القواعد والفوائد - ج ٢

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

القواعد والفوائد - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: السيّد عبد الهادي الحكيم
الموضوع : الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٥
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

٣
٤

قواعد الجنايات

وهي تسع

٥
٦

الأولى

ينقسم القتل بانقسام الأحكام الخمسة :

فالواجب : قتل الحربي إذا لم يسلم والذمي إذا لم يلتزم ولم يسلم والمرتد عن فطرة مطلقا ، وعن غيرها إذا أصر ، والمحارب إذا لم يتب قبل القدرة عليه ـ وفي اشتراط قتله الغير خلاف (١) والزاني المحصن ، والزاني بالإكراه ، وبالمحارم ، واللائط ، وأصحاب الكبائر بعد التعزيرات ، والترس إذا لم يمكن الفتح إلا بقتله (٢) ، وإن كانوا غير مستحقين لولاه.

والحرام : قتل المسلم بغير حق ، والذمي ، والمعاهد ، والمستأمن ، ونساء أهل الحرب وصبيانهم إلا مع الضرورة ، وقتل الأسير المأخوذ بعد انقضاء الحرب.

والمكروه : قتل الغازي أباه :

والمستحب : قتل الصائل (٣) إذا كان الدفع أولى من الاستسلام عندهم (٤). والأقرب وجوبه عندنا. ولو كان الدفاع عن بضع

__________________

(١) لم أعثر على من يقول بوجوب قتل المحارب إن لم يقتل ، وإنما هناك من يذهب إلى أن الإمام مخير فيه بين القتل والصلب والقطع والنفي. انظر : الشيخ الطوسي ـ الخلاف : ٢ ـ ١٨٨ ، والعلامة الحلي ـ مختلف الشيعة : ٥ ـ ٢٢٦ ـ ٢٢٧ ، وقواعد الأحكام : ٢٥١ ، وابن جزي ـ قوانين الأحكام الشرعية : ٣٩٢.

(٢) في (ك) : به.

(٣) في (ح) : المقاتل :

(٤) أي عند العامة. انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٤٤٦.

٧

محرم ، أو عن قتل مؤمن ظلما ، فهو واجب.

والمباح : القتل قصاصا. ولو خيف من استبقائه أذى أمكن جعله مستحبا. ومن المباح : من مات بالحد أو بالقصاص في الطرف.

أما قتل الخطأ ، فلا يوصف بشي‌ء من الأحكام ، لأنه ليس بمقصود (١).

وأما شبه العمد ، فقد يوصف بالحرمة فيما إذا ضربه عدوانا ، لا بقصد القتل ولا بما يقتل غالبا ، وقد لا يوصف ، كالضرب للتأديب.

على أن الضارب عدوانا الوصف في الحقيقة لضربه لا للقتل المتولد عنه.

الثانية

ينقسم للقتل باعتبار سببه إلى أقسام (٢) :

الأول : ما لا يوجب قصاصا ولا دية ولا كفارة ولا إثما ، وهو القتل الواجب والمباح ، إلا قتل المسلم حين الترس ، فإنه يجب به الكفارة.

الثاني : ما لا يوجب الثلاثة الأول ولكنه يأثم ، وهو قتل الأسير إذا عجز عن المشي ، وقتل الزاني المحصن وشبهه بغير إذن الإمام.

الثالث : ما يوجب القصاص والكفارة ، وهو قتل المكافئ من المسلمين عمدا عدوانا :

__________________

(١) انظر في هذه الأقسام : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٤٤٦ ـ ٤٤٧.

(٢) انظر بعض هذه الأقسام في ـ الأشباه والنّظائر ، للسيوطي : ٥١٢.

٨

الرابع : ما يوجب الدية والكفارة ، وهو شبه العمد ، والخطأ ، وقتل الوالد ولده.

الخامس : ما يوجب الدية ولا يوجب الكفارة ، وهو قتل الذمي.

السادس : ما يوجب الكفارة لا الدية ، وهو قتل عبد نفسه إذا كان مسلما ، وقتل الإنسان نفسه.

أما قتل الذمي المرتد ، فالأقرب أنه يوجب القصاص وحده ، لأنه معصوم الدم بالنسبة إليه.

الثالثة

يعتبر في القصاص نفسا وطرفا المماثلة ، لا من كل وجه ، بل في : الإسلام ، والحرية ، والكفر ، والرقيّة ، وفي العقل ، واعتبار الحرمة (١) ويمنع منه الأبوة (٢).

ولا يعتبر التساوي في الأوصاف العرضية ، كالعلم ، والجهل ، والقوة ، والضعف ، والسمن ، والهزال ، ونحوها ، وإلّا لا لانسد باب للقصاص ، ومن ثمَّ قتل الجماعة بالواحد ، واقتص من أطرافهم مع الرد ، عندنا ، جسما لتواطؤ الجماعة على قتل واحد أو قطع طرفه :

الرابعة

المشهور بين الأصحاب (٣) ، أن الواجب في قتل العمد بالأصالة القصاص ،

__________________

(١) في (أ) : الحرية.

(٢) انظر شروط القصاص في ـ قواعد الأحكام ، للعلامة الحلي : ٢٥٥.

(٣) انظر : الشيخ الطوسي ـ الخلاف : ٢ ـ ١٤٠ ، وابن

٩

وأن الدية لا تثبت إلا صلحا :

وقال ابن الجنيد (١) رحمه‌الله : لولي المقتول عمدا الخيار بين أن يستقيد ، أو يأخذ الدية ، أو يعفو. ويلوح ذلك من كلام ابن أبي عقيل (٢) رحمه‌الله.

وهذا يحتمل أمرين :

أحدهما : أن الواجب هو القصاص ، والدية بدل عنه ، لقوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) (٣).

والثاني : أن الواجب أحد الأمرين : من القصاص والدية ، وكل منهما أصل ، كالواجب المخير ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (فمن قتل له قتيل فهو (بخير النظرين) (٤) : إما يؤدى وإما يقاد) (٥).

ويتفرع فروع (٦) :

__________________

إدريس ـ السرائر : ٤١٤ ، والمحقق الحلي ـ شرائع الإسلام : ٤ ـ ٢٢٨ ، والعلامة الحلي ـ مختلف الشيعة : ٥ ـ ٢٣١.

(١) انظر : العلامة الحلي ـ مختلف الشيعة : ٥ ـ ٢٣١ (نقلا عنه).

(٢) انظر : المصدر السابق : ٥ ـ ٢٣٢ (نقلا عنه).

(٣) البقرة : ١٧٨.

(٤) في (ك) و (ح) و (أ) : مخبر بين أمرين ، وما أثبتناه من (م) وهو مطابق لما في البخاري.

(٥) انظر : صحيح البخاري : ٤ ـ ١٨٨ ، باب من قتل له قتيل فهو بخير النظرين ، من كتاب الدّيات ، حديث : ١.

(٦) هناك فروع ذكرها ابن رجب على هذين القولين. انظر : القواعد : ٣٢٨ ـ ٣٣٣ ، قاعدة ١٣٧.

١٠

الأول : إذا عفا الولي عن القود مطلقا ، فعلى المشهور يسقط القود والدية ، وعلى التفسير الثاني للقول الثاني تجب الدية ، وعلى التفسير الأول له يحتمل سقوط الدية ، لأن البدلية تتحقق باختياره ، ولم يذكرها. ويحتمل وجوبها ، لأن عفو المستحق كعفو الشارع ، فإن كل موضع عفا الشرع عن القصاص ، لعدم الكفاءة ، وجبت الدية.

الثاني : إذا قال : عفوت عما وجب لي بهذه الجناية ، أو عن حقي فيها ، أو عما أستحقه ، وشبهه ، فعلى المشهور سقطت المطالبة أصلا ورأسا ، وعلى الآخر (١) الأقرب ذلك أيضا ، لشمول اللفظ.

ويحتمل على التفسير الأول بقاء الدية ، لأنها إنما تجب إذا استبدل بها عن القود ، ولم يستبدل ، فهو كالعفو عما لم يجب.

الثالث : لو قال : عفوت عن القصاص والدية ، فهذا كالذي قبله ، وأولى في سقوطهما ، للتصريح. ويتوجه فيه الاحتمال الآخر (٢).

الرابع : لو قال : عفوت عن القصاص إلى الدية ، فعلى المشهور ، يعتبر رضا الجاني ، فإن رضي ، وإلا فالقصاص بحاله ، وعلى الآخر ، تجب الدية حتما.

الخامس : لو قال : عفوت عن الدية ، فعلى المشهور ، لا أثر لهذا العفو ، وعلى الآخر إن فسرنا بالبدلية ، صح العفو عن الدية ويبقى القصاص. فلو مات الجاني قبل القصاص والعفو عنه فهل للمستحق طلب الدية؟ يحتمل المنع ، لعفوه عنها ، والثبوت ، لفوات القصاص بغير اختياره فله بدله. وهذا يتوجه على القول المشهور

__________________

(١) في (ك) : الأخير.

(٢) أي احتمال كون العفو بالنسبة إلى الدية من قبيل إسقاط ما لم يجب.

١١

أيضا ، بمعنى أنه (١) إذا عفا عن الدية ، ثمَّ مات المقتول (٢) ، يرجع بها في تركته ، على ما قاله بعض الأصحاب (٣). ولكنهم لم يذكروا العفو عن الدية ، وهذا يبنى على أن العفو عن الدية لغو ، وأما لو قلنا هو مراعى ، صح العفو ، (إذ ينتقل) (٤) الحق إليه : وهو بعيد. وإن فسرنا القول الثاني بأحد الأمرين ، وقد عفا عن الدية ، فهل له الرجوع إليها ، والعفو عن القصاص؟ فيه احتمالان :

أحدهما ، وهو الأصح : المنع ، كما أنه لو عفا عن القصاص ، لم يكن له الرجوع إليه.

وثانيهما : الجواز ، لما فيه من استبقاء نفس الجاني ، والرفق به.

السادس : إذا عفا على مال من غير جنس الدية ، وشرط رضا الجاني ، فإن رضي ، فلا كلام على القول المشهور ، وأما على الآخر ، فعلى البدلية يثبت المال ، وعلى أحد الأمرين ، الأقرب ذلك أيضا.

السابع : لو قال : عفوت عنك ، وسكت ، فعلى المشهور وتفسير البدلية ، الأقرب صرفه إلى القصاص لأنه الواجب ، ويبقى في الدية ما سبق ، وعلى أحد الأمرين ، يمكن صرفه إلى القصاص ، إذ هو المعتاد في العفو ، واللائق به. والأقرب استفساره ، فأيهما قال ، بني عليه ، كما مر. وإن قال : لم أقصد شيئا ، احتمل الصرف إلى القصاص ، وأن يقال له : اصرف الآن إلى ما تشاء.

__________________

(١) زيادة من (أ) و (م).

(٢) في (أ) : القاتل. وما أثبتناه مطابق لما في قواعد العلامة الحلي.

(٣) انظر : العلامة الحلي ـ قواعد الأحكام : ٢٦٦.

(٤) في (ح) و (م) : إذا انتقل.

١٢

الثامن : لو قال : اخترت القصاص ، فعلى المشهور ، زاده تأكيدا ، وعلى البدلية ، له الرجوع إلى الدية لو عفا عن القصاص إليها. وعلى أحد الأمرين ، هل له الرجوع إلى الدية؟ هو كما لو صرح بالعفو عن الدية ، بل أولى بالرجوع.

التاسع : إذا عفا المفلس عن القصاص ، سقط : وأما الدية ، فعلى المشهور ، لا شي‌ء ، وعلى البدلية ، إن عفا على مال ثبت ، وتعلق به حق الغرماء. وإن عفا مطلقا ، أو على أن لا مال ، فان قلنا مطلق العفو يوجب الدية ، وجبت هنا عند الإطلاق. وأما العفو مع نفي المال ، فالأقرب صحته ، لأن طلب المال تكسب ، ولا يجب عليه التكسب على القول به. وأما على أحد الأمرين ، إذا عفا عن القصاص ، ثبتت الدية ، سواء صرّح بإثباتها ، أو نفيها ، أو أطلق.

العاشر : لو عفا الراهن عن الجاني عمدا على الرهن على غير مال ، فقضية كلام الأصحاب (١) صحة العفو. وقال الفاضل (٢) : هو كعفو المحجور ، يعني المفلّس ، وقد سبق تنزيله.

قيل : ويفترقان : بأن المفلس لا يكلف تعجيل القصاص أو العفو ليصرف المال إلى الغرماء ، لأن ذلك اكتساب ، وهو غير واجب عليه ، والراهن يجبر على القصاص أو العفو على مال ، ليكون المرتهن على تثبت من أمره.

ومنهم من بناه على : أن الواجب إن كان القود عينا ، لم يجبر ، وإن كان أحد الأمرين ، أجبر على (استيفاء ما شاء ، فلعله يختار استيفاء الدية) (٣) ، فتتعلق حقوق الغرماء بها. وربما احتمل أن

__________________

(١) انظر : الشيخ الطوسي ـ المبسوط : ٢ ـ ٢٢٩.

(٢) انظر : العلامة الحلي ـ قواعد الأحكام ٦٣.

(٣) في (م) : أحدهما ، فلعله يختار الدية.

١٣

يتعين عليه أخذ (١) الدية (٢) ، ليصرفها (في الدين) (٣).

الحادي عشر : لا ريب أن الصلح على أزيد من الدية ، من جنسها أو من غير جنسها ، جائز على القول المشهور ، وعلى البدلية وجهان : نعم ، لتعلقه باختيار المستحق ، فجازت الزيادة والنقيصة ، كعوض الخلع. والثاني : لا ، لأن العدول عن القصاص يوجب الدية ، فلا تجوز الزيادة عليها. وأما على أحد الأمرين ، فقد نطقوا (٤) بالمنع ، لأنه زيادة على القدر الواجب ، فكأنهم يجعلونه ربا. وهو مبني على اطراد الرّبا في المعاوضات.

تنبيهان :

الأول : إذا عفا الولي إلى الدية ، فهي دية المقتول لا للقاتل ، لأن العافي أحيا القاتل بإسقاط حقه من مورثه ، ومن أحيا غيره ببذل شي‌ء استحق بذل المبذول ، كمن أطعم مضطرا في مخمصة ، فإنه يستحق عليه بذل الطعام.

[ الثاني ] : ولو مات الجاني قبل العفو والقصاص ، أو قتل ظلما أو بحق ، وأوجبنا الدية في تركته ، فهي أيضا دية المقتول ، عندنا ، لا القاتل ، لأنه الفائت على الورثة بالأصالة.

__________________

(١) زيادة من (ح).

(٢) في (م) : أحدهما.

(٣) في (م) : إليهم.

(٤) في (ا) : قطعوا.

١٤

الخامسة (١)

قد يعرض ما يمنع من أخذ الدية ، كمن عفا عن القصاص إليها ، على المذهبين ، وله صور :

الأولى : لو قطع من الجاني ما فيه دينه ، كاليدين أو الرجلين ، قيل (٢) : يكون مضمونا عليه بالدية ، فليس له القصاص في النّفس حتى يؤدي إليه الدية. ولو عفا عن القصاص لم يكن له أخذ الدية ، لاستيفائه ما يوازيها.

الثانية : لو قطع يدي رجل فقطع يدي القاطع قصاصا ، ثمَّ سرى القطع في المقتص فمات ، فللولي قتل الجاني. ولو عفا لم يكن له دية ، لاستيفائه ما يقابلها (٣).

الثالثة : الصورة بحالها ولكنه أخذ دية اليدين ، ثمَّ سرت ، فللولي قتله قصاصا بجز الرقبة. ولو عفا فلا دية ، لأن الطرف تدخل في دية النّفس ، وقد استوفاها المجني عليه كاملة.

الرابعة : لو قطع ذمي يدي (٤) مسلم فاقتص منه ، ثمَّ سرت إلى المسلم فلوليه القصاص. وإن عفا إلى الدية ، فله دية تنقص

__________________

(١) في (ح) و (م) و (أ) : الثاني ، أي التنبيه الثاني ، وما أثبتناه من (ك) ، وهو الصواب ، لاتفاق كل النسخ على جعل القاعدة التي بعد هذه هي السادسة.

(٢) انظر : العلامة الحلي ـ قواعد الأحكام : ٢٦٦.

(٣) انظر : الشيخ الطوسي ـ المبسوط : ٧ ـ ٦٢.

(٤) في (م) و (ح) و (ك) : يد ، وما أثبتناه من (أ) ، وهو مطابق لما في المبسوط : ٧ ـ ٦٤.

١٥

عن (١) دية الذمي. وقال بعضهم (٢) : لا دية.

وبضعف : بعدم استيفاء ما قابل دية المسلم.

الخامسة : لو قطعت امرأة يدي رجل فاقتص منها ، ثمَّ (سرت إليها) (٣) ، (ثمَّ سرت إلى نفسه) (٤) ، فليس له مع العفو سوى نصف الدية (٥).

السادسة : لو قطع يديه ، فسرى إلى نفسه ، فقطع الولي يدي الجاني ، فلم يمت ، فله قتله ، تحقيقا للمماثلة (٦). فلو مات قبل جز الرقبة لم يؤخذ من تركته شي‌ء ، لأنه لما فات المحل ثبت له دية واحدة ، وقد استوفى ما قابلها.

وأورد المحقق نجم الدين (٧) (٨) رحمه‌الله على هذه الأحكام :

__________________

(١) زيادة من (أ).

(٢) انظر : الشيخ الطوسي ـ المبسوط : ٧ ـ ٦٤ (نقلا عن بعض الفقهاء).

(٣) في المبسوط للشيخ الطوسي : ٧ ـ ٦٤ : اندملت يداها.

(٤) زيادة من (ح) ، وهي مطابقة لما في المبسوط.

(٥) انظر : الشيخ الطوسي ـ المبسوط : ٧ ـ ٦٤ ـ ٦٥.

(٦) في (م) : المقابلة.

(٧) هو أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الحلي ، الشهير بالمحقق ، أو المحقق الحلي ، من أكابر علماء الإمامية ، له مصنفات جليلة في الفقه والأصول والكلام والمنطق منها : شرائع الإسلام ، ومعارج الأصول. ولد سنة ٦٠٢ ه‍ ، وتو في سنة ٦٧٦ ه‍. (القمي ـ الكنى والألقاب : ٣ ـ ١٣٣).

(٨) شرائع الإسلام : ٤ ـ ٢٣٢.

١٦

أن للنفس دية بانفرادها ، وما استوفى وقع قصاصا عن الجناية ، فلا يكون مانعا من القصاص ولا الدية.

السابعة : لو قطع يدي عبد يساوي ألف دينار ، ثمَّ أعتقه السيد ، ومات بالسراية ، فللورثة القصاص والعفو عنه مجانا ، لأن أرش الجناية كان في ملك السيد ، فيكون له ، ولا يمكن تعدده بتعدد المستحقين ، فليس لهم مال هنا أيضا.

السادسة

كل من لم يباشر القتل لم يقتص منه ، إلا في نحو : تقديم الطعام المسموم إلى الضيف ، وأمره بالأكل منه ، أو سكوته. وكذا لو دعاه إلى بئر لا يعلمها. وكذا لو شهدا عليه بالقتل ، فقتل ، ثمَّ رجعا وقالا : تعمدنا ، فإنه يقتص منهما. وكذا لو ثبت أنهما شهدا زورا وقالا : تعمدنا.

السابعة

اعتبر بعضهم (١) في القود : تكافؤ المجني عليه والجاني في جميع أزمنة الجرح إلى الموت ، فلو تخلل رده بين الإسلامين ، فلا قصاص ، لأنها شبهة.

وفصل الشيخ رحمه‌الله في المبسوط (٢) : بأنه إن كان لم تحصل

__________________

(١) انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٥١٢.

(٢) ٧ ـ ٢٦.

١٧

سراية في زمان الردة ، فالقود ، وإن حصلت ، فلا قود ، لأن وجوبه مستند إلى الجناية ، وكل السراية وبعضها هدر.

وقوّى المحقق نجم الدين (١) ، تبعا لابن الجنيد (٢) ، والشيخ في الخلاف (٣) ، ثبوت القصاص ، لأن الاعتبار في الجناية بحال استقرارها ، وهو حينئذ مسلم.

قلت : ربما حصلت المناقشة في التفصيل ، لأن أزمنة الجرح القاتل لا تنفك عن سراية غالبا وإن خفيت.

وكذا يعتبر في حل أكل الصيد ذلك ، حتى أو رمى إلى صيد ، ثمَّ ارتد ، ثمَّ أسلم ثمَّ أصابه ، لا يحل ، لأن الأصل في الميتات الحرمة.

وكذا في تحمل العاقلة يعتبر الطرفان والواسطة ، لأنها جارية على خلاف الأصل ، من حيث أنها مؤاخذة بجناية الغير ، فاحتيط فيها بطريق الأولى ، كما احتيط في القود (٤). وفيها الكلام السابق (٥) عن الشيخين (٦). وقطع المحقق (٧) بتضمين العاقلة ، ولم يفصل ، وكأنه أحاله على ما ذكره في العمد.

وقد قيل (٨) إذا رمى في حال إسلامه طائرا ، ثمَّ ارتد ، ثمَّ

__________________

(١) شرائع الإسلام : ٤ ـ ٢١٣.

(٢) انظر : العلامة الحلي ـ مختلف الشيعة : ٥ ـ ٢٦٨ (نقلا عنه).

(٣) ٢ ـ ١٣٧.

(٤) انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٥١٢.

(٥) في (ح) و (أ) و (م) : السالف.

(٦) أي كلام الشيخ الطوسي وابن الجنيد في مسألة القود.

(٧) شرائع الإسلام : ٤ ـ ٢٩٠.

(٨) انظر : المصدر السابق : ٤ ـ ٢٩٢.

١٨

أسلم ثمَّ أصاب السهم إنسانا ، أن الدية على عاقلته المسلمين ، ويكتفى بإسلامه في الطرفين. وهذا بناء على أن المرتد يرثه بيت المال ، وعندنا أن ميراثه لورثته المسلمين. فعلى هذا ، لو أصاب مرتدا لعقله المسلمون من أقربائه.

أما الدية ، فالاعتبار بها حال التلف ، فلو رمى حربيا أو مرتدا ، ثمَّ أسلم فأصابه السهم في حال إسلامه ، ووجبت الدية.

الثامنة

كل جناية تلزم جانيها ، إلا في : ضمان الخطأ على العاقلة ، وضمان جناية الصبي على الأنفس مطلقا ، لأن عمده خطأ. وقيل (١) : في الأعمى كذلك ، ولم يثبت. وإلا (٢) جناية الصبي على صيد في الإحرام ، أو فعل بعض محظوراته ، فإنه يلزم الولي (٣).

التاسعة

كل جناية لا مقدر لها ، ففيها الأرش ، تحقيقا ، كما في الرقيق ، وتقديرا ، كما في الحر.

والتقدير غالبا أنه يتبع العدد ، ففي جميع ما في البدن منه واحد ،

__________________

(١) انظر : الشيخ الطوسي ـ النهاية : ٧٦٠ ، والعلامة الحلي ـ مختلف الشيعة : ٥ ـ ٢٤٧ (نقلا عن ابني الجنيد والبراج).

(٢) في (أ) : وأما.

(٣) انظر هذه القاعدة أيضا في ـ الأشباه والنّظائر ، للسيوطي : ٥١٥.

١٩

عينا كان أو منفعة ، الدية ، وتوزع الدية على ما زاد بالسوية ، غالبا ، ففي الاثنين الدية ، وفي الثلاثة والأربعة والعشرة.

واستثني من الاثنين : الحاجبان والترقوتان. ومن العشرة : الأظفار.

وفي الشجاج في الرّأس ، والوجه ، من عشر الدية إلى ثلثها. وفي البدن ، بنسبتها إلى الرّأس.

وفي كسر عظم من عضو خمس دية العضو ، فان صلح بغير عيب ، فأربعة أخماس دية كسره. وفي موضحته ، ربع دية كسره. وفي رضه ، ثلث دية العضو ، فإن برئ بغير عيب ، فأربعة أخماس دية رضه. وفي فكّه من العضو ، بحيث يتعطل العضو ، ثلثا دية العضو ، فان صلح بغير عيب ، فأربعة أخماس دية فكّه.

وفي أحداث شلل في العضو ، ثلثا ديته. وفي قطع كل عضو أشل ، ثلث ديته : وفي الزائد ، ثلث دية الأصلي من الأسنان والأصابع.

٢٠