القواعد والفوائد - ج ٢

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

القواعد والفوائد - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: السيّد عبد الهادي الحكيم
الموضوع : الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٢٥
الجزء ١ الجزء ٢

والقضاء بأنه : الإيقاع خارج وقته المحدود له شرعا (١).

وأورد : أن الواجبات الفورية ، كالحسبة ، والحج ، ورد المغصوب ، وإنقاذ الغريق ، والأمانات الشرعية ، والوديعة والعارية إذا طلبتا ، فإن الشرع حدّ لها زمانا للوقوع ، فأوله زمان التكليف ، وآخره الفراغ منها بحسبها ، في طولها وقصرها ، فيصدق عليها المحدود شرعا ، مع انتفاء الأداء والقضاء عنها في الوقت وبعده. وكذلك مقتضى الطلب ، إذا جعلنا الأمر للفور (٢).

والجواب : يمنع التحديد هنا ، لأن المراد بالمحدود : ما ضربه الشارع وقتا مخصوصا للعبادة بحسب المصلحة الباعثة عليه ، لا يتقدم ولا يتأخر ، ولا يزيد ولا ينقص. وما ذكر ، المصلحة فيه راجعة إلى المأمور أو إلى المأمور به ، لا بحسب الوقت ، وهو قابل للتقدم والتأخر ، والزيادة والنقصان ، فإن الحسبة تابعة لوقوع المنكر ، أو ترك المعروف ، في أي وقت اتفق ، وزمانها يقصر ويطول. والتكليف بالحج يتبع الاستطاعة ، وحصول الرفقة.

فإن قلت : يلزم أن يكون استدراك رمضان الفائت في سنة الفوات موصوفا بالأداء ، لأن الله تعالى قد جعل له وقتا موسعا محدودا بالرمضان الثاني.

قلت : لما كان يصدق عليه أنه فعل في غير وقته المحدود في الجملة ، كان قضاء ، والتحديد بالسنة أمر اقتضاه الأمر الثاني بالقضاء ، لا على معنى أنه بعد السنة يخرج وقته ، بل بمعنى وجوب المبادرة فيها ، وإلا فوقته بحسب الإجزاء العمر ، وهذا هو معنى غير المحدود.

__________________

(١) أورد هذين التعريفين القرافي في ـ الفروق : ٢ ـ ٥٦.

(٢) ذكر هذا الإيراد القرافي في ـ الفروق : ٢ ـ ٥٦.

١٠١

قاعدة (١) ـ ١٨٢

القضاء يطلق على معان خمسة (٢).

الأول : بمعنى الفعل والإتيان به ، ومنه قوله تعالى (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ) (٣) ، (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ) (٤).

الثاني : المعنى السابق (٥).

الثالث : استدراك ما تعيّن وقته ، إما بالشروع فيه ، كالاعتكاف.

أو بوجوبه فوريا ، كالحج إذا أفسد ، فإنه يطلق على المأتي به ثانيا قضاء ، وإن لم ينو به القضاء.

الرابع : ما وقع مخالفا لبعض الأوضاع المعتبرة فيه ، كما يقال : فيمن أدرك ركعتين مع الإمام : يقضي ركعتين بعد التسليم. ولو حمل هذا على المعنى الأول أمكن ، ولكن إنما يتأتى على الرواية المتضمنة لصيرورة آخر الصلاة أولها ، بحيث يأتي بالركعتين الأخيرتين من العشاء الآخرة جهرا (٦) ، فإن وضع الشريعة أن يكون الجهر قبل الإخفات. وكما يقال في السجدة ، والتشهد : يقضى بعد التسليم.

الخامس : ما كان بصورة القضاء المصطلح عليه في أنه يفعل بعد

__________________

(١) في (ح) و (أ) : فائدة.

(٢) ذكر هذه المعاني القرافي في ـ الفروق : ٢ ـ ٥٨.

(٣) الجمعة : ١٠.

(٤) البقرة : ٢٠٠

(٥) أي المقابل للأداء والّذي تقدم تعريفه قبل قليل.

(٦) انظر : الحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ٥ ـ ٤٤٦ ، باب ٤٧ من أبواب الجماعة ، حديث : ٥.

١٠٢

خروج الوقت المحدود. ومنه قولهم في الجمعة : تقضي ظهرا ، وهو أولى من حمله على المعنى الأول ، لأن الأول لغوي محض ، وأما هذا ففيه مناسبة للمعنى الشرعي ، وخصوصا عند من قال : الجمعة ظهر مقصورة (١).

فائدة

لا يجتمع الأداء والإثم فيه.

وما ورد : من أن تأخير الصلاة إلى آخر الوقت إنما يجوز لذوي الأعذار ، فيأثم غيرهم (٢) ، محمول على التغليظ. وكذا ما ورد : من أن أول الوقت رضوان الله ، وآخره عفو الله (٣).

وإن سلم فنمنع الإثم.

قاعدة ـ ١٨٣

قسّم بعضهم (٤) الواجب إلى : الكلي على الإطلاق ، وإلى الكلي

__________________

(١) قاله الشافعي في أحد قوليه وبعض أصحابه. انظر : النوويّ ـ المجموع : ٤ ـ ٥٣١.

(٢) انظر : الحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ٣ ـ ٨٩ ، باب ٣ من أبواب المواقيت ، حديث : ١٣ ، وص : ١٤٠ ، باب ١٨ من أبواب المواقيت ، حديث : ١٩ ، ٢٢.

(٣) انظر : المصدر السابق : ٣ ـ ٩٠ ، باب ٣ من أبواب المواقيت ، حديث : ١٦.

(٤) هو القرافي في ـ الفروق : ٢ ـ ٦٧.

١٠٣

الّذي يقال فيه : أنه واجب فيه ، أو به ، أو عليه ، أو عنده ، أو منه ، أو عنه ، أو مثله ، أو إليه.

وذلك لأن خطاب الشرع قد يتعلق بجزئي ، وقد يتعلق بكلي ، وهو القدر المشترك بين أفراد الجنس دون خصوصية الأفراد. والمتعلق بالجزئي ، كالأمر بالشهادتين ، والتوجه إلى الكعبة.

فالواجب الكلي مطلقا ، هو المخير.

والواجب فيه ، هو الموسع.

والواجب به ينقسم إلى : سبب الوجوب ، وآلة الفعل. مثال الأول : مطلق الزوال سبب وجوب الظهر في أي يوم كان. ومطلق الإتلاف سبب لوجوب الضمان. ومطلق ملك النصاب سبب لوجوب الزكاة ، إذ لا خصوصية للذهب والفضة ـ مثلا ـ في ذلك ، فالمنصوب سببا إنما هو المطلق الّذي هو قدر مشترك بين النصب.

ومثال الآلة : مطلق الماء في الوضوء والغسل. ومطلق التراب في التيمم. ومطلق الساتر في الستر. والجمار في الرمي. والرقبة في العتق.

وبهذا يجاب عن مغالطة ، وهي أن يقال : المدعى : أن الوضوء من هذا الإناء واجب ، لأن الوضوء واجب بالإجماع ، ولا يجب من غيره بالإجماع ، فيجب منه ، وإلا لانتفى الوجوب. أو يقال : الستر بهذا الثوب واجب في الصلاة ، لأن الستر في الصلاة واجب بالإجماع. إلى آخره (١).

والجواب : قولكم : إن (٢) الوضوء واجب بالإجماع مسلم

__________________

(١) أورد هذه المغالطة القرافي وأجاب عنها بما ذكره المصنف. انظر : الفروق : ٢ ـ ٧٨.

(٢) زيادة من (ح).

١٠٤

ولكنه واجب بمطلق الماء ، وهو القدر المشترك بين هذا الإناء وبين غيره ، فإذا انتفى الوجوب عن غير ذلك الإناء بالإجماع ، لا يتعين ذلك الإناء للوجوب ، بل يتعين القدر المشترك بين هذا الإناء وغيره ، والخصوصيات ساقطة من البين.

ومثال الواجب عليه : فرض الكفاية ، فإنه واجب على مطلق المكلفين.

ومثال الواجب عنده : دوران الحول في الزكاة. وعدم الحيض في الصلاة ، فإن الوجوب بالسبب عند عدم الحيض وغيره من الموانع.

وكذا عدم الماء ، فان التيمم يجب عنده لا به. وكذا أكل الميتة عند عدم المباح ، إذ السبب في وجوب الأكل حفظ النّفس عند عدم المباح. وعدم الخصلة الأولى من خصال الواجب المرتب ، كالظهار ، فان السبب هو الظهار ، فيجب به الصوم عند عدم العتق.

ومثال الواجب منه : كالجنس المخرج منه الزكاة ، غنما ، أو إبلا ، أو نقدا (١) ، أو قوتا ، في الفطرة أو كفارة.

ومثال الواجب عنه : وهو جنس المعول في آخر شهر رمضان ، أي ولد كان ، وأية زوجة كانت ، وأي ضيف كان.

ومثال الواجب مثله : كل متلف له مثل مضمون ، وجزاء الصيد ومثال (٢) الواجب إليه : كالليل في الصوم ، والمعتبر جنس الغروب ودخول الليل في أيّ ليلة اتفق. وكالوصول إلى مشاهدة الجدران ، أو سماع الأذان ، للمسافر. وكالنهاية في العدد.

فهذه عشرة اشتركت كلها في تعلق الوجوب بمعنى كلي ، واختص

__________________

(١) في (ح) زيادة : أو بقرا.

(٢) زيادة من (ح).

١٠٥

كل واحد منها بخصوصية (١) :

قاعدة (٢) ـ ١٨٤

التخيير في الكفارات تخيير (٣) شهوة. وتخيير الإمام بين الفداء والاسترقاق والمنّ في الأسير ، وبين القتل والصلب والقطع مخالفا ، تخيير أصلح للمسلمين. وكذا في التعزيرات. والأقرب أن تخيير شهر المحبوس من هذا القبيل. وكذا تخيير المرأة للستة أو السبعة إذا كانت متحيرة ، مع أن ظاهر الأخبار أنه بحسب الشهوة (٤). وكذا تخيير المكلّف (٥) في الحقاق وبنات اللبون ، في موضع إمكان الإخراج.

وقد يقع التخيير بين المباحات والمستحبات (٦).

قاعدة ـ ١٨٥

الواجب أفضل من الندب غالبا (٧) ، لاختصاصه بمصلحة زائدة.

__________________

(١) انظر ما ذكره المصنف من الأمثلة وبصورة أوسع في ـ الفروق : ٢ ـ ٦٧ ـ ٨٢.

(٢) في (ح) : فائدة.

(٣) في (ح) و (م) زيادة : محض.

(٤) انظر : الحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ٢ ـ ٥٤٧ ، باب ٨ من أبواب الحيض ، حديث : ٣.

(٥) أي المكلف بالزكاة.

(٦) انظر فروع هذه القاعدة في ـ الفروق : ٣ ـ ١٦ ـ ١٩.

(٧) انظر هذه القاعدة في ـ الفروق : ٢ ـ ١٢٢ ـ ١٣١.

١٠٦

ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الحديث القدسي : (ما تقرّب إليّ عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه) (١).

وقد تخلف ذلك في صور :

كالإبراء من الدّين الندب. وإنظار المعسر الواجب. وإعادة المنفرد صلاته جماعة ، فان الجماعة مطلقا تفضل صلاة الفذ (٢) بسبع وعشرين درجة ، فصلاة الجماعة مستحبة ، وهي أفضل من الصلاة التي سبقت وهي واجبة. وكذلك الصلاة في البقاع الشريفة ، فإنها مستحبة ، وهي أفضل من غيرها من مائة ألف إلى اثنتي عشرة صلاة. والصلاة بالسواك. والخشوع في الصلاة مستحب ، ويترك لأجله سرعة المبادرة إلى الجمعة ، وإن فات بعضها ، مع أنها واجبة ، لأنه إذا اشتد سعيه شغله الانبهار (٣) عن الخشوع.

وكل ذلك في الحقيقة غير معارض لأصل الواجب وزيادته ، لاشتماله على مصلحة أزيد من فعل الواجب ، لا بذلك القيد.

__________________

(١) انظر : القرافي ـ الفروق : ٢ ـ ١٢٢. ورواه البخاري بلفظ ، (ما تقرب إليّ عبدي بشي‌ء أحب إليّ مما افترضت عليه) صحيح البخاري : ٤ ـ ١٢٩ ، باب التواضع ، حديث : ٢.

(٢) الفذ : الفرد. وفي (ح) و (أ) و (م) : المنفرد.

(٣) الانبهار : تتابع النّفس. انظر : الجوهري ـ الصحاح : ٢ ـ ٥٩٨ ، مادة (بهر). وفي (ك) : الانتهار ، وفي (ح) و (أ) و (م) : الانتهاز ، وما أثبتناه مطابق لما في الفروق الّذي استند إليه المصنف في هذه القاعدة على ما يبدو. انظر : ٢ ـ ١٢٩ منه.

١٠٧

قاعدة ـ ١٨٦

الأغلب أن الثواب في الكثرة والقلة تابع للعمل في الزيادة والنقصان (١) ، لأن المشقة أصل التكليف المؤدي إلى الثواب ومداره ، فكلما عظمت عظم.

وقد تخلف ذلك في صور ، تنقسم قسمين :

الأول (٢) : أمران متساويان وثواب أحدهما أكثر ، كتكبيرة الإحرام مع باقي التكبيرات. وكذبح الهدي والأضحية وللضيف.

وكالصلاة في مسجدين أحدهما أكثر جماعة وقربهما والبعد واحد.

وكسجدة التلاوة مع سجدة الصلاة. وركعتي النافلة مع ركعتي الفريضة. وهو كثير.

الثاني : أمران متفاوتان والأقل منهما أكثر ثوابا ، كتسبيح الزهراء عليها‌السلام مع أضعافه من التسبيحات. وكالصيام ندبا في الحضر والسفر. وقد ورد في الخبر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (من قتل الوزغة في الضربة الأولى فله مائة حسنة ، ومن قتلها في الثانية فله سبعون حسنة) (٣).

__________________

(١) انظر هذه القاعدة في ـ الفروق : ٢ ـ ١٣١ ـ ١٣٣.

(٢) في (ح) و (أ) و (م) : أحدهما. من كتاب السلام ، حديث : ١٤٦ ، ١٤٧ ، وسنن أبي داود : ٢ ـ ٦٥٥ ، كتاب الأدب ، باب في قتل الأوزاغ.

(٣) أورده القرافي في ـ الفروق : ٢ ـ ١٣٣. وفي صحيح مسلم وسنن أبي داود : (الضربة الأولى مائة حسنة ، وفي الثانية دون ذلك وفي الثالثة دون ذلك) من غير تقدير للضربة الثانية والثالثة. وفي رواية أخرى عدم التقدير في جميع الضربات. وفي ثالثة : أنه في أول ضربة سبعين حسنة. انظر : صحيح مسلم : ٤ ـ ١٧٥٨ ، باب ٣٨

١٠٨

قالوا (١) : لأن الوزغة حيوان ضعيف ، فحمية الدين تقتضي قتلها بضربة واحدة ، فإذا لم يحصل ذلك دل على ضعف العزم.

قاعدة ـ ١٨٧

كلما كان في النافلة وجه زائد (٢) يترجح به على الفريضة جاز أن يترتب عليه حكم زائد على الفريضة ، ولا يلزم من ذلك أفضليتها عليها ، لاشتمال الفرائض على مزايا ، تنغمر (٣) تلك المزية في جملتها ، ليست حاصلة في النوافل.

ومن هذا يترتب تفضيل الأنبياء عليهم‌السلام على الملائكة عليهم‌السلام ، وإن كان للملائكة مزية دوام العبادة بغير فتور.

وكما ورد في الخبر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله ضراط. إلى قوله ـ : فإذا أحرم العبد بالصلاة جاءه الشيطان ، فيقول له : أذكر كذا ، أذكر كذا ، حتى يضل الرّجل فلا يدري كم صلى) (٤) ، مع أن الأذان والإقامة من وسائل

__________________

(١) انظر : القرافي ـ الفروق : ٢ ـ ١٣٣.

(٢) زيادة من (ك) و (ح).

(٣) الانغمار : الانغماس. وفي (ح) : تتضمن.

(٤) انظر : صحيح مسلم : ١ ـ ٢٩١ ، باب ٨ من كتاب الصلاة ، حديث : ١٩ ، والمتقي الهندي ـ كنز العمال : ٤ ـ ١٤٥ ، حديث : ٣١٩٤ ، وص ١٤٧ ، حديث : ٣٢٥٨ ، والقرافي ـ الفروق : ٢ ـ ١٤٤ (باختلاف بسيط).

١٠٩

الصلاة المستحبة ، والمقاصد أفضل من الوسائل ، وخصوصا الواجبة.

فائدة (١)

روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر) (٢).

وفيه مباحث (٣) :

(الأول) : لم قال : رمضان ، وقد قال الله تعالى (شَهْرُ رَمَضانَ) (٤) ، وفي الحديث : (لا تقولوا رمضان) (٥)؟

وجوابه : إنما قيل للتنبيه على جواز ذلك اللفظ ، وإن كان غيره أولى منه.

(الثاني) : هل هذه السنة مرتبة على صيام مجموع الشهر ، أو يكفي صوم شي‌ء منه ، أو لا يترتب أصلا؟

وجوابه : أن الظاهر ترتبها على مجموع الشهر ، لما نذكره في عدل صيام الدهر.

__________________

(١) في (ح) : قاعدة.

(٢) انظر : القرافي ـ الفروق : ٢ ـ ١٨٩. ورواه مسلم بلفظ : (من صام رمضان ثمَّ أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر). صحيح مسلم : ٢ ـ ٨٢٢ ، باب ٣٩ من كتاب الصيام ، حديث : ٢٠٤.

(٣) ذكر القرافي في ـ الفروق : ٢ ـ ١٨٩ ـ ١٩٤ ، جملة من هذه المباحث.

(٤) البقرة : ١٨٥.

(٥) انظر : المتقي الهندي ـ كنز العمال : ٤ ـ ٣٠١ ، حديث : ٦٠٥٩.

١١٠

ويحتمل عدم الترتب أصلا ، لأنها أيام معينة للصوم فلا يختلف فيها الحال.

(الثالث) : لم قال : بست ، والأيام مذكرة؟

وجوابه : للجري على قاعدة الكلام العربي في تغليب الليالي على الأيام ، كقوله تعالى (وَعَشْراً) (١) ، وكقوله (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلّا يَوْماً) (٢) بعد قوله (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلّا عَشْراً) (٣).

(الرابع) : لم قال : من شوال؟ وهل له مزية على غيره من الشهور؟

وجوابه : لعله رفق بالمكلف ، باعتبار أنه حديث عهد بالصوم ، فيكون دوامه على الصوم أسهل من ابتدائه بعد انقطاعه.

(الخامس) : هل هي بعد العيد بغير فصل ، أم لا؟ ولو أخرها عن العيد هل يأتي بها ، أو لا؟

وجوابه : أن الأفضل عندنا (أن تلي) (٤) العيد بلا فصل (٥) ، لما قلناه : ولو أخرها فالظاهر بقاء الاستحباب ، لشمول اللفظ.

(السادس) : لم خص العدد بست دون غيرها؟

__________________

(١) في قوله تعالى في سورة البقرة : ٢٣٤ (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً). انظر : القرافي ـ الفروق : ٢ ـ ١٩٠.

(٢) طه : ١٠٤.

(٣) طه : ١٠٣.

(٤) في (ح) و (م) : أن تكون بعد.

(٥) خلافا للمالكية ، فإن الأفضل عندهم تأخيرها ، لئلا يتطاول الزمان فيلحق برمضان عند الجهال. القرافي ـ الفروق : ٢ ـ ١٩١

١١١

وجوابه : لقوله تعالى (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (١) ، فيكون مع رمضان ثلاثمائة وستين يوما ، وذلك سنة كاملة.

(السابع) : لم قال : فكأنما ، ولم يقل : فكأنه؟

وجوابه : لأن المراد تشبيه الصوم بالصوم ، ولو قال (فكأنه) لكان تشبيها للصائم بالصوم ، وليس بمراد.

(الثامن) : كيف بتصور أن يكون هذا القدر معادلا لصوم الدهر وهو جزء منه؟! فكيف يساوي الجزء الكل؟!

وجوابه : أن لصائم هذه مثل ثواب صائم (٢) الدهر مجردا عن المضاعفة ، أي أضعاف هذه مثل استحقاق صوم الدهر. أو المراد : أن لو كان في غير هذه الملة ، فإن الأضعاف إنما جاءت في هذه الملة (٣).

(التاسع) : هل المشبه به كيف اتفق ، أو كأنه على حالة مخصوصة؟

وجوابه : بل المراد صوم الدهر خمسة أسداسه فرض وسدسه نفل ، كما كان (٤) المشبه بهذه النسبة ، فله بالحسنة من الواجب عشر أمثالها من الواجب ، وبالحسنة من المندوب عشر أمثالها من المندوب.

(العاشر) : هل المراد دهر هذا الصائم ، أو مطلقا؟ فان كان الأول ، فهلا قال : دهره. وإن كان الثاني ، فلا يتوجه الجواب عن السادس.

__________________

(١) الأنعام : ١٦٠.

(٢) في (ح) و (أ) و (م) : صيام.

(٣) انظر : القرافي ـ الفروق : ٢ ـ ١٩٢.

(٤) في (ح) : أن.

١١٢

وجوابه : أن المراد دهر الصائم ، (وأل) (١) عوض عن المضاف إليه.

(الحادي عشر) : هل فرق بين هذه الستة وبين ستة الأيام في الآية الأخرى (٢)؟

وجوابه : نعم ، لأن هذه الستة قد ثبت حكمها ، وأما ستة الخلق ، فقيل (٣) : لأن الستة أول عدد تام ، ونعني بالعدد التام : الّذي إذا اجتمعت أجزاؤه يقوم منها ذلك العدد ، كالنصف ، والثلث ، والسدس. وقد يكون العدد ناقصا ، وهو : الّذي إذا اجتمعت أجزاؤه تنقص عنه ، كالأربعة ، فإن لها نصفا وربعا ينقص عنها.

وقد يكون زائدا ، وهو الّذي تزيد أجزاؤه. كالاثني عشر. والعدد التام أحسن الأعداد ، كإنسان خلق سويّا ، والناقص ، كإنسان ناقص عضوا ، وللزائد ، كإنسان خلق بيد زائدة.

قاعدة (٤) ـ ١٨٨

الصلاة أفضل الأعمال البدنية ، لأن تصرفات العباد أربعة (٥) : ـ ١ : حق الله ، كالمعرفة.

__________________

(١) في (ح) و (أ) و (م) : واللام.

(٢) وهو قوله تعالى (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ) الأعراف : ٥٤ ، ويونس : ٣ ، وهود : ٧ ، والحديد : ٤. انظر : القرافي ـ الفروق : ٢ ـ ١٩٠.

(٣) انظر : المصدر السابق : ١ ـ ١٩٤.

(٤) في (ح) و (أ) : فائدة.

(٥) انظر : القرافي ـ الفروق : ٢ ـ ٢٢٨ ـ ٢٢٩.

١١٣

ـ ٢ : وحق العبد ، وهو ما تمكن من إسقاطه ، وإلا فكل حق العبد فهو حق الله عزوجل كأداء الدين ، ورد الغصب والوديعة.

ـ ٣ : وحقهما ، والمغلب فيه جانب العبد ، كالزكاة ، والصدقة ، والكفارات ، والمنذورات ، والضحايا ، والهدايا ، والأوقاف ، والوصايا.

ـ ٤ : وحق الله تعالى ورسوله والعباد ، كالأذان.

والصلاة مشتملة على الجميع ، فحق الله ، كالنية والأذكار ، والكف عن الكلام والمنافيات. وحق الرسول وآله عليهم‌السلام ، وهو الصلاة عليهم ، والشهادة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالرسالة ، ولهم بالإمامة. وحق المكلف ، وهو دعاؤه لنفسه ، ولهم (١) بالهداية.

وفي القنوت وغيره يجوز الدعاء له ولهم بما شاء. وفي السلام يسلم عليهم بعد السلام على النبي وعليهم. ومن ثمَّ ورد : (صلاة فريضة أفضل من عشرين حجة) (٢) ، وفي خبر آخر : (ألف حجة) (٣) ، وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة) رواه العامة (٤) ، والخاصة (٥) ، وما في الأذان والإقامة من (حي

__________________

(١) أي للعباد.

(٢) انظر : الحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ٣ ـ ٢٦ ـ ٢٧ ، باب ١٠ من أبواب أعداد الفرائض ، حديث : ٤ ، ٩.

(٣) انظر : المصدر السابق : ٣ ـ ٢٧ ، باب ١٠ من أبواب أعداد الفرائض ، حديث : ٨.

(٤) انظر : سنن ابن ماجه : ١ ـ ١٠١ ، باب ٤ من أبواب الطهارة ، حديث : ٢٧٧.

(٥) انظر : النوري ـ مستدرك الوسائل : ١ ـ ١٧٥ ، باب ١٠ من أبواب وجوب الصلاة ، حديث : ١٣.

١١٤

على خير العمل) صريح في ذلك.

فإن قلت : هذا معارض : بأن الأفضلية تتبع الأشقية. وبأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما (سئل : أي الأعمال أفضل؟ فقال : إيمان بالله. قيل : ثمَّ ما ذا؟ قال : جهاد في سبيل الله. قيل : ثمَّ ما ذا؟ قال حج مبرور) (١). ومن البعيد كون صلاة الصبح أفضل من حجة مبرورة ، فضلا عن العدد المذكور ، وكون ناقلتها أفضل من حجة مسنونة (٢). وأبعد منه أفضلية الصلاة ، التي لا كثير تحمل عمل (٣) فيها. على الجهاد الّذي فيه بذل النّفس في سبيل الله.

قلت : أما الإيمان ، فخرج بقولنا : الأعمال البدنية ، فلا كلام فيه ، ولهذا قالوا عليهم‌السلام : (ما تقرب العبد إلى الله بشي‌ء بعد المعرفة أفضل من الصلاة) (٤).

وأما الحج ، فلعل المعارضة بين الصلاة الواجبة والحج المندوب ، أو بين المتفضل به في الصلاة وبين المستحق في الحج ، مع قطع النّظر عن المتفضل به في الحج. أو يراد به : أن لو حج في ملة غير هذه الملة.

__________________

(١) انظر : صحيح مسلم : ١ ـ ٨٨ ، باب ٣٦ من أبواب الأيمان ، حديث : ١٣٥.

(٢) هذا الإشكال أورده ابن عبد السلام في ـ قواعده : ١ ـ ٦٥.

(٣) زيادة من (أ) و (م).

(٤) انظر : نصّ الرواية في ـ وسائل الشيعة : ٣ ـ ٢٥ ، باب ١٠ من أبواب أعداد الفرائض ، حديث : ١ ، ومستدرك الوسائل : ١ ـ ١٧٤ ، باب ١٠ من أبواب وجوب الصلاة ، حديث : ٤.

١١٥

وأما الصلاة المندوبة ، فيمكن أن لا يراد أن الواحدة أفضل من الحج ، إذ ليس في الحديث إلا الفريضة.

وأما حديث : (خير أعمالكم الصلاة) فيمكن حمله على المعهودة ، وهي الفرائض. ويؤيده الأذان والإقامة ، لاختصاصه. أو نقول : لو صرف زمان الحج والعمرة في الصلاة المندوبة كان أفضل منهما. أو يختلف بحسب الأحوال والأشخاص ، كما نقل أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (سئل : أي الأعمال أفضل؟ فقال : بر الوالدين) (١) و (سئل : أي الأعمال أفضل؟ فقال : الصلاة لأول وقتها) (٢) و (سئل أيضا : أي الأعمال أفضل؟ فقال : حج مبرور) (٣) فيختص بما يليق بالسائل من الأعمال ، فيكون لذلك السائل والدان محتاجان إلى بره ، والمجاب بالصلاة يكون عاجزا عن الحج والجهاد ، والمجاب بالجهاد (٤) في الخبر السابق يكون قادرا عليه. كذا ذكره بعض علماء العامة (٥) ، دفعا للتناقض بين الأخبار.

__________________

(١) انظر : ابن عبد السلام ـ قواعد الأحكام : ١ ـ ٦٥.

(٢) انظر نفس المصدر السابق ، ومسند أحمد : ٦ ـ ٣٧٥ ، ٤٤٠ ، وصحيح مسلم : ١ ـ ٨٩ ، باب ١٦ من أبواب الأيمان ، حديث : ١٣٧ (باختلاف بسيط).

(٣) انظر : ابن عبد السلام ـ قواعد الأحكام : ١ ـ ٦٥.

(٤) في (ك) : بالحج ، والصواب ما أثبتناه لمطابقته لما في قواعد ابن عبد السلام.

(٥) هو عز الدين بن عبد السلام. انظر : قواعد الأحكام : ١ ـ ٦٥ ـ ٦٦.

١١٦

قاعدة ـ ١٨٩

مذهب الأصحاب أن مكة شرفها الله تعالى (أشرف البقاع وأفضلها) (١)

وهو مذهب أكثر الجمهور ، وخالف فيه بعضهم (٢).

لنا (٣) : وجوب الحج والعمرة إليها ، وتعظيم ثواب الحاج والمعتمر ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) (٤) وقال : (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) (٥). وقال أهل البيت عليهم‌السلام :

__________________

(١) في (ح) و (أ) و (م) : أفضل البقاع.

(٢) ذهب مالك وجماعة من أصحابه إلى تفضيل المدينة على مكة. انظر : ابن عبد السلام ـ قواعد الأحكام : ١ ـ ٤٥ ، وابن جزي ـ قوانين الأحكام الشرعية : ١٦٢ ، وابن العربي ـ شرح صحيح الترمذي : ١٣ ـ ٢٧١ وما بعدها ، والقرافي ـ الفروق : ٢ ـ ٢٢٨.

(٣) أورد أغلب ما ذكره المصنف من الأدلة : القرافي في ـ الفروق : ٢ ـ ٢٣١ ـ ٢٣٢ ، وابن عبد السلام في ـ قواعد الأحكام : ١ ـ ٤٥ ـ ٤٨.

(٤) انظر : صحيح البخاري : ١ ـ ٣١٢ ، باب قوله تعالى : (فَلا رَفَثَ ..) من كتاب الحج ، وصحيح مسلم : ٢ ـ ٩٨٣ ـ ٩٨٤ ، باب ٧٩ من كتاب الحج ، حديث : ٤٤٨ (باختلاف بسيط في اللفظ).

(٥) انظر : صحيح مسلم : ٢ ـ ٩٨٣ ، باب ٧٩ من كتاب الحج ، حديث : ٤٣٧ ، وصحيح البخاري : ١ ـ ٣٠٥ ، باب العمرة من كتاب الحج.

١١٧

(من أراد دنيا وآخرة فليؤم هذا البيت) (١). ولو كان لملك داران ، فألزم عبيده ورعيته بقصد إحداهما حتما ، ووعدهم على ذلك جزاء عظيما ، لقطع كل عاقل بأن تلك الدار آثر عنده من الأخرى.

ولاختصاص الكعبة الشريفة بتقبيل الأركان والاستلام ، وذلك يدل على الاحترام والتعظيم ولحديث الرحمات المائة والعشرين للطائفين والمصلين والناظرين (٢). ولأن الله جعلها حرما آمنا في الجاهلية والإسلام وأن مبدأ الإسلام فيها ، ومولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومولد أمير المؤمنين عليه‌السلام (وأعاظم الصحابة رضوان الله عليهم (٣) بها ، والكعبة الشريفة ، وحج الأنبياء السالفين إليها ، وأقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بها ثلاث عشرة سنة وبالمدينة عشرا. وبأن التعظيم والاحترام تختص بهما الكعبة فوق غيرها. ولوجوب استقبالها في الصلاة

__________________

(١) هذا القول لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رواه عنه أمير المؤمنين علي عليه‌السلام. انظر : النوري ـ مستدرك الوسائل : ٢ ـ ٨ ، باب ٢٤ من أبواب وجوب الحج ، حديث : ١٢. ورواه الصدوق مرسلا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله. انظر : من لا يحضره الفقيه : ٢ ـ ١٤٦ ، حديث : ٦١٤.

(٢) انظر : الكليني ـ الكافي : ٤ ـ ٢٤٠ ، باب فضل النّظر إلى الكعبة ، حديث : ٢ ، والمتقي الهندي ـ كنز العمال : ٦ ـ ٢٣٩ ، حديث : ٤٢٥٤.

(٣) زيادة من (ك) و (أ).

١١٨

ومواضع العبادة ، و [ تحريم ] استدبارها (١) والانحراف عنها عند (٢) التبرز. ولا يعارض : باستقبال بيت المقدس ، لأنه كان مدة قليلة وانقطع ، والناسخ لا بد وأن يكون أكثر مصلحة من المنسوخ غالبا ولكونها لا تدخل إلا بالإحرام. ولتحريم حرمها ، صيدا وشجرا وحشيشا ، ومن دخله كان آمنا. وبأنها مبوأ إبراهيم وإسماعيل. وبأنه يحجها في كل سنة ستمائة ألف ، فإن أعوزوا تمموا من الملائكة وبأن الله حرمها يوم خلق السماوات والأرض ، والمدينة لم تحرم إلا في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله. ولتحريم دخول مشرك إليها ، لقوله تعالى (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) (٣) ، ويتأكد الفضل بأنه تعالى عبر عنها (بالمسجد الحرام) فجعلها كلها مسجدا. ولأن البيت الحرام أول بيت وضع للناس ، ولو صفة بالبركة والهدى (٤). ولقوله عليه‌السلام : (مكة حرم الله وحرم رسوله الصلاة فيها بمائة ألف والدرهم فيها بمائة ألف) (٥) وروي : (بعشرة آلاف) (٦).

__________________

(١) في (ك) : والاستدبار بها.

(٢) في (أ) و (م) : وقت.

(٣) التوبة : ٢٨.

(٤) قال تعالى في سورة آل عمران ، آية : ٩٦ (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ).

(٥) رواه خلّاد القلانسي عن الصادق عليه‌السلام. انظر : الكليني ـ الكافي : ٤ ـ ٥٨٦ ، حديث : ١.

(٦) انظر : النوري ـ مستدرك الوسائل : ٢ ـ ١٩٤ ، باب ١٢ من أبواب المزار ، حديث : ١٨.

١١٩

واحتج الآخرون (لأن المدينة أفضل. بأن المدينة موضع) (١) استقرار الدين ، ومهاجرة سيد المرسلين ، وظهور دعوة الإيمان ، وبها دفن سيد الأولين والآخرين ، وكمل الدين ووضح اليقين ، والمنقول من سنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أثبت المنقولات. ولإقامة أعاظم الصحابة بها ، وموت جماعة منهم ومن الأئمة فيها. ولما روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : (المدينة خير (٢) من مكة) (٣). ولأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دعا لها بمثل ما دعا إبراهيم لمكة. ولقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (اللهم إنهم أخرجوني من أحب البقاع إليّ فأسكني في أحب البقاع إليك) (٤) ، والأحب إلى الله عزوجل أفضل ، والأنبياء مستجابو الدعوة. ولقوله عليه‌السلام : (لا يصبر على لأوائها وشدتها أحد إلا كنت له شفيعا أو شهيدا إلى يوم القيامة) (٥).

ولقوله عليه‌السلام : (إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى حجرها) (٦) أي تأوي. وقوله عليه‌السلام : (إن المدينة تنفي

__________________

(١) في (ح) و (أ) : بأن المدينة أفضل لأنها موضع. وفي (م) : بأن المدينة موضع.

(٢) في (ك) : أفضل.

(٣) انظر : المتقي الهندي ـ كنز العمال : ٦ ـ ٢٤٧ ، حديث : ٤٤٢٥.

(٤) انظر : القرافي ـ الفروق. ٢ ـ ٢٣٠. وأورده ابن عبد السلام في قواعده : ١ ـ ٤٨ بلفظ : (اللهم إنك أخرجتني ...).

(٥) انظر الخفاجي ـ نسيم الرياض شرح شفاء القاضي عياض : ٣ ـ ٥٣٤ ، والقرافي ـ الفروق : ٢ ـ ٢٣١.

(٦) انظر : صحيح مسلم : ١ ـ ١٣١ ، باب ٦٥ من كتاب الإيمان ، حديث : ٢٣٣ ، وصحيح البخاري : ١ ـ ٣٢٢ ، باب الإيمان ليأرز إلى المدينة ، من كتاب الحج.

١٢٠