القواعد والفوائد - ج ٢

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

القواعد والفوائد - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: السيّد عبد الهادي الحكيم
الموضوع : الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٥
الجزء ١ الجزء ٢

قاعدة ـ ٢٠٣

المعتبر في علم الشاهد حال التحمل. ولا يشترط استمراره في كثير من الصور (١) : كالشهادة بدين ، أو ثمن مبيع ، أو ملك لوارث ، مع إمكان أن يكون قد دفع الدين وثمن المبيع وباع الموروث. وكالشهادة بعقد بيع أو إجارة ، مع إمكان الإقالة بعده. والمعتمد في هذه الصور إنما هو. الاستصحاب.

أما الشهادة على النسب والولاء ، فإنها مع القطع ، لامتناع انتقالهما. وكذا الشهادة على الإقرار : فإنه إخبار عن وقوع النطق في الزمان الماضي. أما الشهادة بالوقف ، فإن منعنا بيعه ، فهو من قبيل القطع.

فائدة

الموارد التي عنها الحكم : الإقرار ، وعلم الحاكم ، والشاهدان فقط ، والشاهدان واليمين ، والشاهد فقط ، والمرأة فقط ، والمرأتان فقط ، والثلاث والأربع ، والمرأتان واليمين ، والأربعة الرّجال ، والثلاثة والمرأتان ، والرجلان وأربع النسوة ، والنكول مع رد اليمين ، ورد اليمين فيحلف المدعي ، والقسامة ، وأيمان اللعان ، واليمين وحدها في صورة التحالف ، وشهادة الصبيان في الجراح بالشروط (٢) ، والمعاقد

__________________

(١) انظر : في هذه القاعدة : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ٥٦ ـ ٥٧.

(٢) أورد القرافي في ـ الفروق : ٤ ـ ٩٧ ـ ٩٨ ، عشرة شروط لقبول شهادة الصبيان بعضهم على بعض.

١٤١

في الخص (١) ، واليد ، والتصرف (٢).

قاعدة (٣) ـ ٢٠٤

يفرق بين الحد والتعزير من وجوه عشرة (٤) :

الأول : في عدم التقدير في طرف القلة ، ولكنه مقدر في طرف الكثرة بما لا يبلغ الحد. وجوزه كثير من العامة (٥) ؛ لأن عمر جلد رجلا زور كتابا عليه ، ونقش خاتما مثل خاتمه ، مائة ، فشفع فيه قوم ، فقال : أذكرني الطعن وكنت ناسيا (٦) ، فجلده مائة أخرى ،

__________________

(١) الخص : البيت من القصب. وانظر في توضيح هذه الحجة :القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ١٠٣.

(٢) تحدث القرافي عن أغلب هذه الحجج بالتفصيل. انظر : الفروق : ٤ ـ ٨٣ ـ ١٠٤.

(٣) في (ح) : فائدة.

(٤) ذكر هذه الوجوه القرافي في ـ الفروق : ٤ ـ ١٧٧ ـ ١٨٣.

(٥) هو مذهب المالكية ، وقول للشافعية ، اختاره الغزالي. انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ١٧٧ ـ ١٧٨ ، وابن جزي ـ قوانين الأحكام الشرعية : ٣٨٨ ، والغزالي ـ الوجيز : ٢ ـ ١١٠.

(٦) هذا من الأمثال ، يضرب في تذكر الشي‌ء بغيره. وفي ـ مجمع الأمثال ، للميداني (١ ـ ٢٩٠) ورد بلفظ : (ذكرتني الطعن). قيل : إن أصله ، أن رجلا حمل على رجل ليقتله ، وكان في يد المحمول عليه رمح ، فأنساه الدهش والجزع ما في يده ، فقال له الحامل : الق الرمح. فقال الآخر : إن معي رمحا لا أشعر

١٤٢

ثمَّ جلده بعد ذلك مائة أخرى (١).

الثاني : استواء الحر والعبد فيه.

الثالث : كونه على وفق الجنايات في العظم والصغر ، بخلاف الحد فإنه يكفي فيه مسمى الفعل ، فلا فرق في القطع بين سرقة ربع دينار وقنطار ، وشارب قطرة من الخمر وجرة ، مع عظم اختلاف مفاسد هما.

الرابع : أنه تابع للمفسدة وإن لم تكن معصية ، كتأديب الصبيان ، والبهائم ، والمجانين ، استصلاحا لهم. وبعض الأصحاب يطلق على هذا : التأديب.

إما الحنفي ، فيحد بشرب النبيذ وإن لم يسكر ؛ لأن تقليده لإمامه فاسد ؛ لمنافاته النصوص عندنا مثل : (ما أسكر كثيره فقليله حرام) (٢) ، والقياس الجلي عندهم (٣). وترد شهادته ، لفسقه.

الخامس : إذا كانت المعصية حقيرة لا تستحق من التعزير إلا الحقير ، وكان لا أثر له البتة ، فقد قيل (٤) : لا يعزر ؛ لعدم الفائدة بالقليل ،

__________________

به ، ذكرتني الطعن. وحمل على صاحبه فطعنه حتى قتله أو هزمه.

(١) انظر : ابن قدامة ـ المغني : ٨ ـ ٣٢٥ ، والقرافي ـ الفروق : ٤ ـ ١٧٨.

(٢) انظر : سنن ابن ماجه : ٢ ـ ١١٢٤ ـ ١١٢٥ ، باب ١٠ من كتاب الأشربة ، حديث : ٣٣٩٢ ـ ٣٣٩٤ ، والحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٢٢٢ ، باب ١ من أبواب الأشربة المحرمة ، حديث : ٥.

(٣) أي ولمنافاته للقياس الجلي على الخمر عندهم. انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ١٨٠.

(٤) قاله الجويني ، وتابعه القرافي. انظر : المصدر السابق : ٤ ـ ١٨١.

١٤٣

وعدم إباحة الكثير :

السادس : سقوطه بالتوبة ، وفي بعض الحدود خلاف (١) : والظاهر أنه إنما يسقط بالتوبة قبل قيام البينة.

السابع : دخول التخيير فيه بحسب أنواع التعزير (٢) ، ولا تخيير في الحدود إلا في المحاربة.

الثامن : اختلافه بحسب الفاعل والمفعول والجناية ، والحدود لا تختلف بحسبها.

التاسع : لو اختلفت الإهانات في البلدان ، روعي في كل بلد عادته.

العاشر : أنه يتنوع إلى : كونه على حق الله تعالى ، كالكذب ، وعلى حق العبد محضا كالشتم ، وعلى حقهما ، كالجناية على صلحاء الموتى بالشتم. ولا يمكن أن يكون الحد تارة لحق الله ، وتارة لحق الآدمي ، بل الكل حق الله تعالى ، إلا القذف على خلاف فيه (٣).

قاعدة ـ ٢٠٥

محدثات الأمور بعد عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تنقسم أقساما (٤) ،

__________________

(١) فالصحيح عند المالكية أن الحدود لا تسقط بالتوبة إلا الحرابة. انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ١٨١.

(٢) في (ح) : التقدير ، وما أثبتناه مطابق لما في الفروق : ٤ ـ ١٨٢.

(٣) فقد اختلف هل أن المغلب فيه حق الله تعالى أو حق العبد؟

(٤) ذكر هذه الأقسام القرافي في ـ الفروق : ٤ ـ ٢٠٢ ـ ٢٠٥.

١٤٤

لا يطلق اسم البدعة عندنا إلا على ما هو محرم منها :

أولها : الواجب ، كتدوين القرآن والسنة ، إذا خيف عليهما التفلت (١) من الصدور ، فإن التبليغ للقرون الآتية واجب ، إجماعا ، وللآية (٢) ، ولا يتم إلا بالحفظ. وهذا في زمان الغيبة واجب ، أما في زمان ظهور الإمام فلا ؛ لأنه الحافظ لهما حفظا لا يتطرق إليه خلل.

وثانيها : المحرم ، وهو كل بدعة تناولتها قواعد التحريم وأدلته من الشريعة ، كتقديم غير الأئمة المعصومين عليهم ، وأخذهم مناصبهم ، واستئثار ولاة الجور (٣) بالأموال ، ومنعها مستحقها ، وقتال أهل الحق وتشريدهم وإبعادهم ، والقتل على الظنة ، والإلزام ببيعة الفساق والمقام عليها وتحريم مخالفتها ، والغسل في المسح ، والمسح على غير القدم ، وشرب كثير من الأشربة ، والجماعة في النوافل ، والأذان الثاني يوم الجمعة ، وتحريم المتعتين ، والبغي على الإمام ، وتوريث الأباعد ومنع الأقارب ، ومنع الخمس أهله ، والإفطار في غير وقته.

إلى غير ذلك من المحدثات المشهورات ، ومنها بالإجماع من الفريقين (٤) : المكس ، وتولية المناصب غير الصالح لها ببذل أو إرث ، وغير ذلك. وثالثها : المستحب ، وهو ما تناولته أدلة الندب ، كبناء المدارس

__________________

(١) في (م) و (ح) و (أ) : التلف.

(٢) لعله يقصد بها قوله تعالى في سورة البقرة ـ آية : ١٥٩ : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللّاعِنُونَ).

(٣) في (أ) زيادة : عليهم.

(٤) انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ٢٠٢ ـ ٢٠٣.

١٤٥

والربط.

وليس منه : اتخاذ الملوك الأهبة ، ليعظموا في النفوس اللهم إلا أن يكون ذلك مرهبا للعدو.

ورابعها : المكروه ، وهو ما شملته أدلة الكراهية ، كالزيادة في تسبيح الزهراء عليها‌السلام ، وسائر الموظفات (١) ، أو النقيصة منها ، والتنعم في الملابس والمآكل بحيث يبلغ الإسراف بالنسبة إلى الفاعل ، وربما أدى إلى التحريم إذا استضرّ به وعياله.

وخامسها : المباح ، وهو الداخل تحت أدلة الإباحة ، كنخل الدّقيق ، فقد ورد أن أول شي‌ء أحدثه الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله اتخاذ المناخل (٢) ، لأن لين العيش والرفاهية من المباحات ، فوسيلته مباحة.

قاعدة ـ ٢٠٦

الغيبة محرمة بنص الكتاب العزيز (٣) ، والأخبار (٤). وقال

__________________

(١) الموظفات : المقدرات.

(٢) انظر : المصدر السابق : ٤ ـ ٢٠٥ ، والغزالي ـ إحياء علوم الدين : ١ ـ ١٢٦.

(٣) وهو قوله تعالى في سورة الحجرات ، آية : ١٢ (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ).

(٤) انظر : المتقي الهندي ـ كنز العمال : ٢ ـ ١١٨ ـ ١٢٠ ، والحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ٨ ـ ٥٩٦ ـ ٦٠٣ ، باب ١٥٢ من أبواب العشرة ، من كتاب الحج.

١٤٦

عليه‌السلام : (الغيبة : أن تذكر من المرء ما يكره أن يسمع. قيل : يا رسول الله وإن كان حقا. قال : إن قلت باطلا فذلك البهتان) (١).

وهي قسمان : ظاهر ، وهو معلوم ، وخفي ، وهو كثير ، كما في التعريض مثل : أنا لا أحضر في مجالس الحكام. أنا لا آكل أموال الأيتام ، أو فلان ، ويشير بذلك إلى من يفعل ذلك ، أو : الحمد لله الّذي نزهنا عن كذا ، يأتي به في معرض الشكر.

ومن الخفي : الإيماء والإشارة إلى نقص في الغير ، وإن كان حاضرا.

ومنه : لو فعل كذا كان خيرا (٢) ، أو [ لو ] لم يفعل كذا لكان حسنا.

ومنه : التنقص بمستحق الغيبة ، لينبه به على عيوب آخر غير مستحق للغيبة.

أما ما يخطر في النّفس من نقائص الغير فلا يعد غيبة ، لأن الله تعالى عفا عن حديث النّفس (٣).

__________________

(١) أورد هذا النص باختلاف بسيط جدا في اللفظ : القرافي في الفروق : ٤ ـ ٢٠٥. ولم يرد بهذا اللفظ في غيره. انظر نصّ الحديث في ـ صحيح الترمذي : ٤ ـ ٣٢٩ ، باب ٢٣ من كتاب البر ، حديث : ١٩٣٤ ، وصحيح مسلم : ٤ ـ ٢٠٠١ ، باب ٢٠ من أبواب البر ، حديث : ٧٠ ، والحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ٨ ـ ٥٩٩ ، باب ١٥٢ من أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج ، حديث : ٩

(٢) في (م) : جائزا.

(٣) روى مسلم في صحيحة : ١ ـ ١١٦ ، باب ٥٨ من كتاب الإيمان ، حديث : ٢٠١ ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال :

١٤٧

من الأخفى : أن يذم نفسه بذكر طرائق غير محمودة فيه ، أو ليس متصفا بها ، لينبه على عورات غيره.

وقد جوّزت (١) الغيبة في مواضع سبعة (٢).

الأول : أن يكون المقول فيه مستحقا لذلك ، لتظاهره بسببه ، كالكافر ، والفاسق المتظاهر ، فيذكره بما هو فيه لا بغيره.

ومنع بعض الناس (٣) من ذكر الفاسق ، وأوجب التعزير بقذفه بذلك الفسق. وقد روى الأصحاب (٤) تجويز ذلك. قال العامة (٥) : حديث : (لا غيبة لفاسق ، أو في فاسق) (٦) لا أصل له.

قلت : ولو صح أمكن حمله على النهي ، أي خبر يراد به النهي. أما من يتفكه بالفسق ، ويلهج (٧) به في شعره أو كلامه ، فتجوز

__________________

إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به. وانظر أيضا : المجلسي ـ البحار : ٦٩ ـ ٣٨ (الطبعة الحديثة) ، والقمي ـ سفينة البحار : ١ ـ ٢٣٢ ، مادة (حدث).

(١) في (أ) و (م) زيادة : صورة.

(٢) انظر هذه المواضع في ـ الفروق : ٤ ـ ٢٠٥ ـ ٢٨.

(٣) انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ٢٠٨ ، وابن الشيخ حسين ـ تهذيب الفروق ، بهامشه : ٤ ـ ٢٣١ (نقله عن بعض العلماء).

(٤) انظر : الحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ٨ ـ ٦٠٥ ، باب ١٥٤ من أبواب العشرة من كتاب الحج ، حديث : ٤ ، ٥.

(٥) هذا رأي لبعض العلماء. انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ٢٠٨.

(٦) نصّ الحديث كما أورده المتقي الهندي : (ليس للفاسق غيبة). كنز العمال : ٢ ـ ١٢١ ، حديث : ٢٩٤٠.

(٧) في (ح) و (م) و (أ) : يتبجح.

١٤٨

حكاية كلامه.

الثاني : شكاية المتظلم بصورة ظلمه ، كقول المرأة عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إن فلانا رجل شحيح) (١).

الثالث : النصيحة للمستشير ، (لقول النبي) (٢) صلى‌الله‌عليه‌وآله لفاطمة بنت قيس (٣) حين شاورته عليه‌السلام في خطابها : (أما معاوية (٤) فرجل صعلوك لا مال له ، وأما أبو جهم (٥) فلا

__________________

(١) عن عائشة : أن هندا زوجة أبي سفيان قالت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إن أبا سفيان رجل شحيح ، فهل عليّ جناح أن آخذ من ماله؟ قال : خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف). صحيح مسلم : ٣ ـ ١٣٣٨ ، باب ٤ من كتاب الأقضية ، حديث : ٧ ، والبيهقي ـ السنن الكبرى : ٧ ـ ٤٦٦.

(٢) في (ك) : لقوله. وفي (ح) : كقول النبي.

(٣) هي فاطمة بنت قيس بن خالد ، القرشية ، الفهرية. أخت الضحاك بن قيس ، الأمير. صحابية من المهاجرات. لها رواية للحديث. كانت ذات جمال وعقل. وفي بيتها اجتمع أصحاب الشورى عند قتل عمر. توفيت حدود سنة ٥٠ ه‍. (الزركلي ـ الاعلام : ٥ ـ ٣٢٩).

(٤) هو معاوية بن أبي سفيان الأموي. شرح صحيح مسلم : ٤ ـ ٦٤ ، ١٠ ـ ٩٧).

(٥) هو ابن حذيفة بن غانم بن عمر. بن عدي بن كعب ، القرشي ، العدوي. قيل : اسمه عامر. وقيل : عبيد. أسلم عام الفتح ، وصحب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله. وكان معظما في قريش ، عالما بالنسب ، وهو من المعمرين من قريش شهد بنيان الكعبة مرتين : مرة في الجاهلية ، حين بنتها قريش ، ومرة حين بناها ابن الزبير. قيل : توفي أيام معاوية. (ابن الأثير ـ أسد الغابة : ٥ ـ ١٦٢ ـ ١٦٣. النوويّ ـ

١٤٩

يضع العصا عن عاتقه) (١). هذا مع مسيس الحاجة إلى ذلك والاقتصار على ما ينبه به المشير. وكذا لو علم دخول رجل مع (من لا يوثق) (٢) بدينه ، أو ماله ، أو نفسه ، جاز له تحذيره منه ، وربما وجب ، بأن يقع التحذير المجرد عن الغيبة ، وإلا جاز ذكر عيب فعيب حتى ينتهي ، لأن حفظ نفس الإنسان وماله وعرضه واجب.

وليقتصر على العيب المنوط به ذلك الأمر ، فلا يذكر في عيب التزويج ما يخل بالشركة أو المضاربة أو المزارعة أو السفر ، بل يذكر في كل أمر ما يحل بذلك الأمر ، ولا يتجاوزه.

الرابع : الجرح والتعديل للشاهد والراوي. ومن ثمَّ وضع العلماء كتب الرّجال ، وقسموهم إلى الثقات والمجروحين ، وذكروا أسباب الجرح غالبا.

ويشترط إخلاص النصيحة في ذلك ، بأن يقصد في ذلك حفظ أموال المسلمين ، وضبط (السنة المطهرة) (٣) ، وحمايتها عن الكذب ، ولا يكون حامله العداوة والتعصب. وليس له إلا ذكر ما يخل

__________________

(١) ذكره بهذا النص القرافي في ـ الفروق : ٤ ـ ٢٠٥. ورواه مسلم بلفظ : (أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه ، وأما معاوية فصعلوك لا مال له). صحيح مسلم : ٢ ـ ١١١٤ ، باب ٦ من كتاب الطلاق ، حديث : ٣٦. ومثله في سنن أبي داود : ١ ـ ٥٣٢ ، باب نفقة المبتوتة ، من كتاب الطلاق ، حديث : ١.

(٢) في (أ) : مع من لا يؤمن ولا يوثق. وفي (م) : مع غير من يوثق.

(٣) في (ك) و (أ) : ألسنة الناس. وفي (م) : السنة.

١٥٠

بالشهادة والرواية منه : ولا يتعرض لغير ذلك ، مثل كونه ابن ملاعنة أو شبهة.

الخامس : ذكر المبتدعة وتصانيفهم الفاسدة وآرائهم المضلة. وليقتصر على ذلك القدر (١).

قال العامة (٢) : من مات منهم ولا شيعة له تعظمه ، ولا خلف (كتبا تقرأ) (٣) ، ولا ما يخشى إفساده لغيره ، فالأولى أن يستر بستر الله عزوجل ولا يذكر له عيب البتة ، وحسابه على الله عزوجل وقد قال عليه‌السلام : (اذكروا محاسن موتاكم) (٤) وفي خبر آخر : (لا تقولوا في موتاكم إلا خيرا) (٥).

السادس : لو اطلع العدد الذين يثبت بهم الحد أو التعزير على فاحشة جاز ذكرها عند الحكام بصورة الشهادة في حضرة الفاعل وغيبته.

السابع : قيل (٦) : إذا علم اثنان من رجل معصية شاهداها ، فأجرى أحدهما ذكرها في غيبة ذلك العاصي ، جاز ، لأنه لا يؤثر

__________________

(١) في (م) : القول.

(٢) قاله القرافي في ـ الفروق : ٤ ـ ٢٠٨.

(٣) في (ح) و (أ) و (م) : كتابا يقرأ ، وما أثبتناه مطابق لما في الفروق.

(٤) انظر : سنن أبي داود : ٢ ـ ٥٧٣ ، باب في النهي عن سب الموتى من كتاب الأدب ، وسنن الترمذي : ٣ ـ ٣٣٩ ، باب ٣٤ من كتاب الجنائز ، حديث : ١٠١٩.

(٥) لم أعثر على هذا النص ، ورواه المتقي الهندي بلفظ : (لا تذكروا أمواتكم إلا بخير). كنز العمال : ٨ ـ ١٠٥ ، حديث : ٢٠١١.

(٦) قاله بعض العلماء. انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ٢٠٨.

١٥١

عند السامع شيئا. والأولى التنزه عن هذا ، لأنه ذكر له بما يكره لو كان حاضرا. ولأنه ربما ذكّر بها (١) أحدهما صاحبه بعد نسيانه ، أو كان سببا لاشتهارها.

قاعدة ـ ٢٠٧

الكبر معصية كبيرة (٢) ، والأخبار في ذلك كثيرة (٣) ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (لن يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من الكبر. فقالوا : يا رسول الله إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا (٤). قال : إن الله جميل يجب الجمال ، ولكن الكبر : بطر الحق ، وغمص الناس) (٥). بطر الحق : رده على قائله. والغمص ـ بالصاد المهملة ـ الاحتقار. والحديث مؤوّل بما

__________________

(١) زيادة من (أ).

(٢) زيادة من (ك).

(٣) انظر : صحيح مسلم : ١ ـ ٩٣ ، باب ٣٩ من أبواب الأيمان ، حديث : ١٤٧ ـ ١٤٩ ، وصحيح الترمذي : ٤ ـ ٣٦٠ ـ ٣٦٢ ، باب ٦١ من كتاب البر والصلة ، والحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ١١ ـ ٢٩٨ ، باب ٥٨ من أبواب جهاد النّفس.

(٤) في الفروق : ٤ ـ ٢٢٥ : حسنة.

(٥) انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ٢٢٥. ورواه بلفظ آخر كل من مسلم في ـ صحيحة : ١ ـ ٩٣ ، باب ٣٩ من أبواب الأيمان ، حديث : ٩٤٧ ، والترمذي في ـ صحيحة : ٤ ـ ٣٦١ ، باب ٦١ من أبواب البر ، حديث : ١٩٩٩.

١٥٢

يؤدي إلى الكفر ، أو يراد : أن لا يدخل الجنة مع دخول غير المتكبر بل بعده وبعد العذاب في النار (١).

وقد علم منه : أن التجمل ليس من الكبر في شي‌ء.

وقسم بعضهم (٢) التجمل بانقسام الأحكام الخمسة :

فالواجب : كتجمل الزوجة عند إرادة الزوج منها ذلك ، وتجمل ولاة الأمر إذا كان طريقا إلى إرهاب العدو.

والمستحب : كتجمل المرأة لزوجها ابتداء ، وتجمله لها ، والولاة لتعظيم الشرع ، والعلماء (لتعظيم العلم) (٣).

والحرام : التجمل بالحرير للرجال ، وتجمل الأجنبي للأجنبية ليزني بها.

والمكروه : ليس ثياب التجمل وقت المهنة ، ووقت الحداد في المرأة إذا لم يؤد إلى الزينة (٤).

والمباح : ما عدا ذلك ، وهو الأصل في التجمل ، قال الله سبحانه : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) (٥).

وقال بعضهم (٦) : قد يجب الكبر على الكفار في الحرب وغيره.

وقد يندب ، تقليلا لبدعة المبتدع ، إن كان طريقا إليها. ولو قصد به الاستتباع ، وكثرة الأتباع ، كان حراما ، إذا كان الغرض به الرياء.

__________________

(١) انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ٢٢٥ ـ ٢٢٦.

(٢) هو القرافي في ـ الفروق : ٤ ـ ٢٢٦.

(٣) في (ح) : للتنظيم. وما أثبتناه مطابق لما في الفروق.

(٤) في (ك) و (ح) : الريبة.

(٥) الأعراف : ٣٢.

(٦) هو القرافي في ـ الفروق : ٤ ـ ٢٢٦.

١٥٣

وقال آخر : التواضع للمبتدع أولى ، لاستجلابه (١) ، وأدخل في قمع بدعته.

والعجب : استعظام العبد عبادته. وهذا معصية ، وما قدر العبادة بالنسبة إلى أقل نعمة من نعم الله تعالى؟؟ وكذا استعظام العالم علمه ، وكل مطيع طاعته ، حتى ينسب بذلك إلى التكبر.

والفرق بينه وبين الرياء : أن الرياء مقارن للعبادة ، والعجب متأخر عنها ، فتفسد بالرياء ، لا بالعجب (٢).

ومن حق العابد والورع أن يستقل فعله بالنسبة إلى عظمة الله تعالى ، قال الله تعالى (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) (٣) ، ويتهم نفسه في عمله ، ويرى عليه الشكر في التوفيق له ، قال الله تعالى (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) (٤).

وأما التسميع المنهي عنه في قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (من تسمع تسمع الله به يوم القيامة) (٥) فهو من لوازم العجب ، إذ هو التحدث بالعبادة والطاعة والكمال ليعظم في أعين الناس. فأول ما يحصل في نفسه العجب ، ويتبعه التسميع.

__________________

(١) في (أ) و (م) : في استجلابه.

(٢) انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ٢٢٧.

(٣) الأنعام : ٩١.

(٤) المؤمنون : ٦٠.

(٥) أورده القرافي في ـ الفروق : ٤ ـ ٢٢٨ ، بلفظ : (من سمّع سمع الله به يوم القيامة) ورواه مسلم بلفظ : (من سمّع سمّع الله به) وفي رواية : (من يسمع يسمع الله به). انظر : صحيح مسلم : ٤ ـ ٢٢٨٩ ، باب ٥ من كتاب الزهد ، حديث : ٤٧ ، ٤٨.

١٥٤

قاعدة ـ ٢٠٨

المداهنة في قوله تعالى (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) (١) معصية.

والتقية غير معصية.

والفرق بينهما : أن الأول تعظيم غير المستحق ، لاجتلاب نفعه ، أو لتحصيل صداقته ، كمن يثني على ظالم بسبب ظلمه ، ويصوره بصورة العدل ، أو مبتدع على بدعته ، ويصورها بصورة الحق.

والتقية : مجاملة الناس بما يعرفون ، وترك ما ينكرون ، حذرا من غوائلهم. كما أشار إليه أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢).

وموردها غالبا الطاعة والمعصية. فمجاملة الظالم فيما يعتقده ظلما ، والفاسق المتظاهر بفسقه ، اتقاء شرهما ، من باب المداهنة الجائزة ولا يكاد يسمى تقية. قال بعض الصحابة (٣) : (إنا لنكشر (٤) في

__________________

(١) القلم : ٩.

(٢) انظر : النوري ـ مستدرك الوسائل : ١ ـ ٥١٢ ، باب ١٦ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ، حديث : ٢. كما ورد بهذا المضمون عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام. انظر : المصدر السابق : ٢ ـ ٣٧٨ ، باب ٣ من أبواب الأمر والنهي ، حديث : ٤ ، ٨.

(٣) نسبه القرافي إلى أبي موسى الأشعري. الفروق : ٤ ـ ٢٣٦. وعن علي عليه‌السلام : (إنا لنبشر في وجوه قوم وإن قلوبنا تقليهم). المجلسي ـ البحار : ٧٥ ـ ٤٠١ ، باب ٨٧ من أبواب العشرة ، حديث : ٤٢ (الطبعة الحديثة). وعن أبي الدرداء : (إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتقليهم). ابن منظور ـ لسان العرب : ٥ ـ ١٤٢ ، مادة (كشر) ، والزبيدي ـ تاج العروس : ٣ ـ ٥٢٣ ، مادة (كشر).

(٤) في الفروق : لنشكر. والكشر : بدو الأسنان عند التبسم. وكاشرة : إذا ضحك في وجهه وباسطة. انظر ابن منظور ـ لسان العرب : ٥ ـ ١٤٢ ، مادة (كشر).

١٥٥

وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم).

وينبغي لهذا المداهن التحفظ من الكذب ، فإنه قل أن يخلو أحد من صفة مدح.

وقد دل على التقية الكتاب والسنة ، قال الله تعالى (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْ‌ءٍ ، إِلّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) (١). وقال الله تعالى : (إِلّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) (٢). وقال الأئمة عليهم‌السلام : (تسعة أعشار الدين التقية) (٣). وقالوا عليهم‌السلام : (من لا تقية له لا دين له ، إن الله يحب أن يعبد سرا كما يحب أن يعبد جهرا) (٤). وقالوا عليهم‌السلام : (امضوا (٥) في أحكامهم ولا تشهروا أنفسكم فتقتلوا) (٦). وكتب الكاظم عليه‌السلام إلى

__________________

(١) آل عمران : ٢٨.

(٢) النحل : ١٠٦.

(٣) انظر : الكليني ـ الكافي : ٢ ـ ٢١٧ ، باب التقية من كتاب الإيمان ، حديث : ٢. (باختلاف بسيط).

(٤) أورده الحر العاملي في ـ وسائل الشيعة : ١١ ـ ٤٦٥ ، باب ٢٤ من أبواب الأمر والنهي ، حديث : ٢٣ ، بلفظ : (إن التقية ديني ودين آبائي ولا دين لمن لا تقية له. يا معلى : إن الله يحب أن يعبد في السر كما يحب أن يعبد في العلانية).

(٥) في الوسائل : ١٨ ـ ٥ : اقضوا.

(٦) انظر : الحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ١٨ ـ ٥ ، باب ١ من أبواب صفات القاضي ، حديث : ٧.

١٥٦

علي بن يقطين (١) بتعليم كيفية الوضوء على ما هو عليه العامة ، فتعجب من ذلك ولم يسعه الامتناع ، ففعل ذلك أياما ، فسعي به إلى الرشيد بسبب المذهب ، فشغله يوما بشي‌ء من الديوان في الدار وحده ، فلما حضر وقت الصلاة تجسس عليه ، فوجده يتوضأ كما أمر ، (فسرى عن الخليفة) (٢) واعتذر إليه. فكتب إليه بعد ذلك الإمام عليه‌السلام : أن يتوضأ كذا وكذا ، ووصف له الوضوء الصحيح (٣). وفتاوى أهل البيت عليهم‌السلام مشحونة بالتقية ، وهو أعظم أسباب اختلاف الأحاديث.

تنبيهات :

(الأول) : التقية تنقسم بانقسام الأحكام الخمسة :

__________________

(١) علي بن يقطين بن موسى البغدادي. ولد بالكوفة سنة ١٢٤ ه‍ ، كان أبوه على صلة وثيقة بأبي العباس السفاح والمنصور ، وكان يتشيع ويقول بالإمامة ، وكذلك ولده علي ، وكان يحمل الأموال إلى الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام. وكان علي هذا جليل القدر ، له منزلة عظيمة عند أبي الحسن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه‌السلام. توفي ببغداد سنة ١٨٢ ه‍ وصلى عليه الأمين ، ولي عهد الرشيد العباسي. (المامقاني ـ تنقيح المقال : ٢ ـ ٣١٥).

(٢) في (ح) و (أ) : فسر الحليفة.

(٣) انظر نصّ الرواية في ـ وسائل الشيعة : ١ ـ ٣١٣ ، باب ٣٢ من أبواب الوضوء ، حديث : ٣.

١٥٧

فالواجب : إذا علم أو ظن نزول الضرر بتركها به ، أو ببعض المؤمنين.

والمستحب : إذا كان لا يخاف ضررا عاجلا ، ويتوهم ضررا آجلا ، أو ضررا سهلا ، أو كان تقية في المستحب ، كالترتيب في تسبيح الزهراء عليها‌السلام ، وترك بعض فصول الأذان.

والمكروه : التقية في المستحب حيث لا ضرر عاجلا ولا آجلا ، ويخاف منه الالتباس على عوام المذهب.

والحرام : التقية حيث يأمن الضرر عاجلا وآجلا ، أو في قتل مسلم. قال أبو جعفر عليه‌السلام : (إنما جعلت التقية ليحقن بها الدم (١) ، فإذا بلغ الدم فلا تقية) (٢).

والمباح : التقية في بعض المباحات التي ترجحها العامة ، (ولا يحصل بتركها) (٣) ضرر.

(الثاني) : التقية تبيح كل شي‌ء حتى إظهار كلمة الكفر ، ولو تركها (٤) حينئذ أثم إلا في هذا المقام ، ومقام التبري من أهل البيت عليهم‌السلام ، فإنه لا يأثم بتركها ، بل صبره حينئذ إما مباح أو مستحب ، وخصوصا إذا كان ممن يقتدى به.

__________________

(١) في (أ) و (م) و (ح) : الدماء.

(٢) انظر : الكليني ـ الكافي : ٢ ـ ٢٢٠ ، باب التقية من كتاب الإيمان ، حديث : ٦. وقد ورد فيه بلفظ : (... فإذا بلغ الدم فليس تقية).

(٣) في (ح) : ولا يصير تركها. وفي (أ) و (م) : ولا يصل.

(٤) أي ترك التقية.

١٥٨

(الثالث) : الذريعة أيضا تنقسم بانقسام الأحكام الخمسة ، باعتبار ما هي وسيلة إليه ، لأن الوسائل تتبع المقاصد :

فالواجب : ما وقى به دمه ، وماله ، ولا طريق إلا به. وكذا إذا كان طريقا إلى دفع مظلمة عن الغير ، وهو مسلم أو معاهد.

والمستحب : ما كان طريقا إلى المستحب ، كأن يحسّن خلقه للظالم ، ليحسن خلقه.

والمكروه : ما كان لمجرد خور (١) في الطبع ، لا لدفع ضرر.

والحرام : ما كان طريقا إلى زيادة شر الظالم ، وترغيبه في الظلم ، ومحرّضا للمداهن على الانهماك في المعاصي ، والمثابرة (٢) عليها.

والمباح : ما عدا ذلك.

قاعدة ـ ٢٠٩

يجوز تعظيم المؤمن بما جرت به (عادة الزمان) (٣) وإن لم يكن منقولا عن السلف ، لدلالة العمومات عليه ، قال الله تعالى (ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (٤). وقال تعالى : (ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) (٥).

__________________

(١) في (م) : حذار. والخور ـ بالتحريك ـ الضعف.

(٢) في (ك) : والمنابزة ، وفي (ح) : المشاهرة. وفي (أ) : المشاورة.

(٣) في (ك) : العادة في الزمان.

(٤) الحج : ٣٢.

(٥) الحج : ٣٠.

١٥٩

ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (لا تباغضوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تدابروا ، ولا تقاطعوا ، وكونوا عباد الله إخوانا) (١).

فعلى هذا يجوز القيام والتعظيم بانحناء وشبهه ، وربما وجب إذا أدى تركه إلى التباغض والتقاطع ، أو إهانة المؤمن. وقد صح أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قام إلى فاطمة عليها‌السلام (٢) ، وقام إلى جعفر (٣) عليه‌السلام لما قدم من الحبشة (٤) ، وقال للأنصار : (قوموا إلى سيد كم) (٥) ، ونقل : أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قام

__________________

(١) انظر : صحيح مسلم : ٤ ـ ١٩٨٣ ، باب ٧ من أبواب البر والصلة ، حديث : ٢٣.

(٢) انظر : سنن أبي داود : ٢ ـ ٦٤٥.

(٣) هو جعفر بن أبي طالب الهاشمي الطيار ، كان من أشبه الناس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خلفا وخلقا. أسلم بعد إسلام أخيه علي عليه‌السلام ، وكان من المهاجرين الأولين إلى الحبشة ، وقدم منها على رسول الله بعد فتح خيبر ، فعانقه صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : « ما أدري بأيهما أشد فرحا بقدوم جعفر أو بفتح خيبر ». ثمَّ غزا غزوة مؤتة سنة ثمان فقتل فيها ، وعمره إحدى وأربعين سنة. (المامقاني ـ تنقيح المقال : ١ ـ ٢١٢).

(٤) انظر : الشيخ الصدوق ـ الهداية : ٣٧ ، والمقنع : ٤٣ ، والقرافي ـ الفروق : ٤ ـ ٢٥٣.

(٥) انظر : سنن أبي داود : ٢ ـ ٦٤٥. والمقصود : هو سعد بن معاذ الأنصاري.

١٦٠