الرسائل الفقهيّة - ج ٢

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي

الرسائل الفقهيّة - ج ٢

المؤلف:

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

فيما فيها ، والا فالامر أبين من أن يشتبه على من له أدنى معارفة في هذا الشأن ، والحمد لله ولي الاحسان ، والصلاة على محمد وآله صواحب القرآن.

هذا ومما قررناه يظهر لك أنه لا بد من تقييد احدى صحيحتي ابن سنان بالاخرى منهما ، فان التوفيق بين الصحيحتين أو الصحيحة والحسنة مهما أمكن ، أولى من اطراح احداهما رأسا ، ولا سيما اذا كانت مما تلقاه بالقبول جم غفير من الفحول بل انعقد على مضمونه اجماعهم ، كما يظهر من التأمل فيما نقل عن المنتهى والمعتبر.

والحمد لله عدد المدر والقطر والشجر ، والصلاة على نبيه محمد وآله ما بزغت الشمس والقمر.

٢١ ـ مسألة

[ وجوب ايصال الماء الى البشرة فى الوضوء والغسل ]

قال صاحب المدارك بعد قول المصنف قدس‌سرهما « ومن في يده خاتم أو سير ، فعليه ايصال الماء الى ما تحته ، ولو كان واسعا استحب له تحريكه » : أما وجوب ايصال الماء الى ما تحت الخاتم والسير على وجه يحصل به مسمى الغسل فظاهر لعدم تحقق الامتثال بدونه.

ولما رواه علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن المرأة عليها السوار والدملج في بعض ذراعها ، لا تدري يجري الماء تحتها أم لا كيف تصنع اذا توضأت أو اغتسلت؟ قال : تحركه حتى يدخل الماء تحته أو تنزعه (١).

__________________

(١) فروع الكافى ٣ / ٤٤ ، ح ٦.

٢٦١

ويعلم من ذلك وجوب ازالة الوسخ الكائن تحت الظفر المانع من وصول الماء الى ما تحته اذا لم يكن في حد الباطن ، واحتمل في المنتهى عدم وجوب ازالته ، لانه ساتر عادة ، فلو وجب ازالته لبينه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولما لم يبينه دل على عدم الوجوب ، وهو ضعيف (١).

أقول : هذا يختلف باختلاف طول الظفر وقصره ، فاذا كان طويلا واجتمع تحته وسخا ما بينه وبين طرف الاصبع ، فهو من الباطن لانه مستور به ، فلا تجب ازالته ، ولانه يستلزم المشقة والعسر ، وخاصة بالاضافة الى بعض المتحرفين ، كالبناء والعملة وأمثالهم من أهل الحرف ، فانهم كلما أزالوا الوسخ الكائن تحت هذا الظفر ، فاذا اشتغلوا بالعمل اجتمع تحت أظفارهم هذه مثله من الوسخ ، ولا يمكن ازالته الا بالخلال ونحوه ، وهذا ضيق وعسر منفيان بالاية والرواية.

وأما اذا كان الظفر قصيرا واجتمع تحته وأطرافه وسخا ، فهو من الظاهر لكونه مرئيا غير مستور بالظفر ، فتجب ازالته اذا كان له جرم مانع من وصول الماء الى ما تحته من أطراف الاصابع ، ومنه ما يجتمع من الاوساخ على منابت الاظفار تحت الجلود المحيطة بها وما يتصل بتلك الجلود الكائنة على الهيئة الهلالية أو النعلية.

ويعلم من هذا التفصيل أن ما أفاد سيدنا محمد ، وما احتمله آية الله العلامة ، كلاهما صحيحان كل في موضعه.

ثم من الظاهر أن النبي وعترته المعصومين عليهم‌السلام قد بينوا وجوب ازالة الموانع من وصول الماء الى محل الوضوء والغسل اذا كان من الظواهر ، ولذلك حكموا بوجوب تحريك الدملج ونحوه ، أو نزعه اذا كان ضيقا مانعا من وصول الماء الى ما تحته.

هذا وأما الثقبة الكائنة على محل الوضوء أو الغسل ، فان كانت واسعة بحيث

__________________

(١) مدارك الاحكام ١ / ٢٣٦ ـ ٢٣٧.

٢٦٢

يرى باطنها ، وجب ادخال الماء فيها ، لان باطنها صار بذلك من الظواهر ، وان لم تكن كذلك بأن كانت ضيقة لا يرى باطنها ، فلا يجب ادخال الماء ، اذ لا يعد باطنها من الظواهر.

ولذلك قال بعض المحققين : داخل الاذن والثقب الذي فيها للحلقة اذا كان بحيث لا يرى باطنه ، فهو من البواطن على الاظهر ، وبعد ما حكم به المحقق الشيخ علي رحمه‌الله من وجوب ايصال الماء الى باطنه مطلقا ، وهو كذلك لان داخل الفم والاذن اذا كان من البواطن ، فكون هذا منها أولى ، فتأمل.

٢٢ ـ مسألة

[ اغتسال من وجب عليه القتل ]

قال المحقق في الشرائع : من وجب عليه القتل يؤمر بالاغتسال قبل قتله ، ثم لا يغسل بعد ذلك.

قال صاحب المدارك : المراد أمره بأن يغتسل غسل الاموات ثلاثا مع الخليطين ، وكذا يجب أمره بالحنوط ، كما صرح به الشيخ وأتباعه ، وزاد ابنا بابويه والمفيد تقديم التكفين أيضا.

والمستند في ذلك كله رواية مسمع كردين ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : المرجوم والمرجومة يغسلان ويحنطان ويلبسان الكفن قبل ذلك ، ثم يرجمان ويصلى عليهما ، والمقتص منه بمنزلة ذلك يغسل ويحنط ويلبس الكفن ويصلى عليه (١).

وهي ضعيفة السند جدا ، لكن قال في المعتبر : ان الخمسة وأتباعهم أفتوا

__________________

(١) فروع الكافى ٣ / ٢١٤ ، ح ١.

٢٦٣

بذلك ، وانه لا يعلم فيه للاصحاب خلافا (١).

أقول : يستفاد من هذا أن مستندهم في ذلك ليس هو هذه الرواية الضعيفة السند بسهل بن زيد الادمي ، ومحمد بن الحسن بن شمون البغدادي الواقفي الغالي الفاسد المذهب ، لان السيد المرتضى وهو من الخمسة لا يعمل بالاخبار الصحيحة اذا كانت من الاحاد فضلا عن الضعيفة ، فكيف يفتي بذلك كله؟ ويكون مستنده فيه هو هذه الرواية ، بل الظاهر أن مستندهم فيه اجماعهم ، كما هو ظاهر المعتبر (٢).

فالحق أن يقال : ان مستند هذه الاحكام كلها هو الاجماع ، وأما الرواية فانها ضعيفة لا يثبت بها حكم.

فان قلت : لعل مراده أن هذه الرواية وان كانت ضعيفة السند ، الا أن ضعفه منجبر بعمل الاصحاب بها.

قلت : هذا مع بعده عن العبارة لا يدفع ما ذكرناه من عدم عمل بعضهم بها ، فكيف يصح أن تكون سندا لفتواه وهو لا يعمل بها. نعم وافق مضمونها لما عليه اجماعهم ، وهذا لا يدل على أنها كانت سندا لفتياهم حتى ينجبر ضعفها به كما هو المدعى.

وأيضا فان الشيخ أبا جعفر الطوسي ، وهو من الخمسة قال في كتابه المسمى بالعدة : وأما ما يرويه الغلاة ، فان كانوا ممن عرف لهم حال الاستقامة وحال الغلو عمل بما رووه في حال الاستقامة ، وترك ما رووه في حال تخليطهم ، فانه لا يجوز العمل به على حال (٣).

فمن كان هذا كلامه كيف يعمل برواية هذا الغالي الضعيف المتهافت ، ويسند

__________________

(١) مدارك الاحكام ٢ / ٧١ ـ ٧٢.

(٢) المعتبر ١ / ٣٤٧.

(٣) عدة الاصول ص ٣٨١.

٢٦٤

هذه الاحكام كلها اليها ، ولا قرينة تدل على أنه رواها حال استقامته.

ولذلك قال ابن الغضائري : محمد بن الحسن بن شمون أصله بصري واقف ثم غلا ، لا يلتفت اليه ولا الى مصنفاته وسائر ما ينسب اليه (١) فيعلم من ذلك كله أن مستندهم في ذلك كله انما هو اجماعهم لا هذه الرواية الضعيفة.

ثم قال صاحب المدارك : وأما عدم وجوب تغسيل من هذا شأنه بعد ذلك فظاهر ، لعدم مشروعية التعدد (٢).

أقول : هذا الدليل لو تم لدل على عدم جواز تغسيله بعد ذلك ، كما هو ظاهر كلام المصنف ، لا عدم وجوبه الدال بمفهومه على مشروعية التعدد بطريق الندب أو الكراهة أو الاباحة ، فان المباح من أقسام المشروع ، ولذا لا يقال لفاعله انه خالف به الشرع ، فهذا الدليل لا يطابق الدعوى فتأمل فيه.

وانما قلنا بعدم تماميته ، لان كل شي‌ء مطلق حتى يرد فيه نهي ، وتعدد تغسيله مما لم يرد فيه فيما علمناه نهي ، فهو على اباحته الاصلية الشاملة للاقسام الثلاثة المذكورة.

نعم الواجب من التغسيل واحد ، وأما أن الزائد عليه حرام غير مشروع ، فنطالبهم عليه بالدليل ، الا أن يقال : انه من أقسام العبادات ، فيكون موقوفا على نص من الشارع ، ولا يكفي فيه مجرد عدم ورود النهي عنه ، فتأمل.

__________________

(١) رجال العلامة ص ٢٥٢.

(٢) المدارك ٢ / ٧٢.

٢٦٥

٢٣ ـ مسألة

[ حكم السفر قبل صلاة العيد ]

قال المحقق في الشرائع : اذا طلعت الشمس حرم السفر حتى يصلي صلاة العيدان كان ممن يجب عليه ، وفي خروجه بعد الفجر قبل طلوعها تردد ، والاشبه الجواز (١).

قال صاحب المدارك : منشأ التردد أصالة الجواز السالمة من معارضة الاخلال بالواجب ، وقوله عليه‌السلام في رواية أبي بصير : اذا أردت الشخوص في يوم عيد فانفجر الصبح وأنت في البلد ، فلا تخرج حتى تشهد ذلك العيد (٢).

قال في الذكرى : ولما لم يثبت الوجوب حمل النهي عن السفر على الكراهة (٣). ويشكل بعدم المنافاة بين الامرين حتى يتوجه الحمل ، لكن الراوي وهو أبو بصير مشترك بين الثقة والضعيف ، فلا يصح التعلق بروايته والخروج بها عن مقتضى الاصل (٤).

أقول : قد مر مرارا أن القول باشتراك أبي بصير اشتباه ، بل هو ثقة صحيح يصح التعلق بروايته ، والخروج بها عن مقتضى الاصل ، اذا لم يكن في الطريق مانع من غير جهته.

ولذلك تردد المحقق أولا ثم حمل النهي على الكراهة ، ورجح جانب الجواز

__________________

(١) شرائع الاسلام ١ / ١٠٢.

(٢) تهذيب الاحكام ٣ / ٢٨٦.

(٣) الذكرى ص ٢٣٩.

(٤) مدارك الاحكام ٤ / ١٢٢ ـ ١٢٣.

٢٦٦

لعدم تعلق وجوب صلاة العيد بالذمة قبل طلوعها ، فلا يلزم من الخروج الى السفر حينئذ الاخلال بالواجب ، فلا يكون محرما ، بل غايته الكراهة ، وكل مكروه جائز ، ولذلك حكم به ، لا لعدم صحة التعلق بروايته ، فتأمل.

٢٤ ـ مسألة

[ احكام قنوت الجمعة ]

اختلفوا في قنوت الجمعة ، فالمشهور بين الاصحاب أن فيها قنوتين ، في الاولى قبل الركوع ، وفي الثانية بعده ، وهو المعتمد ، لو قلنا بشرعيتها في هذه الازمان.

لصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : كل القنوت قبل الركوع الا الجمعة ، فان الركعة الاولى القنوت فيها قبل الركوع والاخيرة بعد الركوع (١).

ومثلها صحيحة زرارة بن أعين عن الباقر عليه‌السلام وعلى الامام فيها قنوتان : قنوت في الركعة الاولى قبل الركوع ، وفي الثانية بعد الركوع.

وقال الصدوق رحمه‌الله في الفقيه بعد نقله هذه الرواية تفرد بها حريز عن زرارة ، والذي أستعمله وأفتي به ونص عليه مشايخي رحمهم‌الله هو أن القنوت في جميع الصلوات في الجمعة وغيرها في الركعة الثانية بعد القراءة وقبل الركوع (٢).

وقال المفيد ومن تبعه : ان في الجمعة قنوتا واحدا في الركعة الاولى قبل

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٢ / ٩٠.

(٢) من لا يحضره الفقيه ١ / ٢٦٦.

٢٦٧

الركوع ، واختاره صاحب المدارك (١).

واستدل عليه بصحيحة معاوية بن عمار ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : في قنوت الجمعة اذا كان اماما قنت في الركعة الاولى ، وان كان يصلي أربعا ففي الركعة الثانية قبل الركوع (٢).

وصحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : القنوت يوم الجمعة في الركعة الاولى (٣).

وأنت خبير بأنهما لم تدلا على أنه قبل الركوع ، وهو جزء المدعى ، فلم يثبت بتمامه.

وأما قوله عليه‌السلام في صحيحة معاوية بن عمار ما أعرف قنوتنا الا قبل الركوع (٤) ، فهو مخصوص بغير الجمعة ، والمخصص ما سبق من صحيحتي زرارة وأبي بصير.

نعم دلت على هذا المدعى بتمامه صحيحة عمر بن يزيد عنه عليه‌السلام قال : اذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلوا في جماعة ، وليلبس البرد والعمامة ، الى قوله عليه‌السلام : ويجهر بالقراءة ، ويقنت في الركعة الاولى منهما قبل الركوع (٥).

والظاهر أن هذه الاخبار محمولة على التقية ، كما أومأ اليه صاحب الوافي قدس‌سره في حاشيته على رسالته الجمعة ، بعد نقل صحيحة عمر بن يزيد ، بقوله : لعل سكوته عليه‌السلام عن القنوت الثاني للتقية انتهى.

__________________

(١) مدارك الاحكام ٣ / ٤٤٧.

(٢) فروع الكافى ٣ / ٤٢٧ ، ح ٢.

(٣) تهذيب الاحكام ٣ / ١٦.

(٤) فروع الكافى ٣ / ٣٤٠ ، ح ١٣.

(٥) تهذيب الاحكام ٣ / ٢٤٥ ، ح ٤٦.

٢٦٨

وانما اختار صاحب المدارك قدس‌سره ما اختار ، لزعمه اشتراك أبي بصير بين الثقة والضعيف ، فروايته عنده لا تصلح للاعتماد عليها. وأما رواية زرارة ، فقال : انها تصلح مستندا للقول الاول لو كانت متصلة وهذا منه غريب ، فان طريق الصدوق في الفقيه الى زرارة صحيح متصل ، كما يظهر من مشيخته.

حيث قال : وما كان فيه عن زرارة بن أعين ، فقد رويته عن أبي رضي‌الله‌عنه ، عن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، والحسن بن ظريف وعلي بن اسماعيل ، كلهم عن حماد بن عيسى ، عن حريز بن عبد الله ، عن زرارة ابن أعين (١).

والسند كما ترى صحيح ، فاذا أكد بمثله في الصحة والدلالة على أن القنوت في الاولى قبله وفي الثانية بعده ، يصلح أن يعارض ما يخالفه ، فليحمل على التقية ، كما حمله عليها آخوندنا فيض قدس‌سره.

ومنه يعلم أن ما تفرد حريز بروايته عن زرارة مما لا يقدح في العمل به ، لتأكده بصحيحة أبي بصير ، وباشتهاره بين الاصحاب وعمل أكثرهم ، فتأمل.

٢٥ ـ مسألة

[ وجوب الاتمام فى سفر المعصية ]

قال سيدنا قدس‌سره في المدارك بعد صحيحة عمار بن مروان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : من سافر قصر وأفطر ، الا أن يكون رجلا سفره الى صيد أو في معصية الله أو رسول لمن يعصي الله عزوجل ، أو طلب عدو ، أو

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٤٢٥.

٢٦٩

شحناء أو سعاية أو ضرر على قوم مسلمين (١).

ورواية عبيد بن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يخرج الى الصيد أيقصر أم يتم؟ قال : يتم لانه ليس بمسير حق (٢).

اطلاق النص وكلام الاصحاب يقتضي عدم الفرق في السفر المحرم بين من كانت غاية سفره معصية ، كقاصد قطع الطريق بسفره ، وكالمرأة والعبد قاصدين بسفرهما النشوز والاباق ، أو كان نفس سفره معصية ، كالفار من الزحف ، والهارب من غريمه مع قدرته على وفاء الحق ، وتارك الجمعة بعد وجوبها عليه ، ونحو ذلك.

قال جدي قدس‌سره في روض الجنان : وادخال هذه الافراد يقتضي المنع من ترخص كل تارك للواجب بسفره ، لاشتراكهما في العلة الموجبة لعدم الترخص اذ الغاية مباحة فانه المفروض ، وانما عرض العصيان بسبب ترك الواجب ، فلا فرق حينئذ بين استلزام سفر التجارة ترك صلاة الجمعة ونحوها ، وبين استلزامه ترك غيرها ، كتعلم العلم الواجب عينا أو كفاية.

بل الامر في هذا الوجوب أقوى ، وهذا يقتضي عدم الترخص الا لاوحدي الناس ، لكن الموجود من النصوص في ذلك لا يدل على ادخال هذا القسم ولا على مطلق العاصي ، وانما دل على السفر الذي غايته المعصية (٣) هذا كلامه رحمه‌الله.

ويشكل بأن رواية عمار بن مروان التي هي الاصل في هذا الباب تتناول مطلق العاصي بسفره ، وكذا التعليل المستفاد من رواية عبيد بن زرارة ، والاجماع

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٩٢.

(٢) تهذيب الاحكام ٣ / ٢١٧.

(٣) روض الجنان ص ٣٨٨.

٢٧٠

المنقول من جماعة ، لكن لا يخفى أن تارك الواجب كالتعلم ونحوه انما يكون عاصيا بنفس الترك لا بالسفر ، الا اذا كان مضادا للواجب وقلنا باقتضاء الامر بالشي‌ء النهي عن ضده الخاص.

وقد تقدم الكلام في ذلك مرارا ، وأن الظاهر عدم الاقتضاء ، كما اختاره قدس‌سره ، مع أن التضادين التعلم والسفر غير متحقق في أكثر الاوقات. فما ذكره قدس‌سره من ان ادخال هذا القسم يقتضي عدم الترخص الا لاوحدي الناس غير جيد (١).

أقول : سفر تارك الجمعة بعد وجوبها عليه انما كان معصية لاستلزامه ترك الواجب ، وهذه العلة بعينها موجودة في سفر يستلزم ترك تعلم العلم الواجب عينا أو كفاية ، وسيدنا قدس‌سره قال بالاول لدخوله تحت مقتضى كلام الاصحاب واطلاق النص ، فليقل بالثاني لذلك ، والا نطالبه بالفرق.

وأما أن السفر قد يجامعه التعلم فهو كلام آخر ، وانما الكلام في سفر لا يجامعه كما هو ظاهر كلام جده قدس‌سرهما.

ومنه يعلم أن قوله « تارك الواجب يكون عاصيا بنفس الترك لا بالسفر » خارج عن موضع النزاع ، لان النزاع في تارك واجب بسفره ، فيكون عاصيا به ، لا بنفس الترك ، كما اذا ترك الواجب في سفر هو متمكن فيه من فعله ، فان هذا السفر لا يكون سفر معصية ، بل تركه الواجب فيه وهو متمكن من فعله معصية ، كما في الحضر بعينه.

مثلا من سافر سفرا لا يتمكن فيه بسببه من اقامة الصلاة ، فسفره هذا سفر معصية ، وأما اذا تمكن فيه منها وتركها ، فليس هذا بسفر معصية ، وان كان تركها فيه معصية ، وكذا من لم يتمكن بسفره من تعلم العلم الواجب عليه تعلمه ،

__________________

(١) مدارك الاحكام ٤ / ٤٤٦ ـ ٤٤٧.

٢٧١

فسفره هذا محرم عليه ، لاستلزامه الاخلال بالواجب.

وأما من تمكن فيه من تعلمه وتركه ، فسفره ليس بسفر معصية ، وانما تركه التعلم وهو متمكن منه معصية كما في الحضر ، وعليه فقس.

وبالجملة فكل سفر يلزم منه ترك الواجب ، كانفاق من وجب عليه انفاقه ، وصيانة من وجب عليه صيانته ، ومحافظة مال من وجب عليه محافظته وهكذا ، فهو سفر معصية لا يجوز له فيه التقصير ، لقوله عليه‌السلام « لا يفطر الرجل في شهر رمضان الا بسبيل حق » أي : لا يفطر فيه في سفر الا في سفر مباح.

وظاهر أن سفر تارك واجب بسفره ليس بمباح ، فلا يجوز له فيه الافطار ، فهذا ونحوه من الافراد المندرجة تحت مقتضى كلام الاصحاب ، وما الفرق بين هذا وما قالوا من أن الشمس اذا طلعت حرم السفر حتى يصلي صلاة العيد ، ان كان ممن تجب عليه ، فان دليلهم عليه ليس الا استلزامه الاخلال بالواجب ، فكل سفر يخل به فهو حرام يقتضي المنع من الترخص ، لان فاعله في معصية الله تعالى ، وقد دلت صحيحة عمار على أن من هذا شأنه ، فهو لا يقصر ولا يفطر في سفره.

هذا فبعد الاعتراف بتناول الرواية وكذا التعليل والاجماع مطلق العاصي بسفره ، فما ذكره قدس‌سره بقوله « لا يخفى » غير جيد ، وعليه فالاشكال بحاله ، وما ذكراه لا يدفعه. أما الاول ، فلما عرفت من تناول النص مطلق العاصي بسفره وأما الثاني ، فلما ذكرناه وخاصة على القول باقتضاء الامر بالشي‌ء النهي عن ضده الخاص ، فتأمل.

واعلم أن في طريق رواية عمار محمد بن موسى بن المتوكل ، وهم لم ينصوا بتوثيقه ، ولكنه مذكور في أوائل طرق مشيخة الفقيه مقرونا بالرحمة والرضوان وهذا يعطي اعتباره ، ولعله منه استنبط العلامة في الخلاصة توثيقه ، ولذلك حكم

٢٧٢

سيدنا محمد قدس‌سره بصحة الرواية ، ولا أقل من كونها معتبرة لو لم تكن صحيحة والله يعلم.

٢٦ ـ مسألة

[ اشتراط كون الكفن مما تجوز الصلاة فيه ]

قال آية الله العلامة في التذكرة : ويشترط أن يكون ـ أي : الكفن ـ مما تجوز الصلاة فيه ، ولا يجوز التكفين في الجلود ، لانها ينتزع عن الشهيد ، مع أنه يدفن بجميع ما عليه ، فلا يناسب تكفين غيره بها ، وهل يجوز التكفين بالصوف والوبر والشعر؟ الاقرب ذلك لجواز الصلاة فيها.

أقول : لا دليل على عدم جواز تكفين غيره بها ووجوب نزعها عنه أو استحبابه لخصوص النص ، ولعله كان لحكمة خفيت علينا ، وأمثاله في أحكام الشريعة المطهرة غير عزيزة ، لا يدل عليه كيف؟ وكل شي‌ء مطلق حتى يرد فيه نهي ولا نهي هنا ، بل هنا ما يدل على جوازه ، لان دليل جواز التكفين بالصوف ونظيريه وهو جواز الصلاة فيها قائم بعينه هنا.

وصورة القياس على ما يستفاد من كلامه رحمه‌الله هكذا : هذا ـ أي : الصوف وما شاكله ـ مما تجوز الصلاة فيه ، وكل ما تجوز الصلاة فيه يجوز التكفين به والجلود منه ، وانما خرجت من هذه الكلية أشياء مخصوصة ، منها نزعها عن الشهيد بدليل من الخارج ، فهو مما أخرجه الدليل وبقي الباقي تحتها ، فمع وجود دليل جواز التكفين فيها وعدم ورود النهي عنه ، وعموم كل شي‌ء مطلق لا يصح الحكم بعدم جوازه فيها لمجرد انتزاعها عن الشهيد للامر بذلك بخصوصه.

ثم ان المستفاد من قوله « ويشترط أن يكون مما يجوز الصلاة فيه » أن كل

٢٧٣

كفن للميت لا بد وأن يكون بهذا الوصف من غير عكس كلي ، أي : ليس كل ما تجوز الصلاة فيه يجوز التكفين به ، وعليه بني قوله ولا يجوز التكفين في جلود.

فبين كلاميه هذين وكذا بين نفي الجواز المفيد للحرمة والمناسبة المفيد الكراهة تدافع لا يخفى.

٢٧ ـ مسألة

[ من اعتق جاريته وجعل عتقها مهرها ]

في التهذيب في أوائل باب السراري وملك اليمين عن ابن أبي عمير عن رجل عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يعتق جاريته ، ويقول لها : عتقك مهرك ثم يطلقها قبل أن يدخل بها ، قال : يرجع نصفها مملوكا ويستسعيها في النصف الاخر (١).

لفظة « في » تعليلية ، كما في قوله « امرأة دخلت النار في هرة » وهي علة للامر بالسعي ، أي : يأمرها بالسعي في فكاك النصف المملوك باعتبار النصف الاخر ، وهو النصف الحر.

لان استسعاء الامة أو العبد انما يتصور اذا أعتق بعضه ورق بعضه ، فهو يسعى في فكاك ما بقي من رقه ، فيعمل ويكسب ويصرف ثمنه الى مولاه.

فلكون هذا النصف الاخر عتقا دخل في الاستسعاء ، فجعله علة له لانه يترتب عليه وجودا وعدما ، فما دام بعضه عتقا يصح منه الاستسعاء ، فاذا صار كله عتقا أو رقا لم يصح.

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٨ / ٢٠٢ ، ح ١٨.

٢٧٤

والحاصل أن نصفها بعد الطلاق لما رجع مملوكا كما كان قبل الاعتاق وبقي هذا النصف الاخر حرا كما كان قبل الطلاق ، صار علة للامر بالسعي في فكاك هذا النصف الذي صار مملوكا بعد أن كان معتقا.

ويحتمل أن تكون ظرفية ، فان زمان النصف الاخر ، وهو النصف الحر يصلح أن يكون ظرفا للسعي والكسب ، لان ذلك الزمان لها بعد المهاياة ، فيمكنها أن تصرفه في فكاك رقبتها ، وأما زمان النصف المملوك فهو حق لسيدها يستخدمها فيه فيما شاء.

وقال صاحب البحار عليه رحمة الله الملك الغفار في حاشية علقها على هذا الموضع : لما فهم من الكلام السابق أن نصفها حر عبر ثانيا عن النصف المملوك بالنصف الاخر ، أي : بالنظر الى النصف الحر (١).

أقول : وفيه بحث ، لان المفهوم من الكلام السابق ليس الا أن كلها حر وذلك في كلام الراوي ، أو نصفها رق وذلك في كلام المروي عنه ، ولا يفهم منه أن نصفها حر الا على وجه بعيد ، وهو أن يكون المراد بقوله « يرجع نصفها مملوكا » العتق ، أي : يصير مملوكا لنفسه ، فعبر عن العتق بالملكية مجازا.

وهذا وجه زيفه رحمه‌الله بعد نقله بقوله : ولا يخفى بعده من وجوه ، واذا كان كذلك فمن أي جزء منه يفهم أن نصفها حر حتى يصح التعبير عن النصف المملوك بالنصف الاخر.

ثم أقول : ومن وجوه ذلك البعد أن قوله « يرجع » ينافي هذا المعنى ، لان المفروض أن كلها كانت معتقة قبل الطلاق ، فكيف يرجع أو يصير نصفها معتقا بعده؟ وما معنى الرجوع والصيرورة؟

نعم لما كانت كلها مملوكة لسيدها ثم صارت باعتاقه معتقة ، فبعد الطلاق

__________________

(١) ملاذ الاخيار ١٣ / ٣٩٣.

٢٧٥

قبل الدخول يرجع نصفها مملوكا له لا لنفسه ، وحينئذ يظهر لقوله « يرجع » معنى معقول ، وهو قرينة على المراد ، فتأمل.

نمقه عبد ربه الجليل محمد بن الحسين الشهير باسماعيل.

٢٨ ـ مسألة

[ فى الشر والخير ]

شر لا يدوم خير من خير لا يدوم. كذا في الغرر والدرر (١).

الشر لفظ جامع لجميع الامور القبيحة ، كما أن الخير لفظ جامع لجميع الامور الحسنة ، فهما مفهومان كليان تندرج تحتها أفراد كثيرة.

وقيل : الشر والخير يطلقان على المعصية والطاعة ، وعلى أسبابها ودواعيها وعلى المخلوقات الضارة كالسموم والحيات ، والنافعة كالحبوب والثمار ، وعلى البلايا والنعم.

وفي القاموس (٢) : الشر الفقر ، والخير المال.

وقيل : الخير الوجود واطلاقه على غيره انما هو بالعرض ، وهو ينقسم الى خير مطلق كوجود العقل ، والى خير مقيد كوجود كل واحد من الصفات المرضية والشرائع النبوية.

والاول هو الحق ، وهو معنى قول بعض العلماء : الخير ما يرغب فيه الكل ، كالعقل مثلا والعدل والشي‌ء النافع ، والشر ضده. والمال سمي بالخير تارة.

__________________

(١) غرر الحكم ودرر الحكم ص ٤٠٩.

(٢) القاموس ٢ / ٥٧.

٢٧٦

وبالشرى أخرى ، نحو « إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ » (١) « أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ » (٢) لانه خير لشخص وشر لاخر ، فمن أنفقه في سبيل الرحمن وأمسكه عن سبيل الشيطان كان له خيرا ، ومن عكس كان له شرا.

واذ قد عرف هذا عرف أنه لو أبقى على اطلاقه ، لزم منه تفضيل القبيح على الحسن ، فانه يفيد مثلا أن اساءة شخص الى آخر مرتين أو مرات ثم امساكه عنه خير من احسانه اليه كذلك ، لصدق شر لا يدوم على الاول وخير لا يدوم على الثاني وله نظائر لا يخفى ، وهذا باطل قطعا ، فلا بد له من مورد ومحل يمكن تطبيقه عليه.

فنقول : الخير والشر باعتبار الدوام وعدمه على قسمين :

شر دائم لا يستعقب خيرا ، كما في الكافر الفقير المبتلى بالاسقام والافات مدة حياة الدنيا. وخير دائم لا يستعقب شرا كما في المؤمن الكامل الغني السالم من البليات مدة حياة الدنيا.

وشر لا يدوم ، كما في فقراء المؤمنين من أنواع الافات والبليات الدنيوية فهو خير من خير لا يدوم ، كما في أغنياء الكافرين من الصحة وأنواع النعمة ، فان ذلك الشر الموصوف باللادوام ، وان لم تكن من حيث ذاته خيرا من الخير الموصوف باللادوام ، الا أنه من حيث وصفه المستعقب للخير الدائم وهو مناط الحكم ، خير منه من حيث وصفه المستعقب للشر الدائم ، فشرور الدنيا للمؤمن خير من خيراتها للكافر. والاول ينتهي الى نعيم مقيم ، والثاني ينجر الى عذاب أليم.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٨٠.

(٢) سورة المؤمنون : ٥٦.

٢٧٧

احتمال آخر : في تفسير علي بن ابراهيم في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى « إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً » (١) قال : الشر هو الفقر والفاقة « وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً » قال : الغنى والسعة (٢).

فيمكن أن يكون المراد فقرا لا يدوم خير من غنى لا يدوم ، لان الاول يرتفع بالثاني ، والثاني بالاول ، لانهما على طرفي النقيض ، كما صرح به في القاموس بقوله : الشر نقيض الخير. فغير ممكن ارتفاعهما ولا اجتماعهما ، والحيثية السابقة معتبرة هنا أيضا ، اذا الفقر بما هو فقر وان لم يكن خيرا من الغنى ، الا أنه باعتبار وصفه المؤدي الى الغنى خير منه باعتبار وصفه المؤدي الى الفقر.

احتمال آخر : يمكن أن يراد بالشر والخير هنا المعصية والطاعة ، وذلك أن عدم دوام الشر بهذا المعنى ، وانقطاعه عن فاعله مع قدرته عليه ، يدل على انصراف نفسه عنه وعدم ميله اليه وتركه الاسباب المؤدية اليه ، وهذا كمال مرغوب لانه في معنى التوبة والله يحب التوابين ، وهذا بعينه يجري في عدم دوام الخير ، لكنه نقص غير مرغوب.

احتمال آخر ، وهو أن يكون هذا ترغيبا في المداومة على فعل خير اوثر فعله ، وترهيبا عن تركه والمبالغة فيه ، بأن عدم دوامه يجعله مرجوحا حتى أن الشر خير منه.

يؤيده ما في آخر صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام الواردة في التأكيد على المداومة على النوافل ، يستحب اذا عمل الرجل عملا من الخير أن يدوم عليه.

وبالجملة المداومة على الخيرات والاستمرار عليها لتصير ملكة وعادة أمر حسن ممدوح وتركه قبيح مذموم ، وقد مدح الله قوما بمداومتهم على فعل النوافل

__________________

(١) سورة المعارج : ٢٠.

(٢) تفسير القمى ٢ / ٣٨٦.

٢٧٨

بقوله « الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ » (١) فعن الباقر عليه‌السلام في تفسيرها قال يقول اذا فرض على نفسه شيئا من النوافل دام عليه (٢).

وفقنا الله للمداومة على الخيرات والمواظبة على الطاعات بنبيه وآله سادات السادات.

٢٩ ـ مسألة

[ الهوان والذل عند الله ]

ورد في بعض الادعية المأثورة عنهم عليهم‌السلام : « اللهم أكرمني بهوان من شئت من خلقك ، ولا تهني بكرامة أحد من أوليائك ».

أقول : وما توفيقي الا بالله ، لو لم يكن في الوجود مهان لم يظهر كون أحد مهانا ، اذ العزيز عزيز اذا كان في الوجود ذليل ، كما أن الذليل ذليل اذا كان في الوجود عزيز ، وذلك أن الاشياء كما قيل : انما تعرف بأضدادها.

بل نقول : معنى الاكرام وهو الفعل المنبئ عن كرامة متعلقه ، انما يظهر عند ظهور معنى الاهانة ، وهو الفعل المنبى‌ء عن هوان متعلقة وبالعكس.

فلما كان اكرامه تعالى أحدا من خلقه وان كان من الفقراء انما يظهر في الوجود العيني هو بهوان غيره ممن شاء من خلقه ، وان كان من الملوك فرب فقير يغلب موقعه في القلوب ويعظمه كل ملك.

ورب ملك لا وقع له في القلوب ويكون ذليلا في الاعين. قال عليه‌السلام : أكرمني في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما. وهو الاظهر بالنصر والظفر والتوفيق بهوان من

__________________

(١) سورة المعارج : ٢٣.

(٢) تفسير القمى ٢ / ٣٨٦.

٢٧٩

شئت من خلقك بالادبار والخذلان ، ولا تهني بذلك بكرامة أحد من أوليائك بما سبق.

ويمكن توجيهه بوجه آخر ، وهو أن اهانة اعدائه مثلا اكرام أوليائه ، كما أن اكرام أوليائه اهانة أعدائه ، فان القيام عند مجي‌ء ولي زيد مثلا يصدق عليه أنه بالنسبة الى الولي اكرام ، وبالنسبة الى أعدائه اهانة ، وذلك لما عرفت معنى الاكرام والاهانة والقيام المذكور دال على كرامة وليه ، وهو أن عدوه بالمعنى المذكور فيكون اكراما بالنسبة الى الولي واهانة بالنسبة الى العدو ، وعليه فقس عدم القيام عند مجي‌ء وليه ، فانه بالنسبة اليه اهانة ، وبالنسبة الى العدو اكرام. وهذا مع وضوحه مستفاد بل مصرح به في الشرح الجديد للتجريد والحاشية القديمة.

واذ تقرر هذا فنقول : حاصل المعنى والله أعلم بمقاصد أوليائه : اللهم اجعلني من أوليائك ليكون هو ان من شئت من أعدائك كرامة لي ، ولا تجعلني من أعدائك لتكون كرامة أحد من أوليائك هوانا.

٣٠ ـ مسألة

[ الرجل يتزوج المرأة متعة ، فيحملها من بلد الى بلد ]

في الكافي في باب نوادر عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن معمر بن خلاد ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن الرجل يتزوج المرأة متعة ، فيحملها من بلد الى بلد ، فقال : يجوز النكاح الاخر ولا يجوز هذا (١).

أقول : لا مانع من جعل هذه الجملة كقوله « فيحملها من بلد الى بلد » استفهامية والنكاح منصوبا بنزع الخافض كهذا ، أي : أفيجوز أن يحملها من بلد الى بلد؟

__________________

(١) فروع الكافى ٥ / ٤٦٧ ، ح ٧.

٢٨٠