الرسائل الفقهيّة - ج ٢

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي

الرسائل الفقهيّة - ج ٢

المؤلف:

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

هي التي تجمع المرة الصفراء معلقة مع الكبد ، كالكيس فيها ماء أخضر ، والمراد بها هنا الكيس ونحوه مما ينجبر به المكسور أو المقطوع.

فدل الخبر الذي نحن فيه وغيره مما سبق على أن الامام عليه‌السلام إذا كان غائبا عن شيعته ، فلهم أن يتفقهوا في الدين بالنظر فيما روي عنه ، ثم يحكموا بين المسلمين بما فهموا منه ، بشرط أن يكون الحاكم فيهم على صفاء في سريرته ، وطهارة في علانيته ، وإخلاص في عمله ونيته ، وجودة في قريحته ، ودقة في بصيرته.

وأن يكون له في حكمه في كل حال برهان وحجة من الله واذن ورخصة منه ، فمن ليس له ذلك فلا يجوز له الرئاسة في الدين والحكم والإفتاء في المسلمين.

وعلى هذا الخبر انما يكون حجة للحاكم إذا حصل له منه ظن غالب على حكم يحكم به ، والا فهو جاهل به ، والفتوى انما هي من وظائف العالم به ، ولذا لا عذر له في جهله ، بل هو مأخوذ به ومأثوم بحكمه.

ويستفاد منه أيضا أن الناس في هذا الزمان ، وهو زمان الغيبة والحيرة صنفان : مجتهد ويجب عليه الاتصاف بما نطق به الخبر ، ومقلد ويجب عليه السعي إلى معرفة يصير بالتفقه والنظر ، ليأخذ عنه ما عن الامام رواه بعد معرفته بمعناه.

لقوله عليه‌السلام : وعرف أحكامنا ، بعد أن قال : قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا ، فجعل معرفة الاحكام والنظر في الحلال والحرام شرطا في جواز حكمه ووجوب اتباعه ، كما تدل عليه تتمة الخبر.

وصلى الله على محمد وآله سادات البشر ما تبزغ الشمس ويطلع القمر.

وتم استنساخ وتصحيح هذه الرسالة في (٩) رجب الأصب سنة (١٤١١) هـ ق في بلدة قم المقدسة على يد العبد السيد مهدي الرجائي عفي عنه.

٢١
٢٢

سلسلة آثار المحقق الخاجوئى

(٤٧)

رسالة

في شرح حديث لسان القاضي

بين جمرتين من نار

للعلّامة المحقّق العارف

محمّد إسماعيل بن الحسين بن محمّد رضا المازندراني الخاجوئي

المتوفّى سنة ١١٧٣ ه‍ ق

تحقيق

السيّد مهدي الرّجائي

٢٣
٢٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

في التهذيب في باب الزيادات في القضايا والاحكام ، عن أنس بن مالك عن سيد الأنام عليه وعلى آله الصلاة والسلام ، قال : لسان القاضي بين جمرتين من نار حتى يقضي بين الناس ، فاما الى الجنة واما الى النار (١).

قال صاحب البحار عليه رحمة الله الملك الغفار في حاشية له عليه : كان المراد من الجمرتين الميل الى كل من الخصمين ، فان لم يمل الى واحد منهما فإلى الجنة ، والا فإلى النار (٢).

ولا يخفى على ذوي الابصار أن ارادة الميل من الجمرة بعيدة ، إذ لا قرينة هنا ولا علاقة بينهما ، ولا طريق للانتقال منها اليه ، ولا وجه لتشبيهه بها وإطلاقها عليه ، بل هو من قبيل إطلاق آسمان وارادة ريسمان ، بل هو أبعد مما بينهما.

إذ لو كان المراد من الجمرتين الميل الى كل من الخصمين لكان الواجب أن يقول : حتى يقضي بين الخصمين لا بين الناس ، إذ لا معنى له أصلا ، وسيما إذا

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٦ / ٢٩٢ ، ح ١٥.

(٢) ملاذ الأخيار ١٠ / ١٨٩.

٢٥

كانت « حتى » هذه لانتهاء الغاية.

وبالجملة فإنه مع بعده مما لا محصل له بحسب المعنى ، وارادة الخصمين من الناس من أبعد الأباعد.

ومثله ما أفاده والده الماجد قدس‌سرهما في حاشية له عليه ، حيث قال : أي النفس والشيطان في إغوائه ، فلما كانا سببين للنار أطلقت عليهما ، والملائكة في هدايته ، فاما أن يقبل قول الملائكة فيذهب الجنة ، وأما أن يتبع الشيطان فيذهب الى النار.

فإن استفادة كون الملائكة في هدايته من الحديث ، وارادة النفس والشيطان من الجمرتين كأنهما متعذرتان ، إذ لا قرينة على الأول ولا وجه للثاني ، وكان عليه أن يذكر له وجها ، كما ذكر لإطلاق النار عليهما.

وتوجيهه بأنهما لما استحقا لسوء صنيعتهما أن يرميا بالجمار أطلقت الجمرة عليهما ، بعيد.

ثم ظاهر ما أفاده يفيد أن يكون لسانه بينهما وبين الملائكة في الهداية والغواية ، لا أن يكون بينهما في إغوائه الى أن يقضي بين الناس ، كما هو مفاد الخبر على تقدير إرادتهما منهما.

وكأنه أراد أن يفيد معنى قوله « فاما الى الجنة واما الى النار » فزاد ما زاد ولا حاجة إليه ، فإنه على هذا يكون معناه : لسانه بينهما في إغوائه حتى يقضي بينهم ، فاما أن يخالقهما ولا يتبعهما فيه فإلى الجنة ، واما أن يوافقهما ويتبعهما فيه فإلى النار ، وحينئذ فلا حاجة الى تلك الزيادات.

أقول : ولو بنى الأمر على أمثال هذه الاحتمالات ، لاحتمل أن يكون المراد من الجمرتين أخذ الرشوة من كل من الخصمين ، فان لم يأخذ من واحد منهما فإلى الجنة ، والا فإلى النار.

٢٦

وكما يجوز أن لا يأخذ الرشوة ويميل الى كل منهما ، كذلك يجوز أن يأخذها ولا يميل الى واحد منهما ، وحينئذ فلا ترجيح لهذا الاحتمال على هذا الاحتمال ، فتأمل.

أو المراد بهما أخذ الرشوة والتقصير في الاجتهاد الموجب للخطإ في الحكم ، فان لم يأخذ ولم يقصر فإلى الجنة ، والا فإلى النار.

أو المراد منهما الخصمان ، و « حتى » تعليلية ، وفي الكلام تشبيه واستعارة تمثيلية شبه الهيئة المنتزعة من القاضي ورده السلام ، والكلام عليهما ، أو رميه النظر إليهما ، تارة الى هذا واخرى الى ذلك بالهيئة المنتزعة من الناسك ، ورميه الحصاة على الجمرتين تارة على هذه واخرى على تلك.

والمعنى : أن القاضي لانه يقضي بين الناس لسانه بين خصمين منهم يكلمهما ويباحثهما في مباحثهما ، فاما أن يميل بقضائه بينهما بالحق إلى الجنة ، واما أن يميل بقضائه بينهما بالجور الى النار. ولما كان كل من المذكورات سببا للنار أطلقت عليه.

وهنا احتمالات أخر كلها كهذه الاحتمالات بعيدة.

والتحقيق أن كل قاض بما هو قاض لا يخلو من أن يكون جاهلا بالحق ، أو عالما به ، والعالم لا يخلو من أن يحكم على خلاف علمه لغرض نفساني ، أو على وفاقه. والأولان وهو الحكم جاهلا بالحق سواء وافقه حكمه أو خالفه ، وعالما به مع مخالفته مقتضاه يفضيان الى النار. والثالث وهو الحكم عالما بالحق مع موافقته له يوجب الجنة.

واليه يشير قول سيدنا أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام القضاة أربعة : ثلاثة في النار وواحد في الجنة ، رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار ، ورجل قضى بجور وهو لا يعلم فهو في النار ، ورجل قضى بحق وهو لا يعلم فهو في النار ، ورجل قضى

٢٧

بالحق وهو يعلم فهو في الجنة (١).

والوجه في كون ثالث الثلاثة في النار وقضاءه بالحق ، ان من قضى بغير علم فقضاؤه هذا وان وافق الحق فهو جور لعدم العلم ، فالمراد بجمرتين من نار هو الحكمان المفضيان إليها ، فإن لسان القاضي بينهما الى أن يقضي بين الناس ، فان قضى بينهم بالحق فإلى الجنة ، فان لم يقض بينهم بواحد منهما فإلى الجنة ، والا فإلى النار.

والإيراد على هذا الوجه ما أوردناه على الوجوه السابقة ، فإن لسان القاضي يشهد له ، فإنه يكون بين الحكمين ، ولا يكون بين الميلين ، ولا بين النفس والشيطان ، ولا بين غيرها مما سبق الا بين الخصمين.

الا أن في هذا الوجه تكلف من وجه آخر ، وهو جعل « حتى » تعليلية ، فإنه خلاف الظاهر ، تأمل.

ويحتمل أن يكون هذا اخبارا عن حال القاضي بالجور وما يفعل به يوم القيامة ، بان لسانه فيه بين جمرتين من نار حتى يحكم الله بين الناس ، ويفرغ من حسابهم ، فاما أن يأمر باذهابه إلى الجنة ، واما أن يأمر باذهابه الى النار ، و « حتى » لانتهاء الغاية ، و « يقضي » على بناء المفعول ، والكلام محمول على الحقيقة.

فلا يرد أن القاضي بالحق وهو يعلم أنه حق لا يكون لسانه يوم القيامة بين جمرتين من نار ، لان هذا كما أشرنا إليه مخصوص بغيره ، وهو القاضي بالجور ، وتكون اللام في القاضي للعهد ، فلا عموم فلا تخصيص.

أو يقال : لما كان أغلب أفراد القاضي جائرا معذبا بهذا النوع من العذاب ، أطلق الحكم وجعله كليا ، تغليبا للأكثر على الأقل ، لأن القاضي كما سبق أربعة : ثلاثة في النار ، وواحد في الجنة ، وهو مع ذلك فرد نادر.

__________________

(١) الخصال ص ٢٤٧ ، برقم : ١٠٨.

٢٨

وظني أن هذا الوجه من أسلم الوجوه ، إذ ليس فيه الا التخصيص على الاحتمال الأول ، ولا بأس به لما اشتهر بين الطلبة ما من عام الا وقد خص حتى هذا.

وأما الوجوه السالفة ، فجلها بل كلها مبني على ارادة خلاف الظاهر ، وإرادته بدون نصب قرينة ليست من دأب الفصحاء ، فمجرد الاحتمال لا يكفي في الإرادة ، الا أن يمنع من الحمل على الظاهر مانع ، وهو هنا مفقود ، فتأمل.

وتم استنساخ وتصحيح هذه الرسالة في (١٠) رجب المبارك سنة (١٤١١) هـ ق في بلدة قم المقدسة على يد العبد السيد مهدي الرجائي عفي عنه.

٢٩
٣٠

سلسلة آثار المحقق الخاجوئى

(٤٨)

رسالة

في إرث الزوجة

للعلامة المحقق العارف

محمد إسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئى

المتوفّى سنة ١١٧٣ ه‍ ق

تحقيق

السيد مهدي الرجائي

٣١
٣٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

بعد حمد من هو وارث السماوات والأرض ، والصلاة على من الصلاة عليه وآله عين الفرض.

يقول العبد الواثق بتأييد ربه الجليل محمد بن الحسين بن محمد رضا المشتهر بإسماعيل : هذه رسالة وجيزة في بيان ما استقر عليه رأينا من إرث الأزواج مطلقا من أزواجهن ، مرتبة على مقدمة وفصول أربعة وخاتمة.

المقدمة

[ جواز تخصيص العام ]

قد تقرر في محله جواز تخصيص العام القطعي المتن إذا كان ظني الدلالة ، بالخاص الظني المتن إذا كان قطعي الدلالة ، لأنه دليل شرعي عارض مثله ، وفي العمل به جمع بين الدليلين.

ولا ريب في أنه أولى من إبطال أحدهما بالكلية ، ومن التوقف في البين.

٣٣

والحاصل أن كلا منهما له قوة من وجه ، فإذا تعارضا وجب الجمع بينهما ولو من وجه ، ولا يمكن ذلك الا مع العمل بالخاص ، إذ العمل بالعام يلغي الخاص ويبطله ، ولا شك في أن اعمال الدليلين خير من إلغاء أحدهما رأسا.

لا يقال : كل منهما لما كان قطعيا من وجه وظنيا من آخر ، فإذا تعارضا وجب التوقف لفقد الترجيح.

لأنا نقول : الترجيح في جانب العمل بالخاص ، فان فيه جمعا بينهما ، وأما العمل بالعام ففيه إبطال للخاص ، والجمع كما سبق أولى من الابطال.

لا يقال : غاية ما يقتضيه الدليل المذكور تساويهما في القوة والضعف ، والمتساويان فيهما لا يغير أحدهما الأخر ، فكيف صار الخاص يغير العام عن عمومه حتى جعله مثله خاصا؟ وهذا يقتضي كونه أقوى منه ، وهو خلاف المقدر.

لأنا نقول : لا كلام في أنهما متساويان فيهما ، ولكن نقول : ترك العمل بهما يوجب إلغاء الدليلين ، وكذا العمل بالعام يوجب إلغاء الخاص مع تساويهما فيهما ، فلا بد من العمل بالخاص ليكون ذلك جامعا بينهما.

فهذا وجه أعمالنا الخاص ، وذلك لا يتوقف على كونه أقوى من العام ولا يقتضيه.

وبالجملة ليس ايثارنا العمل بالخاص لكونه أقوى ، بل لكون العمل به جامعا بين الدليلين.

فما أفاده الشيخ البهائي قدس‌سره في حواشيه على زبدة الأصول ، بعد إيثاره القول بالوقف بقوله : وقد يقال هذا الدليل بعد تمامه يقتضي تساويهما ، وهو منظور القائل بالوقف.

فان المساوي لا يقدر على أضعاف مساويه ، ولا على تغييره على ما هو عليه ، وقد جعلتم الخاص فيما نحن فيه مغيرا للعام عن عمومه ، ومغيرا حاله عن حقيقته.

٣٤

والحاصل أنكم بعد تقرير كون الواحد مساويا للكتاب في القوة والضعف جعلتموه مضعفا للكتاب ، ومغيرا حاله عن حقيقته ، مع بقائه على صرافته من غير تطرق ضعف إليه أصلا ، وهذا يقتضي كونه أقوى من الكتاب ، لأنه أضعفه وغيره من غير أن يعتريه شي‌ء من الضعف على حال من الأحوال.

محل تأمل لأن تقديمنا الخبر الواحد المساوي للكتاب عليه ، لا يقتضي كونه أقوى منه ، بل يقتضي أن يكون لتقديمه عليه وجه مطلوب ، وقد عرفت وجهه ، فتأمل.

وأما ما أفاده قدس‌سره في حاشية أخرى بقوله ، وأما ما يقال : ان الوقف يستلزم إلغاء الدليلين.

فجوابه أن المتوقفين يوجبون اعمال العام فيما لا يعارضه فيه الخاص من الافراد وانما يتوقفون فيما وقعت فيه المعارضة.

مثلا المعارضة بين ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) (١) وبين لا تقتلوا الذمي ، انما هي في بعض أفراد المشركين الذين تضمنت الآية قتلهم ، وتضمن الحديث عدم قتلهم.

فالمتوقف يحكم بقتل من عدا الذمي ، ويتوقف في قتله ، لتعارض الآية والحديث فيه إثباتا ونفيا ، فقد أعمل العام في بعض ما يشمله لعدم ما يعارضه ، وتوقف في اعماله في الكل لوجود المعارض ، فأين إلغاء الدليلين.

ففيه أيضا نظر ، إذ لا معنى لإلغاء الدليل العام إلا إبطال عمله على وجه العموم ، ورفعه عما يقتضيه من هذا الوجه ، وقد تحقق ذلك هنا.

لان مقتضى ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) شمول القتل جميع أفرادهم ، بحيث لا يشذ منهم شاذ ، فإذا عمل في بعض ما يشمله ، فقد ألغى عن مقتضاه الذي هو شمول

__________________

(١) سورة التوبة : ٥.

٣٥

الكل من حيث هو كل ، ولا معنى لإبطاله عن العمل الا هذا.

وبالجملة كما أن رفع حكمه عن كل الأفراد إلغاء له بالكلية ، كذلك رفع حكمه عن البعض إلغاء له في الجملة. وأما اعماله في البعض ، فليس هو مما يقتضيه هو من حيث هو.

بل لا يبعد أن يقال : هذا من مقتضيات الخاص ، حيث عارض العام وخصه عن عمومه وحقيقته التي هي شمول الكل بما هو كل ، فهذا في الحقيقة عام مخصوص مرفوع عن حقيقته مصروف عن صرافته ، حيث أخرج عنه بعض أفراده ورفع عنه حكمه ، فتأمل فيه.

فان قلت : فما تقول فيما نقله قدس‌سره في متن زبدة الأصول عن الشيخ الطوسي وأتباعه ، أنهم لم يجوزوا تخصيص الكتاب بخبر الواحد.

ثم قال في الحاشية : وقد اعترض ـ أي الشيخ ـ على نفسه في كتاب العدة بأنك إذا أجزت العمل بالأخبار التي يختص بنقلها الطائفة المحقة ، فهلا أجزت العمل بها في تخصيصك عموم الكتاب؟

وأجاب طاب ثراه بأنه قد ورد عنهم عليهم‌السلام ما لا خلاف فيه من قولهم : إذا جاءكم عنا حديث فاعرضوه على كتاب الله ، فإذا وافق كتاب الله فخذوه ، وان خالفه فردوه واضربوا به عرض الحائط انتهى كلامه.

ثم قال فان قلت : كلامه منقوض بتخصيص الكتاب بالخبر المتواتر ، فقد جوزه طاب ثراه ، قلت : ذاك مما انعقد عليه الإجماع بخلاف هذا.

فان قلت : لا مخالفة بين العام والخاص ، وانما تتحقق لو رفع الحكم عن كل أفراد العام.

قلت : رفع الحكم عن البعض مخالف لإثباته للكل. وأيضا فالقصر على البعض معنى مجازي للعام مخالف لمعناه الحقيقي الذي هو شمول الكل.

٣٦

وأيضا قد استدللتم على مجازية العام المخصص ، بأنه لولاها لكان حقيقة في معنيين مختلفين ، وهو معنى الاشتراك ، والمجاز خير منه ، فقد أقررتم بالمخالفة فلا تنكروها.

وأيضا فقد روى ثقة الإسلام في الكافي بسند صحيح عن الصادق عليه‌السلام : ان الحديث الذي لا يوافق القرآن فهو زخرف (١). والحاصل أن عدم موافقة الخاص لعامه أظهر من الشمس.

قلت : يرد عليهم أن ظاهر الأزواج المذكورة في آية الإرث الآتية بعيد ذلك يعم الدائمة والمنقطعة ، لأنها جمع مضاف يفيد العموم ، كما ثبت في محله ، والمنقطعة زوجة باتفاق الطائفة ، ومنهم الشيخ ومن تبعه.

وتدل عليه المنفصلة المذكورة في قوله تعالى ( إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) (٢) وهم قد خصوها بالدائمة للروايات وليست بمتواترة فما هو جوابهم عن هذا فهو جوابنا عن ذاك.

وليس في المسألة إجماع حتى يقولوا انها خرجت به ، كما يشهد له قول الفاضل الأردبيلي رحمه‌الله في آيات أحكامه بعد نقله آية الإرث : الظاهر أنه يريد بالزوجة المعقود عليها بالعقد الدائم ، كما هو مذهب أكثر الأصحاب ، وان كان ظاهرها أعم للروايات (٣) انتهى كلامه رحمه‌الله.

ويستفاد منه أن أكثر أصحابنا يجوزون تخصيص (٤) الكتاب بخبر الواحد

__________________

(١) أصول الكافي ١ / ٦٩ ، ح ٣.

(٢) سورة المؤمنون : ٦.

(٣) زبدة البيان ص ٦٥٢.

(٤) تخصيص المتواتر بالآحاد جوزه الأكثرون ، ونفاه الأقلون ، وأما نسخة به فبالعكس ، والفرق أن التخصيص بيان وجمع للدليلين ، والنسخ إبطال ورفع « منه ».

٣٧

لا خصوص العلامة وجماعة من العامة ، كما ذكره الشيخ البهائي في الزبدة ، تبعا لآخرين كشيخنا الحسن في معالم الأصول.

وانهم لا يلتفتون إلى أمثال هذه التشكيكات ، إذ لو ثبت أن بين العام وخاصه اختلافا ، بما ذكره في وجوه الاختلاف ، لزم منه أن يوجد في القرآن اختلاف كثير ، لان فيه عاما كثيرا أو خاصا له ، واللازم باطل بالإجماع ، وبآية ( لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ) (١).

وبما قررناه يندفع ما ربما يقال : ان الاخبار الآتية مخالفة لما دل عليه القرآن بظاهره ، وكل خبر مخالف له مردود ، للأخبار المستفيضة الواردة في ذلك.

ولعله كذلك قال الفاضل الأردبيلي رحمه‌الله في شرحه على الإرشاد : ان من ينظر الى ما روي عنهم عليهم‌السلام : إذا وصل إليكم منا الأخبار المختلفة ، فاعملوا بما يوافق القرآن واتركوا ما يخالفه.

يقول : بأن الزوجين يرثان كل واحد منهما صاحبه من كل ما ترك كسائر الورثة ، كما ذهب اليه ابن الجنيد ، وسيأتي إن شاء الله العزيز.

تنبيه

يستفاد من كلامه المنقول عن آيات أحكامه ميله رحمه‌الله الى القول بجواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد ، وان من لم يقل بذلك من الأصحاب أبقى الأزواج على عمومها ، وقال بالتوارث بين الزوج ومتعتها ، ورد الروايات الدالة على اختصاصه بالعقد الدائم : إما لأنها مخالفة لظاهر الكتاب ، أو غير صالحة لتخصيصه عنده ، لأنها خبر واحد لا يخصص به القرآن ، كما عليه جماعة من الأصوليين ، أو لرده الخبر الواحد مطلقا ، كما هو المنقول عن المتقدمين.

__________________

(١) سورة النساء : ٨٢.

٣٨

فقول شارح اللمعة وقد تبع فيه الأخيرين : المتعة لا ترث بدون الشرط ، للأصل ، ولأن الإرث حكم شرعي ، فيتوقف ثبوته على توظيف الشارع ولم يثبت هنا ، بل الثابت خلافه ، كقول الصادق عليه‌السلام : من حدودها ـ يعني المتعة ـ أن لا ترثك ولا ترثها (١).

محل نظر ، لأن المتعة داخلة في عموم الأزواج ، فيثبت لها من الإرث ما تثبته الآية للأزواج ، فهو وظيفة شرعية ثابتة لها من قبل الشارع.

والأصل انما يصار إليه إذا لم يقم على خلافه دليل ، والخبر الواحد لا يخصص به القرآن ، أو ليس هو بحجة مطلقا عند القائل بالتوارث بينهما مطلقا كالقاضي ، أو مع عدم اشتراط عدم التوارث ، كابن أبي عقيل والسيد المرتضى ، لما عرفته آنفا وسابقا.

فالحق في تقرير هذه المسألة ما أشار إليه الفاضل الأردبيلي رحمه‌الله.

الفصل الأول

[ تحقيق حول آية الميراث ]

قوله تعالى ( وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمّا تَرَكْتُمْ ) (٢).

وان كان عاما في ثبوت الربع والثمن للزوجة من كل شي‌ء تركه زوجها ،

__________________

(١) شرح اللمعة ٥ / ٢٩٦ ـ ٢٩٧.

(٢) سورة النساء : ١٢.

٣٩

كالنصف والربع له مما تركت زوجته ، لكنه خصص بالنصوص الصحيحة الصريحة ببعض ما تركه.

لا يقال : ان الآية كما أنها قطعية المتن ، فكذلك قطعية الدلالة ، لأنها نعم ذات الولد وغيرها ، وتدل على أنهما ترثان الميت من كل ما تركه.

لأنا نقول : هذا انما يرد على من قال : ان دلالة العام على العموم قطعية ، كدلالة الخاص على الخصوص.

وأما من قال بأن دلالته غير ظنية وهو الحق ، لاحتمال أن يكون المراد به هنا مثلا خصوص ذات الولد أوهما معا ، ولكن في بعض ما تركه ، غاية الأمر أنه مجاز من باب إطلاق العام وارادة الخاص.

أو من قبيل ما حذف فيه المضاف ، أي : ولبعضهن الربع ، أو ولهن الربع من بعض ما تركتم ، ولا بأس به ، لان باب المجاز واسع ، وهو في القرآن واقع.

وحينئذ فيقع التعارض بين التخصيص والمجاز ، والظاهر تساويهما ، وان ذهب بعضهم الى رجحان التخصيص.

وعليه فنقول : انه وان كان خلاف الظاهر وما يقابله الظاهر ، ولكن الظاهر لا يفيد القطع ، فدلالته عليه ظنية ، والتخصيص انما وقع في الدلالة بدليل منفصل خص إرثها ببعض ما تركه ، فلا يرد عليه ذلك.

ومما قررنا يندفع ما ربما يقال : ان مدار الاستدلال بالآيات والروايات من السلف الى الخلف على الظاهر المتبادر إلى الأذهان ، كما قد بين في أصول الأعيان حيث أنهم يمنعون أن يخاطب الحكيم تعالى بشي‌ء يريد خلاف ظاهره من دون البيان ، وإلا لزم منه الإغراء بالجهل ، لان المخاطب العام يوضع اللفظ يعتقد أنه يريد ظاهره.

فان لم يرده مع اعتقاده إرادته له ، كان ذلك إغراء له على ذلك الاعتقاد الجهل

٤٠