الرسائل الفقهيّة - ج ٢

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي

الرسائل الفقهيّة - ج ٢

المؤلف:

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

فأجاب عنه متعجبا بقوله : أيجوز ذلك في النكاح الاخر ـ أي : الدائم ـ ولا يجوز في هذا ، أي : المنقطع.

والمراد أنه يجوز حملها منه اليه في هذا النكاح بطريق أولى ، لانها مستأجرة بمنزلة الاماء ، كما ورد في أخبار كثيرة ، فتجب عليها بطريق أولى اطاعة زوجها في الخروج من البلد كما تجب على الدائمة.

ومنهم (١) من حمله على أن المعنى أنه لا يجب على المتمتعة اطاعة زوجها في الخروج من البلد ، كما كانت تجب في الدائمة. وهذا أيضا مبني على جعل النكاح كهذا منصوبا بنزع الخافض.

وقيل (٢) : ظاهره أنه لما سأل السائل عن حكم المتعة أجاب عليه‌السلام بعدم جواز أصل المتعة تقية (٣).

وهذا مع أنه خلاف الظاهر اذ لا مطابقة حينئذ بين السؤال والجواب ، ولا حاجة الى الاخبار بجواز النكاح الدائم بل لا فائدة فيه ، اذ كان الظاهر على هذا أن يقول : في الجواب : لا يجوز هذا النكاح.

يرد عليه أنهم صرحوا بأن في أخبار المتعة مع كثرتها وكثرة مخالفينا فيه لم يوجد خبر واحد منها يدل على منعه ، وهذا الخبر على ما حمله عليه صريح في منعه فيكون مخالفا لما فهموه منه ، فتأمل فيه.

قال الشيخ زين الدين في شرح اللمعة : وأما الاخبار بشرعية المتعة من طريق أهل البيت عليهم‌السلام ، فبالغة أو كادت أن تبلغ حد التواتر لكثرتها ، حتى أنه مع كثرة اختلاف أخبارنا الذي أكثره بسبب التقية وكثرة مخالفينا فيه لم يوجد خبر واحد

__________________

(١) المراد به مولانا التقى المتقى قدس‌سره « منه ».

(٢) أراد به صاحب البحار « منه ».

(٣) مرآة العقول ٢٠ / ٢٥٧.

٢٨١

منها يدل على منعه وذلك عجيب (١).

وفيه أن الشيخ في التهذيب والاستبصار روى بطريق عامي عن علي عليه‌السلام خبرا يدل بظاهره على المنع ، قال عليه‌السلام : حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لحوم الحمر الاهلية ونكاح المتعة (٢). ثم حمله على الشذوذ والتقية.

ولعل الشارح الفاضل قدس‌سره حمل الحرمة بقرينة قوله « لحوم الحمر الاهلية » على الكراهة الشديدة ، لانها ليست بحرام بالاتفاق.

نظيره : محاش النساء على أمتي حرام (٣). وليست بحرام ، كما دلت عليه أخبار كثيرة فتكون مكروهة ، وعلى هذا الحمل لا يدل هذا الخبر على منعه ، فيتم ما ادعاه من السلب الكلي ، ولكن القول بكراهة المتعة غير معروف في الامامية ، فتأمل.

كتب هذه المسائل بيمناه الجانية الفانية العبد الجاني محمد بن الحسين بن محمد رضا المشتهر باسماعيل المازندراني عفى الله عن جرائمهم بمحمد وآله وقائمهم عليهم‌السلام.

وتم استنساخ وتصحيح هذه المسائل في (٢٤) رجب المبارك سنة (١٤١١) هـ ق في بلدة قم المقدسة على يد العبد السيد مهدي الرجائي عفي عنه.

__________________

(١) شرح اللمعة ٥ / ٢٨٣ ـ ٢٨٤.

(٢) تهذيب الاحكام ٧ / ٢٥١ ، ح ١٠ ، والاستبصار ٣ / ١٤٢ ، ح ٥.

(٣) تهذيب الاحكام ٧ / ٤١٦ ، ح ٣٦.

٢٨٢

سلسلة آثار المحقق الخاجوئى

(٥٧)

رسالة

فى استحباب رفع اليدين حالة الدعاء

للعلّامة المحقّق العارف

محمّد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندرانى الخاجوئي

المتوفى سنة ١١٧٣ ه‍ ق

تحقيق

السّيّد مهدى الرّجائي

٢٨٣
٢٨٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

قال سيدنا قدس الله نفسه ونور رمسه في المدارك في فصل الصلاة على الميت : ولم يذكر الاصحاب هنا استحباب رفع اليدين في حالة الدعاء للميت ، ولا يبعد استحبابه لاطلاق الامر برفع اليدين في الدعاء المتناول لذلك ولغيره (١).

أقول : هذا حق ، لانه دعاء وكل دعاء يستحب فيه رفع اليدين. أما الاولى ، فظاهرة.

وأما الثانية ، فلما رواه ابن فهد قدس‌سره في عدة الداعي في فصل آداب الدعاء وما يقارن حال الداعي ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه كان يرفع يديه اذا ابتهل ودعا كما يستطعم المسكين (٢).

فان لفظ « كان » يشعر بالدوام والاستمرار ، كما يقال : كان حاتم يكرم لضيف ، وأقل مراتب مواظبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على ذلك الرجحان.

فان قلت : لفظ « كان » لا يفيد الا تقدم الفعل ، وأما التكرار فلا يفيده لغة.

__________________

(١) مدارك الاحكام ٤ / ١٧٩.

(٢) عدة الداعى ص ١٨٢.

٢٨٥

قلت : نعم لكنه يفيده عرفا ، اذ لا يقال ذلك عند صدور الفعل مرة ، والعرف مقدم في فهم الحديث على اللغة.

فان قلت : هذا انما فهم من قول الراوي أنه كان يفعل كذا لا من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قلت : ان الراوي لما كان عارفا باللغة والمعنى ، فاذا وقع في كلامه ما يفيد التكرار عمل به ، كما تقرر في الاصول. هذا.

وقال ابن الاثير في النهاية : وفي حديث الدعاء « والابتهال أن تمد يديك جميعا » وأصله التضرع والمبالغة في السؤال (١).

أقول : هذا الاصل هو المراد هنا ، لا ما فسر به في الحديث ، بل لا يبعد أن يكون المراد بالابتهال هنا الدعاء ، فيكون العطف تفسيريا ، فتأمل.

ثم قال ابن فهد رحمه‌الله : وفيما أوحى الله الى موسى عليه‌السلام : ألق كفيك ذلا بين يدي كفعل العبد المستصرخ الى سيده ، فاذا فعلت ذلك رحمت وأنا أكرم الاكرمين وأقدر القادرين (٢).

وعن الباقر عليه‌السلام أنه قال : ما بسط عبد يده الى الله عزوجل الا استحى الله أن يردها صفرا حتى يجعل فيها من فضله ورحمته ما يشاء ، فاذا دعا أحدكم ربه ، فلا يرد يده حتى يمسح بها على رأسه ووجهه (٣).

وفي دعائهم عليهم‌السلام ولم ترجع يد طالبة صفرا من عطائك وخائبة من بخل هبائك.

وهذه الاخبار كما ترى واضحة الدلالات على استحباب رفع اليدين الى الله

__________________

(١) نهاية ابن الاثير ١ / ١٦٧.

(٢) عدة الداعى ص ١٨٢ ـ ١٨٣.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ / ٣٢٥ ، ح ٩٥٣.

٢٨٦

عزوجل وقت الدعاء مطلقا ، لان كلمة « اذا » وان لم تفد العموم والكلية لغة ، الا أنها تفيده شرعا ، كما في قوله تعالى « إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ » (١) « إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ » (٢) « فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً » (٣) وأمثالها.

هذا مع ما أتاك من اطلاق الامر برفع اليدين في حديث موسى على نبينا وآله وعليه‌السلام معللا بأن من فعل ذلك فهو مرحوم ، مجاب في دعوته ، منجاح في طلبته ، لتذلله بين يدي أكرم الاكرمين وأرحم الراحمين وأقدر القادرين.

فان من البين أن هذا من الخطابات العامة التي لا يراد بها مخاطب دون مخاطب ، كما قالوا في نحو قوله تعالى « وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ » (٤).

فان قلت : قد تقرر في الاصول أن الخطابات الخاصة بالرسول ليست بعامة لامته ، لان مثلها وضع لخطاب المفرد ، وهو لا يعم غيره لغة ، وان عم فبدليل منفصل من قياس لهم عليه ، أو نص أو اجماع يوجب التشريك ، وهنا لا يمكن قياس غير موسى عليه‌السلام عليه ، لانه قياس معه فارق « كار نيكان را قياس از خود مگير » وليس هنا نص ولا اجماع ، فكيف يمكنك التعميم؟ وشرع من قبلنا لا حجة علينا.

قلت : خطاب المفرد وان لم يتناول الغير لغة ، الا أنه يتناوله عرفا فيما اذا كان المخاطب قدوة والغير أتباعا وأشياعا ، والعرف مقدم في فهم الحديث على اللغة.

__________________

(١) سورة المائدة : ٦.

(٢) سورة النساء : ٨٦.

(٣) سورة النور : ٦١.

(٤) سورة السجدة ص ١٢.

٢٨٧

مع أن الترحم معلل بالتذلل بين يدي الله عزوجل بالقاء الكفين ، وهذا مما لا اختصاص له بموسى عليه‌السلام وبمن معه ، فاذا ألقينا الخصوصية ، ويعبر عنه بتنقيح المناط ، يجري ذلك في غير موسى عليه‌السلام.

ثم نقل أئمتنا عليهم‌السلام هذا في هذه الشريعة دليل على بقاء حكمه في هذه الامة ، فظهر أن رفع اليدين في الدعاء مطلقا مراد الله ومطلوبه ، وهو دليل الرجحان ، فينبغي ، رفعهما فيه مطلقا ، تحصيلا لمراد الله تعالى ومطلوبه المستلزم لحصول مراد الداعي ومطلوبه.

هذا وقال شيخنا البهائي قدس‌سره في الحديقة الثالثة والاربعين من كتابه الموسوم بحدائق الصالحين ، بعد أن روى عن محمد بن يعقوب في كتاب الكافي وعن آية الله العلامة في التذكرة ومنتهى المطلب عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اذا أهل شهر رمضان استقبل القبلة ورفع يديه الحديث.

وعن السيد الجليل رضي الدين علي بن طاوس قدس روحه في كتاب الزوائد والفوائد أنه مروي عن الصادق عليه‌السلام قال : فاذا رأيت هلال شهر رمضان فلا تشر اليه ولكن استقبل القبلة ، وارفع يديك الى الله عزوجل وخاطب الهلال الحديث.

رفع اليدين الى الله عزوجل وقت قراءة الدعاء لا خصوصية له بهلال شهر رمضان ، وان تضمن الخبر أن فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك كان في هلاله ، وكذلك أمر الصادق عليه‌السلام بذلك ، بل لا خصوصية له بدعاء الهلال ، فانه يعم كل دعاء (١) انتهى.

وبالجملة الاخبار الواردة في استحباب رفع اليدين وقت قراءة كل دعاء الا ما أخرجه الدليل ، وليس هذا منه أكثر من أن تحصى في مثل هذا المقام ، وعليه

__________________

(١) الحديقة الهلالية ص ٧٤ ـ ٧٦.

٢٨٨

فلا وجه لتخصيص استحبابه بحالة الدعاء للميت ، كما فعله سيدنا قدس‌سره ، بل يستحب في حالة الدعاء للمؤمنين والمؤمنات.

بل وفي حالة الصلاة على النبي وآله ، فانها أيضا دعاء له ولا له عليه وآله السلام ، بل ويستحب في حالة قراءة الشهادتين أيضا ، فان الدعاء قد يطلق على التمجيد والتقديس ، لما فيه من التعرض للطلب.

سئل عطاء عن معنى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خير الدعاء دعائي ودعاء الانبياء من قبلي ، وهو لا اله الا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شي‌ء قدير. وليس هذا دعاء وانما هو تقديس وتمجيد ، فقال : هذا أمية بن الصلت يقول في ابن جذعان :

اذا أثنى عليك المرء يوما

كفاه من تعرضه الثناء

فيعلم ابن جذعان ما يراد

منه بالثناء عليه

ولا يعلم رب العالمين

ما يراد منه بالثناء عليه

انتهى. ولعله لما قلناه من أن فيه تعرضا للطلب قدم الثناء على الله والصلاة على رسوله وآله على الدعاء للميت ، أو قدمه عليه ليكون أقرب الى محل الاجابة ، لان من شرائط اجابة الدعاء تقديم المدحة لله والثناء عليه قبل المسألة.

كما ورد في الخبر : اذا طلب أحدكم الحاجة فليثن على ربه وليمدحه ، فان الرجل منكم اذا طلب الحاجة من السلطان هيأ له من الكلام أحسن ما يقدر عليه (١).

وعن علي أمير المؤمنين عليه‌السلام ان المدحة قبل المسألة (٢).

ولما كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وسائط بين الله سبحانه وبين عباده في قضاء حوائجهم

__________________

(١) اصول الكافي ٢ / ٤٨٥ ، ح ٦.

(٢) اصول الكافى ٢ / ٤٨٦.

٢٨٩

ونجاح مطالبهم ، وهم أبواب معرفته عزوجل ، فلا بد من التوسل بذكرهم في عرض الدعاء عليه وقبوله لديه ، وذلك كما اذا أراد أحد من الرعية اظهار حاجته على السلطان توسل بمن يعظمه ولا يرد قوله.

يدل على تلك الجملة ما رواه سلمان المحمدي ، قال : سمعت محمدا يقول ان الله عزوجل يقول : يا عبادي أو ليس من له اليكم حوائج كبار لا تجودون بها الا أن يتحمل عليكم بأحب الخلق اليكم ، تقضونها كرامة لشفيعهم ، ألا فاعملوا أن أكرم الخلق علي وأفضلهم لدي محمد وأخوه علي ومن بعده الائمة ، الذين هم الوسائل الى الله ، ألا فليدعني من همته حاجة يريد نفعها ، أو دهته داهية يريد كشف ضررها بمحمد وآله الطيبين الطاهرين ، أقضها له بأحسن ما يقضيها من يستشفعون بأعز الخلق عليه (١) الحديث.

وعن سيدنا أمير المؤمنين عليه‌السلام : اذا كانت لك الى الله سبحانه حاجة فابدأ بمسألة الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثم سل حاجتك ، فان الله أكرم من أن يسأل حاجتين فيقضي احداهما ويمنع الاخرى (٢).

فهذا وجه ترتيب هذا الدعاء ، وانما أفرد الميت بالدعاء خاصة بعد الدعاء للمؤمنين والمؤمنات وهو منهم ، ليكون من قبيل ذكر الخاص بعد العام لزيادة الاهتمام. ويحتمل أن يكون من باب التصريح بما علم ضمنا ، فتأمل.

ويدل على استحباب رفع اليدين في حالة الدعاء على الميت رواية صفوان ابن مهران الجمال عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : مات رجل من المنافقين ، فخرج الحسين بن علي عليهما‌السلام يمشي ، فلقى مولى له ، فقال له : أين تذهب؟ فقال : أفر من جنازة هذا المنافق أن أصلي عليه ، فقال له الحسين عليه‌السلام : قم الى جنبي فما

__________________

(١) عدة الداعى ص ١٥٠ ـ ١٥١.

(٢) اصول الكافى ٢ / ٤٩٤.

٢٩٠

سمعتني أقول فقل مثله.

قال : فرفع يديه فقال : اللهم اخز عبدك في عبادك وبلادك ، اللهم أصله أشد نارك اللهم أذقه حر عذابك ، فانه كان يوالي أعدائك ويعادي أولياءك ، ويبغض أهل بيت نبيك. كذا في الفقيه (١).

واذا استحب رفع اليدين في الدعاء على المنافق ، فاستحبابه في الدعاء للموافق أولى.

واعلم أن صاحب المدارك بعد أن نقل هذه الرواية عن ابن بابويه حكم بصحتها. وفيه نظر ، لان للصدوق الى صفوان بن مهران طريقين ضعيفين ، والثاني منهما أضعف من الاول.

أما الاول فلوجود أحمد بن محمد بن خالد وأبيه فيه ، وهما ضعيفان.

أما أحمد فهو وان وثقه الشيخ والنجاشي وأومأ اليه ابن الغضائري ، ولكن في الكافي في باب النص على الائمة الاثنا عشر عليهم‌السلام في آخر حديث طويل هكذا : وحدثني محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبي هاشم مثله سواء.

قال محمد بن يحيى : فقلت لمحمد بن الحسن يا أبا جعفر وددت أن هذا الخبر جاء من غير جهة أحمد بن أبي عبد الله ، قال فقال : لقد حدثني قبل الحيرة بعشر سنين (٢).

وهذا يدل على ذمه وعدم اعتباره في أقواله الا بتاريخ يميزها ، وهو هنا غير معلوم.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ / ١٦٨ ، ح ٤٩٠.

(٢) اصول الكافى ١ / ٥٢٦ ـ ٥٢٧.

٢٩١

وأما أبوه محمد ، فلقول النجاشي : وكان محمد هذا ضعيفا في الحديث (١).

وأما الطريق الثاني ، فلوجود موسى بن عمير الهذلي فيه ، وهو عامي غير ممدوح ، فظهر أن الطريقين كليهما ضعيفان ، فحكمه بصحة الرواية لا وجه له.

وكأنه لما رأى أنهم وثقوا أحمد بن محمد ووثق ابن الغضائري أباه محمدا بعد أن قال : حديثه يعرف وينكر ويروي عن الضعفاء كثيرا ويعتمد المراسيل ، وكان ذاهلا عما نقلناه عن الكافي ، حكم بصحتها باعتبار الطريق الاول ، لانه لا مانع فيه من غير جهتهما ، فاذا ظن أنهما ثقتان ، كان الطريق واضحا والحديث صحيحا.

__________________

(١) رجال النجاشي ص ٣٣٥.

٢٩٢

سلسلة آثار المحقق الخاجوئى

(٥٨)

رسالة

فى بيان علامة البلوغ

للعلّامة المحقّق العارف

محمّد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندرانى الخاجوئي

المتوفى سنة ١١٧٣ ه‍ ق

تحقيق

السّيّد مهدى الرّجائي

٢٩٣
٢٩٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

لبلوغ الغلام ثلاث علامات على المشهور بين الاصحاب :

الاولى : الاحتلام ، وأرادوا به خروج المني من الذكر بشهوة أو غيرها ، بجماع أو غيره ، في النوم أو اليقظة ، واستدلوا عليها بآيات ، منها : قوله تعالى « وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ » (١).

وروايات الحلم ، منها قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يحتلم » (٢) وقول الرضا عليه‌السلام في صحيحة البزنطي : يؤخذ الغلام بالصلاة وهو ابن سبع سنين ، ولا تغطي المرأة شعرها منه حتى يحتلم (٣).

الثانية : نبات الشعر الخشن على العانة وحول الذكر ، واحترزوا بالخشن عما ينبت قبله من الشعر الضعيف الذي يقال له الرغب ثم يزول ، وبالعانة عن الابط والشارب واللحية ، اذ لم يثبت كون نبات الشعر على هذه المواضع دليلا

__________________

(١) سورة النور : ٥٩.

(٢) عوالي اللئالي ١ / ٢٠٩ ، ح ٤٨.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٤٣٦.

٢٩٥

على البلوغ شرعا.

قيل : لا كلام في كون شعر العانة علامة البلوغ ، انما الكلام في كونه نفسه بلوغا ، أو دليلا على سبقه ، والمشهور الثاني لتعليق الاحكام في الكتاب والسنة على الحلم والاحتلام ، فلو كان الانبات بلوغا بنفسه لم يخص غيره بذلك.

والجواب أن الكتاب والسنة انما دلا على أن البلوغ يتحقق بالحلم والاحتلام ، ولم يدلا على أنه لا يتحقق بغيره ، فاطلاقهما أو عمومهما مقيد أو مخصص بعدم الانبات والسن ، فاذا أنبت بعض أفراد الاطفال قبل الاحتلام ، أو بلغ قبله سنا معتبرا شرعا فهو بالغ ، احتلم أو لم يحتلم.

وبالجملة تخصيص الشي‌ء بالذكر وهو الحلم والاحتلام ، لا يدل على نفي ما عداه ، وهو الانبات والسن ، ولا سيما اذا دل دليل ، غاية الامر أن يكون ما عداه أقليا ويكون هو أغلبيا لو سلم له ذلك.

وأما السلب الكلي بحيث لا يتحقق ما عداه أصلا ولو في ضمن بعض الافراد فلا كيف وقد قال آية الله العلامة في التذكرة : نبات هذا الشعر دليل البلوغ في حق المسلمين والكفار عند علمائنا أجمع ، ومستندهم فيه الاخبار الواردة في طرق الخاصة والعامة ، فلا يضر عدم صحتها.

وعليه فلا حاجة في اثبات كون الاثبات دليلا على البلوغ نفسه الى القول بترتب أحكام البلوغ عليه ، حتى يقال : دليل أعم من المدعى.

وانما يكون الانبات دليلا عليه اذا كان طبيعا لا كسبيا ، وحصوله على التدريج مع عدم حصول البلوغ كذلك ، لا ينافي كونه دليلا عليه ، فانه اذا حصل على التدريج وبلغ حدا يصدق معه قولنا نبت على عانته الشعر الخشن نحكم ببلوغه والا فلا ، فلا يرد أن البلوغ غير مكتسب والانبات قد يكتسب بالدواء ، وحصوله على التدريج والبلوغ لا يكون كذلك.

٢٩٦

لا يقال : لما أمكن اكتساب النبات بالدواء ، أمكن أن يتطرق اليه التدليس ، فلا يكون علامة شرعية.

لانا نقول : كثيرا من الامارات الشرعية يمكن أن يتطرق اليه التلبيس ، والمعتبر منها ما يفيد ظنا شرعيا عند الحاكم ، بأن يكون الانبات مثلا في وقت يحتمل البلوغ فيه ، ومثله خروج المني من الذكر أو قبل المرأة ، فانه يعتبر فيه أيضا وقتا يمكن البلوغ فيه.

فلا عبرة بما ينفصل بصفته قبل ذلك وحده في جانب القلة في الانثى تسع سنين. وأما في جانب الذكر ، فلا نص فيه عندنا ، والمنقول عن الشافعي أن حده في الذكر والانثى جميعا تسع سنين ، وله فيه قول آخر ، وهو مضي ستة أشهر من السنة العاشرة ، وفي قول آخر له تمام العاشرة.

ومنه يظهر أن لا تلازم بين هذه العلامات ، فان النبات قد يتفق من غير احتلام ولا سن معتبر شرعا ، وقد يحتلم ولم يكمل السنوات ولم يتحقق له النبات ، وقد تتم السنوات من غير احتلام ولا نبات ، وقد يجامع بعضها بعضا ، وذلك الاختلاف لاختلاف أمزجة الاشخاص والبقاع والاصقاع ، الى غير ذلك من الاسباب المؤدية اليه.

الثالثة : اكمال خمس عشرة سنة قمرية ، واستدلوا عليها بالاصل والاستصحاب وفتوى الاصحاب.

وبضعيفة حمران بعبد العزيز بن عبد الله العبدي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قلت له : متى يجب على الغلام أن يؤخذ بالحدود التامة ويؤخذ له؟ فقال : اذا خرج عنه اليتم وأدرك ، قلت : فلذلك حد يعرف؟ فقال : اذا احتلم أو بلغ خمس عشرة سنة أو أنبتت قبله اقيمت عليه الحدود التامة وأخذ بها وأخذت له.

قلت : فالجارية متى يجب عليها الحدود التامة وأخذت بها وأخذت لها؟

٢٩٧

فقال : ان الجارية ليست مثل الغلام ، ان الجارية اذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين وذهب عنها اليتم ودفع اليها مالها وجاز أمرها في الشراء والبيع ، واقيمت عليها الحدود التامة وأخذت لها ، قال : والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة أو يشعر أو ينبت قبل ذلك (١).

ومثلها رواية يزيد الكناسي المجهول عنه عليه‌السلام ، فيؤخذ الغلام بذلك ما بينه وبين خمس عشرة سنة (٢).

وفيه أن الاصل والاستصحاب وفتوى الاصحاب انما يصار اليها اذا لم يدل على خلافها دليل.

وأما الحديث الضعيف ، فقد أطبقوا على أنه لا يثبت به حكم من الاحكام.

فان قلت : ضعفه منجبر بالشهرة بين الاصحاب.

قلت : هذا انما يكون لو كانت الشهرة متحققة قبل زمن الشيخ الطوسي وليس كذلك ، فان من قبله كانوا بين مانع من خبر الواحد مطلقا ، وجامع للاخبار من غير التفات منهم الى تصحيح ما يصح منها ورد ما يرد ، فالعمل بمضمون الخبر الضعيف قبل زمنه على وجه يجبر ضعفه غير متحقق.

كيف لا وهو لم يعمل بأمثال هذا الحديث ، فان ظاهره في التهذيب والاستبصار يفيد أن بلوغ الغلام يتحقق بثلاث عشرة سنة.

لانه روى فيهما باسناده عن عمار عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن الغلام متى يجب عليه الصلاة؟ قال : اذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة ، فان احتلم قبل ذلك فقد وجب عليه الصلاة وجرى عليه القلم ، والجارية مثل ذلك ان أتى

__________________

(١) فروع الكافى ٧ / ١٩٧ ـ ١٩٨ ، ح ١.

(٢) فروع الكافى ٧ / ١٩٨ ، ح ٢.

٢٩٨

عليها ثلاث عشرة سنة ، ولو حاضت قبل ذلك وجبت عليها الصلاة وجرى عليها القلم (١).

ثم نقل روايات أخرى دلت على وجوب الصلاة لست وسبع.

ثم قال : والوجه في هذه الاخبار أن نحملها على ضرب من الاستحباب والتأديب والاولة على الوجوب ، لئلا تتناقض الاخبار (٢).

وتدل على الوجوب أيضا رواية عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : اذا بلغ أشده ثلاث عشرة سنة ودخل في الاربع عشرة وجب عليه ما وجب على المحتلمين ، احتلم أم لم يحتلم ، وكتبت عليه السيئات وكتبت له الحسنات ، وجاز له كل شي‌ء ، الا أن يكون ضعيفا (٣).

قال الفاضل الاردبيلي رحمه‌الله في شرحه على الارشاد : هذه رواية صحيحة اذ ليس فيها من لم يصرح بتوثيقه الا الحسن بن علي الوشاء ، والظاهر أنه ثقة عندهم وهو يظهر من الرجال.

وأيضا سمى الخبر الذي هو فيه بالصحة كثيرا ، الا اني رأيت في التهذيب في آخر كتاب الزكاة ، حدثنا الحسن بن علي الوشاء الخزاز ، وهو ابن بنت الياس ، وكان وقف ثم رجع ، فتأمل.

أقول : قوله رحمه‌الله « وهو يظهر من الرجال » اشارة الى ما في كتاب النجاشي : الحسن بن علي بن زياد الوشاء كان من وجوه هذه الطائفة ، روى عن جده الياس ، ثم قال بعد كلام يدل على مدحه أيضا : وكان هذا الشيخ عينا من

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٢ / ٣٨٠ ـ ٣٨١.

(٢) الاستبصار ١ / ٤٠٩.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٢٢١.

٢٩٩

عيون هذه الطائفة (١).

قال الفاضل المذكور في حاشيته المتعلقة بهذا الموضع : الظاهر أن قوله « كان وكان » يدلان على توثيقه ، ولهذا سمى الخبر الذي هو فيه بالصحيح ، الا أنه قال في آخر كتاب خمس التهذيب : الحسن بن علي بن زياد وهو الوشاء وهو ابن بنت الياس ، وكان وقف ثم رجع وقطع.

أقول : قوله رحمه‌الله في الشرح في آخر كتاب الزكاة اشتباه من قلم الناسخ والصواب ما في الحاشية آخر كتاب خمس التهذيب (٢).

وروى الصدوق رحمه‌الله في عيون أخبار الرضا عليه‌السلام عن أبيه ، عن صالح ابن أبي حماد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، قال : كنت قبل أن أقطع على الرضا عليه‌السلام جمعت ما روي عن آبائه عليهم‌السلام وغير ذلك مسائل كثيرة في كتاب ، وأحببت أن أثبت في أمره وأختبره.

فحملت الكتاب في كمي وصرت الى منزله أريد منه خلوة أنا وله الكتاب ، فجلست ناحية متفكرا في الاحتيال للدخول عليه ، فاذا بغلام قد خرج من الدار بيده كتاب ، فنادى أيكم الحسن بن علي الوشاء ، فقمت اليه وقلت : أنا ، قال : فهاك هذا الكتاب ، فأخذته وتنحيت ناحية ، فقرأته فاذا فيه جواب مسألة مسألة ، فعند ذلك قطعت عليه وتركت الوقف (٣).

فصح وثبت أن هذا حديث صحيح صريح في أن سن بلوغ الغلام هو اكمال ثلاث عشرة سنة والدخول في الاربع عشرة.

وفي صحيحة معاوية بن وهب ، قال : سألت ابا عبد الله عليه‌السلام في كم يؤخذ

__________________

(١) رجال النجاشي ص ٣٩ ـ ٤٠.

(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ١٥٠.

(٣) عيون أخبار الرضا ٢ / ٢٢٩.

٣٠٠