القواعد والفوائد - ج ٢

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

القواعد والفوائد - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: السيّد عبد الهادي الحكيم
الموضوع : الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٥
الجزء ١ الجزء ٢

لعكرمة بن أبي جهل (١) لما قدم من اليمن فرحا بقدومه (٢).

فإن قلت : قد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (من أحب أن يتمثل (الناس له) (٣) قياما فليتبوأ مقعده من النار) (٤).

ونقل : أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يكره أن يقام له ، فكانوا إذا قدم لا يقومون ، لعلمهم كراهته ذلك ، فإذا فارقهم قاموا حتى يدخل منزله ، لما يلزمهم من تعظيمه (٥).

قلت : تمثل الرّجال قياما هو ما يصنعه الجبابرة من إلزامهم الناس بالقيام في حال قعود هم إلى أن ينقضي مجلسهم ، لا هذا القيام المخصوص

__________________

(١) هو أبو عثمان عكرمة بن أبي جهل القرشي المخزومي ، كان شديد العداوة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو أحد الأربعة الذين أباح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دماءهم ، ففر وركب البحر ، فأصابتهم عاصفة ، فعاهد ربه أن يأتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويبايعه إن أنجاه الله تعالى ، فنجا ، وأتى ، وأسلم فقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فاعتنقه وقال : (مرحبا بالراكب المهاجر). قيل : قتل يوم اليرموك في خلافة عمر. (المامقاني ـ تنقيح المقال : ٢ ـ ٢٥٦).

(٢) انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ٢٥٢.

(٣) في (ك) و (أ) و (م) : للنساء أو للرجال. وما أثبتناه من (ح) ، وهو مطابق لما في سنن أبي داود.

(٤) انظر : سنن أبي داود : ٢. ٦٤٨. ولكنه ورد بلفظ : (أن يمثل). وأورده القرافي في ـ الفروق : ٤ ـ ٢٥٢ ، بلفظ : (من أحب أن يتمثل له الناس أو الرّجال قياما ...).

(٥) انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ٢٥٢ ، والمتقي الهندي ـ كنز العمال : ٤ ـ ٤٣ ، حديث : ٩٦٧.

١٦١

القصير زمانه. سلمنا ، لكن يحمل على من أراد ذلك تجبرا وعلوا على الناس ، فيؤاخذ (١) من لا يقوم له بالعقوبة. أما من يريده لدفع الإهانة عنه ، والنقيصة به ، فلا حرج عليه ، لأن دفع الضرر عن النّفس واجب. وأما كراهيته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتواضع لله ، وتخفيف على أصحابه. وكذا نقول : ينبغي للمؤمن أن لا يحب ذلك ، وأن يؤاخذ نفسه بمحبة تركه إذا مالت إليه. ولأن الصحابة كانوا يقومون ـ كما في الحديث ـ ويبعد عدم علمه بهم ، مع أن فعلهم يدل على تسويغ ذلك.

وأما المصافحة ، فثابتة من السنة (٢). وكذا تقبيل موضع السجود (٣). وأما تقبيل اليد ، فقد ورد أيضا في الخبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إذا تلاقى الرجلان فتصافحا ، تحاتت ذنوبهما ، وكان أقربهما إلى الله أكثرهما بشرا) (٤). وفي الكافي (٥) للكليني (٦)

__________________

(١) في (أ) و (م) : فيأخذ.

(٢) انظر : سنن ابن ماجه : ٢ ـ ١٢٢٠ ، باب ١٥ من كتاب الأدب ، حديث : ٣٧٠٢ ـ ٣٧٠٣ ، والكليني ـ الكافي : ٢ ـ ١٧٩ ، باب المصافحة.

(٣) انظر : الفيض الكاشاني ـ الوافي : المجلد : ١ ، ج ٣ ـ ١١١ ، باب المعانقة والتقبيل.

(٤) انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ٢٥٢.

(٥) انظر : ٢ ـ ١٧٩ ـ ١٨٦.

(٦) هو الشيخ أبو جعفر محمد بن إسحاق الكليني الرازي الملقب (بثقة الإسلام) شيخ علماء الإمامية في عصره ووجههم. عدّ من مجددي المذهب على رأس المائة الثالثة. له كتاب : الرد على القرامطة ، وكتاب رسائل الأئمة عليهم‌السلام ، وكتاب الكافي في الحديث ، توفي ببغداد سنة ٣٢٩ ه‍ (القمي ـ الكنى والألقاب : ٣ ـ ١٠٣ ـ ١٠٤).

١٦٢

رحمه‌الله في هذه المقامات أخبار متكثرة.

وأما المعانقة ، فجائزة أيضا ، لما ثبت من معانقة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جعفرا (١). واختصاصه به غير معلوم. وفي الحديث : أنه قبل بين عيني جعفر عليه‌السلام مع (٢) المعانقة (٣).

وأما تقبيل المحارم على الوجه ، فجائز ، ما لم يكن لريبة أو تلذذ.

قاعدة ـ ٢١٠

اليمين لغة (٤) : يطلق على ثلاثة معان : الجارحة :. والقوة والقدرة ، ومنه (وَالسَّماواتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ) (٥). والحلف المطلق. وقوله تعالى (فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ) (٦) يحتمل الأوجه الثلاثة.

وأما عرفا : فلها معنيان :

__________________

(١) انظر : سنن أبي داود : ٢ ـ ٦٤٦.

(٢) في (ح) : في.

(٣) انظر : سنن أبي داود : ٢ ـ ٦٤٦ ، والشيخ الصدوق ـ الهداية : ٣٦.

(٤) انظر : ابن منظور ـ لسان العرب : ١٣ ـ ٤٥٩ ، مادة (يمن).

(٥) الزمر : ٦٧.

(٦) الصافات : ٩٣.

١٦٣

أشهرهما : الحلف بالله وبأسمائه ، لتحقيق ما يمكن فيه المحالفة (١) ، أو لانتفاء ما توجهت الدعوى به أو إثباته.

وإنما تخصصت بالله شرعا ، لأن الحلف يقتضي تعظيم المقسم به ، والعظمة المطلقة لله. ولقوله عليه‌السلام : (من كان حالفا فليحلف بالله أو ليذر) (٢) ومن ثمَّ كره الحلف بغير الله ، وحرم بالأصنام وشبهها ، فعنه عليه‌السلام : (لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت) (٣).

المعنى الثاني : تعليق الجزاء على الشرط على وجه البعث على الشرط ، أو المنع منه ، أو لترتبه عليه مطلقا ، وهو المستعمل في الطلاق والعتاق عند العامة ، وهو مجرد اصطلاح ، إذ لم ينقل عن أهل اللغة مثله. قاله بعضهم (٤). بخلاف المعنى المشهور ، فإنه يشتمل على المعاني الثلاثة اللغوية : أما الحلف ، فظاهر. وأما القوة ، فلأن فيه تقوية الكلام وتوثيقه. وأما الجارحة ، فلأنهم كانوا إذا تحالفوا أخذ بعضهم بأيدي بعض ، واستمر ذلك في أيمان البيعة.

فائدة (٥)

اليمين أقسام :

__________________

(١) في (ك) و (أ) و (م) : المخالفة.

(٢) انظر : المتقي الهندي ـ كنز العمال : ٨ ـ ٣٣٦ ، حديث : ٥٦٤٤. وورد فيه بلفظ : (وإلا فليصمت).

(٣) انظر : المتقي الهندي ـ كنز العمال ، ٨ ـ ٣٣٨ ، حديث : ٥٦٤٧.

(٤) انظر : القرافي ـ الفروق : ١ ـ ١٧٧.

(٥) في (ح) : قاعدة.

١٦٤

الأول : منعقدة ، وهي الحلف على المستقبل ، فعلا أو تركا ، مع القصد إليه.

الثاني : لاغية ، وهي الحلف لا مع القصد على ماض أو آت.

الثالث : يمين الغموس ، وهي الحلف على الماضي أو الحال مع تعمد الكذب. وسميت غموسا ، لأنها تغمس الحالف في الإثم ، أو في النار. وفي رواية هي من الكبائر (١) ، وفي أخرى : (اليمين الغموس تدع الديار بلاقع) (٢). ولا كفارة فيها (٣) ، لقوله تعالى (بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) (٤) ، والعقد لا يتصور إلا مع إمكان الحل ، ولا حلّ في الماضي. ولعدم ذكر الكفارة في الحديث.

الرابع : ما عدا ذلك ، كالحلف مع الصدق على الماضي أو الحال.

قاعدة ـ ٢١١

إنما يجوز الحلف بالله أو بأسمائه الخاصة. فالأوّل ، مثل : (والواجب وجوده) (٥). والأول الّذي ليس قبله شي‌ء. وفالق

__________________

(١) انظر : الحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ١١ ـ ٢٥٣ ، ٢٦٢ ، باب ٤٦ من أبواب جهاد النّفس ، حديث : ٢ ـ ٣٦ ، والمتقي الهندي ـ كنز العمال : ٢ ـ ١١٠ ، حديث : ٢٦٦٨ ، ٢٦٧٩ ، ٢٦٨٠.

(٢) انظر : المتقي الهندي ـ كنز العمال : ٨ ـ ٣٣٨ ، حديث : ٥٦٩٤.

(٣) وهو رأي المالكية أيضا ، خلافا للشافعي. انظر : ابن جزي ـ القوانين الفقهية : ١٣٩ (طبعة لبنان).

(٤) المائدة : ٨٩.

(٥) في (ك) : واجب الوجود.

١٦٥

الحبة. وبارئ النسمة.

والثاني ، مثل قولنا : والله ، وهو اسم للذات ، لجريان النعوت عليه. وقيل (١) : هو اسم للذات مع جملة الصفات الإلهية ، فإذا قلنا (الله) فمعناه : الذات الموصوفة بالصفات الخاصة ، وهي صفات الكمال ونعوت الجلال. وهذا المفهوم هو الّذي يعبد ، ويوحّد ، وينزه عن الشريك والنظير ، والضد والند والمثل. وأما سائر الأسماء فإن آحادها لا يدل إلا على آحاد المعاني من علم وقدرة.

أو فعل منسوب إلى الذات ، مثل قولنا : (الرحمن) ، فإنه اسم للذات مع اعتبار الرحمة. وكذا (الرحيم) ، و (العليم) و (الخالق) اسم للذات مع اعتبار وصف وجودي خارجي. و (القدوس) اسم للذات مع (وصف سلبي) (٢) ، أعني : القدس ، الّذي هو التطهير عن النقائص. و (الباقي) اسم للذات مع نسبة وإضافة ، أعني : البقاء ، وهو نسبة بين الوجود والأزمنة ، إذ هو استمرار الوجود في الأزمنة. و (الأبدي) هو المستمر مع جميع الأزمنة المستقبلة (٣) ، فالباقي أعم منه. و (الأزلي) هو الّذي قارن وجوده جميع الأزمنة الماضية ، المحققة والمقدرة.

فهذه الاعتبارات تكاد تأتي على الأسماء الحسنى بحسب الضبط ، ولنشر إليها إشارة خفيفة :

(فالله) : قد سبق. و (الرحمن والرحيم) : اسمان للمبالغة

__________________

(١) انظر : القرافي ـ الفروق : ٣ ـ ٥٦ (نقله عن بعض العلماء).

(٢) في (ح) : نسبة وإضافة.

(٣) زيادة من (ك) و (م).

١٦٦

من رحم ، كغضبان من غضب ، وعليم من علم. والرحمة لغة (١) : رقة القلب ، وانعطاف يقتضي التفضل والإحسان ، ومنه : الرحم ، لانعطافها على ما فيها. وأسماء الله تعالى إنما تؤخذ باعتبار الغايات ، التي هي أفعال ، دون المبادئ ، والتي هي انفعال.

و (الملك) : المتصرف بالأمر والنهي في المأمورين ، أو (٢) الّذي يستغني في ذاته وصفاته عن كل موجود ، ويحتاج إليه كل موجود في ذاته وصفاته.

و (القدوس) : ذكر. و (السلام) : ذو السلامة في ذاته عن العيب ، وفي صفاته عن كل نقص وآفة. مصدر وصف به للمبالغة. و (المؤمن) : الّذي أمن أولياءه عذابه ، أو : المصدق عباده المؤمنين يوم القيامة ، أو : الّذي لا يخاف ظلمه ، أو : الّذي لا يتصور أمن ولا أمان إلا من جهته. و (المهيمن) : القائم على خلقه بأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم. و (العزيز) : الغالب القاهر ، أو : ما يمتنع الوصول إليه و (الجبار) : القهار والمتسلط ، أو :

المغني من الفقر ، من جبره : أي أصلح كسره ، أو : الّذي تنفذ مشيئته على سبيل الإجبار في كل أحد (٣) ، ولا تنفذ فيه مشيئة أحد. و (المتكبر) : ذو الكبرياء ، وهي الملك ، أو : ما يرى الملك حقيرا بالنسبة إلى عظمته. و (البارئ) هو الّذي خلق الخلق بريئا من الاضطراب. و (الخالق) : هو المقدر. و (المصور) :

__________________

(١) انظر : ابن منظور ـ لسان العرب : ٢ ـ ٢٣١ ، مادة (رحم).

(٢) في (ح) : والغني الّذي. ، ولعل ما أثبتناه هو الصواب ، لأنه سيأتي بعد ذلك بيان معنى (الغنى).

(٣) في (ح) : واحد.

١٦٧

أي من قد (١) صور المخترعات.

وتحقيق هذه الثلاثة : أن كل ما يخرج من العدم إلى الوجود يفتقر إلى اختراع أولا ، ثمَّ إلى الإيجاد على وفق التقدير ثانيا ، ثمَّ إلى التصوير بعد الإيجاد ثالثا.

و (الغفار) : هو الّذي أظهر الجميل وستر (٢) القبيح.

و (الوهاب) : المعطي كل ما يحتاج إليه لكل من يحتاج إليه.

و (الرازق) : خالق الأرزاق والمرتزقة وموصلها إليهم. و (الخافض الرافع) : هو الّذي يخفض الكفار بالإشقاء ، ويرفع المؤمنين بالإسعاد.

و (المعز المذل) : هو الّذي يؤتى الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء.

و (السميع) : الّذي لا يعزب (عنه إدراك) (٣) مسموع ، خفي أو ظاهر. و (البصير) : الّذي لا يعزب عنه ما تحت الثرى.

ومرجعهما (٤) إلى العلم ، لتعاليه سبحانه عن الحاسة والمعاني القديمة.

و (الحليم) : الّذي يشاهد معصية العصاة ، ويرى مخالفة الأمر ثمَّ لا يسارع إلى الانتقام مع غاية قدرته. و (العظيم) : الّذي لا تحيط بكنهه العقول. و (العلي) : الّذي لا رتبة فوق رتبته. و (الكبير) : ذو الكبرياء في كمال الذات والصفات. و (الحفيظ) : الحافظ لدوام الموجودات ، والمزيل تضاد العنصريات ، يحفظها عن الفساد. و (الجليل) : الموصوف بصفات الجلال من : الغنى ، والملك ، والقدرة ، والعلم ، والتقديس عن النقائص. و (الرقيب) : هو

__________________

(١) في (ك) : قدر.

(٢) في (أ) و (م) زيادة : على.

(٣) في (ح) و (أ) و (م) : عن إدراكه.

(٤) أي السميع والبصير.

١٦٨

العليم الحفيظ. و (المجيب) : الّذي يقابل مسألة السائل بإسعافه ، والداعي بإجابته ، والمضطر بكفايته. و (الحكيم) : العالم بتفاصيل الأشياء بأفضل العلوم. و (المجيد) : الشريف ذاته ، الجميل أفعاله. و (الباعث) : محي الخلق في النشأة الأخرى. و (الحميد) : هو المحمود المثنى عليه بأوصاف الكمال. أو : المثنى على عباده بطاعتهم له. و (المبدئ المعيد) (١) : الموجد بلا سبق مادة ولا مدة ، والمعيد لما فني من مخلوقاته بالحشر في يوم القيامة. و (المحيي المميت) (٢) : الخالق للموت والحياة. و (الحي) : الدراك الفعال. و (القيوم) : القائم بذاته ، وبه قيام كل موجود في إيجاده وتدبيره وحفظه. و (الماجد) : مبالغة في المجد. و (الثواب) : ميسر أسباب التوبة لعباده ، وقابلها منهم مرة بعد أخرى. و (المنتقم) : القاصم ظهور العصاة ، والشديد العقاب للطغاة. و (العفو) : الّذي يمحو السيئات ، ويتجاوز عن المعاصي. و (الرءوف) : ذو الرأفة ، وهي شدة الرحمة. و (الوالي) : الّذي دبر أمور الخلق ووليها ملبا (٣) بولايتها ، أو : المالك للأشياء المستولي عليها. و (الغني) : في ذاته وصفاته ، والمغني لجميع خلقه. و (الفتاح) : الحاكم ، أو : الّذي بعنايته يفتح كل مغلق. و (القابض الباسط) : هو الّذي يوسع الرزق على عباده ، ويقتره بحسب الحكمة.

__________________

(١) زيادة ليست في (ح).

(٢) في (ح) و (م) : والمميت.

(٣) في (ح) : عليها ، ولعل الصواب : مليئا ، أي ثقة. يقول ابن منظور : (الملي‌ء بالهمز : الثقة الغني ، وقد أولع فيه الناس بترك الهمز وتشديد الياء). لسان العرب : ١ ـ ١٥٩ ، مادة (ملأ).

١٦٩

ويحسن القرآن بين هذين الاسمين ونظائرهما ، كالخافض والرافع ، والمعز والمذل ، والضار والنافع ، فإنه أنبأ عن القدرة ، وأدل على الحكمة. فالأولى لمن وفق (١) بحسن الأدب بين يدي الله تعالى أن لا يفرد كل اسم عن مقابله ، لما فيه من الإعراب عن وجه الحكمة.

و (الحكم) (٢) : الحاكم ، لمنعه الناس عن الظلم. و (العدل) : ذو العدل ، وهو مصدر أقيم مقام الاسم. و (اللطيف) : العالم بغوامض الأشياء ثمَّ يوصلها إلى المستصلح بالرفق دون العنف ، أو : للبر بعباده الّذي يوصل إليهم ما ينتفعون به في الدارين ، ويهيئ لهم أسباب مصالحهم من حيث لا يحتسبون. و (الخبير) : العالم بكنه الشي‌ء المطلع على حقيقته. و (الغفور والشكور) : مبنيان للمبالغة ، أي تكثر مغفرته ، ويشكر يسير الطاعات (٣). و (المقيت) : المقتدر ، أو : خالق القوت وموصلة إلى البدن. و (الحسيب) : المحاسب ، أو : المكافي ، فعيل بمعنى مفعل ، كأليم بمعنى مؤلم ، من قولهم : أحسبني ، أي : أعطاني ما كفاني. و (الواسع) : الغني الّذي وسع غناه سائر عباده ، ووسع رزقه جميع خلقه. وقيل (٤) : هو المحيط بكل شي‌ء. و (الودود) : المحب لعباده. ويجوز أن يكون بمعنى مفعول ، أي : مودته (٥) في قلوب أوليائه ، بما

__________________

(١) في (أ) : وقف.

(٢) في (ك) : الحكيم. وما أثبتناه أصح ، لتقدم معنى (الحكيم).

(٣) في (ح) و (أ) و (م) : الطاعة.

(٤) انظر : ابن منظور ـ لسان العرب : ٨ ـ ٣٩٢ ، مادة (وسع).

(٥) في (ح) و (م) و (أ) : مودود.

١٧٠

ساق إليهم من المعارف ، وأظهر لهم من الألطاف. و (الشهيد) : الّذي لا يغيب عنه شي‌ء. و (الحق) : المتحقق وجوده ، أو : الموجد للشي‌ء (على ما تقتضيه) (١) الحكمة. و (الوكيل) : هو الكافي ، أو : الموكول إليه جميع الأمور. وقيل (٢) : الكفيل بأرزاق العباد و (القوي) : الّذي لا يستولي عليه الضعف والعجز في حال من الأحوال. و (المتين) : هو الشديد القوة الّذي لا يعتريه وهن ، ولا يمسه لغوب (٣). و (الولي) : (القائم بنصر) (٤) عباده المؤمنين ، أو : المتولي للأمر القائم به. و (المحصي) : الّذي أحصى كل شي‌ء بعلمه ، فلا يعزب عنه مثقال ذرة ولا أصغر. و (الواجد) : أي الغني ، من الجدة ، أو : الّذي لا يعوزه شي‌ء ، أو : الّذي لا يحول بينه وبين مراده حائل ، من الوجود. و (الواحد الأحد) : يدلان على معنى الوحدانية وعدم التجزي. وقيل : الفرق بينهما : أن الواحد : هو المنفرد بالذات لا يشابهه أحد (٥) ، والأحد : المتفرد بصفاته الذاتيّة بحيث لا يشاركه فيها أحد. و (الصمد) : السيد الفائق في السؤدد الّذي تصمد (٦) إليه الحوائج ، أي : يصمد

__________________

(١) في (أ) و (م) : على مقتضى.

(٢) انظر : البيهقي ـ كتاب الأسماء والصفات : ٨٧ (نقله عن بعضهم) ، وابن الأثير ـ النهاية : ٤ ـ ٢٢٨ ، مادة (وكل).

(٣) اللغوب : التعب والإعياء.

(٤) في (ح) : الساتر السابق القاهر بنصره. وفي (م) : من ينصر. وفي (أ) : المستأثر بنصر.

(٥) في (م) : آخر.

(٦) تصمد : أي تقصد.

١٧١

إليه الناس في حوائجهم. و (القادر) : الموجد الشي‌ء اختيارا ، و (المقتدر) : أبلغ ، لاقتضائه الإطلاق ، ولا يوصف بالقدرة المطلقة غير الله تعالى. و (المقدم والمؤخر) : المنزل للأشياء في منازلها ، وترتيبها في التكوين والتصوير ، والأزمنة والأمكنة ، على ما تقتضيه الحكمة. و (الأول والآخر) : أي لا شي‌ء قبله ولا معه ولا بعده. و (الظاهر) : أي بآياته الظاهرة (١) الباهرة الدالة على ربوبيته ووحدانيته ، أو : العالي الغالب ، من الظهور.

بمعنى العلو والغلبة ، ومنه قوله عليه‌السلام : (أنت الظاهر فليس فوقك شي‌ء) (٢). و (الباطن) : الّذي لا يستولي عليه توهم الكيفية ، أو : المحتجب عن أبصارنا. ويكون معنى الظاهر : المتجلي لبصائرنا. وقيل (٣) : هو العالم بما ظهر من الأمور ، والمطّلع على ما بطن من الغيوب. وينبغي أن يقرن بين هذين الاسمين أيضا.

و (البر) : هو العطوف على العباد الّذي عمّ بره جميع خلقه ، يبرّ المحسن بتضعيف الثواب ، والمسي‌ء بالعفو عن العقاب ، وبقبول التوبة. و (ذو الجلال والإكرام) : أي العظمة ، أو : الغناء المطلق (٤) والفضل العام. و (المقسط) : العادل الّذي لا يجوز.

و (الجامع) : الّذي يجمع الخلائق ليوم القيامة ، أو : الجامع للمتباينات ، والمؤلف بين المتضادات ، أو : الجامع لأوصاف الحمد

__________________

(١) زيارة من (ك).

(٢) انظر : صحيح مسلم : ٤ ـ ٢٠٨٤ ، باب ١٧ من أبواب الذّكر ، حديث : ٦١.

(٣) قاله الخطابي. انظر : البيهقي ـ كتاب الأسماء والصفات : ٣٥.

(٤) في (ح) زيادة : والعفو العام.

١٧٢

والثناء. و (المانع) : أي يمنع أولياءه ويحفظهم ويحوطهم (١) وينصرهم ، من المنعة ، أو : يمنع من يستحق المنع ، والحكمة في منعه. واشتقاقه من المنع ، أي الحرمان ، لأن منعه سبحانه حكمة ، وعطاءه جود ورحمة. أو : الّذي يمنع أسباب الهلاك والنقصان بما يخلقه في الأبدان والأديان من الأسباب المعدة للحفظ. و (الضار النافع) : أي خالق ما يضر وينفع و (النور) : المنور مخلوقاته بالوجود والكواكب والشمس والقمر واقتباس النار ، أو : نوّر الوجود بالملائكة والأنبياء ، أو : دبر الخلائق بتدبيره. و (البديع) : هو الّذي فطر الخلق مبتدعا لا على مثال سبق. و (الوارث) : هو الباقي بعد فناء الخلق ، وترجع إليه الأملاك بعد فناء الملّاك. و (الرشيد) : الّذي أرشد الخلق إلى مصالحهم ، أو : ذو الرشد ، وهو الحكمة (٢) ، لاستقامة تدبيره ، أو : الّذي تنساق تدبيراته إلى غايتها (٣). و (الصبور) ، (هو الّذي لا تحمله العجلة على المسارعة إلى الفعل قبل أوانه ، أو :) (٤) الّذي لا يعاجل بعقوبته العصاة ، لاستغنائه عن التسرع (٥) ، إذ لا يخاف الفوت. و (الهادي) (٦) لعباده إلى معرفته بغير واسطة ، أو بواسطة ما

__________________

(١) زيادة من (أ).

(٢) في (ك) : الحكم.

(٣) في (ح) : عاداتها.

(٤) زيادة من (ح) و (م).

(٥) في (ك) : السرعة.

(٦) في (أ) و (ح) زيادة : الّذي يهدي.

١٧٣

خلقه من الأدلة على معرفته هدى كل مخلوق إلى ما لا بدّ له (١) منه في معاشه ومعاده. و (الباقي) : هو الموجود الواجب وجوده لذاته ، أزلا وأبدا (٢). وقد (٣) ورد في الكتاب العزيز في الأسماء الحسنى (الرب) : وهو في الأصل بمعنى التربية ، وهي تبليغ الشي‌ء إلى كماله شيئا فشيئا ، ثمَّ وصف به للمبالغة ، كالصوم والعدل. وقيل (٤) : هو نعت من : ربّه يربّه فهو ربّ ، ثمَّ سمي به المالك ، لأنه يحفظ ما يملكه ويربيه. ولا يطلق على غير الله إلا مقيدا كقولنا : رب الضيعة (٥). ومنه قوله تعالى (ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ) (٦).

و (المولى) : هو الناصر ، والأولى بمخلوقاته ، والمتولي لأمورهم. و (النصير) : مبالغة في الناصر. و (المحيط) : أي الشامل عليه. و (الفاطر) : أي المبتدع ، من الفطرة ، وهو الشق ، كأنه شق العدم بإخراجها منه. و (العلام) : مبالغة في العالم (٧). و (الكافي) : أي يكفي عباده جميع

__________________

(١) زيادة من (ح) و (م).

(٢) في (ك) و (أ) زيادة : والصبور هو الّذي لا تحمله العجلة على المسارعة إلى الفعل قبل أوانه. وقد أثبتنا هذه الزيادة قبل أسطر.

(٣) زيادة من (أ).

(٤) انظر : الزمخشري ـ الكشاف : ١ ـ ٨.

(٥) في (ح) : الصنعة.

(٦) يوسف : ٥٠.

(٧) في (ح) و (م) و (أ) : العلم. ويبدو أن الصواب ما أثبتناه. انظر : الجوهري ـ الصحاح : ٥ ـ ١٩٩٠ مادة (علم).

١٧٤

مهامهم ، ويدفع عنهم مؤذياتهم. و (ذو الطول) : أي الفضل ، بترك العقاب المستحق ، عاجلا وآجلا ، لغير الكافر. و (ذو المعارج) : ذو الدرجات ، التي هي مصاعد الكلم الطيب والعمل الصالح ، أو التي يترقى فيها المؤمنون ، أو في الجنة.

فائدة

مرجع هذه الأسماء والصفات ، عندنا وعند المعتزلة (١) ، إلى الذات (٢) ، وذلك لأن مرجع هذه الأسماء (٣) إلى : الذات ، والحياة. والقدرة ، والعلم ، والإرادة ، والسمع ، والبصر ، والكلام.

والأربعة الأخيرة ترجع إلى : العلم ، والقدرة : والعلم والقدرة كافيان في الحياة ، والعلم والقدرة نفس الذات ، فرجعت جميعها إلى الذات ، إما مستقلة ، أو إليها مع السلب أو الإضافة ، أو هما ، أو إليها مع واحدة من الصفات الاعتبارية المذكورة ، أو إلى صفة مع إضافة ، أو إلى صفة مع زيادة إضافة ، أو إلى صفة مع فعل وإضافة ، (أو إلى صفة فعل) (٤) ، أو إلى صفة فعل مع إضافة زائدة.

فالأوّل : هو : الله ، ويقرب منه : الحق.

__________________

(١) في (ك) و (أ) و (م) زيادة : ترجع. والظاهر أنه لا محل لها.

(٢) انظر : القرافي ـ الفروق : ٣ ـ ٥٦.

(٣) زيادة من (ح) و (أ).

(٤) زيادة من (ح) و (أ).

١٧٥

والثاني : مثل : القدوس ، والسلام ، والغني ، والأحد.

والثالث : كالعلي ، والعظيم ، والأول ، والآخر.

والرابع : كالملك ، والعزيز.

والخامس : كالعليم ، والقدير.

والسادس : كالحليم (١) ، والخبير ، والشهيد ، والمحصي.

والسابع : كالقوي ، والمتين.

والثامن : كالرحمن ، والرحيم ، والرءوف ، والودود.

والتاسع : كالخالق ، والبارئ ، والمصوّر.

والعاشر : كالمجيد ، واللطيف ، والكريم (٢).

فائدة

هذه كلها ورد بها السمع ، ولا شي‌ء منها يوهم نقصا ، فلذلك جاز إطلاقها على الله تعالى إجماعا. أما ما عداها فينقسم أقساما ثلاثة :

الأول : ما لم يرد به السمع ويوهم نقصا ، فيمتنع إطلاقه إجماعا ، نحو العارف والعاقل ، والفطن ، والذكي ، لأن المعرفة ، قد تشعر بسبق فكرة ، والعقل ، هو المنع عما لا يليق ، والفطنة والذكاء ، يشعران بسرعة الإدراك لما غاب عن المدرك. وكذا المتواضع ، لأنه يوهم الذلة. والعلامة ، فإنه يوهم التأنيث. والداري ، لأنه يوهم تقدم الشك. وما جاء في الدعاء من قولهم : (لا يعلم

__________________

(١) في (ح) و (أ) : كالحكيم.

(٢) انظر هذه الفائدة أيضا في ـ الفروق : ٣ ـ ٥٦ ـ ٥٧.

١٧٦

ولا يدري ما هو إلا هو) (١) يوهم (٢) جواز هذا ، فيكون مرادفا للعلم.

الثاني : ما ورد به السمع ولكن إطلاقه في غير مورده يوهم النقص ، كما في قوله تعالى (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ) (٣) وقوله : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) (٤) فلا يجوز أن يقال : يا مستهزئ ، أو يا ماكر ، أو يحلف به. وكذا منع بعضهم (٥) من أن يقال : اللهم امكر بفلان. وقد ورد هذا في دعوات المصباح (٦). أما : اللهم استهزئ به ، أو لا تستهزئ به (٧) ، ففيه الكلام.

الثالث : ما خلا عن الإيهام إلا أنه لم يرد به السمع ، مثل : السخي ، والنجي ، والأريحي. ومنه : السيد ، عند بعضهم (٨) ، وقد جاء في الدعاء كثيرا (٩) ، وورد أيضا في بعض الأحاديث :

__________________

(١) ورد في المصباح ، للكفعمي : ٣٣٨ ، قولا قريبا منه للإمام الكاظم عليه‌السلام ، فقد ورد فيه بلفظ : « يا من لا يعلم ولا يدري كيف هو إلا هو ».

(٢) في (أ) : لو تمَّ.

(٣) آل عمران : ٥٤.

(٤) البقرة : ١٥.

(٥) انظر : القرافي ـ الفروق : ٣ ـ ٥٧.

(٦) مصباح المتهجد ، للشيخ الطوسي : ١ ـ ورقة : ٨٥ ، ٢٣٧ ـ ب. (مخطوط بمكتبة السيد الحكيم العامة بالنجف برقم : ١٢٥٩).

(٧) في (ح) و (م) و (أ) : بي.

(٨) فقد منعه أبو الحسن الأشعري ، ومالك ، وجمهور الفقهاء. انظر : القرافي ـ الفروق : ٣ ـ ٥٧.

(٩) انظر : الشيخ الطوسي ـ مصباح المتهجد : ١ ـ ورقة : ٢٨ ، ٥٥ ب ، ٦٤ ب ، ٦٧ ، ٧٠ ، ١٤٩ ، و ٢ ـ ١١ ب ، ١٤ ب ، ٥٩ ب ، وغيرها. (مخطوط بمكتبة السيد الحكيم العامة بالنجف برقم : ١٢٥٩).

١٧٧

قال السيد الكريم ، فالأولى التوقف عما لم تثبت التسمية به ، وإن جاز أن يطلق معناه عليه ، إذا لم يكن فيه إيهام.

وضابط الحلف بالأسماء : الاختصاص أو الاشتراك ، مع أغلبية الإطلاق على الله تعالى.

فائدة

لو قال : واسم الله ، فالأقرب عدم الانعقاد ، لأن الاسم مغاير للمسمى على الصحيح. ومن قال : بأن الاسم هو المسمى (١) ، يلزمه الانعقاد ، فكأنه حلف بالله.

قيل (٢) : وموضع الخلاف هو في المركب من (ا ، س ، م ،) لا في مثل قولنا : حجر ، ونار ، وذهب ، وفضة ، وغيرها من الأسماء ، إذ لا يقال : لفظ الحجر هو عين الحجر حتى يؤذي من تلفظ به ، أو لفظ النار عين النار حتى يحترق من تكلم به.

وفي التحقيق : لفظ (اسم) موضوع للقدر المشترك بين الأسماء ، وأن مسماه لفظ لا معنى.

__________________

(١) ذهب إلى هذا صاحب الخصال الأندلسي. انظر : القرافي ـ الفروق : ٣ ـ ٥٩.

(٢) قاله ابن السيد البطليوسي. انظر : القرافي ـ الفروق : ٣ ـ ٥٩.

١٧٨

والظاهر أن الخلاف ليس مقصورا على لفظ (اسم) بل مطّرد ، ولكنه يرجع إلى الخلاف في العبارة ، وذلك لأن الاسم إن أريد به اللفظ ، فغير المسمى قطعا ، لأنه يتألف من أصوات مقطعة سيّالة ، ويختلف باختلاف الأمم والاعتبار ، ويتعدد تارة ، ويتحد أخرى ، والمسمى ليس كذلك. وإن أريد بالاسم الذات ، فهو المسمى ، لكنه لم يشتهر في هذا المعنى ، إلا أن يكون من ذلك قوله تعالى (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ) (١) وهو غير متعين ، لجواز إطلاق التنزيه على الألفاظ الدالة على الذات المقدسة ، كما تنزه الذات. وإن أريد بالاسم الصفة ، ينقسم إلى ما هو المسمى وإلى غيره.

فائدة

الألف واللام (٢) في قولنا : القدير ، والعليم ، والرحمن ، والرحيم ، يمكن أن تكون للعهد ، لأن كل مخاطب يعهد هذا المدلول ، ويمكن أن تكون للكمال ، مثل قولهم : زيد الرّجل أي الكامل في الرجولية. قاله سيبويه (٣) (٤). فعلى هذا ، الرحمن : الكامل في الرحمة ، والعليم :

__________________

(١) الرحمن : ٧٨.

(٢) في (ك) : أل.

(٣) هو أبو الحسن أو أبو بشر ، عمرو بن عثمان بن قنبر ، الفارسي ، للبيضاوي ، العراقي ، البصري ، النحوي المشهور ، قيل في حقه : إن المتقدمين والمتأخرين في النحو عيال عليه. أخذ عن الخليل ابن أحمد والأخفش وغيرهما. قيل : توفي حدود سنة ١٨ ه‍ وقبره في شيراز. وقيل : توفي سنة ١٩٤ ه‍ وعمره اثنان وثلاثون سنة بمدينة ساوة. (القمي ـ الكنى والألقاب : ٢ ـ ٣٠١).

(٤) انظر : القرافي ـ الفروق : ٣ ـ ٦٠. (نقله عنه).

١٧٩

الكامل في العلم.

ولا بد في الأيمان كلها من القصد عندنا ، وإن كانت بلفظ صريح.

قاعدة (١) ـ ٢١٢

النية تكفي في تقييد المطلق وتخصيص العام. وتعيين المعتق ، والمطلقة ، والفريضة المنوية. وتعيين أحد معاني المشترك. وفي صرف اللفظ عن الحقيقة إلى المجاز ، كقوله : والله لأصلين ، وعنى به ركعتين ، أو : لا كلمت (٢) رجلا ، وعنى به زيدا. وتخصيص العام ، مثل : والله لا لبست ثوبا ، وعنى به قطنا أو ثوبا بعينه.

ولا تكفي النية عن الألفاظ التي هي أسباب ، كالعقود والإيقاعات (٣) ولو قال : لا أكلت ، أثرت النية في مأكل بعينه إذا أراده ، أو في وقت بعينه إذا قصده ، لأن اللفظ دال عليه بالالتزام. وقد وقع مثل ذلك في القرآن ، قال الله تعالى (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) (٤) ، مع قوله في الآية الأخرى : (إِلّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ) (٥) أي : لا يأتيهم في حال من الأحوال إلا في هذه الحالة من لهوهم وإعراضهم. فقد قصد إلى حالة اللهو ،

__________________

(١) في (ح) : فائدة.

(٢) في (أ) و (م) : لأكلمن.

(٣) تحدث القرافي عن هذه القاعدة بشكل موسع. انظر : الفروق : ٣ ـ ٦٤ ـ ٧٣.

(٤) الأنبياء : ٢.

(٥) الشعراء : ٥.

١٨٠