الرسائل الفقهيّة - ج ١

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي

الرسائل الفقهيّة - ج ١

المؤلف:

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢
الجزء ١ الجزء ٢

العقد الطهماسبي حيث قال بعد كلام : نعم اختلف الاصوليون في ان الاصل الحل أو الحرمة ، وأكثر العلماء على أن الاصل الحل ، والدليل بحمد الله قائم عليه ، فقول صاحب الرسالة فيها بعد كلام.

وبالجملة كلام الاصحاب في كثير من المواضع صريح في أنه اذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام كما ترى ، وكيف يكون هذا على اطلاقه صحيحاً؟

وفي التهذيب في الباب المذكور متصلا بالحديث السابق ذكره عن مسعدة ابن صدقة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : كل شي‌ء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك ، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة ، أو المملوك عندك ولعله حر قد باع نفسه أو خدع فبيع أو قهر ، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك ، والاشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة (١).

فصرح عليه‌السلام بأن كل شي‌ء لنا حلال حتى يظهر لنا خلافه وهو حرمته ، أو تقوم علينا على خلافه بينة عادلة ، ومن البين أن تحريم نكاح اخوة المرتضع الذين لم يرتضعوا من هذا اللبن في أولاد الفحل ولادة ورضاعاً مما لم يقم عليه بينة ، فهو على أصل الحل حتى يستبين لنا غيره ولم يستبن بعد.

وبعبارة أخرى : نكاح أولاد الفحل والمرضعة كان حلالا على أولاد أب المرتضع قبل الرضاع ، ولم يقم دليل قاطع على حظره بعد ذلك ، فينبغي أن يكون حلالا على ما كان حتى يقوم دليل ، ولا دليل في الشرع يدل على ذلك.

فقول صاحب الرسالة فيها أنه مخالف للاحتياط ، اذ لو فرض مع قطع النظر عن جميع ما ذكر لكان ينبغي الاحتياط لقيام الشبهة ، اذ لا أقل من احتمال الخبر المستفيض عموم التحريم والانتشار ، واحتمال قول الشيخ في كتابي النهاية

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٧ / ٢٢٦ ، ح ٩.

١٨١

والخلاف الصحة.

محل نظر ، لان الاحتياط مع أنه ليس بدليل شرعي انما يكون منبغياً فيما يحتمل فيه التحريم لكونه محل شبهة ، مثل ما رواه الشيخ عن مسعدة بن زياد عن أبي جعفر عن آبائه عليهم‌السلام أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : لا تجامعوا في النكاح على الشبهة وقفوا عند الشبهة ، يقول : اذا بلغك أنك قد رضعت من لبنها وأنها لك محرم وما أشبه ذلك ، فان الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة.

وما نحن فيه ليس من هذا القبيل لعدم احتماله التحريم فلا شبهة فيه ، اذ الخبر المستفيض لا يحتمل عموم التحريم والانتشار كما فصل سابقاً ، وقول الشيخ في كتابيه مبني على تعديته أحاديث المنزلة الواردة في أب المرتضع منه الى أولاده. وهو قياس محض لا يقول به الامامية ، فقوله هذا لا يحتمل الصحة ، وعليه فلا محل هنا للاحتياط والحمد لله.

بل لا يبعد القول بأن الاحتياط في جانب خلافه ، لما مر من أنا اذا حكمنا بتحريم شي‌ء بغير دليل شرعي وقعنا في الاثم ، لانه بدعة وادخال في الدين ما ليس منه وهو منهي عنه.

وعلى تقدير احتمال التحريم نقول : لما ثبت بالادلة العقلية والنقلية أن الاصل في الاشياء الاباحة ، وان كل شي‌ء حلال أبداً حتى يعلم أنه حرام بعينه ، فما لم يقم دليل على تحريم شي‌ء يفيد العلم به ، أو الظن المتآخم له ، لا يجوز الحكم بتحريمه ، لانه بدعة ومخالف لما ثبت بالدليل ، فاحتمال كون الشي‌ء حراماً لا يسوغ الحكم بحرمته ولا الاحتياط فيه لذلك الاحتمال ، كما هو صريح صحيح ابن سنان : كل شي‌ء يكون منه حرام وحلال فهو لك حلال أبداً حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه (١).

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٧ / ٢٢٦ ، ح ٨.

١٨٢

فان كل فرد من أفراد ذلك الشي‌ء ، أو كل بعض من أبعاضه ، على هذا الفرض يحتمل أن يكون حراماً ، ومع ذلك قد حكم الامام عليه‌السلام بأنه حلال أبداً الى أن تعرف الحرام منه بعينه. ومثله قوله في رواية ابن صدقة وقد سبق : كل شي‌ء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام.

فقوله في الرسالة لا يقال : أليس احتياطكم بالتحريم مستلزماً لجواز النظر ونحو ذلك ، وذلك ربما يكون حراماً لاحتمال صحة القول بالتحليل وان بعد ، ففي احتياطكم أيضاً احتمال ارتكاب حرام.

لانا نقول : بعد الاغماض عن كمال بعد هذا الاحتمال شرعاً كما بينا لا شك أن هذا التجويز أقل مفسدة بكثير بالنسبة الى تحليل الفروج سيما من المحارم.

محل نظر ، لانا نقول : بعد الاغماض عن كمال قرب هذا الاحتمال ووضوحه شرعاً حتى كاد أن يكون يقيناً مجزوماً به لعدم قيام دليل شرعي على خلافه مع كونه أصلا في كل شي‌ء ، وقد ورد الحث على العمل بمقتضاه حتى يستبين خلافه لا يبعد أن يقال ان هذا التجويز أكثر مفسدة بكثير ، لان فيه مع تحريم ما أحل الله بغير دليل شرعي تحليل ما حرم الله كذلك (١) ، وليس في مقابله الا تحليل ما يحتمل التحريم احتمالاً بعيداً ، وقد سبق أن احتمال كون الشي‌ء حراماً لا يوجب الحكم بتحريمه ولا الاحتياط فيه فتأمل هذا.

وأما الاستصحاب ، فحقيقته ـ كما صرح به بعض الاصحاب ـ ترجع الى أن الاصل بقاء الشي‌ء على ما كأن كان نقول : أخت كل من المرتضعين قبل أن يتحقق بينهما رضاع كانت حلالا على اخوة الاخر ، والاصل بقاؤها على ما كانت عليه من الحلية حتى يعلم أنها محرمة عليهم ، فعلم أن كلا منها دليل بحياله من

__________________

(١) لان نكاحها حلال وقد حرمه والنظر الى ما يحرم النظر اليه منها حرام وقد حلله « منه ».

١٨٣

غير أن يتحد مع الاخر مرجعاً ومآلا ، وان ما نحن فيه مما فيه نفع ولم يقم على تحريمه بعد دليل فهو على اباحته الاصلية ، لان العمومات التي ادعى دلالتها على ما ادعاه مما لا أصل له.

فان أحاديث المنزلة لا تجري في أولاد أب المرتضع الا بطريق القياس ، والحديث المستفيض لا دلالة له عليه الا بعد أن يثبت عمومه ، ودون ثبوته خرط القتاد ، على أن هذا العموم على تقدير كونه مفاداً من الخبر انما يمكن التعلق به اذا لم يكن هناك صارف عنه. وهذا الخبر الموثق الذي نقلناه صارف عنه ، لانه يدل صريحاً على أن حكم الاخوين رضاعاً ، كحكم الاخوين أباً واماً.

وأما في التحريم الكلي والانتشار ، فينبغي أن يكون العمل عليه لانه خاص صريح في أن هذا العموم الذي ادعاه غير منظور من الخبر ، فاذا بطل عمومه من هذا الوجه بطل ما بنى عليه من ايجاب التحريم الكلي وما فرع عليه من الاحكام.

واذا ثبت أن هذا العموم غير مقصود منه ، يثبت منه ومن دليل حجيته الاباحة الاصلية ، وهو أن تكليف الحكيم بالاجتناب وعدم البيان عند الحاجة ما لا يجوز العقل نسبته اليه ، فما لم يظهر حرمة أمر بخصوصه أو باندراجه في وصف جعله الشارع علامة للحرمة ، فالظاهر فيه الحلية. حلية (١) التناكح وجوازه بين اخوة وأخوات هذا المرتضع واخوة وأخوات ذاك ، اذ لم يظهر تحريم هذا التناكح بخصوصه ولا باندراجه في وصف جعله الشارع علامة للحرمة ، لان الوصف الذي جعله هنا علامة لها انما هو تحقق الرضاع المحرم ، وقد عرفت أنه غير متحقق بينهم ، فلا وجه حينئذ لتحريم هذا التناكح ، كيف وكل شي‌ء مطلق حتى يرد فيه نهي ، ولم يرد هنا لا خصوصاً ولا عموماً ، بل القول بهذا التحريم لما

__________________

(١) فاعل قوله « يثبت ».

١٨٤

كان بغير دليل شرعي يعتمد عليه أو تركن النفس اليه ، كان بدعة وادخالا في الدين ما ليس منه.

وأما الاحتياط ، فلا محل له فيما سألنا عنه ، وانما كان له فيه محل على تقدير احتمال التحريم واشتباه الامر فيه ، وقد عرفت عدمه كما أشار اليه الشهيد الثاني فيما نقلنا عنه من شرح الشرائع ، وكيف يحتمل التحريم وقد ورد في خصوصه خبر متأيد بأصالة الحلية والاباحة والبراءة واستصحاب الحل السابق كما سبق.

فظهر أن ما سئلنا عنه وأجبنا بجوازه وصحته مما هو منصوص بالخصوص مع تأيده بما ذكر فلا ينبغي أن يكون لاحد فيه كلام ، حتى أن صاحب الرسالة وهو أخباري المسلك لا بد له من القول بجوازه ، وان كان منافياً لما أصله وفرع عليه الفروع ، لان عموم الخبر ودلالته على ما رام اثباته لو سلم له ذلك انما يصار اليه ويصح العمل بمقتضاه والاعتماد عليه ما لم يكن له معارض من الايات كما سيأتي ، ولا مخصص من الروايات كما سبق.

وأما بعد وجدانه ، فلا شك في تقدم مدلوله على ما دل عليه لو ثبت عمومه.

وهذا ما لا خلاف كما لا شك فيه ، وبدلك صح وثبت ما قلناه والحمد لله وحده. وانما لم يقل به صاحب الرسالة لغفلته عما نقلناه وقررناه ، كما سبق وسيأتي إن شاء الله العزيز.

فصل فيه وصل

[ المناقشة فى أدلة المتنازع ]

قد استبان مما قررناه ونقلناه أن قوله في الرسالة : اصالة الاباحة وأمثالها ـ وأراد بها البراءة والاستصحاب واصالة الحلية ـ لا تنفع في هذا المقام ، والاخبار وان لم تعارضها لم تؤيدها ، كما هو غير خفي على المتتبع قول من لا تتبع له أصلا.

١٨٥

ثم قال : لا يقال لعل لهم أن يتمسكوا بتأييد الاخبار لهم من حيث ورود أكثرها في خصوص المرتضع بالنسبة الى الفحل والمرضعة وأقربائهما.

لانا نقول : هذا كلام سخيف وشك ضعيف ، اذ لا شبهة أن مدار جواب الامام عليه‌السلام في كل موضع على وفق مسؤول السائل ، فحينئذ كما سأله عن خصوص حال المرتضع أجابه فيها ، كما أنه لما سأله عن حكم أبيه أجابه عنه ، ولما سأله عن حكم اخت الاخ وكذا غيرها مجملا ، فلو سأله عن غير ذلك أيضاً لاجابه عنه وعدم سؤال السائل لا يدل على عدم اجراء الحكم ، سيما مع وجود العمومات الدالة على الاجراء المؤيدة بدعوى الاجماع وغيره.

نعم لو ورد خبر دال على عدم النشر من المرتضع ، أو في تحليل بعض محارمه نسباً على رضيعه ومن هو بحكمه ، لامكن التشبث به ، لكنه مفقود رأساً بل لا اشعار بذلك في الاخبار أصلا ، فتدبر ولا تغفل ، والله الموفق والهادي ـ الى هنا كلامه.

وفيه أن غرض القائل من هذا القول أن حال اخوة المرتضع وأخواته وسائر أقربائه بالنسبة الى الفحل والمرضعة وأقربائهما لما كانت ظاهرة ، لعدم تحقق الرضاع المحرم بينهم الموجب للتحليل ، لم تكن محل سؤال ، ولذلك لم يتعرضوا لها وخصوا السؤال في الاكثر بخصوص المرتضع بالنسبة اليهما والى أقربائهما ، وهذا كما ترى كلام متين لا يقابله جوابه هذا كما هو واضح.

ثم قد علم مما نقلناه ورود خبر دال على عدم النشر من المرتضع صريح في تحليل بعض محارمه نسباً على المرتضع الاخر ، وقد سبق أنه لا فرق في ذلك بين المرتضعين ورضيعهما ومن هو بحكمه بناءاً على ما فهمه من الخبر ، فان حكم هؤلاء الاخوة الرضاعية بثلاثتهم بناءاً على فهمه هذا كحكم الاخوة النسبية المنسوبة الى أب وأم.

١٨٦

ولما ثبت بطلانه بالخبر المذكور حيث دل على تحليل بعض محارم أحد المرتضعين نسباً ، وهو ابنة أخيه الامي الابي على المرتضع الاخر ، ثبت تحليله على رضيعهما أيضاً ، لعدم الفرق فيهم في عدم الرضاع والنسب والمصاهرة بينهم.

ويعلم من كلامه هذا أن ارتكابه ما ارتكبه انما نشأ من غفلته عن هذا وما شاكله ، والا فهو أخباري المسلك لا يجترئ على ارتكابه وعلمه بوجود ما مر ، وقد مر فيه ما مر.

ثم أقول : ولما كان مدار جميع استدلالاته في رسالته هذه على عموم الخبر المستفيض ، وقد ظهر مما حررناه أن عمومه على الوجه الذي قصده ، مع أنه مخالف لقواعد الادب وبعيد عن الافهام حتى لم يفهمه منه واحد من علماء الاسلام غير منظور للشارع ، وان ما استدل به على اثبات ذلك العموم من عدم ذكر المحرم عليه وعموم كلمة « ما » لا يثبته ، بل يفيد أن يكون معناه يحرم على كل أحد من الرضاع ما يحرم من النسب.

وهذا كما ترى دليل الخصوص ، كما أشار اليه شيخ الطائفة بقوله ان التحريم متعلق بالمرتضع وحده ومن كان من نسله دون من كان من طبقته لا قرينة العموم ، كما ظنه عفى الله عنه ، كان تطويل الكلام بعد ذلك في هذا المقام كأنه مما لا طائل تحته كثيراً ، ولكني أشير اشارة اجمالية الى بعض افاداته وفتاويه ، منبهاً بعون الله تعالى على بعض ما عليه وما فيه ، لتطمئن به قلوب مقلديه ، فلعلهم يرجعون عما هم فيه.

فنقول : قال قدس‌سره في الرسالة متصلا بما نقلناه عنه في أوائل الكتاب ، وهو قوله : وحكم الاخوين رضاعاً كحكم الاخوين أباً وأماً.

فان قلت : أي مانع من أن يجعل المعيار وآلة الملاحظة المرتضع وحده ، فيعبر حينئذ عن التفسير هكذا ، فكما أن من الولادة تحصل علاقة القرابة والنسب ،

١٨٧

فيصير الولد ابناً والوالدان أباً وأماً ، وهكذا في سائر الاقارب وينتشر التحريم ، فكذلك اذا ارتضع ولد من اللبن تحصل مثل تلك العلاقة ، ويترتب عليها ما يترتب عليها ، كما قال الشهيد الثاني : ان الضابط تنزيل الولد من الرضاعة منزلة الولد من النسب ، وأمه بمنزلة الام ، وأبيه بمنزلة الاب الى آخر المحرمات.

قلت : ان أردت بهذا محض بيان عدم لزوم ملاحظة الرضيعين ، بأن تدعي أن فرض المرتضع وحده كاف في اثبات نشر الحرمة على الاطلاق الشامل للطرفين ، بأن يقال بعد تحقق علاقة الرضاع وصيرورة المرضعة اما للمرتضع والفحل أباً وهو ابناً يتحقق النسبي أيضاً ، فيحرم على المرتضع كل من هو حرام على ولديهما المولودي النسبي ويحرم عليهما كل من هو حرام على والديه النسبي ، وكذا باقي الاقارب على ما هو مفاد العموم.

فلا يخفى اذاً أن مرجعه الى ما ذكرناه ، وليس بينهما بون بعيد ، الا أن المطلب يكون بهذا التقرير أخفى اثباتاً وتصديقاً ، وأقرب الى تطرق الشبهة والجدال ، بخلاف تقريرنا فان فيه فوائد متعددة لا تخفى وسنشير الى كثير.

وان أردت به بيان ما هو المشهور بين متأخرينا وكل الجمهور من اختصاص التحريم بالمرتضع ونسله وعدم النشر الى سائر أقاربه ، أي : يحرم عليه وعلى نسله فقط المرضعة وفحلها وأقاربهما الذين كانوا حرموا عليه وعلى نسله لو فرض ولادته منهما ، استناداً الى ما اعتمدوا عليه وجعلوه أصلا رتبوا عليه الاحكام ، كما سنبين من أن الرضاع الذي هو علة التحريم حاصل من تربية المرتضع وحده بلبنهما المخلوق من مائهما ، فلا مدخل للغير هاهنا ، فالمانع حينئذ أشياء :

الاول : أن فيه تخصيصاً للعموم الذي هو مفاد الخبر بدون مخصص يوثق به شرعاً مع وجود مقويات للعموم ، اذ التعليلات العقلية الظنية لا مدخل لها في الشرع على ما هو الحق ، والروايات ترشد الى العموم ، كما سيظهر على أن تلك التعليلات

١٨٨

مع كونها من ملايمات مصطلحات العامة ومستنداتهم مدخولة ، كما سنذكر فانتظر.

أقول : قد سبق أن هذا الخبر لا عموم له حتى يكون ما ذكروه تخصيصاً لعمومه ، بل ليس مفاده الا أن التحريم الرضاعي متعلق بالمرتضع وحده ، وقد سبق أيضاً في موثقة يونس بن يعقوب أن بعد تحقق علاقة الرضاعة وصيرورة المرضعة أما للمرتضع والفحل أباً وهو ابناً لا يتحقق التحريم النسبي.

فلا يحرم على المرتضع كل من هو حرام على ولديهما المولودي النسبي ، فان ابنة أخ الاخ المولودي النسبي محرمة على ذلك الاخ ، وموثقة يونس صريحة في أن ابنة أخ الاخ الرضاعي غير محرمة على ذلك الاخ وهو المرتضع ، فان ابنة أخ الصبي من أبيه وأمه كانت ابنة أخ الاخ الرضاعي ليونس ، ومع ذلك قد نفى الامام عليه‌السلام البأس من تزويج يونس وهو المرتضع لها.

ومنه يظهر أن الرضاع لا ينشر الحرمة على الاطلاق الشامل للطرفين ، فليس بلازم أن يكون كل من كان حراماً على والدي المرتضع النسبي يكون حراماً على والديه الرضاعي ، أي : المرضعة والفحل. وأما أن الروايات ترشد الى العموم فلا كذلك ، بل بعضها كرواية يونس صريح في عدم العموم.

نعم أنه زعم أن في أخبار المنزلة الواردة في أب المرتضع دلالة على أن عموم الخبر منظور للشارع وليس كذلك.

أما أولا : فلانه لا عموم له فكيف يكون منظوراً له ، ونعم ما قيل : ثبت العرش ثم انقش.

وأما ثانياً : فلان رواية يونس صريحة في أن عمومه على تقدير تسليم عمومه غير منظور للشارع ، كما سبق آنفاً مجملا وسالفاً مفصلا.

وأما ما نقله عنهم وسماه بالتعليلات العقلية ، فليس هو بمخصص عندهم لهذا الخبر ، ولا كلامهم مبني عليه بل هو نكتة ولم ذكروه لتحريم ما حرم على المرتضع

١٨٩

وحده دون سائر أقربائه.

على أنا نقول : عموم هذا الخبر على تقدير ثبوته كما يمكن أن يكون مخصصاً لعموم الايات على ما سيأتي ، كذلك عموم هذه الايات مع خصوص بعض الروايات وأصالة الحلية والبراءة والاباحة واستصحاب الحل السابق وغيرهما مما سبق يمكن أن يكون مخصصة لعمومه بما ذكر ، بل هذا أولى كما لا يخفى.

وعلى تقدير التقابل والتكافؤ يلزم منه التساقط ، فينتفي التحريم قطعاً لانتفاء سببه ، ويلزم من انتفائه ثبوت الاباحة ، اذ لا يعقل ارتفاع النقيضين ، وسيأتيك في ذلك كلام أوضح فانتظره.

قال قدس‌سره متصلا بما سبق نقله : الثاني أنه خلاف ما ادعي عليه الاجماع اذ الشيخ رحمه‌الله في كتابيه النهاية والخلاف حيث ذكر نشر الحرمة من طرف المرتضع ، فبين تحريم الفحل وأولاده على اخوة المرتضع وأخواته ، قال : من دلائلنا اجماع الفرقة.

ويؤيده كلام العلامة في التذكرة حيث قال بعد نقله مذهب المخالفين على ما سيجي‌ء : وقال علماؤنا : ان جميع أولاد المرضعة وجميع أولاد الفحل يحرمون على المرتضع وعلى أبيه وجميع اخوته وأخواته ، وانهم صاروا بمنزلة الاخوة والاخوات ، وخالف جميع العامة في ذلك انتهى.

ومن الغرائب أن الشيخ علي رحمه‌الله ادعى الاجماع على التحليل في بعض المواضع استناداً الى سكوت الاكثر عن ذكره أو بيان تحريمه في كتبهم ، ولم ينقل مثل هذا الاجماع المؤيد بالاخبار وغيرها.

أقول : ان الاجماع مطلقا وخصوصاً ما يدعيه الشيخ في كتاب الخلاف مما لا عبرة به أصلا.

قال زين المحققين في بعض رسائله بعد كلام طويل : وأما ما اتفق لكثير من

١٩٠

الاصحاب خصوصاً للمرتضى في الانتصار وللشيخ في الخلاف ، مع أنهما اماما الطائفة ومقتدياها في دعوى الاجماع على مسائل كثيرة مع اختصاصهما بذلك القول من بين الاصحاب أو شذوذ الموافق لهما ، فهو كثير لا يقتضي الحال ذكره ، ومن أعجبه دعوى المرتضى في الكتاب المذكور اجماع الامامية وجعله حجة على المخالفين على وجوب التكبيرات الخمس في كل ركعة للركوع والسجود والقيام منهما ، ووجوب رفع اليدين لها.

الى أن قال : وفي دعوى الشيخ في كتبه ما هو أعجب من ذلك وأكثر لا يقتضي الحال ذكره ، وساق الكلام الى أن قال : وفي هذا القدر كفاية ، فاذا أضفت هذا الى ما قررناه سابقاً ، كفاك في الدلالة على حال هذا الاجماع ونقله بخبر الواحد.

أقول : وكفاك في عدم العبرة بمثل هذا الاجماع دعوى الشيخ علي رحمه‌الله الاجماع على التحليل ، مع أنه مسبوق بدعوى الشيخ رحمه‌الله الاجماع على التحريم ، وقد خالف نفسه في ذلك في كتابه المبسوط ، ولذلك لم ينقل الشيخ علي مثل هذا الاجماع ، لانه مع عدم العبرة به لا يؤيده شي‌ء من الاخبار والاجماع لا بد له من مستند نقلي.

وأما ما أفاده الفاضل العلامة في التذكرة ، فهو مبني على تعديته قدس‌سره كالشيخ أخبار المنزلة الواردة في أب المرتضع منه الى أولاده الذين لم يرتضعوا من هذا اللبن. ومثله كلام ابن حمزة في كتاب الوسيلة (١) على ما نقله في الرسالة ، فانه أيضاً مبني على تلك التعدية ، ولا اشعار فيه ولا في كلام الشيخ في كتابيه بفهم المتقدمين العموم من الخبر كما ظنه.

كيف؟ وكلامه في النهاية بعد كلامه المنقول عنه آنفاً صريح في نقيض ذلك

__________________

(١) الوسيلة ص ٣٠٢.

١٩١

حيث قال : فاذا أرضعت المرأة صبيين ، ولكل واحد منهما اخوة وأخوات ولادة ورضاعاً من غير الرجل الذي رضعا من لبنه ، جاز التناكح بين اخوة وأخوات هذا واخوة وأخوات ذاك ، ولا يجوز التناكح بينهما أنفسهما (١).

فانه صريح في أن هذا الخبر ليس محمولا على العموم الذي هو منظور صاحب الرسالة ، والا لما جاز التناكح بين اخوة واخوات هذا واخوة وأخوات ذاك ، كما هو واضح ، وقد مرت اليه الاشارة.

قال قدس‌سره متصلا بما سبق : الثالث أنه خلاف أقوال أكثر أصحابنا المتقدمين وظواهر أرباب النصوص ، فان الكليني في الكافي والصدوق في الفقيه رويا ما يدل على النشر من المرتضع من غير ذكر معارض ، مع أن كلا منهما شهد في أول كتابه بأن ما يرويه فيه هو الحجة التي عليها العمل وبها يؤدى فرض الله عزوجل ، وكذلك الشيخ في كتابي الاخبار نقل الروايات المتضمنة للنشر من غير تعرض لتأويلها ، وهو دليل اعتماده عليها ، كما نقل أنه صرح بذلك في كتاب العدة. هذا.

أقول : ليس في الايات والروايات الواردة في باب الرضاع فيما علمناه ما يدل صريحاً على تحريم الزائد على الفحل والمرضعة وأقربائهما على المرتضع وأبيه وتحريمه عليهما وعلى أقربائهما ، والمحمدون الثلاثة رحمهم‌الله وان رووا في كتبهم أخباراً متعلقة بأحكام الرضاع ، الا أنه ليس فيها ما يدل بعمومه على ما قصده صاحب الرسالة ، بل فيها كما عرفت ما يدل على خلاف مقصوده ، مثل ما رواه الشيخ في التهذيب عن يونس بن يعقوب (٢) وقد سبق.

فقوله من غير ذكر معارض ، وقوله من غير تعرض لتأويلها ، وهو دليل اعتماده

__________________

(١) النهاية ص ٤٦٢.

(٢) تهذيب الاحكام ٧ / ٣٢٣ ، ح ٤١.

١٩٢

عليها كما ترى ، فان خبر يونس معارض لما يدل على النشر من المرتضع على الوجه الذي قصده ، وعدم تأويل الشيخ كما اعترف به يدل على اعتماده بمضمون هذا الخبر ، فلا يمكنه أن يقول بمضمون ما دل على النشر على زعمه على النحو الذي زعمه.

وقد سبق أن كلامه في النهاية صريح فيما ينافي النشر وعموم الخبر الذي هو منظور صاحب الرسالة ، وان الاجماع الذي ادعاه في هذا المقام مما لا يعتمد عليه وان كلام العلامة في التذكرة ، وقول ابن حمزة في الوسيلة وغيرهما مما لا دلالة فيه على أن المتقدمين فهموا العموم من الخبر.

وبالجملة فبما أسلفناه يظهر لك حال ما أفاده متصلا بما نقلناه عنه آنفاً بقوله مع أنه صرح بالنشر في كتابيه النهاية والخلاف ، كما مرت الاشارة اليه آنفاً ، وسيجي‌ء في موضعه مفصلا. ثم استدل عليه بعد ادعاء الاجماع بعموم ما نحن فيه من الخبر وبسائر الاخبار الاتية وبالاحتياط.

هذا وقد نقل عنه العلامة رحمه‌الله أنه قال بمثل فتوى كتابيه في كتاب الاقتصاد أيضاً ، وكذلك ابن حمزة في كتاب الوسيلة (١) صرح مفصلا بتحريم أقربائه رضاعاً. ولقد كفى في اثبات كونه مذهب أكثر المتقدمين ادعاء الشيخ اجماعهم ، وقول العلامة انه من مذهب علمائنا مع عدم ظهور مخالف منهم ، بل الخلاف انما ظهر ممن تأخر عنهم ، عملا بالاصول والقواعد المشتهرة عندهم المتداولة عند العامة أيضاً ، فتأمل.

ولا يذهب عليك تأييد هذا لصحة الاجماع الذي ادعاه الشيخ واشعاره بفهم المتقدمين العموم من الخبر ، بل كلام الشيخ في النهاية والخلاف صريح فيه كما تبين آنفاً.

__________________

(١) الوسيلة ص ٣٠٢.

١٩٣

أقول : انه قال آنفاً ان الشيخ صرح بالنشر وعموم الخبر في كتابيه النهاية والخلاف ، ووعد أنه سيجي‌ء ، وهنا يقول ان كلام الشيخ في الخلاف والنهاية صريح فيه ، أي : في العموم كما تبين آنفاً ، وقد عرفت أن بناء كلام الشيخ وكل من قال بالنشر على تعدية أخبار المنزلة لا على فهمهم العموم من الخبر ، كما صرح به جماعة من أصحابنا.

منهم حسام الدين الطريحي النجفي رحمه‌الله في رسالة له في الرضاع ، حيث قال بعد ايراد مسألة هل يحل لاولاد أب المرتضع الذين لم يرتضعوا من هذا اللبن أن ينكحوا في أولاد المرضعة ولادة وفي أولاد فحلها ولادة ورضاعاً أم لا يحل؟ قولان فالشيخ في الخلاف والنهاية لا ، وابن ادريس والمحقق وجمع من الاصحاب نعم وتوقف العلامة في المختلف.

وهذه المسألة متفرعة على مسألة تحريم نكاح أب المرتضع في أولاد المرضعة فان قلنا ان أولاد المرضعة لا يحرمون على أب المرتضع ، فكذا لا يحرمون على اخوته بطريق أولى.

وان قلنا بتحريمهم عليه ، كما هو الاقوى والمختار عند الاكثر لدلالة النص عليه ، ففي تحريمهم على اخوته الذين لم يرتضعوا من لبن ذلك الفحل القولان المذكوران.

احتج الشيخ على التحريم بأحاديث المنزلة ، ووجه الاحتجاج بها أنها ناطقة بتحريم أولاد المرضعة على أب المرتضع ، معللة بانهم قد صاروا بمنزلة أولاده وبناته في التحريم ، فيلزم من ذلك تحريمهم على أولاده لصيرورتهم اخوة لهم ، وذلك موجب لنشر الحرمة بينهم ، اذ العلة منصوصة فتتعدى.

وأجيب بأن تعديتها مشروطة بوجودها في المعدى اليه ، وهاهنا ليس كذلك لان كونهن بمنزلة اخوة ولد الاب ليس موجوداً في محل النزاع كما لا يخفى ،

١٩٤

ومع عدم وجودها فيه يكون الحكم بالتحريم فيه قياساً محضاً لا نقول به.

وكذا الكلام في أولاد أب المرتضع بالنسبة الى أولاد الفحل أيضاً من غير فرق ، فانه لا يحرم نكاحهم فيهم ، لان اخوة الاخ من الرضاع اذا لم يكونوا اخوة لاخوته من النسب لا يحرمون عليهم (١) ، كالاخ من الاب اذا كان لاخيه اخت من الام ، فانها لا تحرم عليه قطعاً لانتفاء القرابة بينهما كما لا يخفى.

ومن هنا قال ابن ادريس : قول شيخنا في ذلك غير واضح ، وأي تحريم حصل بين أخت هذا المولود المرتضع وبين أولاد الفحل ، وليست هي اختهم لا من امهم ولا أبيهم ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جعل النسب أصلا للرضاع في التحريم ، فقال : يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، وفي النسب لا يحرم على الانسان أخت أخيه التي ليست من امه ولا من أبيه انتهى.

وهذا القول لا بأس فيه ، لان النظر والاعتبار يقتضيه فيكون العمل عليه ، وهو الذي ذهب اليه الشيخ في المبسوط (٢) محتجاً بما أصله من أن التحريم متعلق بالمرتضع وحده ومن كان من نسله دون من كان من طبقته ، لانه لا نسب بينه وبين اخت أخيه ولا رضاع كما هو واضح ، وتوقف العلامة في المختلف ليس في محله مع اختياره لقول ابن ادريس في سائر كتبه ، والله أعلم بأحكامه ـ الى هذا كلام الطريحي قدس‌سره.

أقول : لو كان مفاد الخبر ما استفاده منه ونسبه الى الشيخ وابن حمزة وجمع المتقدمين ، فأية حاجة لهم في اثبات النشر والتحريم من الطرفين الى الاحتجاج بأحاديث المنزلة حتى يجابوا بأنه قياس محض ويقول ابن ادريس في الرد عليهم وأي تحريم حصل بين اخت هذا المولود والمرتضع وبين أولاد الفحل.

__________________

(١) أي : على اخوته من النسب.

(٢) المبسوط ٥ / ٢٩٣.

١٩٥

فلو كان الشيخ ومن سبقه أو لحقه فهموا العموم من الخبر وكانوا قائلين به ، لكان لهم أن يقولوا في جوابه انها اختهم من امهم وأبيهم ، فان علاقة الرضاعة كعلاقة القرابة ، وكيف يصح القول بأن الشيخ كان قائلا بعمومه على الوجه الذي قال به صاحب الرسالة؟ مع قوله بأن التحريم متعلق بالمرتضع وحده ، وتصريحه في النهاية بما ينافي عمومه على هذا الوجه واستدلاله على التحريم والنشر بأحاديث المنزلة وروايته في التهذيب رواية تنافي عمومه المذكور من غير تأويل ، وقد قال صاحب الرسالة : انه دليل اعتماده عليها ، الى غير ذلك من التصريحات والتلويحات الدالة على عدم قوله بعمومه على هذا الوجه.

وبالجملة ما وجدنا لهذا العموم الذي ادعاه عيناً ولا أثراً في كلام أحد من المتقدمين والمتأخرين بل وفي كلامهم ما يشعر بخلافه كما نبهناك عليه ، وكفاك في هذا شاهداً ورود هذا الخبر الموثق الصريح في خلافه ، ومثله كلام الشيخ في النهاية ، كما مرت اليه الاشارة.

أقول : ومما قررناه ونقلناه آنفاً وسالفاً يظهر لك حال ما أفاده في الرسالة بقوله الرابع أنه مخالف للاخبار التي تنبئ وتبتني على ابقاء الخبر المتقدم على عمومه من غير معارض شرعي.

كصحيحة علي بن مهزيار قال : سأل عيسى بن جعفر بن عيسى أبا جعفر الثاني عليه‌السلام عن امرأة أرضعت لي صبياً ، فهل بحل لي أن أنزوج بنت زوجها؟ فقال لي : ما أجود ما سألت ، من هنا يؤتى أن يقول الناس حرمت عليه امرأته من قبل لبن الفحل هذا هو لبن الفحل لا غيره ، فقلت له : ان الجارية ليست بنت المرأة التي أرضعت هي بنت غيرها ، فقال عليه‌السلام : لو كن عشراً متفرقات ما حل لك منهن شي‌ء هن بمنزلة بناتك (١).

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٧ / ٣٢٠ ، ح ٢٨.

١٩٦

وكصحيحة أيوب بن نوح قال : كتب علي بن شعيب الى أبي الحسن عليه‌السلام امرأة أرضعت بعض ولدي هل يجوز أن أتزوج بعض ولدها؟ فكتب : لا يجوز ذلك ، لان ولدها قد صار بمنزلة ولدك (١).

وكصحيحة عبد الله بن جعفر الحميري أنه كتب الى أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام امرأة أرضعت ولد الرجل أيحل لذلك الرجل أن يتزوج ابنة هذه المرضعة أم لا؟ فوقع عليه‌السلام : لا يحل ذلك له (٢).

فهذه الاخبار الصحيحة التي رواها الكليني والشيخ وروى الصدوق الاخيرة منها ناطقة بنشر التحريم من طرف المرتضع ، وبأنه كما أن المرتضع بصير بالرضاع بمنزلة الولد المولودي للمرضعة والفحل كذلك يصير رضيعه أيضاً بمنزلة الولد المولودي لوالدي المرتضع.

بل ناطقة بأن باقي اخوة الرضيع كذلك تبعاً للرضيع ، ففيها دلالة على أن عموم الخبر منظور للشارع ، وانه كما يحرم لتحريم الفحل والمرضعة على المرتضع أولادهما وباقي أقربائهما المحرمة على ولدهما النسبي ، كذلك يحرم لتحريم والدي المرتضع على رضيع المرتضع أولادهما وباقي أقربائهما المحرمة على المرتضع بلا تفاوت ، بناءاً على عموم الخبر المؤيد بهذه الاخبار وغيرها مما تقدم وما سيجي‌ء من غير وجود معارض من الاخبار.

أقول : لا يلزم من ثبوت التحريم في هذا الفرد المعين مع خروجه عن حكم الاصل وظاهر القواعد المقررة لورود النص عليه بخصوصه تعدية الحكم الى ما أشبهه ، فانه قياس لا نقول به.

وبالجملة قد تقرر بما تكرر أن هذه الاخبار وردت مخالفة لاصالة الحل

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٧ / ٣٢١ ، ح ٣٢.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٣ / ٤٧٦ ، ح ٤٦٦٩.

١٩٧

والاباحة والبراءة واستصحاب الحل السابق ، فوجب اقتصارها على محل ورودها فان تعديتها منه الى غيره قياس غير مسوغ.

واليه يشير قول من قال : أحاديث المنزلة تقتصر على موضع النص لا يتجاوز بها الى غيره ، لان ذلك عين القياس المتفق على بطلانه عند الطائفة المحقة. وعليه فلا تأييد فيها لعموم الخبر لو سلم له ذلك ، كيف وله كما عرفت معارض من الاخبار ، فليست فيها دلالة على أن عموم الخبر منظور للشارع ، وقد سبق فيه ما هو مغني اللبيب.

ثم قال قدس‌سره في الرسالة : اعلم ان قوماً في هذا المقام قالوا : ان الاستدلال بالتحريم المتضمن له هذه الاخبار على نشر الحرمة من المرتضع ونسله ووالده الى سائر محارمه وتحريمهم على رضيع المرتضع وأقربائه ، كما في المرتضع بالنسبة الى أقربائه الرضاعية قياس ، وان العلة التي فيها من صيرورة بنات المرضعة والفحل بمنزلة بنات والد المرتضع وان كانت منصوصة الا أن تعديتها مشروطة بوجودها في المعدى اليه ، وهي ليست موجودة في المواضع المتنازع فيها.

والحق أنه ناش من قلة تدبرهم وعدم تفكرهم في دلالة الاخبار وملاحظة بعضها مع بعض ، بناءاً على رسوخ تلك المقدمات الاجتهادية الاعتبارية في أذهانهم ، وإلا فقد ظهر أن مناط هذا الاستدلال ليس الا على العموم المستفاد من الخبر المستفيض المؤيد بهذه الاخبار وغيرها مما ذكر ومما سيذكر.

بأن يقال : كما أنكم تقولون بتحريم محارم رضيع المرتضع على المرتضع لصيرورته بمنزلة أخيه الحقيقي وولد والديه ، أي : الفحل والمرضعة بناءاً على دلالة الخبر المستفيض ، فلتقولوا بناءاً على عموم ذلك الخبر أيضاً بتحريم محارم المرتضع أيضاً على رضيعه ، بل على سائر اخوته الابوية والامية أيضاً ،

١٩٨

لصيرورتهم أيضاً اخوة للمرتضع وأبناء لوالديه ، كما هو يصرح به في تلك الاخبار.

بل ينبغي أن تقولوا في نسبه سائر الاقرباء بعضهم مع بعض بذلك أيضاً بناءاً على العموم وثبوت القرابة من الطرفين ، كما لا يخفى بعد التأمل الصادق.

والفرق بين المرتضع والرضيع بما ذكرتم من الوجوه العقلية غير مسموع في مقابل الاخبار ، سيما مع تأييدها بالمؤبدات القوية فافهم.

أقول : وأنت بعد احاطتك بما أسلفناه في المواضع وخبرتك بحقيقة الحال لعلك لا نحتاج الى التنبيه على ما في هذا المقال ، ولكنا نشير الى نبذة مما فيه.

فنقول : هذا الخبر المستفيض لما كانت له دلالة على تحريم محارم رضيع المرتضع على المرتضع ، لان معناه أنه كلما يحرم بسبب النسب باحدى الوجوه السبعة المذكورة في الآية ، فانه يحرم بالرضاع اذا وجد ذلك النسب بعينه فيه ، مثل الام الرضاعية والاخت الرضاعية والعمة الرضاعية وهكذا قلنا بتحريمهن عليه ولما لم تكن له دلالة على تحريم محارم المرتضع على رضيعه فضلا عن سائر اخوته الابوية والامية ، اذ لا رضاع هنا ، والاصل في كل شي‌ء كما تقرر بما تكرر الحلية والاباحة لم نقل بتحريمهم عليه.

ثم لما وردت أخبار على خلاف الاصل دلت على تحريم أولاد المرضعة والفحل على أب المرتضع ، معللة بأنهم قد صاروا بمنزلة أولاده وبناته في التحريم ولم تكن تلك العلة ـ وهي صيرورتهم بمنزلة اخوة أولاد أب المرتضع الذين لم يرتضعوا من هذا اللبن ـ موجودة هنا ، ومع عدم وجودها فيه كان الحكم بالتحريم فيه مع كونه مخالفاً لاصالة الحلية والاباحة والبراءة واستصحاب الحل السابق وعموم بعض الايات والروايات قياساً محضاً ، قلنا بالتحريم هناك واقتصرنا عليه ، كما مر لما مر ، ولم نقل به هنا لما سبق.

١٩٩

وأما أن هنا أخباراً متأيدة بالمؤبدات القوية منافية لما ذكرناه ، فمجرد دعوى غير مسموع في مقابل ما حررناه فافهم.

ثم لما كان مناط هذا الاستدلال على العموم المستفاد من الخبر على زعمه وقد مضى أن لا عموم له بهذا الوجه ، سقط ما نيط عليه.

وعلى تقدير ثبوت العموم ، فهو معارض بعموم الايات المؤيد بخصوص بعض الروايات والاصالات ، كأصالة الحلية والاباحة والبراءة ونحوها ، وقد تقرر بما تكرر أن بعد التعارض والتساقط ينتفي التحريم ، وبانتفائه تثبت الاباحة ، ضرورة امتناع ارتفاع النقيضين.

فللخصم أن يقول والحق أن ما ذكره ناش من قلة تدبره وعدم تفكره في دلالة الايات والروايات وملاحظة بعضها مع بعض ، بناءاً على رسوخ تلك المقدمة ـ وهي عموم الخبر ـ في ذهنه ، والا فقد ظهر مما حررناه أن لا عموم له فضلا عن أن يكون مؤيداً بهذه الاخبار وغيرها ، وهذا ما قيل : كما تدين تدان.

فلما أصبح (١) الشر فأمسى وهو عريان

فلم يبق سوى العدوان دناهم كما دانوا

ومن أقواله في هذه الرسالة قوله : ومن جملة أدلتهم المعتمدة أيضاً قوله تعالى ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (٢) وقوله تعالى بعدد تعدد المحرمات من النساء ( وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ ) (٣) وقوله تعالى ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ ) (٤) الاية ، حيث دلت كلمة « ما » وكذا الجمع المحلى باللام وكذا سياق الكلام على العموم.

وجوابه في غاية الظهور ، اذ ارتكاب التخصيص فيها لازم من جهات شتى بالاجماع ، وأقل ما في الباب ما تضمنه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله المسلم الثابت المتفق عليه

__________________

(١) في الاصل : صرح.

(٢) سورة النساء : ٣.

(٣) سورة النساء : ٢٤.

(٤) سورة النور : ٣٢.

٢٠٠