الرسائل الفقهيّة - ج ٢

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي

الرسائل الفقهيّة - ج ٢

المؤلف:

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

قليلة ، فانه تعطيل للمال وصرف له في غير مصرفه ، فما ظنك بما إذا كانت كثيرة كما في زخرفة السقوف والبيوت والعمارات.

وبالجملة المستفاد من صحيحة ابن بزيع تحريم استعمال ما ذكر سابقا وآنفا وتحريم اتخاذه ، اذ المراد بالكراهة المذكورة في الحديث هو التحريم ، كما صرح به أصحابنا ، منهم الفاضل الأردبيلي رحمه‌الله ، وقد سبق.

وقال العلامة في المختلف بعد نقل قول الشيخ في الخلاف « يكره استعمال أواني الذهب والفضة » : الظاهر أن مراده بالكراهة التحريم (١) وله نظائر.

وقوله سألته عن آنية الذهب والفضة ، أي : عن اتخاذها أو استعمالها على حذف المضاف ، اذ لا معنى لتحريم الاعيان والنهي عنها ، فلا بد من صرفه الى ما هو المطلوب منها ، وهو الاستعمال مطلقا أعم من أن يكون في الاكل والشرب أو غيرهما ، كما يفيد عموم الخبر واجماعهم أيضا.

واعلم أن صحيحة ابن بزيع في الكافي في باب الاكل والشرب في آنية الذهب والفضة هكذا : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن اسماعيل ابن بزيع ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن آنية الذهب والفضة ، فكرههما فقلت : قد روى بعض أصحابنا أنه كان لابي الحسن عليه‌السلام مرآة ملبسة فضة ، فقال : لا ، والحمد لله انما كانت له حلقة من فضة وهي عندي ، ثم قال : ان العباسي حين عذر عمل له قضيب الحديث (٢).

وليس فيه كما ترى لفظ القسم المفيد للمبالغة في الانكار ، أعني قوله « لا والله » وانما هو مذكور فيما نقلناه من المدارك. فلعل نظر الشيخ البهائي كان عليه.

حيث قال : ويمكن أن يستنبط من مبالغته عليه‌السلام في الانكار لتلك الرواية كراهة

__________________

(١) المختلف ص ٦٣.

(٢) فروع الكافي ٦ / ٢٦٧ ، ح ٢.

٤٢١

لبس الالات كالمرآة ونحوها بالفضة ، وربما يظهر من ذلك تحريمه ، ولعل وجهه أن ذلك اللباس بمنزلة الظرف والانية لذلك الشي‌ء ، وإذا كان هذا حكم التلبيس بالفضة فبالذهب بطريق أولى (١).

وفيه أن الاولوية ممنوعة اذ التلبيس بالذهب مما لا نص في تحريمه ، كما أشار اليه في ضمن قياسه بطريق أولى ، والأصل الامام والعباس ، وان كان بطريق أولى باطل ، والا لوجب القول بتحريم اتخاذ السرج واللجام المموهين بالذهب لما عرفت من تحريم اتخاذها إذا كانا مموهين بالفضة.

فيقال : إذا كان هذا حكم التمويه بالفضة ، فبالذهب بطريق أولى ، والمشهور خلافه لعدم ورود النهي عنه وأصالة الاباحة ، وقولهم كل شي‌ء مطلق حتى يرد فيه نهى ، ولم يرد هنا كما لم يرد هناك. ولعله قدس‌سره يلزم ذلك هنا كما التزمه هناك ، وفيه ما فيه.

والظاهر أن الغرض من نقل قصة العباس في آخر الحديث هو المبالغة في رد تلك الرواية بأنه عليه‌السلام كيف يتخذ مرآة ملبسة فضة وهو يأمر بكسر قضيب ملبس من فضة عمل لصبي معذور ، فتأمل.

فصل

[ حكم اوانى الذهب والفضة ]

المشهور بين أصحابنا تحريم اتخاذ الانية من الذهب والفضة ، وتحريم استعمالها أكلا وشربا وبخورا واكتحالا وطهارة ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يشرب

__________________

(١) حبل المتين ص ١٢٨.

٤٢٢

في آنية الذهب والفضة انما يجرجر في جوفه نار جهنم (١). أي : يحدر أو يردد وهو محمول على أنه سبب لدخول النار ، لامتناع ارادة الحقيقة.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله آنية الذهب والفضة متاع الذين لا يوقنون. ومثله عن الكاظم عليه‌السلام (٢).

وفيه ايماء الى تحريم اتخاذها مطلقا ، ولما فيه من السرف وتعطيل الانفاق ولتزيين المجالس أولى بالتحريم ، لعظم الخيلاء به وكسر قلوب الفقراء. وفي المساجد والمشاهد نظر ، لفحوى النهي وشعار التعظيم ، كذا في الذكرى.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تأكلوا في صحافها ، فانها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة. قال في الذكرى : وهو يدل بالايماء على تحريم استعمالها مطلقا ، كالبخور والاكتحال والطهارة ، وذكر الاكل والشرب للاهتمام (٣).

وقول الباقر عليه‌السلام : لا تأكل في آنية ذهب ولا فضة (٤).

وقول الصادق عليه‌السلام في رواية بريد العجلي : أنه كره الشرب في الفضة ، وفي القدح المفضض ، وكره أن يدهن من مدهن مفضض والمشطة كذلك ، فان لم يجد بدا من الشرب في القدح المفضض عدل بفهمه عن موضع الفضة (٥).

وحمل الكراهة على المعنى الاعم منها ومن الحرمة بأن يكون الشرب في الفضة حراما ، وفي البواقي على الكراهة.

__________________

(١) عوالي اللئالي ٢ / ٢١٠ ، ح ١٣٨.

(٢) فروع الكافي ٦ / ٢٦٨ ، ح ٧ ، والفقيه ٣ / ٢٢٢.

(٣) الذكرى ص ١٨.

(٤) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٢٢٢.

(٥) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٢٢٢.

٤٢٣

قالوا : وإذا كان اتخاذها حراما لم يستحق صانعها الاجرة ، لأنه كعامل الصنم ولا يضمن كاسرها الارش ، وليس تحريمها مقصورا على استعمالها ، بل اتخاذها ولو كان لغير الاستعمال بل لمجرد القنية وأن يكون رأس مال له حرام منهي عنه سواء في ذلك الرجل والمرأة والخنثى ، لأن اباحة التحلي لهن للنص لا تستلزم اباحة ذلك ، لأن النهي في الخبر يعم النساء أيضا.

وكما يحرم الاكل والشرب فيها اجماعا ، يحرم استعمالها في الوضوء والغسل والتدهين والتطييب بماء الورد من قارورة الذهب والتجمير بمجمرة الفضة ، للخبرين المذكورين.

ولا يحرم المأكول والمشروب ، وان كان الاستعمال محرما ، لتعلق النهي به لا بالمستعمل فيه. وكذا لو توضأ أو اغتسل منها أو فيها ، فان طهارته صحيحة ، لان أخذ الماء ليس جزءا للطهارة ، والشروع فيها ليس الا بعد انقضاء الاخذ والاستعمال ويكره المفضض ولا يحرم استعماله. وقول الصادق عليه‌السلام : لا بأس بأن يشرب الرجل في القدح المفضض (١).

وقيل : يحرم لورود النهي بذلك في خبر آخر ، وحمل على الكراهة جمعا.

قيل : ويلوح من كلام الأصحاب تحريم المذهب ، ويجب عزل الفم عن موضع الفضة ، فلا يجوز الاكل والشرب من ذلك الموضع ، لقول الصادق عليه‌السلام : فاعزل فمك عن موضع الفضة (٢). وفي الذكرى : لا كراهة في الشرب من كوز فيها خاتم فضة واناء فيه دراهم لعدم الاسم (٣).

ومما لا ينبغي لعاقل أن يشك في تحريم اتخاذه واستعماله وكونه ظرفا

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٩ / ٩١.

(٢) التهذيب ٩ / ٩١.

(٣) الذكرى ص ١٨.

٤٢٤

حقيقة ما يقال له في العرف وقت الساعة ، فان ظرفه وعامة آلاته وأدواته مصنوعة في هذه الازمان من الذهب والفضة على هيئة القصعة الصغيرة ، مزينة بأنواع من الزينة.

وقد شاع وذاع اتخاذه واستعماله في الناس عربا وعجما في بلاد الكفر والايمان ، وهو في الأصل من صنائع أهل الشرك والكفر ، كالافرش الارمس وغيرهم ثم سرى منهم الى غيرهم في بلاد الاسلام ، فاتخذوه واستعملوه من غير مبالاة ، وذلك لكونهم عن تحريم اتخاذه واستعماله وكونه ظرفا وإناء من الغافلين. ولذلك اتخذه واستعمله كثير من أهل العلم والدين والصلاح منهم ، وهم يستحلون اتخاذ ظروف الذهب والفضة واستعمالها.

وإذا كان ظروف الغالية وان كان مموها بضبة حراما اتخاذه واستعماله ، كما صرحوا به معللين بأنه يصدق عليه اسم الاناء ، فكون هذا ظرفا وإناء حراما اتخاذه واستعماله أولى.

وقد سبق أن ما كان اتخاذه حرام لم يستحق صانعه عليه الاجرة ، بل هي عليه حرام ، لأنه كعامل الصنم ، ولا يضمن كاسره الارش.

وليس تحريمه مقصورا على استعماله ، بل اتخاذه ولو كان لغير الاستعمال بل لمجرد القنية وأن يكون رأس ماله حرام منهي عنه ، سواء في ذلك الرجل والمرأة والخنثى. وكذا اعطاء الاجرة للصانع ، والامر بصنعتها حرام ، لأنه اعانة على الاثم ، وهي حرام منهي عنها في الكتاب والسنة.

ولو اتخذ انسان ظروفه (١) وآلاته من حديد وغيره ، ثم موهها بالذهب والفضة حرم أيضا استعماله ، فلو كان أصل ذهبه وفضته مغشوشا بغيره بأن لا يكون فتاتا ، فبطريق أولى.

__________________

(١) أى : ظروف وقت الساعة « منه ».

٤٢٥

وقد سبق عن الفاضل أنه قال في التذكرة : لو اتخذ إناء من حديد وغيره مموها بالذهب والفضة ، فان كان يحصل منه شي‌ء بالعرض على النار حرم استعماله والا فاشكال.

أزال الله عني وعنك الاشكال ، وأصلح لي ولك البال ، وأحسن الي واليك في الحال والمآل ، بنبيه محمد وآله خير آل ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ما بقي الغدو والآصال.

تم استنساخ وتصحيح هذه الرسالة في (١٣) شعبان المكرم سنة (١٤١١) هـ ق في بلدة قم المقدسة على يد العبد الفقير السيد مهدي الرجائي عفي عنه.

٤٢٦

سلسلة آثار المحقق الخاجوئى

(٦٢)

الفصول الأربعة

فى من دخل عليه الوقت وهو مسافر

فحضر وبالعكس والوقت باق

للعلّامة المحقّق العارف

محمّد اسماعيل بن الحسين بن محمّد رضا المازندرانى الخاجوئي

المتوفّى سنة ١١٧٣ ه‍ ق

تحقيق

السّيّد مهدى الرّجائي

٤٢٧
٤٢٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

بعد حمد الله الملهم للصواب ، والصلاة على رسوله وآله الأئمة الأطياب.

أقول : وأنا العبد المفتاق الى رحمة ربه الجليل محمد بن الحسين بن محمد رضا المشتهر باسماعيل ، هذه رسالة محتوية على فصول أربعة سميتها بها.

وكان الباعث على تحريرها أن بعض السادة الأجل ، وفقه الله للعلم والعمل سألني عن هذه المسألة وما فيها من الأقوال ، فلما عددتها عليه التمس مني الإشارة الى ما هو الراجح منها.

هذا مع أن المسألة كانت في نفسها عامة البلوى ، مبسوطة الجدوى ، فصار ذلك سببا موجبا لاسعاف حاجته واجابة مسألته ، ومن الله التوفيق ، وهو نعم المعين ونعم الرفيق.

الفصل الأول

[ الأقوال فى المسألة ]

اختلف أصحابنا في من دخل عليه الوقت وهو مسافر فحضر ، أو حاضر

٤٢٩

فسافر والوقت باق ، على أقوال : الأول الإتمام مطلقا. الثاني : التقصير مطلقا.

الثالث : الإتمام في صورة الخروج الى السفر ، والتقصير في صورة الدخول منه ، بناء على اعتبار وقت الوجوب.

الرابع : التقصير في الخروج الى السفر ، والإتمام في صورة الدخول منه اعتبارا بحال الأداء.

الخامس : التخيير بين الإتمام والتقصير.

السادس : التفصيل ، وهو الإتمام مع سعة الوقت دخولا وخروجا ، والتقصير مع ضيقه كذلك.

وثالث الأقوال هو الراجح عندنا ، لصحيحة محمد بن مسلم ، قال : سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يدخل من سفره وقد دخل وقت الصلاة وهو في الطريق ، فقال : يصلي ركعتين ، وان خرج الى سفر وقد دخل وقت الصلاة فليصل أربعا (١).

وهو مذهب ابن بابويه ، وابن أبي عقيل ، ومختار آية الله العلامة في المختلف (٢) استدل عليه مع ذلك (٣) بوجوه ضعيفة كما قيل (٤) ، ولم يبين وجه ضعفها لننظر فيه ولا حاجة بنا اليها.

يكفينا في اثبات هذا المطلب الصحيحة المتقدمة ، فان حاصلها أنه سأله عن رجل يدخل على أهله من سفره وقد دخل عليه وقت الصلاة ، وهو في طريق سفره ولم يصلها الى أن دخل أهله ، فأجاب عنه بقوله : تصليها ركعتين صلاة المسافر ،

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٣ / ٢٢٢ ، ح ٦٦.

(٢) المختلف ص ١٦٣.

(٣) أي : مع الحديث المذكور « منه ».

(٤) المراد به صاحب المدارك قدس‌سره « منه ».

٤٣٠

اذ الوقت دخل وهو مسافر.

ثم قال عليه‌السلام ابتداء منه : وان خرج من أهله الى سفره ودخل عليه وقت الصلاة في حضره ، فليصلها أربعا في سفره ، لان الوقت قد دخل عليه وهو حاضر ، وليس فيها اجمال ولا احتمال ، وانما فيها ايجاز واختصار ، اذ الاكتفاء في المحاورات بالمقام ، ودلالة سوق الكلام غير عزيز.

وقد قيل : وهو مشهور وفي الألسنة والأفواه مذكور ، خير الكلام ما قل ودل.

فمنع صراحتها (١) في أن الأربع تفعل في السفر والركعتين في الحضر ، لاحتمال أن يكون المراد الإتيان بالركعتين في السفر قبل الدخول ، والإتيان بالاربع قبل الخروج ، كما فعله السيد السند في المدارك (٢).

خارج عن طريق الفهم والإنصاف ، وداخل في مسلك اللجاج والاعتساف وكيف يصح عن مثل محمد هذا مثل هذا السؤال. فان من المعلوم لمثله أن المسافر في طريق سفره قبل الدخول كلما دخل عليه وقت الصلاة يصليها ركعتين صلاة المسافر الى حين الدخول ، ثم أي موضع لافادته عليه‌السلام بأن من لم يخرج من أهله الى سفره ، فاذا دخل عليه وقت الصلاة فليصل أربعا.

الفصل الثانى

[ تنقيح أخبار المسألة والمناقشة فيها ]

استدلوا على اثبات القول الرابع بصحيحة اسماعيل بن جابر ، قال : قلت

__________________

(١) فيه اشارة الى الترجيح من حيث المتن ، وأما من حيث السند فهى صحيحة الفضلاء كما سيأتي « منه ».

(٢) المدارك ٤ / ٤٧٨.

٤٣١

لابي عبد الله عليه‌السلام : يدخل علي وقت الصلاة وأنا في السفر ، فلا أصلي حتى أدخل أهلي ، فقال : صل وأتم ، قلت : فيدخل علي وقت الصلاة وأنا في أهلي اريد السفر ، فلا أصلي حتى أخرج ، فقال : صل وقصر ، فان لم تفعل فقد خالفت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

وهذا كما ترى ينفي التخيير بين القصر والإتمام ، لان من خير بينهما لو قصر في الأولى (٢) وأتم في الثانية (٣) ، وهو المراد بقوله « فان لم تفعل » لم يكن مخالفا لرسول الله ، كما لا يخفى.

والرواية صريحة في المخالفة ، فلا يمكن الجمع بينها وبين الرواية الأولى بذلك ، أي : بالتخيير ، كما فعله السيد (٤) السند في المدارك ذاهلا عما ذكرناه.

والشيخ في كتابي الأخبار والصدوق في الفقيه جمعا بينهما بوجوب الإتمام مع السعة والتقصير مع الضيق ، وهو القول بالتفصيل. ويرد عليهما مثل ما ورد على السيد.

وبالجملة رواية ابن جابر لا يمكن التوفيق بينها وبين سائر الأقوال والروايات الدالة على التخيير والتفصيل واعتبار وقت الوجوب ، لان كل ذلك مخالف لما دل عليه من اعتبار وقت الأداء ، والمخالف له مخالف لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما هو صريح الخبر.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٣ / ٢٢٢ ـ ٢٢٣ ، ح ٦٧.

(٢) أي : في صورة الإتمام « منه ».

(٣) أي : في صورة القصر « منه ».

(٤) لان من كان حاضرا فدخل عليه الوقت ثم سافر والوقت موسع فصلى وأتم فقد خالف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكذلك من كان مسافرا فدخل عليه الوقت فحضر والوقت مضيق فصلى وقصر ، فقد خالف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومنه يعلم أن القول بالإتمام والتقصير المطلقين يخالفه أيضا « منه ».

٤٣٢

فمقتضى العمل به اعتبار وقت الأداء لا التخيير والتفصيل ولا الإتمام والتخيير المطلقين.

وقيل (١) : يمكن التوفيق بينهما بأن يراد بـ « يدخل » في حديث محمد مشرف على الدخول ، فيكون الحال أي قوله « وهو في الطريق » معمولا ليدخل ودخل بالتنازع ، وكذا يكون المراد بالخروج الى سفره اشرافه على الخروج.

أقول : هذا مع أنه مجاز من الكلام يقال له المجاز بالمشارفة ، والأصل هو الحقيقة ، يجعل الحديث قليل الفائدة ، اذ حاصله على هذا التوفيق أنه سأله عن رجل قرب أن يدخل من سفره على أهله ، وهو لم يدخل عليهم بعد ، بل هو في الطريق ، وقد دخل عليه وقتئذ وقت الصلاة ، قال : يصلي ركعتين ، أي : في الطريق صلاة مسافر ، لانه مسافر بعد لم يدخل على أهله. ومثله الكلام في الشق الثاني.

بل هو أقل منه فائدة ، اذ حاصله أنه عليه‌السلام قال : من قرب أن يخرج من أهله الى سفره وهو لم يخرج منهم بعد ، بل هو فيهم ودخل عليه وقت الصلاة فليصل أربعا.

وهو كما ترى ليس فيه كثير فائدة ان لم نقل بعدمها ، لان محصله أن المسافر ما دام مسافرا يقصر ، والحاضر ما دام حاضرا يتم.

وبالجملة حاصله ما ذكره صاحب المدارك في تأويل حديث محمد ، وقد سبق الكلام فيه ، بل هو مأخوذ منه وبيان له ، فتأمل ، هذا.

واعلم أن هذه الجملة الحالية ، أي : قوله « وهو في الطريق » غير موجودة في رواية علي بن إبراهيم الاتية ، فان روايته هكذا : عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يدخل مكة من سفر وقد دخل وقت الصلاة ،

__________________

(١) المراد بهذا القائل ملا مراد التفرشى فى حواشيه على الفقيه « منه ».

٤٣٣

قال : يصلي ركعتين ، وان خرج الى سفر وقد دخل وقت الصلاة فليصل أربعا (١).

ولا يخفى أن الرواية صريحة في وجوب الإتيان بالركعتين بعد دخول مكة بناء على أن الصلاة تعلقت بذمته وقت الوجوب ، وكذا صريحة في وجوب الإتيان بالاربع بعد الخروج منها ، والمانع منها مكابر مقتضى فهمه.

واستدل عليه أيضا بصحيحة العيص بن القاسم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يدخل عليه وقت الصلاة في السفر ، ثم يدخل بيته قبل أن يصليها قال : يصليها أربعا (٢).

وهذه الرواية كما ترى انما تدل على القول الرابع في صورة القدوم من السفر في أثناء الوقت لا في صورة الخروج الى السفر.

أقول : ان العمل بصحيحة ابن مسلم في الموضعين ، وهي على المشهور صحيحة الفضلاء ، لان الشيخ رواها عن سعد بن عبد الله ، عن أبي جعفر (٣) ، عن علي ابن الحديد ، والحسين بن سعيد ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز بن عبد الله ، عن أبي جعفر ، عن محمد بن مسلم (٤).

أولى من العمل بصحيحة ابن جابر ، لانه أضبط منه وأوثق وأورع وأعلم ، والأعلم أبعد من احتمال الغلط وأنسب بنقل الحديث على وجهه ، فكان أولى.

وقال النجاشي : محمد بن مسلم وجه أصحابنا بالكوفة فقيه ورع ، وكان من أوثق الناس (٥).

__________________

(١) فروع الكافي ٣ / ٤٣٤ ، ح ٤.

(٢) تهذيب الأحكام ٣ / ١٦٢ ، ح ١٣.

(٣) المراد بأبي جعفر أولا أحمد بن محمد بن عيسى القمى ، وثانيا محمد بن علي بن النعمان الأحول مؤمن الطاق ، نعم طريق الصدوق الى ابن مسلم هذا ضعيف « منه ».

(٤) تهذيب الأحكام ٣ / ٢٢٢.

(٥) رجال النجاشى ص ٣٢٣ ـ ٣٢٤.

٤٣٤

وقال الكشي : إنه ممن أجمعت العصابة على تصديقهم وانقادوا لهم بالفقه ، وقالوا : انهم أفقه الأولين (١). ولذلك قدم الأصحاب ما رواه ابن مسلم هذا على من ليس له حاله وجلاله.

ومنه يظهر أن قول المحقق في المعتبر بعد نقل رواية ابن جابر. وهذه الرواية أشهر وأظهر في العمل (٢) وكانه لذلك اختار القول بمقتضاها في الشرائع ليس بظاهر ولا معتبر.

بل الأظهر أن العمل برواية ابن مسلم أولى من العمل برواية ابن القاسم أيضا بعين ما ذكرناه وتعدد الطريق لا يعارضه ، اذ الضابط والعالم وان تعدد لا يكون كالاضبط والأعلم ، وعلى تقدير التعارض والتساقط يبقى عليه ما كان فرضه وقت الوجوب من القصر والإتمام.

وبالجملة الجمع بين صحيحتي محمد بن مسلم وابن جابر متعذر ، فلا بد حينئذ في ترجيح العمل باحداهما من مرجح ، وهو معنا كما ذكرناه.

نعم يمكن الجمع بين صحيحتي محمد والعيص بحمل الإتمام في صحيحة العيص على الاستحباب مع التخيير ، كما تدل عليه صحيحة منصور بن حازم وستأتي.

واعلم أن الشيخ روى حديث محمد بن مسلم في التهذيب بسندين : أحدهما ما سبق وهو مذكور في أبواب الزيادات (٣). وفي طريقه كما سبق أبو جعفر أحمد بن محمد بن عيسى ، وهو وان كان على المشهور غير مدافع ، إلا أني في روايته متوقف ، لما قررناه في بعض رسائلنا.

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال ٢ / ٥٠٧.

(٢) المعتبر ٢ / ٤٨٠.

(٣) تهذيب الأحكام ٣ / ٢٢٢ ، ح ٦٦.

٤٣٥

وثانيهما ما رواه في باب فرض صلاة السفر عن علي بن ابراهيم ، عن أبيه عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يدخل من سفره الحديث (١).

وهذا السند وان كان على المشهور حسنا الا أنه عندنا صحيح ، كما فصلناه في بعض رسائلنا ، وعلى هذا السند اعتمادنا لا على الأول ، وان كان هو أيضا صحيحا على المشهور.

ويؤيدها (٢) موثقة زرارة (٣) بموسى بن بكر ، وقد ذكرنا توثيقه في مقدمة بعض رسائلنا مفصلا عن أبي جعفر عليه‌السلام ، فانها كما ستأتي صريحة باعتبار وقت الوجوب دون اعتبار حال الأداء.

ومثلها حسنة (٤) بشير النبال ، قال : خرجت مع أبي عبد الله عليه‌السلام حتى أتينا الشجرة ، فقال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : يا نبال ، فقلت : لبيك ، قال : انه لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلي أربعا غيري وغيرك ، وذلك أنه دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج (٥).

واعلم أن بشير النبال ممن تحقق كونه من أهل المعرفة ، ولم يقدح فيه أحد وأكثر العلماء الرواية عنه ، فيظن صدقه في الرواية ظنا غالبا ، وأنه لا يكذب على الأئمة عليهم‌السلام. وهذا القدر كاف في وجوب العمل بروايته ، ولا يحتاج الى أن يظن عدالته ، بل يكفي أن لا يظن فسقه.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٢ / ١٣ ، ح ٢.

(٢) أى : صحيحة ابن مسلم « منه ».

(٣) تهذيب الأحكام ٢ / ١٢ ، ح ٤.

(٤) في التهذيب هكذا : أحمد بن محمد عن ابن فضال عن داود بن فرقد عن بشير النبال ، فالسند بين الحسن والموثق « منه ».

(٥) تهذيب الأحكام ٣ / ٢٢٤ ، ح ٧٢.

٤٣٦

فتوقف العلامة في روايته ، حيث قال في الخلاصة : روى الكشي حديثا في طريقه محمد بن سنان ، وصالح بن أبي حماد ، وليس صريحا في تعديله ، فأنا في روايته متوقف (١) في غير موقفه.

ثم لا يذهب عليك أن هذا الخبر الذي نحن فيه ، فيه دلالة على اعتبار الرجل عند الإمام عليه‌السلام ، واختصاصه به ، وأنه كان من ثقاته المعتبرين عنده ، وقد خرج معه وحده وهو في خدمته من المدينة الى مسجد الشجرة ، ثم شرفه بمثل هذا الخطاب ، وعلمه بمثل هذا التعليم ، فلا يبعد أن يعد حديثه لو لم يكن في الطريق قادح من غير جهته من الصحاح.

وقد صرح بحسن سند هو من رجاله الفاضل القهپائي ملا عناية الله رحمه‌الله في مجمع الرجال ، حيث قال في مشيخة الفقيه بعد نقل قوله : وما كان فيه عن بشير النبال ، فقد رويته عن محمد بن علي ماجيلويه رضي‌الله‌عنه ، عن محمد بن يحيى العطار ، عن ابراهيم بن هاشم ، عن محمد بن سنان ، عن بشير النبال انتهى ، السند حسن (٢) الى هنا كلامه رفع مقامه.

فطريق الصدوق اليه (٣) صحيح على ما تقرر عندنا في ابراهيم بن هاشم ومحمد بن سنان ، فان محمدا هذا وان كان ضعيفا على المشهور الا أن الفاضل المذكور في حواشيه على الكتاب المسطور قد بسط الكلام في توثيقه وتعديله بما لا مزيد عليه.

وقال الفاضل المجلسي رحمه‌الله في شرحه على الفقيه : روى الكليني والشيخ في الحسن عن بشير النبال ، ونقل الحديث كما سبق. ثم قال : وظاهره

__________________

(١) رجال العلامة ص ٢٥.

(٢) مجمع الرجال ٧ / ٢٢٩.

(٣) أى : بشير « منه ».

٤٣٧

أن الاعتبار بحال الوجوب (١).

وبالجملة لا وجه للتوقف في روايته الا على مذهب من لا يعمل بالحسن ، وان اشتهر واعتضد بغيره كما فيما نحن فيه ، وهو رحمه‌الله منهم ، كما صرح به في كتبه الأصولية ، ويشعر به كلامه المنقول عنه آنفا ، حيث قال : وليس صريحا في تعديله ، فأنا في روايته متوقف ، فتأمل.

ويؤيدها أيضا ما رواه الشيخ في الإستبصار في باب نوافل الصلاة في السفر بالنهار في الموثق ، عن عمار بن موسى ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سئل عن الرجل اذا زالت الشمس وهو في منزله ، ثم يخرج في سفر ، قال : يبدأ بالزوال فيصليها ، ثم يصلي للاولى بتقصير ركعتين ، لانه خرج من منزله قبل أن تحضر الأولى.

وسئل فان خرج بعد ما حضرت الأولى ، فقال : يصلي الأولى أربع ركعات ، ثم يصلي بعد النوافل ثمان ركعات ، لانه خرج من منزله بعد ما حضرت الأولى فاذا حضرت العصر صلى العصر بتقصير وهي ركعتان ، لانه خرج في السفر قبل أن يحضر العصر (٢).

وهذا كما ترى صريح في اعتبار وقت الوجوب.

فان قلت : فما تقول في صحيحة اخرى لابن مسلم رواها الشيخ عن الحسين ابن سعيد ، عن صفوان ، عن العلاء عنه ، قال قلت لابي عبد الله عليه‌السلام الرجل يريد السفر ، فيخرج حتى تزول الشمس ، فقال : اذا خرجت فصل ركعتين (٣) فانها تدل على اعتبار وقت الأداء ، والأولى على اعتبار وقت الوجوب.

__________________

(١) روضة المتقين ٢ / ٦٣٠.

(٢) الإستبصار ١ / ٢٢٢ ، ح ٦.

(٣) تهذيب الأحكام ٣ / ٢٢٤ ـ ٢٢٥.

٤٣٨

قلت : ليس الأمر كذلك ، بل كلتاهما تدلان على اعتبار وقت الوجوب ، فان الثانية محمولة على التقصير في العصر ، لما رواه الحسن بن علي الوشاء عن الرضا عليه‌السلام قال : اذا زالت الشمس وأنت في المصر تريد السفر فأتم ، فاذا خرجت بعد الزوال قصر العصر (١).

وانما كان كذلك لان وقت العصر انما يدخل بعد مضي وقت الظهر ، والتقدير أنه خرج بعد الزوال بلا فصل.

وعلى هذا فيجب عليه أن يتم الظهر ويقصر العصر ، لكن يشترط في الأول أن يدرك قبل بلوغه محل الترخص قدر الصلاة تماما على حالته التي كان عليها ذلك الوقت وقدر فعل شرائطها المفقودة عنه.

ومنه يعلم جواب آخر ، وهو أنه عليه‌السلام انما أمره بقصر الظهر والعصر معا بقوله « اذا خرجت » أي حين تزول الشمس فصل ركعتين ، لانه كان يعلم من حاله أنه اذا خرج حين زوال الشمس لا يدرك قبل بلوغه محل الترخص قدر الصلاة تماما وقدر شرائطها المفقودة عنه نظرا الى حاله.

ولذلك غير اسلوب الجواب (٢) عن اسلوب السؤال ، حيث أنه سأله عن حال رجل ما يريد السفر وهو أجابه بحاله بخصوصه ، حيث قال : اذا خرجت فصل ركعتين. ولم يقل اذا خرج فليصل ركعتين ، فتأمل.

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٣ / ٢٢٤ ، ح ٧١.

(٢) لما كان سند الرواية المذكورة ضعيفا ، لان الشيخ رواها عن الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن على الوشاء ، أجابه بجواب آخر « منه ».

٤٣٩

الفصل الثالث

[ المناقشة فى مستند قول المشهور ]

وأما ما تمسك به السيد السند صاحب المدارك في المقام الأول من عموم ما دل على وجوب التقصير في السفر ، وفي المقام الثاني من عموم ما دل على وجوب الإتمام في الحضر.

فجوابه أن التقصير في السفر انما يجب اذا وجبت الصلاة وهو في السفر. وأما اذا وجبت وهو في الحضر ، فلا ، بل هو أول المسألة ، بل يلزم منه وجوب التقصير في الفائتة الحضرية اذا قضاها في السفر.

ومنه يعلم الجواب عن الثاني ، فان الإتمام في الحضر انما يجب اذا وجبت وهو في الحضر ، لا اذا وجبت وهو في السفر ، والا لزم منه وجوب الإتمام في الفائتة السفرية اذا قضاها في الحضر.

فاستبان أن القول باعتبار وقت الوجوب أقوى من الأقوال الثلاثة الباقية ، وهي القول باعتبار حال الأداء ، والقول بالتخيير والتفصيل وهو وجوب الإتمام في سعة الوقت والتقصير في ضيقه.

نعم القول بالتخيير كما تدل عليه صحيحة منصور بن حازم ، وان ضعفها من حيث السند السيد السند صاحب المدارك ، ولا وجه له سوى ما سنشير اليه.

فان الشيخ رواها عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن محمد بن عبد الحميد ، عن سيف بن عميرة ، عن منصور بن حازم. وهذا كما ترى سند ليس فيه من يقدح فيه ، وهو صحيح على المشهور.

نعم في شرح الإرشاد للشهيد رحمه‌الله في نكاح الأمة بإذن المولى : وربما

٤٤٠