الرسائل الفقهيّة - ج ٢

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي

الرسائل الفقهيّة - ج ٢

المؤلف:

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

به ، واستدل عليه بأن اباحة الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير للمضطر تستلزم اباحة كل ما حرم تناوله ، لان تحريمها أفحش ، فاباحته تستلزم اباحة الادون.

وتبعه في ذلك الشهيد الثاني قدس‌سره في شرح الشرائع ، حيث قال : وتحريم الميتة ولحم الخنزير أفحش وأغلظ من تحريم الخمر ، فاباحتهما للمضطر يوجب اباحة الخمر بطريق أولى.

ثم أيده برواية محمد بن عبد الله ، عن بعض أصحابه ، قال قلت لابي عبد الله عليه‌السلام : لم حرم الله الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير؟ فقال : ان الله تعالى لم يحرم ذلك على عباده وأحل لهم ما سواه من رغبة منه فيما حرم عليهم ولا الزهد فيما حل لهم.

ولكنه خلق الخلق وعلم ما تقوم به أبدانهم وما يصلحهم ، فأحله لهم وأباحه تفضلا منه عليهم به لمصلحتهم ، وعلم ما يضرهم ، فنهاهم عنه وحرمه عليهم ، ثم أباحه للمضطر ، فأحله في الوقت الذي لا يقوم بدنه الا به ، فأمره أن ينال منه بقدر البلغة لا غير ذلك الحديث (١). قال : وهو نص في المطلوب لكنه مرسل

__________________

(١) تتمة الحديث في الفقيه هكذا : ثم قال : وأما الميتة فانه لم ينل أحد منها الا ضعف بدنه ، ووهنت قوته ، وانقطع نسله ، ولا يموت آكل الميتة الا فجأة.

وأما الدم فانه يورث آكله الماء الاصفر ويورث الكلب ، وقساوة القلب ، وقلة الرأفة والرحمة ، حتى لا تؤمن على حميمه ، ولا يؤمن على من صحبه.

وأما لحم الخنزير ، فان الله تبارك وتعالى مسخ قوما فى صور شتى ، مثل الخنزير والقرد والدب ، ثم نهى عن أكل المثلة ، لئلا ينتفع بها ولا يستخف بعقوبتها وأما الخمر فانه حرمها لفعلها وفسادها. ثم قال : ان مدمن الخمر كعابد وثن ، ويورثه الارتعاش ، ويهدم مروءته ، ويحمله على أن يجسر على المحارم من سفك الدماء ، وركوب الزنا ، حتى لا يؤمن اذا سكر أن يثب على حرمه وهو لا يعقل ذلك ، والخمر لا يزيد شاربها الاكل شر « منه ».

١٦١

وفي سنده جهالة ، فلذا جعلناه شاهدا لا دليلا (١) انتهى.

أقول : هذا الحديث مسند في الفقيه (٢) ، رواه الصدوق عن محمد بن عذافر عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، وطريقه الى محمد هذا صحيح ، كما يظهر من مشيخته.

حيث قال فيها : وما كان فيه عن محمد بن عذافر ، فقد رويته عن أبي ومحمد ابن الحسن رضي‌الله‌عنهما ، عن سعد بن عبد الله والحميري جميعا عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن محمد بن اسماعيل بن بزيع ، عن محمد بن عذافر الصيرفي (٣) انتهى.

والسند كما ترى في غاية الصحة بقي الكلام في عذافر بن عيسى الخزاعي الصيرفي الكوفي أبي محمد.

فنقول : أرباب الرجال وان لم يصرحوا في كتبهم بتوثيقه ، الا أنهم لم يقدحوا فيه بوجه ، بل صرحوا بأنه امامي من أصحاب الباقرين عليهما‌السلام كما في ترجمته وترجمة زرارة وابنه محمد ، وله عنهما عليهما‌السلام روايات كثيرة.

وقد قال بعض محققي أصحابنا ممن له قدم راسخة في هذا الشأن في بعض حواشيه على كتابه الموسوم بمجمع الرجال : ان من المدح وكماله أن يكون الرجل راويا عن أحد من النبي والائمة عليهم‌السلام ، بأن يذكر في أصحابه ورواته ولو حديثا واحدا ولا يذكر ذمه.

قال : ويوضح المطلب أنه لو لم يكن كون الرجل راويا عن واحد أو اثنين أو ثلاثة منهم عليهم‌السلام من المدح الكلي ، يصير كتاب الرجال للشيخ قدس‌سره

__________________

(١) مسالك الافهام ٢ / ٢٥١ ـ ٢٥٢.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٣٤٥ ـ ٣٤٦.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٥١٨.

١٦٢

عبثا ، وكذلك كثير من كتاب فهرسته وكتاب النجاشي بلا نفع وفائدة ، فانه لا يذكر في أكثر كتاب الرجال في أبوابه ممن يروي عنهم عليهم‌السلام وفي أبواب من لم يرو الا الرجل ووالده وموضعه وصنعته فقط ، بلا اشارة الى توثيقه ومدحه ، كما لا يخفى على من له التتبع التام انتهى.

فظهر أن هذا حديث مسند حسن سنده ، ولا أقل أن يكون قويا ، وهو ما رواه الامامي الغير الممدوح ولا المذموم ، فيكون دليلا ، بناءا على العمل بالحسان ، وخاصة مثل هذا الحديث الوارد في الطريقين عن الامامين الهمامين الباقرين عليهما‌السلام المطابق لمقتضى الدليل.

واعلم أن بين ما نقله الشهيد الثاني في شرح الشرايع ، ورواه الصدوق في الفقيه اختلاف ، منه قوله « فقال : ان الله تبارك وتعالى لم يحرم ذلك على عباده وأحل لهم ما وراء ذلك عن رغبة فيما أحل لهم ولا زهد فيما حرمه عليهم » ولعله أظهر.

ثم أقول : وأما ما ذكره قدس‌سره من حديث الاولوية ، فهو ممنوع ، لانا لا نسلم أن تحريمها أفحش من تحريم الخمر ، اذ لا دليل عليه ، بل الدليل على خلافه ، ولان آكل الميتة والدم ولحم الخنزير لا يقتل وان تكرر ذلك منه ، بخلاف شارب الخمر لانه يقتل في الثالثة أو الرابعة أو الثامنة ، كما دلت عليه الاخبار وصرح به الاخيار ، وهذا دليل على أن تحريمها أغلظ من تحريمها.

وفي الفقيه في رواية ابراهيم بن هاشم ، عن عمرو بن عثمان ، عن أحمد بن اسماعيل الكاتب عن أبيه ، قال : أقبل محمد بن علي عليهما‌السلام في المسجد الحرام ، فقال بعضهم : لو بعثتم اليه بعضكم يسأله ، فأتاه شاب منهم فقال له : يا عم ما أكبر الكبائر؟ قال : شرب الخمر ، فأتاهم فأخبرهم ، فقالوا له : عد اليه فلم يزالوا به حتى عاد اليه فسأله.

١٦٣

فقال له : ألم أقل لك يا ابن أخي شرب الخمر ، ان شرب الخمر يدخل صاحبه في الزنا والسرقة وقتل النفس التي حرم الله ، وفي الشرك بالله ، وأفاعيل الخمر تعلو على كل ذنب كما تعلو شجرتها على كل شجرة (١).

وظاهر أن كل ما كان ذنبه أكبر كان تحريمه أغلظ وأفحش ، ومنه يلزم أن يكون تحريم الخمر أغلظ من تحريم الميتة ولحم الخنزير.

وأيضا فان الخمر مفتاح كل شر وشاربها كعابد وثن ، ومن شربها حبست صلاته أربعين يوما ، فان تاب في الاربعين لم تقبل توبته وان مات فيها دخل النار ، ولعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الخمر وغارسها وحارسها وحاملها والمحمولة اليه وبايعها ومشتريها وآكل ثمنها وعاصرها وساقيها وشاربها ، وتحريم الميتة وأخواتها ليس بهذه الشدة والغلظة ، فضلا عن أن يكون أغلظ منها.

وروى الصدوق في الفقيه بسند حسن عن اسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : آكل الميتة والدم ولحم الخنزير عليه أدب ، فان عاد أدب ، قلت : فان عاد ، قال : يؤدب وليس عليه قتل (٢).

قال : واذا شرب الرجل الخمر والنبيذ والمسكر جلد ثمانين جلدة ، وكلما أسكر كثيره فقليله وكثيره حرام ، والفقاع بتلك المنزلة ، وشارب المسكر خمرا كان أو نبيذا يجلد ثمانين جلدة ويقتل في الثامنة ، الى هنا منقول من الفقيه.

الفصل الثالث

[ الجواب عن أخبار المنع ]

أجاب العلامة عن الاخبار الواردة في المنع من التداوي بالخمر بحملها على

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٥٧١.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٧١.

١٦٤

طلب الصحة لا طلب السلامة ، قال : ونحن انما نسوغ شربه في طلب السلامة ، بحيث لو لم يشربه أو يتداو به حصل التلف ، أما في طلب العافية فلا.

وكلامه هذا وما نقلنا عنه سابقا صريح في أن جواز شربه والتداوي به مشروط بشرطين : خوف التلف من المرض ، والعلم والظن المتاخم له بأن المرض أو خوف التلف منه يندفع به.

وذلك يحصل : اما بالتجربة ، أو القياس المفيد له ، فكل طبيب لم يحصله لا يجوز له أن يداوي المريض به ، ولا للمريض أن ينقاد له ويقبل منه ، فلو اتفقا وفعلا والحالة هذه أثما ، واستحق المريض الشارب الحد ، والطبيب المداوي له بذلك التعزير على فعله المحرم.

فبالله عليك أيها الطبيب المداوي أن لا تقدم عليه من غير علم حاصل لك بأحد الطريقين فتهلك وتهلك.

هذا وصرح صاحب الدروس فيه بجواز استعمال الخمر للضرورة مطلقا حتى للدواء كالترياق والاكتحال ، لعموم الآية الدالة على جواز تناول المضطر اليه ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ) (١) وحمل الاخبار الدالة على المنع من استعمالها مطلقا حتى الاكتحال على الاختيار ، والفرق بين الحملين واضح.

وما اختاره العلامة هو الاقوى ، لان حفظ النفس من التلف واجب عقلا ونقلا ، وتركه محرم وهو أغلظ تحريما ، فاذا تعارض التحريمان وجب ترجيح الاخف وترك الاقوى.

وأيضا فان اباحة شربها حال التقية اذا حصل خوف التلف من العدد بتركه يستلزم اباحة شربها والتداوي بها اذا حصل خوف التلف من المرض بتركه ، والاول لا يجوز تركه فكذا الثاني.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٧٣.

١٦٥

وأما عدم جواز شربه مطلقا عند عدم خوف التلف ، فلدلالة هذه الاخبار الكثيرة عليه وفيها ما هو صحيح ، مع أنه لا يحتاج الى دليل ، لان الخمر وكل مسكر حرام بالضرورة من الدين لا يجوز أكله ولا شربه ولا التداوي به الا ما أخرجه الدليل ، وشربه لطلب الصحة ليس منه.

وقال بعض متأخري أصحابنا : لو قام غير الخمر مقامها وان كان محرما قدم عليها ، لاطلاق النهي الكثير عنها في الاخبار ، وهو جيد اذا كان غيرها أضعف تحريما منها ، وأما اذا كان مثلها أو أقوى منها تحريما كالميتة والدم ولحم الخنزير ، كما أشار اليه العلامة وتبعه فيه الشهيد الثاني.

ودل عليه قوله عليه‌السلام في صحيحة الغنوي « هو خبيث بمنزلة الميتة » وقوله في صحيحة الحلبي « انه بمنزلة شحم الخنزير أو لحم الخنزير » فان المشبه به أقوى من المشبه على ما تقرر عندهم فلا.

مثلا لو فرض أن الترياق الفاردق يقوم مقامها وفيه جزء من الميتة ، وهو أخبث منها وأشد تحريما ، لما جاز تقديمه عليها والعدول منها اليه ، فتأمل.

الفصل الرابع

[ ما يحصل به الضرورة المبيحة ]

خوف التلف من المرض ، كما يحصل للمريض بتجربته أو بحذاقته في الطب ، وعلمه بأن المرض الفلاني مهلك لو لا الدواء الفلاني ، كذلك يحصل باخبار من يفيد اخباره العلم بذلك ، مسلما كان أم كافرا ، حاذقا كان أم غيره.

وبالجملة فهو في ذلك يرجع الى ظنه المستند الى امارة ، أو تجربة ، أو قول من يفيد قوله الظن ، وان كان فاسقا أو كافرا ، كأطباء غير الملة.

١٦٦

فاذا حصل له الظن بأن الداء مهلك والدواء منحصر في الخمر ، وجب عليه استعماله بقدر ما يحصل له به ظن السلامة لا الصحة ، كما في نظائره ، فلو أفرط أو فرط والحال هذه أثم.

ولا يجوز له الامتناع منه الى زمن اشرافه على الموت ، فان التناول حينئذ لا ينفع ولا يدفع ، بل لو انتهى الى تلك الحال لم يحل له التناول ، لانه غير مفيد والغرض من اباحة المحرم حفظ النفس.

وأما تركه الشرب مطلقا بعد حصول ظن التلف بتركه ، فاعانته على النفس وهي حرام منهي عنه بقوله تعالى ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (١).

وعن سيدنا أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام : من قتل نفسه متعمدا فهو في نار جهنم خالدا فيها ، قال الله تبارك وتعالى ( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً ) (٢).

والقول بأن الصبر عنه لكونه محرما ضرب من الورع ، فلا يكون تركه اثما منظور فيه ، لانه في هذا الحال لا يكون حراما ، بل يكون واجبا ، لان حفظ النفس الموقوف عليه واجب ، فيكون واجبا ، فلا يكون تركه ورعا بل هو كفر.

كما يشعر به ما في نوادر الحكمة لمحمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الاشعري عن الصادق عليه‌السلام من اضطر الى الميتة والدم ولحم الخنزير ، فلم يأكل شيئا من ذلك فهو كافر. أي : هو كالكافر لانه قاتل نفسه.

وبهذا يندفع قول ابن ادريس بعدم جواز التداوي به مطلقا ، مستدلا عليه بقوله عليه‌السلام « ما جعل الله في حرام شفاء » لان كونه حينئذ من المحرمات الممنوع منها ممنوع ، بل هو من المباحات ولا أقل منه ، لما قد عرفت.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٩٥.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٥٧١.

١٦٧

وأما استدلاله عليه باطلاق النص والاجماع بتحريمه الشامل لموضع النزاع ، فمجاب بأن اطلاقهما مقيد بغير صورة الاضطرار ، توفيقا بين الادلة.

تنبيه

[ حكم من دلس الامر على المريض ]

من دلس الامر على المريض وأطعمه شيئا من المسكر أو فرجه بدوائه ليصح لا ليسلم ، فهو آثم لارتكابه محرما ، ولكنه لا يحد بل يعزر.

نعم لو ترك المريض ذلك ظنا منه أنه نوع ورع ، وتيقن الطبيب أو ظن ظنا متاخما للعلم بأن تركه هذا يؤدي الى اتلافه واهلاكه ، فدلس الامر وأطعمه ليسلم لا ليصح لا يكون آثما بل يكون مثابا ، لان من أحيا نفسا فكأنما أحيا الناس جميعا. والطبيب الحاذق أبصر بالمريض منه بنفسه ، فليعمل فيه على رأيه ، مراعيا فيه قانون الشريعة المطهرة ، لا ما يستفيده من قانون ابن سينا اذا كان مخالفا له ، فانه حينئذ لا ينفع ولا يدفع ، فيكون كما قال الله تعالى ( خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ ) (١) نعوذ بالله منه.

كتبه مؤلفه الحقير الفقير الى رحمة ربه الجليل محمد بن الحسين بن محمد رضا المشتهر باسماعيل عفى الله عنه وعن والديه الكثير ، وقبل بفضل رحمته منهم اليسير ، انه بذلك جدير ، وهو على ما يشاء قدير.

والحمد لله العلي الكبير ، والصلاة على نبيه البشير النذير السراج المنير ، وعلى آله وعترته سيما على أخيه المنصوص بخم الغدير.

تم استنساخ وتصحيح هذه الرسالة في (٢٨) رجب الاصب سنة (١٤١١) هـ ق في بلدة قم المقدسة على يد العبد الفقير السيد مهدي الرجائي عفي عنه.

__________________

(١) سورة الحج : ١١.

١٦٨

سلسلة آثار المحقق الخاجوئى

(٥٥)

رسالة

فى حكم الحدث الاصغر المتخلل فى غسل الجنابة

للعلّامة المحقّق العارف

محمّد اسماعيل بن الحسين بن محمّد رضا المازندراني الخاجوئي

المتوفى سنة ١١٧٣ ه‍ ق

تحقيق

السّيّد مهدى الرّجائي

١٦٩
١٧٠

بسم الله الرّحمن الرّحيم

بعد حمد من جعل الغسل أكمل (١) الطهارات ، والصلاة على نبيه وآله أفضل الصلوات ، يقول العبد المفتاق الى رحمة ربه الجليل محمد بن الحسين بن محمد رضا المشتهر باسماعيل :

هذه رسالة محتوية على ثمانية فصول نبين فيها ما هو الظاهر عندنا من الاقوال المنقولة عن أصحابنا رضوان الله عليهم في حكم الحدث الاصغر المتخلل قبل اكمال غسل الجنابة.

فان أصبت فيه فمن الله ، وان أخطأت فمن عند نفسي ، وبالله أعتصم من الخطأ والزلل في القول والعمل ، وهو الموفق للسداد والصواب ، ومنه المبدأ

__________________

(١) لانه أكمل من الوضوء ، وهو أكمل من التيمم.

أما الثاني فظاهر ، وأما الاول فلقوله عليه‌السلام « أي وضوء أنقى من الغسل وأبلغ » وقوله « أى وضوء أطهر من الغسل » واذا لم يكن أطهر منه فاما مساو له أم هو دونه ، والمساواة لا يلائم مقام المدح ، فيكون دونه.

وأيضا فانه أقوى تأثيرا منه ، حيث يرفع الحدث الاكبر دونه ، وهو أحمز منه ، وأفضل الاعمال أحمزها فتأمل فيه « منه ».

١٧١

واليه المآب.

الفصل الاول

[ تنقيح المسألة ]

الحدث الواقع في أثناء غسل الجنابة هل يبطل حكم الاستباحة أم لا؟ وعلى الاول هل يوجب الوضوء أو الاعادة؟ ثلاث مذاهب ، ذهب الى كل ذاهب.

والثاني منها نسب الى السيد المرتضى علم الهدى ، واختاره بعض (١) المتأخرين ، واستدل عليه بأن الحدث الاصغر ليس موجبا للغسل ولا لبعضه قطعا فيسقط وجوب الاعادة ، وأما وجوب الوضوء فان الحدث المتخلل لا بد له من رافع ، وهو أما الغسل بتمامه أو الوضوء ، والاول منتف لتقدم بعضه ، فتعين الثاني (٢) انتهى.

ولك أن تقول : انا لم نجعل وجوب الاعادة معلولا لايجاب الحدث الاصغر الغسل وبعضه ، حتى يتفرع عدمه على عدمه ، بل جعلناه معلولا لابطاله حكم الاستباحة المسلم عندنا وعندكم.

فانه لما أبطله فلا بد من تجديد طهارة لها ، وهو الان جنب ، لان حدث الجنابة انما يرتفع بتمام الغسل ، وطهارة الجنب للاستباحة انما هي بالغسل دون الوضوء ، فيجب عليه اعادة ما سبق من أبعاض الغسل تحصيلا للاستباحة ، فهنا أوجب الحدث الاصغر اعادة بعض الغسل ، اذ لولاه لما وجبت عليه اعادته.

وهذا الجواب كأنه أحسن مما أجاب به آية الله العلامة في المختلف ، بأن

__________________

(١) المراد بهذا البعض سيدنا قدس‌سره في المدارك.

(٢) مدارك الاحكام ١ / ٣٠٧.

١٧٢

ايجاب الاعادة ليس باعتبار الحدث الاصغر ، بل بحكم الجنابة الباقي قبل كمال الغسل انتهى.

ولعل الوجه فيه أن الحدث الاصغر لما أبطل حكم الاستباحة ، وأوجبت تجديد طهارة لها ، وكان هو الان كما كان جنبا ، وطهارته لها انما هي بالغسل ، أوجب ذلك عليه اعادته ، فالموجب للاعادة هنا في الحقيقة هو بقاء الجنابة ، اذ لولاه لما وجبت عليه بالحدث الاصغر ، بل كان الواجب هو الوضوء لا الاعادة.

ويمكن أن يقال : ان الموجب هنا هو المجموع لا الجنابة بدونه ولا هو بدونها بل لكل دخل في الايجاب ، والموجب التام هو المجموع لا كل منهما بحياله ، فتأمل. وأما أن الحدث المتخلل لا بد له من رافع فمسلم ، ولكن نقول : انه الغسل بتمام أجزائه فيجب عليه اعادته لا الوضوء ، فانه لا يرفعه في هذه الصور. واستدل المحقق على ما نقل عنه شارح الجعفرية على صحة مذهب السيد بعد اختياره بأن الحدث الاصغر اذا حصل بعد اكماله أي الغسل أوجب الوضوء فكذا في أثنائه.

ونقل العلامة في المختلف هذا الدليل عن السيد ، حيث قال : وقال السيد المرتضى : يتم الغسل ويتوضأ اذا أراد الدخول في الصلاة ، واحتج عليه بأن الحدث الاصغر لو حصل بعد كمال الطهارة أوجب الوضوء ، فكذا في أثنائها.

أقول : ويمكن معارضته بمثله ، بأن الحدث الاصغر لو حصل قبل الشروع في الطهارة لم يوجب الوضوء فكذا في أثنائها ، على أنه قياس معه فارق ، لان الاول لا يلزمه محذور بخلاف الثاني.

لانك قد عرفت أن الحدث الاصغر اذا حصل في أثناء الطهارة وأبطل حكم الاستباحة ، فلا بد لها من تجديد طهارة ، وطهارة الجنب للاستباحة هي الغسل لا الوضوء.

١٧٣

وأيضا فان الوضوء منفي مع غسل الجنابة ، بل مع غيره أيضا من الاغسال الواجبة والمندوبة الا غسل يوم الجمعة.

أما الاول ، فلقول سيدنا الصادق عليه‌السلام : في كل غسل وضوء الا الجنابة (١).

وقوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة : ليس قبله ولا بعده وضوء (٢).

وقوله في صحيحة حكم بن حكيم : أي وضوء أنقى من الغسل وأبلغ (٣).

وقول الرضا عليه‌السلام في صحيحة أحمد بن محمد : ولا وضوء فيه (٤).

وقول الباقر عليه‌السلام في صحيحة سليمان بن خالد : الوضوء بعد الغسل بدعة (٥) وله نظائر.

لا يقال : ان الرواية الاولى مرسلة رواها الشيخ في التهذيب عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان وغيره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وقد طعن المحقق في المعتبر والشهيد الثاني في شرح دراية الحديث في مراسيله.

لانا نقول : يعارضه تصريح الشيخ بأن ابن أبي عمير لا يروي الا عن الثقات وكونه ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، واشتهار مراسيله بين الاصحاب.

وأما الثاني ، فلما روي في الكافي أنه ليس شي‌ء من الغسل فيه وضوء الا غسل يوم الجمعة ، فان قبله وضوء ، ثم قال : وروي أي وضوء أطهر من الغسل (٦).

وهذا منه اشارة الى ما في التهذيب في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر

__________________

(١) تهذيب الاحكام ١ / ١٤٣.

(٢) تهذيب الاحكام ١ / ١٤٨.

(٣) تهذيب الاحكام ١ / ١٣٩.

(٤) تهذيب الاحكام ١ / ١٣١.

(٥) تهذيب الاحكام ١ / ١٤٠.

(٦) فروع الكافى ٣ / ٤٥ ، ح ١٣.

١٧٤

عليه‌السلام قال : الغسل يجزئ عن الوضوء وأي وضوء أطهر من الغسل (١) فانه يدل على عدم الاحتياج الى الوضوء في شي‌ء من الاغسال ، الا أن يجعل اللام (٢) في الغسل اشارة الى غسل الجنابة وهو بعيد ، مع أنه يستلزم المطلوب.

لانا نقول : هذا الغسل المتخلل بالحدث ان كان غسل جنابة ، فالوضوء معه منفي ، وان لم يكن فالحدث الاكبر معه باق ، فلا يجدي معه الوضوء.

والقول بأن قوله عليه‌السلام « في كل غسل وضوء الا الجنابة » لا عموم له على وجه يتناول هذه الصورة ، محل نظر ، لان المستثنى وهو غسل الجنابة المنفي عنه الوضوء مفهوم كلي يصدق على كل فرد من أفراده ، فان كان هذا فردا منه كان الوضوء معه منفيا ، والا فلا يجدي نفعا.

نعم لو قيل : انه فرد منه ولكن الوضوء انما يكون منفيا مع غسل الجنابة لم يتخلله حدث ، وهو الفرد الغالب منه ، وعليه فحمل الروايات الواردة في بيانه ونفي الوضوء معه لم يكن بعيدا.

ولكن ظني أن الذي سبق آنفا من أن الحدث الاصغر الواقع في الاثناء يبطل حكم الاستباحة ، وبعد ابطاله له لا بد من تجديد طهارة لها وطهارة الجنب هي الغسل لا الوضوء تمام على من قال بتأثيره وابطاله حكم الاستباحة ، فتأمل.

والقول بأن ظاهر الكتاب والسنة يفيد أن الحدث الاصغر يوجب الوضوء لا اعادة الغسل ، مجاب بأن هذا مسلم فيما اذا وقع بعد اكماله ، واما اذا وقع في

__________________

(١) تهذيب الاحكام ١ / ١٣٩.

(٢) اشارة الى ما قيل أن غسل الجنابة من بين الاغسال لحصوله سببه فى أكثر الاحيان وكثرة الاحتياج اليه ، حتى صار غيره اليه بمنزلة النادر المعدوم ، كان بمنزلة الحاضر المعهود في الذهن ، فالحمل عليه غير بعيد وفيه أن هذا مسلم اذا كان غير غسل الجنابة نادرا قليل الوقوع ، وليس الامر كذلك ، بل الظاهر العموم بقرينة التعليل « منه ».

١٧٥

الاثناء ، فافادتهما ذلك ممنوع والفرق جلي كما سبق.

الفصل الثاني

[ تحقيق حول القول باتمام الغسل ]

القول باتمام الغسل خاصة ، كما ذهب اليه ابن ادريس وابن البراج ، وتبعهما فيه بعض (١) المتأخرين ، واستدل عليه بأن الحدث الاصغر غير موجب للغسل ، فلا معنى للاعادة ، والوضوء منقي مع غسل الجنابة بالنص والاجماع.

محل نظر أيضا ، لما سبق في الفصل السابق ، ولامتناع خلو الحدث الواقع في الاثناء عن أثر ، فهو موجب : اما اعادة الغسل من رأس ، أو الوضوء بعد اتمامه والثاني منفي لما أفاده من النص والاجماع ، فتعين الاول.

لا يقال : ان الاجماع غير ثابت في محل النزاع ، للخلاف المنقول عن المرتضى.

لانا نقول : انه قد انعقد قبله ، اذ لم ينقل عن أحد ممن سبقه هذا الخلاف ، والا لكانت نسبته اليه أولى من نسبته اليه.

بل الظاهر كما يشهد به التأمل والتتبع أن من زمن أصحاب المعصومين عليهم‌السلام الى زمانه كان القول بنفي الوضوء الواجب مع غسل الجنابة مطلقا شايعا من غير نكير ولا تفصيل.

ولعله لذلك حكم علي بن الحسين بن بابويه ، وهو من قدماء أصحابنا ممن أدركوا بعض سفراء صاحبنا ووكلائه صلوات الله عليه بوجوب اعادة الغسل في

__________________

(١) المراد بهذا البعض شيخنا المحقق الثاني الشيخ على « منه ».

١٧٦

الصورة المفروضة ، حذرا عن اجتماع وضوء الواجب مع غسل الجنابة.

اذ لا بد لرفع الحدث الواقع من رافع : اما الاعادة ، أو الوضوء ، والثاني لما كان فيه المحذور المذكور لا جرم حكم بالاعادة ، ونقل في ذلك حديثا مطابقا مضمونه مقتضى الدليل ، ولذا اكتفى بنقله عن تقرير الدليل ، واستغنى به عن القال والقيل.

هذا وقد قرر بعضهم الدليل على صحة مذهب ابن ادريس وشيعته بتقرير آخر ، وهو أن الحدث الاصغر لا يوجب الغسل اجماعا ، بل الاصغر يدخل تحت الاكبر ، ولا دليل على وجوب الوضوء مع تحقق الغسل ، فلا تجب عليه اعادته ولا الوضوء معه ، بل عليه الاتمام خاصة.

وفيه أيضا نظر. أما أولا ، فلما سبق أن ايجاب الاعادة ليس لايجاب الحدث الاصغر الغسل ، ليلزم من عدمه عدمه ، بل لابطاله حكم الاستباحة.

وأما ثانيا ، فلان دخول الاصغر تحت الاكبر وارتفاعه بارتفاعه مسلم اذا وقع قبل الاخذ في الغسل. وأما اذا وقع في أثنائه ، فدخوله تحته وارتفاعه بارتفاعه ممنوع ، بل هو عين موضع النزاع.

ولذا حكم فريق بارتفاع الاكبر باتمام الغسل دون الاصغر ، حيث أوجبوا لارتفاعه الوضوء ، ودليلهم على وجوبه مع تحقق الغسل أن الآية والاخبار الكثيرة دلت على أن الحدث الاصغر موجب للوضوء ، خرج منه ما كان قبل غسل الجنابة بالدليل ، فبقى الباقي على حال ايجابه.

واحتمال عدم تأثيره في الاثناء مع تأثيره بعد تمام الغسل بعيد ، والاحتمالات البعيدة لا تدفع الظواهر ، والقول بتأثيره وارتفاعه باتمام الغسل أبعد. وكيف يكون اتمامه سببا لرفعه؟ وبعض السبب لا يكون سببا. هذا كلامهم.

ولا كلام لنا معهم الا في ايجابه الوضوء دون الاعادة ، فان فيه ما عرفته.

١٧٧

تذنيب :

شنع القائل بوجوب الاتمام والوضوء على القائل بوجوب الاتمام خاصة ، بأنه يلزمكم أن لو بقي من الغسل قدر درهم من الجانب الايسر ثم تغوط ، أن يكتفي عن وضوئه بغسل موضع الدرهم ، وهو باطل.

أجاب عنه القائل بوجوب الاتمام خاصة ، بأن هذا مجرد استبعاد غير نافع في الاحكام الشرعية ، لانه اذا جاز ارتفاع حدث الجنابة بغسل هذا القدر اليسير وبقاؤه مع ما يترتب عليه من الاثار بدونه ، فلم لا يجوز أن يرتفع به الحدث الاصغر أيضا.

مع أنه وارد عليكم مثله ، فانه يلزمكم أن من غسل من رأسه جزءا يسيرا بقدر درهم ثم أحدث ، أن لا يكفيه غسل تتمة الاعضاء ، ولا يسوغ له الدخول في الصلاة الا بعد الوضوء ، وهو أشد استبعادا مما ذكرتم.

وفيه ما سبق أن بعض السبب خاصة مثل هذا القدر القليل لا يكون سببا تاما ، ولهذا لا يجوز أن يرتفع به الحدث الاصغر ، وليس هذا في صورة ارتفاع الحدث الاكبر به ، لانه بمنزلة الجزء الاخير من العلة التامة لرفعه ، فاذا تحقق صار المؤثر تاما بالنظر الى رفع حدث الجنابة ناقصا بالنظر الى حصول الاستباحة ، فيترتب الاثر على الاول دون الثاني.

وبالجملة رافع الحدث اما طهارة كبرى بتمامها ، أو طهارة صغرى كذلك ولا ثالث لهما ، فلا يجوز أن يكون بعض الرافع رفعا ، ضرورة أن لا تأثير للعلة الناقصة في ايجاد المعلول واحداثه.

فبعد تسليم تأثير الحدث الاصغر الواقع فيما قبل الجزء الاخير من الغسل ، فالقول بجواز ارتفاعه بغسل هذا القدر كاد بطلانه أن يكون ضروريا ، وأمثال هذه

١٧٨

المنوع والاحتمالات البعيدة تجري في كثير من الضروريات ، لكنها لا تقدح في اثبات أصل المقصود ، فتأمل.

ويمكن الزام القائل بوجوب الاعادة بمثل هذا أيضا ، بأن يقال : لو وجبت الاعادة بتخلل الحدث الاصغر في الاثناء ، لزم عليه اذا بقي من جانبه الايسر قدر درهم ثم أحدث أن يعيد الغسل ويجاب بالتزامه ، فانهم يقولون بوجوب الاعادة وان بقي من بدنه جزء لا يتجزى ، لانه حال بقائه يكون جنبا ، وطهارة الجنب للاستباحة بالغسل لا الوضوء.

الفصل الثالث

[ المذهب المختار في المسألة ]

أحق المذاهب بالاتباع في هذه المسألة ثالث المذاهب ، واليه ذهب الشيخ في المبسوط (١) والنهاية (٢) وابنا بابويه وجماعة من قدماء الاصحاب ومتأخريهم كالشهيد الاول في الذكرى (٣) واللمعة ، والثاني في شرح الشرايع ، والعلامة في الارشاد وغيرهم.

ومستندهم في ذلك زائدا على ما سبق وسيأتي ما رواه الصدوق في كتاب عرض المجالس عن سيدنا أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : لا بأس بتبعيض الغسل تغسل يدك وفرجك ورأسك ، وتؤخر غسل سائر جسدك الى وقت الصلاة ، ثم تغسل جسدك اذا أردت ذلك ، فان أحدثت حدثا من بول أو غائط أو ريح أو مني بعد ما

__________________

(١) المبسوط ١ / ٢٩.

(٢) النهاية ص ٢٢.

(٣) الذكرى ص ١٠٦.

١٧٩

غسلت رأسك من قبل أن تغسل جسدك ، فاعد الغسل من أوله (١).

وهذا كما ترى حديث منفصل صريح في بطلانه ووجوب اعادته بوقوعه في أثنائه ، صغيرا كان أم كبيرا بلا فرق بينهما.

قال سيدنا في المدارك : لو صحت هذه الرواية لما كان لنا عنها عدول لصراحتها في المطلوب ، الا أني لم أقف عليها مسندة (٢). أقول : قد أفتى بها علي بن الحسين بن موسى بن بابويه أبو الحسن والد الصدوق قدس الله روحهما في رسالته اليه ، كما ذكره في الفقيه.

حيث قال : وقال أبي رحمه‌الله في رسالته الي : لا بأس بتبعيض الغسل ، تغسل يديك وفرجك ورأسك (٣) ، وذكر عين عبارة الحديث المذكور من غير زيادة ولا نقصان.

ومن البعيد بل أبعد منه أن يعمل ويفتي مثله ومثل ابنه وجماعة من الموثقين بحديث غير صحيح ولا مسند ولا محفوف بقرائن تفيد صحته وصدوره من المعصوم مع عدالتهم وكمال احتياطهم ، وتصلبهم في الدين ، وقرب عهدهم بزمان المعصوم وصحبتهم واختلاطهم سفراءه ووكلاءه ، كما يظهر من كتب الرجال.

حيث نقلوا أن والد الصدوق قدم العراق واجتمع مع أبي القاسم الحسين ابن روح السفير وسأله مسائل وبعد ما فارقه كاتبه وجعله واسطة بينه وبين صاحبنا صلوات الله عليه في طلب الولد.

فكتب عليه‌السلام اليه : قد دعونا الله لك بذلك ، وسترزق ولدين ذكرين خيرين فولد له أبو جعفر وأبو عبد الله من أم واحد ، وكان أبو جعفر الصدوق يقول : أنا

__________________

(١) وسائل الشيعة ١ / ٥٠٩ ، ح ٤.

(٢) مدارك الاحكام ١ / ٣٠٨.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ / ٨٨.

١٨٠