القواعد والفوائد - ج ٢

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

القواعد والفوائد - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: السيّد عبد الهادي الحكيم
الموضوع : الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٥
الجزء ١ الجزء ٢

خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد) (١). وقوله : (ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة) (٢) (٣).

والجواب : ما ذكرناه أوضح دلالة. والوجوه الأوّل فيها دلالة على التعظيم ، أما على الأفضلية فلا.

وأما الخيريّة ، فهي مطلقة ، فيحتمل الخيريّة في سعة الرزق أو المتجر أو سلامة المزاج ، أو في ساكني هذه وساكني تلك.

وأما دعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيحمل على المصرح به فيه.

وهو الصاع والمد (٤).

والمراد بأحب البقاع إليك بعد مكة ، لأنه كان قد يئس من دخولها في ذلك الوقت ، فلم يرد إلا مكانا يرجو دخوله إليه ، ويجوز أن

__________________

(١) انظر : القرافي ـ الفروق : ٢ ـ ٢٣١. وفي كنز العمال : ٦ ـ ٢٥١ ، حديث : ٤٥١٩ ، ورد بلفظ : (تنفي المدينة الخبث كما ينفي الكير خبث الحديد).

(٢) انظر : الخفاجي ـ نسيم الرياض : ٣ ـ ٥٣٣ ، والمتقي الهندي ـ كنز العمال : ٦ ـ ٢٥٤ ، حديث : ٤٥٧٢ ، ٤٨٧٤ ، ٤٨٨١.

(٣) أورد هذه الأدلة القرافي في ـ الفروق : ٢ ـ ٢٢٩ ـ ٢٣١ ، وناقشها بنحو ما أجاب عنها المصنف.

(٤) جاء في صحيح مسلم : ٢ ـ ١٠٠٠ ، باب ٨٥ من كتاب الحج ، حديث : ٤٧٣ (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : اللهم بارك في تمرنا ، وبارك لنا في مدينتنا ، وبارك لنا في صاعنا ، وبارك لنا في مدنا).

١٢١

يكون معنى الأحبية لها : الأحبية لأهلها ، باعتبار اشتمالها عليهم (١) ، وقد كان إذ ذاك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيها (٢) ، يرشد الخلق إلى الله تعالى ، فانقضى التبليغ عن الله بغير واسطة بموته عليه‌السلام ، وإن كان قد أسند المحبة إليها ، فالمراد أهلها ، كقولنا : الأرض المقدسة ، أي من فيها ، والواد المقدس : أي الّذي (٣) قد شرفته الملائكة والكليم عليهم‌السلام (٤).

والصبر على اللأواء ، دليل على (٥) الفضل ، والكلام في الأفضل. ولأنه مطلق بحسب الزمان ، فيحمل على زمانه عليه‌السلام والكون معه لنصرته. ويؤيده خروج أكابر الصحابة إلى البلاد كعلي عليه‌السلام.

وأما الأرز ، فهو عبارة عن تردد المسلمين في حال حياته عليه‌السلام واجتماعهم وانضمامهم إليها ، فلا بقاء لهذه الفضيلة بعد موته عليه‌السلام. وكذا حديث : الكبر ، مخصوص بزمانه عليه‌السلام ، لخروج أكابر الصحابة منها.

وأما الروضة ، فقد يلزم بأنها أفضل من سائر أجزاء المدينة ، ولا يلزم من ذلك أفضليتها على مكة ، لأن مكة كلها رياض الجنة ، ففي الخبر عن أهل البيت عليهم‌السلام : (الركن اليماني على ترعة من ترع الجنة) (٦).

__________________

(١) في (ح) و (م) و (أ) : عليها.

(٢) زيادة من (ك) و (م).

(٣) زيادة من (ح).

(٤) انظر : ابن عبد السلام ـ قواعد الأحكام : ١ ـ ٤٨.

(٥) زيادة من (ك).

(٦) لم أعثر على هذا النص. وكل الّذي وجدته أن (الركن اليماني على باب من أبواب الجنة). انظر : الحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ٩ ـ ٤٢٢ ، باب ٢٣ من أبواب الطواف ، حديث : ٦.

١٢٢

قلت : ولا أرى لهذا الاختلاف كثير فائدة ، فإن أفضلية البقاع لا تكاد تتحقق بالمعنى المشهور من كثرة الثواب ، (وغايته أنه يجعل العامل) (١) فيه أكثر ثوابا من غيره. وقد تظافرت الاخبار (٢) بأفضلية الصلاة في مكة على المدينة وغيرها من البلدان ، ولا ريب في اختصاصها بأعمال الحج ، ومنها الطواف الّذي هو من أفضل الأعمال.

وقد روى الأصحاب أيضا أفضلية الصدقة فيها على غيرها حتى أن الدرهم بمائة ألف درهم فيها (٣) ، رواه خالد (٤) القلانسي عن الصادق عليه‌السلام في الخبر الّذي فيه : (أن الصلاة فيها بمائة ألف صلاة) وجعل في المدينة (الصلاة بعشرة آلاف ، والدرهم بعشرة آلاف) (٥). وعن علي بن الحسين زين العابدين عليهما‌السلام : (تسبيحة بمكة أفضل من خراج العراقين ينفق في سبيل الله) (٦) ،

__________________

(١) في (ح) : وغاية ما فيه إنه يجعل للعامل.

(٢) انظر : صحيح مسلم : ٢ ـ ١٠١٢ ـ ١٠١٤ ، باب ٩٤ مر كتاب الحج ، حديث : ٥٠٥ ـ ٥١٠ ، والمتقي الهندي ـ كنز العمال : ٦ ـ ٢٣٩ ، حديث : ٤٢٥٥ ـ ٤٢٥٨.

(٣) في (ح) و (أ) : فيما.

(٤) في الكافي : ٤ ـ ٥٨٦ : خلّاد.

(٥) انظر نصّ الرواية في ـ الكافي ، للكليني ، ٤ ـ ٤٨٦ ، حديث : ١.

(٦) انظر : الصدوق ـ من لا يحضره الفقيه : ٢ ـ ١٤٦ ، حديث : ٦٤٥ ، وقد ورد بلفظ : (تعدل خراج ...).

١٢٣

(ومن ختم القرآن بمكة لم يمت حتى يرى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويرى منزله في الجنة) (١). وفي هذا إيماء إلى أن باقي الأعمال تتضاعف فيها. وقد جاءت الرواية بعظم الذنب أيضا في مكة ، حتى قيل : من الإلحاد فيها شتم الخادم (٢). وكل هذا يدل على شرف البقعة بحيث يتزايد فيها ثواب العمال على الأعمال.

وزعم بعض مغاربة العامة (٣) : أن الأمة أجمعت على أن البقعة التي دفن فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل البقاع.

ونازعه بعض العلماء (٤) في تحقق الأفضلية هنا أولا ، وفي دعوى الإجماع ثانيا.

فائدة (٥)

ولغير (٦) مكة والمدينة مواضع تتفاوت بالفضيلة ، كالكوفة ،

__________________

(١) هذه الرواية مروية عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام. انظر : البرقي ـ المحاسن : ٦٩ ، حديث : ١٣٤ ، من ثواب الأعمال.

(٢) انظر : الكليني ـ الكافي : ٤ ـ ٢٢٧ ، باب الإلحاد بمكة ، حديث : ٢ ، وابن حجر الهيثمي ـ الزواجر : ١ ـ ١٨٧.

(٣) هو القاضي عياض اليحصبي المالكي. انظر : القرافي ـ الفروق : ٢ ـ ٢٣٢ ، والخفاجي ـ نسيم الرياض شرح شفاء القاضي عياض : ٣ ـ ٥٣١.

(٤) بعض علماء الشافعية. انظر : القرافي ـ الفروق : ٢ ـ ٢٣٢.

(٥) في (ح) : قاعدة.

(٦) في (أ) و (ك) : بغير.

١٢٤

وبيت المقدس ، والمشاهد الشريفة ، وخصوصا الحائر المقدس على ساكنه السلام ، حتى قد جاء في الحديث [ القدسي ] عنهم عليهم‌السلام : (قرّي كعبة ، لو لا بقعة تسمى كربلاء ما خلقتك. فلما ابتهجت كربلاء ، قال لها : قرّي كربلاء ، لو لا من يدفن فيك ما خلقتك) (١).

وبعد ذلك المساجد ، وتتفاوت بكثرة الجماعات. وما صلى فيه نبي أو وصي نبي (٢) أفضل من غيره.

ثمَّ الثغور ، وأفضلها أشدها خطرا. ثمَّ مجالس الذّكر والعلم ، وذلك باعتبار شرف الطاعة المفعولة فيها ، لا باعتبار أجرامها (٣) ، أو أعراض قائمة بها.

وكذلك قد وقع التفضيل بين الأزمنة ، كشهر رمضان ، والجمع ، والأيام الأربعة (٤) ، والليالي الأربع (٥) ، وأزمنة الأغسال.

__________________

(١) انظر نصّ الحديث في ـ وسائل الشيعة : ١٠ ـ ٤٠٣ ، باب ٦٨ من أبواب المزار ، حديث : ٢.

(٢) زيادة من (ك) و (ح).

(٣) في (ح) و (م) : أجزائها. مصباح المتهجد : ٢ ـ ورقة : ١٢٢ (مخطوط بمكتبة السيد الحكيم العامة بالنجف برقم : ١٢٥٩).

(٤) وهي : يوم الغدير ، وهو يوم الثامن عشر من ذي الحجة ، ويوم دحو الأرض وهو يوم الخامس والعشرين من ذي القعدة ، ويوم المبعث وهو يوم السابع والعشرين من رجب ، ويوم ولادة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو يوم السابع عشر من ربيع الأول. وهذه الأيام يستحب صومها. انظر : ابن حمزة ـ الوسيلة : ٢٣.

(٥) لعله يقصد بها ما رواه الشيخ الطوسي عن علي عليه‌السلام : (كان يعجبه أن يفرّغ نفسه أربع ليال في السنة ، وهي : أول ليلة من رجب ، وليلة النصف من شعبان ، وليلة الفطر ، وليلة النحر).

١٢٥

قاعدة ـ ١٩٠

حرم (١) الأصحاب أخذ (٢) الأجرة على القضاء ، والإقامة ، والأذان. وجوزوا الرزق من بيت المال (٣).

فيسأل عن الفرق بينهما ، وكلاهما عوض عن تلك الأفعال.

فيجاب : بأن الرزق إحسان ومعروف ، وإعانة من الإمام على قيام بمصلحة عامة ، وليس فيه معاوضة.

ويفارق الإجارة : بأن الارتزاق جائز ، والإجارة لازمة. وبأنه يجوز زيادته ونقصه بحسب المصلحة ، بخلاف الإجارة. ويجوز أيضا تغيير (٤) جنسه وتبديله ، بخلاف مال الإجارة. وبأنه يصرف في الأهم من المصالح فالأهم. ولأن مال الإجارة يورث ، بخلاف الرزق (٥).

__________________

(١) في (أ) زيادة : بعض.

(٢) زيادة من (م) و (أ).

(٣) انظر : الشيخ الطوسي ـ المبسوط : ٨ ـ ٨٤ ـ ٨٥ ، والعلامة الحلي ـ قواعد الأحكام : ١٢ ، ٢٢٤ ، وتحرير الأحكام : ٢ ـ ١٨٠ ، ومختلف الشيعة : ١ ـ ٩٠.

(٤) في (أ) و (م) : بغير ، وما أثبتناه مطابق لما في الفروق : ٣ ـ ٣.

(٥) انظر هذه الفروق بين الإجارة والرزق في ـ الفروق ، للقرافي : ٣ ـ ٣.

١٢٦

ولو قيل : بأنه معاوضة للمسلمين أمكن ، لأن العمل للمسلمين ، فالعوض منهم ، وإنما لم تجعل إجارة إبقاء لها على الجواز ، واقتداء بالسلف.

فائدة

كل عبادة أريد بها غير الله تعالى ليراه الناس فهي المشتملة على الرياء ، سواء أريد مع ذلك الله تعالى بها ، أولا. أما لو كان للعمل غاية دنيوية ، شرعية أو أخروية ، فأراده الإنسان مع القربة ، فإنه لا يسمى رياء ، كطلب الغازي الجهاد لله وللغنيمة. وقراءة الإمام للصلاة وللتعليم. وتلاوة آية من القرآن بقصد القراءة والتفهيم.

وتحسين الصلاة من المقتدى به ليقتدي به الناس.

ومنه : صلاة الفريضة في المسجد ، وإظهار الزكاة الواجبة. وكذا مريد الحج والتجارة ، أو الصيام (١) ليقطع عنه شهوة النكاح أو ليصح جسمه ، فان الخبر دال عليهما (٢).

ومنه : الوضوء للتبرد مع القربة أو التنظيف معها.

فالضابط : أنه كل ضميمة يقصد بها العبد منفعة لازمة للعبادة ، لا يريد بها اجتلاب نفع من الناس ، ولا دفع ضرر عنه ، لا من حيث العبادة. فلو قصد دفع الضرر (بعبادة التقية) (٣) لم يكن رياء.

__________________

(١) في (أ) و (ك) و (م) : الصائم.

(٢) انظر : الحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ٧ ـ ٣٠٠ ، باب ٤ من أبواب الصوم المندوب ، حديث : ١ ـ ٤ ، وج ١٤ ـ ١٧٨ ، باب ١٣٩ من أبواب مقدمات النكاح ، حديث : ١ ، ٢.

(٣) في (ح) : كعبادة التقية. وفي (م) : كعبادته للتقية.

١٢٧

وكذا لو قصد دفع الضرر بتركه الصلاة والصيام (١).

قاعدة ـ ١٩١

الحكمة في إباحة الأربع (٢) دون ما زاد في الدوام ، والإباحة مطلقا في غيره من المتعة وملك اليمين ، وقد كان في شرع موسى عليه‌السلام جائزا بغير حصر ، مراعاة لمصالح الرّجال ، وفي شرع عيسى عليه‌السلام لا تحل سوى الواحدة ، مراعاة لمصلحة النساء (٣) ، فجاءت هذه الشريعة المطهرة مراعية للمصلحتين ، والتزويج الدائم مظنة التضرر بالشحناء والعداوة ، بسبب المنافسة (٤) الدائمة ، وكان غاية صبر المرأة على ذلك العدد ، اعتبرت الأربع.

أما (٥) الإماء فإنهن للخدمة غالبا والوطء بالتبعية ، وذل الرق يمنعهن من (المنافسة المولدة) (٦) للشحناء. والحرائر وإن خدمن إلا أن الخدمة فيهن بالتبعية ، (وأنفه الحرية) (٧) تمنعهن من الصبر على المنافسة (٨).

__________________

(١) انظر هذه الفائدة في ـ الفروق : ٣ ـ ٢٢ ـ ٢٣.

(٢) أي التزويج بأربع نساء.

(٣) انظر : القرافي ـ الفروق : ٣ ـ ١١٢.

(٤) في (ك) و (ح) و (م) المناقشة.

(٥) في (ك) : إلا.

(٦) في (ح) : المناقشة المؤكدة.

(٧) في (ح) و (م) : وأيضا الحرية. وفي (ك) : والأنفة.

(٨) في (ك) و (م) و (ح) : المناقشة.

١٢٨

وأما المتعة ، فلكونها إلى أجل مخصوص سهل فيه الخطب ، لأن كلا من الزوجين ينتظره ، (فلا تعظم فيه الشحناء) (١). هذا مع عدم وجوب الإنفاق والمساكنة اللذين هما مثار آخر للشحناء ، وربما زادا على مثار الاستمتاع أو قارباه (٢).

وإنما أبيح للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الزيادة إظهارا لشرفه ومزيته (٣) على أمته ، أو للوثوق بعدله ، وإلهام أزواجه الصبر على لوازم الضرائر ، إكراما له.

قاعدة ـ ١٩٢

يحرم على الرّجل نسبا (٤) : أصوله وفصوله ، وفصول أول أصوله ، وأول فصل من كل أصل. ويحرم عليه مثله رضاعا. و [ يحرم ] بالمصاهرة : أصول زوجته مطلقا ، وفصولها مع الدخول. و [ يحرم ] جمعا : الأختان مطلقا ، والعمة والخالة مع بنت المنسوبة إليهما بالوصفين ، إلا مع رضاهما. و [ يحرم ] على المرأة ما حرم على الرّجل عينا إذا فرض ذكرا ، وعلى الخنثى المشكل التزويج مطلقا. ويحرّم الزنا السابق ، ووطء الشبهة ، ما حرمه الصحيح. واللواط : أم الموطوء فعالية ، وابنته فنازلة ، والأخت فحسب. واللعان وشبهه. وطلاق التسع للعدة.

__________________

(١) في (ك) : فلا تعظيم فيه للشحناء.

(٢) انظر هذه القاعدة في ـ الفروق : ٣ ـ ١١٢ ـ ١١٣.

(٣) في (ح) : ورتبته

(٤) في (م) و (ح) و (أ) : نساء.

١٢٩

والوثنية تحرم على المسلم مطلقا. والكتابية دواما ابتداء. والخامسة في الدوام على الحر من الحرائر. والثالثة من الإماء عليه ، وينعكس في العبد. والمبعض عبد بالنسبة إلى الحرائر ، وحر بالنسبة إلى الإماء ، والمبعضة كذلك. والإفضاء ما دامت غير صالحة ، فإن صلحت فيه قولان (١).

قاعدة ـ ١٩٣

يجوز الجمع بين عقدين مختلفين حكما ، إما في اللزوم والجواز ، كالبيع ، والجعالة ، والشركة ، أو في المكايسة والمسامحة ، كالبيع ، والنكاح ، أو في التشديد وامتناع الخيار وجوازه ، كالبيع ، والصرف ، أو في الغرر وعدمه ، كالبيع ، والقراض ، والمساقاة.

ومنع بعضهم من جواز هذه الستة (٢) ، ويجمع أوائل أسمائها (جص مشنق) ، اعتبارا بتنافيها. وجوّزوا اجتماع البيع والإجارة ، لاشتراكهما في اللزوم.

لنا : أن ذلك في قوة عقدين ، فيعطى كل منها حكمه الشرعي.

قاعدة ـ ١٩٤

كل ما جازت الوكالة فيه فتبرع به الغير :

__________________

(١) تقدم في : ١ ـ ١٧٣ ، ٣٨٢ ، ذكر بعض القائلين بحلية الوطء إن صلحت ، فراجع.

(٢) وهي : الجعالة ، والصرف ، والمساقاة ، والشركة ، والنكاح ، والقرض. انظر : القرافي ـ الفروق : ٣ ـ ١٤٢. وقد منع اجتماعها جمع من الفقهاء ، كما ذكره القرافي.

١٣٠

فان كان فعلا ، وقع موقعه ، كرد الوديعة والغصب ، وقضاء الدين ، ونفقة الزوجة والأقارب والبهائم ، والحج والصوم والصلاة عن الميت ، والزكاة عنه.

وإن كان عقدا ، وقف على الإجازة ، كسائر العقود ، والفسوخ.

ومن الأفعال ما يقف أيضا على الإجازة ، كقبض دين الغير من المديون ، وقبض أحد الشريكين من الغريم ، وقبض المبيع عن المشتري والثمن عن البائع ، وقبض الرهن عن المرتهن ، علي احتمال ، وكذا قبض الموهوب عن المتهب.

وإن كان إيقاعا ، بطل ، كالطلاق والعتق.

وكل ما لا يجوز التوكيل فيه لا يجزئ من المتبرع ، كالإيمان ، والطهارة (١) ، والقسم (٢) ، والقسم (٣).

قاعدة ـ ١٩٥

كل عدة لا يشترط فيها العلم بأنها عدة ، إلا : في المتوفى عنها زوجها ، وفي المسترابة بعد مضي تسعة أشهر.

أما في المتوفى عنها ، فللحداد ، إذ هو (٤) المقصود. وأما في المسترابة. فلأن الأول كان لغاية الاستبراء من الحمل لا للاعتداد.

ولأن الغالب في العدد (٥) التعبد المحض ، كاعتداد الصغيرة واليائسة

__________________

(١) في (ك) : الظهار.

(٢) أي اليمين.

(٣) أي القسم بين الزوجات.

(٤) زيادة من (أ).

(٥) في (ح) و (أ) و (م) : العدة.

١٣١

وغير المدخول بها ، عدة الوفاة ، وكمن غاب عن زوجته سنين ، فحضر ، ثمَّ طلقها قبل المسيس.

وقال بعض العامة (١) : إنما وجب ثلاثة أشهر بعد التربص ، لأنا نعلم يأسها بعدها ، وقد قال الله تعالى (وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ ...) (٢). الآية ، رتب الاعتداد على اليأس ، فلا يحصل قبله ، كسائر الأسباب والمسببات.

وهذا غير مستقيم ، لأنه لا نعلم (٣) بمضي هذا القدر يأس المرأة ، كيف وقد تبقى سنين بغير حيض ثمَّ تحيض؟

قاعدة (٤) ـ ١٩٦

الفرق بين العدة والاستبراء (٥) : أن العدة (٦) تجامع العلم ببراءة الرحم ، بخلاف الاستبراء.

ومن ثمَّ لم تستبرأ الصغيرة ، ولا اليائسة ، ولا الحامل من زنا ، ولا من غاب عنها سيدها مدة تحيض فيها ، ولا أمة المرأة ، على الأظهر.

ولو كان البائع محرما للأمة ، كما يتفق بالمصاهرة أو الرضاع ، على خلاف فيه (٧) ، فالأقرب عدم وجوب الاستبراء ، صونا للمسلم

__________________

(١) هو القرافي في ـ الفروق : ٣ ـ ٢٠١ ـ ٢٠٢.

(٢) الطلاق : ٤.

(٣) في (ح) و (أ) : لا يعلم.

(٤) في (ح) : فائدة.

(٥) انظر في هذا الفرق : القرافي ـ الفروق : ٣ ـ ٢٠٣ ـ ٢٠٥.

(٦) في (م) زيادة : لا ، والظاهر أن الصواب ما أثبتناه.

(٧) المشهور لدى المالكية وجوب الاستبراء. وقال : أشهب بعدم وجوبه. انظر : القرافي ـ الفروق : ٣ ـ ٢٠٤.

١٣٢

عن الحرام.

ولما كان المغلب في الاستبراء براءة الرحم ، لا التعبد ، اكتفي فيه بقرء واحد ، بخلاف العدة.

وحيض الحبلى نادر ، ولو قلنا به.

قاعدة ـ ١٩٧

الملك : حكم شرعي مقدر في العين ، أو المنفعة ، يؤثر تمكين المضاف إليه من الانتفاع به ، والعوض عنه من حيث هو كذلك (١).

وإنما كان حكما شرعيا ، لأنه يتبع الأسباب الشرعية. وأما أنه مقدر ، فلأنه يرجع إلى تعلق خطاب الشرع ، والتعلق (٢) أمر اعتباري ، بل يقدر في العين والمنفعة ، عند حصول الأسباب المحصلة له. والتقييد بالانتفاع ، ليخرج تصرف الوصي ، والوكيل ، والحاكم ، مع عدم تحقق الملك. والتقييد بالعوض ، لتخرج الإباحة ، كما في الضيف ، والمار على الشجرة المثمرة ، على خلاف (٣). ويخرج الاختصاص في المسجد والرباط والطرق ومقاعد الأسواق ، فإن هذه لا تملك فيها ، مع التمكن الشرعي من التصرف. والتقييد بالحيثية ، ليخرج عنه ما يعرض من مانع الحجر على المالك ، فان الملك يقتضي ذلك من حيث

__________________

(١) انظر : المصدر السابق : ٣ ـ ٢٠٨ ـ ٢٠٩. والسيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٣٤٢ (نقله عن ابن السبكي).

(٢) في (ح) زيادة : هو.

(٣) انظر : العلامة الحلي ـ مختلف الشيعة : ٥ ـ ١٣٥ ـ ١٣٦.

١٣٣

هو هو ، وإنما التخلف لمانع ، ولا تنافي بين الإمكان الذاتي والامتناع الغيري.

ولا يرد النقض : بملك الملك (١) ، لأنه لا يسمى ملكا حقيقيا.

وكذا الضيافة ، إذ الأصح أنه لا تملك ولا بالمضغ (٢). ولا بالوقف (٣) ، عند من قال بملك الموقوف عليه (٤) ، لأن الانتفاع حاصل به في الجملة ، والاعتياض قد يحصل في صورة بيع الوقف.

ولا مالك الانتفاع دون المنفعة (٥) ، كالمسكن ، لأن ذلك لا يعد ملكا حقيقيا.

وعلى هذا : الملك من الأحكام الخمسة ، أعني الإباحة. (وله اعتبار) (٦) يلحقه بالوضع ، إذ هو سبب في الانتفاع ، إلا أنه غير المصطلح عليه ، إذ الضابط في خطاب الوضع : ما كان متعلقا بأفعال

__________________

(١) في (ح) و (م) : اليمين. والصواب ما أثبتناه ، لمطابقته لما في الفروق : ٣ ـ ٢١٢ ، الّذي اعتمد عليه المصنف في هذه القاعدة.

(٢) أي حتى بالمضغ ، لأن الضيافة إباحة لا تمليك ، خلافا للشافعية. انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٢٤٣.

(٣) أي لا يرد النقض بالوقف بناء على إنه ملك الموقوف عليه ، كما بينه القرافي في ـ الفروق : ٣ ـ ٢١٢.

(٤) انظر : الشيرازي ـ المهذب : ١ ـ ٤٤٢ ـ ٤٤٣ ، وابن رجب ـ القواعد : ٤٢٦ ، والمحقق الحلي ـ شرائع الإسلام : ٢ ـ ٢١٨.

(٥) أي لا يرد النقض على ما ذكره تعريفا للملك بمالك الانتفاع دون المنفعة.

(٦) في (ح) : والاعتبار.

١٣٤

المكلفين لا على وجه الاقتضاء والتخيير. ولو صلحت السببية هنا لجعله من خطاب الوضع لكان أكثر الأحكام منه ، إذ النكاح ـ مثلا ـ سبب في الحل ، والحل سبب في وجوب حقوق الزوجية ، التي هي سبب في أمور أخر. والدلوك سبب في وجوب الصلاة ، والوجوب سبب لاستحقاق (١) الثواب بالفعل والعقاب بالترك ، وسبب تقديمه على غيره من المندوبات (٢).

قاعدة ـ ١٩٨

الذّمّة : معنى مقدر في المكلف قابل للالتزام والإلزام (٣).

فلا ذمة للصبي والسفيه ، إلا عند إتلاف مال الغير ، أو جناية السفيه مطلقا. وللعبد ذمة.

ويسلب الصبي والسفيه ذمة الإلزام والالتزام (٤) بنحو : البيع ، والضمان ، والحوالة ، والصداق ، إلا أن يكون عقد السفيه عن إذن الولي ، أو يكون للصبي مال حال عقد النكاح ، إن قلنا يتعلق بذمته ، وإن قلنا يتعلق بماله ، وكذا ما أتلف ، فلا ذمة له أصلا.

ولكن يشكل الإتلاف من الصبي حال عدم ماله ، فإنه يؤخذ (٥)

__________________

(١) في (ح) : في استحقاق.

(٢) للتوسع في هذه القاعدة انظر : القرافي ـ الفروق : ٣ ـ ٢٠٨ ـ ٢١٨.

(٣) انظر : المصدر السابق : ٣ ـ ٢٣٠ ـ ٢٣١.

(٤) في (ح) زيادة : تستحق.

(٥) في (ك) : يوجد.

١٣٥

منه متى صار له مال ، فلا بد من متعلق في حال الصغر.

ويمكن أن يقال : التعليق هنا مقدر ، بمعنى أنه إذا بلغ وجب عليه العزم ، أو وليه قبل بلوغه.

وأما أهلية التصرف فمغايرة للذمة ، لأن المعني بها : قبول يقدره الشارع في المحل ، ولا يشترط فيه سوى البلوغ. ومن جعل للمميز تصرفا (١) ، اكتفى بالتمييز.

ولا يشترط في الأهلية : ملك المتصرف فيه ، لأن عقد الفضولي صادر من أهله ، غاية ما في الباب أن ذلك شرط في اللزوم.

والحاصل : أنه لا يشترط في الأهلية : التذمم ، فان الوصي ، والوكيل ، والحاكم ، وأمينه ، لهم الأهلية ، ولا يتعلق بذممهم (٢) شي‌ء. وكذلك ولي النكاح ، له أهلية العقد على المولى عليه ، والنكاح لا يتصور ثبوته في الذّمّة.

والظاهر : أن الذّمّة ، وأهلية التصرف ، من خطاب الوضع ، من باب إعطاء المعدوم حكم الموجود ، وذلك لأنه لا شي‌ء قائم بالمحل من الصفات الموجودة ـ كاللون والطعم ـ وإنما هو نسبة مخصوصة يقدرها صاحب الشرع موجودة عند سببها ، كما يقدر الملك في العتق عن الغير ، ولذلك تذهب هذه التقادير بذهاب أسبابها ، وتثبت بثبوتها.

ويجوز أن يقدرا من خطاب التكليف ، لأن معناهما إباحة التصرف بالإلزام والالتزام (٣).

__________________

(١) كالمالكية. انظر : القرافي ـ الفروق : ٣ ـ ٢٢٧ ، ٢٣٢.

(٢) في (ك) : في ذمتهم.

(٣) للتوسع في هذه القاعدة النّظر : القرافي ـ الفروق : ٣ ـ ٢٢٦ ـ ٢٣٦.

١٣٦

قاعدة ـ ١٩٩

الغرر لغة : ما له ظاهر محبوب وباطن مكروه. قاله بعضهم (١). ومنه قوله تعالى (مَتاعُ الْغُرُورِ) (٢).

وشرعا : هو جهل الحصول.

وأما المجهول : فمعلوم الحصول مجهول الصفة.

وبينهما عموم وخصوص من وجه ، لوجود الغرر بدون الجهل ، في العبد الآبق إذا كان معلوم الصفة من قبل ، أو بالوصف الآن. ووجود الجهل بدون الغرر ، كما في المكيل والموزون والمعدود ، إذا لم يعتبر. وقد يتوغل في الجهالة ، كحجر لا يدري أذهب ، أم فضة ، أم نحاس ، أم صخر (٣). ويوجدان معا ، في العبد الآبق المجهول صفته :

ويتعلق الغرر والجهل (٤) (تارة) بالوجود ، كالعبد الآبق : و (تارة) بالحصول ، كالعبد الآبق المعلوم وجوده ، والطير في الهواء. و (بالجنس) كحب لا يدرى ما هو ، وكسلعة من سلع مختلفة. و (بالنوع) كعبد من عبيده. و (بالقدر) كالمكيل الّذي لا يعرف قدره ، والبيع إلى مبلغ السهم. و (التعيين) كثوب من ثوبين مختلفين. وفي (البقاء) ، كبيع الثمرة قبل بدو الصلاح عند بعض الأصحاب (٥). ولو شرط في العقد أن يبدو الصلاح ، لا محالة

__________________

(١) هو القاضي عياض. انظر : القرافي ـ الفروق : ٣ ـ ٢٦٦.

(٢) آل عمران : ١٨٥ ، والحديد : ٢٠.

(٣) في (أ) : أو صفر.

(٤) في (أ) : والجهالة.

(٥) انظر : الشيخ الطوسي ـ النهاية : ٤١٤ ـ ٤١٥ ، والصدوق المقنع : ١٢٣ : وابن حمزة ـ الوسيلة : ٤٥ ، وأبا الصلاح الحلي ـ الكافي : ١٤٦ (مخطوط بمكتبة السيد الحكيم العامة في النجف برقم : ٦٤١). ونسبه العلامة الحلي في ـ المختلف : ٢ ـ ١٩٨ ، إلى ابن الجنيد.

١٣٧

كان غررا عند الكل ، كما لو شرط صيرورة الزرع سنبلا.

والغرر ، قد يكون بما (١) له مدخل ظاهر في العوضين ، وهو ممتنع إجماعا. وقد يكون مما يتسامح به لقلته ، كأس الجدار ، وقطن الجبة ، وهو معفو عنه إجماعا. وكذا اشتراط الحمل. وقد يكون بينهما ، وهو محل الخلاف في مواضع الخلاف ، كالجزاف في مال الإجارة ، والمضاربة ، والثمرة قبل بدو الصلاح ، والآبق بغير ضميمة (٢).

قاعدة ـ ٢٠٠

المصالح على (٣) ثلاثة أقسام :

ضرورية ، كنفقة الإنسان على نفسه.

وحاجية ، كنفقته على زوجته.

وتمامية ، كنفقته على أقاربه ، لأنها من تتمة مكارم الأخلاق. والأولى مقدمة على الثانية ، كما أن الثانية مقدمة على الثالثة.

والسلم من التمامية ، لأنه من تمام المعاش. وكذلك المزارعة ،

__________________

(١) في (ك) و (ح) : مما.

(٢) انظر هذه القاعدة أيضا في ـ الفروق : ٣ ـ ٢٦٥ ـ ٢٦٦.

(٣) زيادة من (ح).

١٣٨

والمساقاة ، والمضاربة ، وبيع الغائب. وإنما اشترط فيه (١) قبض الثمن في المجلس ، حذرا من بيع الكالي بالكالي ، أي أن البائع والمشتري كل منهما يكلأ صاحبه ـ أي يراقبه ـ لأجل فيكون اسم فاعل للمتعاقدين. ويجوز أن يكون اسما للذين ، لأن الدين يحفظ صاحبه عند الفلس عن الضياع. وعلى هذا هو اسم فاعل للدين.

ويجوز أن يكون اسم مفعول ، كالدافق. وعلى التفسيرين الأخيرين ، لا حذف في الكلام. وعلى التفسير الأول ، في الكلام إضمار ، تقديره : بيع مال الكالئ بمال الكالئ ، لاستحالة ورود البيع على المتعاقدين.

وعلى كل تقدير فهو مجاز ، من باب تسمية الشي‌ء باسم ما يؤول إليه ، لأن حال العقد ليس هناك كالي. ومن فسر بيع الكالي بالكالي : ببيع دين في ذمة واحد بدين للمشتري في ذمة آخر ، فهو حقيقة ، لحصولهما حال العقد.

ولا بد من كون المسلم فيه قابلا للنقل حتى يكون في الذّمّة ، فلا يجوز السم في الدار والعقار (٢).

قاعدة ـ ٢٠١

القرض عقد صحيح مستقل. وعند بعض العامة (٣) هو بيع يخالف الأصول في ثلاثة أوجه :

__________________

(١) أي في السلم.

(٢) انظر هذه القاعدة أيضا في ـ الفروق : ٣ ـ ٢٩٠ ـ ٢٩١.

(٣) هو القرافي في ـ الفروق : ٤ ـ ٢.

١٣٩

عدم القبض في المجلس ، في قرض النقدين.

وسلف المعلوم في المجهول ، إن قلنا بضمان المثل في القيمي.

وبيع ما ليس عنده ، في المثليات.

واحتمل هذه المخالفات ، تحصيلا لمصلحة المعروف إلى العباد. ومن ثمَّ امتنع إذا جرّ نفعا إلى المقرض ، لخروجه عن إسداء (١) المعروف.

قاعدة (٢) ـ ٢٠٢

الفرق بين الثبوت والحكم : أن الثبوت هو : نهوض الحجة ، كالبينة وشبهها السالمة عن المطاعن. والحكم : إنشاء كلام هو إلزام أو إطلاق يترتب على هذا الثبوت.

وبينهما عموم من وجه ، لوجود الثبوت بدون الحكم ، في نهوض الحجة قبل إنشاء الحكم ، وكثبوت هلال شوال ، وطهارة الماء ونجاسته ، وثبوت التحريم بين الزوجين برضاع ونحوه ، والتحليل بعقد أو ملك.

ويوجد الحكم بدون الثبوت ، كالحكم بالاجتهاد. ويوجدان معا ، في نهوض الحجة والحكم بعدها (٣).

__________________

(١) في (م) : اسم.

(٢) في (ح) و (أ) و (م) : فائدة.

(٣) قارن ما ذكره المصنف بالفروق : ٤ ـ ٥٤.

١٤٠