الرسائل الفقهيّة - ج ٢

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي

الرسائل الفقهيّة - ج ٢

المؤلف:

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

الصبي بالصيام؟ فقال : فيما بين خمس عشرة سنة وأربع عشرة سنة ، فان هو صام قبل ذلك فدعه ، ولقد صام ابني فلان قبل ذلك وتركته (١).

فقول الشهيد الثاني رحمه‌الله في شرح الشرائع : ويعتبر اكمال السنة الخامس عشرة ، فلا يكفي الطعن فيها ، عملا بالاستصحاب وفتوى الاصحاب ، ولنا رواية اخرى ان الاحكام تجري على الصبيان في ثلاث عشرة سنة وأربع عشرة سنة وان لم يحتلم ، وليس فيها تصريح بالبلوغ مع عدم صحة سندها.

محل نظر ، أما السند ، فقد عرفت صحته. وأما التصريح بالبلوغ ، فان ايجاب الصيام واجراء جميع الاحكام لا يتصور بدونه.

ويظهر من كلام شارح الرسالة الجعفرية ، حيث قال : ويتحقق البلوغ في الذكر باكمال خمس عشرة سنة على الاصح ، لا بدخول الخامس عشرة ، كما ذهب اليه المتأخرون أن جميعهم ذهبوا اليه.

وبالجملة لا دليل في الحقيقة على ما هو المشهور من اكمال الخامس عشرة ، فان الاخبار الدالة عليه ضعيفة ولا اجماع هنا ، والاصل والاستصحاب وفتوى بعض الاصحاب بعد ورود النص الصحيح صريح في اكمال ثلاث عشرة سنة ، والدخول في الاربع عشرة لا عبرة بها.

وتتفرع على هذا الخلاف فروع لا تحصى :

منها : أن من استطاع بعد اكمال ثلاث عشرة سنة والدخول في الاربع عشرة وحج في هذا السن ، لا يجب عليه الحج بعد ذلك خلافا للمشهور.

ومنها : أنه اذا مات في هذا السن يجب أن يصلي عليه صلاة البالغين ، ولا يجوز أن يقول في الدعاء : اللهم اجعله لابويه ولنا سلفا وفرطا وأجرا ، لانه مختص

__________________

(١) فروع الكافى ٤ / ١٢٥ ، ح ٢.

٣٠١

بالاطفال ، وهذا ليس منهم.

ومنها : أنه اذا بلغ هذا السن وأونس منه الرشد ، دفع اليه أمواله ، الى غير ذلك كما أشار اليه الامام عليه‌السلام في الحديث السابق ذكره بقوله « وجاز له كل شي‌ء » الا أن يكون ضعيفا ، أي : في عقله.

واعلم أن الذكر والانثى مشتركان في العلامتين الاوليين ، وهما خروج المني من الموضع المعتاد ، ونبات الشعر الخشن على العانة. وأما السن في الانثى ، ففيه أيضا خلاف لاختلاف الروايات ، ففي رواية عمار السابقة أنه ثلاث عشرة سنة وروي أنه يحصل بعشرة سنين. وذهب العامة الى أن بلوغها بالسن لا يحصل الا بخمس عشرة سنة ، وانما اختلفوا فيما زاد.

وفي أكثر الروايات الواردة في طريقنا أنه انما يحصل باكمال تسع سنين ، وهو الاقوى وعليه الفتوى.

ويؤيده ما دل على عدم جواز الدخول بها قبل التسع وجوازه بعده ، مع عدم معارض صحيح.

والقول بأن أصالة عدم التكليف والبلوغ يقتضي استصحاب الحال السابق الى أن يعلم المزيل ، وهو بلوغ خمس عشرة سنة ان لم يحصل قبله أمر آخر ، مجاب بما سبق أن الاصل انما يصار اليه اذا لم يقم على خلافه دليل ، وهنا قد قام.

بل قيل : يفهم من التذكرة أن بلوغها ببلوغ التسع اجماعي عندنا ، فلا عبرة بخلاف المخالفين وشواذ أصحابنا.

وبما قررناه يعلم حال الخنثى ، لانه ان كان انثى فبلوغه بالسن ، هو اكمال التسع والدخول في العاشرة.

وان كان ذكرا ، فباكمال ثلاث عشرة سنة والدخول في الاربع عشر ، وكذا اذا كان مشكلا.

٣٠٢

واذا خرج منيه من فرجيه أو حاض من فرج وأمنى من فرج آخر فهو بالغ ، وكذا اذا خرج منيه من فرج الذكر ، أو حيضه من فرج الانثى ، لان الاول يدل على كونه ذكرا بالغا ، كما يدل الثاني على كونه انثى كذلك.

وتم الاستنساخ والتصحيح في (٢٧) رجب المبارك (١٤١١) هـ ق في بلدة قم المقدسة على يد العبد السيد مهدي الرجائي عفي عنه.

٣٠٣
٣٠٤

سلسلة آثار المحقق الخاجوئى

(٥٩)

رسالة

فى من أدرك الامام فى أثناء الصلاة

للعلّامة المحقّق العارف

محمّد اسماعيل بن الحسين بن محمّد رضا المازندرانى الخاجوئي

المتوفّى سنة ١١٧٣ ه‍ ق

تحقيق

السّيّد مهدى الرّجائي

٣٠٥
٣٠٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

في الفقيه والتهذيب والاستبصار عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن اذينة ، عن زرارة ـ فالسند الصحيح ـ عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : اذا أدرك الرجل بعض الصلاة وفاته بعض خلف امام يحتسب بالصلاة خلفه ، جعل أول ما أدرك أول صلاته ، ان أدرك من الظهر أو العصر أو العشاء الركعتين وفاتته ركعتان قرأ في كل ركعة مما أدرك خلف الامام في نفسه بام الكتاب وسورة ، فان لم يدرك السورة تامة أجزأته ام الكتاب.

فاذا سلم الامام قام فصلى ركعتين لا يقرأ فيهما ، لان الصلاة انما يقرأ فيها في الاولتين في كل ركعة بام الكتاب وسورة ، وفي الاخيرتين لا يقرأ فيهما ، انما هو تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء ليس فيهما قراءة.

فان أدرك ركعة قرأ فيها خلف الامام ، فاذا سلم الامام قام فقرأ ام الكتاب وسورة ، ثم قعد فتشهد ثم قام فصلى ركعتين ليس فيهما قراءة (١).

وفي الكافي عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان ، عن

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٣ / ٤٥ ، الاستبصار ١ / ٤٣٦ ، من لا يحضره الفقيه ١ / ٣٩٣.

٣٠٧

عبد الرحمن بن الحجاج ـ فالسند صحيح ـ قال : سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يدرك الركعة الثانية من الصلاة مع الامام وهي له الاولى ، كيف يصنع اذا جلس الامام؟

قال : يتجافى ولا يتمكن من القعود ، فاذا كانت الثالثة للامام وهي له الثانية ، فليلبث قليلا اذا قام الامام بقدر ما يتشهد ، ثم يلحق الامام.

قال وسألته عن الرجل الذي يدرك الركعتين الاخيرتين من الصلاة كيف يصنع بالقراءة؟ فقال : اقرأ فيهما فانهما لك الاولتان ، ولا تجعل أول صلاتك آخرها (١).

أقول : من أدرك الامام وهو في الركوع ، فقد أدرك ركعة على المشهور ولا قراءة له فيها ، وهو ما كان حاضرا وقت قراءة الامام ، وكذا لو أدركه في أثناء الثالثة أو الرابعة وفي آخر جزء منهما قبيل الركوع ، فقد أدرك ركعة بطريق أولى ولا يمكنه قراءة الفاتحة تامة فضلا عن قراءة السورة ، لوجوب المتابعة.

ومن هنا يعلم أن صحة صلاته غير متوقفة على قراءته فيما يقرأ فيه ، ولا حضوره وقت قراءة الامام ، وذلك أن الامام ضامن للقراءة مطلقا ، أدركه المأموم وقت القراءة أم لم يدركه.

كما يفيده ظاهر موثق سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه سأله رجل عن القراءة خلف الامام ، فقال : ان الامام ضامن للقراءة ، وليس يضمن الامام صلاة الذين خلفه ، انما يضمن القراءة ، كذا في الاستبصار (٢) ، وقريب منه ما في الفقيه (٣).

فصحيحتا زرارة وابن الحجاج المتضمنتان لقراءة المأموم خلف الامام اذا

__________________

(١) فروع الكافى ٣ / ٣٨١ ، ح ١.

(٢) الاستبصار ١ / ٤٤٠ ، ح ٣.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ / ٤٠٦.

٣٠٨

أدركه في الاخيرتين : اما محمولتان على الاستحباب ، أو شاذتان غير معمول بهما ، كما سنشير اليه إن شاء الله العزيز.

فان قلت : لم لا يخصص ما دل على عدم وجوب القراءة على المأموم بغير هذه الصورة الدالة عليها الصحيحتان؟

قلت : لان في التخصيص يلزم ارتكاب خلاف الاصل والظاهر ، بخلاف ما اذا حملناهما على الاستحباب ، فانه لا يضر بعموم ما تضمن سقوط القراءة عن المأموم مطلقا.

فاعتراض صاحب المدارك على العلامة لما حمل الامر في الصحيحتين على الندب ، لما ثبت من عدم وجوب القراءة على المأموم ، بأن ما تضمن سقوط القراءة باطلاقه لا ينافي هذين الخبرين المفصلين ، لوجوب حمل الاطلاق عليهما.

مدفوع ، لان تقييد المطلق هو خلاف الاصل ، والظاهر انما يصار اليه اذا دعت داعية اليه ولا داعي هنا ، لامكان حملهما على الندب الغير المنافي لاطلاق غيرهما وعمومه.

ولعل هذا مراد الفاضل الاردبيلي رحمه‌الله في شرحه على الارشاد ، بعد أن أجاب عن الصحيحتين بأنهما تدلان على وجوب السورة أيضا مع عدم القول به ، كما يفهم من الشرح ، وعلى الوجوب في غير الصورة التي نقل الوجوب فيها في ركعة فقط.

بقوله : مع أنه يجب الجمع بينهما وبين ما دل على السقوط عن المأموم فيحمل على الندب ، وان كان يقتضي القاعدة الاصولية تقييد العموم (١) بغير هذه الصورة ، ولكن هذا الجمع أولى ، لضعف دليل الوجوب مع الندرة.

قال : وأيضا قد يكون المقصود في الثانية النفي عن التسبيح في الاولتين

__________________

(١) الاولى تخصيص العموم ، كما أشرنا اليه « منه ».

٣٠٩

والقراءة في الاخيرتين ، كما يشعر به قوله « فلا تجعل أول صلاتك آخرها » لان ذلك معناه ، كأنه يقول : ان تقرأ فاقرأ في الاولتين ، لا أن تتركها فيهما ، وتقرأ في الاخيرتين وتقلب صوتك.

وبالجملة الاستحباب في موضع النص غير بعيد ، كما اختاره العلامة في المنتهى ، وتدل عليه رواية أحمد بن النضر عن رجل عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قال لي : أي شي‌ء يقول هؤلاء في الرجل اذا فاتته مع الامام ركعتان؟ قال يقولون : يقرأ في الركعتين بالحمد والسورة ، فقال : هذا يقلب صوته فيجعل أولها آخرها فقلت : كيف يصنع؟ قال : يقرأ بفاتحة الكتاب في كل ركعة (١).

قال رحمه‌الله : يمكن أن يريد بكل ركعة انفرد عن الامام ، فيكون قراءتهما مستحبة كما مر (٢).

فان قلت : فما تقول في قول بعض فقهائنا بوجوب قراءة المأموم خلف الامام اذا أدركه في الاخيرتين ، واستدلاله عليه بقوله لئلا تخلو الصلاة عن قراءة ، اذ هو مخير في التسبيح في الاخيرتين.

قلت : فيه نظر من وجوه :

أما أولا ، فلان خلو صلاة المأموم عن قراءته مما لا محذور فيه ولا مانع منه ، بل هو كذلك بالنسبة الى من أدرك أول الصلاة فضلا عن غيره.

وأما قوله عليه‌السلام « لا صلاة الا بفاتحة الكتاب » فانما هو في صلاة الانفراد وبالنظر الى القادر عليها لا في الجماعة ، مع أن قراءة الامام لما كانت قائمة مقام قراءة المأموم صدق أن صلاته أيضا مقرونة بقراءة الفاتحة ، فالحديث على عمومه ، فتأمل.

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٣ / ٤٦ ، ح ٧٢.

(٢) مجمع الفائدة ٣ / ٣٢٧ ـ ٣٢٨.

٣١٠

وروى سليمان بن خالد في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت له : أيقرأ الرجل في الاولى والعصر خلف الامام وهو لا يعلم أنه يقرأ؟ فقال : لا ينبغي ان يقرأ يكله الى الامام (١).

وفيه دلالة على مرجوحية قراءة المأموم خلف الامام في الركعتين الاخيرتين من الصلاة ، لان عدم علمه بقراءته انما يتصور فيهما ، لاحتمال أن يكون مسبحا ، لا في الأوليين باعتبار كون الصلاة اخفاتية ، أو بعده منه وعدم سماعه قراءته (٢) لذلك ، كما يوهمه ظاهر السياق.

لان العلم بقراءته فيهما لعدالته المعتبرة فيه المانعة من تركه القراءة الواجبة عليه عمدا ، وخاصة اذا كان امام جماعة ضامنا لقراءة من خلفه ، كاد أن يكون يقينا ، ولذلك نهاه عليه‌السلام عن القراءة وأمره بأن يكله اليه.

وبالجملة السؤال عن قراءة الرجل خلف الامام المرضي ، كما يدل عليه الجواب معللا بأنه لا يعلم أنه يقرأ ، قرينة واضحة على أن المراد به قراءة من أدرك الركعتين وفاتته الركعتان.

وقد أجاب عنه الامام عليه‌السلام بأنه لا ينبغي له القراءة ، فدل على الكراهة ، لكن في هذه الصورة لا في الركعتين الاوليين ، كما ظنه بعض الفضلاء.

كيف وهذا ينافي ما دل على حرمة القراءة في غير الجهرية التي لا تسمع ولو همهمة ، كما في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام أنه قال : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : من قرأ خلف امام يأتم به بعث على غير فطرة (٣).

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٣ / ٣٣ ، ح ٣١.

(٢) الا أن يقال : انه أراد به العلم الحاصل من طريق السمع ، أو ضمن علم معنى سمع وفيه بعد « منه ».

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ / ٣٩٠ ، ح ١١٥٦.

٣١١

وانما خصصناه بذلك لصحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : اذا صليت خلف امام تأتم به فلا تقرأ خلفه ، سمعت قراءته أو لم تسمع ، الا أن تكون صلاة يجهر فيها بالقراءة فلم تسمع فاقرء (١).

وفي رواية : ان سمعت الهمهمة فلا تقرء (٢). هذا.

وأما ثانيا ، فلانه لا يثبت بما ذكره وجوب القراءة على المأموم في الاوليين معا ، اذ لو قرأ في احداهما أو في احدى الاخيرتين ، لصدق أن صلاته لا تخلو عن قراءة.

وأما ثالثا ، فلان الاصل عدم الوجوب وبراءة الذمة عنه ، والصحيحتان لا تنفيانه ، لانهما اما محمولتان على الاستحباب ، كما عليه العلامة ، وتبعه فيه أكثر المتأخرين.

ويؤيده شيوع استعمال الاوامر والنواهي في كلامهم عليهم‌السلام في الندب والكراهة ، حتى قيل : انهما حقيقتان فيهما عرفيتان.

ومنه ما سبق من النهي عن القراءة في الاخيرتين ، والامر بالتجافي وعدم التمكن من القعود ، فانهما للكراهة والندب ، وبذلك يضعف الاستدلال بما فيهما من الامر والنهي على الوجوب والتحريم.

فان قلت : المشهور أنه مخير في الاخيرتين بين التسبيح والقراءة ، بل ادعى العلامة في المختلف اجماع علمائنا عليه ، وهذا يفيد أن القراءة فيهما لا كراهة فيها.

قلت : ليس كذلك الامر ، لان التخيير بين الافضل والمفضول جائز كالتخيير بين الجمعة والظهر على القول به ، مع كون الاولى أفضل الواجبين ، فتكون الثانية مكروهة ، بمعنى أنها أقل ثوابا ، كما فيما نحن فيه ، فان التسبيح أفضل من

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ / ٣٩١ ، ح ١١٥٧.

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ / ٣٩٢ ، ح ١١٥٨.

٣١٢

القراءة مطلقا ، كما دل عليه كثير من الاخبار ، فتكون القراءة مكروهة بهذا المعنى.

هذا أو متروكتان عملا ، ولذا لم يوجد في كتب جل أصحابنا وجوب قراءة المأموم ولا استحبابها خلف الامام اذا أدركه في الاخيرتين ، ولم يفرقوا في ذلك بين أن يكون الامام مسبحا (١) فيهما أم قاريا.

قال في المدارك بعد قول المصنف « لو أدرك في الرابعة دخل معه ، فاذا سلم الامام قام فصلى ما بقي عليه ، ويقرأ في الثانية بالحمد وسورة ، وفي الاثنتين الاخيرتين بالحمد ، وان شاء سبح » :

لا خلاف في التخيير بين قراءة الفاتحة والتسبيح في الاخيرتين في هذه الصورة ، وانما الخلاف فيما اذا أدرك معه الركعتين الاخيرتين وسبح الامام فيهما ، فقيل : يبقى التخيير بحاله للعموم وقيل تتعين القراءة لئلا تخلو الصلاة من فاتحة الكتاب ، وهو ضعيف (٢) انتهى.

وقد عرفت وستعرف أيضا وجه ضعفه وعدم اعتباره عند الاكثرين ، حتى أن العلامة في المنتهى صرح بأن هذا القول ليس بشي‌ء.

أما رابعا ، فلانه منقوض بصلاة من أدرك أول الصلاة ، فان فرق بينهما بحضوره وقت قراءة الامام دون هذا ، قلنا في كون هذا فارقا بينهما نظر ، لان ما دل على سقوط القراءة عن المأموم ، وكون الامام ضامنا لقراءته عام فتخصيصه بهذا دون ذاك يحتاج الى مخصص وليس ، اذ قد عرفت حال الصحيحتين وعدم صلاحيتهما للتخصيص على تقدير العمل بهما ، وانهما قاصرتان عن افادة الوجوب فتذكر.

ويمكن التوفيق بينهما وبين ما دل على عدم وجوب القراءة على المأموم

__________________

(١) يعلم كونه مسبحا من عادته ، أو تصريحه بترجيح التسبيح على القراءة مطلقا وان كان اماما ، أو بسماع المأموم تسبيحه لقربه منه وكونه في جنبه ونحو ذلك « منه ».

(٢) مدارك الاحكام ٤ / ٣٨٤.

٣١٣

بوجه آخر ، وهو أن صحيحة ابن الحجاج مطلقة ، وصحيحة زرارة مقيدة يكون القراءة في النفس لا في اللفظ ، فاذا حملنا المطلق على المقيد وعملنا به يكون مقتضاه القراءة النفسية دون اللفظية.

قال بعض الفضلاء : المراد بالقراءة في نفسه حديث النفس وتخيل ألفاظ القراءة واجرائها على القلب ، وربما كان مع تحريك اللسان دون التلفظ بها ، وما يستفاد من سائر الاخبار من المنع عن القراءة هو التلفظ بها ، فلا منافاة.

قال : ويمكن حمله على أن يكون الامام مسبحا فيقرأ المأموم لئلا تخلو صلاته عن الفاتحة ، بناء على أنه لا بد في الاخيرتين من التسبيح ، فيكون المنع من القراءة حيث يقرأ الامام. وفيه ما عرفته ، فتأمل.

تم الاستنساخ والتصحيح في (٢٨) رجب المبارك سنة (١٤١١) هـ ق في بلدة قم المقدسة على يد العبد السيد مهدي الرجائي عفي عنه.

٣١٤

سلسلة آثار المحقق الخاجوئى

(٦٠)

الرسالة

الهلالية

للعلّامة المحقّق العارف

محمّد اسماعيل بن الحسين بن محمّد رضا المازندرانى الخاجوئي

المتوفّى سنة ١١٧٣ ه‍ ق

تحقيق

السّيّد مهدى الرّجائي

٣١٥
٣١٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله الذي جعل من علامتي (١) دخول الشهر رؤية الهلال ، وجعل رؤيته في أول ليلة الثلاثين من شهر رمضان امارة من دخول شوال ، ولم يجعله مبهما ليقول قائل ومن العلامة رؤيته يوم الثلاثين منه قبل الزوال ، بل أوضح الامر وبينه حيث جعل ذلك من علامة دخول الشهر في الاستقبال ، وصلى الله على خير خلقه سيدنا محمد وآله ما اختلفت الغدو والآصال.

وبعد : فهل تكون رؤية الهلال في اليوم الثلاثين قبل الزوال امارة شرعية وحجة ظنية على كونه ليلة الماضية؟ فيكون هذا اليوم غرة الشهر ، فتترتب عليه الاحكام الشرعية من مواقيت الحج والعمرة والنذر والاعياد والصوم والصلاة ، الى غير ذلك من العبادات والمعاملات وغيرهما؟ فيه خلاف.

قال سيدنا المرتضى في المسائل الناصرية ، لما ذكر قول الناصر انه اذا رأى الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية : هذا صحيح ، وهو مذهبنا (٢).

__________________

(١) لدخول الشهر علامتان : رؤية الهلال ومضى الثلاثين ، وأما ما عداهما من العلامات فلا عبرة به شرعا « منه ».

(٢) المسائل الناصرية ص ٢٤٢ ، المسألة : ١٢٦.

٣١٧

واعتبر آية الله العلامة ذلك في الصوم دون الفطر ، وهو فرق ضعيف لا دليل عليه.

وقال ابن الجنيد : رؤية الهلال يوم الثلاثين من شهر رمضان أي وقت كان اذا لم يصح أن الليلة الماضية قد رأى فيها لا توجب الافطار ، فاذا صحت الرؤية فيها انظر أي وقت يصح ذلك عنده من نهار يوم ثلاثين (١).

وقال شيخ الطائفة في الخلاف : اذا رأى قبل الزوال أو بعده فهو لليلة المستقبلة دون الماضية (٢). ومثله قال في التهذيب.

ونحن ننقل الاخبار الواردة في هذه المسألة من الطرفين ، ثم تأخذ في نقدها وقلبها ونقل ما فهموه منها ، وما فيه وما عليه ، وترجيح ما هو راجح عندنا ، فان أصبنا فمن الله ، وان أخطأنا فمن قصورنا في الاجتهاد ، ونسأل الله الهداية ، ونطلب منه السداد ، انه يهدي من يشاء الى طريق الحق وسبيل الرشاد.

فصل

[ أخبار المسألة ]

روى الشيخ في التهذيب والاستبصار عن محمد بن يعقوب ، عن علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن ابن ابي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : اذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية ، واذا رأوه بعد الزوال فهو لليلة المستقبلة (٣).

__________________

(١) المختلف ص ٦٥ ، كتاب الصوم.

(٢) الخلاف ٢ / ١٧١.

(٣) تهذيب الاحكام ٤ / ١٧٦ ، ح ٦٠ ، الاستبصار ٢ / ٧٣ ـ ٧٤ ح ٥.

٣١٨

وعن سعد بن عبد الله ، عن أبي جعفر ، عن أبي طالب عبد الله بن الصلت ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن عبيد بن زرارة ، وعبد الله بن بكير ، قالا قال أبو عبد الله عليه‌السلام : اذا رؤي الهلال قبل الزوال ، فذلك اليوم من شوال ، واذا رؤي بعد الزوال ، فهو من شهر رمضان (١).

وعن علي بن حاتم ، عن محمد بن جعفر ، عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن محمد بن عيسى ، قال : كتبت اليه عليه‌السلام جعلت فداك ربما غم علينا هلال شهر رمضان ، فنرى من الغد الهلال قبل الزوال ، وربما رأيناه بعد الزوال ، فترى أن نفطر قبل الزوال اذا رأيناه أم لا؟ وكيف تأمرني في ذلك؟ فكتب عليه‌السلام : تتم الى الليل ، فانه اذا كان تاما لرؤي قبل الزوال (٢).

قال صاحب الوافي فيه بعد نقل هذه الرواية عن التهذيب : هكذا وجدت هذا الحديث في نسخ التهذيب ، وفي الاستبصار : ربما غم علينا الهلال في شهر رمضان. وهو الصواب لانه على نسخة التهذيب لا يستقيم المعنى الا بتكلف ، الا أنه على نسخة الاستبصار ينافي سائر الاخبار التي وردت في هذا الباب ، لانه على ذلك يكون المراد بالهلال هلال شوال (٣).

وقال بعيد ذلك : والظاهر أن نسخة التهذيب من سهو النساخ (٤).

أقول : وفي نسخة الاستبصار عندي قديمة قوبلت على نسخة كان عليها خط الشيخ المصنف وخط محمد بن ادريس هكذا : ربما غم الهلال شهر رمضان. بدون ذكر « علينا » ولفظه « في » والظاهر أن كلمة « شهر » على هذه النسخة منصوبة.

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٤ / ١٧٦ ، ح ٦١ ، الاستبصار ٢ / ٧٤ ، ح ٦.

(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ١٧٧ ، ح ٦٢ ، الاستبصار ٢ / ٧٣ ، ح ١.

(٣) الوافى ١١ / ١٤٨.

(٤) الوافى ١١ / ١٤٩.

٣١٩

مع أنه على هذه النسخة لا ينافي الا الخبرين المذكورين ولا خير فيه ، لان الثاني منهما ضعيف ، كما سيأتي. والاول وان كان صحيحا أو حسنا ، الا أنه وارد في طريق التقية وفي متنه كلام سيأتي ، هذا.

وعنه عن الحسن بن علي ، عن أبيه ، عن الحسن ، عن يوسف بن عقيل ، عن محمد ابن قيس ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : اذا رأيتم الهلال فافطروا وأشهدوا عليه عدولا من المسلمين ، فان لم تروا الهلال الا من وسط النهار أو آخره ، فأتموا الصيام الى الليل ، فان غم عليكم فعدوا ثلاثين فأفطروا (١).

وعن الحسين بن سعيد ، عن النظر بن سويد ، عن القاسم بن سليمان ، عن جراح المدائني ، قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام : من رأى هلال شوال بنهار رمضان فليتم صيامه (٢).

وعنه عن فضالة ، عن أبان بن عثمان ، عن اسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن هلال رمضان يغم علينا في تسع وعشرين من شعبان ، فقال : لا تصمه الا أن تراه ، فان شهد أهل بلد آخر أنهم رأوه فاقضه ، واذا رأيته وسط النهار ، فأتم صومه الى الليل. يعني بقوله عليه‌السلام « أتم صومه الى الليل » على أنه من شعبان دون أن ينوي أنه من رمضان (٣).

وفي التهذيب في آخر باب الزيادات ، عن الصفار ، عن ابراهيم بن هاشم ، عن زكريا بن يحيى الكندي الرقي ، عن داود الرقي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : اذا طلب الهلال في المشرق غدوة فلم ير ، فهو هنا هلال جديد ، رؤي أو لم ير (٤).

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٤ / ١٧٧ ـ ١٧٨ ، ح ٦٣.

(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ١٧٨ ، ح ٦٤.

(٣) تهذيب الاحكام ٤ / ١٧٨ ، ح ٦٥.

(٤) تهذيب الاحكام ٤ / ٣٣٣ ، ح ١١٥.

٣٢٠