الرسائل الفقهيّة - ج ١

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي

الرسائل الفقهيّة - ج ١

المؤلف:

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢
الجزء ١ الجزء ٢

يترك للمالك نخلة أو نخلات يأكل منها هو وأهله ، غير مرضي عند أصحابه.

حكى في شرح الموجز عن التقريب أن للشافعي قولا في القديم أنه يترك للمالك نخلة أو نخلات يأكل منها أهله ، ويختلف ذلك باختلاف حال الرجل في قلة عياله وكثرتهم ، وذلك في مقابلة قيامه بتربية الثمار الى الجداد وتعبه في التجفيف.

قال : والصحيح المشهور ادخال الكل ، لاطلاق النصوص المقتضية لوجوب العشر. أما مئونة الجداد والتجفيف فمن خالص مال المالك ، وكذا مئونة التنقية في الحبوب ، لما سبق أن المستحق لهم هو اليابس. وأما ما ورد بترك الثلث والربع لهم ، فهو محمول على ترك بعض الزكاة لرب المال ، ليفرقه بنفسه على أقاربه وجيرانه ، أي : لا يؤاخذ بدفع جميع ما خرص عليه أولا انتهى (١).

وأيضاً ترك النخلة والنخلات للمالك غير تركها للحارس ، وأجرة الحفظ تباين أجرة تربية الثمار والتجفيف ، فاين هذا من ذاك ، كما أن ترك ما يحتاج اليه المالك من أكل أضيافه واطعام جيرانه وأصدقائه وسؤال المستحقين للزكاة وما يجيبه منها وما يتناثر منها ويتساقط ويتناوبه الطير ويأكل منها المارة ، ليس مما نحن بصدده في شي‌ء.

فما ذكره في التذكرة والمنتهى من أن على الخارص أن يتركها ولو استوفى الكل أضر بالمالك ، خارج عن موضع البحث ، وكذلك ما ذكره فيها من أنه روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال : حفظوا على الناس ، فان في المال العرية والواطئة والاكلة قال : والعرية النخلة والنخلات يهب انساناً ثمرتها وقد قال عليه‌السلام : ليس في العرايا صدقة. والواطئة السائلة سموا به لوطئهم بلاد الثمار مجتازين.

والاكلة أرباب الثمار وأهليهم ، فان ذلك كله غير المتنازع فيه ، وهو ترك

__________________

(١) المدارك ص ٣٠٥.

٤٢١

النخلة والنخلات لاجرة الناطور ، وهو ظاهر جداً ، وذكره بعض الفضلاء في تعليقاته على شرح اللمعة ، ان عدم القائل بالفرق غير معلوم ، غير مفيد قطعاً لما علم من اهتمامهم بنقل الخلاف وحكاية الأقوال ، فلو كان ثمة من يقول به لاطلعنا عليه ، وعدمه دليل على نفيه ، على أن انتفاء ظهور القائل بالفرق كاف ، فتدبر.

ومنها : ما رواه في الكافي باسناد لا يخلو عن اعتبار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل ( وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ) (١) قال : يعطي المسكين يوم حصادك الضغث ، ثم اذا وقع في البيدر ، ثم اذا وقع في الصاع العشر ونصف العشر (٢).

ويظهر منه أن اخراج الزكاة بعد بعض المئونات الموضوعة مما يتقدم على وقوع الغلة في الصاع ، كما يدل عليه أيضاً اعتبار الأوساق.

قال في المبسوط : وقت اخراج الزكاة عند التصفية والنذرية ، لان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : اذا بلغ خمسة أوسق ولا يمكن الكيل الا بعد التصفية (٣). ويلزم منه أن يكون أجرة الكيال والوزان أيضاً من المؤن المستثناة على ما هو ظاهر من استثناء كلها.

ومنها : ما استند اليه العلامة في المنتهى ، وهو أنه مال مشترك بين المالك والفقراء ، فلا يختص أحدهم بالخسارة عليه ، كغيره من الأموال المشتركة (٤).

وفي المعتبر وغيره أن المئونة سبب زيادة المال ، فيكون على الجميع ، كالخرج على غيره من الأموال المشتركة (٥).

__________________

(١) سورة الأنعام : ١٤١.

(٢) فروع الكافي ٣ / ٥٦٥ ، ح ٤.

(٣) المبسوط ١ / ٢١٧.

(٤) المنتهى ١ / ٥٠٠.

(٥) المعتبر ٢ / ٥٤١.

٤٢٢

واعترض عليه صاحب المدارك بأن اشتراك النصاب بين المالك والفقراء ليس على حد سائر الأموال المشتركة ، لتكون الخسارة على الجميع ، ولهذا جاز للمالك الاخراج من غير النصاب والتصرف فيه بمجرد الضمان (١).

والجواب : أنه مبني على ما تقرر عندنا من وجوب الزكاة في العين لا في الذمة.

قال في المنتهى : ذهب اليه علماؤنا أجمع ، سواء كان المال حيواناً أو غلة أو أثماناً ، وبه قال أكثر أهل العلم. وفي التذكرة انها تجب في العين عند علمائنا وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي في الجديد وأحمد في أظهر الروايتين ، الا أن أبا حنيفة قال : لا يستحق بها جزء منها ، وانما يتعلق بها كتعلق الجناية بالعبد الجاني ، وهو احدى الروايتين عن أحمد.

ويفهم منه أن من قال منا بتعلقها بالعين ، ذهب الى أنه على سبيل اشاعة الشركة والاستحقاق ، لا من قبيل الرهن وغيره على وجه الاستيثاق ، وقد صرح هذا المعترض أيضاً بأن مقتضى الأدلة الدالة على وجوب الزكاة في العين كون التعلق على طريق الاستحقاق ، وهو الظاهر من كلام الأصحاب ، حيث أطلقوا وجوبها في العين ، ولا ينافي ذلك جواز الاخراج من مال آخر ، وجواز التصرف في النصاب اذا ضمن الزكاة بدليل خارج هذا كلامه رحمه‌الله.

وبه ينهدم بنيان ما شيد به الاعتراض ، فان فيه اعترافاً بأن سلب بعض أحكام الشركة لدليل خاص لا يوجب نفيها ، ولا يصح أن يقاس على البعض المنفي سائر الأحكام ، فيبقى الجميع الى أن يقوم دليل على خلافه ، ومنه اشتراك الخسارة ، اذ لا دليل على استثنائه.

فان أراد نفي استحقاق جزء من أعيان الغلاة من حيث استثناء بعض أوصافه

__________________

(١) المدارك ص ٣٠٥.

٤٢٣

وأعراضه وانتفاء شي‌ء من لوازمه وأحكامه ، نظراً الى ما في التذكرة والقواعد والبيان من التردد في الاشتراك ، واحتمال كونه كالرهن يباع بعض النصاب عليه اذا امتنع ، كما يباع المرهون في الدين ، أو كونه كتعلق الأرش برقبة الجاني ، فانها تسقط بهلال النصاب ، كما تسقط الأرش بهلال الجاني ، فذلك لا ينفعه كما قررناه ، مع أن ذلك من آراء المخالفين ، كما يظهر من الوجيز.

وان أراد نفي وجوبها في العين ، بناءً على وجوب الزكاة في الذمة مستنداً الى ما ذكر ، فمع قصوره حيث لا ينافي سلب بعض خواص الاستحقاق تعلقها بالعين على وجه الاستثناء ، يتوجه عليه أنه مصادم لما سبق من الاجتماع.

وأما ما حكاه ابن حمزة عن بعض الأصحاب من وجوبها في الذمة ، على ما أورده الشهيد في البيان ، فقد نسبه في المعتبر كما مر الى أحد قولي الشافعي وأحمد محتجاً على ذلك بأنها لو وجبت في العين لكان للمستحق الزام المالك بالاداء من العين ومنع المالك من التصرف في النصاب الا مع اخراج الفرض.

ثم أجاب عن الأول بالمنع من الملازمة ، فان الزكاة وجبت جبراً ارفاقاً للفقير ، فجاز أن يكون العدول عن العين تخفيفاً عن المالك ليسهل عليه دفعها ، وكذا الجواب عن جواز التصرف اذا ضمن الزكاة ، وهو حسن ، كذا في المدارك.

وهو كما ترى يستحسن تارة أن الوجوب في العين لا في الذمة ، ويعترف أخرى بأنه على سبيل الاستحقاق دون الاستيثاق. ومع ذلك يعترض على الفاضل بما احتج به المخالف في ذينك المقامين ، بناءً على انتصار هذين المذهبين.

والعجب من صاحب الذخيرة حيث تبعه في الاعترافين ، ثم ارتضى ما أورده في هذا المقام مما ينصر ما أنكره من القولين ، ولعل له عذراً هو به أعرف فان وجه الاعتراض على ما قرره في الذخيرة بأن اشتراك النصاب ليس على حد

٤٢٤

سائر الأموال المشتركة ليحتسب حكمها فيه كلية ، ولهذا يجري فيه ما لم يجر في سائر الأموال المشتركة ، فيجوز للمالك الاخراج من غير النصاب والتصرف فيه بمجرد الضمان ، ووجب عليه كلما يتوقف عليه الدفع الى المستحق من أجرة الكيال والوزان لتوقف الواجب عليه.

فجوابه أن مجرد امتياز بوجه ما عن سائر المشتركات لا يمنع من اشتراكه معها في سائر الأحكام المشتركة بعد تسليم الاشتراك وثبوته ، وهو ظاهر مما تقدم.

وقال في الذخيرة : ان انتفاء بعض الأوصاف الثابتة لتعلق الحق بالعين غالباً لدليل من خارج ، لا يقتضي انتفاء وصف التعلق بالعين بالكلية ، وفي وجوب اجرة الكيل والوزن على المالك خلاف مشهور ، وقد قال الشيخ في المبسوط : يعطى الحاسب والوزان والكاتب من سهم العاملين.

والفرق بين ما يتوقف عليه الغلة وما يحتاج اليه الدفع بين ، فلا يجري ذلك بعينه في أجرة الحصاد والتصفية على ما زعمه صاحب المدارك ، على أن الأوساق لا يحصل الا بعد ذلك ، فيكون الجميع مشتركا بين الجميع. وعدم ظهور القائل به بخصوصه لا يضر ، لتناول المؤن كله في اطلاقاتهم له ، ووجوب شي‌ء من ذلك على أرباب الأموال لا دليل عليه ، ودون اثبات وجوب ما يتوقف عليه الدفع عليهم خرط القتاد ، مع ما في دعوى التوقف من تطرق المنع.

والمراد بجواز التصرف بمجرد الضمان ان كان هو الانتقال الى ذمة المالك بالتضمين كما هو المتبادر ، فتوقف جواز التصرف عليه ينافي وجوب الزكاة في الذمة ، وبه يثبت مشاركة المستحقين في عين النصاب.

واختار في العزيز أن حق المساكين ينقطع بالتضمين عن عين الثمرة ، وينتقل الى ذمة رب المال ، لان الخرص يسلطه على التصرف في الجميع ، وذلك يدل على انقطاع حقهم عنها وعدم الاحتياج الى الاستئذان منهم لتعذره ،

٤٢٥

وانما ينوب الساعي عنهم مقام اذنه مقامه حيث لم يتعين المصرف حينئذ.

وان أريد الضمان الغرم على الأداء من غيرها ، كما أفاده المحقق الشيخ علي ، فالتضمين يتضمن الاذن لهم فيه ، وكأنه ينتقل بذلك حق المساكين اليهم ، ولذلك يجوز للساعي أن يضمن لارباب الأموال حقهم بانتقاله اليه.

قال في المعتبر كغيره : خيرهم بين تركه امانة في يدهم ، وبين تضمينهم حق الفقراء ، أو يضمن لهم حقهم ، فان اختاروا الضمان كان لهم التصرف بالاكل والبيع والهبة ، وإن أبوا جعله أمانة ولم يجز لهم التصرف بالاكل والبيع والهبة فيها حق المساكين.

وفي البيان : ليس له التصرف الا بعد ضمان ما يتصرف فيه أو الخرص فيضمن ، أو يضمن له الساعي ، فلو تركها امانة جاز الخرص وغيره (١).

وعلل الاشتراك في المدارك بما رواه ابن بابويه ، يعني في علل الشرائع عن أبي المعزا عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ان الله عزوجل أشرك بين الاغنياء والفقراء في الأموال ، فليس لهم أن يصرفوها الى غير شركائهم (٢).

وبالجملة النصوص المعتضدة بالشهرة العظيمة البالغة حد الاجماع من الفرقة المحقة ناهضة باثبات الشركة الاستحقاقية المخالفة لمذاهب العامة ، كما اعترف به في المدارك والذخيرة ، ولا ينهض أمثال ذلك بنفيها ، فالقول بها هو الوجه ، وما يبتنى عليها من الوجوه لا يخلو عن وجه ، فلا وجه للاعتراض عليه بهذا الوجه.

وأما الايراد بأنه ان تم لدل على استثناء المئونة المتأخرة عن وقت تعلق الوجوب بالنصاب ، لحصول الاشتراك في ذلك الوقت ، والمدعى أكثر من ذلك وأعم منه. فدفعه ظاهر ، لانتفاء القول بالفرق في هذه المسألة ، وان فرق بين

__________________

(١) البيان ص ١٨٢.

(٢) علل الشرائع ص ٣٧١.

٤٢٦

المؤن اللاحقة والسابقة في اعتبار النصاب باحتساب المتقدمة دون المتأخرة عكس ما يراد هنا ، فافهم.

على أنه يصح أن يقال بالنظر الى ما في المعتبر أن المئونات وان كانت مقدمة سبب لزيادة ما يحصل من المال المشترك والخراج على الأموال المشتركة وان لم يزد فيها مشترك ، فما يزيد منه بسببه أولى بالاشتراك ، وبهذا يمكن الاعتذار عما ارتكبه العلامة في المنتهى ، حيث قال : لنا أنه مشترك بين المالك والفقراء ، فلا يختص أحدهم بالخسارة عليه كغيره من الأموال المشتركة ، ولان المئونة سبب في الزيادة ، فيكون على الجميع (١).

فانه جعل ذلك وجهاً آخر كما ترى ، اشارة الى ما بينهما من الفرقان ، لبعد كون المجموع دليلا واحداً على مجموع المؤن المتأخرة والمتقدمة ، ولعله أعرض عن التشبيه بغيره من المشتركات لئلا يتوهم فيه القياس على ما اعتبره عطا ، فان هذه الحجة محكية في التذكرة بهذا الوجه المبتنى عليه تنبيهاً على أنه يتم التقريب من باب اتحاد طريق المسألتين ، وأورد المحقق على ذلك الوجه ، بناءً على الاحتجاج بالقياس بالطريق الأولى.

وبما قررنا ظهر ضعف ما في الذخيرة من أنه في قوة المدعى ، وأضعف منه ما في المدارك من منع الملازمة ، بناءً على أنه لا يلزم من كون المئونة سبباً في الزيادة وجوبها على الجميع ، ومن أن ذلك نفس المدعى ، فكيف يجعل دليلا؟! ضرورة أن هذا المنع مكابرة ، والاستدلال باعتبار وصف كونه سبباً في الزيادة وهو غير المدعى قطعاً ، وبهذا الاعتبار كان دليلا ، كما في سائر الأقيسة الاقترانية والاستثنائية.

ومنها : ما نبه عليه المحقق في المعتبر ، واحتج به في المنتهى ، من أن الزكاة

__________________

(١) المنتهى ١ / ٥٠٠.

٤٢٧

في الغلاة انما تجب في النماء واسقاط حق الفقراء من المئونة مناف ، وقرره في المدارك بأن الزكاة في الغلاة تجب في النماء والفائدة وهو لا يتناول المئونة وحكم عليه بالبطلان ، ولعله ناظر الى ما هو المفهوم من الغلة ، فانها فائدة الأرض ، كما صرح به الفيروز آبادي وغيره ، وكذا لفظ الزكاة ، ذهاباً الى معناه الأصلي وهو النمو.

قال في القاموس : زكا يزكو زكاءً وزكواً نما (١).

وزاد فانها اسم على فعلة كالصدقة ، وأكثر ما يكون اطلاقه على المال المخرج فلا يلائم ذلك اخراجه من غير النماء.

وقال الفاضل الأردبيلي : لا يبعد عدم تعلق الزكاة بالمؤن كله كالخراج ونحوه متمسكاً بدليل الإجماع لو كان ، ونحوه من لزوم الضيق والحرج على المالك وتبادر أن الغرض وصول ما يصل اليه الى النصاب لا ما يأخذه الغير ، خصوصاً ما كان موقوفاً عليه الزرع ، لحسنة محمد بن مسلم وأبي بصير الصريحة في ذلك ، والأخبار التي تدل على احتساب ما يأخذه الظالم زكاة ، والتي تدل على كون الخمس بعد المؤن وغيرها فتأمل (٢). كذا في شرح الارشاد للمحقق المذكور.

وبهذه الوجوه على ما تمسك به العلامة في المنتهى من الوجوه الست التي مرت الاشارة اليها في تضاعيف الكلام ، ويتضح بهذه الأدلة المتعاضدة بعضها ببعض من الأخبار المعتبرة المتأيدة بعمل مشاهير المحققين من الأصحاب ، المطابقة لظاهر ما نزل به الكتاب ، المخالفة لما اتفق عليه جمهور ذوي الأذناب ، وغير ذلك من الشواهد والاعتبارات ما أردناه من ترجيح تعلق الزكاة بالغلات بعد وضع ما يغرمه عليه رب المال من المئونات.

__________________

(١) القاموس ٤ / ٣٣٩.

(٢) مجمع الفائدة ٤ / ١٠٩ ـ ١١٠.

٤٢٨

ويؤيده ما عهد في الشرع من التخفيف عنه باصوله عن التمرد والخلاف ، من حيث كونها مؤاساة يشق تحملها شرعت معونة للفقراء من أجل قوتهم ، ليحصن بها أموال الأغنياء ، ولهذا اقتصر فيما يعالج بالرشا والنفح والدلاء على نصف العشر ، مع أنه يحتسب ما يلزم ذلك من المؤن وسطاً على القبول بالاستثناء على ما صرح به في البيان وغيره ، باعتبار ما يعاينه من الاشتغال بالسقي واستعمال الأجزاء زائداً على بذل المئونة ، بخلاف ما سقت السماء وما يجري مجراه من الأودية والسيول.

ولان غلة ما يسقى بالنواضح والدوالي أكثر ما يكون أقل مما يستقى بالماء الجاري ونحوه ، كما هو المعهود المعتاد ، مع أن ما يغرمه المالك معجلا لا يجبر بما يصل اليه بعد.

وأيضاً فان منفعة المالك هي ما يبقى بعد اخراج المئونة ، وظاهر أنه اذا كثرت المئونة يكون ما سقى له بعد المئونة أقل مما يبقى له فيما قلت المئونة ، فناسب ذلك التخفيف له.

وبذلك ينحل ما استشكل في المقام ، من أن الزكاة اذا كانت لا تجب الا بعد المئونة ، فأي فارق بين ما كثرت مئونته وقلت ، على أنه قال المحقق : ان الأحكام متلقاة من الشرع المطهر ، وكثير من علل الشرع غير معلوم لنا ، فلا حاجة الى ما احتمله الشهيد من سقوط مئونة السقي لاجل نصف العشر واعتبار ما عداها ، مع أنه ذكر أنا لا نعلم به قائلا.

ولا ينحسم به الاشكال أيضاً ، لان نصف العشر ربما زاد عليها ، فلا بد من الرجوع الى ما ذكرناه ، ويقع بازاء ما يزاوله من الكلفة الزائدة على بذل الأجرة وما ينقص من ماله ، وليس في هذه التفرقة شهادة قوية على عدم الاستثناء كما افتهمه صاحب المدارك ، ولا تصريح لهم بأن اسقاط نصف العشر لاجل المئونة

٤٢٩

خاصة على ما في البيان ، نعم ربما كان لبعضهم اشعار به ، والأمر فيه بعد ما بيناه سهل.

وكيف كان ففي ذلك وأمثاله مما يبتنى على رعاية حال أرباب الأموال من الشهادة على العفو والمسامحة ما لا يخفى على اللبيب ، وقد قال أمير المؤمنين عليه‌السلام فانا أمرنا أن نأخذ منهم العفو ، ولذلك عفى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عما سوى الأجناس التسعة ووضعت الزكاة عن المعلوفة والسخال وغيرهما ، وعلى المصدق أن يقرض الى ذي المال ويجيزه ويصدقه ويقبل قوله ، وأجاز لهم الخرص والتخمين واخراج القيمة ، ونهى أن يحشر من ماء الى ماء ، وأن يجمع بين متفرق ، وأن يفرق بين مجتمع.

الى غير ذلك مما يفيد التقوية والتأييد ، لما ثبت بالكتاب والسنة والإجماع والاعتبار ، فاعتبروا معاشر أولي الأبصار ، مع أنه لا دليل على خلافه بحسب النقل والعقل يعارض ما فصلناه ، ولا قائل بذلك من قدماء علمائنا ، ولم يتحقق من متأخريهم القول به أيضاً والخلاف فيه.

مع أن الظاهر أنه قد سبقه الإجماع ولحقه غير مستقر ومن جنح اليه تراه يقدم رجلا ويؤخر أخرى ، مع ما فيما تثبت به من الضعف والقصور ، فان الخلاف منسوب الى الشيخ في المبسوط والخلاف والفاضل يحيى بن سعيد. ويظهر من الشهيد الثاني في المسالك والروضة نوع توقف فيه ، وان نسب اليه اختياره في فوائد القواعد ، ومشى على أثره صاحب المدارك ، وتبعه في الذخيرة ، وهو الظاهر من الحر العاملي في البداية حيث سكت عنه ، وتردد فيه الفاضل العلامة المجلسي ووالده التقي المتقي كصاحب المفاتيح وان جعله أحوط وأولى.

فأما الشيخ ، فقد عرفت أنه تكرر منه في المبسوط التصريح بالاستثناء ، كما قطع به في سائر كتبه ويوجد في موضع منه في غير موضعه أنه لا زكاة في شي‌ء

٤٣٠

من الحبوب من الحنطة والشعير ، والسلت شعير فيه مثل ما فيه ، وكل مئونة يلحق الغلاة الى وقت اخراج الزكاة على رب المال دون المساكين. والعلس نوع من الحنطة الى آخر ما قال.

والظاهر من تخلل هذا الحكم بين كون السلت شعيراً والعلس حنطة بدون مناسبة أنه من الحاقات الناسخين ، اذ لا وجه لتوسط حكم المؤن بين ذينك الحكمين المتناسبين ، ولو لم يكن حاشية ألحقت بالاصل لزم التكرار والتناقض ويجب الاحتراز عن أمثال ذلك في كلام الأجلاء مهما أمكن ، اذ يبعد حمله على المؤن اللاحقة لوقت الوجوب ، أو على اعتبار النصاب قبلها ، وأبعد منه الحمل على أنه يجب على رب المال أن يؤدي المؤن الى وقت الاخراج ، ثم يحتسب ما غرمه وسطاً على المساكين.

وقال في الخلاف : كل مئونة تلحق بالغلاة الى وقت اخراج الزكاة على رب المال وبه قال جميع الفقهاء إلا عطاء ، فانه قال : المئونة على رب المال والمساكين بالحصة. دليلنا : قوله عليه‌السلام « فيما سقت السماء العشر أو نصف العشر » فلو ألزمناه المؤن لبقى أقل من العشر أو نصف العشر (١).

ولو كان مراده وفاق جميع فقهاء الخاصة ، أو اتفاق كل علماء الأمة لاحتج به عليه ، كما هو دأبه في ذلك الكتاب. ألا ترى أنه حيث أعوزه الدليل اضطر الى التمسك بالعمومات ، ولم يحتج عليه بالإجماع منا ومن العامة على ما سمعت. فما قطع به في شرح اللمعة من أنه قول الشيخ محتجاً عليه بالإجماع منا ومن العامة محل التعجب ، وكيف يدعي الإجماع من الأمة ويخالفه في سائر كتبه وفتاويه ، ولو كان كذلك لزم عليه القول بخلاف ما ادعى عليه الإجماع ، ويلزم أيضاً مخالفته لاكثر اجماع الطائفة ، بل لما عليه علماء الإسلام ، وهذا مع أنه مما لا يرتضه

__________________

(١) الخلاف ٢ / ٦٧.

٤٣١

ذو جحى يستلزم سقوط الاعتماد عن الإجماعات التي يدعيها العلماء الأعلام ولا سيما الشيخ ، كما شنع عليه كثير من الأخباريين والقاصرين من الأصوليين.

والحق أن المراد جميع فقهاء العامة على ما هو المعتاد في عبارات القدماء خصوصاً الشيخ في كتاب الخلاف. واذا أراد التعبير عن اتفاق علماء الخاصة ، قال في مقام التعليل عليه اجماع الفرقة ، وهذا ظاهر لكل من نظر فيه ، فقد تكرر فيه ذلك ، والمراد به ما ذكرناه.

كما قال : يجب في المال حق سوى الزكاة المفروضة ، وهو ما يخرج يوم الحصاد من الضغث بعد الضغث والحضنة بعد الحضنة يوم الجذاذ ، وبه قال الشافعي والنخعي ، وخالف جميع الفقهاء في ذلك. دليلنا : اجماع الفرقة وأخبارهم (١). وهو صريح في أن المراد فقهاؤهم ، حيث قابل بهم اجماع الفرقة.

وأصرح منه قوله : لا زكاة في سبائك الذهب والفضة ، ومتى اجتمع معه دراهم أو دنانير ومعه سبائك أو نقار أخرج الزكاة من الدراهم والدنانير اذا بلغا النصاب ، ولم يضم السبائك والنقار اليها. وقال جميع الفقهاء : يضم بعضها الى بعض ، وعندنا أن ذلك يلزمه اذا قصد الفرار من الزكاة.

وكذلك من كان له سيوف مجراة فضة أو ذهب أو أواني ، مستهلكاً كان أو غير مستهلك لا تجب فيه الزكاة. وقال الشافعي وباقي الفقهاء : ان كان ذلك مستهلكاً بحيث اذا جرد وأخذ وسبك لم يحصل منه شي‌ء ، فلا زكاة فيه لانه مستهلك. وان لم يكن مستهلكاً وكان اذا جمع وسبك يحصل منه شي‌ء يبلغ النصاب ، أو بالاضافة الى ما معه نصاباً ففيه الزكاة (٢).

وقال : الحلي عندنا لا زكاة فيه ، وخالف جميع الفقهاء في ذلك ، وقالوا

__________________

(١) الخلاف ٢ / ٥.

(٢) الخلاف ٢ / ٧٧.

٤٣٢

في غير المباح منه زكاة. وأما المباح فللشافعي فيه قولان ، وحكي عن جماعة من الصحابة القول بالانتفاء. ثم ذكر أنهم قالوا : زكاته اعارته كما يقول أصحابنا ، وفي الفقهاء مالك وأحمد واسحاق وعليه أصحابه وبه يفتون (١).

ويبين ذلك أيضاً ما قاله من أن الخمس يجب في جميع المستفاد من أرباح التجارات والغلات والثمار على اختلاف أجناسها بعد اخراج حقوقها ومؤنها واخراج مئونة الرجل لنفسه ومئونة عياله منه ، ولم يوافقنا على ذلك أحد من الفقهاء. دليلنا : اجماع الفرقة وأخبارهم وطريقة الاحتياط (٢).

وقال : على الإمام اذا أخذ الزكاة أن يدعو لصاحبها ، وبه قال داود ، وقال جميع الفقهاء : ان ذلك مستحب غير واجب (٣) فانه أطلق الفقهاء عليهم ، وأراد بجميع الفقهاء من عدا علمائنا ، وذلك كثير في جميع الكتب وسائر الأبواب.

منها قوله : ان موضع مسح الرأس مقدمه ، وعليه اجماع الفرقة. وقال جميع الفقهاء : انه غير واجب أي مكان شاء مسح مقدار الواجب. وحكى عن جميع الفقهاء أن مسح جميع الرأس مستحب ، ثم قال : أجمعت الفرقة أن ذلك بدعة (٤).

ومنها قوله : ان أواخر فصول الأذان موقوفة غير معربة ، وقال جميع الفقهاء يستحب بيان الإعراب فيها. دليلنا : اجماع الفرقة وقد بينا أن اجماعها حجة (٥).

ومنها : أن من أجنب نفسه مختاراً اغتسل على كل حال ، وان خاف التلف

__________________

(١) الخلاف ٢ / ٨٧ ـ ٨٨.

(٢) الخلاف ٢ / ١١٨.

(٣) الخلاف ٢ / ١٢٥.

(٤) الخلاف ١ / ٨٣.

(٥) الخلاف ١ / ٢٨٢.

٤٣٣

أو الزيادة في المرض ، وخالف جميع الفقهاء في ذلك دليلنا : اجماع الفرقة المحقة.

ومنها : أنه يجوز صلاة الفريضة على الراحلة عند الضرورة ، وقال جميع الفقهاء : لا يجوز ذلك ، لإجماع الفرقة (١).

ومنها : أنه ذكر أن الفرض في الطهارة الصغرى المسح على الرجلين ، وقال جميع الفقهاء : الفرض هو الغسل ، وروي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : ما نزل القرآن الا بالمسح وعليه اجماع الفرقة (٢).

ومنها : قوله ان المذي والودي لا ينقضان الوضوء ولا يغسل منهما الثوب ، وخالف جميع الفقهاء في ذلك وأوجبوا منهما الوضوء وغسل الثوب ، دليلنا : اجماع الفرقة (٣).

الى غير ذلك من المواضع المتكررة المتكثرة في جميع أبواب ذلك الكتاب وفصوله مما لا حاجة الى التطويل بذكره ، وفيما أوردناه كفاية للمسترشد.

ولهذا بعد ما حكى المحقق الخلاف عن الشيخ نسبه الى الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد. وفي المنتهى أن زكاة الزرع والثمار بعد المئونة ، كاجر السقي والعمارة والحصاد والجذاذ والحافظ وبعد حصرته ، وبه قال أكثر أصحابنا واختاره الشيخ أيضاً في النهاية ، وذهب اليه عطاء. وقال في المبسوط والخلاف : المئونة على رب المال دون الفقراء ، وهو قول الفقهاء الأربعة (٤).

فان قلت : انه ربما يطلق الفقهاء على ما يتناول العامة والخاصة ، فانه قال :

__________________

(١) الخلاف ١ / ٣٠٠.

(٢) الخلاف ١ / ٨٩ ـ ٩٢.

(٣) الخلاف ١ / ١١٨.

(٤) المنتهى ١ / ٥٠٠.

٤٣٤

زكاة الابل والبقر والغنم والدرهم والدنانير لا تجب حتى يحول على المال الحول وبه قال جميع الفقهاء ، دليلنا : اجماع الفرقة (١).

قلنا : مجرد وفاقهم معنا لا يقتضي أن يريد به الفقهاء من الفريقين ، ولو حمل على ذلك بالنظر الى القرينة ، فالفرق بينه وبين ما نحن فيه من مسألة الاستثناء بين ، ألا ترى أنه استدل في هذا الموضع باجماع الفرقة. ولو كان المراد في تلك المسألة جميع الأمة ، لاستدل لنفي الاستثناء باجماعهم كما أشرنا اليه.

والظاهر أن المراد هنا جميع الفقهاء منهم أيضاً ، كسائر المواضع المتكررة ويشهد له أنه بين النصب في الغنم ، ثم قال : وبهذا التفصيل قال النخعي والحسن ابن صالح بن حي ، وقال جميع الفقهاء أبو حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم مثل ذلك ، الا أنهم لم يجعلوا بعد المائتين وواحدة أكثر من ثلاثة الى أربعمائة ولم يجعلوا في الثلاثمائة وواحدة أربعاً كما جعلناه ، وفي أصحابنا من ذهب الى هذا ، وهو اختيار المرتضى ، دليلنا : اجماع الفرقة (٢).

فانه فسر الفقهاء بهم ، ومعه لا يبقى ارتياب على أنه لو أراد الجميع لم يحتج الى ذكر المرتضى آخراً ، وكيف يريده؟ مع وقوع الخلاف من الشيخ وغيره من الأصحاب كالمفيد ، وبعد اللتيا والتي احتجاجه باجماع الفرقة فيما اتفق فيه الفريقان دون ما نحن فيه أدل دليل على نفي الاتفاق فيه.

وكذلك ما قال : ان السخال لا تتبع الأمهات ، وبه قال النخعي والحسن البصري ، وخالف باقي الفقهاء في ذلك على اختلاف بينهم سنذكره ، دليلنا : اجماع الفرقة (٣).

__________________

(١) الخلاف ٢ / ١٢.

(٢) الخلاف ٢ / ٢١.

(٣) الخلاف ٢ / ٢٢.

٤٣٥

ثم قال : من أوجب فيها الزكاة اختلفوا ، وفصل أقوال الشافعي وأبي حنيفة ومالك (١).

وفيه تنبيه على أن الفقهاء أولئك المذكورون. وبما فصلناه يصح حال الإجماع الذي به يصولون وعليه يعولون.

ومنه يظهر ما في قول صاحب الجامع : ان المئونة على رب المال دون المساكين اجماعاً إلا عطاء. لان الظاهر أنه أخذ ذلك من الخلاف ، واستثناء عطاء شاهد عليه ، فلعله أراد به اتفاق العامة وهو أعرف ، وكيف كان فلا تعويل على هذا الإجماع ، كما لا عبرة بقول ناقله به لانه يبتنى عليه. واذا علم ضعف المبني عليه يعلم فساد المبنى قطعاً.

والعجب من الجماعة المتفقهة المتأخرين حيث اعترفوا بدعوى اجماع الكل غير عطاء مع ما عرفت أنه خلاف ما أطبق عليه المحصلون من الفقهاء.

وحيث ظهر أن فقهاء العامة عن آخرهم على أن فيما سقت السماء العشر وفي غيره نصف العشر ، من غير تقييد باستثناء المؤن ، علمت أن ما احتج به الشيخ وغيره من الأخبار المتكثرة المطلقة أو العامة محمول على المماشاة معهم ، والإجماع فيها لمصالح لا يخفى على ذوي الأفهام.

ثم انه لو اعتبر العشر مثلا بعد المؤن ، لم يبق من العشر مطلقا ، وانما يبقى أقل من العشر الكل ، ولا نص على وجوب عشر ما سقت السماء ، وانما المنصوص أن نية العشر في الجملة ، واخراج مطلق العشر متحقق مطلقا ، ووجوب عشر الجميع أول المسألة وعين المتنازع فيه.

فاندفع ما علله به في الخلاف ، وكذا ما حكاه في المعتبر عن الفقهاء الأربعة من أنه لو لزم الفقراء منها نصيب لقصر نصيبهم عن الفرض ، لان ادعاء أن الفرض.

__________________

(١) الخلاف ٢ / ٢٣ ـ ٢٤

٤٣٦

عشر الجميع يشتمل على المصادرة.

ولا يتم ما في المدارك أيضاً ، من أن لفظ « ما » من صيغ العموم ، فيتناول ما قابل المئونة وغيره ، اذ لم يثبت العشر الى ما يفيد العموم ، مع احتمال ارادة المعهود من الموصول ، وهو النماء والفائدة. وكذا الحال فيما روي من أن العشر مما سقت السماء ونصف العشر مما سقي بالدوالي. وما ورد أن صدقة ما سقي بالغرب نصف الصدقة وما سقت السماء والأنهار ، أو كان بعلا ، فالصدقة هو العشر ، وما سقي بالدوالي وبالغرب فنصف العشر. لان ما قدمناه يجري في ذلك كله.

ولا ينافي أن يخرج عشر ما يحصل في يد المالك مما سقت السماء ، وصدقة ذلك عشر النماء والفائدة ، ضرورة أنها ليست نصاً في خلافه ، وظهور ما فيه غير ظاهر ، فانها بالنظر الى الشرائط والأحكام مطلقة يحتاج الى التقييد ، أو مجملة يفتقر الى بيان ، فيجوز أن يكون استثناء المؤن أيضاً كذلك ، اذ لم يتعلق بتفصيلها الغرض المسوق له الكلام في هذا المقام ، ولا حجر في السكوت عن حكمها كالاعراض عن اشتراط النصاب والتملك بالزراعة وما شاكل ذلك.

على أن العموم بالقياس الى ما يتناوله اللفظ ، كالحبوب والثمار من الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، ففي كل جنس منها العشر في الجملة ، وهذا غير ما قصد اثباته بالعموم ، من أن كل جنس فيما قابل المئونة منه وغيره العشر ، وهذا قيد زائد.

اللهم الا أن يتكلف ويقاس العموم بالنسبة الى كل جزء ، وهو كما ترى. ألا ترى أن قولك من ضربته فاكرمه ، وان عم المسلم والكافر والصغير والكبير والزنجي والرومي ، لكنه مطلق بالنظر الى المضروب بالسوط أو العصا أو السيف أو المضروب في الدار أو في المسجد ، فلا يمنع العموم أن يراد به ضرب مخصوص.

٤٣٧

فان قيل : هاهنا ما ينص على الاخراج من الجميع وان لم يظفروا به ، ففي كتاب الحجة من الكافي عن حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح عليه‌السلام في حديث طويل ، موضع الحاجة منه قوله عليه‌السلام : والأرضون التي أخذت عنوة بخيل وركاب ، فهي موقوفة متروكة في يدي من يعمرها أو يحييها ويقوم عليها على ما يصالحهم الوالي على قدر طاقتهم من الحق النصف أو الثلثين وعلى قدر ما يكون لهم صلاحاً ولا يضرهم ، فاذا أخرج منها ما أخرج بدأ ، فأخرج منه العشر من الجميع مما سقت السماء أو يسقى سيحاً ، ونصف العشر مما سقي بالدوالي والنواضح ، فأخذه الوالي فوجهه في الجهة التي وجهها الله تعالى على ثمانية أسهم.

الى قوله عليه‌السلام : ويؤخذ بعد ما بقي من العشر ، فيقسم بين الوالي وبين شركائه الذين هم عمال الأرض واكرتها ، فيدفع اليهم أنصباؤهم على ما صالحهم عليه ويؤخذ الباقي ، فيكون بعد ذلك أرزاق أعوانه على دين الله وفي مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام وتقوية الدين في وجوه الجهاد وغير ذلك مما فيه مصلحة العامة ليس لنفسه من ذلك قليل ولا كثير (١).

فالجواب : أنه مع الاغماض عن اختلاف النسخ في محل الاحتجاج المورث لارتفاع الوثوق به والركون اليه وقطع النظر عما في اسناده وغيره لا يتضح دلالته ، الا أن يراد بالإخراج الإنبات ، وهذا غير ظاهر. والأولى أن نحمل على اخراج المئونة ، اذ الظاهر أن الفعلين على ما لم يسم فاعله ، على ما صححه بعض الأفاضل ، والمعنى : فاذا أخرج من غلتها ما أخرج من المئونات.

ويحتمل البناء للفاعل ، والمعنى : اذا أخرج المالك منها ما أخرجه من المؤن ، فاذا وضع منها وأخرج على ما لم يسم فاعله ما أخرجه رب المال من

__________________

(١) اصول الكافي ١ / ٥٤١.

٤٣٨

المئونات واغترمه عليها.

وقد ذكر الفاضل القزويني (١) أن ما أخرج عبارة عن مئونات الاحياء ، كاجرة الجذاذ والنجار وقيمة العوامل ، وفسر قوله صلوات الله عليه « فأخرج منه العشر من الجميع » بأنه أخرج مما بقي من الحاصل العشر من الجميع ، أي : قبل ما صالح عليه الوالي ، هذا كلامه رحمه‌الله. وحينئذ يكون الى خلاف المقصود أقرب.

وفي النسخ المصححة من التهذيب : فاذا أخرج منها فابتدأ فأخرج منه العشر (٢) فيدل على تعلق العشر بما يبقى من النماء والفائدة ، وقد تقدم احتمال الخروج والاخراج لظهور الربح وابرازه ، أي : فاذا أظهر الله تعالى منها ما أبرز من الفائدة والنماء وهي الخروج والغلة ، كما يفهم من اللغة على ما علمت. وكيف كان فلا ظهور له في اعتبار العشر من الجميع بدون وضع المئونة ، وانما يلزم عشر غلة الأرض وفائدتها.

وبهذا الاعتبار أجاب العلامة في المنتهى عن الاحتجاج بقوله عليه‌السلام « فيما سقت السماء العشر » وبقوله عليه‌السلام « ليس فيما دون خمسة أو ساق زكاة » بأن العشر انما يجب في النماء والفائدة ، وذلك لا يتناول المئونة ، وكأنه أعرض عن هذه الرواية من بالغ في التشبث بالوجوه الضعيفة لذلك.

وفي المعتبر أن حجتهم لا يتناول موضع النزاع ، لان العشر مما يكون نماء وفائدة. والحاصل أنه ان اريد وجوب عشر جميع ما ينبت من الأرض ، فذلك غير لازم. وان اريد به وجوبه في الجملة ، فيجوز أن يكون عشر النماء والفائدة

__________________

(١) لعله هو المحقق المدقق الفاضل الملا خليل القزوينى له حاشية على الكافي غير مطبوع.

(٢) التهذيب ٤ / ١٣٠.

٤٣٩

لانه القدر المسلم مع اشعار المفهوم من الزكاة به ، وتبادر أن الفرض اخراجها من الأرباح كالخمس كما مر.

على أنه لا بد من ارتكاب التخصيص في النصوص البتة ان تم العموم ، لما فصل من الدلائل ، كما يخص قوله عليه‌السلام « يزكي ما خرج منه قليلا كان أو كثيراً من كل عشرة واحد ، أو من كل عشرة نصف واحد » وقد حمله الشيخ على الاستحباب أو على ما زاد على خمسة أو سق ، لانه ليس بعد ذلك نصاب ينتظر بلوغه اليه ، مع أنه موافق لما ذهب اليه أبو حنيفة وغيره من العامة ، وقد علمت احتمال الخروج لظهور الربح وبروز النماء وحصول الفائدة ، فالمعنى يزكي ما حصل منه من النفع ويحال اشتراط النصاب على الإجماع وغيره.

فصل

[ اعتبار النصاب بعد اخراج المؤن ]

الظاهر أنه يعتبر النصاب بعد اخراج المؤن كلها ، فان قصر الباقي عن النصاب فلا زكاة ، اقتصاراً على موضع الوفاق ، وفاقاً للمشهور ، عملا بما تضمنه النص من أنه ان بلغ النصاب بعد خراج السلطان ومئونة القرية ومئونة العمارة أخرج منه العشر أو نصفه ، ويؤيده أنه أنسب بما يرآى فيها من التخفيف والتسهيل ، وبه قطع العلامة في جملة من كتبه ، كالتحرير والمنتهى.

خلافاً لما جنح اليه في التذكرة ، حيث قال : الأقرب أن المئونة لا تؤثر في نقصان النصاب ، وان أثرت في نقصان الفرض ، فلو بلغ الزرع خمسة أوسق مع المئونة ، فاذا سقطت المئونة منه بقي على النصاب ووجبت الزكاة ، لكن لا في المئونة بل في الباقي ، ومال اليه في المدارك ، ولم يذكر عليه دليل. ولهذا قال في الشرائع : انه أحوط.

٤٤٠