القواعد والفوائد - ج ٢

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

القواعد والفوائد - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: السيّد عبد الهادي الحكيم
الموضوع : الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٥
الجزء ١ الجزء ٢

أو بالسعي إلى عرفة أو المشعر في وجه (١) ، أو فاقد الطهور.

ولا يؤخر لعذر من لا تنتهي النوبة إليه في البئر إلا في آخر الوقت ، أو النوبة في الثوب بين العراة ، أو المحبوس في بيت لا يمكن القيام فيه ، أو راكب سفينة لا يمكنه الخروج منها ، ولا المقيم العادم للماء ، بل يصلون في الوقت بحسب الحال (٢).

قاعدة ـ ٢٢٨

ضابط ما يشترط في إمام الصلاة : كماله ، وإيمانه ، وعدالته ، وطهارة مولده.

وباقي شرائطه إضافية ، كالقيام بالإضافة إلى القائمين ، والذكورة بالنسبة إلى الرّجال.

وينقسم الأئمة إلى أقسام سبعة (٣) :

الأول : من لا تجوز إمامته ، وهو : الصبي غير المميز ، والكافر ، والفاسق ، والمجنون ، والمحدث ، والجنب ، ونجس الثوب أو البدن مع إمكان الإزالة ، والحائض ، والنفساء ، والمستحاضة لا مع فعلها فرضها. وهذا مع علم المقتدي بحالهم ، فلو ظنّ الكمال ، أجزأت ، إلا في الجمعة إذا اعتبرنا كون الإمام من العدد ، أو كان تمام العدد به.

__________________

(١) رأي للشافعية. انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٤٦٣.

(٢) خلافا للشافعية ، حيث قالوا بجواز التأخير في هذه الأحوال ، انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٤٦٣.

(٣) قسم الشافعية الأئمة إلى ستة أقسام. انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٤٦٨.

٢٢١

الثاني : من تجوز إمامته لقبيل دون قبيل ، وهو الأمي ، واللاحن ، والخنثى ، والمرأة ، والمئوف اللسان ، والصبي المميز.

الثالث : من تجوز إمامته في صلاة دون صلاة ، وهو : العبد ، مستثنى منه الجمعة على قول (١) ، وكذا الأجذم ، والأبرص ، والمسافر على قول من لا يوجب على المسافر لو حضر الجمعة (٢).

الرابع : من تكره إمامته ، كالأجذم ، والأبرص ، والمتيمم بالمتطهرين ، والمسافر بالحاضرين ، ومن يكرهه المأموم.

الخامس : من تجوز إمامته مع أن غيره أفضل منه ، كالعبد ، والمبعض ، والمكاتب ، والمدبر ، والمكفوف ، ومراتب : الأقرإ والأفقه. إلى آخرها.

السادس : من تجب إمامته وتقديمه ، بمعنى تحريم تقديم غيره عليه ، وهو : إمام الأصل عليه‌السلام ، إلا لعذر.

السابع : من تستحب إمامته ، وهو ما عدا هذه الأقسام.

فائدة (٣)

كل واحدة من الصلوات الخمس لا بدل لها ، إلا الظهر ، فقد

__________________

(١) انظر : ابن قدامة ـ المغني : ٢ ـ ٣٤١ ، وابن جزي ـ قوانين الأحكام الشرعية : ٩٥ ، والسيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٤٦٨.

(٢) انظر : ابن قدامة ـ المغني : ٢ ـ ٣٤١ ، والسيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٤٦٨.

(٣) في (أ) و (م) : قاعدة.

٢٢٢

قيل (١) : الجمعة بدل منها ، فهي في المعنى ظهر مقصورة ، لمكان الخطبتين. وقيل (٢) : بل الجمعة صلاة على حالها ، وهو الأقرب.

وتظهر الفائدة : في عروض ما يمنع من إدراك ركعة ، مع تلبسه بها ، فعلى البدلية يتمها ظهرا. والأقرب اشتراط نية العدول ، كما يعدل المسافر من القصر إلى الإتمام (٣) وإن اتحد عين الصلاة ، إلا أن المسافر ينوي الإتمام ، وهذا يحتمل فيه ذلك ، ويحتمل أن يوجد (٤) العدول ليسري إلى أول الصلاة.

وعلى الاستقلال ، فلا ريب في عدم وقوعها ظهرا من غير نية.

وهل تقبل العدول؟ يحتمله ، كباقي الصلوات ، وعدمه ، لمخالفتها بالنوع ، وأنها قد حكم ببطلانها ، فكيف تنقلب صحيحة؟!

قاعدة ـ ٢٢٩

الأصل في الأسباب عدم تداخلها. وقد استثني منها مواضع :

منها : أسباب سجود السهو ، فحكم جماعة (٥) ـ منهم ابن

__________________

(١) انظر : النوويّ ـ المجموع : ٤ ـ ٥٣١ ، وابن رشد ـ بداية المجتهد : ١ ـ ١٥٢.

(٢) انظر : العلامة الحلي ـ تذكرة الفقهاء ١ ـ ١٤٣ ، والحصكفي ـ شرح الدر المختار : ١ ـ ١٧٤ ، والنوويّ ـ المجموع : ٤ ـ ٥٣١.

(٣) في (ح) و (م) و (أ) : التمام.

(٤) في (أ) : يوجب.

(٥) هو مذهب أكثر العلماء. انظر : النوويّ ـ المجموع : ٤ ـ ١٤٣ ، وابن قدامة ـ المغني : ٢ ـ ٣٩ ، والشيخ الطوسي ـ المبسوط : ١ ـ ١٢٣ ، وابن نجيم ـ الأشباه والنّظائر : ٣٧٣.

٢٢٣

الجنيد ـ (١) بتداخلها. ومع قوله (٢) بكونه : قبل التسليم للنقيصة (٣) ، يزول التداخل في صور ، الأولى : لو سجد للسهو للنقيصة ، ثمَّ سها بعده قبل التسليم ، أعاده ، كما لو تكلم بعده ناسيا ، إن قال بوجوب التسليم ، وكلامه فيه محتمل.

ويبعد هنا (كون السهو) (٤) للنقيصة ، لأنه لم يبق فعل يتصور فيه النقيصة ، وأن يكون قبل التسليم.

الثانية : لو سها للنقيصة ، ثمَّ سجد في صلاة القصر ، ثمَّ عنّ له المقام (٥) بعده ، فالظاهر أنه تصح النية ، لعدم التسليم والخروج من الصلاة. وحينئذ لو سها بعد ذلك ، سجد له. ويحتمل أيضا إعادة سجوده الأول ، لأنه لم يقع آخر الصلاة.

الثالثة : لو كانت الفريضة مسبوقة ، فعدل إلى السابقة بعد التشهد ، وكانت أزيد عددا منها ، ثمَّ سها ، فإنه يسجد. ويجي‌ء في الأول الإعادة أيضا. ويحتمل في الموضعين عدم العدول ، لأن سجود السهو حائل ، ويلزم (٦) زيادة صورة سجدتين متواليتين في الصلاة.

إلا أن نقول : إن (٧) المبطل زيادة الركن ، وهذا ليس بركن ،

__________________

(١) لم أعثر في حدود المصادر المتوفرة لدي على ما يثبت هذه النسبة.

(٢) أي قول ابن الجنيد.

(٣) انظر : العلامة الحلي ـ مختلف الشيعة : ١ ـ ١٤٢ (نقله عنه).

(٤) في (م) : كونه.

(٥) في (أ) التمام. وفي (م) : القيام.

(٦) في (م) : ولا يلزم.

(٧) زيادة من (ك).

٢٢٤

وإنما هو بصورته.

ويتفرع على اغتفار (١) هذا الزائد فروع :

أحدها : لو شك هل سها أم لا؟ فسجد جاهلا بالحكم ، ثمَّ علم في الصلاة ، فعلى القول بالاغتفار (٢) ينبغي أن يسجد ثانيا ، لأنه الآن قد زاد سجودا ، فيسجد له.

الثاني : لو ظن أنه سها ، فسجد (٣) ، ثمَّ تبين له بعده أنه لم يسه ، فالأقرب السجود حينئذ ، للزيادة. ويحتمل ضعيفا عدمه ، بناء على أن السجود كما جبر غيره يجبر نفسه.

الثالث : لو ظن أن سجوده بسبب نقيصة سجدة ، فسجد ، ثمَّ تبين له أن الفائت تشهد ـ مثلا ـ احتمل أنه لا يعيد ، لأن القصد جبر الخلل الواقع في الصلاة ، والتعيين لغو. واحتمل الإعادة ، لأنه لم يجبر ما يحتاج إلى الجبر. وهذا نظير الإشكال فيما إذا نوى رفع الحدث ، والواقع غيره ، غلطا.

قاعدة ـ ٢٣٠

الزكاة ، إما أن تتعلق بمال ، أولا ، والثاني زكاة الفطرة. والأول اما أن يكون تعلقها بعينه ، أو بماليته. والأول زكاة الأعيان. والثاني زكاة التجارة.

ثمَّ إما أن يعتبر فيها الحول ، أولا. والثاني اثنتان : زكاة الفطرة ، والغلات.

__________________

(١) في (ك) و (م) : اعتقاد.

(٢) في (ك) و (م) : اعتقاد.

(٣) في (ك) و (أ) و (م) : ثمَّ سجد.

٢٢٥

ثمَّ هي إما أن تتعلق بالعين ، أو بالذمة. والثاني زكاة الفطرة.

والأول ما عداها إلا في موضعين ، وهما : عند التفريط ، أو التمكن من الإخراج ، فتتعلق بالذمة.

وقد تصير الفطرة متعلقة بعين ، إذا عزلها عند عدم المستحق ، فلو تلفت حينئذ لا بتفريط ، فلا ضمان. وبالعزل أيضا تصير المتعلقة بالذمة من المالية متعلقة بالعين ، فلو فرط في المعزول تعلقت بالذمة.

وهكذا.

قاعدة ـ ٢٣١

كل ما يشترط فيه الحول لا بد من بقاء عينه ، فلو عوض بجنسه أو بغيره من الزكوي ، استؤنف ، إلا زكاة التجارة ، فإن الأقرب فيها البناء. أما لو اشترى بنقد ليس من مال التجارة ، فالأصح أنه لا بناء هنا.

قاعدة ـ ٢٣٢

لا تجتمع الزكاتان في عين واحدة ، للحديث (١). وقد يتخيل الاجتماع في مواضع (٢) :

__________________

(١) وهو قوله عليه الصلاة والسلام : (لا ثني في الصدقة) ـ والثني ـ بكسر التاء والقصر ـ الأمر يعاد مرتين. انظر : ابن الأثير ـ النهاية : ١ ـ ١٣٥ ، مادة (ثنا) ، والجوهري ـ الصحاح : ٦ ـ ٢٢٩٤ ، مادة (ثني) ، وابن سلام ـ غريب الحديث : ١ ـ ٩٨.

(٢) ذكر هذه المواضع السيوطي في ـ الأشباه والنّظائر : ٤٧١ ـ ٤٧٢.

٢٢٦

منها : العبد المتخذ للتجارة ، تجب فطرته وزكاة التجارة.

ومنها : من معه نصاب ، وعليه بقدره دين ، فإنه ، على القول بوجوب زكاة الدين على مؤخره ، تجب عليه الزكاة في النصاب ، وعلى المدين (١) (٢).

ومنها : زكاة الثمرة من نخل التجارة ، فإنه ، على القول بأن نتاج مال التجارة منها ، تتعلق الزكاة بالثمرة عينا وقيمة.

وعند التحقيق : ليس هذه (من الثني) (٣) في شي‌ء. أما الأول ، فلأن مورد زكاة الفطرة في ذمة السيد ، لا عين العبد. وأما الثاني ، فلأن مورد زكاة الدين ذمة المديون ، لا أعيان أمواله. وأما الثالث ، فلعدم اتحاد الوقت.

قاعدة ـ ٢٣٣

كلام الشيخ في المبسوط (٤) : أن كل من وجبت نفقته على الغير وجبت عليه فطرته ، إذا كان المنفق من أهل الوجوب.

__________________

(١) يقال : أدان فلان إدانة : إذا باع من القوم إلى أجل فصار له عليهم دين. انظر : الجوهري ـ الصحاح : ٥ ـ ٢١١٧ ، مادة (دين).

(٢) ذكر السيوطي هذا الموضع باللفظ التالي : (ومن اقترض نصابا : فأقام عنده حولا ، عليه زكاته وعلى مالكه). الأشباه والنّظائر : ٤٧٢.

(٣) في (ك) : العين. وفي (ح) : مستثنى من الثنيا.

(٤) ١ ـ ٢٣٩ ـ ٢٤٠.

٢٢٧

وهذا يخرج منه : المطلقة الحامل ، إن قلنا إن النفقة للحمل.

وفي الأجير الّذي اشترط النفقة على المستأجر. والعبد الموقوف على المسجد ، أو الرباط ، أو الثغر ، أو العبد الّذي لبيت المال ، فإن نفقتهم واجبة إما على جهات المسجد أو الثغر ، واما على بيت المال.

وفي الحقيقة ذلك للمسلمين ، (فإن النفقة) (١) في المعنى واجبة على المسلمين.

ولا فطرة للعبد المشترك بين جماعة ، عند بعض الأصحاب (٢). وقال آخرون (٣) : تجب بالحصص :

وربما لزم منه وجوب فطرة عبد المسجد في بيت المال ، بناء على أنه كمال المسلمين.

تنبيه :

ظاهر بعض الأصحاب اعتبار الإنفاق ، لا وجوب الإنفاق ، وهو اختيار الفاضل في المختلف (٤) ، فلو عصى بتركه ، أو تحملها (٥) عنه المنفق عليه ، سقط الوجوب.

فحينئذ تبقى القاعدة : كل من أنفق على غيره ، ووجبت فطرته عليه ، سواء كانت النفقة مستحقة أو مستحبة ، أو لا.

__________________

(١) في (ح) و (أ) و (م) : فالنفقة.

(٢) انظر : الصدوق ـ الهداية : ٥٢.

(٣) انظر : الشيخ الطوسي ـ المبسوط : ١ ـ ٢٤٠ ، والعلامة الحلي ـ قواعد الأحكام : ٢٣ ، وتحرير الأحكام : ١ ـ ٧١.

(٤) ٢ ـ ٢٣.

(٥) في (ح) و (م) : احتملها.

٢٢٨

وظاهر ابن إدريس (١) رحمه‌الله : أنها تجب بسبب الّذي من شأنه أن ينفق عليه ، وإن لم تجب : وقد يفهم هذا من كلام الشيخ في المبسوط (٢) ، لأنه أوجب فطرة الولد الصغير وإن كان موسرا ، محتجا بعموم قولهم عليهم‌السلام : يخرجها عن نفسه وولده (٣).

وابن إدريس (٤) يوجب فطرة الزوجة الناشزة ، والمستمتع بها ، عملا بقولهم عليهم‌السلام : والزوجة (٥).

فالقاعدة على هذا القول : كل من ينفق عليه ، أو دخل في مسمى من شأنه أن ينفق عليه ، تجب فطرته.

وأهلية الوجوب مراعاة في جميع هذه القواعد.

قاعدة ـ ٢٣٤

الإخلال بالفعل لا يستعقب القضاء إلا بأمر جديد. وقد نصّ على قضاء عبادات واستدراكها. ولكن يعرض ما يمنع من وجوبه في صور :

كمن فاته شهر رمضان لمرض استمر به إلى رمضان آخر ، فإنه

__________________

(١) السرائر : ١٠٤.

(٢) ١ ـ ٢٣٩.

(٣) انظر : الحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ٦ ـ ٢٢٨ ، باب ٥ من أبواب زكاة الفطرة ، حديث : ٤.

(٤) السرائر : ١٠٤.

(٥) انظر : الحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ٦ ـ ٢٢٧ ، باب ٥ من أبواب زكاة الفطرة ، حديث : ٣.

٢٢٩

لا قضاء عليه. وكذا الشيخان العاجزان ، وذو العطاش.

وكذا من نذر أن يصلي جميع الصلوات في أول أوقاتها ، فإنه لو أخل به ثمَّ صلى في آخر الوقت ، سقط القضاء.

ومن نذر صوم الدهر ، وفاته شي‌ء منه ، لا يقضي ، لعدم زمانه ، ولكن قيل (١) : يفدي عنه.

وكذا من نذر الحج في كل عام ، وفاته عام ، فإنه لا يقضي : ويمكن (٢) وجوب الاستئجار عنه.

وإذا دخل مكة بغير إحرام ، ناسيا أو متعمدا ، فإن الظاهر أنه لا يجب التدارك. ولو وجب ، فليس قضاء للأول ، بل هو واجب مستقل ، لأجل كونه الآن خارج الحرم.

ولو نذر أن يتصدق بما فضل عن قوته كل يوم ، ثمَّ فضلت فضلة ، فأتلفها ، فكل ما فضل بعدها في الأيام المستقبلة واجب عن يومه لا عن الغرم ، فإذا لم يكن له مال ، فات التدارك.

ولو نذر أن يعتق كل عبد يملكه ، فملك ولم (٣) يعتق حتى مات ، ففي وجوب الإعتاق ، نظر ، لأنهم انتقلوا إلى الوارث. إلا أن يقال : تعلق بهم وجوب الاعتكاف ، فلا يجري فيهم الإرث ، إلا مع الحجر ، كالمرهون ، وتركة المديون.

ومما لا يستدرك : نفقة القريب ، وإن قدرها الحاكم : وهذا داخل في القاعدة.

__________________

(١) انظر : النوويّ ـ المجموع : ٦ ـ ٣٩١ ، والقرافي ـ الفروق : ٣ ـ ٨١.

(٢) في (ح) : ويحتمل.

(٣) في (ح) : ولمّا.

٢٣٠

وكذا زكاة الفطرة ، إذا قلنا بعدم قضائها. وكذلك الجمعة ، والعيدان (١).

قاعدة ـ ٢٣٥

الأسباب بالنسبة إلى المسببات ، وحدة وكثرة ، أربعة أقسام :

اتحادهما ، وكثرتهما ، وتعدد السبب بالشخص واتحاد المسبب ، واتحاد السبب وتعدد المسبب ، فيكون الشي‌ء الواحد سببا في حكمين فصاعدا ، وهو كثير :

كتعمد الإفطار في نهار (٢) شهر رمضان يوجب : القضاء ، والكفارة ، والتعزير.

والحامل والمرضع : القضاء ، والفدية.

والسرقة : الغرم ، وللقطع.

والقذف لقريب المخاطب يوجب : الحد ، والتعزير :

وقتل الصيد المملوك : يوجب حق الله تعالى ، وحق المالك.

قاعدة ـ ٢٣٦

كل من تجاوز الميقات غير محرم ، مع كونه مخاطبا بالنسك ، يعود إليه ، مع التعمد ، ومع التعذر يبطل ، إلا في صورة ذكرها بعض الأصحاب (٣) وهو : النائب في الحج الّذي استربح العمرة : أنه

__________________

(١) انظر بعض هذه الصور في ـ الأشباه والنّظائر ، السيوطي : ٤٢٩ ـ ٤٣٠.

(٢) زيادة من (ك) و (ح).

(٣) انظر الشيخ الطوسي ـ المبسوط : ١ ـ ٣٢٣ ـ ٣٢٤ ، والعلامة الحلي ـ قواعد الأحكام : ٣٠ ، وتذكرة الفقهاء : ١ ـ ٣١٤ (وقد ذكر فيهما أنه يحرم من مكة مع تعذر الرجوع).

٢٣١

يحرم من أدنى الحل ويجزئه.

وفيها مناقشة مع التعمد ، لأن القاعدة كلية ، واستثناء هذه يحتاج إلى دليل.

فإن قيل : هذه من خصوصيات النائب. [ قلت ] (١) : فالمطالبة بالدليل باقية.

فائدة (٢)

للحرم حرمة متأكدة ، ظهر أثرها في مواضع :

وجوب الحج والعمرة إليه. وتحريم الصيد فيه ، وعضد شجره ، وإخراج المستأمن به. وتحريم دخوله بغير إحرام ، إلا في المتكرر ، وفي الناقص عن شهر. واختصاصه بمناسك الحج ، إلا وقوف عرفة. وتحريم دخوله على المشركين. وتحريم دفنهم فيه. واختصاصه بالنحر والذبح لما يجب بالإحرام. وتغليظ الدية على من قتل فيه خطأ. وتحريم لقطته إلا المنشد (٣) (٤). واختصاص مسجده بالمضاعفة في الصلاة إلى ما لا يساويه غيره. وأنه لا هدي على أهله

__________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) في (أ) و (م) : قاعدة.

(٣) في (أ) زيادة : محرم.

(٤) خلافا للحنفية ، فإن لقطته مساوية لغيره عندهم. (ابن نجيم ـ الأشباه والنّظائر : ٣٦٩).

٢٣٢

وإن تمتعوا ، في قول (١). واختصاصه بالاستقبال تبعا للكعبة الشريفة (٢).

قاعدة ـ ٢٣٧

ضابط النذر : كونه مقدورا للناذر ، وطاعة لله تعالى ، أو مباحا تساوى طرفاه أو رجح طرف الالتزام.

فنذر المعصية باطل ، وكذا فعل المكروه ، وترك المستحب ، وترك الواجب ، وكذا ترك مباح فعله أرجح ، وبالعكس.

وينعقد نذر فعل الواجب ، وترك الحرام. وفروض الكفايات أولى بالانعقاد.

وقد يباح بالنذر ما لولاه لم يبح ، كالإحرام قبل الميقات ، والصوم الواجب سفرا.

__________________

(١) انظر : الشيخ الطوسي ـ الخلاف : ١ ـ ١٦٠ ، والشيرازي ـ المهذب : ١ ـ ٢٠١.

(٢) انظر جملة من هذه المواضع في ـ قواعد الأحكام ، لابن عبد السلام : ١ ـ ٤٩ ، والأشباه والنّظائر للسيوطي : ٤٤٩ ـ ٤٥٠.

٢٣٣
٢٣٤

قواعد في العقود

٢٣٥
٢٣٦

قاعدة (١) ـ ٢٣٨

لا يجوز تعليق انعقاد العقود على شرط ، سواء كان مترقبا قطعا ، معلوم الوقوع ، وهو المعبر عنه بالصفة ، أو غير معلوم الوقت ، أو كان غير مقطوع الترقب ، إذا لم يعلم المتعاقدان وجوده ، مثل : إن كان وكيلي قد اشتراه فقد بعتكه بكذا ، أو : إن كان أبي قد مات فقد زوجتك أمته ، أو : إن كانت موكلتي قد انقضت عدتها فقد زوجتكها ، أو : إن كان أحد من نسائك الأربع مات فقد زوجتك ابنتي.

أما لو علما الوجود ، فإن العقد صحيح ولا شرط وإن كان بصورة التعليق ، ولا نظر إلى كونهما ينكرانه ، أو أحدهما ، إذا كان معلوما ، كإنكار الموكل الإذن في شراء شي‌ء معين ، أو بثمن معين.

ولو قال : بعتك بمائة إن شئت ، فهذا تعليق بما هو من قضاياه ، إذ لو لم يشأ لم يشتر.

ووجه المنع : النّظر إلى صورة التعليق.

ولا فرق بين تعليق العقد ، أو بعض أركانه ، مثل ، بعتك عبدي بمثل ما باع به فلان قريته (٢) ، وهما غير عالمين. وحمله على جواز الإهلال كإهلال الغير (٣) ، قياس من غير جامع.

__________________

(١) زيادة من (ك).

(٢) في (م) : فرسه.

(٣) والمراد به : أن يهل الحاج كإهلال غيره. وأصله : أن أمير المؤمنين علي عليه‌السلام حينما جاء من اليمن وأهل بالحج ، قال : (إهلال كإهلال نبيك). انظر : الشيخ الطوسي ـ المبسوط : ١ ـ ٣١٧.

٢٣٧

وكذا لو زوجه امرأة يشك أنها محرمة عليه (١) أو محللة ، فيظهر أنها محللة ، فإنه باطل ، لعدم الجزم حال العقد وإن ظهر حلها.

وكذا الإيقاعات كلها (٢) ، كما لو خالع امرأة ، أو طلقها ، وهو شاك في زوجيتها ، أو ولى نائب الإمام قاضيا لا يعلم أهليته ، وإن ظهرت الأهلية.

ويخرج من هذا : بيعه مال مورثه لظنه حياته فبان موته ، لأن الجزم هنا حاصل ، لكن خصوصية البائع غير معلومة. وإن قيل بالبطلان (٣) ، أمكن ، لعدم القصد إلى نقل ملكه.

وكذا لو زوج أمة أبيه فظهر ميتا.

أما لو باع صبرة بصيرة ، فظهر تماثلهما في القدر ، متجانسين ، أو متخالفين ، أو تخالفهما متخالفين ولم يتمانعا ، فإن الشيخ (٤) جوّزه.

والأقرب منعه ، للغرر الظاهر حال العقد.

قاعدة ـ ٢٣٩

يشترط كون المبيع معلوم : العين ، والقدر ، والصفة ، فلو قال : بعتك عبدا من عبدين ، بطل ، لأنه غرر يمكن اجتنابه بسهولة.

__________________

(١) في (م) و (أ) : له.

(٢) زيادة من (ح).

(٣) هو قول للشافعي ولبعض الحنابلة. انظر : النوويّ ـ المجموع : ٩ ـ ٢٦١ ، والرافعي ـ فتح العزيز ، بهامش المجموع : ٨ ـ ١٢٤ ، والمرداوي ـ الإنصاف : ٤ ـ ٢٨٦.

(٤) المبسوط : ٢ ـ ١١٩.

٢٣٨

واحترز به عن أس (١) الحائط ، فإنه وإن كان غررا ، إلا أنه لما شقّ الاطلاع عليه ، اكتفي فيه بالتبعية. ولأنه قد تصح الجهالة تبعا وإن لم تصح أصلا. ولأن العقد يحتاج إلى مورد يتأثر به في الحال ، كما في النكاح ، ولا تأثير هنا في الحال ، وخصوصا إذا قيل بالصحّة حين التعيين ، فيكون في معنى تعليق العقد ، وأنه باطل.

فان قلت : العتاق والطلاق يصحان مع الإبهام ، فلم لا يصح هنا؟

قلت : لأن فيهما معنى الفك والحل ، وتفويض التعيين إلى المباشر لا يلزم منه تنازع ، بخلاف صورة النزاع. ولأن الغرض في البيع الانتفاع بالمبيع عقيب العقد ، وهو غير ممكن هنا ، لتوقفه على التخيير.

وأيضا : فإن الشرع بعث لتتميم مكارم الأخلاق ، ومحاسن الخصال ، والعقلاء يختارون ثمَّ يعقدون غالبا.

واستنبط الشيخ رحمه‌الله في الخلاف (٢) من مسألة : بائع العبد ، فيدفع عبدين للتخيير ، جواز بيع عبد من عبدين. وهو بعيد ، أصالة ومأخذا ، أما أصالة فلما قلناه (٣) ، وأما مأخذا ، فلأنه لا تلازم بين انحصار الحق بعد البيع في عبدين وبين صحة إيراد العقد على عبد من عبدين.

قاعدة ـ ٢٤٠

يشترط كون المبيع مما يتموّل ، فلا يصح العقد على ما لا يتمول ، لعدم الانتفاع به ، كحبة دخن ، وكالخشار (٤) ، لأن بذل المال في

__________________

(١) الأس : أصل البناء ، وكل مبتدأ شي‌ء.

(٢) ١ ـ ١٩٨.

(٣) وهو ما ذكره قبل قليل من الوجوه.

(٤) الخشارة : ما يبقى على المائدة مما لا خير فيه. وكذلك الردي‌ء من كل شي‌ء. انظر : الجوهري ـ الصحاح : ٢ ـ ٦٤٥ ، مادة (خشر).

٢٣٩

مقابلتها سفه.

أما ما خرج عن التمول بكثرته ، كبيع الماء على شاطئ نهر ، والحجارة في جبل مملوء منها ، فصحيح ، لأنه منتفع به في الجملة.

وقد يتعلق الغرض بنفع البائع بالثمن بغير منة.

ولو باع جزءا مشاعا مما يملك بجزء مشاع مساو منه لآخر ، قيل (١) : يبطل ، لعدم الفائدة. وقيل (٢) : يصح. والفائدة في مواضع ، وهي :

أنه لو كان موهوبا ، لم يرجع فيه ، لأنه تصرف. ولو كان ذا خيار ، حصل به الفسخ أو الإجازة. وعدم رجوع البائع فيه إذا أفلس ، لأنه غير ماله. ولو كان صداقا لزوجته ، (ففعلت به) (٣) ذلك ، [ ثمَّ طلقها قبل الدخول ] (٤) ، رجع الزوج بقيمة نصفه ، لا به. ولو كان أجرة ، فانفسخت ، لم يرجع الموجر إلى تلك العين ، بل إلى بدله.

ولقائل أن يقول : هذا مبني على النقل والانتقال. وفيه ما فيه ،

__________________

(١) وجه للشافعية. انظر : النوويّ ـ المجموع : ٩ ـ ٢٥٧.

(٢) قاله العلامة الحلي : والشافعية على الأصح. انظر : العلامة الحلي ـ تذكرة الفقهاء : ١ ـ ٤٨٨ ، والنوويّ ـ المجموع : ٩ ـ ٢٥٧.

(٣) في (ك) : فغلب فيه.

(٤) زيادة يقتضيها السياق ، وقد ذكرها العلامة الحلي والنوويّ في نفس المصدرين السابقين.

٢٤٠