الرسائل الفقهيّة - ج ٢

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي

الرسائل الفقهيّة - ج ٢

المؤلف:

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

وأما الشيخ الجليل النجاشي ، فلم ينص في أبي الجارود هذا بمدح ولا قدح.

أقول : ولكن رواية الصدوق هذا الحديث في كتاب من لا يحضره الفقيه يدل على أنه كان معمولا به عنده ، لانه قد ضمن في صدر الكتاب صحة ما اشتمل عليه وأنه حجة بينه وبين ربه.

ومثله ثقة الاسلام صاحب الكافي ، مع أنه مذكور فيه بسند موثق هكذا : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن غالب بن عثمان ، عن روح بن عبد الرحيم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لامير المؤمنين عليه‌السلام : لا تختم بالذهب فانه زينتك في الآخرة (١).

فان قلت : غالب بن عثمان مشترك بين المنقري الواقفي الثقة والهمداني الزيدي الشاعر المهمل ، وكلاهما يرويان عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام. فهذا السند أيضا صحيح أو ضعيف للاشتراك المذكور من غير قرينة معينة.

قلت : بل هنا قرينتان معينتان ، الأولى : أن الحسن بن علي بن فضال انما يروي عن المنقري دون الهمداني ، والثانية : أن المنقري يروي عن روح بن عبد الرحيم لا الهمداني ، فكل من الراوي والمروي عنه قرينة معينة ، كما يظهر للناظر في اصول الأصحاب ، فظهر أن هذا السند موثق.

والظاهر من متنه كما أشرنا اليه تحريم الزينة بالذهب للرجال مطلقا من غير فرق في ذلك بين الساتر وغيره حتى التكمة والزرة ، لصدق اسم الذهب عليه فلو لبس قباء مزرورة بالذهب وصلى فيها بطلت صلاته.

هذا وأما ما رواه شارح الجعفرية ، فهو وان كان مذكورا في الكتب الفقهية تصريحا وتلويحا كالمدارك وغيره ، الا أنا لم نقف الى الان على سنده ، فهو غير معلوم الصحة ، مع أنه يمكن حمل هذه الأخبار على ضرب من الكراهة ، بل

__________________

(١) فروع الكافي ٦ / ٤٦٨ ، ح ٥.

٤٠١

ظاهر بغضها صريحة في ذلك.

فان قلت : قد استعملت الكراهة في بعض الأخبار موضع الحرمة ، ولذلك حمل صاحب المدارك الجليل تبعا لشيخه النبيل مولانا ، أحمد الأردبيلي قدس‌سرهما في شرحه على الارشاد كراهة لبس الحرير الواردة في بعض الأخبار ، كخبر جرا؟؟؟ ح المدائني عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج ويكره لباس الحرير ، على الحرمة ، فليحمل الكراهة المذكورة في الحديث النبوي عليها ، كما مرت اليه الاشارة بقرينة غيره من الأخبار المذكورة الدالة على تحريم لبس الذهب.

قلت : كذلك قد استعملت الحرمة في بعض الأخبار موضع الكراهة الشديدة كقوله « محاش النساء على امتي حرام (١) » وقوله في حديث الحديد « فحرم على الرجل المسلم أن يلبسه في الصلاة (٢) » فان المراد بالحرام هنا ليس ماندم فاعله ويعاقب عليه ، كما هو المعروف بين الأصوليين ، بل المراد به الكراهة.

وقال العالم الرباني مولانا أحمد في شرح الارشاد : بالغ ابن الجنيد وحرم في ظاهر كلامه الصلاة في ثوب علمه حرير ، بل قد حرم الدبج أيضا. ثم قال : الا أن يكون المراد الكراهة ، فانهم كثيرا يعبرون عنها بالتحريم (٣).

ومما ذكرناه يعلم أن حمل كراهة لبس الحرير الواردة في الأخبار على الحرمة كما فعله صاحب المدارك ، مع أن الكراهة لا تستلزم الحرمة بخلاف العكس ، ليس بأولى من حمل الحرمة المذكورة فيها ، كقوله « حرام » على الكراهة ، بل

__________________

(١) عوالى اللالى ٢ / ١٣٤.

(٢) تهذيب الأحكام ٢ / ٢٢٧.

(٣) مجمع الفائدة ٢ / ٨٦.

٤٠٢

هذا أولى لما عرفته والأصل ، ولنا معه في الرسالة الحريرية مباحثات لطيفة تطلب من هناك.

فليحمل الحرمة المذكورة في الأخبار المذكورة في لباس الذهب على الكراهة ، ولا ترجيح هنا لاحد الحملين على آخر ، الا من جهة قول بعضهم بعدم خلافهم في حرمة لبس الذهب ، ولولاه لكان القول باباحة لبسه مطلقا نظرا الى التوفيق بين الأخبار أقوى ، لتأيده بالاباحة الأصلية السالمة عن المعارضات النقلية حيث لا ترجيح لاحد الحملين على الاخر فتبقى الاباحة على أصلها.

أقول : وهنا ترجيح آخر ، وهو أنه ليس في رواية روح بن عبد الرحيم الثقة ما رواه أبو الجارود في صدر الرواية من لفظة المحبة والكراهة ، لتكون قرينة على كراهة التختم بالذهب ، مع أنه منقوض بقوله ولا تلبس الحرير فان حرمته لا نزاع فيها ، فكما لا ينافيها لفظة الكراهة ، فكذلك لا ينافي تحريم الذهب. فما يقال في الاعتذار عن هذا يمكن أن يقال في الاعتذار عن ذاك.

فان قلت : قد تقرر عندهم ان الحديث المزيد على غيره من الاحاديث المروية في معناه مقبول ، حيث لا يقع منافيا لما رواه غيره من الثقات وهنا كذلك.

قلت : ان المزيد انما يقبل إذا وقعت ارادة من السبقة (١) لا مطلقا ، وهنا ليس كذلك لما عرفته من ضعف أبي الجارود وكذبه بل كفره نعوذ بالله.

على أنا نقول : لما كانت حرمة اللبس فيهم اتفاقية على القول المذكور ، فيمكن أن يقال : ان لبسه في جميع الاوقات ومنه وقت الصلاة منهي ، والنهي في العبادة مفسد إذا تعلق بعينها أو جزءها أو شرطها ، وستر العورة (٢) من شرط

__________________

(١) كذا ، ولا مفهوم للكلمة.

(٢) هذا على تقدير تمامه يدل على بطلان الصلاة في الذهب إذا كان سائرا ، وأما فى غير الصلاة فلا دلالة له عليه « منه ».

٤٠٣

صحة الصلاة ، فالاحوط البطلان في غير حال الضرورة ، فخذ الحائط لدينك لتكون في الصلاة التي هي معراج المؤمن على يقينك.

وقد أطبق جميع أهل الاسلام على أنه طريق منج ، وقد وردت عليها تنبيهات بل تصريحات عن الصادقين صلوات الله عليهم أجمعين ، كقولهم : ليس بناكب عن الصراط من سلك طريق الاحتياط. والحاجة اليه في زماننا هذا أشد وأكثر لفقد المجتهد ظاهرا ، فمن أخذ به نجا ومن تركه هلك ، والله الموفق والمعين.

فصل

[ تحقيق حول كلام الأصحاب فى المسألة ]

ويستفاد مما أفاده الشارح الفاضل الأردبيلي في شرح الارشاد أن هنا مذهبا ثالثا ، وهو عدم بطلان الصلاة في خاتم الذهب ، لعدم النهي الصريح عن الصلاة فيه وبطلانها في غيره من اللباس الذهبي ، لوجود النهي الصريح فيه ، وهو كما قال أمر غريب عجيب.

وهذه عبارته بعد كلام لا حاجة بنا الى نقله في مسألتنا هذه : وكذا الفرق بين النهي الصريح وغيره ليس بجيد ، لانه إذا وجد النهي فالدليل جار ، ففرق المحقق بين خاتم الذهب ومال الغير وبين الحرير الذي ليس بساتر بالبطلان فيه دونهما ، لوجود النهي الصريح عن الصلاة في الحرير دونهما ، وارتضاه الشارح مما يتعجب منه.

أقول : النهي في قوله « فلا تختم بخاتم ذهب » يعم الاوقات كلها ، ومنها وقت الصلاة ، فالنهي عن الصلاة فيه يكون صريحا ، وكذا قوله « جعل الله الذهب في

٤٠٤

الدنيا زينة النساء فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه » (١) يعم الخاتم وغيره ، فيكون النهي عن الصلاة فيه أيضا صريحا.

بل لا يبعد أن يقال : ان النهي في قوله « حرم لباس الحرير والذهب على ذكور امتي » نهي صريح عن الصلاة في خاتم الذهب ، الا أن يقال : ان المراد بالنهي الصريح هنا ما أشار اليه الفاضل الأردبيلي رحمه‌الله في حاشيته على هذا الموضع من شرحه بقوله : الا أن يقال : يفهم البطلان من صريح النهي ، بأن يقال لا تصلوا فيه ، فان المتبادر منه عدم الرضا بالصلاة فيه دون النهي العالم ، وفيه تأمل ، انتهى كلامه رفع في عليين مقامه.

وقال الشهيد في الذكرى : الصلاة في الذهب حرام على الرجال ، فلوموه ثوبا وصلى فيه بطلت ، بل لو لبس خاتما وصلى فيه بطلت صلاته ، قاله الفاضل. وقوى في المعتبر عدم الابطال بلبس خاتم من ذهب ، ولوموه الخاتم بالذهب فالظاهر تحريمه ، لصدق اسم الذهب عليه. نعم لو تقادم عهده حتى اندرس وزال مسماه جاز.

ثم قال : ومثله الاعلام على الثياب من الذهب أو المموه به في المنع من لبسه والصلاة فيه ، ثم نقل عن أبي الصلاح أنه قال : تكره الصلاة في الثوب المذهب والملحم بالحرير والذهب (٢).

واعلم أن كلام المحقق في الشرائع صريح في صحة الصلاة في لباس الذهب مطلقا ، ساترا كان أم غيره ، لانه قال فيه : المقدمة الرابعة في لباس المصلي ثم عد ما لا تجوز الصلاة فيه منه ، ساكتا عن لباس الذهب مطلقا.

ثم قال : السابعة : كل ما عدا ما ذكرناه تصح الصلاة فيه ، بشرط أن يكون

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٢ / ٢٢٧.

(٢) الذكرى ص ١٤٦.

٤٠٥

مملوكا أو مأذونا فيه (١).

قد عرفت أن مما عدا ما ذكره لباس الذهب ، فتصح الصلاة فيه مطلقا عن رأيه هذا. وعلى هذا فلا وجه لتخصيصه في المعتبر (٢) عدم الابطال بلبس خاتم من ذهب ، والظاهر أنه من باب تحديد الرد حينئذ وتغييره.

أقول : ويمكن أن يستدل من قبله ومن يحذو حذوه بأن لباس الذهب من الزينة ، وكل زينة يجوز التزين بها في الصلاة وغيرها الا ما أخرجه الدليل ، وليس هذا منه. أما الأولى ، فظاهرة وأما الثانية ، فلعموم « مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ » (٣) وأما الثالثة ، فلعدم دليل هنا يصلح لإخراجه الا دعوى بعضهم عدم الخلاف في حرمة لبس الذهب ، وهو غير ثابت عنده.

وأما تخصيص ما هو قطعي المتن وظني الدلالة بما هو ظني المتن وقطعي الدلالة على القول بجواز تخصيصه به ، فانما يصح بعد ثبوت ظنية متنة؟؟؟ وقطعية دلالته.

وهذا كلاهما في حيز المنع. أما الأولى ، فلعدم صحة هذه الأخبار الغير البالغة حد التواتر ، فلا يحصل بها الظن بصدور النهي عن المعصوم ، فلا يصح تخصيص الآية بها. وأما الثانية ، فلما سبق من مساواة الحملين والإباحة الأصلية فتأمل.

فان قلت : لعله يقول ان النهي في شرط العبادة انما يفسدها إذا كان ذلك الشرط عبادة مستقلة ، واما إذا لم يكن كذلك فلا ، مثلا ازالة النجاسة شرط لصحة الصلاة ولا يضره نهيها بماء مغصوب في مكان مغصوب وبآلة مغصوبة وبفعل غاسل قهرا

__________________

(١) الشرائع ١ / ٦٨ ـ ٦٩.

(٢) المعتبر ٢ / ٨٧.

(٣) سورة الاعراف : ٣٢.

٤٠٦

بخلاف الغسل ، فانه يبطل لكونه عبادة مستقلة.

قلت : ستر العورة باللباس ليس كازالة النجاسة ، بل هو كالغسل لوجوب سترها في الصلاة وغيرها ، لقوله تعالى « يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ » (١) فانه يدل على قبح الكشف ، وان الستر مراد الله.

وكيف لا يكون سترها باللباس كذلك ، وهم مطبقون على بطلان الصلاة في اللباس الحرير والمغصوب ، معللين بأن النهي هنا راجع الى شرط الصلاة فيفسدها وحينئذ فلا فرق في الساترين بين كونه ذهبا وحريرا ومغصوبا ، فان النهي راجع الى شرط العبادة ، فالفرق المذكور هنا غير مؤثر.

والاظهر أن يقال : ان دعوى الاتفاق على حرمة لبسه غير ثابت ، كيف وقد سبق النقل عن أبي الصلاح أنه قال بكراهة (٢) الصلاة في الثوب المذهب. والعقل والنقل متفقان على أن الأصل في الاشياء الإباحة ، وغيرها يحتاج الى الدليل ، فان الأصل صحة الصلاة في مطلق اللباس حتى يخرجه الدليل بخصوصه وعدم هذا التكليف وهو كف النفس ومنعها عن لباس المذهب وهو من الزينة حكم بصحة الصلاة فيه مطلقا ، ساترا كان أم لا فتدبر.

وأعلم أنهم اختلفوا في العمل بالحسن ، فمنهم من عمل به مطلقا ، ومنهم من رده مطلقا وهم أكثرون ، حيث شرطوا في قبول الرواية الإيمان والعدالة ، كما قطع به العلامة في كتبه الأصولية ، وفصل آخرون كالمحقق في المعتبر والشهيد في الذكرى فقبلوه ، وربما ترقوا الى الضعيف أيضا إذا كان العمل بمضمونه مشتهرا بين الأصحاب ، حتى قدموه على الصحيح ، حيث لا يكون العمل بمضمونه مشتهرا.

__________________

(١) سورة الاعراف : ٢٦.

(٢) يمكن أن يكون مراده بالكراهة هنا هو الحرمة كما قالوا في نظائره « منه ».

٤٠٧

وكذا اختلفوا في العمل بالموثق نحو اختلافهم في الحسن ، فقبله قوم مطلقا ورده آخرون ، وفصل ثالث ، كذا في دراية الحديث للشهيد الثاني.

ومقتضاه أن يكون العلامة مصححا للصلاة إذا وقعت في خاتم ذهب ، والمحقق مبطلا لها على عكس ما سبق نقله عنهما ، ولعله لذلك لم يقدح في سند الحديث بل رواه ، الا أن النهي فيه غير صريح في بطلان الصلاة.

وفيه ما فيه ، والظاهر أنه لا يقول بحسن رواية المدائني بل يقول : انها مجهولة السند ، كما في المشهور. وفيه أيضا ما عرفته.

وأما الفاضل العلامة ، فلما رأى الأخبار الواردة في تلك المسألة مستفيضة مؤيدة بمفهوم الأخبار الصحيحة ، وقد عمل بمضمونها أكثر السلف والخلف ، حكم بتحريم لبسه وبطلان الصلاة فيه مطلقا ، ولو كان خاتما مموها به ، فمدار عمله بها على استفاضتها ، وعمل أكثر الأصحاب بها ، مع قطع النظر عن كونها حسنة أو موثقة أو ضعيفة ، مع أن العمل بها مما يقتضيه سلوك طريق الاحتياط المبرئ للذمة يقينا لو شغلها كذلك.

فصل

[ حكم حمل الذهب فى الصلاة ]

إذا حمل الذهب أو القرآن المذهب ونحوه في صلاته ، فالظاهر أنه غير محرم ولا مبطل ، لأنه ليس بلباس ولا زينة ، والنهي متعلق بهما ، فمن صلى ومعه خاتم ذهب غير لابس به صحت صلاته ، لأن المنهي عنه هو التختم به في الصلاة وغيرها لا استصحابه فيهما ، كما نبه عليه الفاضل الأردبيلي رحمه‌الله في كلامه المنقول عنه سابقا.

٤٠٨

ويدل عليه عموم ما رواه الصدوق رحمه‌الله في الفقيه بسندين أحدهما أضعف من الاخر ، عن صفوان الجمال ، قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ان معي أهلي وإني أريد الحج فأشد نفقتي في حقوي ، قال : نعم فان أبي عليه‌السلام كان يقول : من قوة المسافر حفظ نفقته (١).

قال الفاضل المجلسي قدس‌سره في شرحه على الفقيه : ترك استفصاله يدل على جواز الصلاة معها ولو كان دنانير ، مع أنه لم يرد نهي فيه. وليس بتزين للذهب حتى يكون حراما ، والظاهر من النهي على تقدير صحته هو التزين. وربما يقال بالجواز لأنه موضع الضرورة (٢).

أقول : لا وجه لحمله على الضرورة بعد إقامة الدليل على جوازه في غيرها أيضا حيث لم يكن زينة ولا منهيا عنه ، مع ورود كل شي‌ء مطلق حتى يرد فيه نهي.

وفي صحيحة علي بن أسباط عن عمه يعقوب بن سالم ، قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام تكون معى الدراهم فيها تماثيل وأنا محرم ، فأجعلها في همياني وأشده في وسطي ، قال : لا بأس أو ليس هي نفقتك وعليها اعتمادك بعد الله عزوجل (٣).

وقال آخوندنا فيض قدس‌سره في كلام له فارسي في جواب من استفتاه عن جواز استصحاب الذهب والقرآن المذهب والاحراز والعضائد وغيرها من الاشياء المذهبة حال الصلاة ما حاصله :

ان المنهي عنه انما هو اللباس المذهب للرجال مطلقا في الصلاة وغيرها ، وأما حمل الذهب معه والاشياء المذهبة ، فلا بأس به في الصلاة وغيرها ، والخاتم

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٢٨٠.

(٢) روضة المتقين ٤ / ٢٢٩.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٢٨٠.

٤٠٩

من جملة اللباس.

وأما ما ورد من حديث ذم تحلية المصاحف في ضمن اشتراط الساعة ، فهو على تقدير صحته غير صريح في تحريم تذهيب القرآن المجيد بخصوصه ، مع أن الأحاديث المعتبرة في الكافي والتهذيب تدل على جواز تذهيبه ، والعلم عند الله وأهله.

ويظهر منه أنه يذهب الى تحريم اللباس المذهب على الرجال مطلقا ، ساترا كان أم غيره ، ولهذا عد الخاتم من اللباس المحرم لبسه في الصلاة وغيرها ، كسائر الالبسة الذهبية المنهي عنها مطلقا.

وانما خص تحريمه بالرجال ، لأن الخناثى لا نص فيهم على الخصوص ، وانما أدخلهم الأصحاب في هذا الباب من باب الأخذ بالاحتياط ، كما مرت إليه الإشارة.

ثم الظاهر من كلامه كغيره عدم الفرق في الذهب الجائز استصحابه في الصلاة بين المسكوك منه وغيره ، وهو الظاهر من عموم رواية صفوان وترك استفصاله عليه‌السلام ، مع أنه لم يرد في واحد منهما نهي.

فإذا نضم إليه قولهم عليهم‌السلام « كل شي‌ء مطلق حتى يرد فيه نهي » أفاد جواز ذلك مطلقا ، لأن شيئا منهما ليس بتزين بالذهب ، ظاهرا كان أم مستورا ، فتخصيصها بما لو كان دنانير وهي المسكوك من الذهب غير جيد.

وقوله « فأشد نفقتي في حقوي » لا ينافيه ، اذ لا مانع من أن يكون في هميانه المشدود في حقوه مع دنانير قطع الذهب غير المسكوكة المراد بها بيعها وقت الحاجة وانفاقها.

فان مدار الاستدلال على عموم المقال وترك الاستفصال ، وهما كما يعمان الدنانير والدراهم ، يشملان القطاع الغير المسكوكة ، بل مطلق المصاغ من الذهب والفضة

٤١٠

كالخاتم والسوار والخلخال ونحوها المراد بهما التجارة والانفاق. هذا كله على القول بعدم صحة الصلاة في الذهب.

وأما على القول بصحتها فيه كما عليه المحقق في الشرائع ، والشهيد في اللمعة وأمثالهما ، فلا اشكال في أمثال ذلك أصلا ، وكذا على قول صاحب المعتبر ومن شايعه في عدم بطلان الصلاة بلبس خاتم ذهب ، بل عدم بطلانها هنا أقوى فتأمل.

واعلم أن حديث اشراط الساعة حديث طويل مذكور في تفسير علي بن ابراهيم ، قال : حدثني أبي عن سليمان بن مسلم الخشاب ، عن عبد الله بن جريح المكي ، عن عطاء بن أبي رياح ، عن عبد الله بن عباس ، فهذا سنده وهو كما أشار إليه قدس‌سره غير صحيح.

قال : حججنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حجة الوداع ، فأخذ بحلقة باب الكعبة ، ثم أقبل علينا بوجهه ، فقال : ألا أخبركم بأشراط الساعة؟ فكان أدنى الناس منه يومئذ سلمان رحمه‌الله عليه ، فقال : بلى يا رسول الله.

فقال : ان من اشراط القيامة اضاعة الصلوات ، واتباع الشهوات ، والميل مع الاهواء ، وتعظيم أصحاب المال ، وبيع الدين بالدنيا.

وساق الكلام عليه وآله السلام الى أن قال : يا سلمان ان عندها تزخرف المساجد ، كما تزخرف البيع والكنائس ، وتحلى المصاحف ، وتطول المنارات وتكثر الصفوف بقلوب متباغضة وألسن مختلفة.

قال سلمان : وان هذا لكائن يا رسول الله؟

قال : اي والذي نفسي بيده يا سلمان ، وعندها تحلى ذكور امتي بالذهب ، ويلبسون الحرير والديباج الحديث وطوله (١).

__________________

(١) تفسير القمى ٢ / ٣٠٥.

٤١١

وظاهره يفيد تحريم تحليلة المصاحف ، لا بخصوص الذهب ، بل به وبغيره من الفضة وغيرها كما يفيد تحريم تحلي الرجال بالذهب ولباس الحرير والديباج

تنبيه :

قوله في الحديث السابق ذكره « حرم لباس الحرير والذهب على ذكور امتي » يفيد أن تحريمه مختص بهذه الامة ، ولم يكن حراما على الامم السالفة.

ويؤيده ما في الكافي بسند ضعيف عن العباس بن هلال الشامي مولى أبي الحسن عليه‌السلام قال قلت له : جعلت فداك ما أعجب الى الناس من يأكل الجشب ويلبس الخشن ويتخشع.

فقال : أما علمت أن يوسف عليه‌السلام نبي ابن نبي كان يلبس أقبية الديباج مزرورة بالذهب ، ويجلس في مجالس آل فرعون يحكم ، فلم يحتج الناس الى لباسه وانما احتاجوا الى قسطه ، وانما يحتاج الى الامام في أن إذا قال صدق ، وإذا وعد أنجز ، وإذا حكم عدل ، ان الله لم يحرم طعاما ولا شرابا من حلال دائما ، وانما حرم الحرام قل أو كثر ، وقد قال جل وعز « مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ » (١).

فصل

[ حكم تحلية الدواب بالذهب والفضة ]

هذا ما ورد في لباس الانسان وأما ما ورد في آلات الدواب والحيوان.

__________________

(١) فروع الكافي ٦ / ٤٥٣ ـ ٤٥٤.

٤١٢

فمنه ما في الكافي في الصحيح (١) عن علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن عليه‌السلام قال : سألته عن السرج واللجام فيه الفضة أيركب به؟ فقال : ان كان مموها لا يقدر على نزعه فلا بأس ، والا فلا يركب به (٢).

وهذا بظاهره يعم المالك إذا اشتراه كذلك ، أو فعل حراما وصنع ذلك ، فبعد ذلك يدخل تحت الحكم فتأمل ولا فرق بين القليل والكثير ، وما يحصل منه شي‌ء ما يعرض على النار وغيره ، الا أن يقال : عدم القدرة على نزعه دليل قلته ورقة قوامه بأن يكون مطلا بماء الفضة ، كما يدل عليه قوله « مموها » لأن الميه عبارة عن طلاء السيف وغيره بماء الذهب ، كما في القاموس (٣).

وقال العلامة في التذكرة في بحث الأواني : المموهة ان كان يحصل منه شي‌ء بالعرض على النار حرم والا فاشكال.

وفي الكافي في ضعيفة مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كانت برة ناقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من فضة (٤).

والمراد بالبرة حلقة يجعل في لحم الانف ، ولكن ضعفه يمنع من العمل بمضمونه ، الا أن يقال : الأصل إباحة أمثال ذلك حتى يرد فيه نهي ولم يرد ، فيكون ورود هذا ونحوه مؤكد للإباحة الأصلية ، هذا ما ورد في السرج واللجام اللذين فيهما الفضة.

وأما ما فيه الذهب ، فلم أقف فيه على نهي ، والأصل قولهم عليهم‌السلام « كل شي‌ء مطلق حتى يرد فيه نهي » يقتضي الإباحة وجواز الركوب به.

__________________

(١) السند هكذا : محمد بن يحيى عن العمركى بن على عن على بن جعفر « منه ».

(٢) فروع الكافي ٦ / ٥٤١ ، ح ٣.

(٣) القاموس ٤ / ٢٩٣.

(٤) فروع الكافي ٦ / ٥٤٢.

٤١٣

ويستفاد منه أن تعليلهم تحريم اتخاذ الأواني من الذهب والفضة وسيأتي بالفخر والخيلاء وكسر قلوب الفقراء وما فيه من السرف وتعطيل المال عليل ، فان اتخاذ سرج الذهب ولجامه في ايراث ذلك كله أشد وأكثر منه في الفضة بمراتب ، فكان ينبغي أن يكون الامر على خلاف ذلك ، والظاهر أنه تعبد.

اللهم الا أن يقال : تحريم السرج واللجام المتلبسين بالذهب بطريق أولى أو يقال : ان ذلك اللباس بمنزلة الظرف والانية لذلك الشي‌ء الذي هو فيه ، كما يرشد إليه مضمون صحيحة ابن بزيع ، فيكون استعمالهما لذلك محرما ، فتأمل.

فصل

[ حكم تحلية السيوف والمصاحف وغيرهما بالذهب والفضة ]

يجوز تحلية السيوف والمصاحف بالذهب والفضة ، لأصالة الجواز والاباحة وضعيفة داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ليس بتحلية المصاحف والسيوف بالذهب والفضة بأس (١).

وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ليس بتحلية السيف بأس بالذهب والفضة (٢).

وضعيفة النوفلي عن السكوني عنه عليه‌السلام قال : كان نعل سيف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقائمته فضة ، وكان بين ذلك حلق من فضة ، ولبست درع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فكنت أسحبها وفيها ثلاث حلقات فضة من بين يديها وثنتان من خلفها (٣).

__________________

(١) فروع الكافي ٦ / ٤٧٥ ، ح ٧.

(٢) فروع الكافي ٦ / ٤٧٥ ، ح ٥.

(٣) فروع الكافي ٦ / ٤٧٥ ، ح ٤.

٤١٤

وضعيفة حاتم بن اسماعيل عنه أيضا : ان حلية سيف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كانت فضة كلها قائمه وقباعه (١).

وقال في الذكرى بعد ذكر تحلية السيوف والمصاحف بالذهب : ويرجح الجواز. وفي التذكرة : ويحرم ان انفصل منه شي‌ء بالنار (٢).

وفي رواية محمد بن الوراق أنه عرض على الصادق عليه‌السلام قرآنا معشرا بالذهب وفي آخره سورة مكتوبة بالذهب ، فلم يعب سوى كتابة القرآن بالذهب وقال : لا يعجبني أن يكتب القرآن الا بالسواد كما كتب أول مرة (٣).

وفي الدروس لا بأس بقبيعة السيف ونعله من الفضة وضبه وحلقة القصعة ، وتحلية المرأة بها. وروى جواز تحلية السيف والمصحف بالذهب والفضة ، والاقرب تحريم المكحلة منهما وظرف الغالية ، أما المبل فلا (٤).

أقول : وفي الكافي في رواية ضعيفة عن الفضيل بن يسار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن السرير فيه الذهب أيصلح امساكه في البيت؟ فقال : ان كان ذهبا فلا ، وان كان ماء الذهب فلا بأس (٥).

وهذه تدل على أن السرير إذا كان وتده أو شي‌ء منه ذهبا لا يجوز امساكه ، بل يجب كسره وافناؤه ، ولعله للاسراف وتعطيل المال.

وفي صحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه‌السلام ان العباسي (٦) حين عذر عمل له قضيب ملبس من فضة من نحو ما يعمل للصبيان تكون فضة نحوا

__________________

(١) فروع الكافي ٦ / ٤٧٥ ، ح ٦.

(٢) الذكرى ص ١٨.

(٣) اصول الكافي ٢ / ٦٢٩ ، ح ٨.

(٤) الدروس ص ١٨.

(٥) فروع الكافي ٦ / ٤٧٦ ، ح ١٠.

(٦) فى الكافي : العباس.

٤١٥

من عشرة دراهم ، فأمر به أبو الحسن عليه‌السلام فكسر (١).

المراد بالعباسي هشام بن ابراهيم البغدادي ويقال له المشرقي أيضا ، وليس هو من ولد العباس ، بل هو من الشيعة ، وانما سمي عباسيا لأنه لما طلبه هارون كتب كتب الزيدية وكتب اثبات إمامة العباس ، ثم دس الى من يغمز به واختفى واطلع هارون على كتبه ، فقال : هذا عباسي فآمنه وخلى سبيله ، وهو من أصحاب الرضا عليه‌السلام ويروي عنه ، وأدرك زمن الكاظم عليه‌السلام أيضا.

وفي عيون أخبار الرضا عليه‌السلام في حديث طويل عن محمد بن اسماعيل بن بزيع ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : وسألته عن آنية الذهب والفضة فكرهها ، فقلت له : قد روى بعض أصحابنا أنه كانت لأبي الحسن موسى عليه‌السلام مرآت ملبسة فضة ، فقال : لا بحمد الله انما كانت لها حلقة فضة وهي عندي الآن ، وقال : إن العباس يعني أخاه حين عذر عمل له عود ملبس فضة من نحو ما يعمل للصبيان تكون فضته نحو عشرة دراهم ، فأمر به أبو الحسن عليه‌السلام فكسر (٢).

أقول : والصحيح هذا والعباسي اشتباه من النساخ ، ولكنه مذكور في الكافي وغيره.

هذا والاعذار الختان ، يقال : عذرته وأعذرته فهو معذور ومعذر ، ومنه الحديث « ولد رسول الله معذورا مسرورا » (٣) أي : مختونا مقطوع السرة.

والقضب القطع. وفي مقتل الحسين عليه‌السلام « فجعل ابن زياد يقرع فمه بالقضيب » أراد بالقضيب السيف اللطيف الدقيق وقيل : أراد به العود ، كذا

__________________

(١) فروع الكافي ٦ / ٢٦٧ ، ح ٢.

(٢) عيون أخبار الرضا ٢ / ١٩.

(٣) نهاية ابن الاثير ٣ / ١٩٦.

٤١٦

في نهاية ابن الاثير (١).

وهذا الاخير هو المشهور بين أصحابنا والمراد به هنا لا الأول.

وهذا الحديث يفيد تحريم اتخاذه وصنعته واستعماله ، وانه غير مضمون على الكاسر أرشه ، اذ لا حرمة ولا قدر له ولا أجر لعمله ، لأنه لو كان له قدر ولعمله أجر يوجب كسره أرشا ، أو كان مما يحل استعماله لما أمر بكسره واضاعته ، لأنه اتلاف واسراف ، والمعصوم بري‌ء من الامر بما يوجب الاتلاف والاسراف.

والظاهر أنه كان من باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بالنسبة الى من عمل ذلك ، أو بالنظر الى الولي لا بالنسبة الى الصبي المختون فانه غير مكلف.

وانما كان ذلك منكرا والامر بكسره معروفا لما فيه من الخيلاء وكسر قلوب الفقراء وتعطيل المال ، وارادة العلو في الارض ، وطلب الرئاسة المهلكة ، وميل قلوب الناس اليه وتعظيمهم لديه ، فكل ما هذا شأنه ومنه ما تعارف في أبناء هذه الازمان من عملهم للغليان ما يسمونه كرنائيا من الذهب والفضة فهو حرام اتخاذه واستعماله ، وربما شبكه بعضهم ظنا منه أنه يخرجه من ان يصدق عليه اسم الاناء ، وهذا منه خيال فاسد ، وظن كاسد لا وجه له ، بل هذا يزيده زينة وميلا للقلوب.

مع أن الظاهر من هذا الخبر أن تحريم ذلك غير منوط بصدق اسم الاناء عليه ، لأن من الظاهر أن القضيب لا يطلق عليه الاناء لا لغة ولا عرفا ولا شرعا ، ومع ذلك أمر عليه‌السلام بكسره الدال على غاية قباحته وشناعته ، حتى كأنه مما لا يجوز ابقاؤه بل يجب افناؤه ، كآلات اللهو واللعب وأمثالها.

ويشير اليه قول صاحب الذكرى : يصح بيع هذه الانية ـ أي : آنية الذهب

__________________

(١) نهاية ابن الاثير ٤ / ٧٦.

٤١٧

أو الفضة ـ وعلى المشتري سبكها (١).

فقول صاحب المدارك : وفي جواز اتخاذ المكحلة وظرف الغالية من ذلك تردد ، منشأه الشك في اطلاق اسم الاناء حقيقة ، وكذا الكلام في تحلية المشاهد والمساجد بالقناديل من الذهب والفضة (٢). محل تأمل ، على أن ما ذكره يصدق عليه اسم الاناء حقيقة ، لأن المراد به ظرف الشي‌ء وما يستقر هو فيه ، كما صرح به أهل اللغة.

قال صاحب كنز اللغة : اناء چيزى كه در او چيزى كنند ، مثل كوزه وكاسه وامثال آن. والظرف يقال لمطلق الوعاء ، كما في القاموس (٣).

فظرف الغالية وكذا المكحلة يدخل تحت قوله « وامثال آن » ويكون اناء من غير تردد ، ولأنه ظرف للكحل والغالية ، فيدخل في التعريف (٤). وكذا الكلام في القناديل.

ولذلك قال الشهيد في الذكرى : الاقرب تحريم المكحلة منهما وظرف

__________________

(١) الذكرى ص ١٨.

(٢) المدارك ٢ / ٣٨١ ـ ٣٨٢.

(٣) القاموس ٣ / ١٧٠.

(٤) فان قلت : ظاهر حسنة ابن سنان قال قلت لابى عبد الله عليه‌السلام الرجل يكون لى عليه الدراهم فيعطيني المكحلة ، فقال : الفضة بالفضة ، وما كان من كحل فهو دين عليه حتى يرده عليك يوم القيمة. يفيد اباحة مكحلة فضة ، لأنه عليه‌السلام لم يمنعه من أخذها عوضا عن دراهمه ، بل أجازه وقرره عليه.

قلت لا كلام فى جواز المعاملة بآنية الذهب والفضة واشترائها كما سبق آنفا فى كلام الشهيد ، ولا نسلم أن مفاده ما ذكرت ، بل غاية ما دل عليه جواز تعويض الدراهم المأخوذة بها ، وهذا لا يستلزم جواز استعمالها ، فلعله أخذها ارادة أن يجعلها مسبوكا أو مسكوكا ، ومع قيام الاحتمال يسقط الاستدلال « منه ».

٤١٨

الغالية ، وان كانتا ظرفا بقدر الضبة (١) ، لصدق الاناء عليه (٢).

والمراد بالضبة ما به يصلح موضع الكسر من قصعة حديدة ونحوها ، وهذه بخصوصها مستثناة في الحديث ، قال الصادق عليه‌السلام حين سئل في القدح ضبة : لا بأس (٣).

ومن الظاهر أن المراد مجرد الصلاحية ، وامكان أن يكون ظرف لشي‌ء ، لا ما هو ظرف له بالفعل ، والالزم أن لا تكون الكوزة المقلوبة إناء.

وعلى هذا فالكرنائيات كلها داخلة تحت تعريف الاناء ، صالحة لأن تكون ظروفا لبعض الاشياء ، كالكوزة المقلوبة والقصعة المنكوسة ، وكيف لا يصدق على مثل ما ذكره إناء حقيقة.

وصحيحة ابن بزيع صريحة في اطلاق الاناء حقيقة على المرآة ، حيث قال : سألت الرضا عليه‌السلام عن آنية الذهب والفضة فكرهها ، فقلت : روى بعض أصحابنا أنه كان لابي الحسن عليه‌السلام مرآة ملبسة فضة ، فقال : لا والله انما كانت لها حلقة من فضة هي عندي (٤).

ويفهم منه تحريم استعمال مرآة ملبسة من فضة وهو طاهر ، وجواز اتخاذ حلقة من فضة للقصعة ونحوها. وهذه بخصوصها منصوصة. روي أن حلقة قصعة النبي وقبيعة سيفه كانتا فضة (٥). والمراد بقبيعة السيف ما على ظرف مقبضه.

__________________

(١) الضبة بفتح الضاد المعجمة وتشديد الباء الموحدة ، تطلق فى الأصل على حديدة عريضة تستمر في الباب ، والمراد بها هنا صفحة رقيقة من الفضة مستمرة فى القدح من الخشب ونحوها ، اما لمحض الزينة أو لجبر كسره « منه ».

(٢) الذكرى ص ١٨.

(٣) تهذيب الأحكام ٩ / ٩١.

(٤) فروع الكافي ٦ / ٢٦٧.

(٥) فروع الكافي ٦ / ٤٧٥.

٤١٩

واعلم أنه قال في الرسالة الجعفرية وشرحها : تجوز تحلية المرآة وتزئينها بالفضة ، لأن الكاظم عليه‌السلام كانت له مرآة كذلك. ومثله ما في الذكرى.

ولم أجد له مأخذا ، بل ظاهر صحيحة ابن بزيع ينافره ، فتأمل ، فإذا صدق اسم الاناء على المرآة ، حيث جعلها مادة النقض لكراهة استعمال آنية الذهب والفضة وهذا انما يصح إذا صدق عليها الاناء حقيقة ، والا فلا يتحقق النقض.

ويؤكده تقرير الامام عليه‌السلام له عليه ، حيث سلم كونها من الاواني ، ومادة النقض على تقدير كونها ملبسة فضة ، لكنه نفى ذلك عنها وأكده بالقسم ، وهذا يدل على غاية جده في نفيه عن والده الماجد عليه‌السلام ولعله كان لشدة قباحته وحرمته فصدقه على ما ذكره أولى.

على أنك قد عرفت أن ما حرم استعماله من ذلك غير مقصور على الاناء فقصر الحكم عليه ، كما يستفاد من قول صاحب المدارك : الاقرب عدم تحريم اتخاذ غير الاواني من الذهب والفضة ، إذا كان فيه غرض صحيح ، كالميل ، والصفائح في قائم السيف ، وربط الاسنان بالذهب واتخاذ الانف (١). محل تأمل.

وأي فرق بين القضيب الملبس من الفضة ، وبين الميل والصفائح المتخذين منها ، حتى يكون في أحدهما غرض صحيح يصح اتخاذه واستعماله دون الاخر فان كلا منهما في ايراث الخيلاء وكسر قلوب الفقراء وتعطيل المال مثل الاخر ، وكما يتصور في أحدهما غرض ما صحيح ، كذلك يتصور مثله في الاخر.

بل نقول : مقتضى الاحتياط عدم جواز اتخاذ الخلال من الذهب والفضة ، وعدم جواز استعماله ، هذا ولعل غرضه عليه‌السلام من التعرض لبيان مقدار الفضة وقلته وبيان قصر القضيب وحقارة مقداره ، حيث قال : من نحو ما يعمل للصبيان. هو الاشارة الى تحريم اتخاذ مثل ذلك واستعماله ، وان كانت الفضة المعمولة فيه

__________________

(١) المدارك ٢ / ٣٨١.

٤٢٠