الرسائل الفقهيّة - ج ١

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي

الرسائل الفقهيّة - ج ١

المؤلف:

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢
الجزء ١ الجزء ٢

فيه ، وله كتاب نوادر يروي أحاديثه عن الباقر والصادق عليهما‌السلام ، كما صرح به النجاشي (١).

ومنه يظهر أنه كان من رواتهما ، فهو ممدوح وحديثه حسن ، كما يظهر ذلك من بعض أصحابنا في مقام بيان أقسام الحديث ، حيث قال : وإذا كان الرجل راوياً عن أحدهم عليهم‌السلام بأن يذكر في رواية ولو حديثاً واحداً ولا يذكر ذمه ، فهو معتبر ممدوح.

ثم قال : ولو لم يكن الرجل صاحب أصل وكتاب وتأليف ورواية مع عدم التصريح بذم فيه ، وفيه مدحاً كلياً معتبراً شرعاً ، لكان ذكر ما ذكر في محل العبث كما في كتاب رجال الشيخ كما لا يخفى ، قال : وفي خطب كتاب رجاله وفهرسته وكتاب النجاشي تصريح بما ذكر.

أقول : وبما ذكرناه فحسن الخبر ظاهر لا سترة فيه.

هذا وفي مرسلة ابراهيم بن عبد الحميد عن بعض أصحابه في الرجل يكون له على الرجل المال فيجحده اياه فيحلف يمين صبر أله عليه شي‌ء؟ قال : ليس له أن يطلب منه ، وكذلك ان احتسبه عند الله ، فليس له أن يطلبه منه (٢).

وهذه مع ارسالها ـ والمراسيل مطلقا وان كان المرسل مثل محمد بن أبي عمير لا اعتماد عليها ، كما أوضحناه في بعض رسائلنا ـ مجهولة أيضاً ، لان في طريقها عبد الرحمن بن حماد ، وهو لا قدح فيه ولا مدح ، سوى أن له كتاباً رواه عنه الشيخ في الفهرست (٣) بسنده اليه ، ولعله لذلك سماه الشارح المجلسي في شرحه على الفقيه قوياً كالموثق (٤). وفيه ما فيه.

__________________

(١) رجال النجاشى ص ١٥٣.

(٢) تهذيب الاحكام ٨ / ٢٩٤ ، ح ٧٨.

(٣) الفهرست ص ١٠٩.

(٤) روضة المتقين ٦ / ١٦٩.

٣٨١

وبعد اللتيا والتي فهي مضمرة غير مصرح فيها بالامام ، فلعله كان عن غيره بطريق الفتوى ، مع أن عدم جواز الطلب المستلزم للدعوى الساقطة باليمين لا يدل على عدم جواز المقاصة ، فتأمل فيه.

الفصل الثالث

[ تحقيق حول المسألة ]

ظني أن أكثر المتأخرين من أصحابنا تبعوا الشيخ ، وظنهم بصحة رواية ابن أبي يعفور المؤيدة بغيرها من الحسان والموثقات ، مع ظنهم بصراحتها في المطلب.

قال الشيخ في التهذيب بعد نقل جملة من تلك الأخبار : لا تنافي بينها ، لان لكل منها وجهاً ، فالذي أقوله أنه من كان له على رجل مال ، فأنكره فاستحلفه على ذلك وحلف ، فلا يجوز له أن يأخذ من ماله شيئاً على حال.

لما روي عن النبي عليه وآله السلام أنه قال : من حلف بالله فليصدق ، ومن حلف له فليرض ، ومن لم يرض فليس من الله في شي‌ء.

وأما إذا أنكر المال ولم يستحلفه عليه ، ثم وقع له عنده مال ، جاز له أن يأخذ منه بقدر ماله بعد أن يقول الكلمات التي ذكرناها (١).

وأشار بها الى ما في رواية الحضرمي السابقة. والظاهر أنه رحمه‌الله حمل هذه الرواية على أن المنكر حلف من غير أن يستحلفه المدعي ، كما سبق في كلام الشارح الأردبيلي ، ولذلك أدرجها في هذا الشق ، وأشار اليها بقوله بعد أن يقول الى آخره ، بل الظاهر أن هذا الشارح رحمه‌الله استفاد ما أفاد في كلام

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٦ / ٣٤٩.

٣٨٢

السابق من كلام الشيخ هذا ، كما يشير اليه قوله « وكأنه محمولة » وقد عرفت ما في هذا الحمل والذي بعثهم عليه.

فان قلت : هل واجب هذا الدعاء الذي أشار اليه الشيخ أم هو مستحب؟

قلت : ظاهر كلامه يفيد أنه واجب. قيل : ويؤيد عدم الوجوب عدم ذكره في بعض الأخبار وعدم ذكر الأصحاب ، فبعد تسليمه ألا حجية فيه مع أن الشيخ ذكره هنا والصدوق في الفقيه ، حيث قال : فجائز له أن يأخذ منه حقه بعد أن يقول ما أمرته بما قد ذكرته.

فان قلت : على تقدير وجوبه هل يجب بما ورد في الرواية أم يكفي بما يفيد مفاده عن أية لغة كانت؟ قلت : لا شك في أن مراعاة المأثور إذا كان ميسوراً أحسن وأولى. وأما إذا لم يكن مقدوراً ، فيكفي ما يفيد مفاده من أية لغة كانت ، ويؤيده اختلاف ما ورد فيه من الكلمات المأثورة.

ففي رواية يقول : اللهم اني انما آخذ هذا مكان مالي الذي أخذه مني. وفي أخرى يقول : اللهم اني لم آخذه ظلماً ولا خيانة وانما أخذته مكان مالي الذي أخذه مني لم أزدد شيئاً عليه (١).

ثم قال رحمه‌الله : ومتى كان له مال فجحده ، ثم استودعه الجاحد مالا ، كره له أن يأخذ منه ، لان هذا يجري مجرى الخيانة ، ولا يجوز له الخيانة على حال (٢).

وفيه أن المروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مع كونه غير معلوم الصحة لا يدل دلالة صريحة على حرمة المقاصة بعد التحليف ، بل لا يفهم منه أن حلفه كان بتحليف

__________________

(١) التهذيب ٦ / ٣٤٨.

(٢) التهذيب ٦ / ٣٤٩ ـ ٣٥٠.

٣٨٣

صاحب الحق له أم كان ابتداءً منه ، لحق مالي ، أم لامر ديني أو دنيوي ، من أبواب المعاملات أو المعاشرات أو غيرها.

وحمله على الاستحلاف ، كما في شرح الارشاد للشارح الأردبيلي بعد نقله حيث قال : فان الظاهر أن المراد مع الاستحلاف ، فتأمل. بعيد.

ولعله استفاده من اللام في حلف له بجعلها اللام الاجل ، أي : من حلف لاجله بأن يكون هو سبباً للحلف ولولاه لما حلف ، فتأمل.

سلمنا أنه كان بتحليف صاحب الحق ، ولكن وجوب الرضاء بالحلف معناه ترك الدعوى بعده إذا لم يكن له بينة على الحق نسيها وقت التحليف ، لا وجوب الرضاء بأن يكون المال للحالف وترك مقاصة الدنيوية مطلقا ، فانه لا يدل ، فمن يدعيه فعليه البيان.

أقول : وقريب مما رواه الشيخ هنا ما رواه الكليني عن أبي حمزة عن علي بن الحسين عليهما‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تحلفوا الا بالله ، ومن حلف بالله فليصدق ، ومن حلف له بالله فليرض ، ومن حلف له بالله فلم يرض فليس من الله عزوجل (١).

وعن أبي أيوب الخزاز عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : من حلف بالله فليصدق ، ومن لم يصدق فليس من الله ، ومن حلف له بالله فليرض ، ومن لم يرض فليس من الله (٢).

والظاهر أن في شي‌ء مراد هنا ، كما ذكر فيما رواه الشيخ ، فيدل على غاية حقارته وهو انه على الله تعالى ، حيث أنه لا يعده شيئاً لعدم احترامه وتعظيمه اسمه المحترم المعظم ، أو المراد أنه اسمه تعالى لا يعده منه ، أي : من عبادة اذ لو كان منهم لعظم اسمه المعظم وبجله ، فكان لا يحلف به الا صادقاً ، وإذا حلف له كان

__________________

(١) فروع الكافي ٧ / ٤٣٨ ، ح ١.

(٢) فروع الكافي ٧ / ٤٣٨ ، ح ٢.

٣٨٤

راضياً بحلفه له باسمه ، فان من أدب العبيد أن يعظموا أسماء مواليهم ، حتى لو حلف لهم بها رضوا بذلك هذا ، فهو يؤول الى الأول وان لم يذكر فيه لفظ في شي‌ء فتأمل.

ثم أقول : وإذا جاز حمل النهي للأخبار الواردة في النهي عن المقاصة من الامانة على الكراهة ، فليجز ذلك في الأخبار الواردة في النهي عن المقاصة بعد الاحلاف ، والا فما المائز بينهما مع عموم دليل المقاصة ، وخصوص خبر دل بظاهره على جواز الاخذ من مال الحالف بعد حلفه ، بشرط أن يقول الكلمات السالفة.

فلم حملوه على التحريم؟ مع وجود الأصل والاستصحاب المقتضيين لبقاء اباحة المقاصة بعد التحليف على ما كان عليه قبله ، وأي فرق بين قوله في صحيحة معاوية : أد الامانة الى من ائتمنك ولا تخن من خانك ، وقوله في صحيحة سليمان ابن خالد : ان خانك فلا تخنه ولا تدخل فيما عبته عليه. حيث حملوا هذا على التحريم والأول على الكراهة من غير مائز.

ثم لا يذهب عليك أن دليله على كراهة المقاصة في صورة الوديعة ، وهو قوله « لان هذا يجري مجرى الخيانة ولا يجوز له الخيانة على حال » تفيد حرمتها ، كما هو الظاهر أيضاً من قوله عليه‌السلام : أد الامانة الى من ائتمنك ولا تخن من خانك ، وقوله : ان خانك فلا تخنه ، وقوله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ ) (١) مع أن هذا خيانة نفسها لا أنه يجري مجراها تأمل.

بل نقول : الادلة الدالة على تحريم المقاصة من الامانة مطلقا أكثر وأقوى بل هو اجماعي ، فكيف يدعى كراهتها وتحريم المقاصة بعد التحليف ، لا دليل عليه

__________________

(١) سورة الانفال : ٢٧.

٣٨٥

بعد التأمل والنظر ، كما لا يخفى على أهل البصر.

وقال الشارح الأردبيلي قدس رمسه في شرحه على الارشاد بعد نقله قول المصنف « ولو كان المال وديعة كره على رأي » : إذا كان المال عند صاحب الحق وديعة ، هل يجوز له الاخذ منه أم لا؟ قيل : لا ، وهو مذهب الشيخ في النهاية وجماعة وادعي عليه الإجماع.

ويدل عليه عموم أدلة عدم جواز الخيانة في الوديعة ، مثل قوله تعالى ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) (١) وغيره سنة وهي أخبار كثيرة دالة على المبالغة في أداء الامانة واعطائها الى أهلها.

مثل صحيحة أبي ولاد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان أبي عليه‌السلام يقول : أربع من كن فيه كمل ايمانه ، ولو كان ما بين قرنه الى قدمه ذنوب لم ينقصه ذلك ، قال : هي الصدق ، وأداء الامانة ، والحياء ، وحسن الخلق (٢).

ورواية الحسين بن مصعب قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ثلاثة لا عذر فيها لاحد ، أداء الامانة الى البر والفاجر ، وبر الوالدين برين كانا أو فاجرين ، والوفاء بالعهد للبر والفاجر (٣). ولا يضر جهل الحسين.

ورواية عمار بن مروان قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام في وصية له : اعلم ان ضارب أبي بالسيف وقاتله لو ائتمني على سيف أو استشارني ثم قبلت ذلك منه لاديت اليه الامانة (٤).

ورواية عمر بن أبي حفص قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : اتقوا الله

__________________

(١) سورة النساء : ٥٨.

(٢) اصول الكافي ٢ / ١٠٠ ، ح ٣ ، تهذيب الاحكام ٦ / ٣٥٠ ، ح ١١١.

(٣) الخصال ص ١٢٣ ـ ١٢٤ ، تهذيب الاحكام ٦ / ٣٥٠ ، ح ١٠٩.

(٤) تهذيب الاحكام ٦ / ٣٥١ ، ح ١١٥.

٣٨٦

وعليكم بأداء الامانة الى من ائتمنكم ، فلو أن قاتل أبي ائتمني على أداء الامانة لاديتها اليه (١).

وغيرها فانه كثيرة وخصوصاً صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام ودخلت عليه امرأة ونقلها كما سبقت ، وصحيح سليمان بن خالد المتقدمة ، فافهم. وقيل : نعم كأنه مع الكراهة ، وهو مذهب الاستبصار بل والتهذيب أيضاً مع التأمل والمصنف والمحقّق وابن ادريس ، وهو بعيد عنه فتأمل.

أقول : فيما نقلناه عن دراية الحديث أن الشيخ محمد بن ادريس كان لا يجيز العمل بخبر الواحد مطلقا ، صحيحاً كان أم سقيماً ، فكيف عمل هنا بهذه الأخبار الاتية ، وجعلها مخصصة لعموم أدلة عدم جواز الخيانة والامانة كتاباً وسنة ، بل واجماعاً كما مر ، فهذا وجه يبعد هذا القول عنه ، لانه لم ينعقد عليه اجماع ولا دل عليه كتاباً وسنة متواترة وهو لا يعمل بخبر الواحد ، والأصل عدم جواز الخيانة في الامانة ، وخاصة إذا دل عليه الكتاب والسنة ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ ) (٢).

ثم قال رحمه‌الله متصلا بما نقلناه عنه : لرواية علي بن سليمان الثقة قال : كتب اليه رجل غصب رجلا مالا أو جارية ، ثم وقع عنده مال بسبب وديعة أو قرض مثل ما خانه أو غصبه ، أيحل له حبسه عليه أم لا؟ فكتب عليه‌السلام نعم يحل له ذلك ان كان بقدر حقه ، وان كان أكثر منه فيأخذ منه ما كان عليه ويسلم الباقي اليه.

فيها جواز الاخذ من غير الجنس ومن الوديعة أيضاً ، ولكن في سند هذه تأمل ، لانه نقل في التهذيب عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن عيسى

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٦ / ٣٥١ ، ح ١١٦.

(٢) سورة الانفال : ٢٧.

٣٨٧

عن علي بن سليمان (١). وفي الإستبصار بدل عيسى يحيى (٢).

وفي هذا اشكال ، لان علي بن سليمان ليس الا واحد ، وهو ممن له اتصال بصاحب الأمر عليه‌السلام ، فنقل محمد بن عيسى عنه غير معقول ، لانه من رجال الصادق عليه‌السلام ، وكذا نقل محمد بن الحسن عن محمد بن يحيى. والظاهر صحة ما في رواية الخثعمي ، ولكن توثيقه غير ظاهر ، لاشتراكه على الظاهر ، فتأمل.

أقول : علي بن سليمان مشترك بين ثلاثة : علي بن سليمان بن الحسن بن الجهم بن بكر بن أعين أبو الحسن الرازي ، وعلي بن سليمان بن داود الرقي ، وعلي بن سليمان بن رشيد البغدادي.

والأول هو الذي كان له اتصال بصاحب الأمر عليه‌السلام ، وخرجت اليه توقيعات ، وكانت له منزلة في أصحابنا ، وكان ورعاً ثقة ، ففيه لا يطعن عليه في شي‌ء.

وأما الثاني والثالث ، فهما مهملان من أصحاب العسكري عليه‌السلام ، والمراد في هذا السند بعلي بن سليمان هو أحدهما لا الأول الثقة.

ثم ان محمد بن الحسن بن الوليد روى عن محمد بن الحسن الصفار ، ومحمد بن الحسن روى عن محمد بن عيسى الطلحي ، فرواية محمد بن الحسن الصفار عنه غير بعيدة ، فالمراد بمحمد بن عيسى في السند هو هذا الطلحي الذي له دعوات الأيام التي ينسب اليه ، لا محمد بن عيسى الذي هو في طبقة رجال الصادق عليه‌السلام ليكون نقله عن علي بن سليمان غير معقول.

فظهر أن لا اشكال ولا تأمل في سند هذه الرواية ، لان ابن الصفار وابن عيسى وابن سليمان ، أعني : أحد الأخيرين كلهم في طبقة واحدة من أصحاب العسكري عليه‌السلام ، ورواية جماعة في طبقة بعضهم عن بعض مما لا مانع منه.

__________________

(١) التهذيب ٦ / ٣٤٩ ، ح ١٠٦.

(٢) الاستبصار ٣ / ٥٣ ، ح ٧.

٣٨٨

وأما ما في الاستبصار من بدل عيسى يحيى ، فالظاهر أنه غلط ، لان محمد ابن يحيى روى عن محمد بن الحسن فهو تلميذه ، فكيف يروي هو عنه؟ وفيه أيضاً نظر ، اذ لا مانع منه ، كما لا يخفى فتأمل.

ثم قال رحمه‌الله متصلا بما نقلنا عنه : ولعموم رواية جميل بن دراج ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون له على الرجل الدين فيجحده ، فيظفر من ماله بقدر الذي جحده أيأخذه وان لم يعلم الجاحد بذلك؟ قال : نعم. (١) ولا يضر وجود علي بن حديد الضعيف.

أقول : ابن حديد وان ضعفه الشيخ في كتابي الحديث ، وقال : لا يعتنون على ما ينفرد بنقله ، الا أنه يظهر من ترجمة يونس (٢) بن عبد الرحمن نهاية اعتباره بقوله وفعله ، وانه عاقل عارف ذو دين ، وهذا بطريق صحيح ، فلا بد من اعتباره قولا وفعلا.

وفي ترجمة هشام بن الحكم أن أبا جعفر عليه‌السلام أمر الحسن بن راشد أن يأخذ بقول علي بن حديد في الصلاة خلف هشام بن الحكم (٣). فدل على جلالة قدر الرجل لكن بطريق غير معلوم الصحة.

وأما الفهرست (٤) والنجاشي (٥) فلم يزدا على أن له كتاباً ، ثم أسنداه بسنديهما اليه.

نعم قال قدس‌سره : انه كان فطحياً من أهل الكوفة ، ولكن نقل في ترجمة

__________________

(١) التهذيب ٦ / ٣٤٩ ، ح ١٠٧.

(٢) اختيار معرفة الرجال ٢ / ٧٨٧ ، برقم : ٩٥٠.

(٣) اختيار معرفة الرجال ٢ / ٥٦٣ ، برقم : ٤٩٩.

(٤) الفهرست ص ٨٩.

(٥) رجال النجاشى ص ٢٧٤.

٣٨٩

محمد بن ميسر ما يظهر منه اعتقاده بالحق ، وظني أن روايته قوية أو حسنة إذا لم يكن في الطريق مانع من غير جهته.

ثم قال طاب ثراه متصلا بما مر : ولروايتي أبي بكر الحضرمي المتقدمتين.

أقول : صحيحتي أبي بكر وان لم يكونا صريحتين في أنه أخذ الحق من الأمانة الا أنه رحمه‌الله استفاده من قوله في مقام الدعاء ، ولا خيانة ولا بعد فيه كثيراً.

ثم قال نور الله مرقده : ولرواية أبي العباس البقباق ـ كأنه صحيحة ، ولا يضر اشتراك ابن مسكان فافهم ـ ان شهاباً ما رآه في رجل ذهب له ألف درهم واستودعه بعد ذلك ألف درهم ، قال أبو العباس : فقلت له : خذها مكان الالف الذي أخذ منك ، فأبى شهاب ، قال : فدخل شهاب على أبي عبد الله عليه‌السلام فذكر له ذلك ، فقال : أما أنا فاحب أن تأخذ وتحلف (١).

أي : الأولى له أن يأخذ ، فان جاء المستودع طلبه منه أنكر وحلف على العدم ولكن يوري فيها بما يكون صادقاً.

وفي المتن ضعف ، بل السند أيضاً لاشتراك ابن مسكان ، والاكثر في الاطلاق هو عبد الله الثقة ، كما صرحوا به في باب الالقاب بالابن ، وهنا قرينة أخرى تدل عليه ، وهي رواية صفوان بن يحيى عنه ، فان روايته عنه كما يظهر من الفهرست.

والسند في التهذيب هكذا : عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن أبي العباس البقباق شهابا ما رآه الحديث (٢).

وأما أبو العباس الفضل بن عبد الملك ، فالمشهور أنه ثقة عين ، كما نص عليه

__________________

(١) التهذيب ٦ / ٣٤٧ ، ح ١٠٠.

(٢) نفس المصدر.

٣٩٠

الشيخ الجليل النجاشي (١) ، ولكنه رحمه‌الله لما وقع نظره الدقيق ما في ترجمة حذيفة بن منصور من سوء أدب البقباق للامام عليه‌السلام صار ذلك منشأ تأمله فيه.

روى الكشي بسنده عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سأل أبو العباس فضل ابن عبد الملك البقباق لحريز الاذن على أبي عبد الله عليه‌السلام فلم يأذن له ، فعاوده فلم يأذن له ، فقال : أي شي‌ء للرجل أن يبلغ من عقوبة غلامه؟ قال قال : على قدر ذنوبه ، فقال : فقد والله عاقبت حريزاً باعظم مما صنع ، قال : ويحك اني فعلت ذلك ، ان حريزاً جرد السيف ، ثم قال : أما لو كان حذيفة بن منصور ما عاودني فيه بعد أن قلت لا (٢).

وفي رواية أخرى عن عبيد بن زرارة ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام وعنده البقباق ، فقلت له : جعلت فداك رجل أحب بني أمية أهو معهم؟ قال : نعم ، قال قلت : رجل أحبكم أهو معكم؟ قال : نعم ، قلت : وان زنا وان سرق ، قال : فنظر الى البقباق فوجد منه غفلة ، ثم أومى برأسه نعم (٣).

وهذا أيضاً يمكن أن يكون من حي (٤) وتأمل فيه ، ولكن أمثال هذا لا يقدح في ثقته المشهورة بين الأصحاب ، فتأمل.

ثم قال زيد أجره متصلا بما نقلنا عنه : فيمكن القول به مع القول بالكراهة كما في المتن ، للجمع بين الادلة التي ذكرناها ، بحمل ما يدل على التحريم على الكراهة ، فان خصوص روايتي أبي العباس وعلي بن سليمان المتقدمين تدلان على الجواز ، لا لما ذكره في الشرح من عموم الاذن في الاختصاص ، وضعيفة

__________________

(١) رجال النجاشى ص ٣٠٨.

(٢) اختيار معرفة الرجال ٢ / ٦٢٧ ، برقم : ٦١٥.

(٣) اختيار معرفة الرجال ٢ / ٦٢٧ ، برقم : ٦١٧.

(٤) كذا في الأصل.

٣٩١

جميل المتقدمة ، وقريب منه رواية أبي بكر ، فترك الاستفصال يدل على العموم ، لوجوب حمل العام على الخاص مع الصحة ، وهنا ليس كذلك.

لما عرفت من أن روايتي جميل وأبي بكر أيضاً داخلتان في العموم ، ولهذا قال : فترك الاستفصال الى آخره ، ومع أنه قال : ان رواية أبي العباس صحيحة ، وما نقل للقول بالجواز غيرها ، مثل رواية علي بن سليمان ، وما نقل لتحريم أكثر الأصحاب بصحيحة ، بل رواية ابن أخي فضيل ورواية سليمان بن خالد ، وردها بعدم الدلالة ، لكونها في الحلف لا في الوديعة ، مع أنه يمكن استخراجها من قوله « ان خانك فلا تخنه » فتأمل.

فانه لا شك في أن الاحوط والأولى عدم الاخذ من الوديعة للاية والسنة الكثيرة ، للتأمل في رواية أبي العباس ، وكذا علي بن سليمان على ما مر ، وكأنه لذلك ما استدلوا بها.

الفصل الرابع

[ المناقشة في كلام الأصحاب في المسألة ]

ومما قررناه ظهر لك حال ما في اللمعة الدمشقية وشرحها ، حيث قال : ( فان حلف ) المنكر على الوجه المعتبر ( سقطت الدعوى عنه ) وان بقي الحق في ذمته ( وحرم مقاصته به ) لو ظفر المدعى له بمال وان كان مماثلا لحقه ، الا أن يكذب المنكر نفسه بعد ذلك ( و ) كذا ( لا تسمع البينة ) من المدعي ( بعده ) أي : بعد حلف المنكر على أصح الاقوال ، لصحيحة ابن أبي يعفور عن الصادق عليه‌السلام وغيرها من الأخبار. وقيل : تسمع بينته مطلقا. وقيل : مع عدم علمه بالبينة وقت

٣٩٢

تحليفه ولو بنسيانها ، والأخبار حجة عليهما (١).

وفيه أن الأخبار الدالة على عدم سماع بينته بعد التحليف ضعيفة الاسناد ، فلا تقوم حجة عليه ، اذ الأخبار الضعيفة لا يثبت حكم بالاتفاق. فالقول بسماع البينة مطلقا ، كما عليه شيخنا السعيد المفيد ، لا يخلو من قوة ، اذ لا فرق بين الصورتين فكما يسمع قبل التحليف كذلك بعده.

نعم لو كانت الأخبار صحيحة كانت هي الحجة والفارق ، وليست فليست. وحينئذ فلا حاجة الى ما احتج به المفيد عليه ، من أن كل حالف يجب عليه الحق باقراره وكذا يجب عليه بالبينة كما قبل اليمين ، ليرد عليه أن الاقرار أقوى من البينة ، فلا يلزم التساوي بينهما في الحكم.

أقول : والظاهر أن شيخنا المفيد لم يصحح خبر ابن أبي يعفور ، والا لم يكن يخالفه بمثل هذا الدليل ، لانه اجتهاد في مقابل النص على تقدير صحته ، واحتمال عدم تذكيره وقت الفتوى بعيد.

وقوله « كما قبل اليمين » اشارة الى عدم الفرق فيما قبلها وما بعدها في أن الحق كما يثبت عليه باقراره في الصورتين ، كذلك يثبت عليه بالبينة فيهما من غير فرق ، اذ الفارق بينهما ليس الا النص بعد ثبوت ضعفه لا يصح الفارقية ، فيلزم التساوي في الحكم.

والحاصل أن البينة العادلة بعد يمين المنكر كاشف عن كذبه وثبوت الحق في ذمته بظاهر الشرع ، فوجب الحكم بمقتضاها ، كما قبل اليمين الا أن يمنع منه مانع ، وليس هو الا الأخبار ، فان كان صحيحاً فهو الحجة والفارق ، والا فالأصل عدم الفرق في ما قبلها وما بعدها ، وانما فائدتها قطع النزاع والخصومة

__________________

(١) شرح اللمعة ٣ / ٨٥ ـ ٨٦.

٣٩٣

في صورة عدم البينة ، وأما مع وجودها فلا فائدة لها ، شرط الحالف سقوط البينة أم لا.

وأما أن الاقرار أقوى من البينة ، فانما يفيد على تقدير الفرق ، والا فهو منقوض بما قبل اليمين ، مع أن الحق يثبت فيما قبلها بالاقرار والبينة بلا خلاف ، فتأمل. والقول بالتفصيل للشيخ في المبسوط ، واستحسنه العلامة في المختلف ، حيث قال : وقواه الشيخ في المبسوط ، ولا يخلو من وجه حسن.

وأما ما أفاده الشارح الأردبيلي في شرح الارشاد بقوله : وأنت تعلم أن الروايات وخصوصاً صحيحة ابن أبي يعفور لا يبقى له قوة ولا وجه حسن يستحسنه العقل.

ففيه ما عرفته من ضعف تلك الروايات ، وخاصة رواية ابن أبي يعفور ، فلا يصح الاحتجاج بها على حكم شرعي.

نعم ما أفاده وارد على من قال بصحة رواية ابن أبي يعفور ، كالعلامة ومن شايعة. ويمكن الاعتذار لهم بتخصيصها بمن كان ناسياً بالبينة وقت التحليف ، وان الناسي مرفوعة عنه تلك المؤاخذة ، لقوله « رفع عن أمتي الخطأ والنسيان » فان عدم سماع بينة الناسي مؤاخذة عليه ، وفي حكمه من خفي أن له بينة ، أو أنهما شهدا من حيث لا يعلم.

واعلم أن هذه الرواية مذكورة في التهذيب بسند موثق مع تفاوت ونقصان في المتن ، هكذا : عن علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن موسى بن أكيل النميري ، عن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إذا رضي صاحب الحق بيمين المنكر لحقه فاستحلفه فحلف أن لا حق له قبله ، ذهب اليمين بحق المدعي فلا حق له ، قلت له : وان كانت عليه بينة عادلة؟ قال : نعم وان أقام بعد ما استحلفه بالله خمسين قسامة ما كان له ، فكان اليمين قد

٣٩٤

أبطل كل ما ادعاه قبله مما قد استحلفه عليه (١) انتهى.

وانما قلنا انه موثق ، لان السند تابع لاخس الرجال ، والموثق أخس من الحسن على الأصح ، هذا على المشهور ، والا فأبو علي ابراهيم بن هاشم امامي ثقة عدل روايته صحيحة ، الا أن يكون في الطريق مانع من غير جهته ، كما فصلناه في بعض رسائلنا ، وعليه فالحكم بتوثيقه ظاهر.

واعلم أنهم اختلفوا في العمل بالحسن والموثق ، فمنهم من عمل بهما مطلقا ، ومنهم من ردهما وهم الاكثر ، من حيث اشترطوا في قبول الرواية الايمان والعدالة ، كما عليه العلامة في كتبه الأصولية.

وكأنه لذلك عدل في المختلف عما في التهذيب الى ما في الفقيه ، ظناً منه أنها فيه صحيحة دونها في التهذيب ، فتكون مردودة والاحتجاج بها على حكم لا يصح كالضعيفة ، وانتظر لذلك زيادة بيان وتوضيح.

وفصل آخرون كالمحقق في المعتبر والشهيد في الذكرى فقبلوا الحسن بل الموثق إذا كان العمل بمضمونهما مشتهراً بين الأصحاب. وفيه نظير ما سبق من الكلام في الخبر الضعيف وانجباره بالشهرة بينهم.

ثم اعلم أن الشهيد الثاني قدس‌سره نسج في شرح الشرائع على منوال نسجه في شرح اللمعة مع ايضاح ما وبيان.

قال بعد نقل قول المصنف « فان حلف سقطت الدعوى ، ولو ظفر المدعي بعد ذلك بمال الغريم لم تحل له المقاصة ، ولو عاود المطالبة أثم ولا تسمع دعواه » (٢) : من فوائد اليمين انقطاع الخصومة في الحال ، لا براءة الذمة في نفس الامر ، بل يجب على الحالف فيما بينه وبين الله تعالى أن يتخلص من حق

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٦ / ٢٣١ ، ح ١٦.

(٢) شرائع الاسلام ٤ / ٨٤.

٣٩٥

المدعى ، كما كان عليه له ذلك قبل الحلف.

وأما المدعي فان لم يكن له بينة بقي حقه في ذمته الى يوم القيامة ، ولم يكن له أن يطالبه به ، ولا أن يأخذ مقاصة ، كما كان له ذلك قبل التحليف ولا معاودة المحاكمة ، ولا تسمع دعواه لو فعل ، هذا هو المشهور بين الأصحاب ، لا يظهر فيه مخالف ، ومستنده أخبار كثيرة ، منها قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « من حلف لكم فصدقوه » وقوله « من حلف له فليرض » ورواية ابن أبي يعفور ونقلها كما في التهذيب ، ثم نقل رواية ابراهيم بن عبد الحميد ، وضعيفة عبد الله بن وضاح المتقدمتين (١).

أقول : قد مر الكلام مستوفى في قوله « من حلف له فليرض » فلا يفيده ، ولا قوله « من حلف لكم فصدقوه » فهو من أجزاء رواية ابن أبي يعفور على ما في الفقيه كما سبق ، وقد عرفت ما في سندها.

ومع قطع النظر عنه فيفهم منه أن من حلف بغيره يلزمه أن يصدقه عليه ، أي : يجعله صادقاً بظاهر الشرع ، وان كان كاذباً في علمه ، أو في نفس الامر ، استحلفه أم لا ، كما إذا أخبر عن واقع وحلف عليه بدون استحلاف ، فضلا عن أن يكون عند حاكم أو بأمره ، وذلك لوجوب احترام اسم الله المحترم الذي حلف به له ، وهي يكون حكم غير هذا الحكم الظاهر ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا تحلفوا الا بالله. أي : بالجلالة لا بغيرها ، فتأمل.

وأما أنه يدل على حرمة المقاصة بعد التحليف إذا ظفر له بمال وعدم سماع دعواه بعده إذا كانت له بينة مطلقا ، أو نسيها وما في معناه وقت التحليف ، فلا دلالة عليه بدلالة من الدلالات ، فمن ادعاه فعليه البيان.

وأما سائر الأخبار المنقولة ، فقد عرفت ما فيها.

__________________

(١) المسالك ٢ / ٣٦٨.

٣٩٦

ثم أنت تعرف أن المسألة غير اجماعية ، ولهذا نسبها رجال (١) الى الشهرة وان تلك الأخبار الغير الصحيحة الغير الصريحة في المدعى المعارضة لصحيحة الخضرمي الموافقة للأصل ، وبقوله تعالى ( فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) (٢) وقوله تعالى ( فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ ) (٣).

ولعموم قوله « الواجد يحل عقوبته وعرضه » وهي مشهورة بين العامة والخاصة في الأصول والفروع ، والمدعي إذا ظفر بمال الغريم بعد تحليفه يصدق عليه أنه واجد ، فتحل عقوبته بالمقاصة ، بل بالمعاودة الى المطالبة من غير اثم ، فانه لا يقوم حجة على اثبات المدعي ، ولا مخصصة لعموم دليل المقاصة ، وخاصة ما سبق من الايتين الشريفتين.

وذلك أن تخصيص العام القطعي المتن إذا كان ظني الدلالة بالخاص على القول به انما يكون إذا كان ذلك الخاص ظني المتن قطعي الدلالة ، وهنا كلاهما منتفيان. أما الأول ، فلعدم صحة تلك الأخبار ، فلا يحصل بها الظن بصدوره منها عن المعصوم.

ان قلت : رواية ابن أبي يعفور وان كانت ضعيفة في الفقيه ، الا أنها موثقة في التهذيب ، فمجموعها مع ضعيفة عبد الله بن وضاح وغيرها يحصل الظن بصدور هذا المضمون عن المعصوم ، فيصلح للتخصيص ويجب العمل بمقتضاه.

قلت : أما الضعيف منها ، فمعلوم حاله. وأما الموثق ، فقوله تعالى ( إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ) (٤) يوجب عدم اعتباره ، اذ لا فسق أعظم من عدم الايمان.

__________________

(١) أراد به الشارح الأردبيلى في شرح الارشاد كما سبق « منه ».

(٢) سورة البقرة : ١٩٤.

(٣) سورة النحل : ١٢٦.

(٤) سورة الحجرات : ٦.

٣٩٧

قال الكشي : قال محمد بن مسعود حدثني علي بن الحسن قال : ان ابن عثمان من الناووسية (١) ، ثم قال : ان العصابة أجمعت على تصحيح ما يصح عن أبان والاقرار له بالفقه (٢). والاقرب عندي قبول روايته ، وان كان فاسد المذهب للإجماع المذكور انتهى.

ومع ذلك نقل عن فخر المحققين أنه قال : سألت والدي عنه ، فقال : الاقرب عدم قبول روايته ، لقوله « إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ » ولا فسق أعظم من عدم الايمان ، فإذا كان هذا حاله فما ظنك بغيره.

والظاهر أن العلامة انما لم يسمع دعوى الإجماع منه ، لانه ليس من الإجماع الذي هو أحد أقسام الادلة الشرعية ، فمع ظهور فسقه بكونه من الناووسية لا عبرة بمثل هذا الإجماع.

نعم يمكن أن يقال : كونه ناووسياً غير ثابت ، لانه لم يعلم الا من جهة علي بن الحسن بن فضال ، وهو فطحي ، فلا يلتفت الى قوله لما مر ، فتأمل.

لا يقال : المانع من قبول خبر الفاسق هو فسقه للاية المذكورة ، فمتى لم يعلم الفسق لا يجب التثبت عند خبر المخبر مع الجهل بحاله ، فكيف مع توثيقه ومدحه وان لم يبلغ حد التعديل ، وبهذا احتج من قبل المراسيل.

لانا نقول : ان المخبر هنا ليس بمجهول الحال ، بل هو معلوم الفسق لعدم ايمانه ، وبعد العلم بفسقه وجب التثبت عند خبره بالاتفاق ، ولا يجديه مدحه وتوثيقه نفعاً ، مع أن مجهول الفسق لما كان عليه التثبت ، وجب العلم بنفيه حتى يعلم انتفاء التثبت ، فيجب الفحص عن الفسق ليعلم حاله ، أو عدمه حتى يعلم التثبت أو عدمه. والقول بأن الفسق هو الخروج عن طاعة الله مع اعتقاد الفاسق

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال ٢ / ٦٤٠ ، برقم : ٦٦٠.

(٢) اختيار معرفة الرجال ٢ / ٦٧٣.

٣٩٨

ذلك ، ومثل هذا ليس كذلك ، فان هذا الاعتقاد عند معتقده طاعة لا غير ، وان الأصل عدم وجود المانع في المسلم ، وان مجهول الحال لا يمكن الحكم عليه بالفسق.

والمراد في الآية المحكوم عليه بالفسق مجابة كلها بما فصلناه في رسالتنا الموسومة بالعدلية ، وليس هنا محل ذكرها. وعلى تسليم أن مجهول الحال لا يمكن الحكم عليه بالفسق ، وان المراد في الآية المحكوم عليه بالفسق ، لقول أن المخبر هنا كما سبق ليس بمجهول الحال ، بل هو معلوم الفسق ، فيكون داخلا في المراد من الآية ويكون محكوماً عليه بالفسق فتأمل ، فانه مع وضوحه خفي على مثل الشهيد الثاني في شرح دراية الحديث ، ولنا معه ايجاب أوردناه في الرسالة المذكورة ، فليطلب من هناك.

ان قلت : ابن فضال وان كان فطحياً مشهوراً به غمزة ، الا أنه لما حضره الموت مات وقد قال بالحق ، كما جزم به الشيخ الجليل النجاشي ، وظهر من الرواية الصحيحة مضمونها ، فرفع المانع.

قلت : قد سبق في أوائل الرسالة من الشيخ البهائي قدس‌سره ما يعلم منه جوابه ، وهو أن كثيراً من الرجال والرواة ينقل عنه أنه كان على خلاف المذهب ثم رجع وحسن ايمانه ، والقوم يجعلون روايته من الصحاح ، مع أنهم غير عالمين بأن أداء الرواية متى وقع منه أبعد التوبة أم قبلها ، فكيف يقبل مع العلم بأن أداء الرواية قد وقع منه قبلها ، كما علم من أصل السؤال أنه كان فطحياً مشهوراً به غمزة وقال بالحق حين حضره الموت ، فهذا الايمان لا يفيد روايته صحة ، ولا قوله اعتباراً ، فالمانع منا الان كما عليه كان.

وعجب من بعض غفلته عما ذكرناه في الجواب حتى قال بما نقلناه في السؤال والجواب ، بأن الثقة يلزمه اظهار ما صدر عنه في سابق أحواله لو يكون مما فيه

٣٩٩

مخالفة الشرع إذا ظن أنه يعتبر عند غيره ، حيث سئل به في بعض المسائل الدينية الا أن يظهر حاله ، وهو أيضاً أظهر بنفسه بأنه روى عن الضعفاء ، كما في الحسن ابن محبوب ، وأحمد بن محمد بن خالد. وان روايته مجوزة لامكان تأييد المدعى الثابت بغيرها بها ، وان المكذوب قد يصدق على تقدير تمامه وجريانه في غير هذا المحل لا يجري في مثل هذا الموضع ولا يخفى.

وأما الثاني ، فلعدم صراحتها بحرمة المقاصة بعد التحليف مع شيوع النهي في كلامهم عليهم‌السلام في الكراهة ، حتى قيل : انه حقيقة فيه.

نعم ظاهر رواية ابن وضاح ذلك ، ولكنك عرفت ما في سندها ، فاذن لا يصح الاستناد اليها ولا بناء العمل عليها ، وهذا مع أصالة اباحة المقاصة بعد التحليف كما كانت مباحة قبله الى أن يثبت ما يرفعه ولم يثبت بعد.

والحاصل أن المدعي كان له أن يطالبه به ويأخذه مقاصة قبل التحليف ، فالأصل والاستصحاب وهما على ما اعترفوا به دليلان قويان يقضيان أن يكون له ذلك بعده أيضاً الى أن يمنعه مانع شرعي من كتاب أو سنة أو اجماع.

ولا هنا واحد منها ، اما الأول والاخر ، فظاهران. وأما الثاني ، فلضعف ما دل منه عليه مع عدم صراحته في التحريم ، فلا يقاوم الأصل والاستصحاب ، وهو بقاء الشي‌ء على ما كان ، فيبقيان مع ما سبق من عموم دليل المقاصة وغيره من الكتاب والسنة سالماً عن المعارض العقلي والنقلي ، فيفيد الظن بجوازه وهو المطلوب.

وكذا الكلام في معاودة المحاكمة وسماع دعواه إذا كانت له بينة على الحق لان البينة حجة المدعي ، كما أن اليمين حجة المدعى عليه ، فإذا نسيها وقت التحليف ، أو خفي عنه أن له بينة ، بأن يتولى الاشهاد وكيله إذا اتفق أنهما شهدا من غير شعور منه بذلك ، فالاقوى سماعها ، اذ لا مانع منه في الشريعة المطهرة

٤٠٠