الرسائل الفقهيّة - ج ٢

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي

الرسائل الفقهيّة - ج ٢

المؤلف:

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

والعجب أنه قدس‌سره قد نقل رواية هشام ، وفيها ما يدل على نجاسة الفقاع ولم يتفطن لما ذكرناه ، والله المستعان وعليه التكلان.

٧ ـ مسألة

[ عدم وجوب اعلام الفقير بأن المدفوع اليه زكاة ]

قال في المدارك بعد قول المصنف « ولا يجب اعلام الفقير أن المدفوع اليه زكاة ، فلو كان ممن يترفع عنها وهو مستحق ، جاز صرفها اليه على وجه الصلة » :

انما جاز ذلك لان المفروض كون المدفوع اليه مستحقا ، والدفع مشتملا على الامور المعتبرة فيه من النية الصادرة من المالك ، أو وكيله عند الدفع ، أو بعده مع بقاء العين ، وليس ثم ما يتخيل كونه مانعا إلا عدم الاعلام ، وهو لا يصلح للمانعية ، تمسكا بمقتضى الاصل.

وما رواه الكليني وابن بابويه عن أبي بصير قال قلت لابي جعفر عليه‌السلام : الرجل من أصحابنا يستحيي أن يأخذ الزكاة فأعطيه من الزكاة ولا أسمي له أنها من الزكاة؟ فقال : اعطه ولا تسم له ولا تذل المؤمن (١).

ومقتضى الرواية استحباب الدفع الى المترفع عنها على هذا الوجه ، وبه جزم العلامة في التذكرة ، وقال : انه لا يعرف فيه خلافا ، لكن الرواية ضعيفة السند باشتراك الراوي بين الثقة والضعيف.

ومع ذلك معارضة بما رواه الكليني في الحسن ، عن محمد بن مسلم ، قال قلت لابي جعفر عليه‌السلام : الرجل يكون محتاجا ، فنبعث اليه بالصدقة ، فلا يقبلها على وجه الصدقة يأخذه من ذلك ذمام واستحياء وانقباض ، أفنعطيها اياه على غير ذلك

__________________

(١) فروع الكافى ٣ / ٥٦٣ ، ح ٣.

٢٢١

الوجه وهي منا صدقة؟

فقال : لا ، اذا كانت زكاة فله أن يقبلها ، فان لم يقبلها على وجه الزكاة فلا تعطها اياه ، وما ينبغي له أن يستحيي مما فرض الله عزوجل ، انما هي فريضة الله فلا يستحيي منها (١) (٢).

أقول : سند الرواية الاولى في الفقيه حسن على المشهور بابراهيم بن هاشم وصحيح على ما حقق عندنا ، وذهب اليه الشهيد الثاني في شرح الشرائع ، والفاضل الاردبيلي في آيات أحكامه.

والسند في أصل الكتاب هكذا : روى عاصم بن حميد عن أبي بصير (٣).

وفي مشيخته هكذا : وما كان فيه عن عاصم بن حميد ، فقد رويته عن أبي ومحمد بن الحسن الصفار رضي‌الله‌عنهما ، عن سعد بن عبد الله ، عن ابراهيم بن هاشم ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد (٤).

نعم هو ضعيف في الكافي باشتماله على سهل بن زياد الادمي الرازي ، لا لاشتراك أبي بصير بين الثقة والضعيف ، فانه وان كان كذلك على المشهور ، وتبعهم في ذلك صاحب المدارك ، الا أنه مندرج تحت قولهم « رب مشهور لا أصل له » كما بيناه في بعض رسائلنا ، وصرح به صاحب الذخيرة قدس‌سره في بحث تحقيق الكر ، وصاحب مجمع الرجال في حواشيه عليه.

وهو الظاهر من الفاضل الاردبيلي في شرح الارشاد ، حيث حكم بأن رواية أبي بصير ضعيفة في التهذيب وحسنة في الفقيه ، فلو كان أبو بصير عنده مشتركا

__________________

(١) فروع الكافى ٣ / ٥٦٤ ، ح ٤.

(٢) مدارك الاحكام ٥ / ٢٠٣ ـ ٢٠٤.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٢ / ١٣.

(٤) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٤٧٧.

٢٢٢

بين الثقة والضعيف ، لما حكم بكونها حسنة السند في الفقيه ، وهو مشتمل على أبى بصير كما عرفت.

وبالجملة فهذا السند على ما في الفقيه بين حسن وصحيح. ومثله سند الرواية الثانية على ما في الكافي ، فانه رواها عن علي بن ابراهيم عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم.

فهما اذا كانتا متكافئتان في السند ومتناقضتان في الدلالة ، فان احداهما دلت على جواز دفع الزكاة لا على وجهها ، بل على وجه الصلة والهدية ونحوهما ، والاخرى دلت على عدم جواز الدفع الا على وجه الزكاة والصدقة ، وحمل هذه على كراهة ردها من المستحق والمبالغة في زجره من المنع وتحريمه نفسه ما عينه الله له.

وعلى احتمال وجود ما يخرجه عن الاستحقاق ، فلا يجوز اعطاؤها اياه ، أو على الاظهار أنه ليس بزكاة ، فلا يبعد منع مثله عن الذي لا يقبلها ، لاحتمال عدم الاستحقاق وغيره ، وحمل الاولى على الاعطاء الغير المانع الذي فيه الاحتمال المذكور ، وعلى وجه لا يعرف أنه زكاة ، لا على وجه يعلم أنه ليست بزكاة على الجواز مع الكراهة.

ثم أيد رواية أبي بصير برواية ابن سنان ، قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ان صدقة الخف والظلف تدفع الى المتجملين من المسلمين ، فأما صدقة الذهب والفضة وما كيل بالقفيز وما أخرجت الارض فللفقراء المدقعين ، قال ابن سنان قلت : وكيف صار هذا هكذا؟ فقال : لان هؤلاء يستحيون من الناس ، فيدفع اليهم أجمل الامرين عند الناس (١).

ويؤيدها أيضا ما دل على اعزاز المؤمن ورفع حاجته ، وانها مما اتفق على العمل

__________________

(١) فروع الكافى ٦ / ٥٥٠ ، ح ٣.

٢٢٣

بمضمونها الاصحاب ، حتى قال العلامة في التذكرة : لا نعرف فيه خلافا كما سبق مع عدم صلاحية ما تخيل مانعا من عدم الاعلام للمانعية.

وقد سبق في كلام صاحب المدارك أن المقتضي وهو كون المدفوع اليه مستحقا والدفع مشتملا على الامور المعتبرة فيه موجود ، فاذا وجد المقتضي وعدم المانع وجب وجود المعلول وترتب الاثر على المؤثر ، فهذا كله مما يرجح به الاولى ، وعلى الثانية مع استوائهما في السند كما عرفت.

وأما ما رواه في الكافي عن عبد الله بن هلال بن خاقان ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : تارك الزكاة وقد وجبت له مثل مانعها وقد وجبت عليه (١).

فمع جهالة سنده بعبد الله الراوي ، فانه مهمل ، واشتماله على الحسن بن علي ، وهو مشترك بين الثقة والضعيف ولا قرينة ، انما يدل على حرمة الامتناع من الاخذ ، لا على عدم جواز اعطاء من لا يقبلها على وجه الصدقة حتى مؤيدا لرواية ابن مسلم كما ظن.

نعم على القول باعتبار العدالة في مستحق الزكاة يشكل جواز اعطاؤها له ، وهو لا يقبلها على وجه الصدقة فانه بامتناعه عن قبولها وقد وجبت له يصير فاسقا كمانعها وقد وجبت عليه ، لكنه كلام آخر فتدبر.

واعلم أن للاعلام قد تكون فائدة تعود الى المالك ، وذلك في صورة يكون مقصرا في الاجتهاد بتخيل أن المدفوع اليه أهل للزكاة ولم يكن أهلا لها ، فاذا دفعها اليه بدون الاعلام يمكن أن يتصور هو أنها نحلة أو هدية اهديت اليه فيقبلها.

فبعد تبين خطائه وتقصيره في الاجتهاد وعدم امكان ارتجاعها بتلف العين وفقره الطاري أو غير ذلك يتضرر المالك ، لانه يجب عليه أن يؤديها مرة أخرى

__________________

(١) فروع الكافى ٣ / ٥٦٣ ، ح ١.

٢٢٤

حتى يخرج عن العهدة ، وذلك الضرر قد يندفع بالاعلام ، لان المدفوع اليه اذا علم أنها زكاة وهو لا يستحقها ، فلعله يردها الى مالكها ، فيندفع به الضرر ، لكنه لا يدل على عدم اجزاء الدفع بدون الاعلام ، والاجتهاد صواب ، والمدفوع واقع موقعه ، وانما الكلام فيه كما سبق.

٨ ـ مسألة

[ وجوب الاعتكاف بمضى يومين ]

اختلفوا في وجوب الاعتكاف المندوب بالدخول ، فقال المرتضى وابن ادريس : لا يجب أصلا ، بل له الرجوع فيه متى شاء ، واختاره العلامة في جملة من كتبه.

وقال المحقق في المعتبر : انه الاشبه بالمذهب (١). وذهب الشيخ في المبسوط (٢) وأبو الصلاح الى وجوبه بالدخول فيه كالحج. وقال ابن الجنيد وابن البراج وجماعة من المتأخرين : انه انما يجب بعد مضي يومين ، فيجب الثالث.

واحتجوا عليه بصحيحة ابن مسلم عن الباقر عليه‌السلام ، قال : اذا اعتكف يوما ولم يكن اشترط ، فله أن يخرج ويفسخ الاعتكاف ، وان أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى يمضي ثلاثة أيام (٣).

وصحيحة أبي عبيدة عنه عليه‌السلام قال : ومن اعتكف ثلاثة أيام ، فهو يوم الرابع

__________________

(١) المعتبر ٢ / ٧٣٧.

(٢) المبسوط ١ / ٢٨٩.

(٣) فروع الكافى ٤ / ١٧٧ ، ح ٣.

٢٢٥

بالخيار ان شاء زاد ثلاثة أيام اخر ، وان شاء خرج من المسجد ، فان أقام يومين بعد الثلاثة ، فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أخر (١).

واحتج المرتضى ومن شايعه بأن الاعتكاف عبادة مندوبة ، فلا تجب بالشروع كالصلاة المندوبة ، قالوا : ولا ينتقض بالحج والعمرة لخروجهما بدليل.

قال في المدارك : وجوابه أن الدليل كما وجد في الحج والعمرة ، كذا وجد في الاعتكاف ، وهو ما سبق من الروايتين الصحيحتي السند الواضحتي الدلالة (٢).

أقول : فيه ان المرتضى ومن يذهب مذهبه لا يعمل بخبر الواحد ، ويقول : انه لا يفيد علما ولا عملا ، فكيف يكون هذا حجة ودليلا عليه. وأما الحج والعمرة ، فانما أخرجهما بقوله تعالى « وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ » (٣) لا بخبر الواحد.

نعم هو دليل على مثل العلامة والمحقق وغيرهما ممن شايع السيد في هذه المسألة من العاملين بخبر الواحد ، لكن لهم أن يمنعوا صراحة الخبر الاول في وجوب الثالث ، بل انما دل على كراهية فسخه وأولوية اتمامه ، ومثله الرواية الثانية ، فانها انما دلت على كراهة فسخ السادس لا على وجوب اتمامه ، وأصل عدم الوجوب وبراءة الذمة عنه معهم ، فتأمل.

ويمكن أن يستدل عليه بقوله تعالى « وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ » (٤) فانه يقتضي النهي عن ابطال العمل ، والاعتكاف المندوب عمل ، فيندرج تحت النهي الدال بظاهره على التحريم.

__________________

(١) فروع الكافى ٤ / ١٧٧ ، ح ٤.

(٢) مدارك الاحكام ٦ / ٣١٣.

(٣) سورة البقرة : ١٩٦.

(٤) سورة محمد : ٣٣.

٢٢٦

وصورة القياس هكذا : الاعتكاف المندوب عمل ، وكل عمل لا يجوز ابطاله أما الصغرى فظاهرة ، وأما الكبرى فلان الجمع المضاف يفيد العموم ، فيشمل جميع مراتب العمل ، الا ما أخرجه الدليل ، فلا يرد أن كلية الكبرى ممنوعة ، لجواز الافطار في الصوم الواجب والمندوب ، لانها باقية على كليتها.

وخروج الصوم ونحوه منها لما كان من باب خروج ما أخرجه الدليل لا ينافيها اذ المراد أنها كلية فيما لا دليل على خروجه من تحت النهي الدال بظاهره على التحريم ، فيكون من قبيل تخصيص العام ببعض أفراده ، لوجود قرينة أو دليل.

وروي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : اختروا الجنة على النار ، ولا تبطلوا أعمالكم فتقذفوا في النار منكسين خالدين فيها أبدا.

والاولى أن يقال : ان بعض أفراد المندوب فاعله قبل الشروع فيه مخير بين فعله وتركه ، فأما بعد الشروع فعليه اكماله ، كالحج والصلاة النافلة ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « صلوا كما رأيتموني أصلي » (١) اذ الظاهر منه أنه لم يقطع الصلاة المندوبة اختيارا ، بخلاف الصوم المندوب وبعض أفراده الواجب ، فانهم نصوا على جواز قطعه حال الاختيار.

والاقوى أنه لا يجب النفل بالشروع فيه الا الحج والعمرة ، وفي الاعتكاف ما مر من الوجوب بالشروع ، والوجوب بمضي يومين ، وعدم الوجوب أصلا ، ولعل الاوسط أوسط.

٩ ـ مسألة

[ القصد فى المشى حال الطواف ]

قال الفاضل الاردبيلي رحمه‌الله في شرحه على الارشاد : قال في المنتهى :

__________________

(١) عوالي اللئالي ١ / ١٩٨ ، ح ٨.

٢٢٧

ويستحب أن يقصد في مشيه ، بأن يمشي مستويا بين الاسراع والابطاء ، قاله الشيخ في بعض كتبه.

وقال في المبسوط : يستحب أن يرمل ثلاثا ويمشي أربعا في طواف القدوم خاصة ، اقتداء برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لانه كذلك فعل ، رواه جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام عن جابر. والظاهر أن الرواية عن العامة والفتوى أيضا لهم ، وذلك في الثلاثة الاول.

قال في المنتهى : اتفق الجمهور كافة على استحباب الرمل وهو الهرولة في الثلاثة الاول والمشي في الاربعة الباقية.

ودل على القول الاول رواية عبد الرحمن بن سيابة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الطواف فقلت : أسرع وأكثر أو أبطئ ، قال : مشي بين المشيين (١) الا أن عبد الرحمن مجهول.

وروى في الفقيه قويا عن سعيد الاعرج أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن المسرع والمبطئ في الطواف ، فقال : كل واسع ما لم يؤذ أحدا (٢). وهذه تدل على التسوية ، ولا يبعد حملها على الجواز وعدم المبالغة فيهما.

وحمل رواية عبد الرحمن على ذلك ، ويمكن حملهما على غير طواف القدوم وعلى الاربعة الاشواط الاخيرة ، للجمع بين الاخبار ، لبعد كذب العامة في نقل مثل هذه الائمة عليهم‌السلام ، مع عدم نقلهم عنهم الا قليلا ، فتأمل (٣).

أقول : سيأتي إن شاء الله العزيز في المسألة التالية أن عبد الرحمن هذا ثقة ، فروايته صحيحة ، وأما رواية سعيد بن عبد الله الاعرج ، فموثقة في الفقيه كما يظهر

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٥ / ١٠٩ ، ح ٢٦.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٤١١ ، ح ٢٨٤٢.

(٣) مجمع الفائدة ٧ / ١٠٣.

٢٢٨

من مشيخته.

حيث قال رضي‌الله‌عنه : وما كان فيه عن سعيد الاعرج ، فقد رويته عن أبي رضي‌الله‌عنه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد ابن محمد بن أبي نصر البزنطي ، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعمي ، عن سعيد ابن عبد الله الاعرج الكوفي (١) انتهى. والسند موثق.

والحديث دل على أن الاسراع والابطاء لا ترجيح لاحدهما على الاخر في مطلق الطواف وفي جميع أشواطه ، بل يجوز فيه الابطاء ، كما يجوز فيه الاسراع ما لم يؤد الى أذية أحد ، والمنقولة عن العامة دلت على استحباب الاسراع في الثلاثة الاول ، والمشي في الاربعة الباقية ، فبينهما نوع منافرة.

وقد تقرر في أصولنا أن العامي اذا روى عن أحد من الائمة عليهم‌السلام ، نظر فيما يرويه ، فان كان مخالفا لما يرويه الخاصي وجب اطراحه ، كما يشير اليه مقبولة عمر.

وأيضا فتأويله للجمع بينهما ، أو تخصيصه وتقييده به ، معللا بأن كذبهم في نقل مثله عنهم عليهم‌السلام بعيد غير جيد ، اذ لا بعد فيه نظرا الى دواعيهم الفاسدة وأغراضهم الكاسدة ، حتى نقل عن بعضهم وقد استبصر أنه قال : أنظروا هذا الحديث عمن تأخذونه ، فانا كنا اذا رأينا رأيا جعلنا له حديثا. مع أن هذا الحديث غير منقول عنهم عليهم‌السلام ، بل هو منقول عن جابر ، وهو عليه‌السلام ناقل عنه ، وهو حاك عن فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وفي فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله اذا لم يعلم جهته بالنسبة اليه ، فبالنسبة الى أمته فيه مذاهب الوجوب ، والندب والاباحة ، والوقف ، والتفصيل. بأنه ان ظهر قصد القربة فالندب والا فالاباحة ، فالقطع بأنه هنا للندب لا يخلو عن شي‌ء ، فتأمل.

ان قلت : كيف جوز قدس‌سره كونه حديثا حتى تكلف للجمع بينه وبين

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٤٧٢.

٢٢٩

ما رواه عن جابر وهو من رعيته ، ومن أصول الامامية أن الامام أولى بالاتباع من رعيته ، فانه مؤيد بروح القدس ، وعنده جميع ما يحتاج اليه الامة وما كان وما هو كائن الى يوم القيامة.

قلت : له وجه يصحح به تجويز كونه حديثا ، وهو ما رواه حريز عن أبان بن تغلب ، قال : حدثني أبو عبد الله عليه‌السلام قال : ان جابر بن عبد الله كان آخر من بقي من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكان رجلا منقطعا الينا أهل البيت ، وكان يقعد في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو معتم بعمامة سوداء ، وكان ينادي يا باقر العلم يا باقر العلم ، فكان أهل المدينة يقولون : جابر يهجر.

وكان يقول : والله ما أهجر ، ولكن سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : انك ستدرك رجلا من أهل بيتي اسمه اسمي وشمائله شمائلي يبقر العلم بقرا ، فذاك الذي دعاني الى ما أقول.

قال : فبينا جابر يتردد ذات يوم في بعض طرق المدينة اذ هو في طريق في ذلك الطريق كتاب فيه محمد بن علي بن الحسين عليهم‌السلام ، فلما نظر اليه قال : يا غلام أقبل فأقبل ، ثم قال : أدبر فأدبر.

فقال : شمائل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والذي نفس جابر بيده يا غلام ما اسمك ، فقال : اسمي محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام فأقبل عليه يقبل رأسه ، وقال : بأبي وأمي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقرؤك السلام ويقول لك ويقول لك.

فرجع محمد بن علي الى أبيه علي بن الحسين عليهم‌السلام وهو ذعر فأخبره الخبر فقال له : يا بني قد فعلها جابر؟ قال : نعم ، فقال : يا بني ألزم بيتك ، فكان جابر يأتيه طرفي النهار.

وكان أهل المدينة يقولون : واعجبا لجابر يأتي هذا الغلام طرفي النهار ، وهو آخر من بقي من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : فلم يلبث أن مضى علي بن الحسين

٢٣٠

عليهما‌السلام ، وكان محمد بن علي عليهما‌السلام يأتيه على وجه الكرامة لصحبته لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

قال : فجلس فحدثهم عن أبيه ، فقال أهل المدينة : ما رأينا أحدا قط أجرأ من ذا ، فلما رأى ما يقولون حدثهم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال فقال أهل المدينة : ما رأينا أحدا أكذب من ذا يحدث عمن لم يره ، فلما رأى ما يقولون حدثهم عن جابر بن عبد الله فصدقوه ، وكان جابر والله يأتيه يتعلم منه (١).

١٠ ـ مسألة

[ أفضلية الطواف للمجاور من الصلاة ]

قال الفاضل الاردبيلي في شرحه على الارشاد ، بعد قول مصنفه قدس الله سرهما « والطواف للمجاور أفضل من الصلاة والمقيم بالعكس » : دليله رواية حريز قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الطواف لغير أهل مكة لمن جاور بها أفضل أو الصلاة؟ قال : الطواف للمجاورين أفضل ، والصلاة لاهل مكة والقانطين بها أفضل من الطواف (٢).

ورواية حفص بن البختري وحماد وهشام عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : اذا أقام الرجل بمكة سنة ، فالطواف أفضل ، واذا أقام سنتين خلط هذا وهذا ، فاذا أقام ثلاث سنين فالصلاة أفضل (٣).

ولو لا اشتراك عبد الرحمن الذي روى عنه موسى بن القاسم في سندهما

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال ١ / ٢١٧ ـ ٢٢٢.

(٢) تهذيب الاحكام ٥ / ٤٤٦ ـ ٤٤٧ ، ح ٢٠١.

(٣) تهذيب الاحكام ٥ / ٤٤٧ ، ح ٢٠٢.

٢٣١

لكانا صحيحين ، مع أن في الكافي الاولى حسنة لابراهيم ، والثانية صحيحة. وقال في المنتهى : هما صحيحتان وهو أعرف (١).

أقول : هذا حق على التقديرين ، أما على الاشتراك ، فلما سبق وأما على ما في الكافي ، فلما ثبت من توثيق أبي علي ابراهيم بن هاشم القمي ، كما ذهب اليه الفاضل الاردبيلي أيضا في آيات أحكامه في كتاب الصوم.

حيث قال فيه بعد أن نقل حديثين : أحدهما عن محمد بن مسلم ، والثاني عن زرارة. وأما الاول وأراد به ما رواه عن محمد بن يعقوب ، عن علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم. فظاهر أنه حسن لوجود أبي علي ابراهيم بن هاشم ، وكذا سماه في المختلف والمنتهى.

وقال الشيخ زين الدين في شرح الشرائع : ولصحيحة محمد بن مسلم وزرارة ، وما وجدت في كتب الاخبار غير ما ذكرته عن محمد بن مسلم ، فالظاهر أنه انما عنى ذلك ، فاشتبه عليه الامر أو تعمد وثبت توثيقه عنده. والظاهر أنه يفهم توثيقه من بعض الضوابط (٢) انتهى.

ولعله منه رحمه‌الله اشارة الى أن اعتبار مشايخ القميين له وأخذ الحديث عنه ونشر الرواية منه على ما في الفهرست والنجاشي يعطي أنه ثقة عندهم في الرواية والنقل ، لان أهل قم كانوا يخرجون الراوي منه ويؤذونه لمجرد توهم شائبة ما فيه فكيف يجتمعون عليه ويقبلون حديثه لو لا وثوقهم به واعتمادهم عليه ، فيصير حديثه صحيحا لذلك ، كما لا يخفى على من له قليل من الانصاف.

قال في الفهرست ومثله في النجاشي : ابراهيم بن هاشم أبو اسحاق القمي

__________________

(١) مجمع الفائدة ٧ / ٣٨٦ ـ ٣٨٧.

(٢) زبدة البيان ص ١٥٤ ـ ١٥٥.

٢٣٢

أصله من الكوفة وانتقل الى قم ، وأصحابنا يقولون : انه أول من نشر حديث الكوفيين بقم ، وذكروا أنه لقى الرضا عليه‌السلام ، والذي أعرف من كتبه كتاب النوادر وكتاب قضايا أمير المؤمنين عليه‌السلام أخبرنا بهما جماعة من أصحابنا ، ثم ذكر سنده اليه (١).

وقال العلامة في الخلاصة : انه عندي مقبول (٢). وفي المنتهى كثيرا ما يسمى الخبر الواقع هو فيه صحيحا ، ويفهم منه توثيقه.

فصح أنهما صحيحتان على التقديرين ، دالتان على أفضلية الطواف للمجاورين والصلاة للقاطنين ، وان العلامة قدس‌سره كان عارفا بما قال والله أعلم بحقيقة الحال.

تنبيه :

لا يذهب عليك أن قوله رحمه‌الله في آيات الاحكام « وكذا سماه في المختلف والمنتهى » يناقض ظاهر قوله هنا « وقال في المنتهى هما صحيحتان ».

الا أن يقال : هذا بالنظر الى غير ما في الكافي ، فبحثه معه قدس‌سرهما ترديدي ، بأنه ان أراد أنهما صحيحتان في غير الكافي ، فاشتراك عبد الرحمن في الثاني مانع عنه. وان أراد صحتهما في الكافي ، فوجود ابراهيم في طريق الاول يمنعه.

أو يقال : ان العلامة طاب ثراه تبع المشهور في أوائل المنتهى الى كتاب الصوم ونحوه ، فحكم بأن رواية أبي علي اذا لم يكن في الطريق قادح من غير جهته حسنة ، ثم لما تبين له من بعد ما رأى الايات أنه ثقة حكم بأنها صحيحة ، وذلك

__________________

(١) الفهرست ص ٤.

(٢) رجال العلامة ص ٤.

٢٣٣

من كتاب الحج الى آخر الكتاب ، والاول أظهر.

وليست عندنا الان نسخة المنتهى لنرجع اليها في تحقيق الحال وتصحيح المقال ، والحمد لله على كل حال ، والصلاة على محمد وآله خير آل.

١١ ـ مسألة

[ حكم التحالف فى حال الاحرام ]

قال الفاضل الاردبيلي في شرح الارشاد بعد رواية أبي بصير ، قال : سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يريد أن يعمل العمل ، فيقول له أصحابه : والله لا نعمله فيقول : والله لا عملنه فيحالفه مرارا ، فيلزمه ما يلزم صاحب الجدال؟ فقال : لا ، انما أراد بهذا اكرام أخيه ، انما يلزمه ما كان لله عزوجل معصية (١) قال في المنتهى : رواها ابن بابويه في الصحيح ، وهو غير ظاهر الصحة في الفقيه ، لانه روى عن ابن مسكان عن أبي بصير ، وما صح طريقه الى ابن مسكان ، مع أنه مشترك بين الضعيف والثقة ، مثل أبي بصير.

ثم قال : وهي صحيحة في الكافي ، ويمكن صحتها في الفقيه أيضا بكون ابن مسكان هو عبد الله الثقة ، والطريق اليه صحيح لشهرته ، وعدم نقل رواية عن محمد وذكر طريقه ، وكأن أبا بصير هو ليث لكثرة روايته ، وكأن ذلك كله ظاهر عند المصنف ، حيث لا يلتفت الى الاشتراك ويسميها صحيحة ، فتأمل (٢).

أقول : وجه ظهوره عنده وعدم التفاته اليه وتسميته لها صحيحة ، ان ابن مسكان وان كان مشتركا بين أربعة : محمد ، وعمران ، وعبد الله ، والحسين ، الا أن الاكثر

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٣٣٣.

(٢) مجمع الفائدة ٦ / ٢٩٧.

٢٣٤

هو عبد الله ، كما نص عليه الكشي في الكنى ، حتى أنه يتبادر عند الاطلاق دون غيره ، فهذا مع عدم ذكر الصدوق في مشيخته طريقه الى الثلاثة الباقية قرينة على أن المراد بابن مسكان هذا هو عبد الله لا غير.

وأما ما ذكره الشارح رحمه‌الله ، فأخص من المدعى ، لان بمجرد عدم نقل الصدوق رواية عن محمد وعدم ذكره طريقه اليه لا يثبت أن المراد بابن مسكان هذا هو عبد الله ، لاحتمال أن يكون المراد به هو أحد الاخيرين ، فتأمل.

وأما أبو بصير المذكور في الحديث ، فالمراد به : اما يحيى بن أبي القاسم أو المرادي ليث بن البختري ، أو أبو يحيى ، فان المطلق قد يكون مشتركا بينهم كما اذا روى عن الباقرين أو أحدهما عليهما‌السلام ، وأما اذا روى عن الكاظم عليه‌السلام فانه مخصوص بيحيى بن أبي القاسم. وروايات هؤلاء الثلاثة اذا لم يكن في الطريق مانع من غير جهتهم صحيحة.

لكن اشتبه أمر أبي بصير المطلق على كثير من أصحابنا المتأخرين ، فظنوا اشتراكه بين الثقة الامامى وغيره. والظاهر أن الاشتراك توهم وله جهات.

منها : أنه مشترك بين جماعة ، منهم : يوسف بن الحارث ، وهو غير موثق في كتب الرجال ، بل في الخلاصة واختيار الرجال للشيخ أن يوسف هذا من أصحاب الباقر عليه‌السلام ، يكنى أبا بصير بالياء بعد الصاد.

والجواب أن أبا بصير اذا أطلق ينصرف الى المشهور المعروف بينهم ، ويوسف هذا مجهول غير مذكور في الفهرست وكتاب النجاشي ، فكيف ينصرف المطلق اليه ، وفي كتاب الكشي أبو نصر بن يوسف بن الحارث (١). ويحتمل اتحادهما ، ووقوع التصحيف في كتاب الشيخ ، على أن رواية أبي بصير هذه عن الصادق عليه‌السلام ، ويوسف بن الحارث من أصحاب الباقر عليه‌السلام.

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال ٢ / ٢٨٨.

٢٣٥

ومنها : أنه مشترك بين جماعة ، منهم : عبد الله بن محمد الاسدي. والجواب عنه نحو من السابق.

ومنها : أنه مشترك بين جماعة ، منهم : يحيى بن القاسم الحذاء ، وهو واقفي والجواب أن أبا يحيى بن القاسم ، أو يحيى بن أبي القاسم غير يحيى بن القاسم الحذاء الواقفي ، والشاهد لذلك أمور أوردناها في بعض رسائلنا.

ومنها : أن أبا بصير كنية ليث بن البختري المرادي. وأورد الكشي روايات تدل على الطعن فيه. والجواب أن الروايات الدالة على فضيلته وكمال درجته وعلو شأنه أكثر وأصح وأشهر ، وما ورد بالطعن فيه قابل للتأويل ، فلا وجه للتوقف في رواياته اذا لم يكن في الطريق مانع من غيره ، وقد أوضحنا حقيقة حاله في رسالة لنا ، فليقف من هناك.

١٢ ـ مسألة

[ الطواف فى ثوب متنجس بالدم ]

قال مولانا أحمد الاردبيلي رحمه‌الله في شرح الارشاد ، بعد نقله صحيحة البزنطي ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال قلت له : رجل في ثوبه دم مما لا تجوز الصلاة في مثله ، فطاف في ثوبه ، فقال : أجزأه الطواف فيه ، ثم ينزعه ويصلي في ثوب طاهر (١) ، ولا يضر بصحته ارساله لما ثبت عندهم أنه ممن اجتمعت العصابة على تصحيح ما صح عنه ، وان مرسلته مسندة الى العدل (٢).

أقول : هذا الاخير بخصوصه كما هو مفاد كلامه رحمه‌الله غير ثابت في

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٥ / ١٢٦ ـ ١٢٧.

(٢) مجمع الفائدة ٧ / ٧١.

٢٣٦

كتبهم ، لا في الرجال ولا في الدرايات ، وانما هو داخل تحت عموم قول بعضهم ان المرسل مقبول اذا علم أن مرسله لا يرسل الا عن عدل ، وهذا الدخول على تقدير حصول هذا العلم.

وفيه أن هذا القدر من العلم غير كاف في العمل بروايته ، بل لا بد له من ذكره وتعيينه ، ولينظر هل له جارح أولا ، فان مع الابهام لا يؤمن من وجوده ، لجواز أن يكون له جارح وهو لا يعرفه.

ومنه يعلم ضعف قوله وان مرسله مسندة الى العدل ، أي : العدل باعتقاده لا في الواقع ، فيجوز أن يكون فاسقا وهو لا يعرفه ، ولو عينه لعرف فسقه الذي خفي عليه.

وبالجملة بعض أصحابه لا ينحصر في العدل ، لان العدل كما يروي عن مثله فقد يروي عن غيره. وعلى تقدير انحصاره فيه انما يقبل التعديل اذا انتفت عنه معارضة الجرح ، وانما يعلم ذلك بتعيين المعدل وتسميته.

والقول بأن الاصل عدم الجرح مجاب بوقوع الاختلاف في شأن كثير من الرواة ، فرب معدل عند قوم مجروح عند آخرين. ولتفصيل هذا المطلب موضع آخر فليطلب من هناك.

واذا ثبت أن المرسل ليس بحجة مطلقا في الاصح من الاقوال للاصوليين والمحدثين ، فلا عبرة بما استنبطه قدس‌سره من هذه الرواية.

حيث قال : وفيها دلالة ظاهرة على عدم اشتراط خلو الثوب عن نجاسة الدم وكان غيره والبدن أيضا كذلك ، لعدم الفرق وعدم القائل به على الظاهر ، وعلى عدم اخراج النجاسة الغير المتعدية عن المساجد ، وصحة الصلاة مع العلم بها في المسجد ، حيث حكم عليه‌السلام بصحة الطواف معه من غير تفصيل الى العلم والجهل والنسيان وعدمه ، بل الظاهر أنه مع العلم ، وبأنه يقلع ويصلي وما حكم باخراجه

٢٣٧

عن المسجد ثم يصلي (١).

وذلك لان الواجب على كل مجتهد تحصيل الظن فيما يعمل أو يفتي به ، وهذا لا يحصل من الخبر المرسل ، للجهل بحال المحذوف ، فيحتمل كونه ضعيفا ومجرد رواية العدل عنه ليس تعديلا له بل أعم منه وعلى تقدير كونه تعديلا ففيه ما عرفته.

ومنه يعلم أن مجرد تصحيح رواية بتعديل رواتها لا يكفي في جواز العمل بها بل لا بد من مراجعة سندها وملاحظة حال رواتها ليؤمن من معارضة الجرح ، فرب رواية عدل قوم رواتها وهي عند آخرين ضعيفة السند وبالعكس ، كما سبقت اليه الاشارة.

١٣ ـ مسألة

[ كفارة تقبيل امرأته فى الطواف ]

قال الفاضل المذكور في الشرح المسطور : ينبغي حمل ما يدل عليه الكفارة في تقبيل امرأته ، أي : المحرم بغير شهوة على الاستحباب ، مثل صحيحة مسمع ابن أبي سيار الممدوح في الجملة.

قال قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : يا أبا سيار أن حال المحرم ضيقة ان قبل امرأته على غير شهوة وهو محرم ، فعليه دم شاة ، وان قبل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور ويستغفر ربه ، وان مس امرأته وهو محرم على شهوة فعليه دم شاة ، ومن نظر الى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور ، ومن مس امرأته أو لازمها من

__________________

(١) مجمع الفائدة ٧ / ٧٢.

٢٣٨

غير شهوة فلا شي‌ء عليه (١).

للاصل وعموم ما يدل على عدم شي‌ء في المس بغير شهوة ، وعدم توثيق مسمع ومدحه بحيث يفيد حسن الخبر (٢).

أقول : لا يخفى ما في كلامه رحمه‌الله من الاضطراب والتشويش ، فانه سمى حديثه صحيحا أولا ، وهذا يفيد توثيقه ، ثم نفى عنه الحسن آخرا ، وهذا يدل على عدم مدحه فضلا عن توثيقه ، وقال فيما بينهما : انه ممدوح في الجملة.

وأنت خبير بأن الرجل اذا كان اماميا ممدوحا وان كان في الجملة ، فحديثه حسن ولا أقل منه لانه ليس بمجهول ولا ضعيف ولا موثق ولا قوي ولا غيره من أنواع الحديث الا الحسن.

والحق أن ما ورد في مسمع بن عبد الملك أبي سيار الملقب كردين من أصحاب الباقر والصادق والكاظم عليهم‌السلام يبلغ به حد التوثيق وذروته.

فنقول : في مشيخة الفقيه ان الصادق عليه‌السلام قال له أول ما رآه : ما اسمك؟ فقال : مسمع ، فقال : ابن من؟ قال ابن مالك ، قال : بل أنت مسمع بن عبد الملك (٣) في كتاب الكشي ، قال محمد بن مسعود : سألت أبا الحسن علي بن الحسن ابن فضال عن مسمع كردين أبي سيار ، فقال : هو ابن مالك من أهل البصرة وكان ثقة (٤).

وفي الفهرست له كتاب ، ثم أسند باسناده اليه (٥).

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٥ / ٣٢٦ ، ح ٣٤.

(٢) مجمع الفائدة ٧ / ٢٦.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٤٥١.

(٤) اختيار معرفة الرجال ٢ / ٥٩٨ ، برقم : ٥٦٠.

(٥) الفهرست ص ١٢٨ ـ ١٢٩.

٢٣٩

وفي مشيخة الفقيه هو عربي من بني قيس بن ثعلبة (١).

وفي النجاشي : انه شيخ بكر بن وائل بالبصرة ووجهها وسيد المسامعة ، وكان أوجه من أخيه عامر بن عبد الملك وأبيه ، روى عن أبي جعفر عليه‌السلام رواية يسيرة ، وروى عن أبي عبد الله عليه‌السلام وأكثر واختص به ، وقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : اني لاعدك لامر عظيم يا أبا السيار ، وروى عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام ، وله نوادر كبيرة (٢).

فاذا كان الرجل اماميا فاضلا صاحب كتاب كبير ، صحب جمعا من المعصومين عليهم‌السلام ، وكان خصيصا بهم ، وأكثر الرواية عنهم ، وقد ورد في مدحه ما سمعت وقد وثقه أبو الحسن بن فضال ، وهو فقيه أصحابنا ووجههم وثقتهم وعارفهم بالحديث ، كما في النجاشي.

حتى قال محمد بن مسعود : ما لقيت في من لقيت بالعراق وناحية خراسان أفقه ولا أفضل ولا أحفظ من ابن فضال ، كما في الكشي (٣).

فكيف يسوغ أن يقال : روايته ليست بصحيحة بل ولا حسنة ولا في طريقها مانع سواه على ما هو المفروض.

١٤ ـ مسألة

[ موضع المقام ]

قال آية الله العلامة في جواب من سأله عما يقوله بعض أصحابنا وبعض العامة

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٤٥١.

(٢) رجال النجاشي ص ٤٢٠.

(٣) اختيار معرفة الرجال ٢ / ٨١٢.

٢٤٠