القواعد والفوائد - ج ٢

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

القواعد والفوائد - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: السيّد عبد الهادي الحكيم
الموضوع : الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٥
الجزء ١ الجزء ٢

ورابعها : ما يشترط فيه قبض أحدهما ، وهو بيع الموصوف بموصوف ، سواء كانا ربويين ، أو لا. ولعل الأقرب ترجيح قبض الثمن فيه على قبض الثمن ، لأنه لم يعهد اشتراطه.

قاعدة ـ ٢٥٤

الأصل في العقود الحلول. ولها بالنسبة إلى الأجل أقسام أربعة :

أولها : ما يشترط فيه الأجل وقد سلف (١).

وثانيها : ما يبطله الأجل وقد مر أيضا (٢) ، كالربوي :

وثالثها : ما فيه خلاف ، أقربه جواز الحلول ، وهو السلم.

ورابعها : ما يجوز فيه حالا ومؤجلا ، وهو معظم العقود.

وكل ما يبطله الأجل يمتنع السلم فيه ، إن اشترطنا الأجل وإلا فإن قبض الثمن أو أحدهما على ما مر ، صح.

وقد يتصور أجل مع التقابض في المجلس ، فان كان ربويا بجنسه فالأقرب البطلان ، وإن كان صرفا فالأصحاب قاطعون بالمنع (٣).

وكذا لو جعل الثمن المسلم فيه أجلا وقبضه في المجلس.

قاعدة ـ ٢٥٥

كل ما يكال أو يوزن ذهب كثير من الأصحاب (٤) إلى تحريم

__________________

(١) راجع ص : ٢٥٧.

(٢) راجع ص : ٢٥٧.

(٣) انظر : العلامة الحلي ـ تذكرة الفقهاء : ١ ـ ٥١١.

(٤) يبدو من العلامة الحلي في ـ المختلف : ٢ ـ ٢١٥ ، أن الأكثر على تخصيص الحرمة بالطعام ، ولم يذهب إلى تحريم كل ما يكال أو يوزن قبل قبضه إلا ابن أبي عقيل.

٢٦١

بيعه قبل قبضه. وخصّه بعضهم بالطعام (١) ، لما ثبت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : (من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه) (٢).

وقد جاءت أحاديث في ذلك عامة (٣) ، والعموم لا يخصص بذكر بعضه ، ولا يمكن أن يكون هذا (٤) من باب حمل المطلق على المقيد ، لما تقدم (٥) من ان الحمل إنما هو في الكلي لا الكل.

بل العمدة في ذلك : قضية الأصل من أن المالك مسلط على التصرف بأنواعه ، خرج عنه الطعام ، أو المكيل والموزون ، فيبقى ما عداه على الأصل. ولم أقف على قائل من الأصحاب بالإطلاق.

وعلله العامة (٦) : بضعف الملك قبل القبض ، لأنه لو تلف انفسخ البيع. وبتوالي الضمانين في شي‌ء واحد ، فإنه يكون مضمونا (على

__________________

(١) انظر : الشيخ الطوسي ـ المبسوط : ٢ ـ ١١٩ ـ ١٢٠ ، وابن حمزة ـ الوسيلة : ٤٧ ، والعلامة الحلي ـ تحرير الأحكام : ١ ـ ١٧٦ ، والقرافي ـ الفروق : ٣ ـ ٢٧٩ ـ ٢٨٠.

(٢) انظر : صحيح مسلم : ٣ ـ ١١٦٠ ، باب ٨ من كتاب البيوع ، حديث : ٣٠ ، ٣٦.

(٣) انظر : سنن أبي داود : ٣ ـ ٢٥٣ ، والبيهقي ـ السنن الكبرى : ٥ ـ ٣١٣.

(٤) في (ك) و (م) و (أ) : هنا.

(٥) راجع : ١ ـ ٢١٠ ، قاعدة : ٦٠.

(٦) انظر : النوويّ ـ المجموع : ٩ ـ ٢٦٦.

٢٦٢

البائع الأول للمشتري (١) وعلى المشتري الأول للمشتري الثاني ٥ وبأنه إذا لم يقبضه كان من ضمان البائع ، وقد حرّم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (ربح ما لم يضمن) في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (٢).

وقد استثني المانعون (٣) صورا يجوز بيعها قبل القبض :

كالأمانات ، لتمام الملك ، وعدم ضمانها على من هي في يده.

والمملوك بالإرث ، إلا أن يكون المورث اشتراه ولم يقبضه. ولو اشترى من (ابنه الصغير) (٤) شيئا ، فمات قبل قبضه ، وهو وارث جميع ماله ، جاز بيعه قبل قبضه ، لأنه بحكم المقبوض.

ورزق الجند إذا عينه لواحد ، والظاهر أنه لا يملك إلا بالقبض.

وسهم الغنيمة بعد الإفراز ، إن قلنا بالملك الحقيقي. وكذا لو انحصر الغانمون ، فباع قدر نصيبه المعلوم ، إن قلنا بملك الغنيمة بالاستيلاء وإن لم تقسم.

والوصية ، وغلة الوقف ، والموقوف إذا رجع فيه.

وأما الصيد ، فإن إثباته في الحبالة وشبهها قبض حكمي.

__________________

(١) في (ك) و (م) : للبائع الأول على المشتري. والعبارة كما جاءت في المجموع هي (... مضمونا للمشتري الأول على البائع الأول ، والثاني على الثاني).

(٢) انظر : مسند أحمد : ٢ ـ ١٧٤ ـ ١٧٥ ، وصحيح الترمذي : ٣ ـ ٥٣٥ ـ ٥٣٦ ، باب ١٩ من كتاب البيوع ، حديث : ١٢٣٤.

(٣) انظر : الشيخ الطوسي ـ المبسوط : ٢ ـ ١٢ ، والعلامة الحلي ـ قواعد الأحكام : ٥٧ ، وتذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٤٧٥.

(٤) في (م) : أبيه.

٢٦٣

وكذا يصح بيع المقبوض مع الغير (١) وهو مضمون عليه ، كالعارية مع اشتراط الضمان ، والمستام ، والشراء الفاسد ، ورأس مال السلم لو فسخ المسلم لانقطاعه. وكذا إذا فسخ البائع لإفلاس المشتري ولما يقبض.

وأما المضمون بعقد معاوضة ، كالبيع ، والصلح ، وثمن المبيع المعين ، والأجرة والعوض في الهبة ، فإنه ممنوع عند العامة (٢) ، إلا في بيعه من البائع ، فإن فيه وجها ضعيفا بالجواز (٣) ، مبنيا على أن علة البطلان توالي الضمانين ، إذ لا توالي هنا.

ومنهم من قال (٤) : إن الخلاف مختص بغير جنس الثمن ، أو به بزيادة أو نقصان ، وإلا فهو إقالة بلفظ البيع.

وظاهر الأصحاب أمران :

أحدهما : ان هذا الحكم مختص بالبيع في طرف المبيع أولا ، ثمَّ بالبيع ثانيا ، فلو ملكه بغير بيع ولم يقبضه ، صح ، ولو ملكه ببيع ثمَّ عاوض عليه بغير البيع ، كالصلح ، والإجارة ، والكتابة ، صح (٥) ،

__________________

(١) في (ك) : العين.

(٢) انظر : الشيرازي ـ المهذب : ١ ـ ٢٦٢ ، والنوويّ ـ المجموع : ٩ ـ ٢٦٦ ، وابن جزي ـ قوانين الأحكام الشرعية : ٢٨٤.

(٣) انظر : النوويّ ـ المجموع : ٩ ـ ٢٦٦ (نقله عن بعض الشافعية).

(٤) قاله المتولي من الشافعية. انظر : نفس المصدر السابق.

(٥) انظر : المحقق الحلي ـ شرائع الإسلام : ٢ ـ ٣١. والعلامة الحلي ـ تحرير الأحكام : ١ ـ ١٧٦.

٢٦٤

إلا الشيخ في المبسوط (١) فإنه منع الإجارة ، والكتابة.

الأمر الثاني : أن غير المكيل والموزون لا حجر فيه على حال ، إلا ما ذكره الشيخ من الكتابة (٢). فسقطت هذه التفريعات على ذلك.

وكذا ما ملك (٣) بالإقالة ، أو القسمة ، لأنهما ليستا بيعا عندنا (٤) ، وبالإصداق والشفعة.

أما ثمن المبيع المعين ، فيمكن انسحاب الخلاف فيه ، لأن كل واحد منهما في معنى البائع.

والثمن : هو النقد ، ان كان هناك نقد ، وإلا فما اتصلت به (الباء). وقيل (٥) : هو ما اتصلت به (الباء) مطلقا. وهو قوي. وقيل (٦) : النقد مطلقا.

__________________

(١) ٢ ـ ١٢٠.

(٢) نفس المصدر السابق.

(٣) في (أ) : ملكه.

(٤) الإقالة بيع عند المالكية على القول المشهور ، وبعض الزيدية ، وأحد قولي الشافعية ، وبعض الحنابلة. انظر : التوزري الزبيدي ـ توضيح الأحكام : ٣ ـ ١٣٢ ، وابن المرتضى ـ البحر الزخار : ٣ ـ ٣٧٥ ، والسيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ١٩٠ ، وابن رجب ـ القواعد : ٣٧٩. أما القسمة ، وهي إفراز حق وتميز أحد النصيبين من الآخر ، فهي بيع في أحد قولي الشافعي. انظر : ابن قدامة ـ المغني : ٩ ـ ١١٤.

(٥) قاله : العلامة الحلي في ـ تذكرة الفقهاء : ١ ـ ٤٧٥. وهو قول للشافعية. انظر : النوويّ ـ المجموع : ٩ ـ ٢٧٣.

(٦) هو قول للشافعية. انظر : النوويّ ـ المجموع : ٩ ـ ٢٧٣.

٢٦٥

فائدة

لو تصرف المشتري فيما اشتراه قبل قبضه ، فإن كان مكيلا أو موزونا ، وقلنا بالمنع ، فإن تصرف بالبيع ، فهو باطل ، لتحقق النهي عنه لمصلحة لا تتم إلا بإبطاله ، وبغيره صحيح. وفي المختلف (١).

أنه لا يلزم من النهي هنا البطلان. وفي رواية (٢) : يختص التحريم على من يبيعه بربح ، أما التولية فلا.

أما التصرف فيه بغير البيع ، كالعتق ، والوقف ، والإصداق (٣) ، والرهن ، والإقراض ، والصدقة ، والتزويج ، فجائز.

قاعدة ـ ٢٥٦

كل ما جاز بيعه ، جازت هبته ، وبالعكس ، إلا في مسائل ، وهي قسمان :

الأول : فيما تجوز هبته ولا يصح بيعه ، كالآبق ، والمغصوب ، وهبة (٤) الضال ، وهبة الكلب ، وإن منعنا من بيع ما عدا كلب (٥) الصيد ، ولحوم الأضاحي وجلودها إذا كانت واجبة ، والثمرة المختلطة بعد البيع وقبل القبض ، وكذا اللقطة

__________________

(١) ٢ ـ ٢١٥.

(٢) انظر : الحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ١٢ ـ ٣٨٩ ، باب ١٦ من أبواب أحكام العقود ، حديث : ٩.

(٣) في (ح) و (م) و (أ) : والصداق.

(٤) زيادة من (ك) و (ح).

(٥) زيادة من (أ).

٢٦٦

الثاني : ما يجوز بيعه ولا تجوز هبته ، وهو الموصوف في الذّمّة ، كالمسلم فيه ، فلا يصح : وهبتك صاع حنطة موصوف ، ثمَّ يعينه ويقبضه. والدين في ذمة الغير على خلاف فيه (١). والمريض في ماله بثمن المثل. وكذا مال المحجور عليه (٢).

قاعدة ـ ٢٥٧

لا يدخل في ملك إنسان شي‌ء قهرا إلا : الإرث ، والوصية للحمل ، إن قلنا بعدم احتياجه إلى القبول ، ومطلق الوصية ، إن قلنا إن القبول كاشف (٣). والوقف على قوم معينين ونسلهم إذا قبل الأول منهم. والجهات العامة ، إن قلنا بملك المسلمين.

والغنيمة ، ان قلنا تملك بالاستيلاء. والزكاة ، إن قلنا بالشركة ، وكذا الخمس إلا أنه فيهما ملك لجميع المستحقين ويصرف إلى البعض لتعذّر العموم. ونصف الصداق إذا انتصف ، وكله إذا ارتدت.

والمبيع إذا تلف قبل القبض ، وقلنا بالملك الضمني. وكذا الثمن المعين لو تلف قبل القبض. وثمن الشقص إذا تملكه الشفيع.

والشقص المتقوم في الرقيق إذا عتق الشقص الآخر. والمبيع إذا رد على البائع بأحد أسباب الفسخ. وكذا الثمن المعين إذا فسخ البائع.

وأرش جناية الخطأ وعمده. والعمد المضمون بالأرش. وفي النذر

__________________

(١) انظر : العلامة الحلي ـ مختلف الشيعة : ٢ ـ ٢٣٢ ، ٢٣٥ ، وج ٤ ـ ٢٩.

(٢) زيادة من (ح) و (م).

(٣) في (ح) : ناقل. والظاهر أن الصواب ما أثبتناه.

٢٦٧

(المعين أو المبهم) (١) تردد.

وأما الماء والثلج المجتمعان في داره ، أو الكلإ النابت في أرضه ، فالظاهر أنه أولوية ، لا ملك (٢).

فائدة (٣)

المراد بملك الملك : أن ينعقد سبب يقتضي المطالبة بالتمليك (٤) ، فهو يعد مالكا من حيث الجملة ، تنزيلا للسبب منزلة المسبب ، كحيازة الغنيمة ، والاستحقاق بالشفعة ، والحضور على كنز أو مال مباح ، وحق الشفعة ، وظهور ربح مال المضاربة ، إن قلنا يملك بالانضاض (٥) :

قاعدة ـ ٢٥٨

كل ما صح بيعه ، صح رهنه ، وما لا ، فلا.

__________________

(١) في (أ) : لمعين أو مبهم.

(٢) خلافا للشافعية ، حيث جعلوا هذه الموارد مما يملكه الإنسان بغير اختياره. انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٣٤٤ (نقله عن العلائي).

(٣) في (أ) : قاعدة.

(٤) انظر : هذه الفائدة في ـ الفروق : ٣ ـ ٢٠ ـ ٢٢.

(٥) الإنضاض مأخوذ من : نضض الرّجل : إذا كثر ناضه ، وهو ما ظهر وحصل من ماله. انظر : ابن منظور ـ لسان العرب : ٧ ـ ٢٣٧ ـ ٢٣٨ ، مادة (نضض).

٢٦٨

وقد يتصور ما يصح بيعه ولا يصح رهنه ، وهو : الدين ، والمنفعة عند الشيخ ، حيث حكم بأن الإجارة بيع ، في بعض المواضع من المبسوط (١). والآبق.

وما يصح رهنه ولا يصح بيعه ، وهو : الطعام المشتري قبل قبضه ، عند الشيخ (٢).

قاعدة ـ ٢٥٩

كل رهن فإنه غير مضمون ، إلا في مواضع (٣) :

ضابطها : التعدي ، والتفريط اللاحق ، أو الضمان السابق ، إن قلنا إن الرهن لا يزيله.

قاعدة ـ ٢٦٠

كل ما جاز الرهن عليه جاز ضمانه ، وكل ما لا يجوز الرهن عليه لا يصح ضمانه ، إلا في (٤) ضمان الدرك (٥) ، لأنه لو رهن عليه فالغالب أن المبيع لا يخرج مستحقا ، فيتأبّد الرهن ، وهو غير جائز.

__________________

(١) ٢ ـ ١٢٠.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) ذكر السيوطي عن الرونق واللباب ثمانية مواضع. الأشباه والنّظائر : ٤٨٦.

(٤) زيادة من (ك) و (م).

(٥) انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٤٩٠.

٢٦٩

وفيه نظر ، لأن التأبيد غير مقصود وإنما هو عارض ، وكثير من الرهون يتأخر فيها وفاء الدين طويلا ، ولا يقدح ذلك فيه. على أن هذا التأبيد غير لازم ، لجواز فسخ المرتهن واستبدالهما رهنا مكانه أو ضمينا.

ويمكن أن يقال : إذا مضى مدة حصل فيها اليأس من الخروج مستحقا انفك الرهن.

قاعدة ـ ٢٦١

حجر الصغر والجنون للنقص.

وحجر الفلس للحفظ للغرماء لا للنقص. وكذا حجر العبد للحفظ على السيد.

وحجر السفيه متردد بين الأمرين ، هل هو لنقصه أو لحفظ ماله؟

فإن قلنا لنقصه ، سلبت عبارته ، أصلا ورأسا ، وإلا سلب استقلاله ، وهو الوجه. فعلى هذا ، يصح أن يتوكل لغيره ، وأن يباشر عقود نفسه بإذن وليه ، ويقبل إقراره بما لا يوجب مالا.

ويفتقر الحجر عليه إلى حكم الحاكم ، ولا يفتقر في زواله إلى حكمه.

وقيل (١) : يتوقف فيهما. وقيل (٢) : يثبت بغير حكمه ، ولا ينتفي إلا بحكمه.

__________________

(١) انظر : الشيخ الطوسي ـ المبسوط : ٢ ـ ٢٨٦ ، والعلامة الحلي ـ تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٧٧ ، والكاشاني ـ بدائع الصنائع : ٧ ـ ١٦٩ ـ ١٧٢ (نقله عن أبي يوسف) ، والمحقق الحلي ـ شرائع الإسلام : ٢ ـ ١٠٢ ، وابن قدامة ـ المغني : ٤ ـ ٤٦٩ ـ ٤٧٠ ، والسيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٤٨٨ (نقله عن المحاملي).

(٢) لم أعثر على قائل بهذا الرّأي. نعم استشكل العلامة الحلي

٢٧٠

قاعدة ـ ٢٦٢

كل عبارة لا يتم مضمونها إلا بإيجاب وقبول ، فهي عقد ، وما لا يحتاج إلى القبول من العبارات ، فهو إيقاع ، أو إذن مجرد.

والوديعة ، ليس القبول المعهود شرطا فيها ، فهل هي عقد أو إذن مجرد؟

تظهر فائدته : فيما لو عزل الودعي نفسه ، فعلى العقد ، تبطل وتبقى أمانة شرعية ، وعلى الإذن ، لا تبطل.

وفيما إذا شرط فيها شرطا فاسدا ، فإنها تفسد ، فإن قلنا هي عقد ، فلا بد من عقد جديد ، فان لم يعقد ، فهي أمانة شرعية ، وان قلنا مجرد إذن ، لغا الشرط ، وبقيت وديعة. وإن سمينا القبول الفعلي قبولا ، زال هذا التخريج (١) ، وجزم بأنها عقد.

وربما خرّج ضمان الصبي الوديعة بالإتلاف ، على الوجهين ، فعلى العقد لا يضمن ، كما لو باع منه أو أقرضه ، وعلى الإذن يضمن.

__________________

في ـ إرشاد الأذهان ، في ثبوته بحكم الحاكم ، وجزم بعدم انتفائه إلا بحكمه ، انظر : المطلب الثاني من الحجر. (مخطوط في مكتبة السيد الحكيم العامة في النجف برقم : ٤٧٧).

كما أن المصنف اختاره في اللمعة انظر : الروضة البهية للشهيد الثاني : ٤ ـ ١٠٦ ـ ١٠٧ (متن).

وهناك قول آخر ، وهو أن ثبوت الحجر وزواله لا يفتقران إلى حكم الحاكم. وإليه ذهب محمد بن الحسن الشيباني ، صاحب أبي حنيفة. انظر : الكاشاني ـ بدائع الصنائع : ٧ ـ ١٦٩ ـ ١٧٣.

(١) في (ح) : الترجيح.

٢٧١

أما لو فرط فيها أو تعدى لا غير ، فنلفت ، فوجهان مرتبان ، فان قلنا بعدم الضمان هناك ، فهنا بطريق الأولى ، وإن قلنا هناك بالضمان أمكن (١) عدم الضمان هنا ، لأن التفريط من قبل المالك.

قاعدة ـ ٢٦٣

كل عارية أمانة ، إلا في مواضع :

استعارة الذهب والفضة. والمحرم صيدا. ومن الغاصب. ومن المستعير غير المأذون ، أو من المستأجر مع شرط الاستيفاء بنفسه. وعند التعدي والتفريط ، أو اشتراط الضمان. أو الاستعارة للرهن ، على الأقوى. ومن جعله من باب الضمان بالعين ، فلا ضمان على المستعير.

قاعدة ـ ٢٦٤

مورد الإجارة العين لاستيفاء المنفعة (٢) ، لأن المنافع معدومة.

وقيل (٣) : المورد نفس المنفعة ، لأن المعقود عليه ما صح استيفاؤه

__________________

(١) في (أ) : يمكن.

(٢) وهو رأي لبعض الشافعية كأبي إسحاق الأسفرائيني وغيره. انظر : الرافعي ـ فتح العزيز ، بهامش المجموع ، للنووي : ١٢ ـ ١٨١.

(٣) قاله العلامة الحلي ، وأبو حنيفة ، ومالك ، والحنابلة ، وأكثر الشافعية. انظر : العلامة الحلي ـ تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٢٩١ ، وابن قدامة ـ المغني : ٥ ـ ٣٩٨ ، والرافعي ـ فتح العزيز ، بهامش المجموع ، للنووي : ١٢ ـ ١٨٢ ـ ١٨٣.

٢٧٢

بالعقد وتسلط العاقد على التصرف فيه ، وذلك هو المنفعة. ولأنه تجوز إجارة المرهون من المرتهن ، وارتهان المستأجر العين المستأجرة من الموجر ، فلو كان مورد الإجارة العين ، لزم أن يتوارد على عين واحدة عقدان لازمان ، وأنه محال.

قيل : وتظهر الفائدة في إجارة الحلي بجنسه ، ولا نظر إلى الزيادة والنقيصة ، إن جعلنا المورد المنفعة ، وإن جعلناه العين امتنع.

وقيل (١) : هذا الخلاف غير متحقق ، فان للقائل بالعين لا يعني بها أنها تملك بالإجارة كما في البيع ، بل لاستيفاء المنفعة منها ، والقائل بالمنفعة لا يقطع النّظر عن العين ، بل له تسليمها وإمساكها مدة الانتفاع.

وأجيب : بأن المنع من إجارة الحليّ بجنسه يجعل (٢) الخلاف فيه محققا.

ولقائل أن يقول : هذا المانع ممن ظن أن الخلاف متحقق ، (ومن لم يظن) (٣) فلا يكون منعه حجة عليه.

وربما خرّج عليه : جواز بيعها من المستأجر ، فيصح على تغاير المورد ، لا على اتحاده.

فرع (٤) :

لو آجر قريبه عينا ، فمات ، فورثها المستأجر ، فالأقرب أنها

__________________

(١) انظر : العلامة الحلي ـ تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٢٩١ ، والرافعي ـ فتح العزيز ، بهامش المجموع : ١٢ ـ ١٨٥ ـ ١٨٦.

(٢) في (ك) : يحيل.

(٣) زيادة من (ح) و (ك).

(٤) في (م) : قاعدة.

٢٧٣

لا تبطل ، لعدم نفوذ الإرث في المنفعة. وقال بعضهم (١) : تبطل ، لأنه يستوفي المنفعة الآن بملكه ، فاستغنى عن الإجارة ، فتنفسخ ، كما لو زوجه أمته ، فمات ، فورثها الزوج ، فإن النكاح يبطل.

قلنا : الفرق : أن مورد النكاح البضع ، وهو منفعة (لا يصح نقلها) (٢) بغير عقده الخاصّ ، وهو أضعف من عقد الإجارة ، بدليل عدم وجوب تسليمها نهارا فيه.

ويترتب على ذلك : ما لو ورثه اثنان ، فإن قلنا بالبطلان ، بطلت في حصته ، وله الخيار ، لتبعيض للصفقة ، فإن فسخ ، رجع بالنسبة إلى (٣) التركة ، وإن أجاز ، فنصف الأجرة دين في التركة ، فتسلم حصته بمنفعتها ، ونصيب شريكه مسلوب المنفعة ، فيرجح (٤) على شريكه ، فيرجع (٥) أخوه بقدر النقص حتى يساويه ، فلو لم يكن سوى العين المستأجرة أخذ منها بقدر ما تخلف له ، فيلزم انفساخ الأجرة فيه ، فيدور ، فيستخرج بطريقه. وكذا لو كان له مال غيرها لا يفي بالمرجوع (٦) به. مع احتمال عدم رجوع الأخ ، لاستناد النقص إلى فعل المورث في حال الحياة ، فلا حجر (٧) عليه فيه.

__________________

(١) هو وجه للحنابلة وللشافعية. انظر : ابن قدامة ـ المغني : ٥ ـ ٤٣٣ ، والعلامة الحلي ـ تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٣٢٩ ، وابن رجب ـ القواعد : ٤٤.

(٢) في (ح) : لا يصلح تعلقها.

(٣) في (ح) و (م) و (أ) : في.

(٤) في (ح) : فيرجع.

(٥) في (ك) و (م) و (أ) : فيرجح.

(٦) في (م) : بالمرجوح.

(٧) في (ك) : حرج.

٢٧٤

وحينئذ يحتمل إجراؤه مجرى الوصية ، فيكون بمثابة من أوصى بتخصيص أحد وراثه ، فينفذ من الثلث مع عدم الإجازة.

قاعدة ـ ٢٦٥

هل الطارئ في مدة الإجارة من الموانع كالمقارن في الإبطال (١)؟

يتضح ذلك بنصب مسائل :

الأولى : لو آجر الموقوف عليه مدة ، فمات في الأثناء ، فيه وجهان : بقاء الإجارة ، للزومها في الأصل ، كما لو آجر ملكه.

والأقرب البطلان ، لأن المنافع انتقلت إلى غيره بعد موته ، لا عنه ، بل كأنها عن الواقف ، فتبينا أنه تصرف فيما لا يملكه.

الثانية : لو استأجر مسلم دار حربي في دار الحرب ، ثمَّ غنمها المسلمون ، لم تبطل الإجارة ، لأن المنافع كالأعيان مملوكة تاما.

(ولو سبيت زوجته انفسخ النكاح في الحال ، على الأقرب ، لأن البضع مستباح ولا يملك ملكا تاما) (٢) ، ولهذا لا يضمن باليد المجردة ، بخلاف المنفعة. ويحتمل : التربص بالعدة ، رجاء لإسلامه وعتقها.

الثالثة : لو آجر الولي الطفل مدة ، فبلغ ورشد في الأثناء ، أو آجر ماله ، يحتمل البقاء ، لأن تصرفه كان للمصلحة ، فيلزم. وحينئذ هل له خيار الفسخ؟ نظر. ويحتمل البطلان ، لتبين (٣) خروج هذه

__________________

(١) في (م) و (أ) : البطلان.

(٢) سقط من (ح) و (م) و (أ) والمطبوعة.

(٣) في (م) : لتيقن.

٢٧٥

المدة عن الولاية ، وهو الأقرب. ومثله لو آجر مال المجنون ، فأفاق.

الرابعة : لو آجر أم ولده أو مدبرة ، ثمَّ مات ، فيه الوجهان.

الخامسة : لو آجر عبده ، ثمَّ أعتقه ، لا تبطل الإجارة ، لأن الإزالة هنا مستندة إلى السيد ، وقد كان تصرفه سابقا ، فلم يصادف العتق هذه المنافع. وحينئذ لا خيار له ، لأن السيد تصرف في ملكه ، فلا يعترض عليه ، ولا يرجع على السيد بالأجرة ، لمثل ما قلناه. وكما لو زوّج أمته ، واستقر المهر ، ثمَّ أعتقها.

قاعدة ـ ٢٦٦

كل ما جازت الإجارة عليه مع العلم تجوز الجعالة عليه مع الجهل ، وهل تجوز مع العلم؟ الأقرب الجواز بطريق الأولى.

قاعدة ـ ٢٦٧

لتعلق الوكالة ضابطان :

أحدهما : ما سلف (١).

والآخر : كل من صح منه (٢) المباشرة لشي‌ء صح منه التوكيل فيه ، وما لا تصح منه المباشرة يمنع التوكيل فيه.

__________________

(١) راجع قاعدة (٢٤٧) ص ٢٥١ ـ ٢٥٢.

(٢) في (ك) : عنه.

٢٧٦

وقد يتخلف (١) في صور (٢) :

(فمن الأول) (٣) : العبادات بأسرها إذا كانت بدنية ، وشبهها ، كالأيمان ، والنذور ، والإيلاء ، واللعان ، والقسامة ، وتحمل الشهادة وأدائها ، والظهار ، منجزا أو معلقا.

وفي الاحتياز والالتقاط ، وجهان مبنيان : على تملك المباحات بالحيازة ، أم بالنية.

و [ منه ] : تعيين المطلقة المبهمة ، والمعتق المبهم ، وتعيين المختارة من المسلمات. ولو عين واحدة ، ووكل في تعيينها للطلاق أو الاختيار ، فالأقرب الصحة والوكالة ، مع أنه لا يصح منه المباشرة ، إلا مع الاذن صريحا أو فحوى.

وكذلك العبد والسفيه إذا أذن لهما في النكاح ، باشرا ولم يوكلا ، لأنهما في معنى الوكيلين ، وإن كان مصلحة العقد تعود إليهما.

وفي الوصي خلاف ، والأقرب الجواز. والعبد المأذون ، كالوكيل.

أما لو وكل أحد المتعاقدين صرفا في القبض ، فإنه يصح ، ولكن يشترط قبضه في حضرة الموكل ، فلا يعد هذا من هذه المسائل.

وأما ما يجوز التوكيل فيه ولا تصح مباشرته ، فعزيز عندنا وقوعه ، لأنهم يذكرونه (٤) : في توكيل المرأة في عقد النكاح ، ولا يصح

__________________

(١) في (ك) و (م) و (ح) : يختلف.

(٢) انظر هذه الصور أيضا : في ـ الأشباه والنّظائر ، للسيوطي : ٤٩١ ـ ٤٩٢.

(٣) في (ك) : خمس ، وفي (ح) : خمس الأولى. وما أثبتناه هو الصواب.

(٤) انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٤٩٢.

٢٧٧

منها مباشرته. وكذا الأعمى في الشراء والبيع. والولي في القصاص ، حذرا من الزيادة في الواجب تشفيا. وفي الدور الحكمي ، كما إذا قال لزوجته : كلما طلقتك ثلاثا فأنت طالق قبله ثلاثا ، إذا قيل بلزوم الدور ، فإنه يمتنع عليه التطليق (١) إلا بالتوكيل فيه. وكذا لو قال لوكيله : كلما عزلتك فأنت وكيلي ، فليوكل في عزله.

وتوكل المرأة في توكيل رجل يلي عقد النكاح ، وإن لم يصح منها مباشرته. وقد يؤولون ما روي : من تزويج عائشة بنت أخيها عبد الرحمن في غيبته (٢) ، بجواز أن يكون أخوها وكّلها في أن توكل رجلا في تزويج ابنته (٣). أو وكل محل محرما في ان يوكل محلا في تزويج. وعلى هذا ، يجوز أن يوكل المسلم ذميا أن يوكل مسلما في شراء عبد مسلم أو مصحف ، أو وكل مسلم ذميا أن يوكل مسلما على مسلم.

وجميع هذه الصور ، إلا الثلاث الأخيرة ، عندنا باطلة ، وأما تلك فمحتملة.

قاعدة (٤) ـ ٢٦٨

يجوز أن تسلب مباشرة فعل عن نفسه ، مع جواز أن يكون وكيلا

__________________

(١) في (ك) و (ح) : التطابق. وما أثبتناه هو الصواب.

(٢) انظر : البيهقي ـ السنن الكبرى : ٧ ـ ١١٢.

(٣) أورد البيهقي تأويلا آخر ، وهو : أن عائشة مهدت تزويج بنت أخيها ، ثمَّ تولى عقد النكاح غيرها ، فأضيف التزويج إليها ، لإذنها في ذلك ، وتمهيد أسبابه. للسنن الكبرى : ٧ ـ ١١٢.

(٤) في (ح) و (م) : فائدة.

٢٧٨

فيه لغيره ، كالسفيه ، والمرتد ، وكالعبد في قبول النكاح لغيره أو إيجابه ، حيث لا ضرر على السيد فيه. وكذا (١) ذو الأربع ، لا يملك التزويج بخامسة ، ويتوكل لغيره في مطلق التزويج. وكذلك غير خائف العنت ، لا يعقد على الأمة لنفسه على قول (٢) ، ويجوز لغيره.

قاعدة ـ ٢٦٩

كل من قدر على إنشاء شي‌ء قدر على الإقرار به ، إلا في مسائل أشكلت ، وهي:

ولي المرأة الاختياري لا يقبل إقراره. وكذا قيل (٣) : في الوكيل إذا أقر بالبيع وقبض الثمن أو الشراء أو الطلاق أو الثمن أو الأجل. ولو أقرّ بالرجعة في العدة ، لا يقبل منه ، مع أنه قادر على الإنشاء. وقيل (٤) : يقبل.

وكذا كل من لا يقدر على إنشاء لا يقبل إقراره ، إلا : فيمن أقر على نفسه بالرق ، فإنه يقبل مع جهالة نسبه ، ولا يقدر على أن ينشئ في نفسه الرق.

وعندهم (٥) : المرأة تقر بالنكاح ، ولا تتمكن من إنشائه.

__________________

(١) زيادة من (ك).

(٢) انظر : الشيخ الطوسي ـ الخلاف : ٢ ـ ٦٧ ، والعلامة الجلي ـ مختلف الشيعة : ٥ ـ ١٤.

(٣) انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٤٩٢.

(٤) المصدر نفسه.

(٥) أي عند غير الإمامية. وقد ذكر هذين الفرعين السيوطي في الأشباه والنّظائر : ٤٩٣. وانظر أيضا : ابن عبد السلام ـ قواعد الأحكام : ٢ ـ ١٨٣ ـ ١٨٤.

٢٧٩

والقاضي المعزول إذا أقر : بأن ما في يد الأمين تسلمه مني وهو لفلان ، فقال الأمين : تسلمته منك ولكنه لغير فلان ، قبل

قول القاضي. وهذه يعايا بها (١) عندهم ، فيقال : رجل يده على مال لا يقبل إقراره ، ويقبل إقرار غير ذي اليد فيه.

ومسألة المرأة ، ممنوعة عندنا ، لأنها قادرة على الإنشاء. ومسألة القاضي مشكلة.

قاعدة ـ ٢٧٠

كل إقرار إنما يعمل فيه بالمتيقن ويطرح المشكوك فيه ـ كما لو أقر أنه وهبه وملكه ، ثمَّ أنكر القبض ، لإمكان توهمه ـ إلا : مع القرينة القوية ، كما لو أقر لمسجد أو لحمل ، وأطلق ، فإنه يحمل على الممكن. وكذا من أقر بدراهم وفسرها بالناقصة عن الشرعية ، إذا اتصل اللفظ ، وكذا بالناقصة عن وزن البلد ، مع الاتصال.

مسألة :

لو أقرّ لغيره بمال ، أمكن تنزيله على سبب يمنع من الرجوع ،

__________________

(١) في (ح) و (م) و (أ) : بغاياتها ، وما أثبتناه هو الصواب ، لأنه مأخوذ من المعاياة ، وهي : أن تأتي بشي‌ء لا يهتدى له : يقال : عييت بأمري ، إذا لم تهتد لوجهه. انظر : الجوهري الصحاح : ٦ ـ ٢٤٤٣ ، مادة (عبى) الطبعة الحديثة المحققة.

٢٨٠