الرسائل الفقهيّة - ج ٢

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي

الرسائل الفقهيّة - ج ٢

المؤلف:

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

١ ـ مسألة

[ وجوب قطع يد السارق وفى هذه المسألة منقبة لفاطمة عليها‌السلام ]

في كتاب المناقب لابن شهرآشوب ، عن صحيح الدارقطني أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بقطع لص فقال اللص : يا رسول الله قدمته في الاسلام وتأمره بالقطع ، فقال : لو كانت ابنتي فاطمة ، فسمعت فاطمة عليها‌السلام فحزنت ، فنزل جبرئيل بقوله ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) (١).

فحزن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فنزل ( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا ) (٢) فتعجب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من ذلك ، فنزل جبرئيل وقال : كانت فاطمة حزنت من قولك ، فهذه الايات لموافقتها لترضى (٣).

أقول : قدم بمعنى تقدم ، كما في القاموس (٤) ونهاية ابن الاثير (٥) ، يقال

__________________

(١) سورة الزمر : ٦٥.

(٢) سورة الانبياء : ٢٢.

(٣) المناقب ٣ / ٣٢٤.

(٤) القاموس ٤ / ١٦٢.

(٥) نهاية ابن الاثير ٤ / ٢٥.

٢٠١

قدم بالفتح يقدم قدما ، أي : تقدم.

فقوله « قدمته » أي : سبقت المأمور المدلول عليه بأمر في الاسلام « وتأمره بالقطع » أي : بقطعي ، فاللام عوض عن المحذوف ، ولعله ظن أن من قدم غيره في دخول الاسلام لا يجوز له قطعه ، لشرافته بكونه أقدم منه اسلاما.

فقال : لو كانت ابنتي فاطمة قدمته في الاسلام وكانت لصة ، لامرته بقطعها ، لعدم جواز تعطيل حدود الله ، وعدم منع القدم من قطع القادم بعد الاستحقاق بالجريمة ، فخبر « كان » مع جواب « لو » محذوفان.

وأما قولنا « وكانت لصة » فالمقتضي لهذا التقدير عدم استقامة الكلام بدونه ، وقد تقرر في الاصول أن هذا من القرائن على الحذف ، كما في قوله « رفع عن امتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه » (١) والمحذوف قد يكون جملة ، وقد يكون أكثر منها ، كما في ( أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ. يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ ) (٢).

وانما حذفه للاحتراز عن نسبة اللصوصية اليها صريحا ، وكذا عن اضافة ما يتفرع عليه من الامر بقطعها.

فرعى في هذا الكلام جانبي تعظيم الله برعاية حدوده واجرائها ، ولو على أقرب الناس اليه ، وتعظيم ابنته فاطمة عليها‌السلام واحترامها ، حيث لم يضف اللصوصية اليها الا بطريق الفرض والتقدير ، ومع ذلك لم يصرح به وبما يستتبعه من القطع لفظا ، بل أجمل القول فيه وأبهمه.

فسمعت فاطمة عليها‌السلام هذا القول بواسطة أو بدونها ، فحزنت لانها فهمت منه ، أي : من القيد المذكور ـ اشتراكها بغيرها في امكان تحقق اللصوصية ووقوعها في حقها ، أو لدلالته على ضرب من عدم المحبة والمودة.

__________________

(١) عوالي اللئالي ١ / ٢٣٢.

(٢) سورة يوسف : ٤٥ ـ ٤٦.

٢٠٢

والاول أوفق بقوله « لَئِنْ أَشْرَكْتَ » أي : بعد ذلك فاطمة عليها‌السلام بغيرها في امكان صدور اللصوصية فيها ولو بالفرض « لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ » وهذا على سبيل الفرض والتقدير ، لامتناع صدور الاشتراك منه بعد ما نهى عنه ، والمحالات قد تفرض لغرض ، وهو هنا استرضاء فاطمة عليها‌السلام وتسليتها.

فحزن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لدلالة هذا الكلام على جواز شركه وحبط عمله ، مع عدم علمه بسبب نزوله ، وانما أجمل الامر وأبهمه حتى صار سببا لحزنه ليكون ذلك مصداقا لقوله تعالى كما تدين تدان (١).

ومن العجب أنه تعالى لم يكتف بهذا القدر ، بل بالغ فيه ، فأكد اجلال قدر فاطمة عليها‌السلام وتأديب نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله بانزال قوله « لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا » مريدا به لازم معناه ، حيث جعل اشراكها بغيرها في امكان اللصوصية بمنزلة اشراك غيره تعالى به في الالوهية.

فتعجب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من ذلك ، لان هذا الكلام انما يناسب أن يخاطب به المشرك ، وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله كان موحدا مع عدم علمه بالسبب ، وانها سمعت قوله فحزنت وتلك الايات نزلت لتسليتها وتطيب نفسها.

فأخبره جبرئيل بذلك ، فقال : انها كانت حزنت من قولك ، فنزلت هذه الايات لموافقتها لترضى.

والغرض المسوق له الكلام اظهار عصمتها وجلالة قدرها عليها‌السلام عند الله جل قدره ، ولذلك ذكره محمد بن شهرآشوب السروي من سواد المازندران في كتاب المناقب.

هذا ما استفاده الذهن الكليل والفكر العليل من سياق هذا الكلام باستعانة قرائن المقام ، والعلم عند الله وعند أهله عليهم‌السلام.

__________________

(١) كلام قدسى.

٢٠٣

٢ ـ مسألة

[ سقوط الزكاة عن الكافر بالاسلام ]

قال في المدارك : وقد نص المحقق في المعتبر والعلامة في جملة من كتبه على أن الزكاة تسقط عن الكافر بالاسلام ، وان كان النصاب موجودا ، لقوله عليه‌السلام « الاسلام يجب ما قبله ».

ويجب التوقف في هذا الحكم ، لضعف الرواية المتضمنة للسقوط سندا ومتنا ، ولما روي في عدة أخبار صحيحة من أن المخالف اذا استبصر لا يجب عليه اعادة شي‌ء من العبادات التي أوقعها في حلال ضلالته سوى الزكاة ، فانه لا بد أن يؤديها ، ومع ثبوت هذا الفرق في المخالف يمكن اجراؤه في الكافر.

وبالجملة فالوجوب على الكافر متحقق ، فيجب بقاؤه الى أن يحصل الامتثال أو يقوم على السقوط بالاسلام دليل يعتد به (١).

أقول : ظاهر الفاضل الاردبيلي رحمه‌الله في آيات أحكامه يفيد أن سقوط الزكاة عن الكافر بالاسلام مما لا خلاف فيه بين الاصحاب ، فانه قال بعد قوله تعالى ( وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ ) (٢).

فيها دلالة على وجوب الزكاة على الكفار ، لانه يفهم منها أن للوصف بعدم ايتاء الزكاة دخلا في ثبوت الويل لهم ، ولكن علم من الاجماع وغيره عدم الصحة منهم الا بعد الاسلام ، وكذا علم بالاجماع سقوطها عنهم بالاسلام ، ويدل عليه الخبر المشهور « الاسلام يجب ما قبله » (٣).

__________________

(١) مدارك الاحكام ٥ / ٤٢.

(٢) سورة فصلت : ٧.

(٣) زبدة البيان ص ١٨٠.

٢٠٤

ولا ينافيه شكه في تحقق الاجماع في شرحه على الارشاد ، حيث قال : أما لو كان صاحب المال كافرا أوجبت ـ أي : الزكاة ـ عليه ، على ما هو رأي الاصحاب فلو أسلم لم يضمن ، يعنى يسقط عنه الزكاة ، كأنه للاجماع والنص ، مثل « الاسلام يجب ما قبله » (١).

لان تصنيفه آيات أحكامه بعد شرحه على الارشاد ، فيمكن أن يكون ما كان هناك مشكوكا صار هنا متيقنا بتتبعه في كلامهم وتصفحه فيه طول هذه الازمان. وبالجملة نقل مثله الاجماع مع احتياطه في الفتوى يفيد الظن بتحققه وثبوته وكفى به ناقلا.

اذا قالت حذام فصدقوها

فان القول ما قالت حذام

فان قلت : قوله « ويدل عليه الخبر المشهور » يفيد أنه خبر شايع ذايع عند أهل الحديث ، قد نقله منهم رواة كثيرون ، فما وجه قول صاحب المدارك : لضعف الرواية المتضمنة للسقوط سندا ومتنا.

قلت : الحديث المشهور له معان :

الاول : ما شاع عند أهل الحديث خاصة دون غيرهم ، بأن نقله منهم رواة كثيرون ، ولا يعلم هذا القسم الا أهل الصناعة.

الثاني : ما شاع عندهم وعند غيرهم ، كحديث « انما الاعمال بالنيات » (٢) وأمره واضح ، وهو بهذا المعنى أعم من الصحيح.

الثالث : ما شاع عند غيرهم خاصة ، ولا أصل له عندهم ، فاذا حمل المشهور في كلامه رحمه‌الله على أحد المعنيين الاخرين ، زال التنافي والتدافع بين القولين.

نعم يرد عليه قدس‌سره أنا لو سلمنا له ضعف سند الرواية ، فلا نسلم ضعف

__________________

(١) مجمع الفائدة ٤ / ٢٦.

(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ١٨٦ ، ح ٢.

٢٠٥

متنه ، لانه حديث مشهور مذكور في طريق العامة والخاصة ، وقد تلقاه بالقبول جم غفير من الفحول ، وجمع كثير من ذوي الاحلام والعقول من غير قدح فيه لا في متنه ولا في سنده.

قال ابن الاثير في نهايته : الجب القطع ، ومنه الحديث « ان الاسلام يجب ما قبله ، والتوبة تجب ما قبلها » أي : يقطعان ويمحوان ما قبلهما من الكفر والمعاصي والذنوب (١).

ثم أنت خبير بأن اجراءه حكم المخالف على الكافر وايجابه الزكاة به عليه قياس لا نقول به ، مع ثبوت الفرق بينهما بوجود أخبار صحيحة دالة على وجوبها على المخالف بعد استبصاره ، ووجود الاجماع والخبر المشهور الدالين على عدم وجوبها على الكافر بعد اسلامه.

روى الصدوق في الصحيح عن زرارة وبكير والفضيل ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام في الرجل يكون في بعض هذه الاهواء الحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية ، ثم يتوب ويعرف هذا الامر ويحسن رأيه ، يعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج أو ليس عليه اعادة شي‌ء من ذلك؟

قال : ليس عليه اعادة شي‌ء من ذلك غير الزكاة ، فانه لا بد أن يؤديها ، لانه وضعها في غير موضعها ، وانما موضعها أهل الولاية (٢). وله نظائر.

فان قلت : قد روى علي بن ابراهيم في تفسيره عن أبان بن تغلب ، قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام : يا أبان أترى أن الله طلب من المشركين زكاة أموالهم وهم

__________________

(١) نهاية ابن الاثير ١ / ٢٣٤.

(٢) فروع الكافى ٣ / ٥٤٥.

٢٠٦

يشركون به ، حيث يقول ( وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ ) (١) الاية ، قلت له : جعلت فداك فسره لي.

فقال : ويل للمشركين الذين أشركوا بالامام الاول ، وهم بالائمة الاخرين كافرون. يا أبان انما دعا الله العباد الى الايمان به ، فاذا آمنوا بالله وبرسوله افترض عليهم الفرائض (٢).

وهذا صريح في أن الكفار غير مكلفين بالاحكام الشرعية ما داموا باقين على الكفر ، فكيف حكموا بوجوب الزكاة عليهم والحال هذه؟

قلت : مدار الاستدلال بالايات والروايات من السلف الى الخلف على الظاهر المتبادر ، وظاهر هذه الآية دليل على وجوبها عليهم.

فهذا الخبر بظاهره لما كان مخالفا للمذهب المشهور المنصور ، ولظاهر هذه الآية وظواهر كثير من الايات والروايات ، وجب تأويله على تقدير امكانه ، أورده على تقدير عدمه ، لما ورد عنهم عليهم‌السلام في كثير من الصحاح والحسان والموثقات اذا جاءكم عنا حديث فاعرضوه على كتاب الله ، فاذا وافقه فخذوه ، وان خالفه فردوه.

هذا وقد ظهر بما حررناه أن توقفه قدس‌سره في هذا الحكم في غير موقفه وبالله التوفيق.

٣ ـ مسألة

[ حكم الزكاة فى غلات اليتيم ]

قال في المدارك : واستدل الشيخ في التهذيب على وجوب الزكاة في غلات

__________________

(١) سورة فصلت : ٦.

(٢) تفسير القمي ٢ / ٢٦٢.

٢٠٧

اليتيم بما رواه في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهم‌السلام أنهما قالا : مال اليتيم ليس عليه في العين والصامت شي‌ء ، وأما الغلات فان عليها الصدقة واجبة (١).

ثم قال : فأما ما رواه علي بن الحسن ، عن حماد ، عن حريز ، عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه سمعه يقول : ليس في مال اليتيم زكاة ، وليس عليه صلاة وليس على جميع غلاته من نخلة أو زرع أو غلة زكاة وان بلغ ، فليس عليه لما مضى زكاة ولا عليه لما يستقبل حتى يدرك ، وان أدرك كانت عليه زكاة واحدة ، وكان عليه مثل ما على غيره من الناس (٢).

فليس بمناف للرواية الاولى ، لانه عليه‌السلام قال : وليس على جميع غلاته زكاة ونحن لا نقول ان على جميع غلاته زكاة ، وانما يجب على الاجناس الاربعة التي هي : التمر والزبيب والحنطة والشعير.

وانما خص اليتامى بهذا الحكم ، لان غيرهم مندوبون الى اخراج الزكاة عن سائر الحبوب ، وليس ذلك في أموال اليتامى ، فلا جل ذلك خصوا بالذكر.

ولا يخفى ما في هذا التأويل من البعد وشدة المخالفة للظاهر ، مع أنها ضعيفة السند ، بأن راويها مشترك بين الثقة وغيره ، ولو كانت صحيحة السند لوجب حملها على نفي الوجوب ، توفيقا بين الروايتين.

وكيف كان فالاصح الاستحباب في الغلات ، كما اختاره المرتضى وابن الجنيد وابن أبي عقيل وعامة المتأخرين ، لان لفظ الوجوب الواقع في رواية زرارة وابن مسلم ، لم يثبت اطلاقه في ذلك العرف حقيقة على ما رادف الفرض ، بل ربما كان الظاهر خلافه ، لانه قد اطلق في الروايات الكثيرة على ما تأكد استحبابه ، وان

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٤ / ٢٩.

(٢) تهذيب الاحكام ٤ / ٢٩.

٢٠٨

لم يستحق بتركه العقاب (١).

أقول : ظاهر كلام الشيخ يفيد أنه حمل السلب على رفع الايجاب الكلي لا على السلب الكلي ، لئلا ينافي ما سبق من وجوب الزكاة على غلات الطفل ، وليس هذا بأبعد من حمل الوجوب المرادف للفرض ، بل آكد منه في الرواية الاولى على الاستحباب.

وحمل السلب الظاهر في نفي الوجوب والاستحباب معا على نفي الوجوب فقط بل هذا أبعد ، لانه تأويل في الروايتين معا ، بخلاف ما اختاره الشيخ ، بل ليس فيه بعد ولا تأويل ، بل هو من مقتضى ظاهر ما يستفاد من لفظ الخبر.

ثم المشهور أن الواجب يرادف الفرض ، وهما سيان ، بل يستفاد من كلام المحقق الثاني الشيخ علي في بعض حواشيه أن الواجب آكد من الفرض.

حيث قال : الواجب ما لا يسقط عن المكلف أصلا ، كمعرفة الله تعالى ، والفرض ما يسقط مع العذر ، كالصلاة وباقي العبادات.

ومنهم من فرق بينهما ، بأن الواجب ما يتعلق غرض الشارع بايقاعه لا من حيث شخص بعينه ، وتجوز فيه النيابة اختيارا ، كالزكاة ونحوها. والفرض ما يتعلق غرض الشارع بايقاعه عن شخص بعينه ولا تجوز فيه النيابة ، كالصلاة والصوم ونحوهما. ومنه يعلم وجه ايثار الواجب هنا على الفرض ، فتأمل.

نعم قد أطلق مجازا في بعض الاخبار على المؤكد استحبابه مع وجود صارف من حمله على معناه الحقيقي من العقل أو النقل ، فحيث لا صارف عنه كما هنا على ما سيظهر عن قريب ، وجب حمله على حقيقته.

وأما ضعف سند الرواية لو سلم ذلك ، فليس مما يضر بدليله ، بل هو يؤيده ويشيده ، فانه يبقى حينئذ سالما عن المعارض ، فيكون الواجب أعرف في افادة

__________________

(١) مدارك الاحكام ٥ / ٢١ ـ ٢٢.

٢٠٩

الوجوب ، اذ لا داعي حينئذ الى صرفه وتأويله الى تأكيد الاستحباب ، بل يجب ابقاؤه على معناه الظاهر المرادف للغرض.

بل لا حاجة حينئذ في اتمام الدليل الى تأويل هذه الرواية الضعيفة السند ، قريبا كان التأويل أم بعيدا ، الا أن الشيخ رحمه‌الله لما التزم في صدر الكتاب أن يوفق بين الاخبار مهما أمكن ، ارتكب هنا هذا التأويل من غير حاجة له في اتمام دليله اليه.

مع أن القول باشتراك الراوي بين الثقة وغيره وهم منه ، فان راويها الطاطري وهو وان كان واقفيا الا أنه ثقة ، نعم طريق الشيخ اليه في هذا الكتاب مجهول ، كما سيأتي مفصلا وهذا كلام آخر ، وكذا الكلام في أبي بصير ، فانه صحيح واشتراكه بين الثقة وغيره وهم.

وبالجملة تأويل الوجوب في الحديث الصحيح الى تأكد الاستحباب ، ثم القول باستحباب الزكاة في غلات الطفل مما لا داعي اليه ولا دليل عليه ، فيبقى حكمهم هذا بلا دليل.

وأما أصالة عدم الوجوب ، فانما يصار اليها اذا لم يرد على خلافه نص صحيح صريح ، نعم هذا الاصل انما يكون دليلا للقائل بأن خبر الواحد وان كان صحيحا مما لا يفيده علما ولا عملا ، كالمرتضى ومن يذهب مذهبه. وأما عامة المتأخرين العاملين بخبر الواحد ، فليس لهم دليل على ما ذهبوا اليه على ما علمناه.

قيل : وعمدة دليلهم على الاستحباب عدم تكليفهم أي الاطفال. وفيه أن الوجوب في أموالهم لا يستلزم تكليفهم ووجوب شي‌ء عليهم ، والا لزم عدم الاستحباب أيضا ، لانهم ليسوا بمخاطبين ولو ندبا على ما قالوه.

واعلم أن العلامة في المختلف صرح بأن رواية أبي بصير هذه موثقة ، والظاهر أنه حمل عليا هذا على علي بن الحسن الطاطري الواقفي الثقة من

٢١٠

أصحاب الكاظم عليه‌السلام ، لا على علي بن الحسن بن فضال الفطحي الثقة ، كما حمله عليه بعضهم ، لانه من أصحاب الهادي والعسكري عليهما‌السلام ، وحماد هذا من أصحاب الصادق والكاظم عليهما‌السلام ، وقد توفى في عهد الرضا عليه‌السلام.

وقال الفاضل الاردبيلي رحمه‌الله : رواية أبي بصير غير صحيحة ، بل غير موثقة ، لانها نقلت في الكتابين عن علي بن الحسن ، والطريق اليه غير ظاهر ، مع اضطراب في المتن.

أقول : علي بن الحسن الذي يروي عنه الشيخ في الكتابين منحصر في الطاطري وابن فضال ، وطريقه الى الثاني وان كان موثقا الا أن طريقه الى الاول مجهول ، كما يظهر من مشيخته.

حيث قال : وما ذكرته عن علي بن الحسن الطاطري ، فقد أخبرني به أحمد ابن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن أبي الملك أحمد بن عمر بن كيسبة عن علي بن الحسن الطاطري (١). الطريق هنا وفي النجاشي مجهول ، وفي الفهرست موثق.

قال عظم أجره : وما ذكرته في هذا الكتاب عن علي بن الحسن بن فضال ، فقد أخبرني به أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر سماعا واجازة ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال (٢) انتهى.

الطريق فيها موثق ، لكنه غير مراد هنا ، بل المراد به الاول ، ولذلك قال رحمه‌الله : ان الطريق اليه غير ظاهر باعتبار الطريق المذكور هنا ، فانه مجهول كما سبق لكن جهالة سند الرواية أو ضعفه غير ضار بدليل الوجوب ، بل ينفعه كما عرفت.

ولذلك قال رحمه‌الله بعد كلامه المنقول : فالدليل يقتضي الوجوب ، ويؤيده

__________________

(١) التهذيب ، المشيخة ص ٧٦.

(٢) التهذيب ، المشيخة ص ٥٥ ـ ٥٦.

٢١١

بعد الاستحباب ، وانه اذا جاز التصرف في مال اليتيم من غير نزاع الاعطاء الى غيره ، فالاحوط كونه بنية الوجوب ، ليحصل بها البراءة على اليقين ، لعدم تكليفه مرة أخرى اتفاقا بعد البلوغ.

نعم لو لم يجوزوا ذلك لقوله تعالى ( وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (١) وغيرها ، وحملوا الصحيحة على التقية ، لان الوجوب مذهب الجمهور كان القول بعدم الوجوب حسنا ، فلما ندبوا ذلك بغير خلاف على الظاهر فالوجوب أولى ، كما هو مذهب الشيخ في الكتابين. وعن السيد المرتضى أنه قال : انه مذهب أكثر الاصحاب أن الامام يأخذ الصدقة عن زرع اليتيم وضرعه (٢).

أقول : الدليل على الاول تمام ، وأما الثاني وهو وجوب الزكاة في ضرعه ومواشيه ، فلا دليل عليه سوى العمومات ، ولكنها معارضة بالعمومات الدالة على عدم وجوب الزكاة على مال اليتيم ، والاصل عدم الوجوب بل الاستحباب أيضا ، حيث لا دليل عليهما ، ولقوله تعالى ( وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ ) خرج ما خرج بالدليل وبقي الباقي تحته ، والله يعلم.

٤ ـ مسألة

[ أقل ما يجزئ فى استنجاء البول ]

قال في المدارك بعد قول المصنف « وأقل ما يجزى‌ء مثلا ما على المخرج » : هذه العبارة مجملة ، والاصل فيها ما رواه الشيخ عن نشيط بن صالح ، عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته كم يجزى‌ء من الماء في الاستنجاء من البول؟ فقال : مثلا

__________________

(١) سورة الانعام : ١٥٢.

(٢) مجمع الفائدة ٤ / ١١ ـ ١٢.

٢١٢

ما على الحشفة من البلل (١).

وهي ضعيفة السند ، لان من جملة رجالها الهيثم بن أبي مسروق ، ولم ينص عليه الاصحاب بمدح يعتد به ، ومروك بن عبيد ولم يثبت توثيقه (٢).

أقول : هيثم بن أبي مسروق النهدي فاضل كأبيه عبد الله كما صرح به حمدويه وقريب الامر كما صرح به النجاشي (٣) ، روى عنه سعد بن عبد الله كما صرح به الكشي ، له كتاب يرويه عنه محمد بن علي بن محبوب ، ومحمد بن الحسن الصفار كما صرحوا به ، وكل واحد من هذه الاوصاف بانفراده يدل على مدحه.

أما الاول والثاني ، فقد صرح بدلالة كل منهما على المدح شيخنا الشهيد الثاني في الدراية.

وأما الثالث والرابع ، فقد صرح بدلالة كل منهما على المدح مولانا عناية الله القهبائي في بعض حواشيه على كتابه المسمى بمجمع الرجال ، فاذا كان كل بحياله يدل على مدحه ، وبذلك يلحق حديثه اذا لم يكن في الطريق قادح من غير جهته بالحسن ، كما صرح بمثل ذلك الشيخ في الدراية ، قائلا بأن الحسن عبارة عن رواية الممدوح من أصحابنا مدحا لا يبلغ حد التعديل. فما ظنك اذا اجتمع كلها فيه كما صرحوا به ، فانه كاد أن يفيد توثيقه وأكثر ، فكيف يقال : انهم لم ينصوا عليه بمدح يعتد به.

وأما مروك بن عبيد ، فنقل الكشي عن محمد بن مسعود أنه قال : سألت علي ابن الحسن ، عن مروك بن عبيد بن سالم بن أبي حفصة ، فقال : ثقة شيخ صدق (٤).

__________________

(١) تهذيب الاحكام ١ / ٣٥.

(٢) مدارك الاحكام ١ / ١٦٢ ـ ١٦٣.

(٣) رجال النجاشى ص ٤٣٧.

(٤) اختيار معرفة الرجال ٢ / ٨٣٥ ، برقم : ١٠٦٣.

٢١٣

وقال الشيخ في الفهرست : له كتاب رويناه عن جماعة (١).

وقال النجاشي قال أصحابنا القميون : نوادره أصل (٢).

ولم يقدح فيه أحد من أئمة الرجال مع تصريحهم بما سبق ، فكيف يقال : لم يثبت توثيقه ، ويحكم بضعف سند الرواية ، وهي حسنة كالصحيحة.

نعم عليها اشكال مشهور ، وهو أن الغلبة والجريان معتبر في الغسل ، وظاهر أن هذا منتف من كل من المثلين ، اذ المماثل لما على الحشفة من البلل لا يغلب عليه ، فلا يحصل الجريان ، فكيف يكون مجزيا.

وأجيب بأن الحشفة تتخلف عنها بعد خروج البول قطرة غالبا ، فلعل المماثلة بين هذه وما يرد عليها من الماء الذي مثلها ، ولا ريب أن القطرة يمكن اجراؤها على المخرج وغلبتها على البلل الذي في حواشيه.

وهنا اشكال آخر ، وهو أنهم شرطوا تخلل الفصل بين المثلين ، لتحقق تعدد الغسل ، قالوا : فلو ورد المثلان من الماء دفعة واحدة كان ذلك غسلة واحدة ، مع أن نشيط بن صالح روى أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : يجزى‌ء من البول أن تغسله بمثله ، وأجاب عنه الشيخ في الاستبصار بأن هذا الخبر لا ينافي الاول ، لاحتمال أن يكون الضمير في قوله بمثله راجعا الى البول لا الى ما بقي منه ، وذلك أكثر من الذي اعتبرنا من مثلي ما عليه (٣).

وفيه تأمل ، لان قوله « يجزى‌ء » ينافر بمفهومه ما احتمله ، فانه يفيد عدم اجزائه ما هو أقل منه ، ولا ريب أن غسل مخرج البول وتطهيره يمكن بأقل من مثله بكثير.

__________________

(١) الفهرست ص ١٧٠.

(٢) رجال النجاشي ص ٤٢٥.

(٣) الاستبصار ١ / ٥٠.

٢١٤

وأيضا فان البول يختلف كما باختلاف الاشخاص والاوقات ، فتارة يكون كثيرا وأخرى قليلا ، فكيف يحد تطهيره بمثله؟ ويلزم منه وجوب أن يكون الغسل كثيرا اذا كان البول كثيرا ، وقليلا اذا كان قليلا ، ولا دخل لقلة البول وكثرته في الحاجة الى قلة الغسل وكثرته ، لان مخرج البول وحواشيه ينجس بخروجه ، قليلا كان أم كثيرا ، فتطهيره لا يتفاوت على الحالين.

ويمكن التوفيق بينهما بأن أقل ما يجزى‌ء من الماء في الاستنجاء من البول مثل ما يبقى منه على الحشفة من القطرة ، فان تلك القطرة كما سبق يمكن اجراؤها على المخرج وما على حواشيه من البلل وأكمل منه في الاجراء والاجزاء مثلا ما عليها من القطرة ، لما فيها من قوة الغلبة وشدتها والاستظهار في ازالة النجاسة.

وأما ما قيل ان المثلين كناية عن الغسلة الواحدة ، لاشتراط الغلبة في المطهر وهو لا يحصل بالمثل ، فان أراد به مثل ما على الحشفة من البلل ، فمسلم أنه لا يغلب عليه ، ولكنه لا يضر بما قلناه ، وان أراد به مثل ما عليها من القطرة ، فممنوع عدم حصوله به ، والسند ما مر ، فتأمل.

٥ ـ مسألة

[ ما لو مسح العضو وعليه بلل ]

قال العلامة في جواب من سأله عمن توضأ وهو قائم في الماء ، فاذا أكمل وضوءه أخرج رجليه وهي تقطر بالماء ، فمسح عليهما بنداوة الوضوء الذي في يده ثم أعادها الى الماء هل يصح وضوءه؟ : كان والدي يفتي بالمنع من ذلك ، وهو جيد ، لانه يكتسب في المسح ماء جديدا ، وهو ممنوع منه (١).

__________________

(١) أجوبة المسائل المهنائية ص ٦٣.

٢١٥

أقول : فيه أنه لا يصدق عليه أنه استأنف للمسح ماءا جديدا ، بأن كان وضع يديه في الماء ، ثم مسح بذلك الماء رجليه ، كما هو من دأب المخالفين ، وهو ممنوع منه.

بل يصدق عليه أنه استعمل فيه نداوة الوضوء مما بقي في يديه من البلل وجفاف أعضاء المسح ، كما يقتضيه كلامه ليس بشرط في صحة الوضوء ، ولا يدل عليه شي‌ء من الاخبار ، بل كثير منها المذكورة في التهذيب وغيره يشعر بخلافه والاصل واطلاق الامر وصدق الامتثال يقتضي صحته. وقد ورد « كل شي‌ء مطلق حتى يرد فيه نهي » (١) وهذا مما لم يرد فيه نهي.

نعم الاولى والاحوط أن يرفع رؤوس أصابعه بعد اخراجها من الماء ويخفض عقبه ويصبر هنيئة ليميل الماء بأجمعه الى العقب ، وهو لا ينافي الموالاة ، ثم يمسح عليها كما هي ليكون ذلك أبعد من احتمال التقاطر والاستئناف.

وقال العلامة في المنتهى : ولو مسح العضو وعليه بلل يكون المسح مجزيا (٢) وهو خيرة ابن ادريس ، بل صرح المحقق في المعتبر بما هو أبلغ من ذلك ، فقال : لو كان في ماء وغسل وجهه ويديه ثم مسح برأسه ورجليه جاز ، لان يديه لم تنفك عن ماء الوضوء ، ولم يضره ما كان على قدميه من الماء (٣).

وقال الشهيد في الذكرى : لو غلب ماء المسح رطوبة الرجلين ارتفع الاشكال (٤).

وظني أن الغلبة غير معتبرة في صحة الوضوء ، لما سبق من الاصل واطلاق

__________________

(١) عوالي اللئالي ٣ / ١٦٦ و ٤٦٢.

(٢) منتهى المطلب ١ / ٤٣.

(٣) المعتبر ١ / ١٦٠.

(٤) الذكرى ص ٨٩.

٢١٦

الامر وصدق الامتثال.

٦ ـ مسألة

[ حرمة شرب الفقاع ونجاسته ]

قال في المدارك بعد نقل قول المصنف « وطريق تطهيره بنزح جميعه ان وقع فيها مسكر أو فقاع » قال في القاموس : الفقاع كرمان هذا الذي يشرب ، سمي بذلك لما يرتفع في رأسه من الزبد (١).

وذكر المرتضى في الانتصار أن الفقاع هو المتخذ من الشعير (٢). وينبغي الرجوع فيه الى العرف ، لانه الحكم في مثله اذا لم يعلم اطلاقه على ما علم حله وطهارته ، كماء الزبيب الذي لم يتغير عن حقيقته مثلا ، لان تسمية ما علم حله بذلك لا يقتضي تنجيسه ، وهذا الحكم ـ أعني : نزح الجميع للفقاع ـ ذكره الشيخ ومن تأخر عنه.

قال في المعتبر : ولم أقف على حديث يدل بنطقه عليه ، ويمكن أن يحتج لذلك بأن الفقاع خمر ، فيكون له حكمه (٣). أما الثانية فظاهرة.

وأما الاولى ، فلقول الصادق عليه‌السلام في رواية هشام بن الحكم ، وقد سأله عن الفقاع : انه خمر مجهول (٤) وقول الكاظم عليه‌السلام : هو خمر استصغرها الناس (٥).

__________________

(١) القاموس ٣ / ٦٦.

(٢) الانتصار ص ١٩٩.

(٣) المعتبر ١ / ٥٨.

(٤) فروع الكافى ٣ / ٤٠٧ ، ح ١٥.

(٥) فروع الكافى ٦ / ٤٢٣ ، ح ٩.

٢١٧

ويتوجه عليه أن الاطلاق أعم من الحقيقة ، والمجاز خير من الاشتراك (١).

أقول : الاصل في الاطلاق هو الحقيقة ، وانما يصار الى المجاز لصارف أو مانع ، وهما منتفيان هنا ، وقد ورد في أخبار كثيرة من الطرفين أن الفقاع هو الخمر. وحمل جميعها على المجاز يرفع الاعتماد عن الحقيقة ، ولذلك حمل الفقاع علماء الفريقين على الخمر.

قال أبو هاشم الواسطي : الفقاع نبيذ الشعير ، فاذا نش فهو خمر.

وقال ابن الاثير في النهاية : وفيه « اياكم والغبيراء فانها خمر العالم » ثم فسر الغبيراء بضرب من الشراب يتخذه الحبش من الذرة ، قال : وتسمى السكركة قال : وقال ثعلب : هي خمر يعمل من الغبيراء هذا التمر المعروف ، أي : هي مثل الخمر التي يتعارفها جميع الناس لا فصل بينهما في التحريم (٢).

ويرد على تفسيره ما رواه أحمد بن حنبل باسناده عن صمرة ، قال : الغبيراء التي نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عنها الفقاع.

وقال العلامة في بعض فوائده : الاصل في تحريم الفقاع ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه نهى عن تناول الغبيراء ، وهي الشراب المعمول من الشعير حتى أن العامة رووا عنه عليه‌السلام الامر بضرب عنق من داوم عليها ، ولم يترك شربها بعد نهيه عليه‌السلام.

وهذا منه رحمه‌الله اشارة الى ما رووه عن ام حبيبة زوجة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ان ناسا من أهل اليمن قدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليعلمهم الصلاة والسنن والفرائض ، فقالوا : يا رسول الله ان لنا شرابا نعمله من القمح والشعير ، فقال عليه‌السلام : الغبيراء فقالوا : نعم ، قال : لا تطعموها.

__________________

(١) مدارك الاحكام ١ / ٦٤.

(٢) نهاية ابن الاثير ٣ / ٣٣٨ ـ ٣٣٩.

٢١٨

قال الساجي صاحب كتاب اختلاف الفقهاء في حديثه : قال عليه‌السلام ذلك ثلاثا.

وقال أبو عبيد القاسم بن سلام : ثم لما كان بعد ذلك بيومين ذكروها له عليه‌السلام فقال : الغبيراء؟ فقالوا : نعم ، قال : لا تطعموها ، ثم لما أرادوا أن ينطلقوا سألوه عليه‌السلام أيضا ، فقال : الغبيراء؟ فقالوا : نعم ، فقال : لا تطعموها ، قالوا : فانهم لا يدعونها ، فقال عليه‌السلام : من لم يتركها فاضربوا عنقه (١).

وقد ورد في طريقنا أخبار كثيرة تدل على تحريم الفقاع ، وانه يجري مجرى الخمر في جميع أحكامها من حد شاربها ورد شهادته وفي نجاستها ، الى غير ذلك.

قال سليمان بن جعفر قلت لابي الحسن الرضا عليه‌السلام ما تقول في شرب الفقاع؟ فقال : هو خمر مجهول يا سليمان فلا تشربه ، أما أنا يا سليمان لو كان الحكم لي لجلدت شاربه ولقتلت بايعه (٢).

وقال الوشاء : كتبت الى الرضا عليه‌السلام أسأله عن الفقاع ، فكتب حرام وهو خمر ، ومن شربه كان بمنزلة شارب الخمر ، قال وقال لي أبو الحسن عليه‌السلام : لو أن الدار داري لقتلت بايعه ، ولجلدت شاربه. وقال أبو الحسن الاخير عليه‌السلام : حده حد شارب الخمر ، وقال عليه‌السلام : هي خمر استصغرها الناس (٣).

وقال الحسن بن الجهم وابن فضال : سألنا أبا الحسن عليه‌السلام عن الفقاع ، فقال : حرام هو خمر مجهول ، وفيه حد شارب الخمر (٤).

وقال محمد بن سنان : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الفقاع ، فقال : هي الخمرة بعينها (٥).

__________________

(١) السنن الكبرى للبيهقي ٨ / ٢٩٢.

(٢) فروع الكافى ٦ / ٤٢٤ ، ح ١٠.

(٣) فروع الكافى ٦ / ٤٢٣ ، ح ٩.

(٤) فروع الكافى ٦ / ٤٢٣ ، ح ٨.

(٥) فروع الكافى ٦ / ٤٢٣ ، ح ٤.

٢١٩

وقال الحسين القلانسي : كتبت الى أبي الحسن الماضي عليه‌السلام أسأله عن الفقاع فقال : لا تقربه فانه من الخمر (١).

وقال أبو جميل البصري : كنت مع يونس بن عبد الرحمن ببغداد وأنا أمشي معه في السوق ، ففتح صاحب الفقاع فقاعه وأصاب يونس ، فرأيته قد اغتم لذلك حتى زالت الشمس ، فقلت له : ألا تصلي؟ فقال : ليس أريد أن أصلي حتى أرجع البيت وأغسل هذا الخمر من ثوبي.

قال فقلت : هذا رأيك أو شي‌ء رويته ، فقال : أخبرني هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفقاع ، فقال : لا تشربه فانه خمر مجهول ، واذا أصاب ثوبك فاغسله (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام في جواب عمار لما سأله عن الفقاع : هو خمر (٣).

الى غير ذلك من الاخبار ، وهي كما ترى يفيد الظن الغالب بأن الفقاع من أنواع الخمر حقيقة ، لقوله عليه‌السلام في عدة أخبار « هو خمر مجهول » وقوله « وهو خمر » وقوله « هي خمرة » وقوله « فانه من الخمر » وقوله « هو خمر » وقوله « هي الخمرة بعينها » وهم اذا لم يؤمنوا بهذا الحديث في افادته الحقيقة ، فبأي حديث بعده يؤمنون؟ واذا كان خمرا حقيقة ، فيترتب عليه ما يترتب عليه من الاحكام.

وفوق هذا كلام ، وهو أن الفقاع اذا كان نجسا ، كما دل عليه حديث يونس ابن عبد الرحمن عن هشام بن الحكم عن الصادق عليه‌السلام ، ولم يقدر له منزوح ، ينزح بوقوعه في البئر جميع مائها على أشهر الافوال وأصحها ، فهذا حديث يدل بنطقه عليه من غير حاجة الى الاحتجاج لذلك بأن الفقاع خمر ، فيكون له حكمه.

__________________

(١) فروع الكافى ٦ / ٤٢٢ ، ح ٣.

(٢) فروع الكافى ٦ / ٤٢٣ ، ح ٧.

(٣) فروع الكافى ٦ / ٤٢٢ ، ح ٢.

٢٢٠