القواعد والفوائد - ج ٢

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

القواعد والفوائد - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: السيّد عبد الهادي الحكيم
الموضوع : الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٥
الجزء ١ الجزء ٢

والإعراض ، بالإثبات ، وإلى غيرها من الأحوال ، بالنفي. والأحوال أمور خارجة عن المدلول المطابقي ، مع أنها عارضة غير لازمة ، فإذا أثرت النية في العوارض ، ففي اللوازم بطريق الأولى.

ولقوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) (١) ، والمدلول المطابقي هنا متعذر ، لأن التحريم لا يتعلق بالأعيان ، إنما يتعلق بالأفعال المتعلقة بها ، وهي الأكل والانتفاع بالجلد ونحوه ، فقد قصد بالتحريم من غير لفظ يدل على ذلك ، بل لأدلة خارجة. فإن كانت هذه الأفعال لازمة ، فالمطلوب ، وإن كانت عارضة ، فبطريق الأولى ، لأن تصرّف النية في اللازم أقوى من تصرفها في العارض ، لأن اللازم يفهم من الملزوم ، بخلاف العارض.

ومنه : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الحديث القدسي : (ما ترددت في شي‌ء أنا فاعله كترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ، ولا يكون إلا ما أريد) (٢) فإن التردد على الله تعالى محال ، غير أنه لما جرت العادة أن يتردد من يعظم الشخص ويكرمه (٣) في مساءته ، نحو الولد (٤) والصديق ، وأن لا يتردد في

__________________

(١) المائدة : ٣.

(٢) أورده بهذا النص القرافي في ـ الفروق : ٣ ـ ٦٩. ورواه الطبرسي في ـ مكارم الأخلاق : ٢٩٨ بلفظ : (... وأنا أكره ...). والبخاري بلفظ : (ما ترددت عن شي‌ء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته). صحيح البخاري : ٤ ـ ١٢٩ ، كتاب الرقاق من باب التواضع. وأحمد في مسنده : ٦ ـ ٢٥٦ ، عن عائشة بلفظ آخر.

(٣) في (أ) و (ح) : ويكره. والظاهر أن الصواب ما أثبتناه.

(٤) في (ح) : الوالد.

١٨١

مساءة من لا يكرمه ولا يعظمه ، كالعدو ، والحية ، والعقرب ، بل إذا خطر بالبال مساءته ، أوقعها من غير تردد ، فصار التردد لا يقع إلا في موضع التعظيم والاهتمام ، وعدمه لا يقع إلا في مورد الاحتقار وعدم المبالاة.

فحينئذ دل الحديث على تعظيم الله تعالى للمؤمن ، وشرف منزلته عنده عزوجل فعبر باللفظ المركب عما يلزمه ، وليس مذكورا في اللفظ ، وإنما هو بالإرادة والقصد ، فكان معنى الحديث : منزلة عبدي المؤمن عظيمة ، ومرتبته رفيعة. فدل على تصرف النية في ذلك كله.

وقد أجاب بعض من عاصرناه عن هذا الحديث : بأن التردد إنما هو في الأسباب ، بمعنى أن الله تعالى يظهر للمؤمن أسبابا يغلب ظنه على دنو الوفاة ليصير على استعداد تام للآخرة ، ثمَّ يظهر له أسبابا تبسط في أمله ، فيرجع إلى عمارة الدنيا (١) بما لا بدّ منه.

ولما كانت هذه بصورة التردد ، أطلق عليها ذلك استعارة ، [ و ] إذ كان العبد المتعلق بتلك الأسباب بصورة المتردد ، أسند التردد إليه تعالى ، من حيث أنه فاعل للتردد في العبد.

وهو مأخوذ من كلام بعض القدماء الباحثين عن أسرار كلام الله تعالى : إن التردد في اختلاف الأحوال ، لا في مقدر الآجال.

وقيل (٢) : إنه تعالى لا يزال يورد على المؤمن سبب الموت حالا بعد حال ، ليؤثر المؤمن الموت ، فيقبضه مريدا له وإيراد تلك الأحوال المراد بها غاياتها ، من غير تعجيل بالغايات ، من القادر على التعجيل ،

__________________

(١) في (ح) و (أ) : دنياه.

(٢) قاله الخطابي. انظر : البيهقي ـ كتاب الأسماء والصفات : ٤٩٥.

١٨٢

يكون ترددا بالنسبة إلى قادري المخلوقين ، فهو بصورة المتردد وان لم يكن ثمَّ تردد.

ويؤيده الخبر المروي : أن إبراهيم عليه‌السلام لما أتاه بملك الموت ليقبض روحه ، وكره ذلك ، أخره الله تعالى إلى أن رأى شيخا هما يأكل ولعابه يسيل على لحيته ، فاستفظع ذلك وأحب الموت (١).

وكذلك موسى عليه‌السلام (٢).

قاعدة ـ ٢١٣

ثبت عندنا قولهم عليهم‌السلام : (كل أمر مجهول فيه القرعة) (٣) ، وذلك لأن فيها ـ عند تساوي الحقوق والمصالح ووقوع التنازع ـ دفعا للضغائن والأحقاد ، والرضا بما جرت به الإقدار ، وقضاء الملك الجبار.

ولا قرعة في الإمامة الكبرى ، لأنها عندنا بالنص. وقد تقدم ذكر مواردها (٤).

__________________

(١) انظر نصّ الخبر في ـ علل الشرائع ، للصدوق : ١ ـ ٣٨ ، وفيه : (أنه رأي شيخا كبيرا يأكل ويخرج منه ما يأكله ، فكره الحياة وأحب الموت).

(٢) انظر : الشيخ الصدوق ـ علل الشرائع : ١ ـ ٧٠ ، وصحيح مسلم : ٤ ـ ١٨٤٣ ، باب ٤٢ من كتاب الفضائل ، حديث : ١٥٨.

(٣) انظر : الحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٨٩ ، باب ١٣ من أبواب كيفية الحكم ، حديث : ١١ ، ١٨.

(٤) أي موارد القرعة راجع : ٢ ـ ٢٣.

١٨٣

وإنما روعيت في العبيد (١) ، ولم يشع (٢) العتق فيهم ، لوجوه :

الأول : ما روي : أن رجلا أعتق ستة مماليك له في مرضه لا مال به غيرهم ، فجزأهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأقرع بينهم ، فأعتق اثنين وأرق أربعة (٣).

الثاني : إجماع التابعين على ذلك مثل زين العابدين عليه‌السلام ، وقوله عندنا حجة ، وعمر بن عبد العزيز ، وخارجة بن زيد (٤) ، وأبان بن عثمان (٥) ، وابن سيرين (٦) ، وغيرهم ، ولم ينقل في

__________________

(١) فيما إذا أوصى بعتقهم أو بثلثهم في المرض ثمَّ مات ، ولم يحملهم الثلث ، فإنه يعتق مبلغ الثلث منهم بالقرعة. ولو لم يدع غيرهم عتق ثلثهم أيضا بالقرعة. (القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ١١١).

(٢) في (ك) و (م) : يسع.

(٣) انظر : سنن ابن ماجه : ٢ ـ ٧٨٥ ، باب ٢٠ من كتاب الأحكام ، حديث : ٢٣٤٥ ، والبيهقي ـ السنن الكبرى : ١٠ ـ ٢٨٥.

(٤) هو أبو زيد ، خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري ، من بني النجار ، أحد الفقهاء السبعة في المدينة ، ولد سنة ٢٩ ه‍ ، وتوفي بالمدينة سنة ٩٩ ه‍. (الزركلي ـ الأعلام : ٢ ـ ٣٣٢).

(٥) هو أبو سعيد ، أبان بن عثمان بن عفان الأموي ، من كبار التابعين ، ومن فقهاء المدينة. مات سنة ١٠٥ ه‍ في خلافة يزيد بن عبد الملك. (ابن حجر العسقلاني ـ تهذيب التهذيب : ١ ـ ٩٧).

(٦) هو أبو بكر ، محمد بن سيرين ، البصري ، الأنصاري ، من كبار الفقهاء بالبصرة وكانت له اليد الطولي في تعبير الرؤيا. ولد بالبصرة سنة ٣٣ ه‍ ، وتوفي فيها سنة ١١٠ ه‍. (الزركلي ـ الاعلام : ٧ ـ ٢٥).

١٨٤

عصرهم خلاف في (١) ذلك (٢).

الثالث : إن في الاستسعاء مشقة وضررا على العبد بالإلزام ، وعلى الوارث بتأخير الحق ، وتعجيل حقوق العبيد ، والأصول تقتضي تصرف الوارث في الثلاثين عند تصرف الموصى له في الثلث.

الرابع : أن المقصود من العتق تفرغ المعتق في الطاعات ، ووجوه الاكتساب ، وهو لا يحصل إلا بالإكمال (٣) ، والتجزئة تمنع ذلك في الحال ، وقد تستمر في المآل (٤).

احتجوا (٥) : بقوله عليه‌السلام : (لا عتق إلا فيما يملك ابن آدم) (٦) ، والمريض لا يملك سوى الثلث ، وهو شائع في الجميع ، فينفذ (٧) عتقه فيه.

والخبر (٨) : حكاية حال في عين لا عموم لها.

__________________

(١) زيادة من (ك).

(٢) انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ١١٢.

(٣) في (ح) و (أ) : بالكمال.

(٤) ذكر هذه الوجوه وغيرها القرافي في ـ الفروق : ٤ ـ ١١٢.

(٥) أي احتج من يذهب إلى أن القرعة لا تجوز فيما إذا أوصى بهم وإنما يعتق من كل واحد ثلثه ويستسعى في باقي قيمته للورثة حتى يؤديها فيعتق. وهو قول أبي حنيفة. انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ١١٢.

(٦) انظر : نفس المصدر السابق.

(٧) في (ح) : فيقدر ، وما أثبتناه مطابق لما في الفروق : ٤ ـ ١١٢.

(٨) أي الخبر المتقدم من أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : جزأ العبيد وأقرع بينهم.

١٨٥

واثنان (١) : يحتمل أن يكونا شائعين لا معينين ، لقضاء العادة باختلاف قيمة العبيد ، فيتعذر غالبا أن يكون اثنان معينان ثلث ماله.

ولأن القرعة على خلاف القرآن ، لأنها من الميسر ، وخلاف القواعد ، لأن فيه (٢) تحويل الحرية بالقرعة.

ولأنه لو أوصى بثلث كل واحد ، صح ، وحمل على الإشاعة ، فكذا إذا أطلق ، قياسا عليه وعلى حال الصحة.

ولأنه لو باع ثلث عبيده كان مشاعا ، والعتق أقوى من البيع ، لأن البيع يلحقه الفسخ ، والعتق لا يلحقه الفسخ ، فهو أولى بعدم القرعة ، لأن فيها تحويل العتق.

ولأنه لو كان مالكا لثلثهم ، فأعتقه ، لم يجمع ذلك في اثنين منهم ، والمريض لا يملك غير الثلث ، فلا يجمع في إعتاقه ، إذ لا فرق بين عدم الملك والمنع من التصرف.

ولأن مورد القرعة ما يجوز التراضي عليه ، لأنه الحرية حال الصحة لما لم يجز التراضي على انتقاضها ، لم تجز القرعة فيها ، والأموال يجوز التراضي فيها ، فتدخل فيها القرعة (٣).

وأجيب (٤) : بأن العتق لم يقع إلا فيما يملك ، لأن ملكه ينحصر في الاثنين.

والخبر في تمهيد قاعدة ، لقوله عليه‌السلام : (حكمي على الواحد

__________________

(١) الوارد في الخبر من أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : أعتق اثنين وأرق أربعة.

(٢) أي في الإقراع.

(٣) ذكر هذه الحجج القرافي في ـ الفروق : ٤ ـ ١١٢ ـ ١١٣.

(٤) أجاب بذلك القرافي في ـ الفروق : ٤ ـ ١١٣ ـ ١١٤.

١٨٦

حكمي على الجماعة) (١).

والحمل على اثنين شائعين باطل ، وإلا لم يكن للقرعة معنى ، واتفاق القيمة قد كان واقعا في تلك القضية.

وليست القرعة من المسير في شي‌ء ، لأنه قمار ، والقرعة ليست قمارا ، لإقراع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بين أزواجه (٢) ، واستعملت القرعة في الشرائع السالفة ، بدليل قوله تعالى (فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) (٣) ، وقوله تعالى (إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) (٤).

وليس هنا نقل الحرية وتحويلها ، لأن عتق المريض لا يستقر إلا بموته ، مع الشرائط ، ولهذا لو طرأ الدين المستوعب بطل ، وغير المستوعب يقدّم.

وفرق بين الوصية والبيع ، وبين العتق ، لأن الغرض من العتق التخليص للطاعة والتكسب ، والغرض من البيع والوصية التمليك ، وهو حاصل مع الإشاعة ، بخلاف العتق فإنه لا تحصل غايته إلا بتكميله (٥).

وقد قدمنا أنه لا تحويل في العتق.

والفرق بين مالك الثلث فقط وبين هذا : عدم التنازع فيه ، بخلاف

__________________

(١) انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ١١٣ ، والغزالي ـ المستصفى : ٢ ـ ٢٠ ، ٢٥ (الطبعة الأولى).

(٢) انظر : سنن ابن ماجه : ٢ ـ ١٨٦ ، باب ٢٠ من كتاب الأحكام ، حديث : ٢٣٤٧ ، والبيهقي ـ السنن الكبرى : ١٠ ـ ٢٨٧.

(٣) الصافات : ١٤١.

(٤) آل عمران : ٤٤.

(٥) في (ح) : بتمليكه. والصواب ما أثبتناه.

١٨٧

صورة الخلاف.

ولا نسلم أن العتق لا يجري فيه التراضي ، لأنه لو رضي الوارث بتنفيذ الوصية عتق الجميع.

قاعدة ـ ٢١٤

لا يكلف المدعي ببينة (١) في مواضع (٢).

دعوى الدم ، لتأيده باللوث.

واللعان ، لتعذر إقامة البينة هنا غالبا ، وتلطيخ الفراش بالأنساب ، والأنساب أمر مهم ، فاكتفي فيه بقول الزوج ، ليصون نفسه عن هذه الوصمة العظيمة. ولأن العادة درء الفاحشة عن الزوجة مهما أمكن ، فحيث أقدم على ذلك مع أيمانه ، قدّمه الشرع.

وتقديم قول الأمناء في دعوى التلف ، (لئلا يقل) (٣) قبول الأمانة ، مع إمساس الضرورة إليها ، سواء كانت أمانتهم من جهة مستحق الأمانة ، كالوديعة ، أو من قبل الشرع ، كالوصي ، والملتقط ، ومن ألقت الريح ثوبا إلى داره.

ويقبل قول الحكام في الأحكام ، والجرح والتعديل ، لئلا تفوت المصالح المترتبة على الولاية والحكم.

وتقديم يمين الغاصب في دعوى التلف ، للضرورة ، إذ لو لم تسمع ، لخلد في السجن ، فيستضر ، أو يطلق مع إلزام العين ، وهو متعذر

__________________

(١) في (ح) و (أ) : بينة.

(٢) انظرها في ـ الفروق : ٤ ـ ٧٦.

(٣) في (ح) و (أ) : لئلا يمتنعون من.

١٨٨

مع إنكاره ، أو لا مع إلزام العين ، فيضيع حق المالك.

ودعوى الودعي في الرد ، لئلا يزهد الناس في قبول الوديعة.

ودعوى من ثبت صدقه ، كالمعصومين. والكل محتاجون إلى اليمين إلا هذا.

قاعدة (١) ـ ٢١٥

إنما تجوز المقاصة ، أو أخذ العين المدعى بها ، مع قطع المدعي بالاستحقاق. فلو كان ظانا أو متهما ، لم يجز (٢). وكذا إن (٣) كانت المسألة من المختلف فيه ، والغريم مقلد ، كمن وهب منجزا في مرض موته ، ولا يخرج من ثلث ماله ، أو عليه دين مستوعب ، أو وهب ولم يقبض ، أو باع جزافا ، أو باع صرفا ، وافترقا قبل القبض.

نعم لو حكم له بذلك حاكم ، ترتب المقاصة والاستقلال بأخذ العين ، مع الشروط المعلومة.

ولا يجوز الاستقلال بالتعزير ، لأن تقديره منوط (٤) بنظر الحاكم.

ولو أدّى إلى انتهاك العرض ، وخوف سوء العاقبة ـ كما لو وجد عين ماله ، وخاف ان ينسب إلى السرقة بأخذها ، فعرّض نفسه لسوء القالة ، ووخامة العاقبة ـ أمكن القول بالتحريم

__________________

(١) في (ح) و (أ) و (م) : فائدة.

(٢) انظر هذه القاعدة في ـ الفروق : ٤ ـ ٧٦ ـ ٧٨.

(٣) في (أ) و (م) : إذا.

(٤) زيادة من (ح) و (أ).

١٨٩

أما الوديعة ، ففيها قولان (١) مستندان إلى روايتين ، وقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (أدّ الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك) (٢) ، وروي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال لهند (٣) (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) (٤) ومال الرّجل كالوديعة عند المرأة.

قاعدة ـ ٢١٦

اليد تقبل الشدة والضعف (٥) ، إذ هي عبارة عن القرب والاتصال ، فكلما زاد تأكدت (٦) اليد. فأبلغها ما قبض بيده ، ثمَّ ما عليه من الثياب والمنطقة والنعل ، ثمَّ البساط المبسط (٧) تحته ، أو (٨) الدّابّة

__________________

(١) ذهب مالك إلى القول بمنع المقاصة فيها ، وذهب الشافعي إلى جوازها. انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ٧٧ ـ ٧٨. كما اختار الشيخ الطوسي عدم جواز المقاصة هنا. انظر : الخلاف : ٢ ـ ٢٥٣.

(٢) انظر : صحيح الترمذي : ٣ ـ ٥٦٤ ، باب ٣٨ من كتاب البيوع ، حديث : ١٢٦٤ ، والحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ١٢ ـ ٢٠٢ ، باب ٨٣ من أبواب ما يكتسب به ، حديث : ٣.

(٣) هي هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان الأموي.

(٤) انظر : البيهقي ـ السنن الكبرى : ٧ ـ ٤٦٦.

(٥) انظر هذه القاعدة في ـ الفروق : ٤ ـ ٧٨ ، وقواعد الأحكام لا بن عبد السلام : ٢ ـ ١٤١.

(٦) في (م) : زادت.

(٧) زيادة من (ح) و (م).

(٨) في (ح) : ثمَّ. وما أثبتناه مطابق لما في الفروق.

١٩٠

تحته ، ثمَّ تحت حمله ، ثمَّ ما هو سائقها أو قائدها ، ثمَّ الدار التي هو ساكنها ، إذ هي دون الدّابّة ، لاستيلائه في الدّابّة على جميعها ، ثمَّ الملك الّذي يتصرف فيه.

ولو تنازع ذو يد ضعيفة وقوية ، كالراكب مع السائق أو قابض اللجام ، أو تنازع ذو الحمل مع غيره ، قدمنا ذا اليد القوية. ويمكن أن يقال : الترجيح هنا ليس بقوة اليد بل بإضافة التصرف إليها.

فرع :

لو كانت دابة في يد اثنين (ويد عبد) (١) أحدهما ، فهي نصفان مع التنازع ، ولا عبرة بيد العبد ، سواء كان مأذونا ، أولا : لأن الملك منتف عنه ، فالعبرة بيد المولى (٢).

فائدة

إذا دعي إلى الحاكم ، ويعلم براءة ذمته ، لا تجب الإجابة ، إلا أن يخاف فتنة. ولو كان المدعى به عينا ، وسلمها ، لم تجب الإجابة. وكذا لو كان معسرا ، وعلم أنه يحكم عليه يجوز ، بل ربما حرم ، كما في القصاص والحد ، لأنه تعريض بالنفس إلى الإتلاف.

__________________

(١) في (ك) : أو في يد عبد.

(٢) ذكر القرافي ما يشابه هذه المسألة عن كتاب (النوادر) ، وفرق فيها بين العبد المأذون بالتجارة وبين غيره ، فتقسم بينهم أثلاثا ، وإلا فنصفين. انظر : الفروق : ٤ ـ ٧٨.

١٩١

ولو كان الحق موقوفا على الحاكم ، كأجل المولي والمظاهر والعنين ، تخير الزوج بين الطلاق ، فتسقط الإجابة ، وبين الحضور.

أما الحكم المختلف فيه ، فتجب الإجابة إن دعاه الحاكم ، ولا تجب بدعاء الخصم.

ومن عليه دين أو عين ، وجب تسليمه إلى المدعي ، ولا يكلفه إثباته عند الحاكم ، لأن المطل ظلم ، والمحاكم ربما يسقط محله عند معامليه ، ويجلب إليه التهمة (١).

ولا يجب الترافع إلى الحاكم في النفقات (٢) ، إذ هي عندنا مقدرة بما يسد الخلة ، ولا عبرة بتقدير الحاكم فيها.

قاعدة ـ ٢١٧

ضابط الحبس : توقف استخراج الحق عليه. ويثبت في مواضع (٣) : الجاني ، إذا كان المجني عليه غائبا أو وليه ، حفظا لمحل القصاص. والممتنع من أداء الحق ، مع قدرته عليه.

__________________

(١) انظر هذه الفائدة في ـ الفروق : ٤ ـ ٧٨ ـ ٧٩ ، وقواعد الأحكام ، لابن عبد السلام : ٢ ـ ٣٠.

(٢) خلافا للمالكية ، حيث حكموا بوجوب الحضور فيها عند الحاكم ، لتقديرها إن كانت للأقارب ، وإن كانت للزوجة أو للرقيق يخير بين إبانة الزوجة وعتق الرقيق وبين الحضور. انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ٧٩.

(٣) انظر هذه المواضع في ـ الفروق : ٤ ـ ٧٩ ـ ٨٠ ، وقواعد الأحكام ،. لا بن عبد السلام : ١ ـ ١٨١.

١٩٢

والمشكل أمره في العسر واليسر ، إذا كانت الدعوى مالا ، أو علم له أصل مال ولم يثبت إعساره ، فيحبس ، ليعلم أحد الأمرين. والسارق بعد قطع يده ورجله في مرتين ، أو سرق ولا بد له ولا رجل.

قيل (١) (٢) : ومن امتنع من التصرف الواجب عليه الّذي لا تدخله النيابة ، كتعيين المختارة ، والمطلقة ، وتعيين المقرّ به من العينين أو الأعيان ، وقدر المقرّ به ، عينا أو ذمة ، وتعيين المقرّ له.

والمتهم بالدم ، ستة (٣) أيام.

فإن قلت : القواعد تقتضي ان العقوبة بقدر الجناية ، ومن امتنع عن أداء درهم ، حبس حتى يؤديه ، فربما طال الحبس ، وهذه عقوبة عظيمة في مقابلة جناية حقيرة.

قلت : لما استمر امتناعه ، قوبل بكل ساعة من ساعات الامتناع بساعة من ساعات الحبس. فهي جنايات متكررة وعقوبات متكررة (٤).

__________________

(١) زيادة من (ح) و (أ).

(٢) قاله ابن عبد السلام ، وتابعه عليه القرافي. انظر : قواعد الأحكام : ١ ـ ١١٨ ، والفروق : ٤ ـ ٨٠.

(٣) في (م) : ثلاثة. وما أثبتناه هو الصواب على ما يبدو ، لمطابقته لرواية السكوني ، عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام : (أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يحبس في التهمة [ أي في تهمة الدم ] سنة أيام ، فإن جاء الأولياء ببينة ، وإلا خلى سبيله) : ويبدو أن المصنف في اللمعة عمل بمضمونها. انظر : الشهيد الثاني ـ الروضة البهية : ٢ ـ ٣٤٠ ، الطبعة الحجرية (المتن).

(٤) أورد ابن عبد السلام والقرافي هذا السؤال ، وأجابا عنه بنحو ما ذكره المصنف. انظر : الفروق : ٤ ـ ٨٠ ، وقواعد الأحكام : ١ ـ ١١٨.

١٩٣

قاعدة ـ ٢١٨

كل من ادعى على غيره ، سمعت دعواه ، وطولب باليمين مع عدم البينة ، سواء علم بينهما خلطة ، أم لا ، لعموم قوله عليه‌السلام : (البينة على المدعي واليمين على من أنكر) (١). وقوله عليه‌السلام : (شاهداك أو يمينه) (٢). ولإمكان ثبوت الحقوق بدون الخلطة ، فاشتراطها يؤدي إلى ضياعها (٣). ولأنها واقعة تعمّ بها البلوى ، فلو كانت الخلطة شرطا ، لعلمت ونقلت. ولا يعارض : بها البلوى ، تكن شرطا لعلمت ، لأن النقل إنما يكون لما يخرج عن الأصل ، لا لما تقرر على الأصل.

احتج مشترط الخلطة (٤) : بأن بعض الرّواة (٥) أورد في الحديث

__________________

(١) انظر : البيهقي ـ السنن الكبرى : ١٠ ـ ٢٥٢.

(٢) انظر : صحيح مسلم : ١ ـ ١٢٣ ، باب ٦١ من أبواب الأيمان ، حديث : ٢٢١.

(٣) ذكر القرافي هذه الأدلة حجة لأبي حنيفة والشافعي القائلين بعدم اشتراط الخلطة (الفروق : ٤ ـ ٨١).

(٤) اشترط الخلطة فقهاء المالكية واحتجوا بما ذكره المصنف من الأدلة. انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ٨١ ـ ٨٢.

(٥) هو الفقيه المالكي سحنون عبد السلام بن سعيد التنوخي ، كما سيذكر المصنف بعد قليل ، وكما ذكر القرافي في نفس المصدر السابق.

١٩٤

بعد قوله : (... واليمين على من أنكر ، إذا كانت بينهما خلطة).

قلنا : هذه الزيادة لم تثبت ، كيف والحديث من المشاهير ، وليس فيه هذه الزيادة؟؟ وإنما هي شي‌ء اختص به مشترط الخلطة ، وهو سحنون (١).

وبما روي عن علي عليه‌السلام : (لا يعدّي الحاكم على الخصم إلا أن يعلم بينهما معاملة) (٢) ، ولم يرو مخالف ، فكان إجماعا.

قلنا : أهل بيته أعرف بأحواله ولم يذكروا هذا. ولو كان شرطا لذكر في كلها أو بعضها.

وبأنه لو لا ذلك لاجتراء السفهاء على ذوي المروّات والهيئات ، فادعوا عليهم بدعاوي (٣) فاضحات ، فإن أجابوا افتضحوا ، وإن صالحوا على مال ذهب مالهم (٤).

قلنا : القواعد الكلية لا تقدح فيها العوارض الجزئية ، وكم قد انقضت الأعصار ولم تحصل هذه الفروض.

__________________

(١) هو عبد السلام بن سعيد بن حبيب التنوخي ، الملقب بسحنون ، قاض ، فقيه انتهت إليه الرئاسة في العلم بالمغرب ، ولد في القيروان سنة ١٦٠ ه‍ ، وولي القضاء سنة ٢٣٤ ه‍ ، واستمر إلى أن مات سنة ٢٤٠ ه‍ (الزركلي ـ الأعلام : ٢ ـ ٥٢٠. المطبعة العربية بمصر ، سنة ١٣٤٦ ه‍).

(٢) انظر : الفروق : ٢ ـ ٨١.

(٣) في جميع النسخ المتوفرة لدي : بدعوى ، ويبدو أن الصواب ما أثبتناه.

(٤) انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ٨١.

١٩٥

قالوا : فعل عثمان ذلك وصالح بمال (١).

قلنا : فيه دليل على عدم اشتراط الخلطة.

ثمَّ نقول : يلزمكم الدور إن جعلتم القاعدة كلية ، لأنه لا يعدّي عليه حتى يعلم بينهما خلطة ، والخلطة لا تكاد تعلم إلا بالإثبات ، الموقوف على الدعوى ، الموقوف سماعها على تقديم الخلطة ، فيتوقف الشي‌ء على نفسه.

فإن قالوا : قد تعلم بإقرار الخصم (٢).

قلنا : حضور الخصم غير واجب لسماع هذه الدعوى ، فكيف يعلم إقراره؟؟

واستثنى بعضهم (٣) من اعتبار الخلطة مواضع : الصانع ، والمتهم بالسرقة ، والوديعة ، والعارية ، والقائل عند موته : لي عند فلان دين (٤).

وهذا كله تحكم.

قاعدة ـ ٢١٩

كل كافر لا تسمع شهادته ولو على مثله ، إلا في الوصية مع عدم

__________________

(١) انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ٨١.

(٢) انظر المصدر السابق نفسه.

(٣) هو أبو عمران المالكي. انظر المصدر السابق : ٤ ـ ٨٢.

(٤) في (ك) : عين. وما أثبتناه مطابق لما في الفروق.

١٩٦

عدول المسلمين ، للآية (١) ، على أحد قولي الشيخ (٢) ، وتجوز على القول الآخر (٣).

للأول (٤) : قوله تعالى (وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) (٥). وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (لا تقبل شهادة عدو على عدوه) (٦). ولأن شهادة الفاسق تستلزم ردّ شهادته ، وهو ثابت بقوله تعالى (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٧) ، وفي قوله (منكم) اشتراط الإسلام.

وعنه عليه‌السلام : (لا تقبل شهادة أهل دين على غير أهل دينه إلا المسلمين فإنهم عدول عليهم وعلى غيرهم) (٨).

ويشكل : بأن مفهومه قبول شهادتهم على أهل دينهم.

__________________

(١) وهي قوله تعالى (... أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ ...) المائدة : ١٠٦.

(٢) انظر : المبسوط : ٨ ـ ١٨٧.

(٣) انظر : النهاية : ٣٣٤.

(٤) أورد هذه الأدلة : القرافي في ـ الفروق : ٤ ـ ٨٥.

(٥) المائدة : ١٤.

(٦) أورده بهذا اللفظ القرافي في ـ الفروق : ٤ ـ ٨٥. وورد بمضمونه في ـ السنن الكبرى ، للبيهقي : ١٠ ـ ٢٠١.

(٧) الطلاق : ٢.

(٨) انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ٨٥. ورواه العلامة الحلي في ـ مختلف الشيعة : ٥ ـ ١٦١ ، والشيرازي في ـ المهذب : ٢ ـ ٣٢٤ (باختلاف بسيط). وروى البيهقي عدة أحاديث بهذا المضمون. انظر : السنن الكبرى : ١٠ ـ ١٦٣.

١٩٧

ولأن من لا تقبل شهادته على مسلم لا تقبل على غيره ، كالعبد ، عند بعض الأصحاب (١) ، وعند العامة (٢). وهو (٣) إلزام.

للآخر (٤) : آية المائدة (٥) ، وإذا قبلت شهادته على المسلمين فعلى أنفسهم أولى.

ولما ثبت : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رجم اليهودي واليهودية لما جاءت اليهود بهما وذكروا زناهما (٦). والظاهر أنه رجمهما بشهادتهم ، وقد روى الشعبي أنه عليه‌السلام قال : (إن شهد منكم أربعة رجمتهما) (٧).

__________________

(١) هو ابن أبي عقيل. انظر : العلامة الحلي ـ مختلف الشيعة : ٥ ـ ١٦٨.

(٢) عدم قبول شهادة العبد رأي أكثر العامة. وقد أجازه بعضهم ، كشريح ، وزرارة بن أوفى ، وابن المنذر ، والظاهرية. انظر : البيهقي ـ السنن الكبرى : ١٠ ـ ١٦١ ، وابن جزي ـ قوانين الأحكام الفقهية : ٢٣٥ ، والقرافي ـ الفروق : ٤ ـ ٨٥.

(٣) في (ح) و (أ) و (م) : وهذا.

(٤) أي للقول الآخر ، وهو ما ذهب إليه أيضا أبو حنيفة. انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ٨٥.

(٥) وهو قوله تعالى (أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ ...) آية : ١٠٦.

(٦) انظر : المتقي الهندي ـ كنز العمال : ٣ ـ ٩٢ ، حديث : ١٧٣٦ ، ١٧٣٧ ، ١٧٤٠.

(٧) انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ٨٥.

١٩٨

ولأن الكافر يزوج ابنته بالولاية ، ويؤتمن ، لآية القنطار (١) (٢).

ولما رواه سماعة عن الصادق عليه‌السلام في شهادة أهل الملة قال : (لا تجوز إلا على أهل ملتهم ، فان لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم في الوصية ، لأنه لا يصح (٣) ذهاب حق أحد) (٤).

ولرواية ضريس الكناسي ، عن الباقر عليه‌السلام ، في شهادة أهل الملة على غير أهل ملتهم ، فقال : (لا ، إلا ان لا يوجد في تلك الحال غيرهم ، فان لم يوجد غيرهم جازت شهادتهم في الوصية ، لأنه لا يصلح ذهاب حق امرئ مسلم ولا تبطل وصيته) (٥).

والجواب : الجواز في الوصية ، للضرورة ، كما أشار إليه الحديثان. ونقل : أن اليهوديين اعترفا بالزنا (٦). ونقل : أنه إنما رجمهما بالوحي ، لأن الرجم لم يكن حدا للمسلمين حينئذ ، والتوراة لا يجوز الاعتماد عليها ، لتحريفها (٧).

__________________

(١) وهي آية ٧٥ من سورة آل عمران (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ ...).

(٢) انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ٨٥ ـ ٨٦.

(٣) في الوسائل : ١٣ ـ ٣٩١ : لا يصلح.

(٤) انظر : الحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ١٣ ـ ٣٩١ ، باب ٢٠ من أبواب الوصايا ، حديث : ٥ ، وج ١٨ ـ ٢٨٧ ، باب ٤٠ من أبواب الشهادات ، حديث : ٤.

(٥) انظر : الحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ١٣ ـ ٣٩٠ ، باب ٢٠ من أبواب الوصايا ، حديث : ١.

(٦) انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ٨٦.

(٧) المصدر السابق : ٣ ـ ١٢٧ ، ٤ ـ ٨٦.

١٩٩

والفرق في الولاية : أن وازع الولاية طبيعي ، بخلاف الشهادة. فإن وازعها ديني (١).

وعن آية الأمانة : أنها لا تستلزم قبول الشهادة. مع أن فيها قولهم : (لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) (٢) ومن أين لنا أن هذين الشاهدين لا يقول هذا القول؟! ويعارض الجميع بقوله تعالى (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) (٣) ، وقوله تعالى (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ) (٤) (٥).

وفيه نظر ، لأن الاستواء غير حاصل على تقدير قبول شهادتهم على أهل الذّمّة ، لأن المسلم مقبول الشهادة على الإطلاق ، وشهادة هؤلاء مقصورة على أهل ملتهم.

وزعم بعض العامة (٦) : أن آية المائدة منسوخة بقوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٧).

ولم يثبت ، مع أن المائدة من آخر القرآن نزولا.

__________________

(١) المصدر السابق : ٤ ـ ٨٦.

(٢) آل عمران : ٧٥.

(٣) الحشر : ٢٠.

(٤) الجاثية : ٢١.

(٥) ذكر هذه المعارضة القرافي في ـ الفروق : ٤ ـ ٨٦.

(٦) هم المالكية. انظر : المصدر السابق نفسه.

(٧) الطلاق : ٢.

٢٠٠