الرسائل الفقهيّة - ج ٢

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي

الرسائل الفقهيّة - ج ٢

المؤلف:

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

ضعف بعضهم سيفا.

والعجب منه في هذا كثيرا ، فانه ثقة مجمع عليه الشيخان ، أي : الطوسي والنجاشي ، لكن في كتاب الشيخ ابن شهر آشوب أن سيف بن عميرة من أصحاب الكاظم عليه‌السلام واقفي ، وكأن المراد من البعض اياه.

قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : اذا كان في سفر فدخل عليه وقت الصلاة قبل أن يدخل أهله ، فسار حتى يدخل أهله ، فان شاء قصر وان شاء أتم ، والإتمام أحب الي (١).

جامع بين أكثر الأخبار ، فتأمل. ويستفاد من هذه الصحيحة استحباب الإتمام مع التخيير ، وبه يوفق بين الأخبار ، فتدبر.

الفصل الرابع

[ القضاء بحال وجوبها لا فواتها ]

ويتفرع على هذه المسألة مسألة اخرى ، وهي ما أشار اليه صاحب الشرائع فيه بقوله : الاعتبار في القضاء بحال فوات الصلاة لا بحال وجوبها ، فاذا فاتت قصرا قضيت كذلك. وقيل : الاعتبار في القضاء بحال الوجوب. والأول أشبه (٢).

قال صاحب المدارك : المراد أنه اذا اختلف فرض المكلف في أول الوقت وآخره ، بأن كان حاضرا في أول الوقت فسافر ، أو مسافرا فحضر وفاتته الصلاة والحال هذه ، فهل يكون الاعتبار في قضائها بحال الوجوب وهو أول الوقت ، أو بحال الفوات وهو آخره؟

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٣ / ٢٢٣ ـ ٢٢٤.

(٢) شرائع الإسلام ١ / ١٣٦.

٤٤١

الأصح الثاني ، لقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : يقضي ما فاته كما فاته (١). ولا يتحقق الفوات الا عند خروج الوقت.

وقال ابن الجنيد والمرتضى : يقضي على حسب حالها عند دخول أول وقتها ، وربما كان مستندهم في ذلك ما رواه الشيخ عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه سئل عن رجل دخل وقت الصلاة وهو في السفر ، فأخر الصلاة حتى قدم وهو يريد أن يصليها اذا قدم الى أهله ، فنسي حين قدم الى أهله أن يصليها حتى ذهب وقتها ، قال : يصليها ركعتين صلاة المسافر ، لان الوقت دخل وهو مسافر ، كان ينبغي أن يصليها عند ذلك (٢). وفي الطريق موسى بن بكر وهو واقفي.

وأجاب عنها في المعتبر باحتمال أن يكون دخل مع ضيق الوقت عن أداء الصلاة أربعا ، فيقضي على وفق امكان الأداء (٣).

أقول : على قول من اعتبر وقت الوجوب دون الأداء لا يختلف فرض المكلف في أول الوقت وآخره ، بل فرضه في الوقتين واحد ، فان كان فرضه في أول الوقت هو الإتمام بأن كان حاضرا ، كان فرضه في آخره كذلك وان صار مسافرا.

وكذا ان كان فرضه في أول الوقت هو التقصير بأن كان مسافرا ، كان فرضه في آخره كذلك وان صار حاضرا ، فهو اذا يقضي ما فاته كما فاته ، ان قصرا فقصرا وان كان تماما فتماما.

فهو لا يختلف عليه الحال في قضائها بعد فواتها ، بل هو تابع في ذلك لاول وقتها وهو وقت الوجوب ، كما أشار اليه ابن الجنيد والمرتضى ، وهو رحمه‌الله لما لم يكن عاملا بأخبار الاحاد ، قائلا بأنها لا توجب علما ولا عملا.

__________________

(١) فروع الكافي ٣ / ٤٣٥ ، ح ٧.

(٢) تهذيب الأحكام ٣ / ١٦٢.

(٣) مدارك الأحكام ٤ / ٤٨٣ ـ ٤٨٥.

٤٤٢

فلو كان مستنده في ذلك ما رواه الشيخ فهو يفيد أن مضمونه كان متواترا عنده وهو صريح في اعتبار وقت الوجوب ، كما أشرنا اليه ، فيكون دليلا واضحا على ما اخترناه.

ولا يقدح فيه كون موسى وهو في الطريق واقفي ، لانه ثقة كما أو مأنا اليه ، وعلى تقدير ضعفه فضعفه منجبر بعملهم.

وأما جواب صاحب المعتبر ، فغير معتبر. أما أولا ، فلانه مبني على القول بالتفصيل ، وهو خلاف مذهبه.

وأما ثانيا ، فلانه ينافيه التعليل بقوله « لان الوقت دخل وهو مسافر » لانه صريح في أن الاعتبار في القضاء بحال وجوبها لا بحال فواتها ، فتأويله بحال الفوات بضيق الوقت عن أداء الصلاة أربعا غير مسوغ.

تتمة مهمة

هل يجب على مجتهد اجتهد في هذه المسألة ، ولم يرجح واحدا من المذاهب المذكورة ، لتعارض أدلتها عنده ، وذلك لما قد عرفت أن الأخبار السليمة الأسناد متنافية صريحا (١) على ما بيناه.

ولا يمكن الجمع بينها بالتخيير ، كما ذكرناه سابقا ، لان مستند كل من الأقوال الأربعة رواية صحيحة ، حتى مستند القول بالتفصيل. وله معنيان :

أحدهما : خوف خروج الوقت بالدخول والإتمام ، كما هو الظاهر مما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان بن يحيى ، وفضالة بن أيوب ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام في الرجل

__________________

(١) فيه رد على صاحب المدارك ومن تبعه « منه ».

٤٤٣

يقدم من الغيبة ، فيدخل عليه وقت الصلاة ، فقال : ان كان لا يخاف أن يخرج الوقت فليدخل فليتم ، وان كان يخاف أن يخرج الوقت قبل أن يدخل فليصل وليقصر (١). والعمل بمضمونه لا يخلو من قوة.

وثانيهما : خوف خروج الوقت باتمام الصلاة ، كما ذكره الشيخ والصدوق في التأويل ، وهو الظاهر.

مما رواه الشيخ عن سعد ، عن محمد بن الحسين ، عن جعفر بن بشير ، عن حماد بن عثمان ، عن اسحاق بن عمار ، قال : سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة ، فقال : ان كان لا يخاف الفوت فليتم ، وان كان يخاف خروج الوقت فليقصر (٢).

وانما حكمنا بصحته ، والمشهور أنه موثق لوجود اسحاق بن عمار في الطريق حتى أن السيد السند في المدارك قد حكم بضعف سند هذه الرواية في الموضعين لذلك تبعا لاخرين ، زعما منهم أن المراد به اسحاق بن عمار بن موسى الساباطي الفطحي ، لان الأمر ليس كذلك.

بل المراد به اسحاق بن عمار بن حيان الصيرفي الإمامي الثقة ، والدليل عليه أن الساباطي لم يرو عن أحد من الأئمة عليهم‌السلام ، فهذا قرينة واضحة على أن المراد به الصيرفي الإمامي الثقة ، وقد فصل الكلام فيهما (٣) الفاضل القهپائي رحمه‌الله في حواشيه على كتابه المسمى بمجمع الرجال بما لا مزيد عليه ، فليرجع اليه.

نعم مستند الصدوق حيث قال في تأويل حديث محمد : يعني به اذا كان لا يخاف فوات خروج الوقت أتم ، وان خاف خروج الوقت قصر ، ثم صدقه

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٣ / ١٦٤ ، ح ١٥.

(٢) تهذيب الأحكام ٣ / ٢٢٣.

(٣) أى : فى اسحاقين « منه ».

٤٤٤

بما في كتاب الحكم بن مسكين ، قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام في الرجل يقدم من سفر في وقت صلاة فقال : ان كان لا يخاف خروج الوقت فليتم ، وان كان يخاف خروج الوقت فليقصر (١).

ليس بمصرح بتوثيقه ، اذا الحكم هذا لا قدح فيه ولا مدح ، غير أنه روى عن أبي عبد الله عليه‌السلام وله أصل وكتاب ، وهذا القدر لا يفيد توثيقه ، وان أفاد اعتباره ، وخصوصا اذا انضم اليه ما ذكره الصدوق في صدر الكتاب من أنه لا يذكر فيه الا ما اعتقده أنه حجة فيما بينه وبين الله.

أن يصلي (٢) في الصورتين (٣) صلانين : صلاة مسافر ، وصلاة حاضر ركعتين وأربعا معا؟ الظاهر نعم ، لانه تيقن بشغل ذمته بأحد الصلاتين ، ولا يعلم أيهما هي وأمكنه تحصيل العلم ببراءتهما مما هي مشغولة به في الواقع بفعلهما معا ، ولا يمكن ذلك بدونه ، فيجب تحصيلا لذلك.

ولا ريب في وجوب تحصيل العلم ببراءة الذمة من الواجب بعد العلم شغلها به حيث أمكن ، بأن لا يمنع منه مانع عقلا ولا شرعا ، وحينئذ يكون وجوب الزائدة على الواحدة من باب وجوب المقدمة.

وهذا كما اذا فات المكلف واحدة من الخمس ولم يدر أيتها هي ، فانه يجب عليه الخمس ، أو الثلاث ، تحصيلا لبراءة ذمته من الواجب ، الى غير ذلك من النظائر.

وكونها نظيرا لما نحن فيه ظاهر ، اذا الواجب انما هو احدى الصلوات ولا يعلم عينها. وانما وجبت الزائدة من باب وجوب المقدمة.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ / ٤٤٤.

(٢) فاعل يجب « منه ».

(٣) أى : فى صورتى دخول المنزل من السفر ، والخروج منه اليه « منه ».

٤٤٥

هذا ما عندنا في هذه المسألة ، فان وافق المسئول فهو المأمول ، والا فهو باصلاح الفساد أولى وبترويج الكساد أحرى ، فاني كتبته أيام مصيبة ولو كنت أرجوه خلفا فصار بالموت فرطا وسلفا ، والحمد لله على كل حال ، وصلى الله على محمد وآله خير آل.

وكتبه بيمناه الجانية الفانية العبد الجاني الفاني محمد بن الحسين بن محمد رضا بن علاء الدين محمد المشتهر باسماعيل المازندراني.

تم استنساخ وتصحيح هذه الرسالة في (١٤) شعبان المعظم سنة (١٤١١) هـ ق في بلدة قم المقدسة على يد العبد السيد مهدي الرجائي عفي عنه.

٤٤٦

سلسلة آثار المحقق الخاجوئى

(٦٣)

رسالة

فى حكم من زنا بامرأة ثم تزوج بابنتها

للعلّامة المحقّق العارف

محمّد اسماعيل بن الحسين بن محمّد رضا المازندرانى الخاجوئي

المتوفّى سنة ١١٧٣ ه‍ ق

تحقيق

السّيّد مهدى الرّجائي

٤٤٧
٤٤٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

أما بعد الحمد والصلاة ، فان الباعث لنا على تحرير هذه المسألة أن بعض الاذكياء من أصحابي وفقه الله لما يحب ويرضى ذكر أن بعض قضاة زماننا هذا وهو في عدم علمه بما يقضي ويحكم كغيره من قضاة هذا الزمان ثالث ثلاثة ورد فيهم ما ورد ، قد عقد لرجل زنا بامرأة ابنتها.

وقال : ان الفاضل السبزواري قدس‌سره في الكفاية قد بذل جهده في اثبات صحة مثل هذا العقد ، فقال : بأن ابنتها له حلال ، غاية الامر كراهة مثل هذه الزوجة لمثل هذا الزوج.

ثم التمس مني أن أكتب له في هذه المسألة ما هو أرجح عندي وأقوى بحسب الدليل ، وأقرب الى طريق الاحتياط الذي هو من الطرق المنجية يقينا ، وهو طريق الابرار الاخيار الذين يخافون الله.

فأجبت مسألته وأسعفت حاجته ، فان وافق المسئول فهو المأمول ، والا فهو لستر العوراء أولى ، وبسد الخلل أحرى.

فأقول وأنا العبد الضعيف النحيف الفاني الجاني محمد بن الحسين بن محمد رضا المشتهر باسماعيل المازندراني : اختلف أصحابنا بعد اتفاقهم على

٤٤٩

أن الزنا اللاحق بالعقد الصحيح لا ينشر حرمة المصاهرة ، في أن الزنا السابق عليه هل ينشر كالعقد الصحيح بمعنى تحريم ما حرم الصحيح من الام والبنت على الاب والابن ونحو ذلك؟

فالاكثرون منهم على التحريم ، ولعله أقوى دليلا وأقرب احتياطا ، ونحن نفصل هذه المسألة في فصلين وخاتمة.

الفصل الاول

فى الاخبار الدالة على التحريم

روى الشيخ في كتابي الاخبار عن محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه محمد بن عيسى بن عبد الله الاشعري ، عن محمد بن أبي عمير ، عن أبي بصير ، قال : سألته عن الرجل يفجر بالمرأة أتحل لابنه؟ أو يفجر بها الابن أتحل لابيه؟ قال : ان كان الاب أو الابن مسها وأخذ منهما فلا تحل (١).

وهذا حديث صحيح على المشهور ، صريح في أن الزنا السابق على العقد ينشر حرمة المصاهرة كالصحيح ، دال على نفي الحل ، قرينة واضحة على أن المراد بالاخبار الدالة على النهي هو التحريم لا الكراهة.

وحمل نفي الحل عليها ، كما فعله الفاضل السبزواري قدس‌سره في الكفاية بنهج لا يخلو من تكلف بل تعنف ، لا يخفى ، وطريق التوفيق بين الاخبار غير منحصر فيه.

ومثله ما رواه عن موسى بن القاسم عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٧ / ٢٨٢ ، ح ٣٠.

٤٥٠

جعفر عليهما‌السلام قال : سألته عن الرجل زنا بامرأة هل تحل لابنه أن يتزوجها؟ قال : لا (١) وما رواه عن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل تكون له الجارية ، فيقع عليها ابن ابنه قبل أن يطأها الجد ، أو الرجل يزني بالمرأة هل تحل لابنه أن يتزوجها؟ قال : لا انما ذلك اذا تزوجها فوطأها ثم زنا بها ابنه لم يضره ، لان الحرام لا يفسد الحلال ، وكذلك الجارية (٢).

وهذه كلها تدل على نفي الحل ، غير قابلة للتأويل.

وقال العلامة في المختلف : والظاهر أن أبا بصير أسند ذلك الى الامام ، لان عدالته تقتضي ذلك ، وقد حسن فيه رواية علي بن جعفر عن أخيه ، ووثق رواية عمار عن الصادق عليه‌السلام (٣).

قال السيد السند الداماد قدس‌سره في رسالته الرضاعية : كلامه في مضمرة أبي بصير الصحيحة على وجهه ، واستحسانه رواية علي بن جعفر أيضا على استقامته ، اذ في طريقها بنان بن محمد ، ولولاه لكان الطريق صحيحا ، وهو أخو أحمد بن محمد بن عيسى ، اسمه عبد الله ولقبه بنان ، وأدنى مرتبته أن يكون ممدوحا. فاما استيثاق خبر عمار وفي الطريق سهل بن زياد ، فمنظور فيه (٤).

هذا ، وروى عن محمد بن يعقوب ، عن أبي علي الاشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ومحمد بن اسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، جميعا عن صفوان بن يحيى ، عن عيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل باشر امرأة وقبل ، غير أنه لم يفض اليها ، ثم تزوج ابنتها ، فقال : اذا لم يكن أفضى الى الام

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٧ / ٢٨٢ ، ح ٣١.

(٢) تهذيب الاحكام ٧ / ٢٨٢ ـ ٢٨٣ ، ح ٣٢.

(٣) المختلف ص ٧٥ ، كتاب النكاح.

(٤) الرسالة الرضاعية ص ٤١.

٤٥١

فلا بأس ، وان كان أفضى اليها فلا يتزوج ابنتها (١). وهذا سند صحيح ومتن صريح.

ومثله ما رواه عنه ، عن أبي علي الاشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في رجل كان بينه وبين امرأة فجور هل يتزوج ابنتها؟ قال : ان كان قبلة أو شبهها فليتزوج ابنتها ، وان كان جماع فلا يتزوج ابنتها وليتزوجها هي (٢).

وهذا أيضا حديث صحيح صريح في النهي عن التزويج بابنتها بعد الجماع بها حراما ، وفي اطلاق الفجور على مثل القبلة واللمسة ونحوهما فليكن في ذكر منك ينفعك في المباحث الاتية إن شاء الله العزيز.

فان أكثر الاخبار التي استدلوا بها على عدم التحريم انما ورد بلفظ الفجور كمجهولة هشام بن المثنى (٣) ، ومضمرة صفوان (٤) ، ومرسلة زرارة (٥) ، وصحيحة سعيد (٦) والباقي من الاخبار المستدل بها عليه بين ضعيف ومجهول ، فليس لهم في الحقيقة خبر صحيح صريح في عدم التحريم. هذا.

وروى عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، فالسند صحيح ، عن أحدهما عليهما‌السلام أنه سئل عن الرجل يفجر بالمرأة أيتزوج ابنتها؟ قال : لا ولكن ان كانت عنده امرأة ثم فجر بأمها أو أختها لم تحرم عليه التي عنده (٧).

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٧ / ٣٣٠ ، ح ١٤.

(٢) تهذيب الاحكام ٧ / ٣٣٠ ، ح ١٥.

(٣) تهذيب الاحكام ٧ / ٣٢٨ ، ح ٨.

(٤) تهذيب الاحكام ٧ / ٤٧١ ، ح ٩٧.

(٥) تهذيب الاحكام ٧ / ٣٢٩ ، ح ١٣.

(٦) تهذيب الاحكام ٧ / ٣٢٩ ، ح ١٢.

(٧) تهذيب الاحكام ٧ / ٣٢٩ ، ح ١٠.

٤٥٢

ومثله ما رواه عنه عن محمد بن الفضل ، عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : اذا فجر الرجل بالمرأة لم تحل له ابنتها أبدا ، وان كان قد تزوج ابنتها قبل ذلك ولم يدخل فقد بطل تزويجه ، وان هو تزوج ابنتها ودخل بها ، ثم فجر بامها بعد ما دخل بابنتها ، فليس يفسد فجوره بأمها نكاح ابنتها اذا هو دخل بها.

وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا يفسد الحرام الحلال اذا كان هكذا (١).

وقد صح سند هذا الحديث السيد السند الداماد قدس‌سره في رسالته الرضاعية ، وقال في الحاشية : قد استفدنا من الصدوق رحمه‌الله في الفقيه أن محمد بن الفضيل الذي هو يروي عن أبي الصباح الكناني انما هو صاحب الرضا عليه‌السلام الخصيص به ، وهو محمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار الهندي.

أقول : قال النجاشي : محمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار النهدي ثقة هو وأبوه وعمه العلاء وجده الفضيل ، روى عن الرضا عليه‌السلام له كتاب ثم أسنده اليه (٢).

ثم قال : وسيذكر في طريق مشيخة الفقيه اليه.

أقول : وذكر الصدوق رحمه‌الله في هذا الطريق أنه صاحب الرضا عليه‌السلام (٣) تدل على توثيقه ولا يخفى.

في الفهرست أن أبا الصباح الكناني اسمه ابراهيم بن نعيم العبدي له كتاب ثم ذكر سنده اليه ـ الى أن قال : عن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح (٤). فانكشف الحال والحمد لله العلي المتعال. هذا.

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٧ / ٣٢٩ ، ح ١١.

(٢) رجال النجاشي ص ٣٦٢.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٤٩١.

(٤) الفهرست ص ١٨٥.

٤٥٣

وأيضا فان أم المزني بها وابنتها من الرضاعة محرمة بذلك ، فمن النسب أولى.

ويدل على الاولى ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن رجل زنا بامرأة أيتزوج بأمها من الرضاعة أو ابنتها؟ قال : لا (١).

وعنه عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في رجل فجر بامرأة أيتزوج أمها من الرضاعة أو ابنتها؟ قال : لا (٢).

وعلى الثانية أن النسب أصل في التحريم بالرضاع ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب (٣). وقوله : الرضاع لحمة كلحمة النسب. واذا ثبت الحكم في الفرع ثبت في الاصل بطريق أولى.

وفي الكافي عن ابن محبوب ، عن هشام بن سالم ، عن يزيد الكناسي ، قال ان رجلا من أصحابنا تزوج امرأة ، فقال لي : أحب أن تسأل أبا عبد الله عليه‌السلام وتقول له : ان رجلا من أصحابنا تزوج امرأة قد زعم أنه كان يلاعب أمها ويقبلها من غير أن يكون أفضى اليها.

قال : فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام فقال لي : كذب مره فليفارقها ، قال : فرجعت من سفري ، فأخبرت الرجل بما قال أبو عبد الله عليه‌السلام ، فو الله ما دفع ذلك عن نفسه وخلى سبيلها (٤).

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٧ / ٣٣١ ، ح ١٨.

(٢) تهذيب الاحكام ٧ / ٣٣١ ، ح ١٩.

(٣) تهذيب الاحكام ٧ / ٣٢٦ ، ح ٥٠.

(٤) فروع الكافى ٥ / ٤١٦ ـ ٤١٧ ، ح ٩.

٤٥٤

أقول : لو كان المراد بالاخبار الدالة على النهي هو الكراهة وكان نفي الحل بمفارقتها بدون الطلاق كما هو ظاهر السياق وخصوص قوله « وخلى سبيلها ».

ولعل غرض هذا الرجل من اخفاء الامر على ما كان عليه في نفس الامر اختباره عليه‌السلام هل هو عالم بما في الصدور ومخفيات الامور ، ولذلك لما أخبر عليه‌السلام بما هو عليه الامر في الواقع لم يستنكف عنه ولم يدفعه عن نفسه وخلى سبيلها ، ولا جل ذلك أيضا أخبر عليه‌السلام بما هو عليه الامر في نفسه.

فلا يرد في مقام القدح في الحديث أن دأبه عليه‌السلام ما كان تكذيب المؤمن وتفصيحه فكيف قال : انه كذب بل فعل ما فعل فمره بمفارقتها. هذا.

وقال السيد السند الداماد قدس الله لطيفه في رسالته الرضاعية : وهذا أيضا طريقه صحيح ، على ما هو المستبين في أمر يزيد الكناسي ، فلا محيص عن المصير الى العمل بما يقتضيه (١).

أقول : يزيد أبو خالد الكناسي من أصحاب الباقر والصادق عليهما‌السلام.

وقال العلامة في الايضاح هكذا : عن محمد بن معد الموسوي عن الدارقطني انه بالباء الموحدة ، وانه شيخ من شيوخ الشيعة ، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام. والشيخ الطوسي ذكره في رجالهما في باب الياء المثناة ، والله أعلم.

هذا ما علمنا من أمر يزيد الكناسي ، والسيد السند قال في الرسالة المذكورة : انه صحيح عند الماهرين ، حسن عند القاصرين ، وهو أعلم بما قال ، والله أعلم بحقيقة الحال.

__________________

(١) الرسالة الرضاعية ص ٣٩.

٤٥٥

الفصل الثانى

[ تنقيح الاقوال والاخبار فى المسألة ]

ذهب المفيد والمرتضى وتبعهما ابن ادريس الى عدم التحريم ، واستدل عليه بعموم قوله تعالى « وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ » (١) وهو مخصوص باخبار التحريم.

وقال السيد السند الداماد قدس‌سره في رسالته الرضاعية : وأجيب بأن ما نحن في منعه داخل في المنصوص على تحريمه من قبل (٢). ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد سئل عن الرجل يزني بالمرأة ثم يريد أن يتزوج بابنتها : لا يحرم الحرام الحلال وانما يحرم ما كان بنكاح (٣).

وهذه الرواية مع كونها عامية يمكن حملها على زنا لا يبلغ حد الوطي ، كالقبلة واللمسة والتفخيذ وما شاكلها ، على ما سيأتي الاشارة الى أمثالها.

وبما رواه الشيخ في الاستبصار عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد ، عن هاشم بن المثنى ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام جالسا ، فدخل عليه رجل فسأله عن الرجل يأتي المرأة حراما أيتزوجها؟ قال : نعم وأمها وابنتها (٤).

وهذا الحديث ضعيف بالقاسم بن محمد الجوهري ، مع أن الاتيان أعم من الجماع.

__________________

(١) سورة النساء : ٢٤.

(٢) الرسالة الرضاعية ص ٣٧.

(٣) عوالي اللئالي ٢ / ٢٧٢ و ٣ / ٣٣٠ و ٤٦٥.

(٤) الاستبصار ٣ / ١٦٥ ، ح ١.

٤٥٦

وفيه عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن المثنى ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فقال له : رجل فجر بامرأة أتحل له ابنتها؟ قال : نعم ، ان الحرام لا يفسد الحلال (١).

وقد عرفت في صحيحة منصور أن الفجور أعم من الجماع ، ومع قطع النظر عن ذلك ، فان هشام بن المثنى مشترك بين الكوفي الثقة والرازي المهمل ، وكلاهما من أصحاب سيدنا الصادق عليه‌السلام ، ولا قرينة على التعيين ، فالحديث مجهول.

ولذلك قال الشهيد الثاني رحمه‌الله في شرح الشرائع : وهشام مجهول الحال.

والفاضل السبزواري قدس‌سره في الكفاية لما رجح مذهب التحليل ورام أن يدل عليه ، قال : وفي الصحيح عن ابن أبي عمير عن هشام بن المثنى.

والعجب منه في ذلك كثيرا ، فان شرح الشرائع كان في نظره وقت تحرير هذا الموضع ، وهو قد رأى ما فيه وما في كتب الرجال من الاشتراك والاتحاد في الطبقة والصحابة ، مع انتفاء القرينة المعينة ، ومع ذلك حكم بصحة الخبر ، وهو تابع لا خس الرجلين عند انتفاء القرينة المعينة.

فان قلت : لعل نظره وقتئذ كان على ما في الرسالة الرضاعية للسيد السند الداماد ، حيث قال : ولصحيحة محمد بن أبي عمير عن هاشم بن المثنى.

ثم كتب في الحاشية : كذا في نسخ الاستبصار وفي كثير من نسخ التهذيب وهو الصواب ، فان ابن أبي عمير يروي عن هاشم بن المثنى الحناط الكوفي ، وعلى هذا فالطريق نقي صحيح من غير ارتياب.

وفي بعض نسخ التهذيب هشام بدل هاشم ، وهو هشام بن المثنى الرازي من أصحاب الصادق عليه‌السلام ولم يوثقه أحد من أئمة الرجال ، وكأنه لذلك أمسك العلامة

__________________

(١) الاستبصار ٣ / ١٦٥ ، ح ٢.

٤٥٧

في المختلف وشيخنا الشهيد في شرح الارشاد عن استصحاح الرواية.

لكن رواية ابن أبي عمير عنه يجعل الطريق صحيا ، اذ روايته عنه مع عدم غميزة فيه من أحد أصلا ليس بأدون من الارسال الذي معه الطريق صحي ، للاجماع المنقول على تصحيح ما يصح عن ابن ابي عمير وأضرابه (١).

أقول : وفي نسخة من الاستبصار عندي قديمة قد قوبلت مع نسخة كان عليها خط المصنف ، وفي أواخرها خط ابن ادريس في الرواية الاولى هكذا : عن القاسم بن محمد عن هاشم بن المثنى ، وفي الرواية الثانية عن محمد بن ابي عمير عن هشام بن المثنى كما نقلناه آنفا.

وكذلك نقل الفاضل السبزواري قدس‌سره في الكفاية على ما في نسخة عندنا وانما كلامنا معه.

ومما نقلناه ظهر أن كلية ما ادعاه السيد السند بقوله : كذا في نسخ الاستبصار ممنوعة ، ورواية ابن ابي عمير عن هاشم لا يمتنع من روايته عن هشام ذاك ، وهما في طبقة واحدة مع اشتراكهما في صحابة الصادق عليه‌السلام.

واعلم أن الكوفي مذكور في كتب الرجال بثلاثة عنوانات :

أحدها : هاشم بن المثنى كوفي ثقة روى عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، ذكره النجاشي (٢).

وثانيها : هشام الحناط الكوفي ، ذكره الكشي.

وثالثها : هشام بن المثنى الحناط الكوفي ، وذكره بعده بلا فصل « ق » (٣) هشام بن المثنى الرازي ، فظهر اشتراكهما في الطبقة والصحابة من غير مائز بينها في هذا الحديث.

__________________

(١) الرسالة الرضاعية ص ٣٧.

(٢) رجال النجاشي ص ٤٣٥.

(٣) رجال الشيخ الطوسى ص ٣٣١.

٤٥٨

وأما ما ادعاه السيد من أن محمد بن ابي عمير ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، وهو من جملة أعاظم الاجلاء الذي يعظم شأنه عن أن يروي عن غير الثقة.

ففيه أن العدل كما يروي عن العدل ، كذلك يروي عن غيره ، وهذا أمر غير مخفي على متبع الاخبار العارف بأحوال الرجال ، ومع فرض اقتصاره على الرواية عن العدل ، فهو انما يروي عمن يعتقد عدالته ، وذلك غير كاف لجواز أن يكون له جارح لا يعلمه ، وبدون تعيينه لا يندفع الاحتمال.

وأما قول الشيخ في كتاب العدة : محمد بن ابي عمير وأحمد بن ابي نصر لا يرويان الا عن الثقات ، على ما حكاه عنه بعض المتأخرين.

فغير مسلم ، لتخلفه على ما نراه عيانا في كثير من الروايات المروية عنهما ، ولا يخفى على من له أدنى تتبع.

وكيف يصح القول بأن محمد بن ابي عمير لا يروي الا عن الثقات ، وهو قد روى عن كثير من الضعفاء والمجاهيل ، كدرست بن ابي منصور ، وخلاد السندي ، واسماعيل بن عبد الله الاعمش الكوفي ، وبريه العبادي ، وحمدان بن المهلب القمي ، وحكم بن أيمن الخياط ، وبرد الاسكاف ، ومحمد بن الحداد الكوفي ، وفضيل بن غزوان الضبي أيضا في باب وقت الافطار وغيرهم.

وقد أرسل في كثير من الاخبار ، ورواها منقطعة الاسانيد ، لعدم تذكره من روى عنه.

والقول بأنه وان لم يتذكرهم بأعيانهم وأسمائهم ، الا أنه عرفهم ثقات معتمدين عليهم فروى عنهم ، مجرد دعوى أو حسن ظن به ، كما هو ظاهر صاحب الذخيرة قدس‌سره.

حيث قال فيه في تصحيح مرسلة ابن ابي نصر : وهو من جملة أعاظم الاجلاء

٤٥٩

الذي يعظم شأنه عن أن يروي عن غير الثقة.

ومثله ما قال فيه في تصحيح مرسلة ابن ابي عمير : وارسال هذه الرواية غير قادح في صحة التعويل عليها ، بعين التقريب الذي ذكر في رواية ابن ابي نصر.

وظاهر أن مجرد حسن الظن بأنهما لا يرسلان ولا يرويان عن غير الثقة دون تصريحهما بذلك ، وخاصة اذا ظهر خلافه ، غير كاف شرعا في الاعتماد على مراسيلهما ولا على مسانيدهما ، بل مع تصريحهما بذلك أيضا لا يسوغ الاعتماد ، فانه يرجع الى شهادتهما بعدالة الراوي المجهول.

ونحن قد فصلنا الكلام في هذا المقام في رسالة لنا في تحقيق حد يحصل فيه اليأس للمرأة.

نرجع الى ما كنا فيه فنقول : واستدلوا عليه أيضا بصحيحة سعيد بن يسار قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل فجر بامرأة أيتزوج بابنتها؟ قال : نعم يا سعيد ان الحرام لا يفسد الحلال (١).

ولصحيحة صفوان قال : سأله المرزبان عن رجل يفجر بأمرأة وهي جارية قوم آخرين ، ثم اشترى ابنتها أيحل له ذلك؟ قال : لا يحرم الحرام الحلال (٢).

وهذا كما ترى مضمر غير مسند الى المعصوم ويجوز أن يكون غيره ، نعم يمكن توجيهه بمثل ما وجه العلامة مضمرة أبي بصير ، بأن الظاهر أن صفوان أسند ذلك الى الامام عليه‌السلام ، لان عدالته تقتضي ذلك.

أقول : والجواب عنهما قد سبق في صحيحة منصور بن حازم من اطلاق الفجور على مثل القبلة واللمسة وشبههما فتذكر.

فهما وان كانتا صحيحتين سندا لكنهما ضعيفتان دلالة لكون الفجور أعم من

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٧ / ٣٢٩ ، ح ١٢.

(٢) تهذيب الاحكام ٧ / ٤٧١ ، ح ٩٧.

٤٦٠