل المهنائية ص ٣٦.

(٢) جواب مسائل الشيخ أحمد العاملى ص ٢٣٣ ، المطبوع بتحقيقنا.

(٣) وقد بسطنا هذه المسألة في رسالتنا الموسومة بالتعليقات ، فان أردت الاطلاع عليها فارجع اليها « منه ».

(٤) تهذيب الاحكام ٢ / ٢٣٤ ، ح ١٢٩.

٤٨٤

فقوله عليه‌السلام « أترغب عنا » استفهام انكاري وتوبيخ ، أي : ان كنت لا تقبل قولنا ولا تقتدي بنا ، فقد خرجت عن طريقتنا وملتنا.

وهذا تمام الانكار على الحسن بن الجهم ، وهو من أكابر أصحاب الرضا عليه‌السلام على ما قيل ، فكيف حال الواحد منا اذا لم يؤخذ قولهم بالقبول واختار لنفسه شرعا آخر ، نعوذ بالله من ذلك.

ومما ذكرناه ونقلناه يظهر لك أن ما رويت في مجلس مناظرتك عن شيخك العلامة رحمه‌الله أنه كان يدغدغ في ذلك مما لا أصل له أصلا ، بل هو مخالف للنص والاجماع كما قد عرفت آنفا.

فان كنتم في ذلك مقلدين لشيخكم العلامة ، فلا تقليد بقول الميت ، على ما هو الحق من مذهب أصحابنا الامامية رضوان الله عليهم ، وقد بين ذلك في موضعه وذكرنا نبذا من أدلته في رسالتنا المسماة بالتعليقات.

وان كنتم مجتهدين فيه ، نطالبكم البينة ونقول : هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين ، ولا ريب في أنه ليس لكم في ذلك جواب ، الا أن تقولوا انا وجدنا آباءنا على أمة وانا على آثارهم مقتدون ، ولعلكم تقولون في ذلك مقالة الاخباريين.

فالامر على ذلك عليكم أشكل ، لان تلك المسألة التي رويتموها ونقلتموها عن شيخكم المرحوم ليس منها بخصوصها بل بعمومها في الاخبار عين ولا أثر.

وان كنتم أنتم أنفسكم تدعون أن لها مأخذا ، فأتوا به ان كنتم تعلمون.

وبالجملة أدلة الاحكام عند الاصحاب منحصرة في كتاب الله العليم ، وسنة رسوله الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله المتواترة المنقولة عنه ، أو عن أحد من الائمة المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وبالاحاد مع سلامة السند ، والاجماع على تقدير ثبوته ، ودليل العقل كالبراءة الاصلية والاستصحاب والاحتياط.

ولما اشترك الكتاب والسنة والخبر في كونها دالة بمنطوقها تارة وبمفهومها

٤٨٥

أخرى ، انقسمت الادلة السمعية الى هذين القسمين.

والمفهوم ضربان : مفهوم موافقة ، ومفهوم مخالفة ، وكانت هذه الادلة كافية في استنباط الاحكام ، ودل العقل والنقل على امتناع العمل بالقياس على ما بين في الاصول ، وقد ذكرنا نبذا من كل منهما في كتابنا المذكور.

ويعنون بالقياس اثبات حكم في صورة لثبوته في صورة أخرى ، ويعتمد على أربعة أركان : الاصل ، والفرع ، والحكم الذي يدعى ثبوته في الفرع لثبوته في الاصل ، والعلة الجامعة بينهما.

ثم قالوا : ان القياس ان كان منصوص العلة وجب العمل به ، ولا يكون ذلك قياسا في الحقيقة ، بل اثبات الحكم في الفرع بالنص.

كما في قوله عليه‌السلام لما سئل عن بيع الرطب بالتمر أنقص اذا جف؟ قالوا : نعم ، قال : فلا آذن (١).

دل على أن المقتضي للمنع هو اليبوسة الموجبة للنص ، فيعم الحكم الرطب باليابس وغير ذلك من النظائر ، وقد بسطنا الكلام فيه في رسالتنا السابقة ذكرها.

فالاحكام التي ليست بمنصوصة عندهم بالخصوصية قد يثبت فيها الحكم : اما بطريق المفهوم الموافقة ، وهو الابلغ في الدلالة ، كما في قوله تعالى « فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ » (٢) فانه يدل على عدم الضرب بطريق أولى.

وقيل : هذا يكون مقطوعا ، وقد ذكرنا وجهه في الكتاب المسفور.

أو بطريق المخالفة كما في قوله عليه‌السلام « في سائمة الغنم الزكاة » (٣) دل بمفهوم

__________________

(١) راجع وسائل الشيعة ١٢ / ٤٤٥.

(٢) سورة الاسراء : ٢٣.

(٣) عوالي اللئالي ١ / ٣٩٩ ، برقم : ٥٠.

٤٨٦

الخطاب على انتفاء الزكاة عن المعلوفة ، وفي كونه دليلا خلاف ، وقد ذكرناه في الكتاب.

أو بطريق القياس المنصوص العلة ، كما في مثال الرطب ، وليس شي‌ء من هذه الانواع بقياس ، فلا يتوهم أنهم يعدون الحكم من صورة الى أخرى الا على أحد من هذه الانواع ، فلا ينسب اليهم العمل بالقياس ، لان ذلك بهتان عظيم.

وأما ما أفدت في مجلس مناظرتك تعريضا علي من أني لست بعارف مفهوم الاجتهاد.

فأقول : هو لغة احتمال النصب والمشقة. وفي الشرع يطلق على ملكة وقوة يقتدر بها صاحبها على استنباط الاحكام الشرعية الفرعية من الادلة التفصيلية.

والمراد بالاستنباط هو الاستدلال ، ومرجعه هنا الى أمرين : فهم المدلولات ومعرفة الرواة.

ومناط الاول على شيئين : قوة مدركة وهي فطرية ، والثاني العلم بالعلامة بين الدال والمدلول ، كالوضع في الدلالة النقلية ، وكالرواية في الدلالة العقلية.

فكل مكلف مجتهد بالمعنى الاول ، اذ كلهم ذو بصيرة وصاحب قوة فكرية فكل من نظر الى الايات والاحاديث بقصد الفهم وفهم منها أحكاما شرعية غير منصوصة ولا ضرورية ولا اجماعية فهو مجتهد.

فظهر أن المكلف قسمان : عالم قادر على فهم الاحكام ، وعاجز عنه كالعوام والذين صرفوا أعمارهم في سائر العلوم الدينية الشرعية.

والضابط في القدر المعتبر منها على ما صرح به الاصحاب ما يتمكن به من فهم بعض الاحكام على ما هو الحق من التجزية في الاجتهاد ، وحصول هذه المرتبة بعون الله تعالى في غاية السهولة ، ولذا ترى أن بعض العلماء كالحلبيين حكموا

٤٨٧

بوجوب العيني على كافة المكلفين.

وأما العلوم التي ذكروها وعدوها من شرائط الاجتهاد فهي تسعة : الميزان ، والكلام ، وأصول الفقه ، ومتن اللغة ، والصرف ، والنحو ، وعلم الرجال ، والحديث والتفسير. وان كان الافتياق اليها مقولا بالتشكيك.

واني بفضل الله وحسن توفيقه لحصلت من كل منها طرفا صالحا ، وان لم أكن بالغا في كل منها غايته ، على أني ما ادعيت الوصول الى درجة الاجتهاد قط فضلا عن الافتاء ، فاني قد رأيت في بعض الكتب كالاصول وغيرها أن المفضل قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام : أنهاك عن خصلتين فيهما هلاك الرجال : أن تدين الله بالباطل وتفتي الناس بما لا تعلم (١).

وعن عبد الرحمن بن الحجاج قال قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : اياك وخصلتين ففيهما هلك من هلك ، اياك أن تفتي الناس برأيك ، أو تدين بما لا تعلم (٢).

وعن أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : من أفتى الناس بغير علم ولا هدى ، لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، ولحقه وزر من عمل بفتياه (٣).

وعن أبي جعفر عليه‌السلام قال : ما علمتم فقولوا وما لم تعلموا فقولوا الله أعلم ، ان الرجل لينتزع الآية من القرآن يخر فيها أبعد ما بين السماء والارض (٤).

الى غير ذلك من الاخبار التي ذكرها محمد بن يعقوب في أصوله في باب النهي عن القول بغير علم.

وعن ابن شبرمة الفقيه العامي قال : ما ذكرت حديثا سمعته عن جعفر بن

__________________

(١) اصول الكافى ١ / ٤٢ ، ح ١.

(٢) أصول الكافى ١ / ٤٢ ، ح ٢.

(٣) اصول الكافى ١ / ٤٢ ، ح ٣.

(٤) اصول الكافى ١ / ٤٢ ، ح ٤.

٤٨٨

محمد عليهما‌السلام الا كاد أن يتصدع قلبي ، قال : حدثني أبي عن جدي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال ابن شبرمة : وأقسم بالله ما كذب أبوه على جده ، ولا جده على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من عمل بالمقاييس فقد هلك وأهلك ، ومن أفتى الناس وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ والمحكم من المتشابه فقد هلك وأهلك (١).

وعن بعض التابعين قال : أدركت عشرين ومائة من الانصار من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا الى هذا حتى ترجع الى الاول.

وعنه قال : لقد أدركت في هذا المسجد عشرين ومائة من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما أحد منهم يتحدث حديثا الا ودان أخاه كفاه الفتيا.

وقال بعض الاكابر لبعض المفتين : أراك تفتي الناس؟ فاذا جاءك الرجل يسألك فلا تكره أن تخرجه مما وقع فيه ، ولتكن همتك أن تتخلص مما يسألك عنه (٢) وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : أجرأكم على الفتوى أجرأكم على النار (٣).

وغير ذلك من الاخبار والاثار الواردة في ذلك الباب وهي كثيرة ، وفيما ذكرناه لكفاية إن شاء الله تعالى ، لان في استقصائها تطويل الخطاب وتفصيل الكتاب.

وهو خارج عما نحن فيه وكفى في ذلك قوله عز من قائل « وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ » (٤) الاية.

__________________

(١) بحار الانوار ٢ / ١١٨ ـ ١١٩ عن المجاسن.

(٢) ولا يخفى أن الامر في عصرنا هذا على العكس من ذلك ، فيا نفساه ويا دنياه « منه ».

(٣) بحار الانوار ٢ / ١٢٠ ، ح ٣٤ وص ١٢٣ ، ح ٤٨.

(٤) سورة النحل : ١١٦.

٤٨٩

فيا أيها المولى الاعظم والحبر الملي الافخم والنحرير الراشد الرشيد الافضل الاعلم كيف رأيتنا والحال هذه أننتصب أنفسنا للفتيا من غير أن تستجمع لنا شرائطها أم نقول عيادا بالله على الله ورسوله والائمة الهدى صلوات الله وسلامه عليهم ما بقيت الارض والسماء بلا فتور ولا انقضاء قولا بغير الحق بغيا لزخارف الدنيا ازدخر ، أو مريدا وطلبا لثواب العقبى ، أي ذلك يمكنك أن تتصور هاهنا؟

هيهات هيهات ليس الامر على ما يتوهم من ظاهر حالنا ، فان النفس وان كان أمارة بالسوء ، الا أن الرجاء واثق بالله أن يرحمنا.

فنسأل الله الهداية والعصمة والاصابة في القول والعمل ، ونستعيذ به من الخطأ والنسيان والسهو والزلل انه قريب مجيب ، ومن تمسك بحبل توفيقه ولاذ الى كنف حمايته ولجأ الى ظل وقايته ، فهو لما يريد يصيب.

ثم ان المملوك القاصر عن لوازم خدمة المولى العاجز عن أداء حقه الواجب عليه ، كما قال سيدنا المرتضى عليه‌السلام : من علمني حرفا فقد صيرني عبدا (١).

بعد ذلك كله يقبل سدته السنية ، ويستشفى من برة قدمه العلية ، ويقول : والله لقد كتبت هذه الكراسة منذ يوم ناظرتني تلك الحضرة المولوية العالمية العاملية الزاهدية الناسكية ، وكنت مترددا في ارسالها اليها تردد من يقدم رجلا ويؤخر أخرى.

وما يعوقني عن ذلك الا ما قد خلج في قلبي وذكر في طبعي من خشية أن يخطر على خاطر تلك الحضرة العالية خطرة توجب كلالها أو تورث ملالها ، وكان ذلك علي أثقل من الاحد ، كما شاهد عليه الله الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.

وذلك لان منذ يوم أذن الله للملوك بالاسعاد ، وسهل طريقه بالوصول الى

__________________

(١) نحوه عوالي اللئالى ٤ / ٧١.

٤٩٠

هذه البلاد وأوصلني بفضله الى خدمة تلك الحضرة الاستاد ، كان جميع هممه منحصرة في معرفة طرق استرضائه ، راجيا من الله أن يوفقه عليها بحسن بلاء على أية حالة كانت في السراء والضراء أو الشدة والرخاء.

وكان الواجب في ذلك أن المملوك مدة من الزمان وبرهة من الاوان كان ملازما لتلك الحضرة السلطان ، ملازمة دائمة مستمرة غير منقطعة.

وكان والله قد يصل الى العبد من افاضاته العالية وافاداته الشافية ما لا يقدر على تحريره القلم ، بل لا يستطيع على تقريره جارحة اللسان.

فكيف يسعه الرقم وقد عاقت عن اتمام وظائف خدمة المولى عوائق الحدثان ومصادمات الدهر الخوان ، اذ كان صادا للمرء عن بلوغ ارادته ، وحائلا بينه وبين طلبته.

ثم لما تأملت في ذلك ، وراجعت فيه وجداني ، وتذكرت سوابق نعمها السابقة علي تذكر جيران بذي سلم ، وجدتها مبراة من كل شين ، ومحلاة بكل زين.

فقلت : سبحان الله ما أسوء ظني بتلك الحضرة العلية ، مع تنزهها عن تلك الخطرات الدنية الردية.

فوجهت الى تلك الحضرة هذه الكراسة من بعد ما نازعت نفسي وألزمتها بما قد سلف وان كانت متشوشة بعد حتى ما يصدر عن ذلك المصدر الصالح الخلف سائلا من صدقات مولانا الدقيق النظر الى ما فيها بعين الدقة والتحقيق من دون المسامحة والاغضاء والتضييق.

طالبا عن لطفه العميم وكرمه الجسيم أن يشرفها بالجواب ، فأفوز أنا بالعلم ومولانا بالثواب ، وليكن ذلك بخط يده العالية وعبارته الشافية ، ليكون ذلك حجة علي أو كالسند ، والله معكم أينما كنتم وهو أينما كنت معي سيهديني واياكم بكرمه الى الصراط المستقيم السوي.

٤٩١

وجاء في آخر الرسالة هكذا : وقد فرغت من هذه الرسالة بيمناه الجاني العبد الذنيب الكئيب الذليل ابن محمد باقر الاصفهاني محمد حسين عفى الله عما سلف من جرائمهم أجمعين بمحمد وآله سادات الانبياء والمرسلين من آدم أبيهم الى أبيهم جدهم خاتم النبيين والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.

وقد وقع الفراغ من تسويدها في أواسط الشهر ذي القعدة الحرام سنة سبعة وأربعين ومائتين فوق الالف من الهجرة النبوية المصطفوية عليه وآله من الصلاة أفضلها ومن التحيات أكملها تمت بعون الله تعالى.

وتم استنساخ وتصحيح هذه الرسالة في (٧) ذي الحجة سنة (١٤١٠) هـ ق في مشهد مولانا الرضا عليه‌السلام على يد العبد السيد مهدي الرجائي عفي عنه.

٤٩٢

سلسلة آثار المحقق الخاجوئى

(٦٥)

رسالة

فى منجزات المريض

للعلّامة المحقّق العارف

محمّد اسماعيل بن الحسين بن محمّد رضا المازندرانى الخاجوئي

المتوفّى سنة ١١٧٣ ه‍ ق

تحقيق

السّيّد مهدى الرّجائي

٤٩٣
٤٩٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

بعد الحمد والصلاة يقول العبد الجاني الفاني محمد بن الحسين المشتهر باسماعيل المازندراني : اختلف أصحابنا في منجزات المريض اذا كانت تبرعا ومات في ذلك المرض.

فقيل : انها كالمؤخرات من الثلث ، فاذن لا فرق بينهما.

وقيل : انها من أصل المال وهو الاقوى.

أما أولا ، فلا صالة بقاء الملك في يد مالكه ، وجواز تصرفه فيه الى أن يمنع منه مانع ، ويقوم عليه دليل من العقل أو النقل.

وأما ثانيا ، فلاستصحاب حال الصحة ، فانه في تلك الحال كان جائز التصرف فيه كيف شاء ، والاصل بقاء ما كان على ما كان.

وأما ثالثا ، فلما رواه الشيخ في التهذيب عن علي بن ابراهيم عن عثمان بن سعيد عن أبي شعيب المحاملي عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

فالسند صحيح لان عثمان بن سعيد وان كان مشتركا بين الاشتر الكوفي المهمل والعمروي الزيات السمان أبي عمرو الثقة ، الا أن المراد به ها هنا هو الثاني.

اذ الاول لم يدركه علي هذا ، لانه كان من أصحاب الصادق عليه‌السلام بخلاف

٤٩٥

الثاني ، فانه من أصحاب الهادي والعسكري عليهما‌السلام وكان وكيلا من جهة الصاحب عليه‌السلام ، فرواية علي هذا عنه غير بعيدة ، لانه على ما ذكروه كان أيضا من أصحاب الهادي والعسكري عليهما‌السلام.

وأما أبو شعيب الكناسي الكوفي المحاملي صالح بن خالد الثقة ، فمن أصحاب الكاظم عليه‌السلام على ما ذكروه يظهر من هذا السند أنه أدرك صحبة الصادق عليه‌السلام أيضا.

وروى عنه قال قال : الانسان أحق بماله ما دامت الروح في بدنه (١).

والمال اسم جنس أضيف ، فيفيد العموم ، فهذا الحديث الصحيح الصريح في صحة تصرفات المريض في جميع ماله ما دام حيا ، فله أن يهب ويقف ويعتق ويصنع بماله ما شاء الى أن يأتيه الموت ، فلو لم يكن على هذه المسألة دليل سواه لكفى ، اذ لا معارض فيما علمناه يصح أن يقاومه ، وله مؤيدات كثيرة.

مثل ما في التهذيب أيضا في الموثق عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن ابن أبي عمير ، عن مرازم ، عن عمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : الميت أحق بماله ما دام فيه الروح يبين به ، فان قال بعدي فليس له الا الثلث (٢).

فهذا الحديث الموثق يفرق بين المنجزات والمؤخرات. ويدل على أن جميع تصرفات المريض في ماله ما دام حيا صحيحة وان فوت بها المال على الوارث بغير عوض ، كالمحاباة في المعاوضات والهبة والوقف والعتق ونحوها ، وهو المراد بالمنجزات. وانما يعتبر فيه الثلث اذا كان بطريق الوصية ، بأن يقول : افعلوا بعد موتي كذا وكذا ، وهو المراد بالمؤخرات.

وفي الفقيه عن عبد الله بن جبلة عن سماعة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٩ / ١٨٧ ، ح ٤.

(٢) تهذيب الاحكام ٩ / ١٨٨ ، ح ٩.

٤٩٦

قال قلت له : الرجل يكون له الولد يسعه أن يجعل ماله لقرابته؟ قال : هو ماله يصنع به ما شاء الى أن يأتيه الموت (١).

وطريق الصدوق الى ابن جبلة صحيح ، الا أنه واقف موثق كسماعة ، فالسند بهما موثق.

وفي الفقيه أيضا في باب أن الانسان أحق بماله ما دام فيه شي‌ء من الروح : عن صفوان عن مرازم في الرجل يعطي الشي‌ء من ماله في مرضه ، قال : اذا أبان به فهو جائز ، وان أوصى به فمن الثلث (٢).

وطريق الصدوق الى صفوان بن يحيى حسن أو صحيح ، لكنه ذكر هذا الحديث في هذا الموضع مسندا وفي آخر مرسلا.

وفي التهذيب عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن عبد الله بن المبارك ، عن عبد الله بن جبلة ، عن سماعة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

فالسند بين حسن وموثق ، لان عبد الله بن المبارك لم يقدح فيه أحد ، وهو من أصحاب الرضا والهادي عليهما‌السلام ، وكان اسمه عبد الجبار بن المبارك ، فلما أعتقه الهادي عليه‌السلام غير اسمه وقال : عبد الله بن المبارك ، وله كتاب يرويه عنه البرقي.

وقد صرح بعض الافاضل المتأخرين من أرباب الرجال بأن من المدح أن يكون الرجل الامامي من أصحاب واحد أو اثنين أو أكثر من الائمة عليهم‌السلام ، وأن يكون له كتاب يرويه عنه بعض أصحابنا ، وهما مجتمعان في عبد الله هذا.

فيحصل به الظن بحسن حاله ، فان من الظاهر بل الاظهر منه أن الرجل الامامي الصحابي صاحب كتاب ورواية لا يكذب على الامام عليه‌السلام ولا يضع

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٢٠٢ ، ح ٥٤٦٦.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٢٠٢ ، ح ٥٤٦٧.

٤٩٧

عليه حديثا ، فيعتبر حديثه ، وخاصة اذا كان على طبقه حديث صحيح وموثقات متعاضدة.

قال أبو بصير قلت له : الرجل يكون له الولد يسعه أن يجعل ماله لقرابته؟

فقال : هو ماله يصنع به ما شاء الى أن يأتيه الموت ، ان لصاحب المال أن يعمل بماله ما شاء ما دام حيا ، ان شاء وهبه ، وان شاء تصدق به ، وان شاء تركه الى أن يأتيه الموت ، فان أوصى به فليس له الا الثلث ، الا أن الفضل في أن لا يضيع من يعوله ولا يضر بورثته (١).

وعن علي بن الحسن بن فضال ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن مرازم ، عن عمار الساباطي ـ كذا والسند موثق ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يجعل بعض ماله لرجل في مرضه ، فقال : اذا أبانه جاز (٢).

وظاهر أن بعض ماله يعم الثلث والثلثين ، وأقل منهما والاكثر وترك الاستفصال دليل عموم المقال ، فاذا جعل المريض أزيد من ثلث ماله لرجل وأبانه له ، جاز ذلك وصح وفيه المطلوب.

تنبيه

مما نقلناه ظهر أن هنا ، أي : على القول الثاني حديث صحيح وثلاثة موثقات وآخر بين حسن وموثق ، وآخر بين صحيح ومرسل.

فقول شيخنا الشهيد الثاني في شرح الشرائع ، والروايات الدالة على هذا القول كلها مشتركة في ضعف السند ، وليس فيها سوى واحدة من الموثق ، وأراد به موثقة عمار الساباطي التي يرويها الحسن بن محمد بن سماعة ، غريب.

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٩ / ١٨٨ ، ح ٩.

(٢) تهذيب الاحكام ٩ / ١٩٠ ، ح ١٧.

٤٩٨

نعم هنا روايات أخر سوى ما نقلناه ضعيفة السند واضحة الدلالات ، يمكن تأييد هذه الاخبار بها.

منها : ما رواه في الفقيه وكذا في التهذيب عن ثعلبة بن ميمون ، عن أبي الحسن الساباطي ، عن عمار بن موسى أنه سمع أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : صاحب المال أحق بماله ما دام فيه شي‌ء من الروح ، يضعه حيث يشاء (١).

وأبو الحسن هذا مجهول لا عين له ولا أثر في كتب الرجال.

فصل

[ مستند القول الاول ]

وأما القول الاول ، فاستدل عليه العلامة في المختلف بعد اختياره له برواية علي بن عقبة عن الصادق عليه‌السلام في رجل حضره الموت ، فاعتق مملوكا ليس له غيره ، فأبى الورثة أن يجيزوا ذلك ، كيف القضاء فيه؟ قال : ما يعتق منه الا ثلثه ، وسائر ذلك الورثة أحق بذلك ولهم ما بقي (٢).

وأورد عليه : أما أولا ، فبأنها واردة في العتق ، فتعدي الحكم منه الى غيره قياس لا نقول به.

وأما ثانيا ، فبأنها محمولة على الوصية ، لان حضور الموت قرينة منعه من مباشرة العتق ، ويجوز نسبة العتق اليه ، لكونه سببه القوي بواسطة الوصية.

ومنه يعلم الجواب عن الاستدلال برواية الحسن بن الجهم ، قال : سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول في رجل أعتق مملوكا ، وقد حضره الموت وأشهد له بذلك

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٢٠١ ، والتهذيب ٩ / ١٨٦ ، ح ١.

(٢) تهذيب الاحكام ٩ / ١٩٤ ، ح ١٣.

٤٩٩

وقيمته ستمائة درهم وعليه دين ثلاثمائة درهم ولم يترك شيئا غيره ، قال : يعتق منه سدسه ، لانه انما له منه ثلاثمائة درهم وله السدس من الجميع (١).

ورواية زرارة عن الصادق عليه‌السلام قال : اذا ترك الدين ، ومثله أعتق المملوك واستسعى.

ورواية حفص بن البختري عنه عليه‌السلام اذا ملك المملوك سدسه واستسعى وأجيز.

فانها كلها واردة في العتق ، ومع ذلك يمكن حملها على الوصية ، جمعا بينها وبين ما دل على خلافها ، فانها واضحة الدلالة ناصة بالباب ، والله أعلم بالصواب.

وأما رواية أبي ولاد قال : سألت الصادق عليه‌السلام عن الرجل يكون لامرأته عليه الدين ، فتبرأه منه في مرضها ، قال : بل تهبه له فتجوز هبتها ، ويحتسب ذلك من ثلثها ان كانت تركت شيئا (٢).

فضعيفة السند مقلوبة الحكم ، لان ابراء ما في الذمة صحيح اجماعا دون هبته ، والحكم فيها بالعكس.

وأما رواية علي بن أبي نصر عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ان أعتق رجل عند موته خادما ثم أوصى وصية أخرى ألغيت الوصية واعتقت الجارية من ثلثه ، الا أن يفضل من ثلثه ما يبلغ الوصية (٣).

هكذا في المختلف في نسخة قديمة عليها آثار المقابلة والقراءة والتصحيح ولكن رواه في التهذيب هكذا : محمد بن علي بن محبوب ، عن الحسين بن سعيد

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٩ / ٢١٨ ، ح ٥.

(٢) تهذيب الاحكام ٩ / ١٩٥ ، ح ١٥.

(٣) تهذيب الاحكام ٩ / ١٩٧ ، ح ١٨.

٥٠٠