الرسائل الفقهيّة - ج ١

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي

الرسائل الفقهيّة - ج ١

المؤلف:

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢
الجزء ١ الجزء ٢

فكما يمكن حمله على ما ذكرتم مع ما فيه من التكلف والتعسف ، كذلك يمكن أن يحمل على رفعها بالتكبير للإحرام أو الركوع أو غيرهما ، وبذلك يبطل الاستدلال به عليه.

بل نقول : هذا الحمل أقرب وأولى ، كما حمل عليه الشيخ رحمه‌الله حيث قال : المعنى في هذا الخبر أن فعل الإمام أكثر فضلا وأشد تأكيداً من فعل المأموم وان كان فعل المأموم أيضاً فيه فضل على ما بيناه فيما مضى (١).

وهو منه رحمه‌الله إشارة الى ما قال فيما سبق منه من استحباب رفع اليدين للتكبير مطلقا اماماً كان أو مأموماً.

وثالثاً : أنه ليست في المقام قرينة تدل على أن المراد بالإمام هو المعصوم ، فكيف يحمل عليه في مقام الاستدلال ، بل الظاهر أن المراد به امام الصلاة دون المعصوم ، وقد أومأ إليه الشيخ فيما نقلنا عنه آنفاً ، فتأمل.

فإن قيل : يمكن استفادة استحباب رفع اليد في القنوت مما روى الشيخ في التهذيب في الباب المذكور بإسناده عن علي بن محمد بن سليمان ، قال كتبت الى الفقيه أسأله عن القنوت ، فكتب : إذا كانت ضرورة شديدة ، فلا ترفع اليدين وقل ثلاث مرات بسم الله الرحمن الرحيم (٢).

وعن الحكم بن مسكين عن عمار بن موسى الساباطي قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أخاف أن أقنت وخلفي مخالفون ، فقال : رفعك يديك يجزئ يعني رفعهما كأنك تركع (٣).

قلت : هذان حديثان مجهولان ، أما الأول ، فبعلي بن محمد بن سليمان ، على

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٢ / ٢٨٨.

(٢) تهذيب الاحكام ٢ / ٣١٥ ، ح ١٤٢.

(٣) تهذيب الاحكام ٢ / ٣١٦ ، ح ١٤٤.

٢١

أن فيه ضعف من وجه آخر (١) ، وقد اتفقوا على ان الحديث الضعيف لا يثبت به الأحكام الشرعية ، والاستحباب حكم شرعي فلا يثبت به ، وذلك لان الحرمة في الفعل الذي تضمن الحديث الضعيف استحبابه حاصل ، فهو مردد بين كونه سنة ورد بها الحديث في الجملة ، وبين كونه تشريعاً وحراماً لما ليس من الدين فيه ، ولا ريب أن ترك السنة أولى من الوقوع في البدعة ، فان تاركها متيقن للسلامة وفاعلها متعرض للندامة.

وأما قولهم باستحباب بعض الأعمال التي وردت بها أخبار ضعيفة وحكمهم بترتب الثواب عليها ، فليس مستنداً في الحقيقة إلى تلك الاخبار ، بل الى قوله عليه‌السلام « من سمع شيئاً من الثواب على شي‌ء فصنعه كان له أجره وان لم يكن على ما بلغه » (٢) وهو كما قيل : حديث حسن الطريق متلقى بالقبول متأيد بأخبار أخر.

ومن الأصحاب من لم يعمل بالحسان أيضاً وان اشتهرت واعتضدت بغيرها بل اقتصر على العمل بالصحاح فقط ، بل ومنهم من لم يعمل بالاخبار الآحاد مطلقاً ، فكيف يستدل بتلك الأخبار الضعيفة الغير الناطقة باستحباب المعهود عليه ، فتأمل.

ومع قطع النظر عن ذلك يمكن أن يكون المراد فلا ترفع اليدين بالتكبير للقنوت ، وذلك بحسب مفهومه المخالف لا يستلزم استحباب رفع اليدين حال القنوت في غير وقت القنوت ، بل غاية استحباب رفعهما في وقت التكبير للقنوت إذا لم يكن هناك تقية ، وقد عرفت فيما سبق منا أن ذلك غير مستلزم للمطلوب ، فتأمل.

على أنا نقول : في كون مفهوم المخالفة دليلا خلاف بين الأصوليين ، ولذلك

__________________

(١) وهو أن هذه الرواية مع كونها ضعيفة السند مكاتبة لا تعطى الوثوق « منه ».

(٢) وسائل الشيعة ١ / ٥٩.

٢٢

اختلف العلماء في قوله عليه‌السلام « في سائمة الغنم الزكاة » (١) هل هذا بمفهومه الخطاب تدل على انتفاء الزكاة عن المعلوفة أم لا؟

وأما الثاني فبالحكم بن مسكين مع ما فيه من المخالفة ، لما رواه محمد بن يعقوب الكليني في أوائل كتاب الروضة عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث طويل نأخذ منه موضع الحاجة قال عليه‌السلام : دعوا رفع أيديكم في الصلاة إلا مرة واحدة حين تفتتح الصلاة ، فإن الناس قد شهروكم بذلك ، والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله الحديث (٢).

وبعد اللتيا والتي لا تصريح فيهما على ذلك المطلب على الوجه الذي قد سبق ذكره ، وهو استحباب رفع اليدين حال القنوت موازياً بوجهه بطونهما الى السماء مضمومة الأصابع إلا الإبهامين ، كما صرح به الأصحاب ، والغرض من تلك المسألة بيان ذلك ولم يبين منهما ، وحينئذ فالاعتماد في إثباته على ما ذكرناه أولا.

ثم ان صاحب المدارك لما لم يعثر على ذلك المطلب بدليل قال فيه بعد نقل كلام المصنف قدس الله روحهما « الرابع شغل اليدين بأن تكونا في حال قيامه على فخذيه بحذاء ركبتيه ، وفي حال القنوت تلقاء وجهه » : وأما استحباب جعلهما في حال القنوت تلقاء وجهه ، فربما كان مستنده قوله عليه‌السلام في صحيحة ابن سنان الواردة في قنوت الوتر « وترفع يديك في الوتر حيال وجهك وان شئت تحت ثوبك » ثم قال : ويستحب أن تكونا مبسوطتين يستقبل بهما ببطونهما السماء وظهورهما الأرض. وحكى المصنف في المعتبر قولا بجعل باطنهما إلى الأرض

__________________

(١) عوالي اللئالي ١ / ٣٩٩ ، برقم : ٥٠.

(٢) الروضة من الكافي ٨ / ٧.

٢٣

ثم قال : وكلا الأمرين جائز (١) انتهى كلامه رفع مقامه.

وقال في الذكرى : الثامنة يستحب رفع اليدين به تلقاء وجهه مبسوطتين ، يستقبل ببطونهما السماء وظهورهما الأرض قاله الأصحاب. وروى عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام وترفع يديك حيال وجهك وان شئت تحت ثوبك وتتلقى بباطنهما السماء. وقال المفيد : يرفع يديه حيال صدره ، وحكى في المعتبر قولا بجعل باطنهما إلى الأرض ويفرق الإبهام عن الأصابع قاله ابن إدريس.

ويستحب نظره الى بطونهما ذكره الجماعة ، ويجوز ترك الرفع للتقية ، لرواية علي بن محمد أنه كتب الى الفقيه يسأله عن القنوت ، فكتب إذا كانت ضرورة شديدة فلا ترفع اليدين وقل ثلاث مرات بسم الله الرحمن الرحيم ويمسح وجهه بيديه ويمرهما على لحيته وصدره قاله الجعفي ، وهو مذهب بعض العامّة (٢) انتهى كلامه طاب منامه.

وأنت بعد خبرك بما زبرنا في تضاعيف البحث تعرف ما يرد عليهما ان كنت من المتأملين.

نعم يمكن أن يستدل على إثبات هذا المطلب بما رواه الشيخ رحمه‌الله في التهذيب بسند موثق عن سماعة عن أبي بصير قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا دخلت المسجد فاحمد الله وأثن عليه ، وصل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإذا افتتحت الصلاة فكبرت فلا تجاوز أذنيك ولا ترفع يديك بالدعاء في المكتوبة تجاوز بهما رأسك (٣).

فإن فيه دلالة بحسب مفهومه المخالف على جواز رفع اليدين بالدعاء في المكتوبة ، ولكن لا يجوز أن يتجاوز بهما رأسه.

__________________

(١) مدارك الاحكام ص ٢٠٥.

(٢) الذكرى ص ١٨٤.

(٣) تهذيب الاحكام ٢ / ٦٥ ، ح ١.

٢٤

وفيه مع ما عرفت سابقاً أن الغرض المسوق له الكلام بيان استحباب رفعهما حال القنوت في الصلاة المكتوبة ، وهو غير لازم منه ، لا مجرد الجواز والإباحة كما يلزم منه على تقدير التسليم ، مع أنه ليس بصريح في القنوت لجواز أن يراد بالدعاء الدعاء الذي يدعى به بين الأذان والإقامة فتدبر.

والأظهر عندي أن مستند الأصحاب في ذلك الباب ما مر في صدر تلك الرسالة من العمومات الدالة على استحباب رفع اليدين في الدعاء مطلقاً ، وتلك الأخبار المذكورة على تقدير ثبوتها وصحتها مؤيدة لها وكاشفة عن صحة مضمونها.

هذا ويمكن أن يستدل على إثبات ذلك المطلب بفتاوي الأصحاب ، فإن جمعاً كثيراً من العلماء وجماً غفيراً من الفقهاء من السلف الى الخلف رحمهم‌الله قد ذكروا ذلك في كتبهم الفقهية ، وحكموا باستحبابه من غير نكير ، فان التتبع يشهد بعدم الخلاف في ذلك بينهم. والظاهر أن ذلك وان لم يبلغ مبلغ الإجمال لكنه حجة.

قال في الذكرى : إذا أفتى جماعة من الأصحاب ولم يعلم لهم مخالف فليس إجماعاً قطعاً ، وخصوصاً مع علم العين للجزم بعدم دخول الإمام حينئذ ، ومع عدم علم العين لا يعلم أن الباقي موافقون ، ولا يكفي عدم علم خلافهم ، فإن الإجماع هو الوفاق لا عدم علم الخلاف.

وهل هو حجّة مع عدم متمسك ظاهر من حجة نقلية أو عقلية؟ الظاهر ذلك لان عدالتهم تمنع من الاقتحام على الفتوى بغير علم ، ولا يلزم من عدم الظفر بالدليل عدم الدليل ، خصوصاً وقد تطرق الدروس الى كثير من الأحاديث لمعارضة الدول المخالفة ومباينة الفرق المنافية ، وعدم تطرق الباقين الى الرد له ، مع أن الظاهر وقوفهم عليه ، وانهم لا يقرون ما يعلمون خلافه.

فان قلت : لعل سكوتهم لعدم الظفر بمستند من الجانبين.

٢٥

قلت : فيبقى قول أولئك سليماً من المعارض ، ولا فرق بين كثرة القائل بذلك أو قلته مع عدم معارض ، وقد كان الأصحاب يتمسكون بما يجدونه في شرائع الشيخ أبي الحسن ابن بابويه رحمة الله عليه عند إعواز النصوص لحسن ظنهم به ، وان فتواه كروايته.

وبالجملة ينزل فتاويهم منزلة رواياتهم ، هذا مع ندور هذا الفرض ، إذ الغالب وجود دليل دال على ذلك القول عند التأمل (١) انتهى.

أقول : ويمكن القول بأن ما نحن فيه ليس من جملة هذا الفرض النادر ، لما عرفت من الدليل الدال عليه عند التأمل ، وعلى تقدير كونه منها لا بأس به أيضاً ، لأنه مما يمكن أن يتمسك به عند الحاجة كما عرفت ، ولعل في قول صاحب الذكرى قاله الأصحاب إيماء الى ذلك فتبصر.

هذا ما عندنا في جواب مسألتك هذه على سبيل الاستعجال والله ورسوله والأئمة من بعده أعلم بحقيقة الحال ، وصلى الله على خير خلقه ومظهر لطفه سيدنا محمد وآله خير آل.

وتم استنساخ وتصحيح الرسالة في (٢٩) ذي القعدة سنة (١٤١٠) هـ ق في مشهد مولانا الرضا عليه‌السلام على يد العبد السيد مهدي الرجائي عفي عنه.

__________________

(١) الذكرى ص ٤ ـ ٥.

٢٦

سلسلة آثار المحقق الخاجوئى

(١٠)

رسالة

في شرح حديث الطلاق بيد من أخذ بالساق

للعلّامة المحقّق العارف

محمّد إسماعيل بن الحسين بن محمّد رضا المازندراني الخاجوئي

المتوفّى سنة ١١٧٣ هـ ق

تحقيق

السيّد مهديّ الرّجائي

٢٧
٢٨

بسم الله الرحمن الرحيم

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الطلاق بيد من أخذ بالساق (١).

الطلاق مشتق من الإطلاق ، يقال : أطلق قيده إذا أحله ، ثم نقل الى إزالة قيد النكاح من غير عوض بصيغة طالق.

والمراد به فيما ورد في الطلاق من الآيات والروايات ، مثل ( إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) (٢) ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ ) (٣) « المتعة تبين بغير طلاق » (٤) وأمثال ذلك هو هذا المعنى ، لانه المتبادر من إطلاق الطلاق في عرف الشرع.

وقد تقرر في الأصول أنه إذا صدر من الشارع ماله محمل لغوي ومحمل شرعي ، كالطواف بالبيت صلاة ، فمثل هذا لا يكون مجملا ، بل يحمل على المحمل الشرعي ، لأن عرف الشارع أن يعرف الأحكام الشرعية ولذلك بعث ، ولم يبعث لتعريف الموضوعات اللغوية ، فكانت ذلك قرينة موضحة للدلالة فلا إجمال.

__________________

(١) عوالي اللئالي ١ / ٢٣٤ ، برقم : ١٣٧.

(٢) سورة الطلاق : ١.

(٣) سورة البقرة : ٢٢٩.

(٤) وسائل الشيعة ١٤ / ٤٩٥.

٢٩

ثم لما كان المبتدأ معرفاً بلام الجنس كان مفيداً للحصر ، فالمستفاد من الخبر حصر المبتدأ في خبره ، وهو يقتضي انحصار وقوع الطلاق المعتبر في الزوج المستحق للوصف. هذا غاية ما يمكن أن يستفاد من هذا الخبر.

وفيه أن دلالته على الحصر ضعيفة لعدم إرادته ، على أن المراد باليد هاهنا القدرة ، كما صرح به في التنقيح (١) ، والا لم يجز طلاق الوكيل مع أنه جائز ، لأن يده مستفادة من يده ، فليجز من الولي أيضاً ، لأن الشارع نصبه ليقوم بمصالح المولى عليه.

واليد بالمعنى المذكور كما تشمل الوكالة فكذلك تشمل الولاية ، فقول بعض الأصحاب بعدم جواز طلاق الولي عن المجنون مستدلا بهذا الخبر محل نظر.

نعم يمكن القول بعدم وقوع طلاق الولي عن الصبي ، لأن له أمداً يترقب ويزول نقصه فيه ، فيمكن أن يقع الطلاق بيده بلا واسطة ان أراد ذلك ، بخلاف المجنون المطبق.

هذا وإذ تقرر أن المراد بالطلاق المذكور في الخبر هو المعنى الشرعي ، فظاهر أنه لا يشمل نكاح المتعة ، إذ لا تقع بها طلاق بل تبين بانقضاء المدة أو بهبته إياها ، كما هو مذهب أصحابنا القائلين بالمتعة ، ولذلك اعتبروا في عقد المطلقة الدوام ، وفرعوا عليه عدم وقوع الطلاق بالمتمتع بها.

وفي رواية محمد بن إسماعيل عن الرضا عليه‌السلام قلت : وتبين بغير طلاق يعني المتعة؟ قال : نعم. كذا في الاستبصار (٢).

وفيه عن محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام في المتعة ، قال : ليست من الأربع ،

__________________

(١) التنقيح الرائع ٢ / ٢٩٣.

(٢) الاستبصار ٣ / ١٥١ ، ح ٢.

٣٠

لأنها لا تطلق ولا ترث ولا تورث وانما هي مستأجرة (١).

وفي الفقيه عن موسى بن بكر عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : عدة المتعة خمسة وأربعون يوماً ، فإذا جاء لأجل كانت فرقة بغير طلاق (٢).

وقد نفى كثير من الأصحاب إيلاء المتعة بقولهم « ولا يقع بها إيلاء » لقوله تعالى في قصة الإيلاء ( وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ ) (٣) وليس في المتعة طلاق.

وقال في المسالك : اقامة الهبة مقام الطلاق قياس.

وقال الشيخ علي رحمه‌الله في حواشيه : جعل الهبة عوض الطلاق إدخال لها في باب القياس. وأيضاً فإن الأصحاب لم يعدوا الهبة من أقسام الطلاق.

وبما قررنا ظهر فساد ما توهمه بعض المعاصرين من عدم جواز هبة الأب المدة المضروبة في نكاح متعة ولده الصغير ، مستدلا بأنها طلاق ، والخبر المذكور يدل على عدم جواز طلاقه عنه.

وذلك لأنه ان أراد أن الهبة المذكورة طلاق شرعي ففيه ما عرفته ، وان أراد أنها طلاق لغوي ففيه أن المراد بالطلاق المذكور في الخبر هو الطلاق الشرعي.

وبالجملة دلالة الخبر على عدم جواز هبة الولي المدة انما تثبت أن لو كان المراد بالطلاق المذكور فيه هو الطلاق بالمعنى اللغوي ، ودون ثبوته خرط القتاد.

وكيف لا؟ والأصحاب مصرحون بأن المتعة لا يقع بها طلاق كما مر. وهذا منهم صريح في أنهم حملوا الطلاق المذكور فيه على معناه الشرعي ، والا فلا وجه لتخصيصهم الطلاق بغير المتعة ، واعتبارهم في المطلقة الدوام على أن قول الرضا والباقر عليهما‌السلام المتعة تبين بغير طلاق صريحان في أن هبة المدة لا تسمى

__________________

(١) الاستبصار ٣ / ١٤٧ ، ح ٥.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٤٦٤.

(٣) سورة البقرة : ٢٢٧.

٣١

طلاقاً شرعياً ، والا لكاد بينونتها في صورة الهبة بالطلاق لا بغيره.

فالأقرب صحة هبة الولي ، لثبوت ولايته المجوزة للتصرف في أمور المولى عليه مع رعاية الغبطة والمصلحة وتخلفه في الطلاق لدليل خارج لا يوجب إلحاقها به ، لانه قياس لا نقول به ، على أن كل شي‌ء مطلق حتى يرد فيه نهي ، كما قال الصادق عليه‌السلام ، وقد رواه الصدوق رحمه‌الله في الفقيه (١).

وهبة الولي المدة مما لم يرد فيه نهي ، وخصوصاً إذا كانت المدة قليلة غير واصلة إلى زمان بلوغ الصبي ، فان في هذه الصورة لا يتصور له أمد يترقب ويزول فيه نقصه ليقع الطلاق بيده على كون الهبة طلاقاً شرعياً.

والحاصل أن كون الولي ممنوعاً من الهبة المذكورة غير منصوص ولا مفهوم من الخبر ، ومساواتها للطلاق المنصوص في المعنى المقتضي للمنع مع أنه قياس ومخالف للأصل ممنوعة ، لأن لكل منهما حدوداً ولوازم مختلفة ، واختلاف اللوازم يدل على اختلاف الملزوم.

فلعل غرض الشارع من نهي الولي عن الطلاق دون الهبة تعلق بما هو معتبر في أحدهما دون الأخر ، فهذا القياس على القول به باطل ، لانتفاء الجهة الجامعة. فنقول : كما جاز للولي العقد أو البناء على أصالة الجواز وثبوت ولايته الشرعية فليجز له الهبة آخراً بناءً على ذلك الأصل السالم عن المعارض ، وانما خرج عنه الطلاق عن العقد الدائم للدليل من الخارج ، وهو على تقدير تسليمه انما دل على كونه ممنوعاً من الطلاق ولم يدل على كونه ممنوعاً من غيره ، فليقتصر عليه فيما خالف الأصل ، وبالله التوفيق.

وتم استنساخ وتصحيح الرسالة في (١) ذي الحجة سنة (١٤١٠) هـ ق في مشهد مولانا الرضا عليه‌السلام على يد العبد السيد مهدي الرجائي عفي عنه.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ / ٣١٧.

٣٢

سلسلة آثار المحقق الخاجوئى

(١١)

رسالة

في حرمة النظر الى وجه الأجنبية

للعلامة المحقق العارف

محمد إسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئى

المتوفّى سنة ١١٧٣ هـ ق

تحقيق

السيد مهدي الرجائي

٣٣
٣٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد له ، والصلاة عليه ، وعلى آله ، وخصوصاً على زبدة أوصيائه ، ونخبة أوليائه.

وبعد : فيقول الفقير الحقير الذليل محمد بن الحسين الشهير بـ « إسماعيل » اختلفت الأقوال والروايات في جواز النظر الى وجه الأجنبية وعدمه ، والأظهر عندي العدم.

لما في الصحيح من مكاتبة محمد بن الحسن الصفار رضي‌الله‌عنه الى أبي محمد الحسن بن علي عليه‌السلام في رجل أراد أن يشهد على امرأة ليس لها بمحرم ، هل يجوز له أن يشهد عليها من وراء الستر ويستمع كلامها إذا شهد عدلان أنها فلانة بنت فلان التي تشهدك وهذا كلامها ، أو لا تجوز الشهادة عليها حتى تبرز وتثبتها بعينها؟ فوقع عليه‌السلام : تتنقب (١) وتظهر للشهود إن شاء الله. قال الصدوق رحمه‌الله : وهذا التوقيع عندي بخطه (٢).

ولما فيه أيضاً عن علي بن يقطين عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام ، قال : لا بأس

__________________

(١) النقاب ما تشد المرأة على وجهها « منه ».

(٢) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٦٧ ـ ٦٨.

٣٥

بالشهادة على إقرار المرأة وليست بمسفرة إذا عرفت عينها ، أو يحضر من عرفها ولا يجوز عندهم أن يشهد الشهود على إقرارها دون أن تسفر فينظر إليها (١).

قوله « ليست بمسفرة » أي : بمكشوفة الوجه بل كانت متنقبة ، أو من وراء الستر ولا ينظر إليها.

في الصحاح : سفرت المرأة كشفت عن وجهها فهي سافرة (٢).

فالمسفرة بمعنى السافر. ويظهر من هذين الحديثين إن إشهاد المرأة على إقرارها ليس من الضرورات التي توجب إباحة كشف وجهها ونظر الشهود إليها والى وجهها مكشوفاً ، بل ذلك حرام عليها وعليهم.

فليكن ذلك في خاطرك عسى أن ينفعك في بعض المباحث الآتية إن شاء الله تعالى ، فهما صحيحان صريحان في عدم جواز النظر وان كان وقت تحمل الشهادة هذا ما رواه الصدوق محمد بن بابويه في الفقيه.

وروى محمد بن الحسن الطوسي في التهذيب بسند مجهول عن ابن يقطين عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام قال : لا بأس بالشهادة على إقرار المرأة وليست بمسفرة إذا عرفت بعينها ، أو حضر من يعرفها ، فأما ان كان لا تعرف بعينها ولا يحضر من يعرفها فلا يجوز المشهود أن يشهدوا عليها وعلى إقرارها دون أن تسفر وينظرون إليها (٣).

وهذا أيضاً يدل على عدم جواز النظر إليها إلا في حالة الضرورة والشهادة مع الحاجة الى النظر ، وسيجي‌ء لذلك زيادة توضيح إن شاء الله تعالى.

ويدل عليه (٤) أيضاً ما رواه في الكافي بطريقين أحدهما فيه إرسال ، والثاني

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٦٧.

(٢) صحاح اللغة ٢ / ٦٨٦.

(٣) تهذيب الاحكام ٦ / ٢٥٥ ، ح ٧٠.

(٤) أى : على عدم جواز النظر فقط لا وقت الشهادة كما يتوهم « منه ».

٣٦

فيه أبو جميلة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ما من أحد الا وهو يصيب حقاً من الزنا فزنا العينين النظر ، وزنا الفم القبلة ، وزنا اليدين اللمس ، صدق الفرج ذلك أم كذب (١).

وما في كتاب الخصال وفي الفقيه عن الأصبغ بن نباته عن علي عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي لك أول نظرة ، والثانية عليك ولا لك (٢).

ويظهر منه أن النظرة الاولى ان وقعت فلتة ومن غير قصد وارادة لذة معفوة فلا يجوز للناظر اعادة النظر وتكرارها لقوله « والثانية عليك » وفي رواية : والثالثة فيها الهلاك. وليكن ذلك أيضاً في ذكرك لما قلناه آنفاً.

وعن هشام بن سالم عن عقبة قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام : النظرة سهم من سهام إبليس مسموم من تركها لله عزوجل لا لغيره أعقبه الله ايماناً يجد طعمه ، هكذا رواه الصدوق في الفقيه (٣).

وروي في الكافي عن علي بن عقبة عن أبيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : النظرة سهم من سهام إبليس مسموم ، وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة (٤).

يفهم منه أن النظرة الأولى أيضاً إذا كانت بقصد وارادة لذة وانقضاء شهوة محرمة وناشئة من إضلال الشيطان وإغوائه. ولا شك أن ترك الحرام لله عزوجل لا لقصد الرياء والسمعة ونحو ذلك موجب لزيادة الايمان وكماله بل هو هو ، وهذا معنى قوله « أعقبه الله ايماناً يجد طعمه ».

__________________

(١) فروع الكافي ٥ / ٥٥٩ ، ح ١١.

(٢) الخصال ص ٣٠٦ ، من لا يحضره الفقيه ٤ / ١٩.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٤ / ١٨.

(٤) فروع الكافي ٥ / ٥٥٩ ، ح ١٢.

٣٧

وروى في جامع الاخبار عن النبي المختار صلى‌الله‌عليه‌وآله الأخيار أنه قال : النظر سهم مسموم من سهام إبليس (١).

وعن ابن أبي عمير عن الكاهلي قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة ، وكفى بها لصاحبه فتنة (٢).

فيه إشارة إلى سبب منع النظر الى وجوه الأجنبيات وتكريره وعلة تحريمه وهو أنه موجب لهيجان الشهوة المؤدية إلى ثوران الفتنة وهي الزنا.

وأيضاً فإن النظر يهيج الوساوس وربما يتعلق القلب ويتعذر الوصول ، فيفضي إلى التعب الشديد وهو ضرر ودفعه واجب إذا كان ممكناً مقدوراً ، كما ثبت في محله ، وها هنا لا يمكن دفعه الا بكف النفس عن النظر ، فيكون واجباً وتركه حراماً وهو المطلوب.

وفي جامع الاخبار عن علي عليه‌السلام قال : من أطلق ناظرة أتعب خاطره ، من تتابعت لحظاته دامت حسراته (٣).

ثم لا يذهب عليك أن حرمة النظر إلى الامرأة بقصد لذة وارادة وانقضاء شهوة أشد ، والأمر في مقاساة التعب ومعاناة النصب بالإضافة إليه أوكد ، لامتناع الوصول إليه في الشريعة المطهرة على صادعها وآله السلام بوجه.

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أيها الناس انما النظرة من الشيطان ، فمن وجد من ذلك شيئاً فليأت أهله (٤).

__________________

(١) جامع الأخبار ص ٩٣.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٤ / ١٨.

(٣) جامع الاخبار ص ٩٣.

(٤) من لا يحضره الفقيه ٤ / ١٩. هذا الحديث مذكور في الكافي في باب أن النساء أشباه ، مروي عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امرأة فأعجبته ، فدخل على أم سلمة وكان يومها فأصاب منها ، وخرج الى الناس ورأسه يقطر ، فقال : أيها الناس انما النظر من الشيطان ، فمن وجد من ذلك شيئاً فليأت أهله « منه ».

٣٨

وهذا صريح في أن النظرة إذا كانت بإرادة لذة انما نشأته من الشيطان وخطواته وهو سبب لتحريك الشهوة المنجرة إلى الفتنة. ويمكن دفعها بإتيان الحليلة ، فإنه يدفع الشهوة ويقلعها.

ويفهم منه أيضاً فضل المزوج على العزب ، كما يدل عليه أخبار كثيرة فتأمل.

وفي الخصال فيما علم أمير المؤمنين عليه‌السلام أصحابه : ليس في البدن شي‌ء أقل شكراً من العين ، فلا تعطوها سؤلها ، فتشغلكم عن ذكر الله ، إذا تعرى الرجل نظر الشيطان اليه وطمع فيه ، فاستتروا ، ليس للرجل أن يكشف ثيابه عن فخذيه ويجلس بين قوم ، لكم أول نظرة الى المرأة ، فلا تتبعوها بنظرة اخرى ، واحذروا الفتنة ، إذا رأى أحدكم امرأة تعجبه فليأت أهله ، فإن عند أهله مثل ما رأى ، ولا يجعلن للشيطان على قلبه سبيلا ليصرف بصره عنها الحديث (١).

وهو غني عن البيان بعد ما أحطت علماً بما ذكرناه ، ويؤيد ذلك قوله تعالى ( وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) (٢) إذ لا اعتبار بسبب النزول مع كون اللفظ عاماً ، وذلك مبين في محله.

وما روي في الكافي عن هشام بن سالم ، وحماد بن عثمان ، وحفص بن البختري كلهم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لا بأس بأن ينظر الرجل الى وجهها ومعاصمها إذا أراد أن يتزوجها (٣).

__________________

(١) الخصال ص ٦٢٩ ـ ٦٣٧.

(٢) سورة الأحزاب : ٥٣.

(٣) فروع الكافي ٥ / ٣٦٥ ، ح ٢.

٣٩

فان نفي البأس مقيد بإرادة التزويج ، ومفهوم الشرط حجة كما بين في موضعه.

وما روي أيضاً فيه عن سعد الإسكاف عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : استقبل شاب من الأنصار امرأة بالمدينة ، وكان النساء يتقنعن خلف آذانهن ، فنظر إليها وهي مقبلة ، فلما جازت نظر إليها ودخل في زقاق قد سماه ببني فلان ، فجعل ينظر خلفها واعترض وجهه عظم في الحائط أو زجاجة فشق وجهه ، فلما مضت المرأة نظر فإذا الدماء تسيل على ثوبه وصدره. فقال : والله لآتين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولأخبرنه قال : فأتاه فلما رآه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ما هذا؟ فأخبره فهبط جبرئيل عليه‌السلام بهذه الآية ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ ) (١).

وانما ذكرنا هذه الآية مع هذه الرواية من باب التأييد ، لأن الاستدلال بهذه الآية على ذلك المطلب موقوف على مقدمات يمكن أن يمنع بعضها :

الاولى أن اللام مقدر التقدير ليغضوا ، ويبعد أن يكون بتقدير غضوا يغضوا إذ المناسب الفاء مع أن حذف (٢) المقصود وذكر غير المقصود غير موجه. وأيضاً الخبر غير مناسب إذ مضمونه قد لا يقع.

الثانية : أن الأمر للوجوب.

والثالثة : أن الأمر بالشي‌ء يستلزم النهي عن ضده.

__________________

(١) فروع الكافي ٥ / ٥٢١ ، ح ٥ ، والآية في سورة النور : ٣٠.

(٢) هذا بناء على مذهب الفراء ، حيث أجاز حذفها في النثر ، كقولك قل له يفعل وفي التنزيل ( قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ ) وقيل : انه جواب الأمر فيكون مجزوماً بأن المقدرة ، والتقدير قل لهم غضوا فإنك إن تقل لهم يغضوا ، والشرط لا يلزم أن يكون علة تامة للجزاء ، فتأمل تعرف « منه ».

٤٠