الرسائل الفقهيّة - ج ١

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي

الرسائل الفقهيّة - ج ١

المؤلف:

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

٣
٤

*في هذه المجموعة*

١ ـ تذكرة الوداد في حكم رفع اليدين حال القنوت............................. ٩

٢ ـ رسالة في شرح حديث الطلاق بيد من أخذ بالساق......................... ٢٧

٣ ـ رسالة في حرمة النظر إلى وجه الأجنبية..................................... ٣٣

٤ ـ رسالة خمسية............................................................ ٦٧

٥ ـ رسالة في أقل المدة بين العمرتين......................................... ١٢٣

٦ ـ رسالة في الرضاع...................................................... ١٥٥

٧ ـ رسالة في التعويل على أذان الغير في دخول الوقت........................ ٢١٥

٨ ـ رسالة في حكم الاستيجار للحج من غير بلد الميت........................ ٢٢٧

٩ ـ رسالة في حكم الاسراج عند الميت إن مات ليلا.......................... ٢٣٣

١٠ ـ رسالة في شرح حديث توضؤوا مما غيرت النار......................... ٢٣٩

١١ ـ رسالة في حكم الغسل في الأرض الباردة ومع الماء الباردة............... ٢٤٩

١٢ ـ رسالة في أفضلية التسبيح على القراءة في الركعتين الأخيرتين............. ٢٥٥

١٣ ـ رسالة في تحقيق وجوب غسل مس الميت............................... ٢٦٩

١٤ ـ رسالة في حكم شراء ما يعتبر فيه التذكية............................... ٢٧٩

٥

١٥ ـ رسالة في حكم ليس الحرير للرجال في الصلاة وغيرها................... ٢٨٩

١٦ ـ رسالة في حكم الغسل قبل الاستبراء................................... ٣١٩

١٧ ـ الفصول الأربعة في عدم سقوط دعوى المدعي بيمين المنكر.............. ٣٥١

١٨ ـ رسالة في وجوب الزكاة بعد اخراج المؤونة............................ ٤٠٥

٦

سلسلة آثار المحقق الخاجوئي

(٩)

تذكرة الوداد

في حكم رفع اليدين حال القنوت

للعلامة المحقق العارف

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي

المتفى سنة ١١٧٣ هـ ق

تحقيق

السيد مهدي الرجائي

٧
٨

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الذي قنتت له القانتات ، وخضعت له القانتون ، وذلت له السماوات ودانت له الأرضون ، والصلاة والسلام على خير خلقه ومظهر لطفه محمد المتبع لدينه المسلمون ، وعلى آله الشفعاء الذين يرجوا شفاعتهم المؤمنات المجرمات والمؤمنون المجرمون.

وبعد : فقد سألني بعض الأخلاء الأجلاء أيده الله تعالى عما اشتهر بين علمائنا الإمامية وفقهائنا الاثنا عشرية رحم الله السلف منهم والخلف من استحباب رفع اليدين حال القنوت في الصلاة الخمس موازياً بوجهه بطونهما الى السماء مضمومة الأصابع إلا الإبهامين ، وقال : انه ليس لهم على ذلك دليل يعول عليه أو حديث يركن اليه الا في صلاة الوتر.

لما روي في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : تدعو في الوتر على العدو ، وان شئت سميتهم وتستغفر ، وترفع يديك في الوتر حيال وجهك ، وان شئت تحت ثوبك (١).

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٢ / ١٣١ ، ح ٢٧٢.

٩

وان ما لا نص فيه على التعيين يجب حمله على ما يقتضيه الأصل المفيد لليقين ، والأصل هاهنا يقتضي عدم استحباب رفعهما حال القنوت ، سواء فيه كل المصلين لانه تكليف والأصل عدمه ، مع ما يتراءى من كونه بدعة وتشريعاً في الدين لعدم ورود نص صحيح يعتمد به فيه على اليقين.

قال : وأيضاً فلخصومنا أن يشنعوا علينا ويقولوا : انكم أحدثتم في دينكم ما ليس بمروي عن أئمتكم ، فإنكم ترفعون أيديكم بالقنوت في صلواتكم الخمس وهو ليس بمنقول عنهم بحديث تعتمدون عليه ، أو بأصل آخر ترجعون اليه. وهذا مما يقدح في صحة دينكم ، بل يدل على أنكم تفعلون ما تشتهون.

وذكر أن الأمر إذا كان كذلك ، فالاشتغال بتأليف رسالة محتوية على الدليل الدال على ذلك المدعى لا يخلو من فائدة دينية ، مع ما فيه من التقرب والزلفى.

ثم اني لما أمعنت النظر وجدته صادقاً في دعواه ، مصيباً فيما اجتهد فيه وأنشأه ، لخلو الكتب الاخبارية والزبر الاستدلالية على ما تصفحناه من حديث صحيح صريح في ذلك المطلب بخصوص ، بل لم نقف فيه على رواية تدل بمنطوقها عليه بعمومه.

فأجبناه الى مسئوله ، وأسعفناه الى مأموله ، لوجوب قضاء حاجة المؤمن مهما أمكن ، ولا سيما إذا كان موصوفاً بالصداقة والخلة ، ومنعوتاً بالمحبة والمودة ولذلك سمّيتها بـ « تذكرة الوداد » راجياً من الله أن ينفعنا بها في يوم المعاد.

فأقول ، وأنا العبد الراجي إلى رحمة ربه الجليل محمد بن الحسين بن محمد رضا بن علاء الدين محمد الشهير بإسماعيل : القنوت دعاء وكل دعاء يستحب فيه رفع اليدين.

أما الأولى ، فلما ذكر ابن الأثير في النهاية من قوله : فيه « تفكر ساعة خير من قنوت ليلة » وقد تكرر ذكر القنوت في الحديث ، ويرد بمعان متعددة ،

١٠

كالطاعة ، والخشوع ، والصلاة ، والدعاء ، والعبادة ، والقيام ، وطول القيام ، والسكوت ، فيصرف في كل واحد من هذه المعاني الى ما يحتمله لفظ الحديث الوارد فيه.

وفي حديث زيد بن أرقم « كنا نتكلم في الصلاة حتى نزل : ( وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ ) ، فأمسكنا عن الكلام » أراد به السكوت. وقال ابن الأنباري : القنوت على أربعة أقسام : الصلاة ، وطول القيام ، واقامة الطاعة ، والسكوت انتهى (١).

وقال في القاموس : القنوت الطاعة والسكوت والدعاء والقيام في الصلاة والإمساك عن الكلام ، وأقنت دعا على عدوه ، وأطال القيام في صلاته ، وأدام الحج ، وأطال الغزو تواضع لله (٢).

وقال في الصحاح : القنوت الطاعة ، هذا هو الأصل ، ثم سمي القيام في الصلاة قنوتاً. وفي الحديث « أفضل الصلاة طول القنوت » ومنه قنوت الوتر انتهى (٣).

ولا ريب في أن المراد من لفظ القنوت فيما نحن فيه ـ أعني : في الأحاديث التي دلت على وجوبه (٤) أو استحبابه على اختلاف القولين فيه من هذه المعاني ـ هو الدعاء لا غير بقرينة المقام.

وقال ابن عباس في قوله تعالى ( وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ ) (٥) معناه : داعين ،

__________________

(١) نهاية ابن الأثير ٤ / ١١١.

(٢) القاموس المحيط ١ / ١٥٥.

(٣) الصحاح ١ / ٢٦١.

(٤) القائل بالوجوب محمد بن بابويه رحمة الله عليه ، فإنه قال في كتابه : القنوت سنة واجبة من تركه عمداً أعاده. ونحوه قال ابن أبي عقيل. والمعتمد الاستحباب ، كما ذهب اليه كثير من الأصحاب « منه ».

(٥) سورة البقرة : ٢٣٨.

١١

والقنوت هو الدعاء في الصلاة حال القيام ، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام. وكذلك فسره محمد بن بابويه بقوله : داعين. وقيل : طائعين. وقيل : خاشعين (١).

وقال في الكشاف : هو الركود وكف الأيدي والبصر (٢).

وقيل : الاولى أن يفسر القنوت بذكر الله قائماً أنسب من الدعاء فإنه أعم ، والأصحاب لا يشترطون الدعاء في القنوت ، فإنهم يجعلون كلمات الفرج أفضله وليس فيها دعاء.

وكل ذلك تفسير في مقابل النص ، فهو غير مسموع ، فتأمل.

وأما الثانية ، فلما روى ابن فهد في عدة الداعي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه كان يرفع يديه إذا (٣) ابتهل ودعا كما يستطعم المسكين ، وفيما أوحى الله الى موسى عليه‌السلام : ألق كفيك ذلا بين يدي كفعل العبد المستصرخ الى سيده ، فإذا فعلت ذلك رحمت وأنا أكرم الأكرمين الحديث (٤).

وروي في الفقيه عن صفوان بن مهران الجمال قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام إذا صلى وفرغ من صلاته رفع يديه فوق رأسه (٥).

وقال أبو جعفر عليه‌السلام : ما بسط عبد يديه الى الله عزوجل الا واستحي الله أن

__________________

(١) راجع مجمع البيان ١ / ٣٤٣.

(٢) الكشاف ١ / ٣٧٦.

(٣) كلمة « إذا » وان لم تكن في اللغة للعموم ، لكونها من السور الجزئي لكنها بحسب العرف تفيده ، كما في قوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ ) ( إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ ) ( إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ ) وغيرها وقد نص بذلك كثير من المحقّقين ، منهم المولى أحمد الأردبيلي في آيات أحكامه « منه ».

(٤) عدة الداعي ص ١٨٢ ـ ١٨٣.

(٥) من لا يحضره الفقيه ١ / ٣٢٥ ، ح ٩٥٢.

١٢

يردها صفراً حتى يجعل فيها من فضله ورحمته ما يشاء ، فإذا دعا أحدكم فلا يرد يديه حتى يمسح بهما على رأسه ووجهه.

وفي خبر آخر : على وجهه وصدره (١).

وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام إذا فرغ أحدكم من الصلاة فليرفع يديه الى السماء ولينصب في الدعاء. فقال ابن سبإ : يا أمير المؤمنين أليس الله بكل مكان؟ قال بلى. قال : فلم يرفع يديه الى السماء؟ فقال : أو ما تقرأ ( وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ ) (٢) فمن أين يطلب الرزق الأمن موضعه ، وموضع الرزق وما وعد الله عزوجل السماء (٣).

وسأل أبو بصير الصادق عليه‌السلام عن الدعاء ورفع اليدين ، قال : على خمسة أوجه : أما التعود فتستقبل القبلة بباطن كفيك. وأما الدعاء في الرزق فتبسط كفيك وتفضي بباطنهما الى السماء. وأما التبتل فايماؤك بإصبعك السبابة ، وأما الابتهال فترفع بيديك تجاوز بهما رأسك. وأما التضرع فأن تحرك إصبعك السبابة تجاه وجهك وهو دعاء الخيفة (٤).

وقال عليه‌السلام : الرغبة تبسط يديك وتظهر باطنهما ، والرهبة تبسط يديك وتظهر ظهرهما ، والتضرع تحرك السبابة اليمنى يميناً وشمالا ، والتبتل تحرك السبابة اليسرى ترفعهما الى السماء رسلا وتضعها رسلا. والابتهال تبسط يديك وذراعيك الى السماء ، والابتهال حين ترى أسباب البكاء (٥).

وعن سعيد بن يسار قال قال الصادق عليه‌السلام : هكذا الرغبة وأبرز باطن راحتيه

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ / ٣٢٥ ، ح ٩٥٣.

(٢) سورة الذاريات : ٢٢.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ / ٣٢٥ ، ح ٩٥٥.

(٤) بحار الأنوار ٩٣ / ٣٣٩ ، ح ٨ ، أصول الكافي ٢ / ٤٨١ ، ح ٥.

(٥) أصول الكافي ٢ / ٤٨٠.

١٣

إلى السماء ، وهكذا الرهبة وجعل ظهر كفيه الى السماء ، وهكذا التضرع وحرك أصابعه يميناً وشمالا ، وهكذا التبتل يرفع إصبعه مرة ويضعها اخرى ، وهكذا الابتهال مد يديه تلقاء وجهه. وقال : لا تبتهل حتى ترى الدمعة (١).

وعن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : مر بي رجل وأنا أدعو في صلاتي بيساري ، فقال : يا أبا عبد الله بيمينك ، فقلت : يا عبد الله ان لله تبارك وتعالى حقاً على هذه كحقه على هذه (٢).

وأيضاً لما كان القنوت دعاءً ورغبة وسؤالا ، فكان ينبغي للعبد أن يبسط كفيه رافعاً بين يديه تعالى ، لكونه أقرب الى حاله في بسط ماله وحسن ظنه بافضاله ورجائه له ، فكأنه بذلك يسأل الأمان فيبسط كفيه لما يقع فيهما من الإحسان ، ولأنه أقرب الى العبودية والاحتقار والذلة ، فكأنه كالغريق الرافع يديه الحاسر عن ذراعيه المتشبث بأذيال رحمته ، والمتعلق بذوائب رحمته التي نجت الهالكين وأغاثه المكروبين ، مع ما فيه من الاشعار بوقوفه موقف العبد الذليل واشتغاله بخالقه الجليل عن طلب الآمال والتعرض للسوء.

وروي ركن الملة والدين ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني سقى الله ضريحه في كتاب الكافي ، وروي أيضاً آية الله في العالمين طاب ثراه في التذكرة ومنتهى المطلب عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه‌السلام قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أهل هلال شهر رمضان استقبل القبلة ورفع يديه قال : اللهم أهله علينا بالأمن والايمان الدعاء (٣).

وروي الشيخ الصدوق طاب ثراه في كتاب من لا يحضره الفقيه نقلا عن

__________________

(١) أصول الكافي ٢ / ٤٨٠ ، ح ٣.

(٢) أصول الكافي ٢ / ٤٨٠ ، ح ٤.

(٣) فروع الكافي ٤ / ٧٠ ، ح ١.

١٤

أبيه رضي‌الله‌عنه في الرسالة. وذكر السيد الجليل الطاهر ذو المناقب والمفاخر رضي الدين علي بن طاوس قدس الله نفسه ونور رمسه انه مروي عن الصادق عليه‌السلام قال : فإذا رأيت هلال شهر رمضان فلا تشر اليه ولكن استقبل القبلة وارفع يديك الى الله عزوجل وخاطب الهلال وقل ربي وربك الدعاء (١).

وقال شيخنا البهائي طاب ثراه في حديقته بعد نقل هذين الحديثين وغيرهما يستفاد من هذه الروايات بعض الآداب التي ينبغي مراعاتها حال قراءة الدعاء عند رؤية الهلال ، منها : استقبال القبلة حال الدعاء ، كما تضمنه الحديث المروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من انه كان يفعل ذلك ومنها : رفع اليدين الى الله عزوجل وقت قراءة الدعاء كما تضمنه الحديثان المذكوران ولا خصوصية لهذين الأمرين بهلال شهر رمضان ، وان تضمن الخبران أن فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك كان في هلاله ، وكذلك أمر الصادق عليه‌السلام بذلك بل لا خصوصية لهما بدعاء الهلال ، فإنهما يعمان كل دعاء الى آخر ما ذكره (٢).

لا يقال حديث محمد بن مسلم السابق ذكره يدل على أنه عليه‌السلام قد رفع يده اليسرى في صلاته. وقوله عليه‌السلام في جواب الرجل « ان لله تبارك وتعالى حقاً على هذه كحقه على هذه » يدل على استحباب رفع اليمنى أيضاً فبمجموع هذا الحديث يثبت استحباب رفع اليدين في الصلاة ، وهذا هو المطلوب.

لأنا نقول : ليس المدعى كما سبق مطلق الصلاة ، بل انما هو الصلوات الخمس بخصوصها. وهذا الحديث لا يدل عليه بخصوصه ، لجواز أن تكون الصلاة المذكورة فيه هي النافلة بل الوتر بخصوصها ، وهو الظاهر لما مر في صحيحة محمد بن سنان.

ولما روى محمد بن بابويه رحمة الله عليه في الفقيه بإسناده عن عبد الله بن

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٢ / ١٠٠.

(٢) الحديقة الهلالية ص ٢٧٦ ، الطبعة الحجرية.

١٥

أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : استغفر الله في الوتر سبعين مرة تنصب يدلك اليسرى وتعد باليمنى الاستغفار الحديث (١). وهو كما ترى نص بالباب والله أعلم بالصواب.

فان قيل : يمكن أن يستدل على استحباب رفع اليدين حال القنوت في الصلاة بما روى الشيخ في التهذيب والاستبصار بإسناده عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : التكبير في صلاة الفرض في الخمس الصلوات خمس وتسعون تكبيرة ، منها تكبيرة القنوت خمس (٢).

وعنه عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة ، وفسرهن في الظهر احدى وعشرون تكبيرة ، وفي العصر احدى وعشرون تكبيرة ، وفي المغرب ستة عشر تكبيرة ، وفي العشاء الآخرة احدى وعشرون تكبيرة ، وفي الفجر إحدى عشرة تكبيرة ، وخمس تكبيرات في القنوت في خمس صلوات (٣).

وعن أبي الصباح المزني قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : خمس وتسعون تكبيرة في اليوم والليلة للصلوات الخمس. منها تكبيرة القنوت (٤).

قلت : غاية ما تدل عليه تلك الاخبار على تقدير التسليم استحباب رفع اليدين بالتكبير في الصلوات الخمس إذا كان المصلي مريداً للقنوت ، وأما أنها تدل على استحبابه حال القنوت (٥) فلا ، إذ دلالة فيها عليه بشي‌ء من الدلالات ، فان استحباب

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ / ٤٨٩ ، ح ١٤٠٦.

(٢) تهذيب الاحكام ٢ / ٨٧ ، ح ٩١ ، والاستبصار ١ / ٣٣٦ ، ح ١.

(٣) تهذيب الاحكام ٢ / ٨٧ ، ح ٩٢ ، والاستبصار ١ / ٣٣٦ ، ح ٢.

(٤) تهذيب الاحكام ٢ / ٨٧ ، ح ٩٣ ، والاستبصار ١ / ٣٣٦ ـ ٣٣٧.

(٥) انما قلنا ذلك لانه ليس فيها ما يدل على استحباب رفعهما وقت التكبير للقنوت أيضاً ، بل الذي دل عليه بمنطوقها انما هو التكبير قبل القنوت ، وذلك لا يستلزم رفعهما بالتكبير رفعهما لمطلق التكبيرات الصلاتية في غير حال التقية مستحب ، وذلك مفهوم من الأخبار كما سيجي‌ء لا منها « منه ».

١٦

رفعهما بالتكبير للقنوت لا يستلزم استحبابه وقت قراءة القنوت الذي كلامنا فيه ، كما لا يخفى على الناقد البصير.

ثم ان الشيخ رحمه‌الله بعد نقل تلك الأخبار التي أسلفناها قال : ينبغي أن يكون العمل عليها وبها كان يفتي شيخنا المفيد قديماً ثم عن له في آخر عمره ترك العمل بها والعمل على رفع اليدين بغير تكبير. والقول الأول أولى لوجود الروايات بها ، وما عداه لست أرى به حديثاً أصلا.

وليس لأحد أن يتأول هذه الاخبار بأن يقول : ما زاد على التسعين تكبيرة أحمله على أنه إذا نهض من التشهد الأول إلى الثالثة يقوم بتكبيرة لأمور :

أحدها أنه انما تتأول الاخبار وتترك ظواهرها إذا تعارضت وكان ينافي بعضها بعضاً ، وليس هاهنا ما ينافي هذه الروايات ، فلا يجوز العدول عن ظواهرها بضرب من التأويل.

وثانيها : أنّه ليس كل الصلوات فيها نهوض من الثانية إلى الثالثة ، وانما هو موجود في أربع صلوات ، فلو كان المراد ذلك لكان يقول أربع وتسعون تكبيرة.

وثالثها : أن الحديث المفصل تضمن ذكر احدى عشر تكبيرة في صلاة الغداة وتكبيرة بعد ذلك للقنوت مضافاً إليها ، فلو كان الأمر على ما يأول عليه لكان التكبير فيها إحدى عشرة تكبيرة فقط.

ورابعها : أنه قد وردت روايات منفردة بأنه ينبغي أن يقوم الإنسان من التشهد الأول إلى الثالثة ويقول : بحول الله وقوته أقوم وأقعد. ولم يذكر التكبير ، فلو كان يجب القيام بالتكبير لكان يقول : ثم يكبر ويقوم إلى الثالثة ، كما أنهم لما ذكروا الركوع والسجود قالوا : ثم يكبر ويركع ويكبر ويسجد ويرفع رأسه من السجود ويكبر ، فلو كان هاهنا تكبيراً كان يقول مثل ذلك.

١٧

وقد روي ذلك عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا جلست في الركعتين الأولتين فتشهدت ثم قمت ، فقل : بحول الله وقوته أقوم وأقعد ، ثم ذكر حديثين آخرين بهذا المضمون (١) انتهى.

فان قلت : ما تقول في حديث روى محمد بن يعقوب في الروضة بإسناده عن معاوية بن عمار ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : كان في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام أن قال : يا علي أوصيك في نفسك بخصال فاحفظها عني ، ثم ساق الكلام عليه‌السلام الى أن قال : وعليك بصلاة الليل ، وعليك بصلاة الزوال ، قال ذلك ثلاثاً ، ثم قال : وعليك بتلاوة القرآن على كل حال ، وعليك برفع يديك في صلاتك وتقليبهما الحديث (٢).

فإنه صريح الدلالة على استحباب رفع اليدين حال القنوت.

قلت : لا صراحة فيه بذلك المطلب ، بل لا دلالة له عليه أصلا ، لاحتمال أن يكون المراد وعليك برفع يديك في صلاتك وقت تكبيرة الإحرام ، أو وقت سائر التكبيرات ، سواء كانت للركوع أو السجود أو غيرهما ، فإنه يستحب للمصلي أن يرفع بها يديه إلى أذنيه ، ويكون معنى قوله عليه‌السلام « وتقليبهما » ترديدهما وتوجيههما إلى جهة السماء ، بأن يجعل باطن كفيه في حال رفع اليدين بالتكبير الى جانب السماء ، أو الى جهة القبلة.

ويدل على ما ذكرناه روايات منها : ما روى الشيخ رحمه‌الله في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يرفع يديه إذا ركع ، وإذا رفع رأسه من الركوع ، وإذا سجد ، وإذا رفع رأسه من السجود ، وإذا أراد أن يسجد

__________________

(١) الاستبصار ١ / ٣٣٧ ـ ٣٣٨.

(٢) الروضة من الكافي ٨ / ٧٩.

١٨

الثانية (١).

ومنها : ما روي في الصحيح أيضاً عن ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : في الرجل يرفع يده كلما أهوى للركوع أو السجود ، وكلما رفع رأسه من ركوع أو سجود ، قال : هي العبودية (٢).

وفي الصحيح أيضاً عن صفوان بن مهران الجمال ، قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام إذا كبر في الصلاة يرفع يديه حتى تكاد تبلغ أذنيه (٣).

وفي صحيحة ابن سنان قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يصلي يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح (٤).

وعنه عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث صحيح في قول الله عزوجل ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ) قال : هو رفع يديك حذاء وجهك (٥).

وفي صحيحة منصور بن حازم قال : رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام افتتح الصلاة ، فرفع يديه حيال وجهه ، واستقبل القبلة ببطن كفيه (٦).

وفي حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطها بسطاً الحديث (٧).

مع أنا نقول : وعلى تقدير أن يكون المراد وعليك برفع يديك في صلاتك حال القنوت لا دلالة لهذا الحديث على ذلك المطلب أيضاً ، لأن كلامنا في خصوص

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٢ / ٧٥ ، ح ٤٧.

(٢) تهذيب الاحكام ٢ / ٧٥ ، ح ٤٨.

(٣) تهذيب الاحكام ٢ / ٦٥ ـ ٦٦ ، ح ٣.

(٤) تهذيب الاحكام ٢ / ٦٦ ، ح ٤.

(٥) تهذيب الاحكام ٢ / ٦٦ ، ح ٥.

(٦) تهذيب الاحكام ٢ / ٦٦ ، ح ٨.

(٧) تهذيب الاحكام ٢ / ٦٧ ، ح ١٢.

١٩

الصلوات الخمس المفروضات ، وهذا الحديث أعم منه ، ولا دلالة للعام على الخاص بشي‌ء من الدلالة نعم لو كان في المقام نص صريح على المدعى لأمكن أن يجعل هذا الحديث بعمومه مؤيداً له وليس فليس.

فان قلت : يمكن أن يستدل على ذلك المطلب بما رواه الشيخ رحمه‌الله في التهذيب في باب طويل يذكر فيه الصلاة وصفتها والمفروض منها والمسنون في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما‌السلام قال قال : على الامام أن يرفع يده في الصلاة ليس على غيره أن يرفع يده في الصلاة (١).

بأن يحمل الامام على المعصوم ، ويقال : المراد رفع اليد في القنوت لعدم التقية في شأنه عليه‌السلام ، لان المعلوم من مذهبه ذلك بخلاف غيره عليه‌السلام ، فان عليه أن يتقي ولا يرفع يديه للقنوت ، بل يقنت غير مرفوع اليدين ، فيدل على أن غير الامام عليه‌السلام إذا كان في حال غير التقية يستحب له أن يرفع يديه للقنوت ، وبذلك يثبت المطلوب.

قلت : فيه أولا : ان التقية كما يجب على غيره عليه‌السلام كذلك يجب عليه أيضاً بل في شأنه العزيز أشد وآكد ، كما يرشدك اليه قوله عليه‌السلام « التقية ديني ودين آبائي » (٢).

اللهم الا أن يأول بتقية لا يكون فيها إلا مشقة يسيرة لا تبلغ الى حد الخوف على النفس أو المال ، فان تركها حينئذ جائز ، لكن على هذا يكون نسبته الى غيره عليه‌السلام كنسبته الى نفسه في أنه لا ينبغي التقية فيه ، وحينئذ فليس للتخصيص به وجه ، وهو ظاهر.

وثانيا : أنه ليس فيه تصريح بالمطلوب ، لان رفع اليد مطلق في الحديث

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٢ / ٢٨٧ ، ح ٩.

(٢) أصول الكافي ٢ / ٢١٩ ، ح ١٢.

٢٠