الرسائل الفقهيّة - ج ٢

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي

الرسائل الفقهيّة - ج ٢

المؤلف:

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

فان من استهل منهم في تلك الليلة ولم ير الهلال ، ثم أصبح مفطرا ، فاذا قيل له : لم لم تصم ذلك اليوم؟ يقول : لاني كنت مأمورا بالرؤية ولم أر الهلال ولذلك لم أصم ، وكان جوابه هذا موجها ، ولا يرد عليه شي‌ء.

وعليه فقس قوله عليه‌السلام « وأفطر للرؤية » فان المراد به هو الرؤية الحاصلة في ليلة الثلاثين من شهر رمضان ، لا في يوم الثلاثين منه قبل الزوال ، لان من استهل منهم في تلك الليلة ولم ير الهلال ، ثم أصبح صائما ، فاذا قيل له : لم لم تفطر؟ يقول : لاني لم أر الهلال ولم يمض علي الثلاثون ، وكان جوابه هذا صوابا.

فاذا أتم صوم ذلك اليوم الى الليل الحاقا لذلك الشهر بالاغلب من كونه تماما ، ولمكان الاستصحاب المؤيد بقوله تعالى « ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ » والاصل وعدم الخروج عن اليقين ، وظاهر هذه الاخبار ، وقول معظم الاصحاب لا يلزمه شي‌ء.

ويشيد ما قلناه أن عادتهم انما جرت بالاستهلال في ليلة الثلاثين من شعبان وشهر رمضان ، لا في يوم الثلاثين منهما ، ولذلك حكم العلامة باستحباب الرؤية في ليلتي الثلاثين منهما على الاعيان ، وبوجوبه على الكفاية.

واستدل على الوجوب بأن الصوم واجب في أول شهر رمضان ، وكذا الافطار في العيد ، فيجب التوصل الى معرفة وقتهما ، لان ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب.

فالقول بأن قوله « اذا رأيت الهلال فصم ، واذا رأيته فافطر » شامل لما قبل الزوال ، خلاف الظاهر المتبادر من العرف العام ، فلا يصار اليه ، ولا يحمل الحديث عليه ، فكيف يستدل به عليه ، كما أشار اليه صاحب الذخيرة قدس‌سره.

حيث قال : واستدل على القول باعتبار رؤية الهلال قبل الزوال بقوله عليه‌السلام « اذا رأيت الهلال فصم واذا رأيته فافطر » وفي معناه أخبار كثيرة تكاد تبلغ حد

٣٤١

التواتر ، وهذا أيضا يصلح للتأييد انتهى.

ومما قررناه ظهر أن ما أفاده الفاضل التستري بقوله : ليس في ظاهر القرآن والاخبار دلالة على اعتبار الرؤية قبل الزوال ، وجعله علامة لليلة الماضية ، محل تأمل.

ومثله قول صاحب الوافي : وليس في القرآن والاخبار المتواترة ، الا أن الاعتبار في تحقق دخول الشهر ، انما هو بالرؤية أو مضي ثلاثين. وأما أن الرؤية المعتبرة فيه متى يتحقق وكيف يتحقق ، فانما يتبين بمثل هذه الاخبار ليس الا (١).

أقول : قد مر مرارا من أوائل الرسالة الى هنا أن الرؤية المعتبرة في دخول الشهر هي الرؤية المتعارفة ، وانما تكون بالليل ، فلا تشمل أخبار الرؤية لرؤية النهار ، ولذلك لا يدخل فيها رؤيته بعد الزوال.

بل نقول : أكثر الناس في أكثر البلاد لا يفهمون من رؤية الهلال الا المتعارفة التي تكون بالليل ، الا من وقع منهم في بلدة قرعت فيها سمعه أمثال هذه الاخبار والاقوال ، ومع ذلك فالمفهوم من قول المعصوم الصوم للرؤية انما هو هذه الرؤية المتعارفة المخصوصة ليس الا.

فصل

[ تحقيق حول رواية محمد بن قيس ]

رواية محمد بن قيس المتقدمة صحيحة ، وان طعن في سندها العلامة باشتراك

__________________

(١) الوافى ١١ / ١٥٠.

٣٤٢

محمد هذا بين جماعة منهم الضعيف ، الا أن رواية يوسف بن عقيل عنه قرينة واضحة على كون المراد به البجلي الثقة ، وهي تدل على عدم اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال ، ولذلك استدل بها عليه صاحب المعتبر والمدارك وغيرهما.

بيان ذلك : أن وسط الشي‌ء محركة ما بين طرفيه ، كما في القاموس (١) ، فوسط النهار ما بين أوله وآخره الحقيقيتين ، لان طرف كل شي‌ء منتهاه ، كما في القاموس (٢) أيضا ، وعلى هذا فأول النهار وآخره غير منقسمين ، ووسطه مستوعب لجميع أجزاء النهار ، هذا معناه في اللغة.

فأما في العرف ، فأوله كوسطه في المقدار ، كما أن وسطه كاخره في ذلك ، حتى اذا كان النهار اثنا عشر ساعة مثلا انقسم أثلاثا ، فأوله أرفع ساعات من طلوع (٣) الفجر ، ووسطه مثله بعدها ، وكذلك الاخر. ولذلك يقال : جائني زيد أول النهار أو آخره أو وسطه.

والظاهر أن هذا هو المراد بالوسط وطرفيه في الحديث ، لان من المقرر عندهم أن اللفظ الصادر عنهم عليهم‌السلام ان كانت له حقيقة شرعية حمل عليها ، والا فحمل على الحقيقة العرفية ان كانت له في العرف حقيقة ، والا فحمل على الحقيقة اللغوية ، فالعرف مقدم على اللغة ، لان مدار أكثر الافادة والاستفادة عليه.

ومنه قول الباقر عليه‌السلام في حديث صحيح فسر فيه الصلاة الوسطى بصلاة الظهر وهي أول صلاة صلاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤).

وهي وسط صلاتين بالنهار صلاة الغداة وصلاة العصر ، فاطلق الوسط على

__________________

(١) القاموس ٢ / ٣٩١.

(٢) القاموس ٣ / ١٦٧.

(٣) اشارة الى أن المراد بالنهار هو الشرعى لا النجومى « منه ».

(٤) معانى الاخبار ص ٣٣١ ، ح ١.

٣٤٣

زمان صلاة الغداة وصلاة العصر ، فشمل ما قبل الزوال الى صلاة الغداة وما بعده الى صلاة العصر ، وهو قريب من اطلاقه العرفي.

ومما قررناه ظهر أن حمل لفظة الوسط في الحديث على المعنى الأول ، كما حمله عليه صاحب الذخيرة ، حيث قال : ولفظة الوسط يحتمل أن يكون المراد منها ما بين الحدين بعيد ، وأبعد منه أن يكون المراد منها منتصف ما بين الحدين وهو الزوال كما ظنه أيضا ، وهذا لفظه :

ويدل على اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال قول الصادق عليه‌السلام في صحيحة محمد بن قيس السابقة ، فان لم تروا الهلال الا من وسط النهار أو آخره فأتموا الصيام الى الليل.

وجه الدلالة أن لفظة « الوسط » يحتمل أن يكون المراد منها بين الحدين. ويحتمل أن يكون المراد منها منتصف ما بين الحدين ، أعني الزوال ، لكن قوله « أو آخره » شاهد على الثاني ، فيكون الخبر بمفهومه دالا على قول السيد انتهى.

وذلك لان هذا من متعارفات أهل النجوم ، فكيف يصح حمل الخبر عليه ، وجعله بمفهومه دالا على مذهب السيد ، على أن قوله عليه‌السلام « أو آخره فأتموا الصيام الى الليل » قرينة واضحة على أن المراد بوسط النهار ليس ما هو متوسط بين طرفيه ، ولا ما هو منتصف ما بين الطرفين ، اذ لا مقدار له يعتد به ، والمفهوم من وسط النهار المقابل الاخر زمان ممتد متصل بذلك الطرف الاخر ، وعلى ما حمله عليه يكون المراد بوسط النهار خط الزوال ، وبآخره ما بعد خط الزوال الى وقت الغروب ، ولا يخفى بعده.

على أن خط الزوال ، وهو خط نصف النهار الذي عبر عنه بمنتصف ما بين الحدين ، لا يعرف حقيقة الا بالدائرة الهندية ، فكيف يكون عليه مدار العمل

٣٤٤

ويكلف به عامة الناس ويقال لهم : اذا رأيتم الهلال وسط النهار وهو خط الزوال فأتموا الصيام الى الليل ، وان رأيتموه قبله ولو بآن أو دقيقة من الزمان فافطروا ، وهم لا يقدرون على أن يخرجوا من عهدة هذا التكليف بأوسع من هذا ، وخاصة اذا كانوا في بلد لم يكن فيه من يرسم لهم الدائرة الهندية ، ويعلمهم كيفية معرفة خط الزوال ومنتصف ما بين الحدين.

ومن المعلوم أن ليس المراد بالوسط هنا ما بينهما المستوعب لاجزاء الزمان الواقع بينهما ، اذ لم يبق حينئذ بقوله « أو آخره » معنى يصح أن يجعل ظرفا لا تمام الصيام الى الليل.

على أن الوسط بهذا المعنى يستلزم المطلوب ، لانه اذا وجب على من رآه قبل الزوال أن يتم صومه الى الليل. فحينئذ لا محل للنزاع أصلا ، فتأمل ليظهر لك أن المراد بالوسط غير ما ذكره من المعنيين ، وليس الا ما تعارفه الناس.

ثم لا يذهب عليك أن الحكم المذكور في الخبرين اللذين صارا باعثين لتأويله هذه الاخبار مرتب على رؤيته قبل الزوال وبعده ، وهو قدس‌سره رتبه على رؤيته في نفس الزوال ، وذهب عليه أنه يخالف ما دلا عليه.

والظاهر أن الوجه فيه ما أشرنا اليه من أن ترتب الحكم على رؤيته وسط النهار المراد منه منتصف ما بين الحدين مما لا يصح تكليف عامة الناس به ، لتعذره أو تعسره.

ولعله لذلك قال صاحب الوافي في موثقة ابن عمار قوله عليه‌السلام « واذا رأيته وسط النهار » يعني به قبل الزوال. وفي صحيحة ابن قيس « الا من وسط النهار أو آخره » يعني به بعد الزوال (١).

__________________

(١) الوافى ١١ / ١٢١ ـ ١٢٢.

٣٤٥

ولم يحمله في واحد منهما على منتصف ما بين الحدين. وهذا أيضا وان كان مجرد اشتباه منه ، الا أنه ليس بهذا البعد ، وستأتي بقية الكلام من بعد هذا المقام بعون الله الملك العلام.

فان قلت : يفهم من وجوب اتمام الصيام الى الليل اذا رؤي الهلال من وسط النهار وجوب اتمامه اليه اذا رؤي من آخر النهار ، فأي حاجة الى ذكره؟

قلت : في كون المفهوم حجة خلاف ، فلعله عليه‌السلام لم يعتبره ، ولذلك لم يكتف بالاول ، أو هو من باب التصريح بما علم ضمنا ، فالقول بأن هذا الخبر دل بمنطوقه على وجوب الاتمام عند رؤية الهلال بعد الزوال ، وبمفهومه على وجوب الافطار عند رؤيته قبل الزوال محل نظر.

وخاصة اذا كان القائل انما أراد به الاستدلال على اثبات هذا المطلب ، اذ لو كان المفهوم معتبرا عنده لاكتفى بقوله « فان لم تروا الهلال الا من وسط النهار فأنموا الصيام الى الليل » ولم يذكر قوله « أو آخره » لان ذكر الوسط على هذا كما دل على وجوب الافطار قبل الزوال دل على وجوب الاتمام بعده.

فعدم الاكتفاء به عن الثاني حتى صرح بقوله « أو آخره » والاكتفاء به عن الاول تعسف ، وهذا لو سلم له أن المراد بوسط النهار منتصف ما بين الحدين ، وقد عرفت أنه خلاف الظاهر ، فلا يصار اليه الا بدليل.

ولعله عليه‌السلام انما لم يذكر الثلث الاول من النهار (١) ، لان الهلال في ذلك الثلث بعيد عن الناظر فلا يرى ، لان بعد المرأى وخاصة اذا كان صغيرا مانع من الرؤية ، أو لانه في ذلك الثلث لم يبعد بعد بحركته الخاصة عن النير الاعظم بقدر يمكن أن يرى ، أو لانه في ذلك الثلث لما كان قريبا من الافق ، كان البخار

__________________

(١) اذا الكواكب اذا كانت قريبة من الافق بعدت عنا وهى على سمت الرأس بأزيد من نصف قطر الارض ، كما لا يخفى على من له أدنى تخيل « منه ».

٣٤٦

والدخان والغبار ونحوها مانعا من رؤيته (١).

فوضح أن تردد (٢) المحقق في النافع والمعتبر ، حيث قال بعد نقل روايتي حماد وابن بكير : فقوة هاتين الروايتين أوجبت التردد بين العمل بهما وبين العمل برواية العدلين ، لانها تدل على خلاف ما تدل عليه الروايتين.

في محله بناء على عمله بالحسن والموثق ، لو سلم له كون الرواية موثقة ، وأن رواية ابن قيس كالصريحة بعدم اعتبار الرؤية قبل الزوال ، والا لما وجب عليهم اتمام الصيام الى الليل وكان حراما ، لان ذلك اليوم على فرض اعتبار الرؤية قبل الزوال لما كان من شوال كان يوم عيد ، فكان الصوم فيه حراما والفطر فيه واجبا. ومثلها موثقة اسحاق بن عمار.

فقول الفاضل التستري في الحاشية المعلقة على قوله ، يعنى بقوله عليه‌السلام « أتم صومه الى الليل على أن من شعبان دون أن ينوي أنه من رمضان » : الظاهر أن هذا من كلام الراوي ، حيث ذكر هذه الاحاديث أولا ، ثم ذكر ما يدل على اعتبار الرؤية قبل الزوال في الجمع.

محل تأمل ، اذ لو كانت الرؤية قبل الزوال معتبرة ، لكان ذلك الهلال لليلة الماضية ، وكان ذلك اليوم من شهر رمضان ، فكان الواجب عليه له أن ينوي أنه من رمضان لا أنه من شعبان.

__________________

(١) لان تلك الاجزاء البخارية والدخانية والغبارية ان كانت كثيفة تحجبه عن الابصار ، وان كانت لطيفة ، فقبل الضوء أكثر من قبوله ، فاذا انفعل الحس من ضوء أقوى يمنعه من الاحساس به « منه ».

(٢) فيه تعريض على صاحب الذخيرة قدس‌سره حيث قال فيها : وتردد فيه المحقق في النافع ، وفي المعتبر استدل به ، حيث قال بعد نقل الروايتين الاتيين : فقوة هاتين الروايتين أوجبت التردد بين العمل بهما وبين العمل برواية العدلين ، ظنا منه أن رواية العدلين تدل على خلاف ما تدل عليه الروايتين ، وليس بشى‌ء انتهى « منه ».

٣٤٧

فهذا الكلام من الراوي يدل على اعتبار الرؤية قبل الزوال ، لا على اعتبارها كما ظنه ، والا لما وجب عليه اتمام الصيام الى الليل على أنه من شعبان ، بل على أنه من رمضان ، وكانه حملت وسط النهار على ما حمله عليه صاحب الذخيرة بل الظاهر أنه أخذه منه ، لانه متأخر منه زمانا ، وقد عرفت ما في هذا الحمل ، فتأمل.

ثم أقول : قوله عليه‌السلام « لا تصمه » أي : لا تصم يوم الثلاثين المفهوم بحسب المقام ، الا أن ترى الهلال في ليلته ، فان لم تره فيها ولم تصمه لذلك ، فان شهد أهل بلد آخر قريب من بلدك أنهم رأوه فيها ، فاقض ذلك اليوم لذلك وجوبا ، واذا رأيت الهلال في وسط نهار تلك الليلة ، فان كنت صائما فيه فأتم صومه الى الليل ، وان لم تكن صائما فلا شي‌ء عليك.

هذا غاية ما يستفاد من هذا الحديث ، ولا دلالة فيه على أحد المذهبين ، الا أن يجعل الامر فيه للوجوب ، ويحمل الوسط على ما قبل الزوال كما فعله بعضهم دون ثبوته خرط القتاد.

وقال صاحب الوافي في ذيل بيان موثقة اسحاق بن عمار قوله عليه‌السلام « واذا رأيته وسط النهار » : يعني به قبل الزوال ، لانه اذا رآه بعد الزوال كان اليوم من الشهر الماضي ، كما يدل عليه صحيحة محمد بن قيس وغيرها من الاخبار ويشهد له الاعتبار ، وانما عبر عما قبل الزوال بالجزء الاخير لانه الفرد الا خفى المستلزم حكمه لاثبات الحكم في سائر الافراد بالطريق الاولى ، ومعنى اتمام صومه الى الليل أنه ان كان لم يفطر بعد نوى الصوم من شهر رمضان واعتد به ، وان كان قد أفطر أمسك بقية اليوم ثم قضاه (١).

أقول : ظاهره يفيد أنه لم يعتبر بيان الراوي على ما نقله الشيخ في التهذيب

__________________

(١) الوافى ١١ / ١٢١.

٣٤٨

والاستبصار ، حيث قال في آخر الموثقة : يعنى بقوله عليه‌السلام « أتم صومه الى الليل » على أنه من شعبان دون أن ينوي أنه من رمضان (١).

وذلك أنه لما زعم أنه من كلام الشيخ ذكره ليأول به قوله عليه‌السلام « واذا رأيته وسط النهار » على ما قبل الزوال ، واعتبر رؤية الهلال قبله ، فكان ذلك اليوم عنده من شهر رمضان ، فكان صومه واجبا.

والحق أنه من كلام الراوي ، كما فهمه الفاضل التستري ، وذلك أن من دأب الشيخ في هذا الكتاب أنه كلما أراد أن يبين حديثا ، أو يأوله ، أو يوفق بينه وبين غيره يصدر كلامه هذا بقوله قال محمد بن الحسن ، وهو ظاهر لمن أنس بطريقته رحمه‌الله في هذا الكتاب ، ويؤيده أنه نقل هذه الزيادة في الاستبصار قبل أن يأخذ في الجمع بين الاخبار.

هذا ، وأما الراوي فانه أيضا حمل وسط النهار على ما قبل الزوال ، الا أنه لم يعتبر رؤية الهلال قبل الزوال ، فكان ذلك اليوم عنده من شعبان ، ولذلك صرح باتمامه الى الليل بنية أنه من شعبان ، دون أن ينوي أنه من رمضان ، وهو الحق الذي لا مرية فيه.

ثم قال صاحب الوافي في بيان حديث محمد بن قيس : قوله عليه‌السلام « الا من وسط النهار أو آخره » يعني به بعد الزوال ، كما يشعر به ايراد لفظة « من » هاهنا وحذفه من الحديث السابق ، فلا منافاة بينهما (٢).

أقول : لفظة « من » هنا لا تفيد غير أن الرؤية واقعة في بعض أجزاء وسط النهار ، وأما أنها تفيد أن تلك الرؤية واقعة بعد الزوال ، فلا دلالة لها عليها بشي‌ء من الدلالات ، هذا اذا كانت تبعيضية.

__________________

(١) الوافى ١١ / ١٤٩.

(٢) الوافى ١١ / ١٢٢.

٣٤٩

وأما اذا كانت ابتدائية ، فنفيد أن اتمام الصيام الى الليل لازم ، وان كانت الرؤية من ابتداء وسط النهار ، وانما نخبر عما قبل الزوال بالجزء الاول من وسط النهار ، لانه الفرد الاخفى المستلزم حكمه اثبات الحكم في سائر الافراد.

ويحتمل أن تكون بمعنى « في » فانها في الظروف كثيرا ما يقع بمعناها نحو « وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ » (١) وعلى هذا فهذا الحديث موافق للحديث السابق ، فان الظاهر أن لفظة « الوسط » فيه منصوبة بتقدير « في » أي : اذا رأيته في وسط النهار.

فصل

[ تحقيق حول كلام صاحب الذخيرة ]

خالف صاحب الذخيرة جميع علمائنا في مكاتبة محمد بن عيسى السابقة ، وجعلها مؤيدة لقول السيد بتأويلات بعيدة ليس شي‌ء منها مراد الكاتب والمكتوب اليه عليه‌السلام.

حيث قال : وجه التأييد : ان المسؤول عنه هلال شهر رمضان لا هلال شوال ومعنى التعليل أن الرؤية قبل الزوال انما يكون اذا كان الهلال تاما ، وتمامية الهلال أن يكون بحيث يصلح للرؤية في الليل السابق.

أو المراد أن شهر رمضان ، أو الشهر الذي نحن فيه اذا كان تاما ، يعني : اذا تم وانقضى رأى الهلال الجديد قبل الزوال ، وحمل هلال شهر رمضان على شوال بعيد جدا مع تنافره عن اسلوب العبارة أيضا.

__________________

(١) سورة فصلت : ٥.

٣٥٠

على أن المذكور في العبارة الافطار قبل الزوال ، وتقييد الافطار بكونه قبل الزوال لا يستقيم على تقدير الحمل على هلال شوال بخلاف هلال رمضان ، فان الافطار بعد الزوال في الصيام المستحب مما نهي عنه.

ولو حمل هلال شهر رمضان على شوال ، وجعل معنى التعليل أن الشهر اذا كان تاما بالغا الى الثلاثين رؤي الهلال قبل الزوال لم ينطبق على مجاري العادات الاكثرية والشواهد النجومية ، بخلاف ما ذكرنا من معنى التعليل.

أقول : قد عرفت أن المسؤول عنه على نسخة الاستبصار وهي الصواب هلال شوال لا هلال رمضان ، فلا تأييد فيه ، ولا حاجة في توفيقه الى مثل هذه التكلفات الركيكة التي ارتكبها.

ولذلك قال صاحب الوافي بعد تصويب نسخة الاستبصار انه على نسخة التهذيب لا يستقيم المعنى الا بتكلف. ثم قال : والظاهر أن ما في نسخة التهذيب من سهو النساخ (١).

فظهر أن هذه المكاتبة المعتبرة واضحة الدلالة على مذهب المشهور المنصور وانه لا تأييد فيها لقول السيد.

ثم الظاهر أن السائل على نسخة التهذيب أيضا أراد هلال شوال ، ولكنه أضافه الى شهر رمضان باعتبار القرب ، والاضافة مما يكفيه أدنى ملابسة ، كما في كوكب الخرقاء ، وعليه فمآل النسختين واحد. وكذا الظاهر أنه بلغه (٢) أو زعم أن رؤية الهلال قبل الزوال دليل كونه لليلة الماضية.

فسأله عليه‌السلام عن ذلك واستعلم رأيه فيه ، فقال : فترى اذا رأينا الهلال قبل الزوال

__________________

(١) الوافى ١١ / ١٤٨ ـ ١٤٩.

(٢) لان بعض العامة كانوا يعتبرون رؤية الهلال قبل الزوال « منه ».

٣٥١

أن نفطر في ذلك اليوم ونجعله عيدا ، فقبل الزوال ظرف للرؤية لا للافطار.

فأجاب عليه‌السلام بوجوب اتمام الصيام الى الليل ، وعلله بأن رؤية الهلال قبل الزوال ربما يكون اذا كان الشهر تماما بالغا الى حد الثلاثين ، فرؤية الهلال قبل الزوال يستلزم كون الشهر تماما من غير عكس كلي ، فربما يكون تماما ولم ير قبل الزوال.

وقال صاحب الوافي : قوله عليه‌السلام « ان كان تاما قبل الزوال » معناه ان كان الشهر الماضي ثلاثين يوما رؤي هلال الشهر المستقبل قبل الزوال في اليوم الثلاثين (١).

أقول : ولعل مراده ما ذكرناه ، والا فالكلية خلاف الواقع.

وبالجملة اذا كان الهلال في ليلة الثلاثين تحت الشعاع وغرب بعيد غروب الشمس ، يمكن أن يبعد منها مدة نصف الدورة أو أكثر منه بقدر يمكن أن يرى قبل الزوال في اليوم الثلاثين ، وهذا لا يدل على كونه لليلة الماضية ، لانه في تلك الليلة لم يكن قابلا للرؤية لكونه تحت الشعاع قريبا من الشمس. ولا يخفى أن ما ذكرناه يستفاد من كلامه عليه‌السلام ولا تنافيه مجاري العادات الاكثرية والشواهد النجومية.

وأما ما ذكره قدس‌سره من معنى التعليل ، فمما لا يمكن استفادته منه ، وانما استفاده هو منه لميله الى ذلك المذهب وقيامه يصرف الاخبار اليه وحملها عليه ، ولو لا ذلك لما فهمه منه ، لانه مما لا يفهم منه الا بضرب من الرمل.

ولذلك لم يستفد منه ذلك أحد غيره بخلاف ما ذكرناه ، ولذلك ذهب اليه العلماء الاعلام والفقهاء العظام ، فمخالفتهم وتأويل التعليل بما يجعله كالعليل لا يناسب حال الكرام.

__________________

(١) الوافى ١١ / ١٤٨.

٣٥٢

مع أن ما ذكره ينافيه ما في نسخة الاستبصار ، بخلاف ما ذكرناه ، فانه جامع بين النسختين ، فهو أولى بالقبول ، لان قبول ما في التهذيب ورد ما في الاستبصار رأسا ليس بأولى من العكس ، بل الاولى بالقبول ما في نسخة الاستبصار ، لما سبق من أنه على نسخة التهذيب لا يستقيم المعنى الا بتكلف ، كما أفاد صاحب الوافي وبالغ فيه حتى حكم بكون ما فيها من سهو النساخ.

والظاهر أنه قدس‌سره وقت كتابته هذا الموضع من الشرح كان ذاهلا عما فيه ، وكان نظره وقتئذ مقصورا على ما في التهذيب ، ولا مشعرا بما فيه ردا أو قبولا ، وهو ظاهر.

ثم انه قدس‌سره ظن أن الصدوق يقول باعتبار رؤية الهلال قبل الزوال ، حيث نقل عنه أنه قال : واذا رأى هلال شوال بالنهار قبل الزوال فذلك اليوم من شوال ، واذا رأى بعد الزوال فذلك اليوم من رمضان ، قال : وهذا يؤيد السابق وان كان من كلام الصدوق على احتمال.

وفيه أنه ذكر في باب الصوم للرؤية والفطر للرؤية رواية محمد بن قيس السابقة ولم يأولها أصلا ، وقد عرفت أنها تدل على المذهب المشهور المنصور ، ثم نقل بالمعنى في باب ما يجب على الناس اذا صح عندهم بالرؤية يوم الفطر بعد ما أصبحوا صائمين ، ما رواه الشيخ عن ابن بكر وقد سبق آنفا.

ولا يخفى أن بمجرد ذلك لا يظهر ميله الى أحد المذهبين ، الا أن يصرح به ، بل لا يبعد أن يقال : ان ذكره رواية محمد هذا في الباب المذكور يشعر بميله الى المشهور ، فتأمل.

٣٥٣

فصل

[ الاختلاف فى زمان دخول الشهر ]

زمان دخول الشهر يختلف باختلاف الاعتبار ، فمن اعتبر أن اليوم بليلته من غروب الشمس الى غروبها كأهل الشرع. وكأنه لان الظلمة أصل والنور طار ، فزمان دخوله عنده من حين غروبها باستتار القرص ، أو ذهاب الحمرة المشرقية ، على اختلاف الروايتين.

ومن اعتبر أنه من طلوعها الى طلوعها كالروم والفرس ، ولعله لان النور وجودي والظلمة عدمية ، فزمان دخوله عنده من حين طلوعها.

ومن قال : انه من زوالها الى زوالها كالمنجمين وأهل الحساب ، لاختلاف المطالع والمغارب بحسب اختلاف المساكن بالنسبة الى الافاق دون انصاف النهار ، فانها في جميع المساكن افق من آفاق خط الاستواء ، ولا خلاف فيما بينهما ، فزمان دخوله عنده من حين زوالها.

فعلى ما عليه أهل الشرع هذا اليوم لهذه الليلة الماضية على عكس ما عليه الروم والفرس ، فان هذا اليوم على مذهبهم لهذه الليلة المستقبلة ، كما زعمه المغيرية.

وأما على مذهب المنجمين وأهل الحساب ، فصدر النهار. أعني النصف الاول منه لهذه الليلة الماضية ، والنصف الاخر منه لهذه الليلة المستقبلة.

وما رواه الكليني عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت له : ان المغيرية يزعمون أن هذا اليوم لهذه الليلة المستقبلة ، فقال : كذبوا هذا اليوم لليلة الماضية ، ان أهل بطن نخلة لما رأوا الهلال قالوا : قد دخل الشهر الحرام (١).

__________________

(١) روضة الكافى ٨ / ٣٣٢ ، ح ٥١٧.

٣٥٤

محمول على الاعتبار الاول ، فان أهل بطن نخلة وهو موضع بين مكة وطائف لما غربت الشمس ورأوا الهلال وكانوا قد تبعوا في ذلك الشرع (١) ، قالوا : قد دخل الشهر الحرام ، فاليوم الذي يأتي بعد هذه الليلة يوم لهذه الليلة الماضية.

ومنه يظهر كذب المغيرية وعدم تأييد هذا الخبر الاعتبار ، لاعتبار رؤية الهلال قبل الزوال ، كما ظنه صاحب الذخيرة قدس‌سره ، وهو منه غريب ، فانه تأيد بهذا الخبر ولا تأييد فيه ، ولم يتأيد بخبر داود الرقي ، وفيه تأييد على احتمال.

قال الفاضل الخوانساري آقا حسين قدس‌سره على ما نقل عنه في حاشيته على رواية داود « اذا طلب الهلال في المشرق غدوة فلم ير ، فهو هنا هلال جديد رأى أو لم ير » : هذا الحديث بظاهره يدل على أن تحت الشعاع انما يكون في ليلة واحدة ، وهو خلاف الواقع ، فلا بد من تأويله.

والحق فيه أن مراده عليه‌السلام أنه اذا طلب الهلال في المشرق غدوة يوم الثلاثين من شهر رمضان فلم ير ، فهو هلال الليلة الواحدة ، والشهر حينئذ ثلاثين يوما أعم من أن يرى في مسائه أو لم ير ، وأما اذا رأى فهو لليلتين ، والشهر حينئذ ناقص عن الثلاثين ، كما مر حديث في هذا المعنى انتهى.

وقال صاحب الوافي فيه : يعني اذا طلب الهلال أول اليوم في جانب المشرق حيث يكون موضع طلبه فلم ير فهو هاهنا ، أي : في جانب المغرب هلال جديد واليوم من الشهر الماضي ، سواء رؤي في جانب المغرب أو لم ير ، وقد مضى

__________________

(١) أى قالوا بخلاف الشرع ، والا فمجرد مخالفة اصطلاح ومتابعة اصطلاح آخر ليس بكذب بالمعنى المصطلح ، وهو مخالفة الخبر الواقع ، اذ لا مشاحة فى الاصطلاح ، الا أن يقال : ما اعتبره الشرع فهو الواقع ، فخلافه خلاف الواقع ، ويلزم منه كذب المنجمين وأهل الحساب ، كما يلزم منه كذب الروم والفرس فتأمل « منه ».

٣٥٥

خبر محمد بن قيس واسحاق بن عمار في هذا المعنى أيضا (١) انتهى.

أقول : وقد مضى ما فيه أيضا ، هذا اذا كان المراد بالهلال المذكور في الحديث غرة القمر ، ويحتمل أن يكون المراد به ما يرى قبل المحاق والدخول تحت الشعاع في اليوم السابع والعشرين ، بل هذا هو الاظهر ، كما يشعر به تقييد الهلال في الثاني بالجديد وتركه في الاول ، فان لنا في كل شهر هلالين مسائي وهو في المغرب ، وهذا جديد بالنسبة الينا في غرة القمر ، وغدوي وهو في المشرق ، وهذا قديم بالنسبة الينا في سبع وعشرين.

قال صاحب القاموس : الهلال غرة القمر أو ليلتين أو الى ثلاث أو الى سبع ، وليلتان من آخر الشهر ست وعشرين وسبع وعشرين ، وفي غير ذلك قمر (٢) انتهى.

وحينئذ فدلالة هذه الرواية بحسب المفهوم على كون الهلال الذي رؤي في المشرق لليلة الماضية ممنوعة.

وانما قيد بقوله « فلم ير » ليشير به الى ما أشار اليه أهل التنجيم من أنه اذا لم ير قبل زوال ذلك اليوم ، فهو ممكن الرؤية في ليلة الثلاثين والشهر ناقص ، وان رؤي فيه لم يمكن رؤيته في تلك الليلة والشهر تام.

ومما قررناه يظهر أن ما أفاده الفاضل الخوانساري محل نظر ، ولا نسلم أن ما ذكره هو الحق ، وهو مراده عليه‌السلام لاحتمال أن يكون مراده أنه اذا طلب الهلال في المشرق غدوة يوم السابع والعشرين فلم ير ، فهو هنا أي في ليلة الثلاثين هلال جديد.

ولو قال يحتمل أن يكون هذا مراده لكان أولى ، لا حينئذ كان موجها والموجه

__________________

(١) الوافى ١١ / ١٤٩.

(٢) القاموس ٤ / ٧٠.

٣٥٦

يكفيه الاحتمال.

وقال السيد السند ميرزا رفيعا على ما نقل عنه : معناه انه اذا طلب الهلال ، أي بدو المحاق في المشرق ، أي : في جهة المشرق قبل الزوال من اليوم السابع والعشرين فلم ير فهو هاهنا أي : في الليلة التي تحتمل الرؤية فيها وهي ليلة الثلاثين هلال جديد ، سواء رؤي لعدم المانع في الجو أو لم ير بتحقيقه فيه.

وحينئذ مؤدى الحديث هو ما أشار اليه أهل التنجيم من أنه اذا لم يمكن رؤية الهلال قبل زوال ذلك اليوم ، فهو ممكن الرؤية في ليلة الثلاثين والشهر ناقص ، وان أمكن رؤيته في ذلك اليوم لم يمكن رؤيته في تلك الليلة والشهر تام البتة انتهى.

وفيه أن المعروف المتبادر من الهلال غرة القمر لا ما يرى قبل المحاق في آخر الشهر ، وأيضا فان هنا وهاهنا اسمان وضعا ليشار بهما الى المكان القريب لا الى الزمان القريب. قال ابن مالك في منظومته :

وبهنا وهاهنا أشر الى

دان المكان وبه الكاف صلا

فلفظ الحديث لا تساعد هذا التوجيه. الا أن يقال : انه من باب استعارة اسم المكان للزمان ، كما قيل في قوله تعالى « فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ » (١) أي : وقت رؤيتهم البأس.

وفيه بعد. مع أنه مبني على الحساب النجومي في ضبط سير القمر واجتماعه مع الشمس ، ولا يجوز التعويل على قول المنجم ولا الاجتهاد فيه.

وقال الفاضل السبزواري قدس‌سره على ما نقل عنه : اذا فرض الطالب في

__________________

(١) سورة غافر : ٨٥.

٣٥٧

المشرق (١) وطلب الهلال غدوة ، أي : غدوتنا أي أول يومنا وقبل الزوال بالنسبة الينا ، وان كان بالنسبة الى الطالب المفروض أواخر يومه ، لفرضه في المشرق الذي بينه وبين هذا البلد ربع دورة مثلا ولم ير هناك.

فهو هنا هلال جديد بمعنى أنه قد يكون هلالا جديدا ، لامكان خروج الشعاع بعد غروبه بالنسبة الى أفق الطالب وصيرورته ، قابلا للرؤية قبل الغروب بالنسبة الى هذا الافق ، وحينئذ في الرواية اشارة الى اختلاف الافق الشرقي والغربي في الحكم انتهى.

ولا يخفى أنه بهذا التوجيه لا يدل على اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال ولا يؤيده ، ولذلك لم يذكره فيما تأيد به عليه.

أقول : لهذا الخبر وجه آخر اذا طلب الهلال أي غرة القمر في المشرق ، أي : في مشرقنا (٢) وهو مغرب الطالب ، بأن يفرض حيث يكون بينه وبين مشرقنا هذا قريب من ربع الدورة غدوة ، أي : في أول يومنا وهو مساء الطالب.

وذلك في زمان يغلب على ظنه في تلك البقعة بالنسبة الى ذلك الافق خروجه من تحت الشعاع فلم ير ، لعدم خروجه عند بالنسبة اليه ، فهو هنا أي في مغربنا وهو مشرق الطالب هلال جديد لخروجه من الشعاع مدة نصف الدور رأى لعدم المانع أو لم ير.

__________________

(١) لعله جعل فى المشرق ظرفا للطلب بأن يكون الطلب واقعا فيه « منه ».

(٢) ما ذكرناه لا اختصاص له بمشرق ولا مغرب ، بل يصح تعميمه على أن قال : اذا طلب الهلال فى المشرق ، أى : فى مشرق أى بلد كان ، وهو مغرب أهل بلد الطالب ، وهم الذين في محاذاة أهل ذلك البلد تحت الارض ، فلم ير لما ذكرناه ، فهو هنا أى فى مغرب أهل ذلك البلد. وهو مشرق أهل بلد الطالب ، هلال جديد لما ذكرناه « منه ».

٣٥٨

وجه آخر : اذا طلب الهلال في يوم الثلاثين في المشرق ، أي : في مشرق الطالب غدوة ، أي : في أول نهاره ، فلم ير لكونه في أول النهار تحت الافق فهو هنا ، أي : في جانب المشرق هلال جديد لا بالنسبة اليه ، بل بالنسبة الى الذين تحت أقدامه ، فان مشرقه مغربهم ومغربه مشرقهم ، وغدوه مساؤهم ومساءه غدوهم ، فاذا لم ير الهلال في المشرق في غدوه هذا ، وذلك لكونه تحت افق مشرقه وهو بعينه افق مغربهم ، فيكون فوق افق المغرب ، فاذا بزغت الشمس وظهرت فوق افق المشرق وهو تحته ، كان خارجا عن الشعاع ، فهو هنا هلال جديد بالنسبة اليهم رأى لما مر أو لم ير لذلك.

وظني أن ما ذكرناه أقل مئونة مما ذكروه ، ولا يرد عليه ما يرد عليه.

نعم لا بد من تخصيصه بماله مشرق ومغرب يكون لزمان قطع ما بينهما قد يتصور فيه خروج الشعاع ، فلا يكون فيما يقرب عرض التسعين ، والغرض هو الاشارة الى تخالف الافاق في تقدم طلوع الاهلة وتأخرها ، بناء على ما ثبت من كروية الارض وانه يجوز أن يكون افق غربي بالنسبة الى بلد شرقنا بالاضافة الى آخر وبالعكس ، والذين أنكروا كرويتها فقد أنكروا تحقق تلك الاختلافات.

والحق أن ضعفه سندا يغني عن تجشم مثل تلك التوجيهات.

وبالجملة ليس على اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال فيما علمناه خبر صحيح صريح فيه سوى صحيحة حماد على ما تقرر عندنا ، وحسنته على المشهور.

ولكنها مع قطع النظر والاغماض عن ورودها في التقية واستلزامها ما هو خلاف الواقع لا تنهض حجة في معارضة الاصل والاستصحاب وما هو مشهور بين الاصحاب وتلك الاخبار وما في معناها الدال على انحصار الطريق في الرؤية أو مضي الثلاثين.

وعلى تقدير التعارض والتساقط لا يثبت به المطلوب ، لان على هذا التقدير لا

٣٥٩

دليل لنا يدل على كون هذا اليوم من شوال ، بل غايته التردد والاحتمال لو سلم لهم ذلك ، وبذلك لا يثبت دعواهم ، لان الافطار انما يجب مع العلم بالعيد أو الظن به ، لا مع الشك فيه ، كما فصلناه سالفا فتذكر.

فصل

[ تحقيق حول كلام الفاضل التنكابنى فى المسألة ]

اني بعد ما فرغت من تسويد هذه الرسالة الهلالية ، وأنا العبد الضعيف النحيف المذنب الجاني الفاني محمد بن الحسين بن محمد رضا بن علاء الدين محمد المشتهر باسماعيل المازندراني.

بلغني أن للفاضل التنكابني المشتهر بملا محمد الملقب بالسراب (١) طوبى له وحسن مآب ، رسالة في هذا الباب ، ألفها للرد على الفاضل السبزواري صاحب الذخيرة قدس‌سره ، القائل باعتبار رؤية الهلال قبل الزوال.

فبعد ما حصلتها ونظرت فيها ، ألفيتها مؤيدة لما حررته في هذا الباب مؤكدة لما قررته في بعض مواضع الكتاب ، فشكرت له ذلك وصرت به مسرورا ، ولقد كان سعيه هذا جزاه الله الخير مشكورا.

فنقلت رسالته هذه بعباراته الشافية الكافية وكلماته الموجزة الوافية ، وان كان مورثا لتطويل المقال وتكثير الجدال ، وفي بعض المواضع موجبا لتكرير القيل وتجديد القال ، لانها تتضمن نكت زوائد وغرر فرائد ، سمح بها في هذه الرسالة الشريفة ذهنه الثاقب وفكره الصائب.

قال قدس‌سره بعد نقل صحيحة محمد بن قيس السابقة : واستدل صاحب

__________________

(١) له ترجمة مبسوطة في الروضات ٧ / ١٠٦ ، فراجع.

٣٦٠