الرسائل الفقهيّة - ج ٢

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي

الرسائل الفقهيّة - ج ٢

المؤلف:

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

ولأنه بالنسبة إلى خلاف ظاهره مهمل.

وذلك لأنهم عليهم‌السلام وهم تراجمة وحي الله ومهابطه ، قد بينوا أن مراد الله سبحانه من هذه الآية خلاف ظاهرها في عدة أخبار :

منها : ما رواه شيخ الطائفة في التهذيب عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن زرارة وبكير وفضيل وبريد ومحمد بن مسلم.

فالسند صحيح ، لما ثبت عندنا من توثيق أبي علي إبراهيم بن هاشم القمي وفصلناه في بعض دفاترنا.

عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام ، منهم من رواه عن أبي جعفر عليه‌السلام ومنهم من رواه عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، ومنهم من رواه عن أحدهما : ان المرأة لا ترث من تركة زوجها من تربة دار أو أرض ، الا أن يقوم الطوب (١) والخشب قيمة ، فتعطى ربعها أو ثمنها ، ان كان من قيمة الطوب والجذوع والخشب (٢).

وهذا كما ترى يعم كل زوجة ، سواء كان لها من الميت ولد أم لا ، لقوله عليه‌السلام « أو ثمنها » فإنه لذات الولد.

ومثله ما في الكافي ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ، فالسند صحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لا ترث النساء من عقار الدور شيئا ، ولكن يقوم البناء والطوب وتعطى ثمنها أو ربعها ، قال : وانما ذلك لئلا يتزوجن فيفسدن على أهل المواريث مواريثهم (٣).

__________________

(١) الطوب : الطوابيق المطبوخة من الأجر « منه ».

(٢) تهذيب الاحكام ٩ / ٢٩٧ ـ ٢٩٨ ، ح ٢٤.

(٣) فروع الكافي ٧ / ١٢٩ ، ح ٦.

٤١

وله نظائر ستأتي في تضاعيف البحث.

وبالجملة ظواهر الاخبار والتعليلات الواردة فيها ، كما سبقت وستأتي أيضا تعم ذات الولد وغيرها ، وظاهر صاحب الكافي أيضا يفيد أنه يقول بعمومها ، فإنه قال فيه : باب أن النساء لا يرثن من العقار شيئا (١).

ثم روى فيه أخبارا تدل عليه من غير تصرف منه فيها.

هذا مع التزامه في صدر الكتاب أن لا يذكر فيه الا ما يعتقده ويفتي به ، وهذا هو المعتمد ، واليه ذهب المفيد والمرتضى والشيخ في الاستبصار (٢) وابن إدريس والمحقق في النافع وغيرهم ، بل ادعى ابن إدريس عليه الإجماع.

ويدل عليه أيضا ما كتبه الرضا عليه‌السلام الى محمد بن سنان فيما كتبه من جواب مسائله : علة أن المرأة أنها لا ترث من العقار شيئا إلا قيم الطوب والنقض (٣) ، لان العقار لا يمكن تغييره وقلبه ، والمرأة قد يجوز أن ينقطع ما بينها وبينه من العصمة ويجوز تغييرها وتبديلها ، وليس الولد والوالد كذلك ، لانه لا يمكن التفصي منهما ، والمرأة يمكن الاستبدال بها ، فما يجوز أن يجي‌ء ، ويذهب كان ميراثه فيما يجوز تبديله وتغييره إذا شبههما ، وكان الثابت المقيم على حاله كمن كان مثله في الثبات والقيام (٤).

ورواه الشيخ في التهذيب (٥) ، والصدوق في الفقيه (٦) بطريق ضعيف الى

__________________

(١) فروع الكافي ٧ / ١٢٧.

(٢) الاستبصار ٤ / ١٥١.

(٣) النقض بضم النون أو كسرها أو فتحها وسكون القاف بمعنى المهدوم « منه »

(٤) عيون اخبار الرضا ٢ / ٩٨.

(٥) تهذيب الاحكام ٩ / ٣٠٠ ، ح ٣٤.

(٦) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٣٤٨ ، ح ٥٧٤٩.

٤٢

محمد بن سنان ، وان كان محمد هذا ثقة عين ، كما بيناه في بعض رسائلنا.

وما في رواية حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : انما جعل للمرأة قيمة الخشب والطوب لئلا تتزوج فتدخل عليهم من يفسد مواريثهم (١).

وسندها وان كان في الكافي والتهذيب ضعيفا ، الا أنه رواها الصدوق في الفقيه عن محمد بن الوليد عن حماد بن عثمان عنه عليه‌السلام (٢).

والظاهر أن محمدا هذا هو محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، فالسند صحيح.

وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام لهن قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب ، وأما الأرض والعقارات ، فلا ميراث لهن فيه ، قال الراوي قلت : فالثياب؟ قال : الثياب لهن.

قال قلت : كيف جاز ذا لهذه الربع والثمن مسمى؟

قال : لأن المرأة ليس لها نسب ترث به ، انما هي دخيلة عليهم ، وانما صار هذا هكذا لئلا تتزوج المرأة فيجي‌ء زوجها أو ولدها من قوم آخرين فيزاحم قوما في عقارهم (٣).

فهذه وما شاكلها وسيأتي يدل على اشتراك ذات الولد وغيرها في الحرمان من غير فصل بينهما في شي‌ء من الميراث ، فينبغي أن يكون عليه مدار العمل.

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٩ / ٢٩٨ ـ ٢٩٩ ، فروع الكافي ٧ / ١٢٩ ، ح ٧.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٣٤٨ ، ح ٥٧٥١.

(٣) تهذيب الاحكام ٩ / ٢٩٩ ، ح ٣١.

٤٣

الفصل الثاني

[ ميراث الزوجة مع الولد وبدونه ]

المشهور بين المتأخرين أن الزوجة ان كانت ذات ولد منه ورثت من كل ما تركه ، وان كانت غير ذات ولد تمنع من الأرض عينا وقيمة ، ومن آلات البناء المستدخلة ، كالأخشاب والأبواب والابنية من الأحجار والطوب وغيرها عينا لا قيم.

واستدلوا عليه بما رواه الشيخ في التهذيب ، عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، في النساء إذا كان لهن ولد أعطين من الرباع (١).

وفيه أن هذا خبر موقوف (٢) مقطوع ليس بحجة ، لأن ابن أذينة أفتى به ، ولم يسنده الى أحد من الأئمة عليهم‌السلام ، ويجوز أن يكون هذا رأيه ومذهبه وان كان خطا ، وما هذا شأنه فلا يخصص به الاخبار الصحيحة.

كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : ان المرأة لا ترث مما ترك زوجها من القرى والدور والسلاح والدواب شيئا ، وترث من المال والفرش والثياب ومتاع البيت مما ترك ، فيقوم النقض والأبواب والجذوع والقصب ، فتعطى حقها منه ، كذا في الكافي (٣).

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٩ / ٣٠١ ، ح ٣٦.

(٢) الخبر الموقوف ما روى عن مصاحب المعصوم من قول أو فعل ، وقد يطلق عليه المقطوع أيضا ، كما هو متعارف الفقهاء « منه ».

(٣) فروع الكافي ٧ / ١٢٧ ـ ١٢٨ ، ح ٢.

٤٤

وفيه عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل ، عن زرارة ومحمد بن مسلم ـ فالسند صحيح ـ عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : لا ترث النساء من عقار الأرض شيئا (١).

فهذان وما سبقهما وغيرهما من الاخبار المتعلقة بهذه المسألة خالية من الفرق بين الزوجتين ذات ولد وغيرها.

والقول بأن في الفرق تقليلا لتخصيص آية الإرث للزوجة ، وهو أولى من تقليل تخصيص الاخبار. منظور فيه ، لان تخصيص الآية لازم على مذهبي الفرق وعدمه.

أما على الأول ، ففي « لهن » وأما على الثاني ، ففي « ما تركتم » مع أن مذهب الفرق يحتاج الى تخصيص عموم الاخبار أيضا ، ففيه زيادة كلفة ليست في غيره.

واعلم أن الضمير في « لهن » على مذهب الفرق لذوات الأولاد من الأزواج ومعلوم أن تخصيص الضمير مع بقاء المرجع على عمومه يجعله مجازا.

إذ وضعه على المطابقة للمرجع ، فإذا خالفه لم يكن جاريا على قانون الوضع ، وكان سبيله سبيل الاستخدام ، فان من أنواعه أن يراد بلفظ معناه الحقيقي وبضميره معناه المجازي ، وما نحن فيه منه.

إذ قد فرض ارادة العموم الشامل لذوات الأولاد وغيرهن من الأزواج المذكورة في قوله تعالى ( وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ ) وأريد من ضميرها المعنى المجازي ، أعني : ذوات الأولاد منهن.

فان قلت : نظيره يلزم على مذهب عدم الفرق أيضا ، فإن الضمير في « لهن » على هذا المذهب للدائمات منهن ، ومرجعه الأعم ، لشموله المنقطعات منهن أيضا

__________________

(١) فروع الكافي ٧ / ١٢٨ ، ح ٤.

٤٥

كما سبق إليه الإيماء.

قلت : وضع المضمر لما يراد بالمرجع ، فإذا أريد بالعام الخصوص ، كما هو مذهب أكثر الأصحاب على ما سبق أيضا ، لم يكن الضمير عاما ليلزم تخصيصه وصيرورته مجازا.

فليس هناك الا مجاز واحد مشترك بين المذهبين ، بخلاف مذهب الفرق ، فان فيه مجازين باعتبار الضمير ومرجعه.

هذا على مذهب من لم يقل بالتوارث بين المتعة وزوجها. وأما من قال به وبعدم الفرق بين الزوجتين في الميراث ، فلا مجاز ولا تخصيص ، لا في الضمير ولا في مرجعه ، بل المرجع والراجع اليه على حالهما في العموم.

ثم لا يذهب عليك أن على مذهب الفرق لا يعلم ميراث غير ذات الولد من الآية ، فهذا أيضا مما يوجب وهنه ، فتأمل فيه.

لا يقال : صحيحة زرارة المتقدمة مشتملة على ما لا يقولون به ، فإن الأقوال في هذه المسألة ثلاثة :

الأول : وهو المشهور حرمانها في نفس الأرض والقرى والرباع ، كالدور والمنازل ، ومن عين الآلات والابنية دون قيمتها.

الثاني : أنه من الدور والمساكن ، دون البساتين والضياع ، وتعطى قيمة الآلات والابنية.

الثالث : حرمانها من عين الرباع لا من قيمتها.

لأنا نختار الأول من الأقوال ، ونقول : اشتمالها على تلك الزيادة لا يضرنا ، لأنا منفية بالإجماع ، والمنفي بالإجماع يسقط ، والمختلف فيه وهو عدم إرثها من البساتين والضياع ومن قيمة الرباع يثبت بما سبق ، لعدم المقتضي لنفيه.

لا يقال : ينفيه ما في التهذيب من رواية العلاء عن محمد بن مسلم ، عن أبي

٤٦

عبد الله عليه‌السلام أنه قال : ترث المرأة الطوب ، ولا ترث من الرباع شيئا ، لكن لهن منها الطوب والخشب ، فقلت له : ان الناس لا يأخذون هذا ، قال : إذا ولينا ضربناهم بالسوط ، فان انتهوا ، والا ضربناهم بالسيف (١).

وهذا يدل على أنهم لا يقولون بحرمان الزوجة مطلقا من تركة زوجها مطلقا فما ورد في طريقنا موافقا لهم في ذلك كما سيأتي ، فهو محمول على التقية.

لأنا نقول : انهما مع عدم صحتهما سندا بل مع ضعف الأخير جدا ، لان يزيد الصائغ من الكذابين المشهورين ، كما يظهر مما نقل عن الفضل في ترجمة محمد ابن علي أبي سمينة ، لا دلالة فيهما على الزائد من الأرض بنفي ولا إثبات ، فإذا دلت عليه تلك الاخبار تعين القول بها لعدم المعارض.

الفصل الثالث

[ تنقيح أخبار المسألة ]

ما رواه الشيخ في التهذيب ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن أبان ، عن الفضل بن عبد الملك أو ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل هل يرث من دار امرأته ، أو أرضها من التربة شيئا ، أو يكون في ذلك بمنزلة المرأة ، فلا يرث من ذلك شيئا؟ فقال : يرثها وترثه كل شي‌ء ترك وتركت (٢).

غير معارض لما ذكرناه من صحاح الاخبار.

أما على القول بعدم العمل بالموثق ، فظاهر.

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٩ / ٢٩٩ ، ح ٢٩.

(٢) تهذيب الاحكام ٩ / ٣٠٠ ، ح ٣٥.

٤٧

وأما على القول بالعمل به ، فلان الضعيف لا يقاوم القوي ، وخاصة إذا كان القوي موافقا لإجماعهم ، والضعيف مخالفا له ، وذلك أنهم اتفقوا الا ابن الجنيد على حرمان الزوجة في الجملة من شي‌ء من أعيان التركة.

وأما ابن الجنيد ، فإنه خالفهم في ذلك وحكم بإرثها من كل ما تركه زوجها كسائر الورثة ، وتمسك في ذلك بعموم الآية وخصوص هذا الخبر ، والظاهر أنه مبني على أنه لا يقول بجواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد ، كما هو مذهب جماعة من الأصوليين ، ولكن قد استبان في كتب الأصول وهنه لضعف دليله.

واعلم أن منهم من حكم بصحة هذا الخبر ، ولعله ظن أن المراد بأبان هذا ابن تغلب ، وهو بعيد ، فإنه قد مات في حياة سيدنا أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام ، وفضالة بن أيوب من رواة الكاظم والرضا عليهما‌السلام ، فهو لم يلق ابن تغلب ، فكيف يروي عنه؟

فالحق أن المراد به ابن عثمان الأحمر الناووسي من رواة الصادق والكاظم عليهما‌السلام ، فرواية ابن أيوب عنه غير بعيد ، ولكن السند كما قلناه موثق لا صحيح.

نعم هو كالصحيح ، لأن أبان بن عثمان ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه. والظاهر أن مرادهم بالصحة هذا ، لا ما هو المشهور من كون رجال السند في جميع الطبقات إماميا مصرحا بالتوثيق.

لا يقال : قوله تعالى ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) (١) يوجب عدم اعتبار رواية أمثال ابن عثمان ، إذ لا فسق أعظم من عدم الايمان.

لأنا نقول : الفسق هو الخروج عن طاعة الله مع اعتقاد الفاسق كذلك ، ومثل هذا ليس كذلك ، فان هذا الاعتقاد عند معتقده هو الطاعة لا غير. وفيه نظر.

__________________

(١) سورة الحجرات : ٦.

٤٨

والاولى أن يقال : ان الإجماع خصصه ، فروايته مقبولة عند من يقبل الموثق إذا لم يكن في الطريق مانع من غير جهته.

وذلك أنهم اختلفوا في العمل بالموثق ، فقبله قوم مطلقا ، ورده آخرون مطلقا حيث اشترطوا في قبول الرواية الايمان والعدالة. وفصل ثالث فقبله إذا كان العمل بمضمونه مشتهرا بين الأصحاب.

والموثق فيما نحن فيه ليس كذلك ، إذ المشهور بينهم هو العمل بخلاف مضمونه ، كما سبق إليه الإيماء.

ويمكن حمله على التقية ، لأن هذه المسألة وهي حرمان الزوجة من بعض تركة زوجها من متفردات مذهب الإمامية ، كمسألة الحبوة ، وقد علم مما سبق من رواية يزيد الصائغ.

لا يقال : عبد الله بن أبي يعفور كان من خواص أصحاب أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام وحواريه ، فكيف يتقيه؟

لأنا نقول : لعله كان هناك غيره ممن يتقيه ، أو خاف الامام عليه‌السلام أن ينتشر ذلك منه في أهل الكوفة فيصيبه ، أو يصيب عبد الله هذا ما يخاف ويحذر ، فان عبد الله كان فاضلا مشهورا صاحب كتاب قارئا في مسجد الكوفة.

ألا يرى الى ما رواه الشيخ في التهذيب في الصحيح عن سلمة بن محمد ، قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ان رجلا أرمانيا مات وأوصى الي.

فقال : وما الارماني؟

قلت : نبطي من أنباط الجبال مات وأوصى الي بتركته وترك ابنته.

قال فقال لي : أعطها النصف.

قال : فأخبرت زرارة بذلك ، فقال : انما المال لها.

قال : فدخلت عليه بعد ، فقلت أصلحك الله أن أصحابنا زعموا أنك اتقيتني

٤٩

فقال : لا والله ما اتقيتك ولكني اتقيت عليك ، فهل علم بذلك أحد ، قلت : لا قال : فأعطها ما بقي (١).

فبمقتضى قواعد الأصحاب حيث صرحوا بأن أحد الخبرين إذا كان مخالفا لأهل الخلاف والأخر موافقا لهم ، يرجح المخالف لاحتمال التقية في الموافق ، على ما هو المعلوم من أحوال الأئمة عليهم‌السلام.

وقد أخذوا ذلك من مقبولة عمر بن حنظلة بل صحيحته ، فان الشهيد الثاني رحمه‌الله وثقه في دراية الحديث ، قال : جعلت فداك وجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والأخر مخالفا لها ، بأي الخبرين يؤخذ؟ قال : بما يخالف العامة فإن فيه الرشاد ، وجب الأخذ بما يخالفهم.

ومن هنا ترى شيخ الطائفة يقول في كتابه العدة : إذا تساوت الروايتان في العدالة والعدد ، عمل بأبعدهما من قول العامة.

ويؤيد كونه محمولا على التقية قول الراوي « أو يكون في ذلك بمنزلة المرأة فلا يرث من ذلك شيئا » فإنه صريح في أن عدم إرثها من ذلك كان شائعا ذائعا فيهم مشهورا معروفا بينهم مسلم عندهم ، وانما كان المشتبه عليهم أمر الرجل ومساواته لها في ذلك.

فهذه الرواية في الحقيقة لنا لا علينا ، مع أنها معارضة بموثقات مثلها ، كما سيأتي.

لا يقال : هذا الخبر وان كان مخالفا لإجماعهم ، الا أنه موافق لعموم القرآن فله جهة ترجيح فليؤخذ بها.

لأنا نقول : احتمال وروده على التقية مع معارضته بموثقات مثله بمنع الأخذ به ، بل يسقط حكمه رأسا ، ويبقى ما دل عليه صحاح الاخبار سالما عن المعارض ،

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٩ / ٢٧٧ ، ح ١٤.

٥٠

فيكون مخصصا لعموم الآية.

وما تمسك به جماعة من الأصوليين في عدم جواز تخصيص القرآن بخبر الواحد ، مدفوع بما ذكرناه في المقدمة ، ولنشر الى نبذة من المعارضات ، فنقول :

منها : ما رواه الشيخ عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن جعفر ، عن مثنى ، عن عبد الملك بن أعين ، عن أحدهما عليهم‌السلام ، قال : ليس للنساء من الدور والعقار شي‌ء (١).

ومنها : ما رواه عن الحسن بن محمد بن سماعة أيضا ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : ان المرأة لا ترث مما ترك زوجها من القرى والدور والسلاح والدواب شيئا ، وترث من المال والرقيق والثياب ومتاع البيت مما ترك ، ويقوم النقض والجذوع والقصب فيعطى حقها منه (٢).

واشتمالها على زيادة لا يقولون بها لا يضر كما سبق.

ومنها : ما رواه عن علي بن الحسن بن فضال ، عن أحمد بن الحسن ، عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة ، عن موسى بن بكر الواسطي.

فالسند موثق كسوابقه ، لا مجهول كما هو المشهور ، لان موسى هذا ممدوح مدحا كاد أن يرتقي إلى ذروة التوثيق ، كما فصلناه في رسالة معمولة لبيان تحريم تزويج المؤمنة بالمخالف.

قال قلت لزرارة : إن بكيرا حدثني عن أبي جعفر عليه‌السلام ان النساء لا ترث مما ترك زوجها من تربة دار ولا أرض الا أن يقوم البناء والجذوع والخشب ،

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٩ / ٢٩٩ ، ح ٣٠.

(٢) تهذيب الاحكام ٩ / ٢٩٩ ـ ٣٠٠ ، ح ٣٢.

٥١

فيعطى نصيبها من قيمة البناء ، فأما التربة فلا يعطى شيئا من الأرض ولا تربة دار ، قال زرارة : هذا لا شك فيه (١).

فإذا تعارضت الموثقتين تساقطتا ، وتبقى الصحاح من الاخبار الدالة على الحرمان بحالها.

ويدل عليه أيضا ما رواه يونس بن عبد الرحمن ، عن محمد بن حمران ، عن زرارة ومحمد بن مسلم.

فالسند معتبر بل صحيح ، لان الظاهر أن محمدا هذا هو ابن حمران بن أعين ، وهو من المعتبرين من أصحابنا ، كما يظهر مما ذكروه في ترجمة هشام بن الحكم ، والقرينة عليه روايته عن عمه زرارة بن أعين.

عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئا (٢).

وفي ضعيفة محمد بن مسلم قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ترث المرأة الطوب ولا ترث من الرباع شيئا ، قال قلت : كيف ترث من الفرع ولا ترث من الرباع شيئا ، فقال لي : لأنها ليس لها فيهم نسب ترث به ، وانما هي دخيل عليهم فترث من الفرع ولا ترث من الأصل ، ولا يدخل عليهم داخل بسببها (٣).

وهذا منه عليه‌السلام إشارة الى حكمة عدم إرثها من الأصل ، وحاصله أنها لو ورثت منه ، ثم تزوجت بعد موت زوجها ، لأمكن أن يدخل على الورثة به من يفسد عليهم مواريثهم ويزاحمهم في عقاراتهم ، وتدخل عليهم به منقصة ، فاقتضت الحكمة عدم إرثها منه ، دفعا للفساد الناشئ منه.

وأما إرثها من الفرع فلا يلزم منه ذلك ، وذلك لانتقاله بانتقالها ، فلا يدخل به

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٩ / ٣٠١ ، ح ٣٧.

(٢) تهذيب الاحكام ٩ / ٢٩٨ ، ح ٢٦.

(٣) تهذيب الاحكام ٩ / ٢٩٨ ، ح ٢٧.

٥٢

عليهم داخل يترتب عليه ذلك النقص والفساد.

فتبين بما حررناه أن كل من يعمل بخبر الواحد ويجعله مخصصا لعموم الكتاب ، فلا بد له في هذه المسألة أن يقول بما نقول من التسوية بين الزوجتين ذات ولد وغيرها في الإرث من الفرع دون الأصل على نحو سبق بيانه.

وأما من لم يعمل به إذ لم يجعله مخصصا ، فله أن يعمل بظاهر ما دلت عليه الآية من التسوية بينهن حتى المتعة في الإرث من كل ما تركه أزواجهن ، كما ذهب اليه ابن الجنيد.

الفصل الرابع

[ ما لا ترث المرأة من زوجها ]

لفظ البناء الوارد في الاخبار السالفة يعم ما اتخذ للسكنى وغيرها ، من المصالح ، كالحمام والرحى والإصطبل والمراح ونحوها ، لصدق البناء على ذلك كله.

فقول الصدوق رحمه‌الله في الفقيه يعني بالبناء الدور (١). غير جيد.

ويظهر من قوله « الا أن يقوم الجذوع » حرمانها من أعيان الأشجار كالأبنية لا من قيمتها ، لان الجذع بالكسر ساق النخلة ( وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ) (٢) وهو المشهور بين المتأخرين. ويدل عليه أيضا ما ورد في عدة روايات من عدم إرثها من العقار شيئا ، فإن الشجر داخل في العقار.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٣٤٨.

(٢) سورة طه : ٧١.

٥٣

قال ابن الأثير في النهاية : العقار بالفتح الضيعة والنخل والأرض ونحو ذلك (١).

لكن ذهب شيخ الطائفة ومن تبعه منهم إلى إرثها من عين الشجر ، محتجين بأن النصوص الصحيحة وغيرها دالة عليه أكثر من دلالتها على المشهور.

وفيه تأمل ، لأن قوله عليه‌السلام في صحاح الاخبار « يقوم الجذوع » و « قيمة الجذوع والعقار » ونحو ذلك يدل على المشهور صريحا ، الا أن يحمل الجذوع والعقار على غير الأشجار ، وظاهر اللغة لا يساعده.

ومع ذلك فرواية الحسن بن محبوب عن الأحول عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : لا يرثن النساء من العقار شيئا ، ولهن قيمة البناء والشجر والنخل (٢) ناصة بالباب ، وذكرهما بعد العقار من مقولة التصريح بما علم ضمنا ، فيكون من باب ذكر الخاص بعد العام لزيادة الاهتمام.

والرواية صحيحة السند ، لان طريق الصدوق الى الحسن بن محبوب صحيح ، والأحول وان كان لقب جماعة منهم ، الا أن الإطلاق ينصرف الى محمد بن النعمان الأحول المشهور بمؤمن الطاق.

الخاتمة

وعلى ما قررناه من توجيه موثقة ابن أبي يعفور ، والتوفيق بينها وبين غيرها لا حاجة الى ما ذكره الصدوق رحمه‌الله في الفقيه في الجمع بينهما ، وتبعه في ذلك الشيخ في التهذيب ، من أن هذا ـ أي : إرث المرأة من كل شي‌ء تركه زوجها ـ إذا كان لها منه ولد ، فإذا لم يكن لها منه ولد ، فلا ترث من الأصول إلا قيمتها.

__________________

(١) نهاية ابن الأثير ٣ / ٢٧٤.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٣٤٨ ، ح ٥٧٥٠.

٥٤

ثم قال : وتصديق ذلك ما رواه محمد بن أبي عمير ، عن ابن أذينة في النساء إذا كان لهن ولد أعطين من الرباع (١).

ومن هنا نشأ ما اشتهر بين المتأخرين من الفرق بين ذات ولد وغيرها في الإرث.

وقد عرفت أن لا منشأ له في الحقيقة ، فإن هذا الخبر الموقوف لا حجية فيه ، فلا يصلح لتخصيص هذه الاخبار الكثيرة بين الصحاح والحسان والموثقات. وأما موثقة ابن أبي يعفور السابقة ، فقد عرفت حقيقة الكلام وتخصيص المقام فيها.

وما أحسن ما قال من قال : لم يبق في الإمامية مفت على التحقيق ، بل كلهم حاك ، وذلك أن الصدوق لما ذهب الى ما ذهب اليه وتبعه فيه الشيخ ، سرى منه ذلك الى غيره واشتهر فيهم اشتهار الشمس في وسط السماء الرابعة ، فصار مصداق رب مشهور لا أصل له.

لا يقال : انه رحمه‌الله قد قال في الفقيه : ولم أقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه ، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به وأحكم بصحته وأعتقد فيه أنه حجة بيني وبين ربي تقدس ذكره (٢).

لأنا نقول : انه رحمه‌الله وان أفتى به وظن أنه حجة ظنية إلا أنك قد عرفت أنه ليس بحجة ، لأن ابن أذينة لم يسنده الى معصوم ، ومن الشائع أن يكون هذا من مذهبه ، لانه كان فاضلا صاحب كتاب صغير وكبير ، فلا بعد في أن يكون هذا مما أفتى هو به وان كان خطأ.

يشهد لما قلناه ما ذكروه في الدرايات من عدم حجية الخبر الموقوف ، فهذا شيخنا الشهيد الثاني رحمه‌الله يقول في دراية الحديث بعد ذكر أقسام الموقوف

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٣٤٩.

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ / ٣.

٥٥

وكيف كان الموقوف فليس بحجة ، وان صح سنده على الأصح ، لأن مرجعه الى قول من وقف عليه ، وقوله ليس بحجة. وقيل : هو حجة مطلقا ، وضعفه ظاهر (١) انتهى.

والظاهر أن الشيخ الصدوق رحمه‌الله ممن قال بكونه حجة ، ولذا حكم به هنا ، وجعله مخصصا لعموم الاخبار ، مع التزامه في صدر الكتاب أن لا يروي فيه الا ما يعمل به.

وبالجملة فظهر مما قررناه أن القول بالتفصيل ضعيف غايته ، وان ما قيل في بيان ترجيحه من حيث أن فيه تقليلا لتخصيص الآية وظهور الشبهة في عموم هذه الاخبار بواسطة رواية عمر بن أذينة ، ورواية عبد الله بن أبي يعفور ، الدالة على إرثها من كل شي‌ء كالزوج ، بحملها على ذات الولد جمعا ، فلا أقل من انقداح الشبهة في العموم للزوجات ، المانع من حمل الآية على عمومها ، مضافا الى ذهاب جماعة من أجلاء المتقدمين ، كالصدوق والشيخ في التهذيب ، وجملة المتأخرين اليه ، وذهاب جماعة آخرين الى أن مثل هذه الاخبار لا يخصص القرآن مطلقا ، فلا أقل من وقوع الشبهة في التخصيص ، مثله في الضعف.

وان القول بالتسوية بين الزوجات قوي متين غايتهما ، وان حرمانهن ثابت في نفس الأرض والقرى والرباع كالدور والمنازل ، ومن عين الآلات والابنية والعقار والأشجار دون قيمتها فتأمل فيه ، ثم خذه بيد غير قصيرة وكن من الشاكرين.

والحمد لله رب العالمين ، والصلاة على سيدنا سيد الأنبياء والمرسلين ، محمد وعترته الطيبين الطاهرين الى يوم الدين.

وتم استنساخ وتصحيح هذه الرسالة في (١٦) رجب المرجب سنة (١٤١١) هـ ق في بلدة قم المقدسة على يد العبد السيد مهدي الرجائي عفي عنه.

__________________

(١) الرعاية في علم الدراية ص ١٣٤.

٥٦

سلسلة آثار المحقق الخاجوئى

(٤٩)

رسالة

في الحبوة

للعلّامة المحقّق العارف

محمّد إسماعيل بن الحسين بن محمّد رضا المازندراني الخاجوئي

المتوفّى سنة ١١٧٣ ه‍ ق

تحقيق

السيّد مهدي الرّجائي

٥٧
٥٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله الذي هدانا بمنه للإيمان ، (١) وحبانا بجوده أشرف الأديان ، والصلاة على نبيه أكمل أفراد الإنسان ، محمد المصطفى المبعوث بالقرآن ، على كافة أشخاص الانس والجان ، وعلى آله وعترته كل أوان وزمان.

وبعد : فهذه رسالة وجيزة نشير فيها الى ما هو الظاهر والراجح عندنا في مسألة تفرد بها الأصحاب ، لروايات رووها عن أئمتهم الأطياب ، بيد أنّهم اختلفوا فيها في مقامات نشير إليها في تضاعيف البحث.

وهي مسألة الحبوة مثلثة ، يقال : حباه كذا وبكذا إذا أعطاه ، والحباء : العطية.

وفي القاموس : حبا فلان فلانا أعطاه بلا جزاء ومن ، أو عام ، والاسم الحباء ككتاب (٢).

ولعلهم انما سموا ما يختص بالولد الأكبر من تركة أبيه من بين الورثة

__________________

(١) اقتباس من قوله تعالى ( بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) « منه ».

(٢) القاموس ٤ / ٣١٥.

٥٩

بالحبوة ، لانه يأخذه مجانا زائدا على سهمه ، فإذا حوسب ذلك عليه من سهمه ، كما عليه بعض الأصحاب وسيأتي.

فحينئذ لا وجه لتسميته بالحبوة والعطية ، إذ ليس هذا المحسوب عليه من سهمه من الحباء والعطاء في شي‌ء ، فتأمل.

فصل

[ أدلة المسألة ]

في مستند هذا الحكم المخالف لظواهر آيات مواريث الأولاد والأبوين والزوجين ، وهو روايات رواها جماعة من العدول والموثقين عن أئمتنا المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.

فمنها ما رواه شيخ الطائفة في التهذيب عن الفضل بن شاذان ، عن ابن أبي عمير ، عن ربعي بن عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا مات الرجل فلا كبر ولده سيفه ومصحفه وخاتمه ودرعه. (١)

قال الفاضل الأردبيلي رحمه‌الله في شرحه على الإرشاد بعد نقل هذه الرواية : في صحتها اشكال من جهة توقفها على توثيق محمد بن إسماعيل الذي ينقل عنه محمد بن يعقوب ، وينقل هو عن الفضل بن شاذان ، لأنه ان كان ابن بزيع الثقة ففي ملاقاته بعد. وان كان غيره ، فغير ظاهر. ولكن صرحوا بصحة مثل هذا الخبر وهو كثير جدا ، وبخصوص هذه الرواية أيضا من غير توقف فتأمل. انتهى كلامه رفع في عليين مقامه.

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٩ / ٢٧٥ ، ح ٦.

٦٠