الرسائل الفقهيّة - ج ٢

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي

الرسائل الفقهيّة - ج ٢

المؤلف:

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

وفي صحيحة منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : صم لرؤية الهلال وأفطر لرؤيته (١).

وفي صحيحة زيد الشحام عنه عليه‌السلام أنه سئل عن الاهلة ، فقال : هي أهلة الشهور فاذا رأيت الهلال فصم واذا رأيته فافطر (٢).

وفي صحيحة اسحاق بن عمار عنه عليه‌السلام أنه قال : في كتاب علي عليه‌السلام صم لرؤيته وأفطر لرؤيته (٣).

والاخبار بهذا المضمون متواترة أو كادت أن تبلغ حد التواتر.

أقول : ومن البين المعلوم الذي لا يكاد أن يخفى على أحد أن فزع المسلمين في وقت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن بعده الى زماننا هذا في تعرف الهلال الى معاينة الهلال ورؤيته ، انما كان في ليلة تحتمل فيها الرؤية وعدمها وهي ليلة الثلاثين ، لا في يومها قبل الزوال.

فاذا قيل : الصوم للرؤية والفطر للرؤية ، فانما يتبادر منه الى الذهن هذه الرؤية المعروفة عند أهل الدين المعلومة عند كافة المسلمين ، لا ما قد يتفق في يوم الثلاثين.

ويؤيده ما عليه الاصحاب من استحباب الدعاء عند رؤية الهلال ، تأسيا بالنبي والائمة عليهم‌السلام ، اذ لا شك أن ذلك انما كان بالليل ، كما هو المعروف في هذه الاعصار ، لا بالنهار في يوم الثلاثين عند رؤية الهلال قبل الزوال على سمت المشرق فليكن هذا على ذكر منك عسى أن ينفعك إن شاء الله العزيز.

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٤ / ١٥٧ ، ح ٨.

(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ١٥٥ ، ح ٢.

(٣) تهذيب الاحكام ٤ / ١٥٨ ، ح ١٣.

٣٢١

فصل

[ تنقيح اسانيد أخبار المسألة ]

المراد بأبي جعفر في سند الرواية الثانية أحمد بن محمد بن عيسى ، كما صرح به ملا ميرزا محمد في الاوسط في الفائدة الثانية ، حيث قال : ذكر الشيخ وغيره في كثير من الاخبار سعد بن عبد الله عن أبي جعفر ، والمراد بأبي جعفر هذا هو أحمد بن محمد بن عيسى انتهى.

وهو وان كان على المشهور ثقة غير مدافع ، الا أن قول أبي عمرو الكشي في ترجمة يونس بن عبد الرحمن ، بعد نقله عن أحمد هذا نبذة من أخبار دالة على ذم يونس ، ذاكر لعل هذه الروايات كانت من أحمد قبل رجوعه ، يدفعه ويدل على ذمه كليا ، وعدم اعتباره في رواياته.

والاقوى عندي التوقف فيه ، فانه نقل عنه أشياء تفيد عدم تثبته في الامور ، بل بعضها تدل على سخافة عقله ، مثل ما نقل عن الفضل بن شاذان ، قال : أحمد ابن عيسى تاب واستغفر في وقيعته في يونس لرؤيا رآها.

فان مستنده في تلك الوقيعة ان كان دليلا شرعيا يفيد العلم أو الظن المتاخم له ، فكيف يسوغ له الرجوع عنه ، والاعتماد على ما رآه في المنام ، ولعله كان من أضغاث الاحلام والعدول عما يقتضيه الدليل الى ما يقتضيه الرؤيا ، مع احتمال كونها كاذبة غير مسوغ في شريعة العقل والنقل. وان لم يكن له عليه مستند شرعي كان ذلك منه بهتانا قادحا في عدالته.

ومثله ما نقل عنه في أحمد بن خالد البرقي من ابعاده عن قم ، ثم اعادته اليها واعتذاره اليه ومشيه بعد وفاته في جنازته حافيا حاسرا ليبرئ نفسه عما

٣٢٢

قذفه به. فانه يدل على أنه رماه فيما رماه وهو شاك فيه ، وكان عليه أن يثبت في أمره ، فتركه وقذفه ثم نفيه يقدح فيه.

وفي اصول الكافي في باب النص على أبي الحسن الثالث عليه‌السلام حديث طويل يدل على ذمه من وجهين ، ذكرناهما في الحاشية ، وفي الاوسط لملا ميرزا محمد في الحاشية المعلقة على ترجمة أحمد هذا هكذا : في ارشاد المفيد ما يدل على قدح فيه ، وأوردناه في كتابنا الكبير. وبالجملة المستفاد مما ذكره الكشي في ترجمة يونس ذم أحمد ذاك ، وانه كان يضع الحديث ، فتأمل بعد المراجعة.

ثم ان الحسن بن علي بن فضال الواقع في الطريق فطحي المذهب ، وان رجع عنه في غمرات الموت. ولكن رجوعه هذا لا يجدي نفعا في الاعتماد على حديثه على مذهب من لا يعمل بالموثق بل يرده ، كأكثر أصحابنا ، ومنهم العلامة كما صرح به في كتبه الاصولية.

وقال صاحب المدارك بعد نقله ما رواه الشيخ في التهذيب عن سعد بن عبد الله ، عن أبي جعفر ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي أيوب ابراهيم بن عثمان ، عن أبي عبيدة الحذاء ، قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : أيما ذمي اشترى من مسلم أرضا ، فان عليه الخمس (١).

استضعفه جدي قدس‌سره في فوائد القواعد ، وذكر في الروضة تبعا للعلامة في المختلف أنه من الموثق ، وهو غير جيد ، لانه في أعلى مراتب الصحة ، فالعمل به متعين (٢).

أقول : الظاهر أن جده قدس‌سرهما بعد ما تبع العلامة في الحكم بانه من

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٤ / ١٢٣.

(٢) مدارك الاحكام ٥ / ٣٨٦.

٣٢٣

الموثق ، وقف على قدح في أبي جعفر هذا ، كما أومأنا اليه ، فحكم بضعف السند الذي هو من رجاله ، وهو المطابق للامر نفسه.

وأما السيد السند ، فلما لم يقف على قدح فيه وذلك لقصوره في التتبع والتأمل فيما نقلناه ، وكان هو على المشهور غير مدافع ، حكم بكون هذا السند في أعلى مراتب الصحة.

ولا كذلك الامر في نفسه ، ولكنه من مثله هين سهل لين ، لانه تبع في ذلك المشهور ولم يبذل جهده ، وانما الكلام في مثل الفاضل العلامة وطول يده في الرجال والاطلاع على الاحوال أنه كيف حكم بكونه من الموثق؟ ورجاله كلهم اماميون موثقون لا قدح فيهم أصلا الا في أبي جعفر هذا.

فمن وقف عليه فهذا السند عنده ضعيف ، ومن لم يقفه عليه فهو عنده صحيح بل في أعلى مراتب الصحة ، كما أفاده السيد السند ، وأما أنه موثق فمما لا وجه له أصلا ، وهو قدس‌سره أعرف بما قال ، والله أعلم بحقيقة الحال.

وحكي عن ولده فخر المحققين أنه قال : سألت والدي عن أبان بن عثمان ، فقال : الاقرب عندي عدم قبول روايته ، لقوله تعالى « إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ » (١) ولا فسق أعظم من عدم الايمان.

واذا لم تكن رواية ابن عثمان ، وهو ممن أجمعت العصابة على تصديقه وتصحيح ما يصح عنه عنده مقبولة ، فبأن لا تكون رواية ابن فضال هذه مقبولة أولى.

وهذا معنى قوله في مقام رد الحديث الثاني ، فان في طريقه ابن فضال ، وهو ضعيف. ولعله لذلك جعل الشهيد في الدروس (٢). دليل السيد على مذهبه

__________________

(١) سورة الحجرات : ٦.

(٢) الدروس ص ٧٦.

٣٢٤

رواية حماد بن عثمان .. يذكر دليلا عليه رواية ابن فضال ، فتأمل.

فقول الفاضل الاردبيلي رحمه‌الله في شرح الارشاد في مقام الرد على العلامة كونه ضعيفا ، غير ظاهر ، بل الظاهر أنه ثقة غير فطحي ، وان قيل انه فطحي (١) كما ترى ، فانه أراد رحمه‌الله بالضعيف مقابل الصحيح ، يعني انه ليس بحديث يعمل به ، كما يعمل بالصحيح لعدم ايمان راويه حال روايته ، ولا فسق أعظم من عدم الايمان فوجب التثبت في خبره كما أمر الله به.

ثم قال العلامة رحمه‌الله : ومع ذلك لا يصلحان ـ أي : الخبران المذكوران ـ لمعارضة الاحاديث الكثيرة الدالة على انحصار الطريق في الرؤية ومضي الثلاثين لا غير.

هذا وأما قول الفاضل الاردبيلي : وهذان الخبران ليسا بصريحين في الافطار والصوم ، اذ قد يكون لليلة المتقدمة ، مع عدم كون التكليف به الا مع العلم به في الليل أو بالشهود وفي النهار ، فتأمل. فان الظاهر من الرؤية هي المتعارفة ، وانما تكون في الليل ، فلا تشمل أخبارها لرؤية النهار ، ولهذا بعد الزوال غير داخل فيها (٢).

ففيه تأمل ، فان قوله عليه‌السلام : اذا رؤي الهلال قبل الزوال ، فذلك اليوم من شوال ، واذا رؤي بعد الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان. صريح في الافطار والصوم ، فان ذلك اليوم لما كان من شوال كان يوم عيد ، فوجب فيه الافطار ، وكذا لما كان هذا اليوم من شهر رمضان وجب فيه الصوم.

نعم ما ذكره قدس‌سره صالح لان يجمع به بين الخبر الاول ، والاخبار المتضمنة لانحصار الطريق في الرواية ، أو مضي الثلاثين ، بأن المراد بالرؤية هي المتعارفة ، وانما تكون في ليلة الثلاثين لا في يومه ، فلا منافاة بين رؤيته في

__________________

(١) مجمع الفائدة ٥ / ٢٩٨.

(٢) مجمع الفائدة ٥ / ٣٠١.

٣٢٥

ذلك اليوم ، والحكم بانه لليلة الماضية ، وبين عدم التكليف بالعمل به الا مع العلم به في الليل ، أو بالشهود في النهار ، بأنه رؤي في الليلة الماضية.

وبالجملة لا عبرة برؤيته في النهار رأى قبل الزوال أو بعده حكم بكونه لليلة الماضية ، أو لليلة المستقبلة. وانما العبرة برؤيته في الليل ، لانها المتعارفة في وقت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الى يومنا هذا.

ومع قطع النظر عن ذلك نقول : على ما قررناه انحصر ما يدل على اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال في حسنة ابن عثمان ، وهي لا تنهض حجة في معارضة الاصل وظاهر الاخبار وقول معظم الاصحاب.

ومع هذا كله ليس ببعيد كونها واردة في طريق التقية ، لان من مذهب أبي يوسف والثوري وأحمد اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال ، وجعلهم يوم الرؤية يوم عيد ومن شوال.

فبمقتضى قواعد الاصحاب ، حيث صرحوا بأن أحد الخبرين اذا كان مخالفا لاهل الخلاف ، والاخر موافقا لهم ، يرجع المخالف لاحتمال التقية في الموافق على ما هو المعلوم من أحوال الائمة عليهم‌السلام.

وقد أخذوا ذلك من مقبولة عمر بن حنظلة ، بل صحيحته ، لان الشهيد الثاني وثقه (١) في الدراية ، حيث قال : جعلت فداك وجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والاخر مخالفا لها ، فبأي الخبرين يؤخذ؟ قال : بما يخالف العامة ، فان فيه

__________________

(١) في باب أوقات الصلاة من التهذيب هكذا : محمد بن يعقوب عن على بن ابراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن يزيد بن خليفة الحارثى ، قال قلت لابى عبد الله عليه‌السلام ان عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : اذا لا يكذب علينا الحديث ، فتأمل في افادته « منه ».

٣٢٦

الرشاد (١) (٢).

ورواية علي بن أسباط ، قال قلت للرضا عليه‌السلام يحدث أمر لا أجد بدا من معرفته وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك ، قال فقال : ائت فقيه البلد فاستفتيه ، فاذا أفتاك بشي‌ء فخذ بخلافه ، فان الحق بخلافه (٣) كذا في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام باسناده اليه ، وجب الاخذ بما يخالفهم.

ومن هنا ترى شيخ الطائفة يقول : اذا تساوت الروايتان في العدالة والعدد عمل بأبعدهما من قول العامة.

فصل

[ تحقيق في رواة الاسانيد ]

صرح النجاشي بتوثيق علي بن حاتم ، بعد أن ذكره بعنوان علي بن أبي سهل (٤).

وقال الشيخ في الفهرست : علي بن حاتم له كتب كثيرة جيدة معتمدة ، نحوا من ثلاثين كتابا على ترتيب الفقه ، ثم عدها الى أن قال : منها كتاب الصوم أخبرنا بكتبه ورواياته أحمد بن عبدون ، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٦ / ٣٠٢.

(٢) في التهذيب [ ٩ / ٢٧١ ] في كتاب الميراث في رواية زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام حديث طويل قال فيه : فأتيته من الغد بعد الظهر ، وكانت ساعتى التى كنت أخلو به فيها بين الظهر والعصر وكنت أكره أن أسأله الا خاليا خشية أن يفتيني من أجل من يحضرني بالتقية « منه ».

(٣) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ / ٢٧٥.

(٤) رجال النجاشي ص ٢٦٣.

٣٢٧

شيبان القزويني (١).

وقال في أوائل مشيخة التهذيب : اقتصرنا من ايراد الخبر على الابتداء بذكر المصنف الذي أخذنا الخبر من كتابه ، أو صاحب الاصل الذي أخذنا الحديث من أصله (٢).

أقول : وعلى هذا فلا يضرنا ضعف الطريق ، أو جهالته الى صاحب الكتاب والاصل ، لاشتهارهما عند نقله عنهما ، فروايته عن علي بن حاتم بواسطة الحسين ابن علي بن شيبان وجهالته لا تضر.

أما أولا ، فلما ذكرناه ، وأما ثانيا ، فلانه من مشايخ الاجازة ، وأما ثالثا فلان ملا عناية الله قدس‌سره صرح في حاشيته على مجمع الرجال ، بأن الحسين هذا هو ابن أحمد بن شيبان القزويني ، وان الشيخ سها في تبديل أحمد بعلي ، ولا يخفى أمثاله من قلم الشيخ قدس‌سره. ثم قال : وحينئذ لا يخفى أن القزويني معتبر يدخل حديثه في الحسان انتهى.

أقول : اذا كان طريق الشيخ الى الكتاب حسنا ، وقد صرح بأنه كتاب جيد معتمد عليه ، كان الحديث المأخوذ منه أيضا معتبرا معتمدا.

ومن غيره يستفاد أن محمد بن جعفر الواقع في الطريق ، والمراد به الرزاز بقرينة روايته عن محمد بن أحمد بن يحيى ، معتبر معتمد عليه ، لرواية علي بن حاتم الثقة صاحب الكتاب هذا الحديث المعتبر المعتمد عليه ، لكونه مذكورا في هذا الكتاب المعتبر المعتمد عليه عنه ، فتأمل فيه ، فانه طريق أنيق ومسلك دقيق.

فعدم تصريحهم بتوثيقه ، بل وجهالته أيضا لا تضر ، لانه امامي المذهب لم يقدح فيه أحد. وقد روى عن جماعة من المعتبرين ، كمحمد بن يعقوب الكليني ، وأبي غالب الزراري ، وعلي بن حاتم الثقة ، ومن في هذه الطبقة ، وستعرف أن

__________________

(١) الفهرست ص ٩٨.

(٢) مشيخة التهذيب ص ٤.

٣٢٨

كل ذلك دليل مدحه ، وحصول الظن بصدقه ، ووجوب العمل بروايته. وللشيخ الى الحسين بن سعيد طرق صحاح.

والقاسم بن سليمان في سند الحديث الخامس امامي ، لم يقدح فيه أحد ، له كتاب يرويه عنه النضر بن سويد. وقد صرح بحسن سند هو من رجاله ملا عناية الله القهپائي في مجمع الرجال.

والظاهر أن الشيخ أخذ الحديث المذكور : اما من كتابه ، أو من كتاب جراح المدائني ، وهو أيضا امامي المذهب ، من أصحاب الباقر والصادق عليهما‌السلام ، لم يقدح فيه أحد ، وله كتاب يرويه عنه جماعة منهم النضر بن سويد ، وقد صرح بحسن سند هو من رجاله الفاضل المذكور في الكتاب المسطور.

ولعل الوجه فيه ما أفاده رحمه‌الله في بعض حواشيه على هذا الكتاب بقوله : ومن المدح كون الرجل راويا عن أحد منهم عليهم‌السلام ، ومذكورا في جملة أصحابه ، ومنه كونه صاحب أصل أو كتاب ، ولذلك ترى أئمة الرجال يذكرون الرجل ويعدون له كذا وكذا كتبا ، فلو لم يكن كون الرجل صاحب أصل أو كتاب ، مع عدم التصريح بدم فيه مدحا كليا معتبرا عندهم ، لكان ذكر ما ذكروا في محل العبث. قال : وكذا من المدح أن يكون الرجل راويا عن معتبر ، أو يروي عن المعتبر.

أقول : كل ذلك قد جمع في جراح المدائني ، وبعضه في القاسم بن سليمان فهما ممدوحان مدحا كليا معتبرا عندهم.

وقال ملا مراد التفرشي في تعليقاته على مشيخة التهذيب : وظني أن من تحقق كونه من أهل المعرفة ، ولم يقدح فيه أحد ، وأكثر العلماء الرواية عنه ، يظن صدقه في الرواية ظنا غالبا ، وانه لا يكذب على الائمة عليهم‌السلام ، وهذا القدر كاف

٣٢٩

في وجوب العمل بروايته ، ولا يحتاج الى أن يظن عدالته ، بل يكفي أن لا يظن فسقه ، لاستلزامه ظن وجوب التثبت في خبره ، الى آخر ما أفاده هناك.

والاظهر أن الشيخ أخذ هذا الحديث من كتاب الحسين بن سعيد ، بقرينة ما سبق من قوله : واقتصرنا من ايراد الخبر على الابتداء بذكر المصنف الذي أخذنا الخبر من كتابه. وكتب ابن سعيد كتب حسنة معمول عليها ، كما صرح به النجاشي في كتابه ، واذا كان هذا الكتاب كتاب حسن معمول عليه ، كان الحديث المأخوذ منه كذلك.

فظهر أن هذا حديث حسن لا ضعيف ، كما ظن صاحب الذخيرة قدس‌سره ، حيث قال فيها : والعجب أن الشيخ وجماعة استدلوا على القول بعدم اعتبار رؤية الهلال يوم الثلاثين قبل الزوال ، بصحيحة محمد بن قيس المذكورة ، وبرواية محمد بن عيسى ، وبما رواه الشيخ عن جراح المدائني ، واستدل الشيخ بموثقة اسحاق بن عمار المذكورة.

وأنت خبير بأن الاولى تدل على خلاف مقصودهم ، وكذا الثانية والرابعة وأما الثالثة ، فضعيفة لا تصلح لمقاومة ما ذكرنا من الاخبار.

وأما القول بأن المراد بالنهار المذكور فيها ما بعد الزوال بقرينة سائر الاخبار فان المطلق يحمل على المقيد ، كما قال به صاحب الوافي ، ومثله صاحب الذخيرة حيث قال فيها : نسبته الى ما ذكرناه من الاخبار نسبة العام الى الخاص فتخصص بها ، وهو محمول على الغالب من تحقق الرؤية بعد الزوال.

ففيه أن هذه الاخبار غير صالحة لتقييده وتخصيصه ، غير خبري حماد وابن بكير. وقد عرفت أن الثاني منهما ضعيف ، والاول وان كان حسنا لكنه معارض ومع ذلك وارد في طريق التقية ، ومضمونه مخالف لما هو الواقع ، الى غير ذلك من أسباب القدح فيه الاتية.

٣٣٠

فليس هنا بعد تعمق النظر وتدقيقه وملاحظة الاطراف خبر صالح لتقييده وتخصيصه ، لان روايتي محمد بن قيس ومحمد بن عيسى وكذا موثقة اسحاق كلها مؤكدة لما دل عليه بعمومه على ما سنقرره إن شاء الله العزيز.

وأما رواية داود الرقي ، فبين ضعيفة ومجهولة ، ومع ذلك لها احتمالات كثيرة ، ومن المشهور بين الطلبة قولهم « اذا جاء الاحتمال سقط الاستدلال » فكيف يصلح لتخصيص حديث حسن أو تقييده.

على أن تخصيصه بما بعد الزوال يجعله قليل الفائدة بل عديمها ، اذ قل من يتوهم أن رؤية هلال شوال بعد الزوال يوجب الافطار ، أو لصحيحة حتى يحتاج في دفعه الى افادة ابتدائه بقوله : من رأى هلال شوال بنهار في رمضان فليتم صيامه ، فتأمل.

واعلم أن أبان بن عثمان الاحمر ممن أجمعت العصابة على تصديقه وتصحيح ما يصح عنه ، وهذا يكفي في اعتباره اذا روى عن معتبر رواته وتفيد أكثر من التوثيق.

لا يقال : قوله تعالى « إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ » (١) يوجب عدم اعتبار أمثاله ، فانه لا فسق أعظم من عدم الايمان.

لانا نقول : الفسق هو الخروج عن طاعة الله مع اعتقاده الفاسق كذلك ، ومثل هذا ليس كذلك ، فان هذا الاعتقاد عند معتقده هو الطاعة لا غير والاولى أن الاجماع خصصه.

قال الشيخ البهائي في مشرق الشمسين : ان متأخري أصحابنا ربما يسلكون طريقة القدماء في بعض الاحيان ، ويصفون بعض الاحاديث الذي في سنده من يعتقدون أنه ناووسي بالصحة ، نظرا الى اندراجه في من أجمعوا على تصحيح

__________________

(١) سورة الحجرات : ٦.

٣٣١

ما يصح عنهم وعلى هذا جرى العلامة في الخلاصة ، حيث قال : ان طريق الصدوق الى أبي مريم الانصاري صحيح ، وان كان في طريقه أبان بن عثمان ، مستندا الى اجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنه (١).

أقول : هذا وان كان حقا ، الا أنه ينافي ما حكي عن ولده فخر المحققين ، وقد سبق هذا.

وأما اسحاق بن عمار الواقع في الطريق ، فالمراد به ابن حيان الكوفي الصيرفي الموثق الامامي الراوي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، لا ابن موسى الساباطي الفطحي الغير الراوي ، وان احتمل في أول النظر ، كما وقع للعلامة في الخلاصة ولابن داود في كتابه.

وأما داود بن كثير الرقي ، فمختلف فيه ، وثقه بعضهم ، وضعفه آخرون ، وقال العلامة في الخلاصة : والاقوى عندي قبول روايته ، لقول الشيخ الطوسي والكشي أيضا (٢).

وفيه أن الجرح مقدم على التعديل ، فكيف اذا كان الجارح جماعة من الفضلاء ، على أن زكريا بن يحيى الكندي الرقي الراوي عن داود هذا مجهول فالسند بين ضعيف ومجهول.

فصل

[ اضطراب كلام الاصحاب فى المسألة ]

كلامهم في هذه المسألة مشوش جدا ، فان الظاهر من كلام شيخ الطائفة

__________________

(١) مشرق الشمسين ص ٢٧٠.

(٢) رجال العلامة ص ٦٨.

٣٣٢

في التهذيب أن الوارد من الاخبار الدالة على اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال منحصر في روايتي حماد بن عثمان وعبد الله بن بكير ، وهما لكونهما غير معلومين ـ أي غير صحيحتين ـ لا تنهضان حجة في معارضة الاخبار المتواترة.

وقريب منه كلام الفاضل التستري في الدلالة على انحصار الدليل في الخبرين المذكورين كما سيأتي ، ولهما شركاء في ذلك من المتأخرين.

والمنقول عن المرتضى وهو لا يقول بحجية خبر الواحد ، معللا بأنه لا يفيد علما ولا عملا ، أنه قال في بعض مسائله : اذا رؤي الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية. وهذا يفيد أن الاخبار الواردة بهذا المضمون متواترة عنده ، وهما متناقضان.

والشهيد في الدروس (١) جعل دليله على مذهبه هذا رواية حماد ، وقال : وهي حسنة لكنها معارضة.

وهذا منه غريب ، اذ المشهور أنه لا يعمل بخبر الواحد وان كان صحيحا ، فكيف يعمل في مثل هذه المسألة بحسنة حماد؟ مع معارضتها بالاصل والاستصحاب وروايات متواترة على ظن الشيخ.

فان قلت : لعل مضمون هذه الحسنة كان متواترا عند السيد في زمانه ، أو محفوفا بقرائن تفيد علما به أو ظنا متاخما له ، وعليه نزل ما ادعاه هو ومن تبعه من تواتر الاخبار الدالة على النص وغيره ، اذ لا شبهة في أن كلا منها آحاد ، الا أن القدر المشترك بينها كان متواترا عندهم في زمانهم ، وهذا عذر واضح في العمل بها.

قلت : هذا غاية ما يمكن أن يقال من جانبهم ، وان كان لا يجدينا نفعا ، لعدم تحقق مثل هذا العذر لنا ، ولما تبين من كثرة وقوع الخطأ في الاجتهاد ، وان مبنى

__________________

(١) الدروس ص ٧٦.

٣٣٣

الامر على الظن لا على القطع ، فالموافقة لهم على ما قالوه لا يسوغ.

ولا يبعد أن يكون الى هذا أشار العلامة في المختلف بقوله « ادعى السيد » يعنى ان اجتهاده هذا في تحصيل الظن بتواتره وان كان حجة عليه الا أنه لا يجدينا نفعا ، فتأمل.

ويظهر من بعضهم أن حجته عليه الاجماع ، حيث قال : ادعى السيد أن عليا عليه‌السلام وابن مسعود وابن عمر وأنس قالوا به ولا مخالف لهم (١).

وهذا عجيب ، اذ المشهور أن معظم الاصحاب قالوا بعدم اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال ، واستدلوا عليه بالاصل والاستصحاب ، والخبرين المؤيدين بظاهر الاخبار المتضمنة لانحصار الطريق في الرواية ، أو مضي الثلاثين.

الا أن يقول : مراده أنه لا مخالف لهم من الصحابة ، فيكون دليله عليه الاجماع لا الاخبار المتواترة. وهذا مع عدم ثبوته ليس بدليل يعارض ما سبق ، فتأمل.

ولو كان مراده أن هذا خبر مروي عن علي عليه‌السلام متواتر ، فحينئذ لا وجه لضم قول غيره اليه ، ولا لدعوى عدم المخالف لهم في ذلك. وكيف يمكن القول بتواتره ولا عين له في كتب الاصحاب اصولا وفروعا ، ولا قال به أحد ممن سبقه ، ولا أحد ممن لحقه ، ولا أحد ممن عاصره ، ولذلك اشتهر بينهم خلافه ، حتى قال في المنتهى : لا نعرف قائله ونسبه الى الشذوذ ، ولعله لذلك قال في المختلف : ادعى السيد ، تمريضا له وايماء لطيفا الى أنه محض ادعاء لا دليل عليه.

هذا مع قلة الاخبار المتواترة في طريقنا في شروح الشرائع ، حتى قال أبو الصلاح : من سئل عن ابراز مثال لذلك أعياه طلبه ، وعلى تقدير تسليم حصول ظنه بذلك لا يجدينا نفعا لما سبق ، فالموافقة له على ادعائه هذا كما فعل بعضهم ظنا منه أن ادعاء هذا يدل على ثبوت ذلك عنده بالقطع ، حيث لا يعمل

__________________

(١) المختلف ص ٦٥. كتاب الصوم.

٣٣٤

بأخبار الاحاد ، والظنون تقليد ، لا يسوغ.

وهذا عبارته بعد اختياره : قول من قال باعتبار رؤية الهلال يوم الثلاثين قبل الزوال ، ويدل عليه أيضا ادعاء السيد أن هذا قول عليه‌السلام ، فانه يدل على ثبوت ذلك عند السيد بالقطع ، حيث لا يعمل بأخبار الاحاد والظنون ، الى هذا كلامه. وفيه ما عرفته.

فصل

[ ما يستفاد من خبرى ابنى عثمان وبكير ]

قال الشيخ في التهذيب بعد نقل روايتي حماد بن عثمان وعبد الله بن بكير السابقتين : هذان الخبران مما لا يصح الاعتراض بهما على ظاهر القرآن والاخبار المتواترة ، لانهما غير معلومين ، وما يكون هذا حكمه لا يجب المصير اليه ، مع أنهما لو صحتا لجاز أن يكون المراد بهما اذا شهد برؤيته قبل الزوال شاهدان من خارج البلد ، يجب الحكم عليه بأن ذلك اليوم من شوال.

وليس لاحد أن يقول : ان هذا لو كان مرادا لما كان لرؤيته قبل الزوال فائدة ، لانه متى شهد الشاهدان وجب العمل بقولهما ، لان ذلك انما يجب اذا كانوا في البلد ولم يروا الهلال.

والمراد بهذين الخبرين ألا يكون في البلد علة ، لكن أخطئوا رؤية الهلال ، ثم رأوه من الغد قبل الزوال ، واقترن الى رؤيتهم شهادة الشهود ووجب العمل به (١) الى هذا كلامه رفع مقامه.

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٤ / ١٧٧.

٣٣٥

وأورد عليه الفاضل التستري في حاشيته على هذا الموضع بقوله ربما يقال ليس في ظاهر القرآن والاخبار دلالة على عدم اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال ، وجعله علامة لليلة الماضية ، كما نبه عليه من عاصره قدس‌سره الشريف.

أقول : ظاهر مكاتبة محمد بن عيسى مطلقا ، وخاصة على نسخة الاستبصار ، وأخبار الرؤية وغيرهما يدل على عدم الاعتبار ، ولا يخفى على ذوي الابصار ، ولذلك حكم الاصحاب بأن حسنة حماد تدل على مذهب السيد ولكنها معارضة ، فتأمل فانه دقيق حتى خفي على مثل الفاضل المذكور ومن عاصره.

ثم قال : وان كان في العمل بمضمون هذين الخبرين والافطار في اليوم الذي دخل في صيامه بنية الوجوب لا يخلو من تأمل وجرأة ، لمكان الاستصحاب المؤيد بقوله تعالى « أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ » (١) وعدم ثبوت حجية الخبر الواحد ، كما نبه عليه أيضا المعاصر المتقدم ذكره الشريف.

أقول : في كلامه قدس‌سره ايماء لطيف الى عدم دلالة غير هذين الخبرين على اعتبار رؤية الهلال قبل الزوال ، كما ظنه صاحب الذخيرة ، وجعله جبرا وقهرا دليلا عليه ، أو اشارة خفية اليه.

ولا يخفى أن الاستدلال بمثل هذا على مثل ذلك خارج عن قانون الاستدلال لان مداره من السلف الى الخلف على الظاهر المتبادر ، لا على الاحتمالات البعيدة الغير المنساقة الى الاذهان.

هذا واعلم أن العاملين بخبر الواحد الصحيح اختلفوا في العمل بالحسن والموثق (٢) فمنهم من عمل بهما ، ومنهم من ردهما وهم الاكثرون ، حيث

__________________

(١) سورة البقرة : ١٨٧.

(٢) في الدراية الشهيدية : اختلفوا في العمل بالحسن ، فمنهم من عمل به مطلقا كالصحيح ، ومنهم من رده مطلقا وهم الاكثرون ، وفصل آخرون فقبلوا الحسن اذا كان العمل بمضمونه مشتهرا.

وكذا اختلفوا في العمل بالموثق نحو اختلافهم فى الحسن ، فقبله قوم مطلقا ، ورده آخرون ، وفصل ثالث « منه ».

٣٣٦

اشترطوا في قبول الرواية الايمان والعدالة ، كما قطع به العلامة في كتبه الاصولية وغيره.

وعلى هذا فهذان الخبران غير معمول بهما عند الاكثرين ، وان سلمنا كون سند الثاني موثقا ، بل نقول : ان العمل بخبر الواحد العدل في مثل ذلك لا يخلو من اشكال ، الا أن تكون هناك قرائن تفيد العلم أو الظن بصدق الخبر.

ولذلك قال المحقق في المعتبر : الوجه الذي لاجله عمل برواية الثقة قبول الاصحاب وانضمام القرائن ، لانه لو لا ذلك لمنع العقل من العمل بخبر الثقة ، اذ لا قطع بقوله.

أقول : وهذا المعنى غير موجود هنا ، لان معظم الاصحاب كما عرفته لم يعملوا بالحسن والموثق ، وخاصة بهذا الحسن والموثق.

ولذلك قال صاحب المدارك بعد نقل قول المصنف قدس‌سرهما « ولا برؤيته يوم الثلاثين قبل الزوال » : هذا قول معظم الاصحاب (١).

وعجبي أنه كيف تردد في ذلك تبعا للمصنف في النافع (٢) والمعتبر (٣) بمجرد تينك الروايتين ، والقرائن هنا تفيد العلم بخلاف مضمونهما ، كالاصل ، وعدم الخروج عن اليقين ، وتلك الاخبار الدالة على انحصار الطريق في الرواية أو مضي الثلاثين ، والشهرة بين الاصحاب.

__________________

(١) مدارك الاحكام ٦ / ١٧٩.

(٢) المختصر النافع ص ٦٩.

(٣) المعتبر ٢ / ٦٨٩.

٣٣٧

حتى قال في المنتهى : وهو مذهب أكثر علمائنا الا ما شذ منهم لا نعرفه ، فبالحقيقة لا قائل بمضمونهما من الاصحاب الى السيد.

فقول صاحب الذخيرة : والعجب أن صاحب المدارك تردد في المسألة بعد ترجيح القول الاول ، وهو القول بعدم اعتبار رؤية الهلال يوم الثلاثين قبل الزوال ، زعما منه التعارض بين الخبرين ، وبين الاخبار الثلاثة المذكورة.

عجب اذ التعارض بينهما وبينها ، بل بينهما وبين الاخبار الدالة على انحصار الطريق في الرؤية ومضي الثلاثين واضح لا ينبغي لعاقل أن يتشكك فيه ، الا أنهما لا يصلحان للتعارض ، كما أشار اليه العلامة ، وقد سبق نقله عنه بقوله في مقام رد الخبر الثاني ، فان في طريقه ابن فضال ، وهو ضعيف ، ومع ذلك لا يصلحان لمعارضة الاحاديث الكثيرة الدالة على انحصار الطريق في الرؤية ومضي الثلاثين لا غير ، الى هذا كلامه.

أقول : وكيف يصلحان لمعارضتها مع ما عرفته ، ومضمونهما لا يخلو من غرابة ، فان من الغريب وأزيد منه أن يستهل جم غفير وجمع كثير مائة ألف أو يزيدون ولم يروا الهلال من غير علة ، فاذا غدوا ورأوه قبل الزوال لزمهم أن يقولوا : هذا لليلة الماضية ، وهم قد تيقنوا في تلك الليلة بعدمه ، ثم أصبحوا صائمين جازمين بوجوب صوم ذلك اليوم ، فيلزمهم القول بوجود ما جزموا بعدمه في ذلك الوقت.

وهذا سوفسطائي من القول لا يعتمد عليه ، بل ولا يلتفت اليه ، لانه يستلزم أن يكون بحضرة جماعة كثيرين جم غفير ولا يروه مع تحقق جميع شرائط الرؤية ، وكيف يصح القول بأن هؤلاء الجماعة مع كثرتهم أخطؤوا رؤية الهلال مع عدم المانع؟ وهذا مما يرتفع منه الامان ، ولا يقبله عقل الانسان.

فمع قطع النظر والاغماض عن ظاهر القرآن والاخبار والاستصحاب وعدم

٣٣٨

ثبوت حجية الخبر الواحد لا يصح العمل بمضمون هذين الخبرين ، لاستلزامه القول بوجود ما حكم الحسن بخلافه وهو حسبي.

لا يقال : عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود ، فلعله كان هناك هلال ولم يروه.

لانا نقول : قد علم جوابه ، وهو أنه سوفسطائي من القول ، لاستلزامه أن تكون بحضرتنا جبال شاهقة ورياض رائعة ولا نراها.

فان قلت : لعل هذا مخصوص بما اذا كان هناك مانع من رؤيته ، وان كان لفظ الحديث أعم.

قلت : كلامنا فيما اذا لم يكن هناك مانع من رؤيته ، ولم ير مع استهلال هؤلاء الرجال وجدهم وجهدهم في طلبه ، فاذا غدوا ورأوه قبل الزوال ، فان ذلك قد يتفق في الصورة المذكورة ، فهل يلزمهم أن يقولوا هذا لليلة الماضية وذلك اليوم من شوال أم لا؟ فالاول يلزمه ما سبق ، والثاني نقض لهذه القاعدة ، فتأمل فان المذكور في مكاتبة محمد بن عيسى أن الشهر الماضي ان كان ثلاثين يوما رؤي هلال الشهر المستقبل قبل الزوال في اليوم الثلاثين ، فهذا صريح في أن رؤيته قبل لا تدل على كونه لليلة الماضية ، بل تدل على أنه لليلة المستقبلة ، وهذا معنى قولهم : ان حسنة حماد تدل على مذهب السيد لكنها معارضة ، فاذا تعارضا وتساقطا بقيت سائر الادلة سالمة عن المعارض ، وبه يثبت المطلوب ، فتأمل.

فان قلت : لا منافاة بين عدم رؤية الهلال بعد الاستهلال في ليلة الثلاثين ، وبين كونه لليلة الماضية وهي ليلة الثلاثين اذا رؤي قبل الزوال في يوم الثلاثين لان هذا انما هو بحسب اعتبار الشرع ، فما اعتبره فهو المعتبر ، وما جعله علامة فهو علامة ، وان لم يطابق الواقع.

٣٣٩

قلت : انه لا يقول بما هو خلاف الواقع ، فكيف يجعل ما ليس بموجود في الواقع موجودا فيه ، ويرتب عليه الاحكام ، ويحكم بتحريم اتمام ذلك الصيام.

ثم ان مضمون هذا الخبرين مع وجود معارض أقوى لا يفيد الا شكا لو سلم ذلك لهم في كون هذا اليوم الذي رؤي فيه الهلال قبل الزوال عيدا الا علما والاظنا.

وانما يجب افطار ما يعلم أو يظن أنه عيد لا ما يشك في أنه هو ، كيف؟ والاغلب في الشهر أن يكون تماما ، كما تشهد به التجربة.

على أن الاصل بقاء الشهر الداخل وعدم حدوث الشهر المستقبل ، اذ الاصل في الحوادث العدم الى أن يثبت خلافه ، ولم يثبت بذلك.

ثم أنت قبل رؤيتك الهلال قبل الزوال كنت على يقين من كون هذا اليوم من الشهر ، وقد سبق أن غاية ما يفيده هذان الخبران مع وجود المعارض هو الشك في كون هذا اليوم يوم عيد ، وقد ورد في أخبار مستفيضة أن اليقين لا يرفع بالشك ، فخذ الحائط لدينك لتكون في الصوم على يقينك ، والله الموفق والمعين.

فصل

[ تحقيق حول كلام الشيخ فى المسألة ]

أراد الشيخ بقوله « والاخبار المتواترة » الاخبار المتضمنة لانحصار الطريق في الرؤية ومضي الثلاثين ، فان من البين أن المراد بقوله عليه‌السلام « صم للرؤية » هو الرؤية الحاصلة في ليلة الثلاثين من شعبان ، لا في يوم الثلاثين منه قبل الزوال لان ذلك لا تسمى بالرؤية في العرف.

٣٤٠