الرسائل الفقهيّة - ج ٢

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي

الرسائل الفقهيّة - ج ٢

المؤلف:

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

وقال في المعتبر : انها تكون بالطين والماء (١) وأسند ما اختاره هنا الى الشيخين والنص خال من تعيين ما يكتب ، ولا ريب أن الكتابة بتربة الحسين عليه‌السلام أولى.

والظاهر اشتراط التأثير في الكتابة لأنه المعهود. وأما الكتابة بالإصبع مع تعذر التربة أو الطين ، فذكره الشيخان ولا أعرف مأخذه (٢) انتهى.

وقال الشهيد الثاني قدس‌سره : الوارد في الخبر من الكتابة ما روي أن الصادق عليه‌السلام كتب في حاشية كفن ابنه إسماعيل : إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله ، وزاد الأصحاب الباقي كتابة ومكتوبا عليه ومكتوبا به للتبرك ، ولانه خير محض مع ثبوت أصل الشرعية (٣).

وفيه أن أصل شرعيته غير ثابت ، كيف وهذا الخبر مع مخالفته لما سبق مجهول السند ، فكيف يستدل به على ثبوت أمر في الشرع؟

وبعملهم هذا لا ينجبر جهالته ، إذ الظاهر أن المفيد لما عمل به في المقنعة مقتصرا على ما دل عليه ، قلده في ذلك من تأخر عنه ، ولم يكتفوا بذلك كما اكتفى به ، بل زادوا عليه ما زادوا ، وعللوه بالتبرك.

وهو كلام واه ، إذ لو جازت تلك الزيادة لذلك لجازت زيادة القرآن كله ، وكذا سائر الأدعية ، لأنه خير محض وهم لا يقولون به ، لانه قياس محض ، فالاقتصار على مورد النقل كما اقتصر عليه المفيد من الواجب المتحتم ، لو ثبت ورود هذا النقل وسلم لهم ذلك.

وكيف يليق بهم زيادة أمثال ذلك ، وهو إدخال في الدين ما ليس منه. هذا.

ومنها : أن الجزع كما يدل عليه ما في كشف الغمة مما لا يلائم حال المعصوم

__________________

(١) المعتبر ١ / ٢٨٥.

(٢) مدارك الاحكام ٢ / ١٠٧ ـ ١٠٨.

(٣) شرح اللمعة ١ / ١٣٤ ـ ١٣٥.

١٢١

وان كانت البلية شديدة والرزية عظيمة ، لانه من الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا إليه راجعون.

ولذلك كان سيدنا أمير المؤمنين عليه‌السلام يشد ميزره في الليلة التي ضرب فيها ، وكان يقول :

اشدد حيازيمك للموت

فان الموت لاقيكا

ولا تجزع من الموت

إذا حل بواديكا (١)

ومنها : أنه مطابق لما في التهذيب في باب تلقين المحتضرين من صحيحة إسماعيل بن جابر ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام حين مات ابنه إسماعيل الأكبر ، فجعل يقبله وهو ميت.

فقلت : جعلت فداك أليس لا ينبغي أن يمس الميت بعد ما يموت ، ومن مسه فعليه الغسل.

فقال : أما بحرارته فلا بأس ، إنما ذاك إذا برد (٢).

وما في الفقيه قال الصادق عليه‌السلام : لما مات إسماعيل أمرت به وهو مسجى أن يكشف عن وجهه ، فقبلت جبهته وذقنه ونحره ، ثم أمرت به فغطى.

ثم قلت : اكشفوا عنه فقبلت جبهته أيضا وذقنه ونحره ، ثم أمرتهم فغطوه ثم أمرت به فغسل ، ثم دخلت عليه وقد كفن.

فقلت : اكشفوا عن وجهه ، فقبلت جبهته وذقنه ونحره وعوذته ، ثم قلت : أدرجوه ، فقيل له : بأي شي‌ء عوذته ، فقال : بالقرآن (٣).

__________________

(١) ديوان الامام على عليه‌السلام ص ٧٢.

(٢) تهذيب الاحكام ١ / ٤٢٩ ، ح ١١.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ / ١٦١.

١٢٢

ومما نقلناه ظهر أن لا مستند لهم في هذه المسألة سوى رواية أبي كهمس المجهولة.

قال صاحب الذخيرة فيه بعد قول المصنف وكتب اسمه وأنه يشهد الشهادتين والإقرار بالأئمة عليهم‌السلام على اللفافة والقميص والإزار والجريدتين ، وذكر ابن بابويه استحباب كتابة الشهادة بالتوحيد ، وزاد الشيخان ومن تبعهما الباقي ، ومستند هذا الحكم ما رواه الشيخ عن أبي كهمس.

ثم قال : وهذه الرواية مختصة بالشهادة بالتوحيد ، ولا دلالة فيها على عموم المكتوب عليه ، لكن ذكر كثير من الأصحاب ، وأضاف جماعة منهم الشيخ في المبسوط ، وابن البراج والشهيد ، العمامة معللا بعدم تخصيص الخبر ، وفيه نظر انتهى.

وأما إباحة كتابة دعاء الجوشن ، والشعر المعروف « وفدت على الكريم » وغيرهما ، فمما لا عين له ولا أثر ، لا في كتبهم ولا في الكتب الأربعة.

نعم ذكر ابن طاوس في مهج الدعوات بسند مرفوع محذوف أو ضعيف جدا أن أبا عبد الله الحسين صلوات الله عليه قال : أوصاني أبي أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه‌السلام وصية عظيمة بهذا الدعاء وحفظه ، يعني دعاء الجوشن ، وقال لي : يا بني اكتب هذا الدعاء على كفني ، وقال الحسين عليه‌السلام : فعلت كما أمرني أبي (١).

ولعل فقهائنا رضوان الله عليهم لضعفه ورفعه لم يتعرضوا لذكره ، ولم يجعلوه مستند هذا الحكم ، والله يعلم.

والأحوط عدم كتابة شي‌ء من ذلك على الكفن ، لعدم ثبوت المستند.

والاستناد في ذلك بقوله عليه‌السلام « كل شي‌ء مطلق حتى يرد فيه نهي » وذلك مما

__________________

(١) مهج الدعوات ص ٢٣١.

١٢٣

لم يرد فيه نهي ، غايته إباحة الأمر وأما رجحانه فلا.

نعم لو ثبت ما نقل من فعل سيدنا الصادق عليه‌السلام لثبت رجحانه ، ولكن دون ثبوته خرط القتاد ، لجهالة سند الحديث ، وعدم ثبوت سائر المنقولات.

وأما ما ذكره الفاضل الأردبيلي في شرحه على الإرشاد بقوله : وأما استحباب الكتاب ، ففي المستند ليس الا فكتب عليه‌السلام في حاشية الكفن : إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله ، والزيادات من الأصحاب ، فكأنهم أخذوا من غير هذا (١).

ففيه أن الشيخ لم يذكر في التهذيب بعد نقل عبارة المقنعة ، ويستحب أن يكتب على قميصه وحبرته أو اللفافة التي تقوم مقامها والجريدتين بإصبعه فلان يشهد أن لا إله إلا الله ، الا رواية أبي كهمس.

فلو كان هناك مستند غيرها لكان عليه ذكره ، ولعل المفيد لعدم عثوره على مستند الزائد لم يذكره.

بل الاولى عدم كتابة هذا القدر أيضا ، لعدم ثبوت مستنده أيضا ، فيحتمل أن يكون هذا أيضا تشريعا وإدخالا في الشرع ما ليس منه.

لا يقال ـ : انها بانضمام عمل الأصحاب إليها تفيد الرجحان ، فيعمل بها رجاء للثواب ، أو تفصيا عن العقاب.

لأنا نمنع إفادتها الإباحة فضلا عن الرجحان ، وعدالة الراوي غير معلومة مع قول الصادق عليه‌السلام « ان لكل رجل منا رجلا يكذب عليه ».

فلا خبر من هذا القبيل الا ويحتمل أن يكون من قبيل المكذوب ، فاحتمال البدعة والتشريع بحاله.

وأما قوله « انه يعمل بها رجاء للثواب » فليس بشي‌ء ، إذ لم يرد ذلك في شي‌ء من الاخبار ، ولم يقل به أحد من العلماء الأخيار.

__________________

(١) مجمع الفائدة ١ / ١٩٨.

١٢٤

وبه يندفع ما يتوهم من التشبث في ذلك بما روي عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : من سمع شيئا من الثواب على شي‌ء فصنعه كان له أجره ، وإن لم يكن على ما بلغه (١) إذ لم يقل أحد بأن للميت أجرا وثوابا بكتابة الكفن ، نعم لقوله « تفصيا عن العقاب » وجه لو ثبت لأصل الحكم مستند.

وأعلم أن ما نقلناه عن الفقيه يدل على رجحان تعويذ الميت بالقرآن ، لقوله عليه‌السلام « عوذته بالقرآن » أي : علقته عليه وربطته بمعوذ ، وهو كمعظم موضع القلادة ، على ما في القاموس (٢).

فيمكن أن يستدل به على تقدير صحة السند ، وهي غير معلومة ، لأنه رحمه‌الله رواه عنه عليه‌السلام بحذف السند ، ولم يتعرض له في مشيخته.

وهو وان ضمن صحة ما فيه في صدر الكتاب ، الا أنه ليس بالمعنى المتعارف بين المتأخرين ، كما أشار إليه بعض الفضلاء.

بعد أن قال : الظاهر أن التقبيل منه ، أي : من الصادق عليه‌السلام ومن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان لبيان الجواز وتعليم المحبة ، أو كان للتعليم مع المحبة البشرية ، فإنها لا تنافي العصمة.

بقوله : ان صح الخبران على إباحة كتابة القرآن ، وغيره من دعاء الجوشن وما شاكله على الكفن ، ليكون عوذة للميت من ضغطة القبر وعذابه ، فالأولى الاقتصار على ما ورد به النقل من تعويذ القرآن على نحو سبق ، دون كتابته على الكفن.

فلعل في ضمن الأول حكمه نحن عنها غافلون ، وانما علينا التسليم والانقياد والتأسي فيما يثبت صدوره عنهم عليهم‌السلام ، ولذلك كان الاولى والأحوط من ذلك

__________________

(١) المحاسن ص ٢٥.

(٢) القاموس ١ / ٣٥٦.

١٢٥

ترك ذلك كله ، لعدم ثبوت المستند كما عرفت ، فيتطرق اليه ما أسلفناه فتذكر.

قال الفاضل المجلسي قدس‌سره في شرحه على الفقيه ، بعد قول الصدوق ويكتب على قميصه وإزاره وحبرة والجريدتين فلان يشهد أن لا إله إلا الله :

الموجود عندنا من الاخبار أن الصادق عليه‌السلام كتب على حاشية كفن ابنه إسماعيل : إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله.

ويمكن إطلاق الكفن على الثلاثة ، لكن الجريدة التي ذكرها الصدوق وتبعه الأصحاب وغيرها من العمامة وكتابة شهادة الرسالة والإمامة وغيرها ، وكونها بالتربة وغير ذلك مما هو مذكور في الكتب ، لم نطلع على مستندها ولعله يكون لها ، وروى الكفعمي كتابة الجوشن الكبير ، والسيد بن طاوس كتابة الجوشن الصغير على الكفن (١) انتهى.

وعلى ما قررناه من عدم ثبوت أصل شرعية كتابة الكفن ، فاباحة أخذ الأجرة على كتابته ، كما هو الشائع في هذه الأعصار والأمصار ، لا تخلو من شي‌ء.

لأنه أخذ اجرة على الباطل ، وهو منهي عنه بقوله تعالى ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ) (٢) فتأمل ثم أذعن بما هو الحق من ذلك ، والله الهادي.

تم الاستنساخ والتصحيح في (١٩) رجب المبارك سنة (١٤١١) هـ ق في بلدة قم المقدسة على يد العبد السيد مهدي الرجائي عفي عنه.

__________________

(١) روضة المتقين ١ / ٣٧٦.

(٢) سورة البقرة : ١٨٨.

١٢٦

سلسلة آثار المحقق الخاجوئى

(٥٢)

رسالة

فى حكم التنفل قبل صلاة العيد وبعدها

للعلّامة المحقّق العارف

محمّد اسماعيل بن الحسين بن محمّد رضا المازندراني الخاجوئي

المتوفى سنة ١١٧٣ ه‍ ق

تحقيق

السّيّد مهدى الرّجائي

١٢٧
١٢٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

كراهة التنفل قبل صلاة العيد وبعدها الى الزوال ، الا الركعتان في المدينة بمسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل خروجه الى المصلى ، مشهورة بين الاصحاب.

واستدلوا عليها بصحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال قال : صلاة العيدين مع الامام سنة ، ليس قبلها ولا بعدها صلاة ذلك اليوم الى الزوال (١).

ومثلها صحيحته الاخرى عنه عليه‌السلام قال : ليس في الفطر والاضحى أذان ولا اقامة أذانهما طلوع الشمس اذا طلعت خرجوا ، وليس قبلهما ولا بعدهما صلاة ، ومن لم يصل مع امام في جماعة فلا صلاة له ولا قضاء عليه (٢).

ويعارضهما ما ورد من صلاة عشرين ركعة في الجمعة ، ثمانية عشر منها قبل الزوال ثلاثا بهذا الترتيب : ست منها عند انبساط الشمس ، وست عند ارتفاعها وست عند قيامها ، واثنتان بعد الزوال.

اذ لم يقل أحد فيما علمناه بسقوط نوافل الجمعة اذا وافقت العيد ، أو تحتم تأخيرها الى ما بعد الزوال.

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٣ / ١٣٤ ، ح ٢٤.

(٢) تهذيب الاحكام ٣ / ١٢٩ ، ح ٨.

١٢٩

ومن هنا يمكنك التوفيق بينهما ، بحمل ما دل على كراهة الصلاة في العيدين الى الزوال على النوافل المبتدأة وما لا سبب له. وأما ماله سبب ، كصلاة الحاجات والزيارات ونوافل اليومية ، وصلاة أول الشهر في عيد الفطر ونحوها فلا كراهة.

وذلك أنه وردت روايات صحيحة دلت على كراهة الصلاة في أوقات خمسة عند طلوع الشمس وغروبها وقيامها ، وبعد صلاة الصبح والعصر ، والاصحاب حملوها على ما لا سبب له من النوافل ، واستدلوا عليه بأن شرعية ذي السبب عامة واذا تعارضت العمومات وجب الجمع ، فيحمل على غير ذوات الاسباب ، وهذا بعينه يجري فيما نحن فيه.

قال الفاضل الاردبيلي في شرحه على الارشاد ، بعد نقل قول الشارح : ولو أقيمت الصلاة ، أي : صلاة العيد في مسجد لعذر ، استحبت صلاة التحية فيه أيضا ، لانه موضع ذلك.

الظاهر أنه لا يحتاج الى العذر ، مع أن في المدعى والدليل تأملا ، لعموم أدلة الكراهة ، الا أنه لما كان في الادلة ضعف ـ كما أشرنا اليه ـ وثبت استحباب التحية بخصوصها ، فتحمل تلك على الكراهة لا بسبب ، بل مجرد العيد ، فيستثنى النوافل التي لها سبب ، كما قيل في الكراهة والافعال الخمسة (١) ، انتهى كلامه رفع مقامه.

وحاصل اعتراضه عليه أن الاصحار بصلاة العيد أمر مستحب ، وترك المستحبات لا لعذر جائز ، فيجوز له أن يصلي في المسجد وهو متمكن من الخروج الى الصحراء.

ويؤيده تعميم الشارح في شرحه على اللمعة ، حيث قال : لو صليت في المساجد لعذر أو غيره ، استحب صلاة التحية للداخل ، وان كان مسبوقا والامام

__________________

(١) مجمع الفائدة ٢ / ٤١١.

١٣٠

يخطب ، لفوات الصلاة المسقط للمتابعة (١).

فان قلت : ظاهر كلام الشارح يفيد أنه استثنى من الكراهة خصوص صلاة التحية ولم يعمم فيه.

قلت : لا قائل بالفصل ولا وجه للتخصيص ، فان النظر الى عموم أدلة الكراهة يقتضي الحكم بكراهة صلاة التحية وغيرها مطلقا ، والنظر الى أن في الادلة ضعفا وان شرعية ذي السبب عامة تقتضي استثناء النوافل التي لها سبب مطلقا ، كما أشار اليهما الفاضل الاردبيلي رحمه‌الله.

بل يفهم من كلامه أن النافلة قبلها وبعدها انما تكره لو صليت بقصد تحية العيد ، أما لو صليت لا بهذا القصد فلا كراهة فيها.

فظهر مما نقلناه أن الشيخ الشارح والفاضل الاردبيلي قدس‌سرهما متفقان على ما أشرنا اليه من الجمع والتوفيق.

فان قلت : يرده ما في رواية أخرى عن زرارة عن الصادق عليه‌السلام قال : صلاة العيدين مع الامام سنة ، وليس قبلهما ولا بعدهما صلاة ذلك اليوم الى الزوال. فان فاتك الوتر في ليلتك قضيته بعد الزوال (٢) ، فان الوتر من ذوات الاسباب ومع ذلك أمره عليه‌السلام بقضائها بعد الزوال.

قلت : تلك الزيادة غير موجودة في الروايات الصحيحة ، والمقرر في الاصول أن العدل اذا انفرد بزيادة في الحديث ، فتلك الزيادة هل تقبل أم لا؟ فالجمهور على أنها تقبل. وقال بعضهم : لا تقبل.

وهاهنا ليس كذلك ، لان هذه الرواية ضعيفة السند بابراهيم بن اسحاق الاحمري النهاوندي ، وفي طريقها محمد بن الحسن بن أبي خلف ، وهو مجهول ،

__________________

(١) شرح اللمعة ١ / ٣٠٩.

(٢) تهذيب الاحكام ٣ / ١٢٩ ، ح ٩.

١٣١

فلا اعتماد على هذه الرواية وما شاكلها ، كما أشار اليه الفاضل الاردبيلي رحمه‌الله في كلامه السابق ذكره بقوله « في الادلة ضعف ».

وبالجملة الاخبار الصحيحة العامة الواردة في هذا الباب غير مشتملة على ذوات الاسباب ، فهي مخصوصة بغيرها ، والخاصة المشتملة عليها ضعيفة ، فلا تصلح لتخصيص عموم شرعية ذوات الاسباب ، فيعمل بمقتضاه الى أن يوجد ما يصلح أن يصرفه عن ذلك ويخصصه ولم يوجد بعد.

ولعل هذا مراده رحمه‌الله ، وان كانت عبارته المنقولة قاصرة عن افادة ذلك هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه كلامه رحمه‌الله ، وهو بعد محل تأمل.

لان الصدوق رحمه‌الله روى في الفقيه عن حريز عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لا تقض وتر ليلتك ـ يعني في العيدين ـ ان كان فاتك حتى تصلي الزوال في ذلك اليوم (١).

وطريقه رحمه‌الله الى حريز بن عبد الله مستقيم ، كما يظهر من مشيخته.

حيث قال أحسن الله اليه : وما كان فيه عن حريز ، فقد رويته عن أبي ومحمد ابن الحسن رضي‌الله‌عنهما ، عن سعد بن عبد الله والحميري ، ومحمد بن يحيى العطار ، وأحمد بن ادريس ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد ، وعلي بن حديد ، وعبد الرحمن بن أبي نجران ، عن حماد بن عيسى الجهني ، عن حريز بن عبد الله السجستاني.

ورويته أيضا عن أبي ومحمد بن الحسن رضي‌الله‌عنهما ، ومحمد بن موسى ابن المتوكل رضي‌الله‌عنه ، عن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن علي بن اسماعيل ومحمد بن عيسى ، ويعقوب بن يزيد ، والحسن بن ظريف ، عن حماد بن عيسى ،

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ / ٥٠٩.

١٣٢

عن حريز بن عبد الله السجستاني (١). والسندان كما ترى صحيحان.

وفي الرواية مبالغة في عدم جواز التنفل قبل صلاة العيد وبعدها الى الزوال ، لانه اذا كان منهيا عن قضاء الوتر وهو مرغوب ، كان منهيا عن غيره بطريق أولى.

ومنه يعلم أن لا وجه لاستثناء الشارح قدس‌سره صلاة التحية في الصورة المذكورة ، لعموم دليل الكراهة وصحته ، وان ما اعتذر له الفاضل بقوله « لما كان في الادلة ضعف » الى آخر ما أفاد وأجاد غير مسموع ، والدليل الصحيح صريح في المنع عن النوافل التي لها سبب ، فكيف يمكن استثناؤها وحمل تلك على الكراهة لا بسبب والحال هذه.

والظاهر أن هذا الحديث ما كان وقت التأليف في نظرهما قدس‌سرهما ، بل كان النظر مقصورا على ما في التهذيب ، ومقتضاه ما أفاده رحمه‌الله كما عرفت.

ولكن المعارضة بين هذا الحديث وما أسلفناه من حديث نوافل الجمعة بحالها فانه بقوته يقتضي سقوطهما في ذلك اليوم كما أومأنا اليه ، والمنع من التنفل قبل صلاة العيد وبعدها الى الزوال ، كما يعم الجمعة وغيرها ، كذلك شرعية نوافل الجمعة تعم العيد وغيره فجعل الاول مخصصا للثاني ليس بأولى من العكس بل هذا أولى ، اذ لم يقل أحد بسقوط نوافل الجمعة اذا وافقت العيد.

بل نسوق هذا الكلام في صلاة التحية أيضا ، لثبوت استحبابها بخصوصها مطلقا كما سبق ، فشرعيتها واستحباب ايقاعها تعم العيد وغيره ، وعليه فقس البواقي مما ورد فيه من الشارع نص وثبت استحبابه بخصوصه.

وعلى هذا فالمسألة قوية الاشكال ، لتعارض أدلة الطرفين ، وعدم امكان تخصيص أحدهما بالاخر ولا طرحه ، وترجيحه لصحة دليل كل منهما وقوته.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٤ / ٤٤٣.

١٣٣

فان قلت : يمكن ترجيحه بأن المراد بكراهة الصلاة في العيدين كونها خلاف الاولى ، اذ لا يراد بها هنا المرجوح في نفسه ، لامتناع ذلك في العبادات ، لانها قربة فلا بد فيها من الرجحان.

والمراد بكونها خلاف الاولى أنها مرجوحة بالاضافة الى غيرها ، وان كانت راجحة في نفسها ، فلها ثواب ولكنه أقل من ثواب غيرها.

قيل : لا يتصور للكراهة بمعنى أقل ثوابا هنا حاصل ، وكيف يصح النهي عن الطاعة لقلة الثواب اذا لم يمكن ادراكها في ضمن ما يكون أكثر ثوابا ، نعم لو أريد بها ما لا يعاقب ولا يثاب عليه كان له وجه.

فان قلت : ايقاع صلاة لا يثاب عليها حرام.

قلت : لم يقم عليه دليل فيما علمناه ، نعم ان اعتقد أنه يثاب عليها كان اعتقاده باطلا ، ولا يبعد العقاب عليه.

والظاهر أنه حمل الكراهة هنا على معناها المتعارف في الاصول ، وهو أنه لو لم ينقل في العيدين قبل صلاة العيد ولا بعدها الى الزوال ، لكان أحسن من التنفل ، أي : عدمه خير من وجوده ، ولكنه لا يعاقب عليه.

وفيه أن هذا انما يصح ان لم يقل باعتبار النية في هذه النافلة ، أو قيل باعتبارها ولم يقل باعتبار القربة في النية ، اذ لا قربة في الفعل المكروه بهذا المعنى ، بل لا يبعد أن يقال : ان نية القربة في المكروه الاصولي تشريع حرام.

أقول : وعلى تقدير تعارض الادلة وتساقطها يمكن ترجيح جانب التنفل بقوله عليه‌السلام « الصلاة خير موضوع ، فمن شاء استقل ومن شاء استكثر » فانه يدل على رجحان ايقاع الصلوات في عموم الاوقات ، الا ما أخرجه الدليل ، ولا دليل هنا عليه بعد التعارض والتساقط ، فتأمل.

وأيضا فبعد تعارض الدليلين من الطرفين ، وتساقطهما من البين ، الاصل

١٣٤

اباحة ايقاع النافلة في ذلك الوقت ، وعدم كراهته الى أن يثبت ما يدل على الكراهة ولم يثبت بعد ، فهو على اباحته الاصلية.

ثم المنع من قضاء الوتر وهو مرغوب يقتضي المنع من قضاء غيره مما هو دونه في الترغيب ، لا المنع من أداء النوافل الموقتة بهذا الوقت ، كنوافل الجمعة وصلاة التحية بعد دخول المسجد قبل زوال يوم العيد ، وصلاة أول الشهر في عيد الفطر ، أو صلاة الزيارة قبلها أو بعدها قبل زوال يوم العيد ، ونحو ذلك من الصلوات الموقتة بهذا الوقت ، فصحيحة زرارة على ما في الفقيه أيضا لا ينافي بهذا الوجه هذا وما شاكله ، فتأمل فيه حقه ، وبالله التوفيق.

هذا ما تيسر لي وأنا العبد الضعيف النحيف الفاني الجاني محمد بن الحسين ابن محمد رضا المشتهر باسماعيل المازندراني عفى الله عن جرائمهم بمحمد وآله وقائمهم في تقرير هذه المسألة وتحريرها.

حررناها اجابة لالتماس بعض الاصحاب ، لانه كان حقيقا بذلك ، لكونه من أولي الالباب ، وفقه الله وايانا لما يحب ويرضى ، انه بذلك جدير وبالاحسان الى عباده والامتنان عليهم اذا يشاء قدير.

وتم الاستنساخ والتصحيح في (٢٠) رجب المبارك (١٤١١) هـ ق في بلدة قم المقدسة على يد العبد السيد مهدي الرجائي عفي عنه.

١٣٥
١٣٦

سلسلة آثار المحقق الخاجوئى

(٥٣)

رسالة

فى بيان عدد الاكفان

للعلّامة المحقّق العارف

محمّد اسماعيل بن الحسين بن محمّد رضا المازندراني الخاجوئي

المتوفى سنة ١١٧٣ ه‍ ق

تحقيق

السّيّد مهدى الرّجائي

١٣٧
١٣٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

قال في المدارك بعد قول المحقق أعلى الله درجتهما « ويجب أن يكفن في ثلاث أقطاع : مئزر ، وقميص ، وازار » : اقتصر سلار على ثوب واحد ، ولم نقف له على حجة يعتد بها.

واحتج له في الذكرى بصحيحة زرارة ، قال قلت لابي جعفر عليه‌السلام : العمامة للميت من الكفن؟ قال : لا ، انما الكفن المفروض ثلاثة أثواب ، وثوب تام لا أقل منه يواري فيه جسده كله فما زاد ، فهو سنة الى أن يبلغ خمسة فما زاد فمبتدع ، والعمامة سنة (١).

وهو انما يتم اذا كانت الواو بمعنى « أو » لتفيد التخيير بين الاثواب الثلاثة والثوب التام ، وهو غير واضح ، وحمله الشهيد في الذكرى على التقية ، أو على أنه من باب عطف الخاص على العام ، وهو بعيد. وفي كثير من نسخ التهذيب ثلاثة أثواب تام لا أقل منه يواري فيه جسده كله ، وقد نقله كذلك المصنف في المعتبر والعلامة في جملة من كتبه (٢).

__________________

(١) تهذيب الاحكام ١ / ٢٩٢ ، ح ٢٢.

(٢) مدارك الاحكام ٢ / ٩٣.

١٣٩

أقول : هذه النسخة لا يلائمها قوله « تام » ولا قوله « منه » و « فيه » بعلامة المذكر ، وانما يلائمه النسخة الاولى ، وهي صريحة فيما ذهب اليه سلار من غير خفاء ، الا في جعل الواو بمعنى أو ، ولكنه في كلام الفصيح غير عزيز ، قال الله تعالى ( مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ) (١).

بل هذا هو الظاهر في حل الحديث ، لان حمله على التقية ، أو عطف الخاص على العام لما كان بعيدا ، فلا بد وأن يكون الواو فيه بمعنى أو ، ليستقيم الكلام وعليه فقوله عليه‌السلام « فما زاد » أي : على ثوب واحد ، لا على الاثواب الثلاثة.

اعلم أن النسخ التي عندنا من التهذيب كلها متفقة على ما نقلناه أولا ، وفي كلها ثلاثة أثواب تام بكلمة أو دون الواو. وعلى هذا فلا اشكال ، لانه ناص بالباب والله أعلم بالصواب.

ثم أقول : وفي الكافي في صحيحة عبد الله بن سنان ، قال قلت لابي عبد الله عليه‌السلام كيف أصنع بالكفن؟ قال : تؤخذ خرقة فتشد بها على مقعدته ورجليه قلت : فالازار؟ قال : انها لا تعد شيئا ، انما تصنع ليضم ما هناك لئلا يخرج منه شي‌ء وما يصنع من القطن أفضل منها ، ثم يخرق القميص اذا غسل ، وينزع من رجليه ، قال : ثم الكفن قميص غير مزرور ولا مكفوف وعمامة يعصب بها رأسه ويرد فضلها على رجليه (٢).

وظاهرها يفيد الاقتصار على ثوب واحد ، لان العمامة لا تعد من الكفن ولا الخرقة كما سبق.

وقد تقرر أن المعرف باللام اذا جعل مبتدأ ، فهو مقصور على الخبر ، نحو الامير زيد والشجاع عمرو ، ويلزم منه أن يكون الواجب من الكفن مقصورا

__________________

(١) سورة النساء : ٣.

(٢) فروع الكافى ٣ / ١٤٥ ، ح ٩.

١٤٠