القواعد والفوائد - ج ٢

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

القواعد والفوائد - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: السيّد عبد الهادي الحكيم
الموضوع : الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٥
الجزء ١ الجزء ٢

إذ لا شي‌ء يشار إليه لأحدهما حتى ينقل.

فإن عورض : بأن المتشبثين لو تنازعا في عين ، وأقاما بينة ، يقضى لكل واحد منهما بما في يد صاحبه.

أجيب : بنقل الكلام إليه ، وأنه مبني على ترجيح الخارج. وبأن يد كل واحد (١) منهما موردها غير يد الآخر ، فكأنه حكم بنزع يده وإثباتها على ما في يد الآخر ، فإن تخيل هذا فرقا ، وإلا منعنا حكم الأصل ، وقلنا : على تقدير تقديم بينة للداخل ، لا إشكال ، وعلى تقدير تقديم بينة (٢) الخارج ، هما متعارضتان ، فتساقطتا ، فاستقر يد كل واحد منهما على ما فيها.

قاعدة ـ ٢٤١

كل عقد تقاعد عن نفوذه في النقل والانتقال باطل (٣). ومن ثمَّ لم يصح بيع الحر ، ولا الشراء به ، وكذا كل ما لا يملك. وأم الولد. والوقف. ونكاح المحرم. والإجارة على العمل المحرم. وكذا المبيع المجهول ، (والثمن المجهول) (٤).

__________________

(١) زيادة من (أ).

(٢) زيادة من (أ).

(٣) عبر ابن عبد السلام في قواعده : ٢ ـ ١٤٣ ، والسيوطي في ـ الأشباه والنّظائر : ٣١٠ ، عن هذه القاعدة بـ (كل تصرف تقاعد عن تحصيل مقصوده فهو باطل).

(٤) زيادة من (ح) و (م).

٢٤١

قاعدة ـ ٢٤٢

كل عقد شرط فيه خلاف ما يقتضيه ، مع كونه ركنا من أركانه ، فإنه باطل ، كالبيع وتسليم المبيع إلى المشتري والثمن إلى البائع ، أو الانتفاع بأحدهما للمنتقل إليه (١).

وإن لم يكن من أركانه ولكنه من مكملاته ، كاشتراط نفي خيار المجلس والحيوان ، فعندنا يصح (٢) ، لأن لزوم العقود هو المقصود الأصلي والخيار عارض. ومنعه بعضهم (٣) ، لأن الغرض بإدخال الخيار هنا التروي ، واستدراك الفائتات ، فهو من مقاصد العقد ، فاشتراط الإخلال به إخلال بمقاصد العقد.

قلنا : هو مقصود بالقصد الثاني لا الأول.

ومثله : لو شرط رفع خيار العيب.

ولو شرطا (٤) رفع خيار للغبن ، أو خيار الرؤية ، أو خيار تأخير الثمن ، ففيه نظر.

قاعدة ـ ٢٤٣

الأصل في البيع اللزوم ، وكذا في سائر العقود. ويخرج عن الأصل في مواضع لعلل خارجة.

__________________

(١) هذه الأمثلة لشرط ما يقتضيه العقد.

(٢) انظر : العلامة الحلي ـ تذكرة الفقهاء : ١ ـ ٥١٧.

(٣) انظر : الشيرازي ـ المهذب : ١ ـ ٢٥٨ ، والسيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٣١٠.

(٤) في (ح) و (أ) : شرط.

٢٤٢

فالبيع يخرج إلى الفسخ أو الانفساخ بأمور (١) ، منها :

أقسام الخيار المشهورة. وخيار قوات شرط معين ، أو وصف معين. أو عروض الشركة قبل القبض. وتلف المبيع المعين ، أو الثمن المعين قبله ، أو في زمان الخيار ، إذا كان الخيار للمشتري وإن قبضه. والإقالة. والتحالف عند التخالف في تعيين المبيع ، أو تعيين الثمن ، أو تقديره على قول (٢). وتفريق الصفقة. والإخلال بالشرط. وخيار الرجوع عند الإفلاس.

وأما سائر العقود ، فمنها : ما هو لازم من طرفيه : كالنكاح ، والإجارة ، والوقف ، والصلح ، والمزارعة ، والمساقاة ، والهبة في بعض الصور ، والضمان بأقسامه إلا الكفالة ، وفي المسابقة قولان (٣).

ومنها : ما هو جائز من طرفيه ، وهو : الوديعة ، والعارية ، والقراض ، والشركة ، والوكالة ، والوصية ، والقرض ، والجعالة ، والهبة في بعض صورها ، لانتظام المصالح بجوازها ، وإلا لرغب عنها أكثر الناس ، للمشقة بلزومها.

ويلحق بالوكالة : ولاية القضاء والوقف والمصالح المعينة من قبل

__________________

(١) ذكر السيوطي نحوا من ثلاثين سببا ينفسخ بها البيع. انظر : الأشباه والنّظائر : ٣١٣.

(٢) انظر : الشيرازي ـ المهذب : ١ ـ ٢٩٣ ـ ٢٩٤ ، وابن جزي ـ قوانين الأحكام الشرعية : ٢٧٣.

(٣) فقيل هي كالإجارة ، فتكون لازمة من الطرفين ، وقيل هي كالجعالة فتكون جائزة من الطرفين. انظر : الشيخ الطوسي ـ الخلاف : ٢ ـ ٢١٤ ، والعلامة الحلي ـ مختلف الشيعة : ٣ ـ ٢٦ ، والسيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٣٠٠.

٢٤٣

القاضي.

وقيل (١) : لا يجوز عزل القاضي اقتراحا ، فيكون لازما من طرف. وأما عزل نفسه ، فجائز عند وجود من هو بالصفات ، لا عند عدمه.

ومنها : ما هو لازم من طرف وجائز من آخر ، وهو : الرهن ، وكفالة البدن ، وعقد الذّمّة والأمان ، قيل (٢) : والهبة من ذي الرحم ، أو مع القربة ، أو مع التعويض ، أو مع التصرف. ويظهر اللزوم من الطرفين ، إذ لا يجب على الواهب القبول بفسخ المتهب ، لأنه ملك جديد.

وأما الكتابة ، فقد قال ابن حمزة (٣) (٤) رحمه‌الله : بجوازها مشروطة من الطرفين ، ومطلقة من طرف العبد. والشيخ (٥) ، وابن

__________________

(١) قاله ابن عبد السلام في ـ قواعد الأحكام : ١ ـ ٨٠ ـ ٨١.

(٢) انظر : العلامة الحلي ـ تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٤١٨.

(٣) هو عماد الدين ، أبو جعفر ، محمد بن علي بن حمزة ، المشهدي ، الطوسي ، المعروف بابن حمزة. فقيه ، إمامي ، جليل القدر ، لم يعلم تاريخ مولده ووفاته ، ولكن يبدو من بعض القرائن أنه من أعلام القرن السادس الهجري له تصانيف في الفقه ، منها : الوسيلة إلى نيل الفضيلة ، والرائع في الشرائع. (القمي ـ الكنى والألقاب : ١ ـ ٢٦٢ ، والخوانساري ـ روضات الجنات : ٦ ـ ٢٦٢ ، وما بعدها (الطبعة الحروفية ، بقم ، إيران) ، والمامقاني ـ تنقيح المقال : ٣ ـ ١٥٦).

(٤) انظر : الوسيلة : ٦٨.

(٥) انظر : المبسوط : ٦ ـ ٩١.

٢٤٤

إدريس (١) : على لزوم المطلقة من الطرفين ، والمشروطة من طرف السيد. والفاضلان (٢) (٣) : على لزومهما من طرفيهما.

ومنها : ما يكون في مبدئه جائزا ثمَّ يؤول إلى اللزوم ، كالهبة بعد القبض ، وقبل أحد الأربعة السابقة (٤) ، والوصية قبل الموت والقبول ، وتلزم بعدهما (٥).

فوائد

الأولى

الأقرب : أن الخلاف في لزوم المسابقة والرماية وجوازهما مختص بغير المحلل ، إذ له الفسخ. ويحتمل طرده فيه.

الثانية

يدخل خيار الشرط في جميع العقود اللازمة ، إلا النكاح ، والوقف.

__________________

(١) انظر : السرائر : ٣٤٦.

(٢) يقصد بهما : المحقق الحلي : نجم الدين جعفر بن الحسن ، والعلامة الحلي : الحسن بن يوسف بن المطهر.

(٣) انظر : المحقق الحلي ـ شرائع الإسلام : ٣ ـ ١٢٥ ، والعلامة الحلي ـ قواعد الأحكام : ١٨٩ ، وتحرير الأحكام : ١ ـ ١٦٧ ، ومختلف الشيعة : ٥ ـ ٨٩.

(٤) وهي : هبة ذي الرحم ، ومع القربة ، والتعويض ، والتصرف.

(٥) انظر في هذه القاعدة أيضا : ابن عبد السلام ـ قواعد الأحكام : ٢ ـ ١٤٧ ـ ١٥٠ ، والسيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٣٠٠ ـ ٣٠١.

٢٤٥

وأما خيار المجلس (١) فيختص بالبيع وأقسامه. وليست الإجارة بيعا عندنا (٢).

وقد منع الشيخ (٣) من ثبوت خيار الشرط في الصرف ، محتجا بالإجماع.

ولا يدخل خيار التأخير في غير البيع.

أما خيار الغبن فيمكن إلحاقه بالصلح ، والإجارة ، وكذا خيار الرؤية ، بل وبالمزارعة ، والمساقاة.

وخيار العيب يدخل في الجميع.

أما الأرش فيختص بالبيع. ويحتمل دخوله في الصلح ، والإجارة.

الثالثة

قد يجعل خيار الشرط العقد لازما في وقت ، جائزا في آخر ، ثمَّ يلحقه اللزوم بعد ذلك ، كما إذا اشترط ردّ الثمن في أجل فإن ترك ، لزم البيع. وهذا جواز بين لزومين.

وقد يشترط الخيار شهرا بعد شهر العقد ، فإن الأقرب جوازه وهذا لزوم بين جوازين ، لأن خيار المجلس ثابت فيه ، ثمَّ يلزم العقد

__________________

(١) خيار المجلس عند المالكية وأبي حنيفة باطل ، ويلزم البيع بمجرد العقد ، تفرقا أم لا. انظر : القرافي ـ الفروق : ٣ ـ ٢٦٩.

(٢) وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الإجارة نوع من البيوع. انظر : الشافعي ـ الأم : ٣ ـ ٢٥١ ، وابن قدامة ـ المغني : ٥ ـ ٣٩٨ ، والعلامة الحلي ـ تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٢٩١.

(٣) المبسوط : ٢ ـ ٧٩.

٢٤٦

بعد التفرق (١) حتى يدخل الأجل المشروط.

الرابعة

لا يدخل الخيار في الإيقاعات بأقسامها ، إلا العتق على رواية (٢) ، والوقف على خلاف (٣).

قاعدة ـ ٢٤٤

كل عقد بيع فإنه يثبت فيه خيار المجلس وإن كان بيع الولي من المولى عليه ، على الأقرب. وكذا لو اشترى جمدا (٤) في الحر الشديد.

ووجه العدم : تلفه بمضي الزمان.

قلنا : التلف لا يمنع من نفوذ الخيار.

ولو اشترى من ينعتق عليه ، فكذلك. ويحتمل العدم ، لانعتاقه ، ففيم يفسخ؟ ويحتمل بناؤه على الملك ، فإن قلنا الملك في زمن الخيار للبائع ، ثبت الخيار قطعا ، ثمَّ ينعتق عليه (٥) بافتراقهما. وإن قلنا

__________________

(١) في (ك) : التصرف.

(٢) انظر : الحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ١٦ ـ ١٨ ، باب ١٢ من أبواب العتق ، حديث : ٣.

(٣) انظر : العلامة الحلي ـ مختلف الشيعة : ٤ ـ ٣٢.

(٤) الجمد : الثلج.

(٥) زيادة من (ح) و (أ).

٢٤٧

بالوقف ، فكذلك ، إلا (أنا نتبين) (١) بالافتراق أنه عتق بالشراء.

وإن قلنا بملك المشتري ، فلا خيار له بل للبائع. وحينئذ يتوقف الحكم بعتقه حتى يفترقا ، ثمَّ يتبين عتقه بالعقد. ويحتمل عتقه بالشراء.

وحينئذ هل ينقطع خيار البائع؟ نظر ، فإن قلنا ببقائه ، أغرمه القيمة.

ولو اشترى العبد نفسه من سيده ، وجوزناه ، فلا خيار له ، لأنه كالكتابة. وثبوته قويّ ، وينزل على ما تقدم.

ولو اشترى من أقرّ بحريته ، كان فداء من جهته ، وبيعا من جهة البائع ، فله الفسخ دون المشتري. ويحتمل ثبوت الخيار لهما ، بناء على صورة البيع.

قاعدة ـ ٢٤٥

ينقسم الخيار بحسب الفور والتراخي إلى أنواع ثلاثة :

الأول : ما هو على التراخي ، كخيار العيب ، وخيار الاشتراط (وخيار الشرط) (٢) ، وخيار الحيوان ، وخيار التأخير. وخيار المولى منها بين الصبر على الزوج وإلزامه بالفئة أو الطلاق. وخيار أحد الزوجين إذا طلق قبل الدخول ـ وقد زادت العين زيادة متصلة أو نقصت ـ بين أخذ نصف العين أو نصف القيمة في صورة النقيصة للزوج ، وبين دفع العين أو نصف القيمة للزوجة في صورة الزيادة. وخيار ولي الدم بين العضو والقصاص ، وبين أخذ الدية والعفو. وخيار الأمة إذا كانت تحت عبد وأسلمت وهو كافر ، ثمَّ عتقت في العدة ،

__________________

(١) في (ك) : أن يتبين.

(٢) زيادة ليست في (ك).

٢٤٨

(وكذا لو أسلم الزوج وهي كافرة ثمَّ عتقت في العدة) (١). وخيار المستأجر إذا تعيبت العين المستأجرة. وخيار المرأة عند إعسار الزوج بالنفقة. وخيار الفسخ عند التحالف ، إن قلنا بعدم الانفساخ به.

وخيار التصرية ، على الأقرب ، إلى ثلاثة أيام. وخيار (٢) الفسخ بالعنة إلا بعد السنة. وخيار المسلم عند انقطاع المسلم فيه ، على احتمال (٣).

الثاني : ما هو على الفور ، كخيار الغبن ، وخيار التدليس في البيع والنكاح ، وخيار العيب في الزوجين إلا العنة. وفي التحقيق : هو على الفور ، لأن محله بعد الثبوت ، ولا يكون إلا بعد انقضاء السنة. والأخذ بالشفعة على الأقوى. وعتق الأمة تحت عبد أو حرّ على المشهور (٤) ، إلا فيما ذكر (٥). وخيار الرؤية ، وتفريق

__________________

(١) زيادة من (ح) و (أ).

(٢) في (ح) : وكذا خيار.

(٣) هو الأصح عند الشافعية. انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٣١٦.

(٤) انظر : الشيخ الطوسي ـ النهاية : ٤٧٦ ، وابن إدريس : السرائر : ٣٠٣ ، وابن زهرة ـ الغنية : ٦٣ ، والعلامة الحلي ـ مختلف الشيعة : ٥ ـ ١٤.

(٥) وهو ما إذا كان له مائة دينار ، وأمة قيمتها مائة دينار ، فزوجها في حال مرضه بمائة دينار ، ثمَّ أعتقها ، لم يكن لها الفسخ قبل الدخول ، لأنها إذا فسخت سقط مهرها ، لأن الفسخ من جهتها ، وإذا سقط المهر عجز الثلث عن عتقها ، فسقط خيارها. فيؤدي إثبات الخيار إلى إسقاطه ، فسقط. انظر : الشيخ الطوسي ـ المبسوط : ٤ ـ ٢٥٨ ، والعلامة الحلي ـ قواعد الأحكام : ١٥٧ ، والشيرازي ـ المهذب : ٢ ـ ٥١.

٢٤٩

الصفقة ، وتجدد الشركة.

الثالث : ما فيه إشكال ، وهو خيار البائع في الرجوع في عين ماله بإفلاس المشتري ، وخيار التلقي. والأقرب الفورية فيهما (١).

قاعدة ـ ٢٤٦

كل خيار في عقد فإنه يزلزله. وهل تلحق أحكام العقد به حتى يجعل مدة الخيار كابتداء العقد؟

ظاهر كلام الشيخ (٢) ذلك. وهو من فروع وقت الانتقال ، فمن قال : بانقضاء (٣) الخيار ، فالعقد غير مستقل ، ولهذا جاز

الفسخ. ومن قال : بالعقد ، فقد تمَّ بالإيجاب والقبول.

وتظهر الفائدة في أمور :

الأول : لو زاد في الثمن أو نقص ، أو في الأجل أو في شرط الخيار ، اعتبر ذلك حتى على الشفيع ، وله.

الثاني : لو اقترن بالعقد شرط مفسد ، ثمَّ حذفاه في المجلس ، ففيه الوجهان ، والأقرب عدم الصحة بحذفه.

الثالث : لو لم يعينا أجلا في السلم وعيناه في المجلس ، ففيه الوجهان.

الرابع : لو باع الوكيل ، فحضر من يزيد في المجلس ، فإن

__________________

(١) وهو الأصح عند الشافعية. انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٣١٦.

(٢) انظر الخلاف : ١ ـ ١٩٥ ، والمبسوط : ٢ ـ ٨٤ ـ ٨٥.

(٣) في (م) زيادة : وقت.

٢٥٠

جعلنا الخيار كابتداء العقد ، انفسخ بنفسه ، وإلا وجب على الوكيل الفسخ. فإن لم يفسخ ، احتمل قويا الانفساخ ، لأنه تصرف على خلاف مصلحة الموكل. وكذا في خيار الشرط.

الخامس : لو دفع الغابن التفاوت ، فيه الوجهان.

السادس : لو أسلم إليه ما في ذمته إلى أجل فالأقوى البطلان.

ولو كان حالا ، فإن لم يقبض المسلم فيه قبل التفرق ، بطل ، لأنه بيع دين بدين ، وإن قبضه في المجلس ، فإن قلنا : كالعقد ، صح فكأنما (١) عقداه بعد القبض ، وإلا احتمل البطلان ، لأنه من القواعد المقررة : أن قبض المسلم فيه ليس شرطا (٢) في المجلس ، والعقد قد وقع على المسلم فيه ، فهو دين بدين يبطل ، فلا ينقلب صحيحا بالقبض في المجلس. ومثله بيع عين موصوفة بصفات السلم هل يشترط قبض ثمنها في المجلس ، أو يكفي قبض العين الموصوفة ، أو يبطل من أصله؟

وكذا لو باع الربوي بمثله موصوفين من غير أجل هل يبطل ، أو يصح مطلقا ، أو يراعى القبض في المجلس لهما جميعا أو لأحدهما؟

صرح متأخرو الأصحاب (٣) : أنه لا يشترط التقابض في المجلس إلا في الصرف. فحينئذ يزول بيع الدين بالدين بقبض أحدهما.

قاعدة ـ ٢٤٧

ضابط الوكالة بحسب المتعلق : أن كل فعل تعلق غرض الشارع

__________________

(١) في (ح) و (أ) : فكأنهما.

(٢) في (ح) و (م) و (أ) : بشرط.

(٣) انظر : العلامة الحلي ـ تحرير الأحكام : ١ ـ ١٧١.

٢٥١

بإيقاعه لا من مباشر بعينه ، يصح التوكيل فيه ، (١) (كالعقود كلها ، والفسوخ ، والعارية ، والإيداع ، والقبض والتقبض ، وأخذ الشفعة ، والإبراء ، وحفظ الأموال ، وقسمة الصدقة ، واستيفاء للقصاص والحدود ، وإثبات الحقوق ، وحدود الآدميين ، والطلاق ، الخلع ، والتدبير ، والدعاوي كلها) (٢).

(وما تعلق غرض الشارع بمباشرته ، فلا يصح ، كالقسم بين الزوجات ، وقضاء العدة ، والقاضي. أما العبادات ففيها تفصيل يأتي) (٣).

ولا ريب أن كل خيار يرجع إلى المصلحة ، لا يتعلق فيه الغرض بمباشر بعينه.

وأما الخيار العائد إلى الشهوة والإرادة ، فيحتمل أنه مما تعلق (٤) الغرض بإيقاعه من مباشر بعينه ، كخيار من أسلم على أزيد من أربع ، أو على الأختين ، فلا يصح فيه التوكيل. ويحتمل الجواز ، لأنه لا يزيد على التوكيل في التزويج.

وخيار الرؤية فيه تروع (٥) إلى كل واحد من القسمين. ولعلّ

__________________

(١) ذكر العلامة الحلي في ـ التذكرة : ٢ ـ ١١٧ ، ضابطا قريبا منه ، حيث قال (كل ما تعلق غرض الشارع بإيقاعه من المكلف مباشرة لم تصح فيه الوكالة. وأما ما لا يتعلق غرض الشارع بحصوله من مكلف معين ، بل غرضه حصوله مطلقا ، فإنه تصح فيه الوكالة).

(٢) زيادة من المطبوعة.

(٣) زيادة من المطبوعة.

(٤) في (ح) زيادة : فيه.

(٥) تروّع الشي‌ء رواعا : رجع.

٢٥٢

الأقرب جواز التوكيل فيه. ومن ثمَّ اختلف في جواز التوكيل في الإقرار (١).

ثمَّ هذا التوكيل ، تارة يجعل المشيئة إلى الوكيل ، فيكون كما لو شرط له الخيار في العقد ، والخطب (٢) فيه. أما لو عين له الجهة المختارة ، فالجواز أظهر ، بل يمكن أن يجعل بالتعيين مختارا لما عينه الموكل.

قاعدة ـ ٢٤٨

قضية الأمر الفور ، عند بعض الأصحاب (٣) ، وعند آخرين (٤) : صالح له وللتراخي وهنا أمور :

الأول : أداء الصلاة ، ويظهر من كلام بعض الأصحاب (٥)

__________________

(١) فذهب أبو حنيفة ، وبعض الشافعية ، والشيخ الطوسي إلى أنه جائز : ومنع منه أكثر الشافعية. (تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ١١٩)

(٢) في (ح) : الخطر.

(٣) انظر : الشيخ الطوسي ـ عدة الأصول : ١ ـ ٨٦ ، وابن زهرة ـ الغنية : ٣.

(٤) انظر : العلامة الحلي ـ تهذيب الأصول : ٢٢. (الطبعة الحجرية) ، ونهاية الوصول إلى علم الأصول : ٧٤ (مخطوط في مكتبة السيد الحكيم العامة في النجف ، برقم : ٨٧٨).

(٥) انظر : الشيخ المفيد ـ المقنعة : ١٤.

٢٥٣

أنه على الفور ، ولكنه يعفى عن ذنب (من أخّر) (١).

الثاني : قضاء الصلاة الفائتة ، والأكثرون على أنه (على الفور) (٢) ، سواء كان عمدا أو نسيانا ، لعذر ، أو لا ، اتحدت أو لا ، (٣).

والأقرب : التراخي.

الثالث : استتابة المرتد ، والمروي أنه إلى ثلاثة أيام (٤).

الرابع : دفع الزكاة والخمس والحج ، وكل حق لآدمي غير عالم به ، أو عالم مطالب ، على الفور.

الخامس : لو تحجر أرضا ، أو حفر معدنا ، ولما يتم ، يطالب بإتمام الإحياء ، أو رفع اليد. والأقرب : أنه ليس على الفور.

السادس : حق الاستمتاع للرجل إذا طالب به في موضع المطالبة ، على الفور. وهو داخل فيما سلف (٥). وكذا حقها منه في الأربعة الأشهر ، وحق القسم ، والنفقة. والبناء عليها (٦) لو طلبه أمهلت بقدر التنظيف والتهيئة لا غير.

السابع : نفي الولد ، قيل (٧) : على الفور. والأقرب التراخي ،

__________________

(١) في (ك) و (م) : آخر.

(٢) في (ح) و (م) و (أ) : للفور.

(٣) انظر : العلامة الحلي ـ مختلف الشيعة : ١ ـ ١٤٤.

(٤) انظر : الحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٥٤٧ ، باب ٣ من أبواب حد المرتد ، حديث : ٥ ، ٦.

(٥) أي في الأمر الرابع.

(٦) أي الدخول بها.

(٧) انظر : الشيرازي ـ المهذب : ٢ ـ ١٢٢ ، والسيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٥٠٦.

٢٥٤

فله نفيه ما لم يقرّ به.

الثامن : لو ذكر الشفيع غيبة الثمن ، أو المدعي غيبة البينة ، أجل ثلاثة أيام.

التاسع : لو سأل المولي والمظاهر الإنظار بعد انقضاء المدة لم ينظر ، إلا أن يذكر عذرا ، فيؤخر إلى انقضائه.

العاشر : إذا أعسر الزوج بالنفقة ، وقلنا لها الفسخ ، تقدم حكمه (١).

الحادي عشر : إذا سكت المدعى عليه عن الجواب ، قيل (٢) : ترد اليمين على المدعي في الحال ، أو يقضي بالنكول. وقيل (٣) : بل يقول له الحاكم ثلاثا.

الثاني عشر : المتهم بالدم ، قيل (٤) : يحبس ستة أيام.

الثالث عشر : إذا ردّت اليمين على المدعي ، وطلب الإمهال ، فالأقرب إجابته ، ولا تقدير لإمهاله.

__________________

(١) تقدم منه أنه على التراخي. راجع : ٢ ـ ٢٤٩.

(٢) انظر : ابن قدامة ـ المغني : ٩ ـ ٢٣٥ ، والمرغيناني ـ الهداية : ٣ ـ ١١٥.

(٣) انظر : الشيخ الطوسي ـ المبسوط : ٨ ـ ١٦٠ ، والعلامة الحلي ـ تحرير الأحكام : ٢ ـ ١٩٤ ، والشيرازي ـ المهذب : ٢ ـ ٣٠٣ ، والغزالي ـ الوجيز : ٢ ـ ١٦٠.

(٤) انظر : العلامة الحلي ـ تحرير الأحكام : ٢ ـ ٢٥٤. وقد تقدم منه في : ٢ ـ ١٩٣ ، اختياره.

٢٥٥

قاعدة ـ ٢٤٩

الأجل قسمان :

أحدهما : ما قدّر بأصل الشرع ، وهو : البلوغ ، والحمل ، والرضاع. ومدة الصلاحية للحيض ، ابتداء وانتهاء ، والعدة ، والاستبراء ، والهدنة (١) في بعض الصور ، وحول الزكاة ، والمكاسب في الخمس ، واللقطة ، وخيار المجلس ، وخيار التصرية ، ومدة مقام المسافر ، ومدة السفر الّذي يكون مسافة ، وأقل الحيض وأكثره ، وأكثر النفاس ، وأقل الطهر ، واستبراء الجلالة ، ومدة وطء الزوجة ، والإيلاء ، والظهار ، والعنة ، وانتظار عود السن والعقل ، واستتابة المرتد ، وثمن الشفيع ، والبينة كما مرّ (٢) ، وتغريب الزاني ، وتخصيص البكر والثيب ، ومطلق القسم ، واستيفاء دية العمد والخطأ والشبيه ، ومدة قضاء رمضان ، وأشهر الحج ، وصوم الكفارات ، وصوم شهر رمضان ، ومطلق الصوم ، ومدة الحضانة ، وطلب المفقود ، ومدة الجرح للشاهد (٣).

الثاني : ما قدره المكلفون ، وهو أقسام :

الأول : ما يصح ولا يجب ويشترط علمه ، وهو : أجل ثمن المبيع ، والرهن ، والضمان ـ والتقدير فيهما للإيفاء ـ والصداق ، والسكنى ، والحبس.

__________________

(١) في (ح) و (م) : والهدية. وقد ذكر السيوطي في ـ الأشباه والنّظائر : ٣٥٧ ، (الهدنة) مما قدره الشرع.

(٢) فقد قدرت بثلاثة أيام. راجع ص ٢٥٥.

(٣) زيادة من (أ).

٢٥٦

الثاني : ما يجب ويشترط تقديره ، وهو أجل المتعة ، والكتابة ، والسلم على خلاف (١) ، والإجارة الزمانية ، والمزارعة ، والمساقاة.

الثالث : ما لا يصح ، وهو النسيئة في الربوي ، والدين بمثله ، والقرض ، وتأجيل الانتقال في الأعيان ، مثل : بعتك الدار سنة.

الرابع : ما لا يدخل الأجل فيه ، فإن ذكر فيه مجهولا لم يؤثر ، وإن علم أثر ، وهو : في الوكالة ، والشركة ، والمضاربة.

والخامس : ما يصح معلوما ومجهولا ، وهو : (التقدير في الجزية) (٢) ، والعارية ، والوديعة. والجزية خاصة ، لاختصاصها بالرجال دون النساء.

قاعدة ـ ٢٥٠

كل دين حال لا يتأجل إلا في صور :

منها : اشتراط أجله في لازم (٣).

ومنها : الإيصاء بتأجيله ، كما يصح الإيصاء بإسقاطه.

ومنها : إذا ضمن الحال مؤجلا إلى مدة ، أو رهنه على دين وشرط بيعه واستيفاء ثمنه بعد مدة. وليس هذا من قبيل المشروط في اللازم ، إذ لا لزوم للرهن من جهة المرتهن.

ومنها : إذا نذر عند شرط أو تبرعا : أن لا يقبض دينه من فلان

__________________

(١) انظر : العلامة الحلي ـ مختلف الشيعة : ٢ ـ ١٨٦.

(٢) في (ك) : التقرير في الحرية. وما أثبتناه أصح على ما يبدو.

(٣) أي في عقد لازم.

٢٥٧

إلا بعد مدة معينة. وهذا ينحل بدفع المديون قبلها (١) (٢).

قاعدة ـ ٢٥١

كل شرط إما أن يقتضيه العقد ، أو لا ، والأول ، مؤكد. والثاني ، اما أن يكون مصلحة للبائع ، أو المشتري ، أولهما ، كشرط الرهن ، والضمين (٣) بالثمن ، والإشهاد ، أو يشترط كونه صانعا ، أو ضمان الدرك ، أو اشتراط الخيار لهما.

أو لا يكون من مصلحتهما ، فإما أن لا يتعلق به غرض ، كشرط أن لا يلبس الخزّ ، أو يصلي النوافل. أو لا يأكل اللحم ، فالشرط لاغ ، لأن فيه منعا عن المباح ، وإيجاب ما ليس بواجب. وهل يفسد العقد؟ فيه وجهان.

وإن تعلق به غرض لأحدهما ، فإما أن ينافي مقتضى العقد ، فيفسد ويفسد ، كشرط أن لا يبيع أو لا يطأ ، أو لا يقبض المبيع. إلا اشتراط العتق ، فإنه جائز ، لحديث بريرة (٤).

__________________

(١) في (م) زيادة : إن أبي الصبر.

(٢) ذكر بعض هذه الصور السيوطي في ـ الأشباه والنّظائر : ٣٥٧.

(٣) في (ك) و (ح) : الضمان.

(٤) فقد روي (أن بريرة كانت عند زوج لها ، وهي مملوكة ، فاشترتها عائشة ، فأعتقتها ، فخيرها رسول الله إن شاءت تقرّ عند زوجها ، وان شاءت فارقته. وكان مواليها الذين باعوها قد اشترطوا ولاءها على عائشة ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « الولاء لمن أعتق »). الحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ١٦ ـ ٤٠ ، باب ٣٧ من أبواب العتق ،

٢٥٨

وإما أن لا ينافي العقد ، كشرط خياطة ثوب ، وقرض مال ، فيصح عندنا.

والشرط في النكاح ينقسم هذه القسمة ، إلا أن شرط ما لا ينافي العقد ، كشرط عدم التزويج والتسري ، أو عدم الطلاق ، لا يبطل العقد قطعا ، وفي إبطاله المهر وجهان.

ولو شرط عدم الطلاق ، أو عدم الوطء ، أو البينونة بعد الوطء ، أو عددا معينا فيه (١) لا غيره ، بطل العقد.

ولو شرط الطلاق بعده ، فوجهان في العقد ، ويبطل الشرط قطعا.

وربما احتمل أن شرط عدد معين في الوطء إنما يبطل إذا كان المشترط الزوجة ، أما لو كان المشترط الزوج ، فإنه حق له ، فلا يبطل به.

وليس بشي‌ء ، لأن الوطء حق للزوجة أيضا في الوقت المعين.

أما لو شرط عليها أن لا يزيد على الواجب ، أمكن الصحة. وكذا لو شرطت عليه النقص عن الواجب.

ولو شرط أحدهما الزيادة على الواجب ، فان كان الزوج ، فهو لاغ ، وان كانت الزوجة ، فالأقرب أنه كذلك ، لأن الزائد حق له يصنع فيه ما شاء.

قاعدة ـ ٢٥٢

كل شرط تقدم العقد أو تأخّر عنه فلا أثر له. وقد يظهر أثره

__________________

حديث : ٢. وانظر أيضا : صحيح مسلم : ٢ ـ ١١٤١ ـ ١١٤٥ ، باب ٢ من كتاب العتق ، حديث : ٥ ، ٦ ، ٨ ، ١٠ ـ ١٢ ، ١٥.

(١) في (ح) و (أ) : منه ، وهي زيادة ليست في (م).

٢٥٩

في مواضع :

منها : لو تواطئا على شرط ، فنسياه حين العقد ، فالأقرب أن العقد باطل.

ومنها : ما لو شاهد القرية بجميع حدودها ومزارعها ، وساوم عليها كذلك ، ولم يذكره حال العقد ، فإنه ينصرف إليه. قاله بعض الأصحاب (١).

ومنها : بيع التلجئة ، وهو : المواطاة على صورة بيع ، ثمَّ يبيع وقد تواطئا على الفسخ ، ليمنع الظالم من استهلاك العين ، فإنه يحتمل التأثير ، وأن يكون العقد باطلا.

ومنها : كل اثنين تواطئا على صورة عقد وفي أنفسهما ، ردّه بعده ، وفي الأخبار ما يدل على بطلانه.

ومنها : التدليس قبل العقد في النكاح ، على قول (٢).

قاعدة ـ ٢٥٣

كل عقد على عوضين لا بد فيه من القبض في الجملة من الجانبين ، ولكن القبض في المجلس يختلف ، فهنا أنواع أربعة :

أولها : لا يشترط فيه ، وهو غالب العقود.

وثانيها : ما يشترط فيه قبض العوضين ، وهو الصرف. ولا يلحق به الطعام بالطعام وإن كانا موصوفين :

وثالثها : ما يشترط فيه قبض الثمن ، وهو السلم.

__________________

(١) انظر : العلامة الحلي ـ تذكرة الفقهاء : ١ ـ ٥٧٢.

(٢) قول للشافعية. انظر : الغزالي ـ الوجيز : ٢ ـ ١٢.

٢٦٠