الرسائل الفقهيّة - ج ٢

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي

الرسائل الفقهيّة - ج ٢

المؤلف:

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢
الجزء ١ الجزء ٢

فقال : لا ، فقلت : فان كان أبي ، قال ان كان أباك فنعم (١).

فان المراد بالناصب هنا المخالف ، إذ لو كان المراد به المعلن بالعداوة لم يجز الحج عنه بإجماع الأصحاب وان كان أبا ، لخروجه عن الإسلام.

ومنها : صحيحة بريد عن الباقر عليه‌السلام قال : سألته عن مؤمن قتل ناصبيا معروفا بالنصب على دينه غضبا لله أيقتل به؟ فقال : أما هؤلاء فيقتلونه ، ولو رفع الى امام عادل (٢) لم يقتله ، قلت : فيبطل دمه؟ قال : لا ولكن ان كان له ورثة ، فعلى الامام أن يعطيهم الدية من بيت المال (٣).

والمراد به المخالف ، إذ لو كان المراد به المعلن بعداوة أهل البيت عليهم‌السلام لكان دمه هدرا ولم يلزم منه الدية من بيت المال بالإجماع.

فصل

[ تحقيق حول المستضعف في الاخبار ]

قد سبقت الإشارة في كلام ابن إدريس الى أن المستضعف هو الذي لا منا ولا من مخالفينا ، ولعله يرجع اليه ما هو المشهور بين أصحابنا ، من أن المراد به من لا يعرف الحق ولا يعاند فيه ، ولا يوالي أحدا بعينه.

__________________

(١) فروع الكافي ٣ / ٣٠٩ ، ح ١.

(٢) هذا كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ان الله تعالى قد فرض عليكم الجمعة ، فمن تركها في حياتي أو بعد موتى وله امام عادل صريحة في أن المراد به المعصوم من آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لا امام الصلاة ، كما زعمه كثير منهم ، وقد بسطنا الكلام فيه في رسالة الجمعة ، فليطلب من هناك « منه ».

(٣) فروع الكافي ٧ / ٣٧٤ ، ح ١٤.

١٠١

وقال بعضهم : هو من يعترف بالولاية ، ويتوقف على البراءة ويرده كثير من الاخبار الواردة في تفسيره ، فإنها صريحة في أن المراد به من لا يعرف الحق ولا يعاند فيه.

وأما من يعترف بالولاية ويتوقف عن البراءة ، فهو مخلط عدو ، كما دلت عليه صحيحة الجعفي السابقة.

حيث قال قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل يحب أمير المؤمنين عليه‌السلام ولا يتبرأ من عدوه ويقول : هو أحب الي ممن خالفه ، قال : هذا مخلط وهو عدو (١).

ويظهر من بعض الاخبار أنه الذي يكون مخالفا للحق ولا يعادي أهل الحق من الشيعة ، والناصب هو المعادي لهم وان لم يكن يظهر العداوة لأهل البيت عليهم‌السلام.

وفي صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : المستضعفون الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ، قال : لا يستطيعون حيلة الى الايمان ولا يكفرون ، كالصبيان وأشباه عقول الصبيان من الرجال والنساء (٢).

وفي صحيحة عمر بن أبان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المستضعفين ، فقال : هم أهل الولاية ، فقلت : أي ولاية؟ فقال : أما أنها ليست بالولاية في الدين ولكنها الولاية في المناكحة والموارثة والمخالطة ، وهم ليسوا بالمؤمنين وليسوا بالكفار ، وهم المرجون لأمر الله عزوجل (٣).

ويظهر من بعض الاخبار إطلاقه على ضعفاء العقول من الشيعة صريحا ، والقول

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ / ٣٨٠.

(٢) معاني الأخبار ص ٢٠١ ، ح ٤. أصول الكافي ٢ / ٤٠٤ ، ح ٢.

(٣) معاني الأخبار ص ٢٠٢ ، ح ٨. أصول الكافي ٢ / ٤٠٥ ، ح ٥.

١٠٢

بدخول كلهم فيه ليس ببعيد ، لضعف دينهم من الطرفين ، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.

وفي الكافي في صحيحة زرارة ، قال قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : اني لأخشى أن لا يحل لي أن أتزوج من لم يكن على أمري ، فقال : ما يمنعك من البله من النساء؟ قلت : وما البله؟ قال : هن المستضعفات اللاتي لا ينصبن ولا يعرفن ما أنتم عليه (١).

وفيه في رواية أخرى عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال قلت له : أصلحك الله اني أخاف أن لا يحل لي أن أتزوج ، يعني ممن لم يكن على أمره ، قال : وما يمنعك من البله من النساء ، وقال : هن المستضعفات اللاتي لا ينصبن ولا يعرفن ما أنتم عليه (٢).

ويؤيده ما فيه في رواية أخرى عن زرارة ، قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أتزوج مرجئة أم حرورية؟ قال : لا عليك بالبله من النساء ، قال زرارة فقلت : والله ما هي إلا مؤمنة أو كافرة.

فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : فأين أهل ثنوى الله عزوجل؟ قول الله أصدق من قولك ( إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ) (٣) (٤).

وفيه في رواية أخرى عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : فعليك بالبلهاء من النساء قلت : وما البلهاء؟ قال : ذوات الخدور العفائف ، فقلت : من هو على دين سالم بن

__________________

(١) فروع الكافي ٥ / ٣٤٩ ، ح ٧.

(٢) فروع الكافي ٥ / ٣٤٩ ـ ٣٥٠ ، ح ١٠.

(٣) سورة النساء : ١٠١.

(٤) فروع الكافي ٥ / ٣٤٨ ، ح ٢.

١٠٣

أبي حفص؟ فقال : لا ، فقلت : من هو على دين ربيعة الرأي؟ قال : لا ولكن عوائق اللاتي لا ينصبن ولا يعرفن ما تعرفون (١).

وفي صحيحة أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : من عرف اختلاف الناس فليس بمستضعف (٢).

وفي رواية أخرى عنه عليه‌السلام : ليس اليوم مستضعف أبلغ الرجال الرجال والنساء النساء (٣) إذا سبق.

هذا فنقول : روى شيخ الطائفة في الاستبصار عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن عبد الله بن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الناصب الذي عرف نصبه وعداوته هل يزوجه المؤمن وهو قادر على رده وهو لا يعلم برده؟ قال : لا يتزوج المؤمن الناصبة ، ولا يتزوج الناصب مؤمنة ، ولا يتزوج المستضعف مؤمنة (٤).

وإذا لم يجز تزويج المؤمنة بالمستضعف وهو من لا يعاند في الحق وان لم يعرفه ، فعدم جواز تزويجها بالمخالف المعاند للحق الموالي لأعداء الله والمعادي لأوليائه أولى.

والقول بأن النهي فيه محمول على الكراهة ، كما يشعر به رواية الفضيل بن يسار ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المرأة العارفة هل أزوجها الناصب؟ قال : لا ، لان الناصب كافر ، قلت : فأزوجها غير الناصب ولا العارف؟ فقال : غيره أحب الي منه (٥).

__________________

(١) فروع الكافي ٥ / ٣٥٠ ، ح ١٢.

(٢) أصول الكافي ٢ / ٤٠٦ ، ح ١٠.

(٣) أصول الكافي ٢ / ٤٠٦ ، ح ١٢.

(٤) الاستبصار ٣ / ١٨٣ ، ح ٢.

(٥) الاستبصار ٣ / ١٨٤ ، ح ٤.

١٠٤

يستلزم أن يكون تزويج الناصب مؤمنة مكروها ولم يقل به.

وأما رواية الفضيل ، ففي طريقها أبو جميلة ، وهو كذاب وضاع ، فلا يعبأ به ولا بروايته.

وأما ما ذكره الشيخ الشارح قدس‌سره في شرح الشرائع بعد نقل صحيحة ابن سنان المتقدمة الدالة على النهي عن تزويج المؤمنة بالمستضعف بقوله :

وأما رواية عبد الله بن سنان ، فإنها وان كانت صحيحة ، الا أن المستضعف يطلق على معان : منها ما هو أسوأ حالا من المخالف العارف ، فلا يلزم من النهي عن نكاح المستضعف النهي عن نكاح غير المؤمن مطلقا ، وان كان في إقراره ما هو أحسن حالا من المخالف.

ففيه أن الحق من معانيه هو الذي قدمناه ، وهو المشهور بين الأصحاب ، حتى أنه قدس‌سره في شرحه على اللمعة فسره به ، حيث قال بعد قول المصنف في الصلاة على الميت يدعو في المستضعف بدعائه ، وهو الذي لا يعرف الحق ولا يعاند فيه ، ولا يوالي أحدا بعينه.

مع أنه ليس من إفاداته قدس‌سره ، بل هو مأخوذ من كلام المحقق الثاني الشيخ علي قدس‌سره ، فإنه قال في جواب من سأله بهذه العبارة : وما قولهم في المؤمن الحقيقي والمستضعف؟ :

فان أقوال العلماء في تفسيرهما على طرائق شتى ، أصح الأقوال أن الايمان هو التصديق المخصوص بالقلب واللسان ، فمتى اعتقد المكلف بقلبه وأقر بلسانه بالأصول الخمسة فهو مؤمن.

فإن كان هذا الاعتقاد لا عن دليل ، فهو أدنى مراتب الايمان وأضعفها ، ومتى خلا المكلف عن هذا الاعتقاد وكان مقرا بالشهادتين ولم يعتقد ما يضاد شيئا من الأصول المذكورة فهو المستضعف.

١٠٥

فمن ثم كان تعريف المستضعف بأنه الذي لا يعرف الحق ولا يعاند فيه ولا يوالي أحدا بعينه أقرب الأقوال ، انتهى كلامه رفع مقامه.

فأمثال هذه المنوع والاحتمالات البعيدة منه قدس‌سره في شرح الشرائع محض تكلف ، رام به ترميم كلام المتن ، ولذا رجع عن القول به ، ورجح القول بعدم جواز تزويج المؤمنة بالمخالف في شرحه على اللمعة ، وهو الحق.

فصل

[ فيما ورد في الآثار من تزويج بنات الأنبياء والأوصياء ]

ان قلت مناكحة الضال قد وجدت من الأنبياء عملا وعرضا ودعاء ، فهذا لوط عليه‌السلام يقول ( هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ) (١).

وقد أقر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المنافقين على نكاح المؤمنات ، والمؤمنات على نكاحهم ، ولم يمنع ذلك من تباين الفريقين في الدين.

وقد زوج أمير المؤمنين عليه‌السلام ابنته أم كلثوم عمر بن الخطاب وقد عرف خلافه ونقل نقلا مشهورا أن فاطمة بنت الحسين عليه‌السلام تزوجت بعبد الله بن عمرو بن عثمان ، وشاع ذلك وذاع ، حتى قيل : انها ولدت منه محمد الذي يلقب بالديباج قلت : كان عرض نبي الله لوط عليه‌السلام من عرض بناته على قومه وهم كفارا استصلاحهم وردهم عن ضلالهم ، وإتمام الحجة عليهم ، ومع ذلك كان ذلك في شرع من قبلنا ، فلم يكن حجة علينا.

وأما إقرار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المنافقين على النكاح ، فليس مما نحن فيه ، لأنهم كانوا على ظاهر ما كان عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم يكن بين الفريقين مباينة في

__________________

(١) سورة هود : ٧٨.

١٠٦

الدين بحسب الظاهر ، وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله كان مأمورا بأخذ الظاهر وترك الباطن ، كما قال نحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر.

ولو أن مخالفا نافق وقال بلسانه دون قلبه بما نقول به ، فنحن نجوز تزويج المؤمنة به ، لأنه مؤمن على ظاهر حاله.

وأما أمير المؤمنين سلام الله عليه ، فكان فيما فعله مضطرا ، والضرورات تبيح المحذورات.

يدل على ذلك ما رواه الكليني في الكافي في باب عقده في تزويج أم كلثوم ، عن زرارة في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام في تزويج أم كلثوم ، فقال : ان ذاك فرج غصبناه (١).

وعن هشام بن سالم في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لما خطب اليه ، قال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : انها صبية ، قال : فلقي العباس فقال له : ما لي؟ أبي بأس؟ قال : وما ذاك؟ قال : خطبت الى ابن أخيك فردني ، أما والله لأعورن زمزم ولا أدع لكم مكرمة إلا هدمتها ، ولا فيمن عليه شاهدين بأنه سرق ، ولا قطعن يمينه ، فأتاه العباس فأخبره وسأله أن يجعل الأمر إليه ، فجعله اليه (٢).

وفي رواية عمر بن أذينة ، قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ان الناس يحتجون علينا أن أمير المؤمنين عليه‌السلام زوج فلانا ابنته أم كلثوم ، وكان عليه‌السلام متكئا فجلس وقال : تقبلون أن عليا أنكح فلانا ابنته ، ان قوما يزعمون ذلك ، ما يهتدون الى سواء السبيل ولا الرشاد.

ثم صفق بيده وقال : سبحان الله ما كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقدر أن يحول بينه وبينها ، كذبوا لم يكن ما قالوا ، ان فلانا خطب الى علي عليه‌السلام بنته أم كلثوم فأبى ،

__________________

(١) فروع الكافي ٥ / ٣٤٦ ، ح ١.

(٢) فروع الكافي ٥ / ٣٤٦ ، ح ٢.

١٠٧

فقال للعباس : والله لئن لم يزوجني لأنتزعن منك السقاية وزمزم ، فأتى العباس عليا ، فكلمه فأبى عليه ، فألح العباس.

فلما رأى أمير المؤمنين عليه‌السلام مشقة كلام الرجل على العباس ، وانه سيفعل معه ما قال ، أرسل الى جنية من أهل نجران يهودية يقال لها : سحيقة بنت جريرية ، فأمرها فتمثلت في مثال أم كلثوم ، وحجبت الابصار عن أم كلثوم بها ، وبعث بها الى الرجل.

فلم تزل عنده حتى أنه استراب بها يوما ، فقال : ما في الأرض أهل بيت أسحر من بني هاشم ، ثم أراد أن يظهر للناس ، فقتل فحوت الميراث وانصرفت الى نجران ، وأظهر أمير المؤمنين عليه‌السلام أم كلثوم (١).

قيل : لا منافاة بينه وبين سائر الأخبار الواردة في أنه زوجه أم كلثوم.

كموثقة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن المرأة المتوفّى عنها زوجها أتعتد في بيتها أو حيث شاءت ، قال : بل حيث شاءت ، ان عليا عليه‌السلام لما توفى عمر أتى أم كلثوم ، فانطلق بها الى بيته (٢).

وصحيحة سليمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة توفي زوجها أين تعتد في بيت زوجها تعتد أو حيث شاءت؟ قال : بل حيث شاءت ثم قال : ان عليا عليه‌السلام لما مات عمر أتى أم كلثوم ، فأخذ بيدها فانطلق بها الى بيته (٣).

وذلك لأنهم صلوات الله عليهم كانوا يتقون من غلاة الشيعة ، وكان هذا من الاسرار ، ولم يكن أكثر أصحابهم قابلين لها.

وذكر أبو محمد النوبختي في إثباة الإمامة ، أن أم كلثوم بنت علي عليه‌السلام كانت

__________________

(١) بحار الأنوار ٤٢ / ٨٨ ، ح ١٦.

(٢) فروع الكافي ٦ / ١١٥ ، ح ١.

(٣) فروع الكافي ٦ / ١١٥ ـ ١١٦.

١٠٨

صغيرة ، ومات عمر قبل أن يدخل بها.

وسئل مسعود العباسي عن ذلك ، فقال : كان سبيله مع أم كلثوم كسبيل آسية مع فرعون ، كما حكى عنها ( رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ ) (١).

ومما قررناه يظهر جواب الشبهة عن تزويج فاطمة بعبد الله على تقدير صحة النقل ، وهو أنها كانت فيما فعلته مضطرة.

ولما سئل آية الله العلامة عن قصتها وتزويجها ، وقيل : ان ذلك نقل شائع ، قال في الجواب : لا يجوز أن ينسب الى أحد من الذرية ارتكاب محرم متفق على تحريمه ، واسناد النقص إلى الرواية أولى من إسناده إليهم عليهم‌السلام.

أقول : الظاهر أنه من مفتريات بني أمية ، وعلى تقدير الصحة والوقوع ، فالعذر ما قدمناه.

فصل

[ اعتبار الايمان في جانب الزوج ]

قال الفاضل المجلسي قدس الله روحه القدسي في بعض فوائده : لا خلاف في عدم جواز تزويج الناصبي والناصبية ، واختلاف في غيرهم من أهل الخلاف ، فذهب الأكثر إلى اعتبار الايمان في جانب الزوج دون الزوجة ، وادعى بعضهم الإجماع عليه.

وذهب ابن حمزة والمحقق الى الاكتفاء بالإسلام مطلقا ، وأطلق ابن إدريس في موضع من السرائر أن المؤمن ليس له أن يتزوج مخالفة له في الاعتقاد. والأول أظهر في الجمع بين الاخبار ، والله يعلم.

__________________

(١) سورة التحريم : ١١.

١٠٩

أقول : ظاهر كلام ابن إدريس يفيد عدم جواز ذلك مطلقا دواما ومتعة ، ولا وجه له ظاهرا ، إذ المسألة لا إجماع فيها ، وهو لا يعمل بأخبار الآحاد.

مع أن الاذن بتزويج المخالفة في الاعتقاد في الاخبار كثير ، وقد علل ذلك في بعضها بأن المرأة تأخذ بأدب زوجها ويقهرها فيسوقها الى الايمان.

وحينئذ فلا بد في القول بترجيح تزويج المخالفة له في الاعتقاد على الموافقة له فيه إذا كان الغرض منه استمالتها وإرشادها الى الايمان مع الإمكان.

ويمكن تقييد المخالفة في كلامه بما يؤدي الى كفر المخالفة له في الاعتقاد ، كالناصبية واليهودية والنصرانية.

فصل

[ تنقيح المسألة السابقة ]

هذا الخلاف انما يتمشى على المشهور بين الأصحاب من طهارة أهل الخلاف وإسلامهم.

وأما على مذهب المرتضى وابن إدريس ومن يمشي ممشاهم في القول بنجاسة كل الجمهور وكفرهم ، فلا شك في عدم جواز تزويج المؤمنة بالمخالف وبالعكس ، وبطلان العقد على تقدير التزويج إذ ( لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ) (١).

ومنه يظهر سر قول ابن إدريس المؤمن ليس له أن يتزوج مخالفه له في الاعتقاد ، وكذا على المشهور بين الأصحاب من اشتراط ايمان الزوج في نكاح المؤمنة لو عقد عليها المخالف ، كان العقد باطلا.

__________________

(١) سورة الممتحنة : ١٠.

١١٠

ولا حاجة في التفريق بينهما الى طلاق ولا فسخ ، كما أومأ إليه آية الله العلامة في المختلف بعد قول أبي الصلاح : وإذا وضعت نفسها في غير موضعها أو عقدت على غير كفو ، فلأبيها وجدها فسخ العقد ، وان كانت ثيبا.

بقوله : ان قصد بغير الكفو غير الموافق في الايمان ، كان العقد باطلا ، ولا حاجة الى فسخ الجد والأب ، وان عنى بالشرف والمال والحسب ، فلا نسلم أن لهما الفسخ.

فصل

[ ما يتفرع على بطلان النكاح ]

وإذا كان العقد باطلا ، فلا مهر ولا توارث بينهما ، ولا بينهما وبين أولادهما ، لأن ذلك كله فرع صحة العقد وتحقق الزوجية بينهما.

وهل يكون الولد الحاصل منهما بذلك العقد على تقدير جهلهما بالحكم من أولاد الزنا؟ وهل يجب عليهما الحد على هذا التقدير؟ محل نظر.

وأما على تقدير كونهما عالمين به ، فالظاهر أن الولد ولد زنية والحد واجب ، الا أن يكون أحدهما أو كلاهما مجبورا ، أو مقلدا لمن يصحح العقد ، فيسقط عنه أو عنهما الحد.

فصل

في ذكر أهل الخلاف

انهم قد تعددت آراؤهم وتشعبوا بحسب تشعب أهوائهم.

١١١

فمنهم : المجسمة كداود وعامة الحنابلة ، فإنهم قالوا : انه تعالى جسم يجلس على العرش ، ويفضل عنه من كل جانب ستة أشبار بشبره ، وأنه ينزل في كل ليلة جمعة على حمار له ، وينادي إلى الصباح هل من تائب؟ هل من مستغفر؟ وحملوا آيات التشبيه على ظواهرها ، وقد تمارى أكثرهم فقال : انه تعالى يجوز عليه المصافحة ، وان المخلصين في الدنيا يعانقونه.

وقال داود : اعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عما وراء ذلك. وقال : ان معبوده جسم ذو لحم ودم وجوارح وأعضاء ، وانه بكى على طوفان نوح حتى رمدت عيناه ، وعادته الملائكة لما أسبلت عيناه.

ومنهم : الحلولية ، يقولون : انه تعالى يحل في أبدان العارفين ويتحد بهم.

ومنهم : القدرية ، يسندون أفعال العباد اليه تعالى ، ويقولون : لا مؤثر في الوجود الا الله ، وقد ذمهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : القدرية مجوس هذه الأمة (١).

وعن عبد الله (٢) بن عمر أنه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : القدرية مجوس هذه الأمة ، ان مرضوا فلا تعودوهم ، وان ماتوا فلا تصلوا عليهم ، وان لقيتموهم فلا تسلموا عليهم.

قيل : من هم يا رسول الله؟

قال : الذين يعملون المعاصي ، ثم يزعمون أنها من الله كتبها عليهم ، وبإزائهم قوم يزعمون أنه تعالى لا قدرة له على صرفه ومنعه عباده عما يفعلون ، بل ولا قدرة له على إيجادها ، هم عليه قادرون ، وهم المشهورون بالمفوضة.

ومنهم : المرجئة قوم يزعمون أن أهل القبلة كلهم مؤمنون بإقرارهم الظاهر بالايمان ورجوا لهم المغفرة.

__________________

(١) عوالي اللئالي ١ / ١٦٦.

(٢) رواه في كنز العمال ١ / ١١٩ ، ح ٥٦٦.

١١٢

وروى ابن عمر عنه أنه قال : صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب : المرجئة ، والقدرية (١).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : المرجئة يهود هذه القبلة.

وفي نهاية ابن الأثير : المرجئة فرقة من فرق الإسلام ، يعتقدون أنه لا يضر مع الأيمان معصية ، ولا ينفع مع الكفر طاعة ، سموا مرجئة لاعتقادهم أن الله تعالى أرجأ تعذيبهم على المعاصي ، أي : أخره عنهم (٢).

الى غير ذلك من الآراء الفاسدة والأهواء الكاسدة المذكورة في المطولات فلينصف العاقل من نفسه هل يجوز تزويج كريمته المؤمنة العارفة بهؤلاء الكفرة الفجرة ، لا أظنه أن يجوز ذلك لو خلي وطبعه ، فليكن الحاكم دوني.

فصل

[ أقسام الشيعة ]

الشيعة على سبعة أقسام :

زيدية ، وهم القائلون بإمامة علي الى زين العابدين عليهم‌السلام وابنه زيد.

وكيسانية ، وهم القائلون بإمامة أربعة علي والحسن والحسين عليهم‌السلام ومحمد ابن حنفية.

وفطحية ، وهم القائلون بإمامة سبعة من علي الى الصادق عليهم‌السلام وابنه الأفطح

وناووسية ، وهم القائلون بإمامة ستة من علي الى الصادق عليهم‌السلام.

وواقفية ، وهم القائلون بإمامة سبعة من علي الى الكاظم عليهم‌السلام.

__________________

(١) كنز العمال ١ / ١١٨ ، ح ٥٥٨.

(٢) نهاية ابن الأثير ٢ / ٢٠٦.

١١٣

واسماعيلية ، وهم القائلون بإمامة سبعة من علي الى جعفر عليهم‌السلام وابنه إسماعيل.

واثنا عشرية ، وهم القائلون بإمامة اثنا عشر من علي الى المهدي محمد بن الحسن صاحب العصر والزمان وقاطع البرهان عليهم صلوات الله الملك المنان.

ولا يجوز تزويج المؤمنة بواحد من هؤلاء الفرق سوى الإمامية الاثنا عشرية لان من عداهم كفار مشركون زنادقة شر من النصاب ، كما دلت عليه روايات.

منها : ما رواه الكشي في كتاب الرجال في ترجمة الواقفية ، بإسناده إلى عمر بن يزيد ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فحدثني في فضائل الشيعة مليا.

ثم قال : ان من الشيعة بعدنا من هم شر من النصاب ، قلت : جعلت فداك أليس ينتحلون حبكم ، ويتولونكم ويبرؤون من عدوكم؟ قال : نعم ، قلت : جعلت فداك بين لنا نعرفهم ، فلعلنا منهم ، قال : كلا يا عمر ما أنت منهم ، انما هم قوم يفتنون بزيد ، ويفتنون بموسى (١).

ومنها : ما رواه بإسناده إلى الرضا عليه‌السلام أنه قال : الواقفة حمير الشيعة ، ثم تلا ( إِنْ هُمْ إِلّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ) (٢) وكانت الزيدية والواقفية والنصاب عنده عليه‌السلام بمنزلة واحدة.

وفي رواية يونس بن يعقوب قال قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : أعطي هؤلاء الذين يزعمون أن أباك حي من الزكاة شيئا؟ قال : لا تعطهم فإنهم كفار مشركون زنادقة (٣).

والاخبار في ذلك أكثر من أن تحصى ، ويكفي فيه قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيهم عليهم‌السلام : من أنكر واحدا منهم فقد أنكرني.

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال ٢ / ٧٥٩ ، برقم : ٨٦٩.

(٢) سورة الفرقان : ٤٤.

(٣) اختيار معرفة الرجال ٢ / ٧٥٦ ، ح ٨٦٢.

١١٤

وقول الرضا عليه‌السلام : من جحد حقي كمن جحد حق آبائي.

وقول الصادق عليه‌السلام لما سئل عن الزيدي والمخالف : هما والله سواء ، ولما روجع ثانيا قال : لا فرق بين من أنكر آية من القرآن ، وبين من أنكر آيات منه وبين من أنكر نبيا من الأنبياء ، وبين من أنكر كلهم.

الى غير ذلك من الاخبار ، ونحن قد استوفينا الكلام في ذلك في بشارات الشيعة ، فليطلب من هناك ، وبالله التوفيق ، وهو نعم المولى ونعم الرفيق.

وتم استنساخ وتصحيح هذه الرسالة في (٢٠) رجب المبارك سنة (١٤١١) هـ ق في بلدة قم المقدسة على يد العبد السيد مهدي الرجائي عفي عنه.

١١٥
١١٦

سلسلة آثار المحقق الخاجوئي

(٥١)

رسالة

في استحباب كتابة الشهادتين على الكفن

للعلّامة المحقّق العارف

محمّد إسماعيل بن الحسين بن محمّد رضا المازندراني الخاجوئي

المتوفّى سنة ١١٧٣ ه‍ ق

تحقيق

السيّد مهدي الرّجائي

١١٧
١١٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

في التهذيب عن سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد بن شعيب عن أبي كهمس ، قال : حضرت موت إسماعيل ، وأبو عبد الله عليه‌السلام جالس عنده فلما حضره الموت شد لحييه وغمضه وغطى عليه الملحفة ثم أمر بتهيئته.

فلما فرغ من أمره دعا بكفنه ، فكتب في حاشية الكفن : إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله (١).

وفي كشف الغمة عن الأمة هكذا : كان إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي عليه‌السلام أكبر اخوته ، وكان أبوه عليه‌السلام شديد المحبة له والبر به والإشفاق عليه.

وكان قوم من الشيعة يظنون أنه القائم بعد أبيه ، والخليفة له من بعده ، إذ كان أكبر اخوته سنا ، ولميل أبيه اليه وإكرامه له ، فمات في حياة أبيه بالعريض وحمل على رقاب الرجال إلى أبيه بالمدينة حتى دفن بالبقيع.

وروي أن الصادق عليه‌السلام جزع عليه جزعا شديدا ، وحزن عليه حزنا عظيما ، وتقدم سريره بغير حذاء ولا رداء ، أمر بوضع سريره على الأرض قبل دفنه مرارا كثيرة ، وكان يكشف عن وجهه وينظر اليه ، ويريد بذلك تحقيق أمر وفاته عند

__________________

(١) تهذيب الاحكام ١ / ٣٠٩ ، ح ٦٦.

١١٩

الظانين خلافته من بعده ، وازالة الشبهة عنهم في حياته (١). الى آخر ما قاله هناك.

ولا يخفى ما فيهما من التدافع والتنافي ، فإن ذاك يدل على أنه مات بمحضر من أبيه عليه‌السلام ، وهذا يدل على أنه مات بالعريض ، ولم يكن أبوه هناك حاضرا عنده ، بل كان بالمدينة بقوله « وحمل على رقاب الرجال إلى أبيه بالمدينة » وقوله « وتقدم سريره بغير حذاء ولا رداء » الخبر ، ودون التوفيق بينهما خرط القتاد ، فلا بد من ترجيح أحدهما على الأخر أو طرحه.

فنقول : هذا الخبر وان كان مجهول السند ، باهمالهم محمد بن شعيب ، حيث ذكروه من غير مدح فيه ولا قدح ، الا أن له مؤيدات ترجحه على ما في كشف الغمة.

منها : أنه معمول به عند الأصحاب ، حيث قالوا في كتبهم الفقهية : ويستحب كتابة اسم الميت على الكفن ، وانه يشهد الشهادتين وأسماء الأئمة عليهم‌السلام ، وما لهم بذلك من مستند سوى ما سبق من الخبر ، كما اعترفوا به.

قال في المدارك بعد نقل قول المصنف « ويكتب على الحبرة والقميص والإزار والجريدتين اسمه ، وأنه يشهدا الشهادتين ، وان ذكر الأئمة عليهم‌السلام وعددهم الى آخرهم كان حسنا ، ويكون ذلك بتربة الحسين عليه‌السلام ، فان لم يوجد فبالإصبع » :

الأصل في هذه المسألة ما رواه أبو كهمس ، ونقل الحديث كما سبق.

ثم قال : وزاد الأصحاب في المكتوب والمكتوب عليه ، ولا بأس به ، وان كان الاقتصار على ما ورد به النقل أولى.

وذكر المصنف رحمه‌الله هنا أن الكتابة تكون من تربة الحسين عليه‌السلام ، فان لم يوجد فبالإصبع.

__________________

(١) كشف الغمة ٢ / ١٨٠.

١٢٠