الرسائل الفقهيّة - ج ٢

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي

الرسائل الفقهيّة - ج ٢

المؤلف:

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

في اليوم الذي بعده ، اذا كانت بعد الزوال ، بزعم معلومية هذا التفصيل لشيوعه في هذا الزمان ، أو لخصوص الراوي ، مثل الاحتمال الاول في كونه في غاية البعد الذي لا ينساق الى الاذهان مع مزيد ، وهو أنه يحتاج الى حمل قوله « فصم » على عموم المجاز ، لانه عند رؤية الهلال بعد الزوال وفي الليل وقبل الزوال على هذا القول اذا لم يأكل يجب الصوم الحقيقي ، وعند رؤيته قبل الزوال المسبوق بالاكل يجب الامساك لا الصوم الحقيقي.

وأما على تقدير الحمل على الرؤية الشائعة التي هي الرؤية بعد الزوال على الرؤية مطلقا ، وحمل الصوم والفطر على الصوم والفطر الشائعين اللذين يكونان في اليوم اللاحق ، فلا يشتمل على تكلف أصلا.

وما ذكره رحمه‌الله من أن وقت النية يستمر للمعذور الى الزوال فهو كذلك ، لكن ما يدل عليه انما يدل فيما ثبت كونه يوم صوم ، فان ثبت كون هذا اليوم يوم صوم بدليل آخر ، يمكن القول بجواز النية حين رؤية الهلال ، لظهور كونه يوم صوم حينئذ ، فكان نية المكلف وجوب الصوم قبل هذا متعذرة ، فيندرج حينئذ في عموم ما يدل على جواز النية حينئذ.

وأما اثبات كون هذا اليوم يوم صوم بدليل يدل على جواز النية الى هذا الوقت فيما علم كونه يوم صوم ، فلا وجه له.

وبالجملة ذكر أمثال هذين الاحتمالين في الاخبار ان صح ، فانما يصح بعنوان الاحتمال في رواية تعارض الدليل القوي التام ، لو لم يذكر واما ذكرها للاستدلال على أمر خارج عن القانون ، ونقل الاستدلال بعموم الاخبار على عدم اعتبار الرؤية قبل الزوال عن الحر العاملي في سنة كانت هذه المسألة دائرة في الالسنة ، حتى نقل أنه يقول : ان هنا ثمانون حديثا على عدم الاعتبار ، ولم ينقل عنه وجه الدلالة.

٣٨١

ويمكن تقريبه بأن الامر بالصيام في مثل قوله عليه‌السلام « اذا رأيت الهلال فصم واذا رأيته فافطر » اما محمول على رؤيته قبل الزوال بخصوصه ، أو بعده بخصوصه ، أو الاعم ، والتقييد خلاف الاصل ، فالظاهر الاطلاق ، وظاهر أن الامر بالصيام والافطار عند رؤية الهلال بعد الزوال هو الامر بها في اليوم الاتي.

فينبغي أن يحمل وجوب أحدهما عند رؤيته قبل الزوال أيضا بكونه في اليوم الاتي ، لئلا يصير كلامهم عليهم‌السلام بعيدا عن الافادة كالالغاز ، فيكون الاستدلال على عدم الاعتبار ، هذا التقريب له وجه لا يبعد ذكره وان كان ضعيفا في نفسه ، لاحتمال ارادة الافراد الشائعة من الرؤية ، وهي رؤيته بعد الزوال ويكون غيرها مسكوتا عنه.

أقول : لا يبعد أن يكون محمولا على الرؤية المعتبرة في دخول الشهر شرعا ، وقد عرفت أن زمان دخوله من حين الغروب ، فيكون المراد بتلك الرؤية هو الرؤية المتعارفة التي تكون بالليل ، فلا تشمل أخبارها الرؤية النهار ، كما صرح بذلك الفاضل الاردبيلي في شرح الارشاد.

ويؤيده ما سبق أن فزع المسلمين من وقت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن بعده الى زماننا هذا في تعرف دخول الشهر الى معاينة الهلال ورؤيته انما كان في ليلة يحتمل فيها الرؤية ، وهي ليلة الثلاثين لا في نهارها قبل الزوال.

فاذا قيل : اذا رأيت الهلال فصم واذا رأيته فافطر ، فانما يتبادر منه الى الاذهان هذه الرؤية المعروفة عند أهل الدين المعلومة عند كافة المسلمين ، أي : اذا رأيت الهلال في ليلة الثلاثين من شعبان فصم في نهارها ، واذا رأيته في ليلة الثلاثين من رمضان فافطر في نهارها.

هذا هو الرؤية المتعارفة المتبادرة المفهومة من أمثال هذا الحديث ، وهي ثمانون حديثا على ما سبق عن الحر العاملي رحمه‌الله ، واليها أشار الشيخ الطوسي رحمه‌الله فيما سبق نقله عنه بقوله : هذان الخبران لا يصح الاعتراض بهما على ظاهر

٣٨٢

القرآن والاخبار المتواترة.

ولا شك أن الظاهر منهما هو هذا كما افاده رحمه‌الله ، لا ما قد يتفق في نهار الثلاثين قبل الزوال أو بعده ، الا أن يراد ببعد الزوال هذا الفرد بخصوصه ، بناء على أن اطلاق المطلق ينصرف الى الفرد الشائع المتبادر ، كالوجود حيث اطلق فان المتبادر منه الخارجي لشيوعه فيه ، كما صرحوا به.

ولذلك قال قدس‌سره متصلا بما سبق : والداعي الى التقييد ببعد الزوال هو الشيوع والتبادر ، وحينئذ لا بعد في هذا التقييد ، بل الحق أنه اذا كان التقييد في أمر متبادر بقرينة ، وان كانت هي شيوع مطلق في مقيد ، فحمله على العموم والاطلاق خلاف الظاهر ، الا حمله على المقيد ، فظهر بما ذكرته ضعف الاستدلال بعموم الاخبار على الاعتبار وعدمه ، وان كان الاستدلال على الاعتبار أضعف.

أقول : قد سبق منا ما فيه كفاية ، فلا نعيده فارجع اليه ، والى الله المرجع والمآل ، والحمد لله على كل حال ، وصلى الله على رسوله وآله خير آل.

وتم استنساخ وتصحيح هذه الرسالة في (١٠) شعبان المعظم سنة (١٤١١) هـ ق في بلدة قم المقدسة على يد العبد السيد مهدي الرجائي عفي عنه.

٣٨٣
٣٨٤

سلسلة آثار المحقق الخاجوئى

(٦١)

الرسالة

الذهبية

للعلّامة المحقّق العارف

محمّد اسماعيل بن الحسين بن محمّد رضا المازندرانى الخاجوئي

المتوفّى سنة ١١٧٣ ه‍ ق

تحقيق

السّيّد مهدى الرّجائي

٣٨٥
٣٨٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله الذي جعل لباس الذهب زينة لنا في الدار الآخرة ، وحرم علينا في هذه الحياة الدنيا ، لحكمة (١) هي علينا ساترة (٢) ، وذلك على لسان نبيه وآله عليهم منا صلوات وافرة.

وبعد : فقد سألني بعض اخواني في الدين ، ورفقائي في الطريق اليقين ، وفقه لما يحب ويرضى ، عن جواز لبس الذهب واللباس المذهب والصلاة فيه وعدمه ، فأجبته بما حضرني وقت السؤال.

فالتمس مني الإشارة الى مأخذ الحكم ومدركه ، وما عليه أصحابنا في المقامين :

__________________

(١) يمكن أن يقال : ان الحكمة في تحريمه أمران : داخلى وخارجى ، لانه يورث الفخر والخيلاء وكسر قلوب الفقراء ، وتلتذ به النفس ، فتغتر بزخارف الدنيا وحطامها ، فتغفل باشتغالها بتحصيله وجمعه وترتيبه عن المبدإ والمعاد ، فتحسر يوم يناد المناد والأظهر أنه تعبد وامتحن الله به العباد « منه ».

(٢) الساترة هنا بمعنى المستورة ، كما فى قولهم المقدمة الفائتة فانها بمعنى المفوتة « منه ».

٣٨٧

فبادرت اليه امتثالا لامره ، لكونه أهلا له أعانه الله للدارين ، قائلا ما قاله بعض الشعراء :

يشمر بالامر غير مقدور

لاجل الأمر والمأمور معذور

فألفت هذه الرسالة الموسومة بـ « الذهبية » أهديتها لتلك الحضرة العلية ، فان وافق المسؤول فهو المأمول ، والا فهو باصلاح الفساد أولى وترويج الكساد أحرى.

فأقول ، وأنا العبد الآنس بمولاه الجليل محمد بن الحسين بن محمد رضا المشتهر باسماعيل ، وقاه الله من الخطأ والزلل كائنا ما كان منهما في القول والعمل :

لا خلاف في حرمة لبس الذهب على ما صرح به بعض (١) المتأخرين جزاهم الله من الدين وأهل الدين ، وهل تقبل الصلاة فيه؟ خلاف.

وأكثر كتب متأخري أصحابنا في ابواب لباس المصلي خلو عن التعرض لذكره نفيا واثباتا ، ولا القدماء منهم ، فكان دأبهم في بيان الأحكام الشرعية في كل باب من أبوابها الاقتصار على ايراد الأخبار تدل على حكم مذكور فيه.

فظاهرهم حيث أوردوا تلك الأخبار في أبوابها ، مع ضمانهم في صدر كتبهم صحة ما اشتملت عليه ، وانه حجة بينهم وبين ربهم ، يفيد بطلان الصلاة فيه ، فهو الأجود والأظهر بظاهر الأخبار المستفيضة.

ولذلك اعتبر صاحب الرسالة الجعفرية (٢) في لباس المصلي إذا كان رجلا أو خنثى أن لا يكون ذهبا ، ولو كان خاتما ولا مموها به ، لصدق اسم الذهب عليه

__________________

(١) المراد بهذا البعض مولانا المجلسى قدس‌سره في شرحه على الفقيه « منه »

(٢) عبارته فى رسالته هكذا : ويعتبر في الساتر أن لا يكون ذهبا للرجل والخنثى ولو خاتما مموها « منه ».

٣٨٨

لأن المراد به أن يجعل على ظاهره شيئا من الذهب ، بأن يطلي الثوب أو الخاتم به.

واستدل الشارح عليه بما رواه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : حرام لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي واحل لاناثهم (١) وقد اشار الى هذا الحديث في الذكرى في مواضع منها ، منها قوله : هل ضبة الذهب كالفضة؟ يمكن ذلك كاصل للاناء والمنع لقوله عليه‌السلام في الذهب والحرير : هذان محرمان على ذكور أمتي (٢). ويحتمل المغايرة ولا يضر بل ينفع كما لا يخفى.

أقول : وهذا على اطلاقه يعم حالة الصلاة وغيرها ، والمكلف وغيره ، والثوب والخاتم وغيرهما ، لأن اللباس بمعنى ما يلبس ، كما صرح به في القاموس (٣) ، فيعم ما ذكرنا ، فكما يقال لبس الثوب يقال لبس الخاتم.

والذكر يعم الرجل والصبي ، فيكون النهي متوجها الى وليه لا اليه. وبهذا وهو قوله عليه‌السلام « حرام على ذكورامتي » استدل بعض أصحابنا على تحريم تمكين الولي الصبي من لبس الحرير.

أقول : وهذا مشترك بينه وبين الذهب ، ولكنه مخصص بما رواه في الكافي في الصحيح عن أبي الصباح ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الذهب يحلى به الصبيان ، فقال : كان علي بن الحسين عليهما‌السلام يحلى ولده ونساءه بالذهب والفضة (٤) وبما فيه أيضا في الصحيح عن داود بن سرحان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الذهب يحلى به الصبيان ، فقال : انه كان أبي ليحلي ولده ونساءه بالذهب

__________________

(١) كنز العمال ١٥ / ٣١٩ ، ح ٤١٢١٠.

(٢) الذكرى ص ١٨.

(٣) القاموس ٢ / ٢٤٨.

(٤) فروع الكافي ٦ / ٤٧٥ ، ح ١.

٣٨٩

والفضة فلا بأس به (١).

ولذلك قال في الدروس : يجوز تحلية الصبيان والنساء بالذهب ، نعم في جواز تمكين الولي الصبي في لبس الحرير خلاف ، كما أومأنا اليه ، والأقوى جوازه ، ولنا رسالة حريرية (٢) فصلنا فيه القول في أحكام الحرير ، فيطلب من هناك.

ثم أنت خبير بأن مفهوم هذه الأخبار الصحيحة وما شاكلها ، كصحيحة محمد ابن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن حلية النساء بالذهب والفضة ، فقال : لا بأس به (٣).

وما في السرائر عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن الرجل يحلي أهله بالذهب ، قال : نعم النساء والجواري ، فأما الغلمان فلا.

يدل على عدم جواز تحلي الرجال بالذهب مطلقا ، لأن سؤالهم عن خصوص جواز تحلية الصبيان والنسوان بالذهب يدل على أن تحريم تحلي الرجال به كان فيهم أمر شائعا ذائعا مشهورا معروفا ، فأغنيا عن السؤال عنه والتخصيص في مقام الجواب بأنهم عليهم‌السلام كانوا يحلون الولدان والنسوان به يدل عليه ، فبهذه الأخبار الصحيحة أيضا يمكن أن يستدل على ما نحن بصدده أيضا ، فتأمل.

فانها دلت بمفهومها على تحريم ما يصاغ من الذهب على الرجال ، لأن الحلي اسم لكل ما يتزين به من مصاغ الذهب والفضة ، كما صرح به ابن الأثير في النهاية (٤) وسيأتي ، فيلزم منه تحريم خاتم الذهب ونحوه من السوار والخلخال

__________________

(١) فروع الكافي ٦ / ٤٧٥ ، ح ٢.

(٢) طبعت تحت رقم (٢٣) من سلسلة آثار المؤلف.

(٣) فروع الكافي ٦ / ٤٧٥ ، ح ٣.

(٤) نهاية ابن الأثير ١ / ٤٣٥.

٣٩٠

وما يصاغ للسلاطين من اكليل وما يسمونه بالفارسية حقبه ، ومثل التكمة كل ذلك على الرجال.

ويدل على هذا التعميم ما رواه البيضاوي في أوائل التفسير المشهور عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث قال : روى أنه عليه‌السلام أخذ حريرا وذهبا بيده ، فقال : هذان حرامان على ذكور امتي حل لاناثها (١).

ومما قدمناه يظهر ضعف ما أفاده صاحب البحار قدس‌سره في بعض حواشيه على فروع الكافي المعلق على ما رواه عن محمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن يحيى ، عن منصور بن حازم ـ فالسند معتبر كالصحيح ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن التعويذ يعلق على الحائض ، فقال : نعم إذا كان في جلد أو فضة أو قصبة حديد (٢). بقوله : ويظهر منه عدم حرمة استعمال مثل هذه الظروف من الفضة التي لا تسمى آنية ولا ظرفا عرفا (٣).

وذلك لأن هذا داخل في الحلي المسوغ لتحلية النسوان والصبيان به كما مر فعدم تحريم الاستعمال مثل ذلك من الذهب والفضة عليلين مما لا كلام فيه ، وانما الكلام في تحريم استعماله على الرجال المكلفين من امته صلى‌الله‌عليه‌وآله.

هذا ومما حررناه فلا يرد أن هذه الأشياء ليست بساترة للعورة ، فلا تبطل الصلاة فيها ، لأن تحريم لبسها على الرجال بخصوصها مستفاد أو مصرح به في الأخبار ، ولا يخفى ، ولعلهم لذلك منعوا جواز لبسه في الصلاة وغيرها ، كما سبقت اليه الإشارة.

واعلم أنه لا دليل لهم على تحريم لبس الذهب وكذا التحرير على الخنثى

__________________

(١) كنز العمال ١٥ / ٣١٨.

(٢) فروع الكافي ٣ / ١٠٦ ، ح ٤.

(٣) مرآة العقول ١٣ / ٢٥١.

٣٩١

سوى الاحتياط ، وهو ليس من الأدلة الشرعية ، الا أنهم أخذوا به لما فيه من براءة الذمة يقينا بعد شغلها كذلك ، وهو طريق أنيق حسن مستقيم مسلوك للاخيار الأبرار ينبغي سلوكه ، ولا سيما في هذه الأزمان المفقودة فيه المجتهد ظاهر.

لأن الذمة لما كانت مشغولة بالعبادة يقينا ، وكان تحصيل اليقين ببراءتها عن هذه الشغل موقوفا على ذلك الاحتياط ، فلا بعد في القول بوجوبه. الا أن يقال : تحصيل اليقين بالبراءة غير واجب ، بل يكفي مجرد إذن بها ، وفيه شي‌ء تأمل.

فان قلت : حكمهم هذا منقوض بما رواه أخطب خوارزم في الفصل السابع عشر في بيان ما أنزل الله من الآيات في شأن سيدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه بقوله :

أخبرنا الإمام الى قوله فقال لهم النبي انما وليكم الله ورسوله الى قوله وهم راكعون ، ثم ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خرج الى المسجد والناس بين قائم وراكع ، فبصر بسائل فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : هل أعطاك أحد شيئا؟ فقال : نعم خاتما من الذهب ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أعطاك؟ فقال : ذلك القائم وأومى بيده الى علي عليه‌السلام فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : على أي حال أعطاك؟ فقال : أعطاني وهو راكع ، فكبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قرأ « وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ » (١).

قلت : قال الفاضل الأردبيلي رحمه‌الله في حاشيته على آيات أحكامه متعلقة بهذا الحديث : لعل الذهب زيادته غلطا من الراوي ، أو من الناسخ ، أو من السائل ، ولهذا ما وجد في غيره ، بل الموجود الفضة في مجمع البيان في هذه الرواية. ويحتمل أن يكون عنده عليه‌السلام غير لابس له ، أو صار ذهبا لما أعطاه السائل.

أقول : ويحتمل أن يكون وقوع هذه الواقعة قبل تحريم لبس الذهب ، فانه

__________________

(١) المناقب للخوارزمي ص ١٨٦.

٣٩٢

كان حلالا في أوائل الإسلام ، وكان يجوز التختم بالذهب.

كما يدل عليه في الكافي عن ابن القداح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تختم في يساره بخاتم من ذهب ، ثم خرج على الناس ، فطفق الناس ينظرون اليه ، فوضع يده اليمنى على خنصره اليسرى حتى رجع الى البيت فرمى به فما لبسه (١).

وعلى هذا فلا حاجة الى هذه الاحتمالات البعيدة ، ولا سيما احتمال كونه عنده عليه‌السلام غير لابس له ، فانه نقل أنه عليه‌السلام حين سأله سائل وهو راكع في صلاته فأومى اليه بخنصره اليمنى ، فأخذ السائل الخاتم من خنصره.

ويؤيد كونه من الذهب أنه كان من غنائم دار الحرب ، قتل علي عليه‌السلام واحد من أبطال المشركين ونزع الخاتم من اصبعه ، وجاء به الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأعطاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

كما روي عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : ان الخاتم الذي تصدق به أمير المؤمنين عليه‌السلام وزن حلقته أربعة مثاقيل فضة ، ووزن فضته خمسة مثاقيل ، وهي ياقوتة حمراء قيمة خراج الشام ، وخراج الشام ستمائة حمل فضة وأربعة أحمال من الذهب.

دولتوق بن الحران قتله أمير المؤمنين عليه‌السلام وأخذ الخاتم من اصبعه ، وأتى به الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من جملة الغنائم ، فأعطاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجعله في اصبعه صلوات الله عليه.

ولعله رحمه‌الله فهم من قوله « وزن حلقته أربعة مثاقيل فضة » أن حلقته كانت فضة ، ولا دلالة له عليه كما لا دلالة في قوله « ووزن فضته خمسة مثاقيل » عليه ، بل المراد أن حلقته بهذا الوزن وهذا المقدار ولا أنها كانت فضة أو ذهبا ، فلا دلالة عليه.

__________________

(١) فروع الكافي ٦ / ٤٧٦ ، ح ٩.

٣٩٣

على أنا نقول : كما يحتمل أن يكون الذهب زيادة غلطا من أحد الثلاثة ، يحتمل أن تكون الفضة كذلك ، تأمل.

هذا وفي الكافي بسند مجهول عن جراح المدائني عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لا تجعل في يدك خاتما من ذهب (١).

وانما حكمنا بكونه مجهول السند تبعا للمشهور ، والا فهو حسن سنده عند التحقيق ، وهو في الكافي هكذا : أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر ابن سويد ، عن القاسم بن سليمان ، عن جراح المدائني.

وذلك ان ابن سليمان هذا والمدائني ذاك إماميان لا قدح فيهما ، ولكل كتاب يرويه عنه جماعة ، منهم النضر بن سويد.

وقد قال بعض مهرة الفن : ان من المدح كون الرجل صاحب كتاب في الأمور الدينية وما قرب منها.

ثم قال بعد كلام : فإذا كان الرجل الإمامي اجتهد وبلغ مجهوده في الأمور المتطاولة والأزمان المتكاثرة ليلا ونهارا في تصنيف ما ذكرناه أو تأليفه ، فلا ريب أنه ممدوح في الشرع وعند أهله ، ولا يخفى على أحد كما في زماننا أيضا.

فلذلك نرى أئمة الرجال يذكرون الرجال ويعدون لهم كذا وكذا كتبا ، حتى يذكرون كتاب المشيخة ويتطرقون اليه بطرق متعددة وغير متعددة ، ويدققون ويفتشون أن هذا الكتاب له أو لرواية ، فلو لم يكن كون الرجل صاحب الكتاب مع عدم التصريح بذم فيه مدحا كليا معتبرا شرعا لكان ذكره في الرجال في محل العبث.

ثم قال : فظهر أن الرجل إذا صنف كتابا أو ألفه أو كان راويا عن معتبر ، أو يروي عنه المعتبر ، فان ذلك دليل للاعتبار والمدح.

__________________

(١) فروع الكافي ٦ / ٤٦٩ ، ح ٧.

٣٩٤

هذا وروى الشيخ باسناده عن موسى بن أكيل النميري عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الحديد انه حلية أهل النار ، والذهب حلية أهل الجنة ، وجعل الله الذهب في الدنيا زينة النساء ، فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه (١).

وهذا مع كونه ناصا بحرمة الصلاة فيه ، صريح في حرمة لبسه ، ثوبا كان أو خاتما أو غيرهما مما يلبس ، فكلما يصدق عليه أنه لباس الذهب حرم على الرجال لبسه والصلاة فيه.

وبهذا الحديث استدل صاحب الذكرى فيه على تحريم الصلاة للرجال في الذهب ، حيث قال في فصل الساتر : تجوز الصلاة في كلما يستر العورة عدا أمور ، وعدها الى أن قال : ورابعها الذهب والصلاة فيه حرام على الرجال لقول الصادق عليه‌السلام : جعل الله الذهب حلية أهل الجنة ، فحرم على الرجال لبسه والصلاة فيه ، رواه موسى بن أكيل النميري عنه ، وفعل المنهي عنه مفسدة للعبادة (٢) الى هنا كلامه طاب منامه.

وفي حذفه وإيصاله وتغييره بين الحديث بما هو مخل بل مفسد تأمل.

وقال الفاضل المجلسي قدس‌سره في شرحه على الفقيه بعد الإشارة الى الخلاف في بطلان الصلاة في الذهب ، وخبر موسى بن أكيل النميري يدل على النهي ، والأحوط البطلان (٣).

وفي نهاية ابن الأثير : وفيه « جاء رجل وعليه خاتم من حديد ، فقال : ما لي أرى عليك حلية أهل النار » الحلي اسم لكل ما يتزين به من مصاغ الذهب والفضة ، والجمع حلي بالضم والكسر ، وجمع الحلية حلى ، مثل لحية ولحا ،

__________________

(١) تهذيب الأحكام ٢ / ٢٢٧.

(٢) الذكرى ص ١٤٢ ـ ١٤٦.

(٣) روضة المتقين ٢ / ١٣٨.

٣٩٥

وربما ضم : وتطلق الحلية على الصفة أيضا. وانما جعلها حلية أهل النار ، لأن الحديد زي بعض الكفار وهم أهل النار. وقيل : انما كره لاجل نتنه وزهو كته ، وقال في خاتم الشبه : ربح الأصنام ، لأن الأصنام كانت تتخذ من الشبه (١) انتهى كلامه.

ثم قال عليه‌السلام : وجعل الله الحديد في الدنيا زينة الجن والشياطين ، فحرم على الرجل المسلم أن يلبسه في الصلاة ، الا أن يكون في قتال عدو فلا بأس به.

قال قلت : فالرجل في السفر يكون معه السكين في خفه لا يستغني عنه ، أو في سراويله مشدود ، أو المفتاح يخشى ان وضعه ضاع ، أو يكون في وسط المنطقة من حديد.

قال : لا بأس بالسكين والمنطقة للمسافر أو في وقت الضرورة ، وكذلك المفتاح إذا خاف الضيعة والنسيان ، ولا بأس بالسيف وكل آلة السلاح في الحرب ، وفي غير ذلك لا تجوز الصلاة في شي‌ء من الحديد ، فانه نجس مسوخ (٢).

والظاهر أن هذا محمول على الكراهة ، والمراد بالنجاسة هنا الاستخباث وكراهة استصحابه في الصلاة كما ذكره في المعتبر لانه ليس بنجس باجماع الطوائف ، وكيف يكون نجسا وقد قال الله تعالى في معرض الامتنان « وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ » (٣) ولا منة في انزال النجس.

ولذلك قال بعض متأخري أصحابنا بعد شرح قوله عليه‌السلام « ما طهر الله يدا

__________________

(١) نهاية ابن الأثير ١ / ٤٣٥.

(٢) التهذيب ٢ / ٢٢٧.

(٣) سورة الحديد : ٢٥.

٣٩٦

فيها حلقة حديد » (١) بأن الظاهر أنه جملة دعائية للكراهة المؤكدة ويمكن أن تكون خبرية ، ويكون المراد بعدم الطهارة المعنوية ، ولعل قوله بنجاسة الحديد لظاهر الأخبار الضعيفة ، والحق أنه مع النجاسة لا يمكن الانتفاع منه مع أنه من الله تعالى على العباد بكثرة منافعه في سورة الحديد. نعم يكره الصلاة فيه إذا كان ظاهرا (٢).

وفي الذكرى عن صحيح مسلم عن علي عليه‌السلام ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ينهى عن لبس القسي والمعصفر وعن التختم بالذهب وعن قراءة القرآن في الركوع ثم قال قلت : القسي بفتح القاف وتشديد السين المهملة منسوب الى القس موضع ، وهي من ثياب مصر فيها حرير (٣).

وفي الفقيه بسنده المتصل الى أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي عليه‌السلام : اني أحب لك ما أحب لنفسي ، وأكره لك ما أكره لنفسي ، فلا تتختم بخاتم الذهب فانه زينتك في الآخرة (٤). أي : الذهب لا خصوص الخاتم منه زينتك في الآخرة.

ويؤيده ما سيأتي من موثقة روح بن عبد الرحيم حيث قال : لا تختم بالذهب فانه زينتك في الآخرة (٥) وقوله تعالى في بيان حال المؤمنين في الجنة « يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ » (٦).

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٥٣.

(٢) روضة المتقين ٢ / ١٣٨.

(٣) الذكرى ص ١٤٧.

(٤) من لا يحضرة الفقيه ١ / ٢٥٣.

(٥) فروع الكافي ٦ / ٤٦٨ ، ح ٥.

(٦) سورة الكهف : ٣١.

٣٩٧

روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : لو أن أدنى أهل الجنة حلية ادلت حلية بحليته أهل الدنيا جميعا لكان ما يحليه الله به في الآخرة أفضل من حلية أهل الدنيا جميعا. كذا ورد في طرق العامة عن أبي هريرة. وفي متن الحديث تشويش لا يخفى.

أو الخاتم باعتبار كونه ذهبا وتحققه في ضمن هذا النوع ، فيرجع الى الأول لا الخاتم منفردا من غير قيد ، فانه كما يكون زينة في الآخرة ، كذلك يكون في الدنيا ، فهذا التعليل يفيد أن التزين بالذهب مطلقا حرام في الدنيا على الرجال ، لانه من زينة الآخرة.

ولا تتوهمن من ظاهر اختصاص الحكم به عليه‌السلام ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : حكمي على الواحد حكمي على الجماعة (١).

وقوله في تتمة الخبر : ولا تلبس القرمز فانه من أردية ابليس ، ولا تركب بميثرة (٢) حمراء فانها من مراكب ابليس ، ولا تلبس الحرير فيحرق الله جلدك يوم تلقاه (٣) ، فان تحريم لبس الحرير وكراهة القرمز وغيره لا اختصاص له به عليه‌السلام.

واعلم أن الكراهة المذكورة في الحديث بالمعنى الأعم من الحرمة والكراهة بأن يكون في التختم بخاتم الذهب ولباس الحرير على الحرمة ، وفي البواقي على الكراهة ، فان استعمالها في هذا المعنى شائع في كلامهم ، وسيأتي غير مرة

__________________

(١) عوالى اللالى ٢ / ٩٨.

(٢) قيل : هي تعمل من حرير أو ديباج كالفراش الصغير ، وتحشى بقطن أو صوف أو ريش يجعلها الراكب تحته على الرحال فوق الجمال ، وهل يدخل فيه مباثر النيروج؟ الظاهر الدخول لعموم اللفظ « منه ».

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٥٣.

٣٩٨

وفي الأخبار كما لا يخفى على أولي الأبصار.

تنبيه :

لما كان الحرير لملابسته مما تلتذ به القوة اللامسة المنتسبة في الظاهر جلد البدن ، كان هو المدرك للعذاب والآلام وأولى باللذات ، وإذا قيل « كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ » (١) خص الاحراق به ، فتأمل فيه.

فصل

[ حكم الصلاة فى الذهب ]

دليل القائل بصحة الصلاة في الذهب هو الأصل ، فانه دليل متين يجب التمسك به ، الى أن يرد على خلافه دليل أقوى من نص صحيح صريح أو اجماع ونحوهما ، واطلاق الصلاة لا يقيد الا بدليل وليس ، فان هذه الأخبار وما شاكلها غير نقية السند.

لان رواية موسى بن أكيل النميري مرسلة على ما رواه الشيخ ، ونقله الفاضل المجلسي قدس‌سره في شرحه على الفقيه (٢).

وكذا في الكافي ، لان السند فيه هكذا : محمد بن يحيى ، عن بعض أصحابنا عن علي بن عقبة ، عن موسى بن أكيل النميري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يكون في السفر ومعه السكين في خفة الحديث (٣).

__________________

(١) سورة النساء : ٥٦.

(٢) روضة المتقين ٢ / ١٣٨.

(٣) فروع الكافي ٣ / ٤٠٠ ، ح ١٣.

٣٩٩

ولم يذكر فيه ما هو مناط الاستدلال ، أعني من الحديث الى قوله سألته عن الرجل ، والمراسيل مطلقا وان كان من ابن ابي عمير مما لا تركن النفس عليه ولا تميل ميلا ما اليه ، كما ذكرناه في بعض رسائلنا ، وفصل القول فيه الشهيد الثاني في دراية الحديث.

ورواية أبي الجارود الهمداني زياد بن المنذر ضعيفة السند به ، لانه زيدي المذهب مذموم مقدوح فيه ، الا أن الشيخ ابن الغضائري قال : وأصحابنا يكرهون ما رواه محمد بن سنان عنه ، ويعتمدون ما رواه محمد بن بكر الارجني (١).

أقول : وفي طريق الصدوق اليه في الفقيه محمد بن سنان ، كما هو المذكور في مشيخته هكذا : وما كان فيه عن زياد بن المنذر أبي الجارود ، فقد رويته عن محمد بن علي ما جيلويه رضي‌الله‌عنه ، عن عمه محمد بن أبي القاسم ، عن محمد ابن علي القرشي الكوفي ، عن محمد بن سنان ، عن أبي الجارود زياد بن المنذر الكوفي (٢) انتهى السند.

والحق عندي أن محمد بن سنان ثقة في نفسه ، كما فصلناه في بعض رسائلنا ولكن أبي الجارود كان ضعيفا ، كما نص عليه الشيخ في الفهرست ، وهو الظاهر من الكشي ، حيث قال : وكان أبو الجارود مكفوفا أعمى أعمى القلب ، ثم ذكر في ذمه أخبارا تضمن بعضها كونه كذابا كافرا (٣).

وقد نص بضعف السند المذكور مولانا عناية الله القهبائي في أواخر كتابه الكبير المسمى بمجمع الرجال بعد نقله عن مشيخة الفقيه مع اصراره في غير هذا الموضع صحة محمد هذا وجلالة قدره وكونه ثقة وجيها عند الجواد وأبيه عليهما‌السلام

__________________

(١) رجال العلامة ص ٢٢٣.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٤٤٦.

(٣) اختيار معرفة الرجال ٢ / ٤٩٥.

٤٠٠