الرسائل الفقهيّة - ج ١

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي

الرسائل الفقهيّة - ج ١

المؤلف:

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢
الجزء ١ الجزء ٢

فصل

[ تأييد القول بالتوالي بين العمرتين ]

فان قلت : لعل معنى « لكل شهر عمرة » أن المعتمر إذا فرغ من عمرته ومر عليه شهر عددي أو هلالي ، فله أن يعتمر بعمرة أخرى ، فزمان تلك العمرة لا بد وأن يكون خارجاً عن ذلك الشهر ، لانه قبل تمامه لا يكون شهراً حتى يكون له أي : لأجله عمرة ، والمستفاد من قوله « لكل شهر عمرة » هذا ، كما أن المستفاد من قوله « لكل عشرة أيام عمرة » مثل ذلك.

يعني : انه إذا فرغ من عمرته ومرت عليه عشرة أيام ، فله أن يعتمر بعمرة أخرى ، فزمان تلك العمرة أيضاً لا بد وأن يكون خارجاً عن تلك الأيام ، لأن العشرة قبل تمامها ليست بعشرة لتكون لها عمرة.

والظاهر أن مراد من قال بأن الفصل بين العمرتين لا بد وأن يكون بشهر أو عشرة أيام ، واستدل عليه بهذه الاخبار هذا ، فلا يرد عليه أن المفهوم منها تأكد إيقاع العمرة في كل شهر ، وذلك يتحقق بأن يأتي المعتمر في آخر شهر بعمرة ويتبعها بأخرى في أول شهر يليه من غير أن يكون بينهما فصل ، فضلا عن أن يكون بينهما شهر.

ويدل عليه ما ورد في بعض الاخبار من لفظة « في » حيث قال : في كل شهر عمرة (١) فإنه يفيد أن تلك العمرة إذا وقعت في طرف الشهر في أي جزء من أجزائه لا على التعيين ، بأن تقع في العشر الأول والأخر أو الوسط في أول كل منه أو آخره أو وسطه كانت مجزية ، إذ الظاهر أنه جعل كلمة « في » تعليلية ، بقرينة ما في خبر

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٥ / ٤٣٤ ، ح ١٥٣.

١٤١

آخر من الامام.

قلت : هذا غاية توجيه كلامهم ، وهو بعد محل نظر وتأمل كما مر لما مر ، وكيف يصح هذا التوجيه مع قوله عليه‌السلام « السنة اثنا عشر شهراً يعتمر لكل شهر عمرة » فإنه ينافيه كما سبق.

وبالجملة دليلهم على وجوب الفصل أو استحبابه بشهر أو عشرة أيام مما لا ينتهض حجة عليه ، فيبقى القول بالتوالي ودليله سالماً عن المعارض ، وهو المطلوب.

فصل

[ مبدأ الشهر الفاصل بين العمرتين ]

ومن غريب ما بلغني بواسطة عادلة عن بعض المعاصرين ، وهو سيدنا الفاضل السيد رضي الدين القاطن بمكة شرفها الله ، أنه لما نبه أو تنبه لان روايات الشهر لا تقوم حجة لمقصود من تمسك بها ، وكان هو دام فضله منهم على ما نقل عنه جماعة ورام ترميمه وتتميمه جعل مبدأ الشهر الفاصل بين العمرتين أول زمان الشروع في العمرة.

وهذا منه زيد قدره عجيب ، لان كلام الأصحاب على ما نقلنا عنهم في غير موضع من الكتاب صريح في أن محل الخلاف انما هو الزمان الواقع بين العمرتين.

ألا ترى قول الفاضل العلامة : ويستحب تكرار العمرة ، واختلف في الزمان بين العمرتين. ومثله قول الشيخ زين الدين : قد اختلفت الاخبار وأقوال الأصحاب في أقل ما يجب أن يكون بين العمرتين.

والعمرة قبل تمامها لا تكون عمرة حتى يكون لها بين بالإضافة إلى غيرها ،

١٤٢

فيظهر منه أن زمان تلك العمرة بأسرها لا بد وأن يكون خارجاً عن ذلك الزمان المتخلل بين العمرتين ، فكيف يجعل منه؟ ويصح به هذا القول (١) ، وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر.

أقول : وفي كلام الأصحاب هنا نوع من الاضطراب ، لان بعض كلماتهم صريح في أن محل الخلاف انما هو الزمان الواقع بين العمرتين ، كما سبق والظاهر من قول صاحب المدارك : ويمكن المناقشة في هذه الروايات بعدم الصراحة في المنع من تكرار العمرة في الشهر الواحد الى قوله : ولا يلزم من ذلك عدم مشروعية تكرارها في الشهر الواحد ، أن محل الخلاف هو هذا ، وهما غير متحدين ولا متلازمين ، فان عدم مشروعية تكرارها في الشهر الواحد لا يستلزم أن يكون الفصل بين العمرتين بشهر ، فتأمل.

والحق أن شيئاً من تلك الاخبار لا يدل على أن الفصل بينهما يجب أو يستحب أن يكون بشهر ، فجعل هذا محل الخلاف كأنه مما لا ينبغي.

نعم يمكن أن يذهب منها الوهم الى عدم جواز تكرار العمرة في الشهر الواحد ، ولكنك قد عرفت أنها غير صريحة فيه ، فإذا دل خبر آخر بعمومه على جواز تكرارها فيه بل وعلى جواز الاتباع بين العمرتين وتواليهما ، فالأخذ به ما لم يعارضه ما هو أقوى منه أولى ، إذ فيه جمع بين الاخبار ، وهو مهما أمكن أولى من اطراح بعضها ، أو تخصيصه من غير مخصص يعتد به.

وأما رواية العشرة ، فقد عرفت أنها ضعيفة السند ، فلا يثبت بها حكم ، فصح

__________________

(١) حاصله أن القول بعدم جواز تكرارها في الشهر الواحد ليس عين القول بوجوب الفصل بين العمرتين بشهر ولا بمستلزم له ، فان عدم جواز تكرارها مثلا في رجب وشعبان لا يستلزم أن يكون الفصل بين عمرتيهما بشهر ، لجواز أن يأتي بها في آخر الأول ويتبعها بأخرى في أول الأخر « منه ».

١٤٣

وثبت قول من قال : لا حد للمدة بين العمرتين ، فيجوز الاتباع بينهما مطلقا للإطلاق والعموم.

فصل

[ تحقيق حول كلام صاحب مجمع الفائدة ]

قال الفاضل الأردبيلي قدس الله روحه في شرحه على الإرشاد بعد نقل قول المصنف « ويستحب المفردة في كل شهر وأقله عشرة أيام » : اشترط بعض في جواز العمرة ثانية مضي الشهر من العمرة الاولى ، وبعض السنة ، وبعض عشرة أيام. وقال بعض : لا حد له فيجوز العمرة في كل زمان ما لم يمنعه مانع ، مثل أن يزاحم واجباً ، فهو من جهة المزاحمة لا من جهة عدم صلاحية الزمان ، وأن يحرم بعد إحرام [ العمرة ] (١) التمتع قبل خروج الشهر وغير ذلك ، فتأمل.

أقول : والحاصل أن الأصل عدم التحديد والتقدير ، فيجوز الإتيان بعمرة بعد التحلل من الاولى من غير فصل بينهما الا ما أخرجه الدليل ، فما أخرجه فهو خارج ويبقى الباقي تحت هذا الأصل.

ثم قال رحمه‌الله : وأما أدلة المذاهب ، فلعل دليل الأخير هو عموم الأخبار الواردة في الترغيب بالعمرة ، مثل ما في صحيحة ابن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : المعتمر يعتمر في أي شهور السنة شاء ، وهي أعم من مرة بعد أخرى فلا فصل وغيره.

أقول : وذلك لانه عليه‌السلام أطلق جواز الاعتمار في تلك الشهور ، ولم يقيده بمرة أو مرتين وغيرهما ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما حيث

__________________

(١) الزيادة من المصدر

١٤٤

لم يفصل ، واليه أشار بقوله وغيره « فيعم مرة بعد أخرى » لأن ترك الاستفصال دليل عموم المقال ، واليه يشير قول صاحب المدارك فيما نقلناه عنه ، وذهب السيد المرتضى وابن إدريس والمحقق وجماعة إلى جواز الاتباع بين العمرتين مطلقاً ، لإطلاق الأمر بالاعتمار.

وبالجملة يستفاد منه ان كل شهر من شهور السنة صالح للاعتمار فيه ، فمن أراد الاعتمار وهو معنى قوله « المعتمر يعتمر فيه مرة أو مرتين أو أكثر » كما يفيده عموم الخبر ، فتخصيصه بمرة يحتاج الى مخصص يعتد به ، وليس كما عرفت وستعرف أيضاً.

ثم قال قدس‌سره متصلا بما سبق : وانها مشروعة فلا اختصاص لها بوقت دون آخر ، وكأن القائل به منحصر في من لم يعمل بالخبر الواحد ، كالسيد قدس الله سره ، وإلا خصص بالوقت للاخبار ، كما ستطلع.

أقول : قد عرفت ان هذه الاخبار غير صريحة في اختصاصها بالوقت ، فان من الجائز كما سبق أن يكون الوجه في تخصيص الشهر تأكد استحباب إيقاعها في كل شهر لا اختصاصها بشهر شهر.

وأما أخبار السنة وعشرة أيام ، فالأولى مأولة تخلصاً عن التناقض بين الاخبار والثانية ضعيفة السند فلا يعتد بها. وعلى هذا فلا وجه للقول بانحصار قائله في من لم يعمل بخبر الواحد ، بل هو صالح لان يكون دليلا لغيره أيضاً ، ممن عمل به وقال بجواز الاتباع بين العمرتين ، فتأمل.

والحاصل ان العمرة من العبادات المشروعة المرغبة الغير الموقتة بوقت دون آخر ، لعدم دليل على توقيتها يعتد به ، والأصل أيضاً عدمه فيجوز الإتيان بها في كل وقت الا ما يمنع منه فيه مانع كان يفوت به واجب ، فحينئذ لا يجوز الإتيان بها لا من حيث أن ذلك الوقت غير صالح له بل من حيث أنه صار ظرفاً لذلك

١٤٥

الواجب ، فلولاه لكان صالحاً للإتيان بها.

ثم قال رحمه‌الله : ودليل اشتراط العشرة ما في رواية علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : ولكل شهر عمرة ، فقلت : يكون أقل؟ قال : لكل عشرة أيام عمرة. لكن سندها غير واضح الصحة لعلي بن أبي حمزة ، لأن الظاهر انه البطائني الواقفي الضعيف.

أقول : سند هذه الرواية بين مجهول وضعيف. أما الأول فلوجود إسماعيل ابن مرار فيه. وأما الثاني فلان ابن أبي حمزة لا شك أن المراد به في هذا السند هو البطائني الواقفي لعنه الله ، بقرينة رواية يونس بن عبد الرحمن عنه ، والبطائني ضعيف كذاب متهم ملعون ، ورد فيه ما ورد من الطعن واللعن.

روي عن يونس بن عبد الرحمن أنه قال : دخلت على الرضا عليه‌السلام فقال لي مات علي بن أبي حمزة؟ قلت : نعم ، قال : قد دخل النار ، قال : ففزعت من ذلك ، قال : أما أنه سئل عن الامام بعد موسى عليه‌السلام أبي ، فقال : اني لا أعرف اماماً بعده فقيل لا ، فضرب في قبره ضربة اشتعل قبره ناراً (١).

ثم قال قدس‌سره متصلا بما سبق : فيرد بغيرها من أدلة من لا يشترط ومن يشترط غيرها.

أقول : كما جاز رد دليل بدليل أقوى ، فليجز رد دليلين إذا تقاوما وتناقضا ، وقد عرفت أن روايات السنة تدل على عدم جواز العمرة في كل سنة إلا مرة ، وروايات الشهر تدل على استحبابها في كل شهر ، وهما صحيحتا السند ، فإذا تعارضتا تساقطتا ، فيبقى دليل القول بجواز الاتباع بين العمرتين سالماً.

فان قلت : لا تناقض بينهما لجواز حمل روايات السنة على عمرة يتمتع بها الى الحج.

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال ٢ / ٧٤٢.

١٤٦

قلت : كذلك قد حمل روايات الشهر على تأكد استحبابها في كل شهر ، وقد عرفت أنه لا يلزم منه عدم مشروعية تكرارها في الشهر الواحد.

ثم قال رحمه‌الله : ودليل اشتراط الشهر مثل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ونقلها ، وصحيحة يونس بن يعقوب ونقلها ، ثم قال : ولا يضر القول في يونس.

أقول : وذلك لان هذا القول وهو كونه فطحياً غير ثابت ، لان حمدويه ذكره عن بعض أصحابه وهو مجهول ، والظاهر ان أبا جعفر بن بابويه أخذه من هنا ، ومع ذلك فقد قيل : انه رجع عنه وكان من خاصة أصحاب الصادق والكاظم عليهما‌السلام ، وكان وكيلا له ، ومات بالمدينة أيام الرضا عليه‌السلام ، فتولى أمره وكفنه ودفنه بالبقيع.

وفي الخلاصة روى الكشي أحاديث حسنة تدل على صحة عقيدة هذا الرجل والذي أعتمد عليه قبول روايته (١).

ثم قال رحمه‌الله : وصحيحة إسحاق بن عمار في الفقيه ، ولا يضر القول في إسحاق.

قد عرفت أن هذا اشتباه نشأ من الفاضل وتبعه فيه غيره ، إذ لا قول في ابن حيان الصيرفي هذا ، انما القول في ابن موسى الساباطي ، كما فصله ملا عناية الله القهبائي في بعض حواشيه على كتابه المسمى بمجمع الرجال (٢) ، ولو لا مخافة الاطناب لنقلناه بعباراته في هذا الكتاب.

قال رحمه‌الله متصلا بما سبق : وما يدل على أن من يخرج من مكة بعد عمرة التمتع قبل الشهر لا يحرم وبعده يحرم.

__________________

(١) الخلاصة ص ١٨٥.

(٢) مجمع الرجال ١ / ١٨٨.

١٤٧

أقول : حكمهم بعدم حاجة من يخرج من مكة بعد عمرة التمتع إذا أراد الدخول قبل مضي الشهر إلى الإحرام ، واحتياجه اليه بعد مضيه لا يدل على عدم جواز الإحرام قبل مضي الشهر من العمرة الاولى في غير هذه الصورة المخصوصة المنصوصة إلا بطريق قياس غير مسوغ.

ومن الغريب أنه رحمه‌الله استثنى هذه الصورة في كلامه السابق عن محل النزاع وقال : انها خرجت لمانع لا لعدم صلاحية الزمان ، وهنا جعلها دليل اشتراط الشهر ، ولعله قدس‌سره ذهل عنه ، وكان وقتئذ نظره على ما ذكره الفاضل في المختلف في مقام الاستدلال على أنه لا يكون بين العمرتين أقل من شهر.

حيث قال : وأيضاً حكموا على الخارج من مكة بعد الاعتمار ، بأنه إذا دخل مكة في ذلك الشهر اجتزأ بعمرته ، ولو دخل في غيره وجب عليه عمرة أخرى ويتمتع بالأخيرة ، وذلك يدل على اعتبار الشهرين للعمرتين.

وفيه ما عرفته من أن دلالته عليه في غير هذه الصورة المخصوصة ممنوعة وفيها مسلمة ، ولكنه لا يجدي نفعاً لأنها مما أخرجه الدليل.

وأما قوله فيه أيضاً : ان أصحابنا نصوا على أن المفسد للعمرة يجب عليه الكفارة وقضاؤها في الشهر الداخل ، ولو كان كل وقت صالحاً للعمرة لما انتظر في القضاء الشهر الداخل.

ففيه أن وجوب قضائها في الشهر الداخل لا يدل على عدم كون كل وقت صالحاً لغير هذه العمرة ، فلعل ذلك كان لخصوص نص كان في نظرهم لم يصل إلينا ، لاندراس كثير من النصوص بتصادم الدول الباطلة والأهواء العاطلة ، على أن هؤلاء الناصين بذلك لعلهم كانوا ممن قال بعدم جواز الإتيان بعمرتين لا يكون بينهما شهر فالتمسك بقولهم تمسك بقول المدعى.

ثم قال قدس‌سره : والظاهر من هذه الروايات عدم الزيادة على ذلك ، كما

١٤٨

قيل في قوله عليه‌السلام « لكل سورة ركعة ».

أقول : عدم الزيادة على ذلك ليس بمحل النزاع ، وانما محله وجوب الفصل بين العمرتين بشهر ، كما صرح به في أول كلامه في مقام تحرير محل النزاع.

حيث قال : اشترط بعض في جواز العمرة ثانية مضي الشهر من العمرة الاولى وهذه الروايات لا دلالة لها عليه ، بل لا دلالة لها على عدم الزيادة على ذلك أيضاً لما عرفت من جواز أن يكون الوجه في تخصيص الشهر تأكد استحباب إيقاعها في كل شهر ، لا عدم جواز الزيادة على ذلك في شهر.

ثم لا يخفى أن قوله « لكل سورة ركعة » انما يكون نظير قوله « لكل شهر عمرة » إذا كان المراد به عدم جواز تكرار الركعة في سورة واحدة ، لا عدم جواز تعدد السورة في ركعة ، لأنه ظن أن قوله « لكل شهر عمرة » يدل على عدم جواز تكرار العمرة في شهر ، فقوله « لكل سورة ركعة » إنما يشهد له أن لو كان المراد به النهي عن التبعيض ، وأما إذا كان المراد به النهي عن الاقتران بين السورتين في ركعة كما هو المشهور ، فلا.

ويصير حاصل المعنى على ما أفاده هكذا : كما لا تجوز ركعتان في سورة على ما قيل في معنى قوله « لكل سورة ركعة » كذلك لا تجوز عمرتان في شهر ، لقوله « لكل شهر عمرة » واليه أشار بقوله والظاهر من هذه الروايات عدم الزيادة على ذلك.

وأنت خبير بأن مفاد الخبرين غير ذلك ، فان ظاهر الأول يفيد أن كل سورة علة للركعة ، فلا يجوز الاقتران بين السورتين ، كما أن كل شهر علة للعمرة ، فلا يجوز الاقتران بين الشهرين فيها ، فيكون تأكيداً على استحباب إيقاعها في كل شهر ، كما أن الأول تأكيد على استحباب إيقاع الركعة في كل سورة ، إذ الأصح

١٤٩

أن الاقتران بين السورتين مطلقاً مكروه لإحرام ، فتأمل.

ثم قال : وأيضاً الظاهر منها وقوع كل عمرة بتمام أجزائها في شهر شهر ، فيدل بظاهرها على اعتبار الفصل ان احتاج اليه من زمان التحلل من الاولى لا من الإحرام ليصدق لكل شهر عمرة ، والا يكون لكل شهر إحرام وهو ظاهر ، فتأمل.

أقول : قد قررنا هذا فيما سبق بتقرير أوضح ، ولم يكن هذا وقتئذ في نظرنا وتوضيحه : أن من أحرم بعمرة مثلا في سلخ شهر وأحل منها في غرة شهر يليه وهكذا في سائر الشهور ، لا يصدق عليه أنه أتى في كل شهر بعمرة ، لأن كل واحدة من تلك العمر لم تقع بتمام أجزائها في شهر شهر ، بل يصدق عليه أنه أتى في كل شهر بإحرام لوقوعه بتمام أجزائه فيه هذا في الشهور الهلالية ، وعليها فقس الشهور العددية.

ثم أقول : وعلى هذا الظاهر يشكل الاستدلال بها على وجوب الفصل بين العمرتين بشهر ، لأن السنة اثنا عشر شهراً ، فإذا اعتمر لكل شهر عمرة ، كما في صحيحة ابن عمار ، واعتبر الفصل بين العمرتين من زمان التحلل من الاولى ، لا يكون الفصل بينهما بشهر كما لا يخفى ، فكيف يستدل بها على إثبات القول باشتراط الشهر.

والظاهر أن السيد السند الفاضل المعاصر أدام الله عزه كان ذاهلا عما أفاده مولانا أحمد قدس‌سره ، والا فكيف كان يصح له أن يعتبر الفصل من أول زمان الإحرام لا من زمان التحلل من الاولى وهو شاعر بما أفاده وإجادة رحمه‌الله.

ثم قال : ويأول ما يدل على السنة بالعمرة التي تكون مع الحج جزء له مطلقاً ، أو عمرة الإسلام ، فإنها لا تصح في سنة الا واحدة كالحج ، للجمع بين الأدلة والتبادر الى الفهم في الجملة ، وهو صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام

١٥٠

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، وحملهما الشيخ على عمرة التمتع ، والظاهر أنه لا يحتاج كما عرفت ، ويؤيده (١) الشهرة.

قال في المختلف : أجمعت الإمامية على جواز العمرة في كل شهر الا ابن أبي عقيل ، فيجب المصير إليه أخذاً بالمتيقن ، فتأمل فيه.

أقول : وجه التأمل فيه واضح ، إذ يمكن قلب هذا الدليل عليه ، بأن يقال لنا : ان هذه أحكام شرعية متلقاة عن الشارع ، فيجب اعتبار ما وقع الاتفاق عليه وقد أجمعت الإمامية كلهم من غير استثناء منهم على جواز العمرة في كل سنة ، فيجب المصير إليه أخذاً بالمتيقن وخروجاً عن خلاف ابن أبي عقيل ، بل هذا أولى من الأول ، لأن فيه خلافاً بخلاف هذا.

ثم قال : وبالجملة القول بالسنة بعيد نادر ، ينافيه بعض الاخبار في الجملة.

أقول : لا بعد فيه بعد ما دل عليه الدليل. وأما أنه ينافيه بعض الاخبار فدليله وهو بعض الاخبار أيضاً ينافيه ، فكيف يصح الأخذ بهذا دون ذاك من غير مرجح وأما أنه لا بد من تأويله تخلصاً عن التناقض بين الأدلة ، فكذا لا بد من تأويل غيره لذلك. وأما أنه نادر ، فلا يضره ندوره ، إذ الذاهب الى مذهب إنما يسأل عن دلالته وحجته القائدة إليه لا عمن وافقه أو خالفه عليه.

ثم قال رحمه‌الله : والعشر ضعيف يرده الاعتبار والاخبار.

أقول : لعل مراده بالاعتبار ما سبق من أن العمرة مشروعة ، فلا اختصاص لها بوقت دون آخر وبالاخبار ما سبق أيضاً من صحيحة ابن عمار ، وقول سيد الأبرار ولا يخفى أنهما كما يردان دليل اشتراط العشر ، كذا يردان دليل اشتراط الشهر ، الا أن يراد بالأخبار أخبار اشتراط الشهر ، ولكنه يخدشه اعتبار الاعتبار معه ، فتأمل.

ثم قال : والشهر لا يخلو عن قوة ، وعدم التحديد محتمل ، مثل ما روى

__________________

(١) في المصدر : ويؤيد الشهر.

١٥١

كأنهم عن طرقهم « العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما » فتأمل فيه. وعدم صريح في التحديد لإمكان تأويل ما ورد في ذلك ، فتأمل (١).

أقول : عدم التحديد متيقن ومتعين لا محتمل لعدم الدليل عليه ، لضعف دليل العشرة وعدم دلالة دليل الشهر عليه ووجوب تأويل دليل السنة توفيقاً ، مع أصالة عدم التحديد وكون العمرة مشروعة مرغوبة ، فلا اختصاص لها بوقت ، فإذا دل دليل بعمومه على عدم الاختصاص والتحديد وجب الأخذ به والعمل بمقتضاه لعدم المعارض.

ثم استدلال السيد السند في الناصريات بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكذا ظاهر كلام صاحب الإيضاح حيث جعله حجة له ولابن إدريس ، وهما لا يعملان بخبر الواحد الصحيح الوارد في طريقنا ، فكيف بالخبر الغير الصحيح الوارد في طرقهم ، يفيد أنه خبر صحيح بل متواتر وارد في طريقنا ، فتأمل والله ورسوله ومن يحذو حذوه أعلم.

وليكن هذا آخر ما أردناه في شرح هذه المسألة وإيضاحها لأخينا المذكور وقاه الله وإيانا وسائر إخواننا المؤمنين من الآفات والعاهات والشرور ، والمأمول منه بل المسئول أن لا ينساني عقيب الصلوات ومظان إجابة الدعوات ، وأن يسأل الله قاضي الحاجات ومنجح الطلبات عند المشعر الحرام والمسجد الحرام ومنى وعرفات أن يوفقني للحج والعمرة بخلوص النيات ، وأن يتصدق علي بالعمرة والزيارات في السنة الاولى من مجاورته بل وفي سائر السنوات ما دام قاطناً بمكة بشرط الحياة.

وفقه الله وإيانا وسائر المؤمنين والمؤمنات لذلك ولسائر وجوه الطاعات

__________________

(١) مجمع الفائدة ٧ / ٣٩٣ ـ ٣٩٦.

١٥٢

والخيرات والمبرات ما دام الحياة بمحمد وآله سادات السادات وقادات القادات عليهم أفضل الصلوات وأكمل التحيات ما سكنت الأرضون وتحركت السماوات.

وتم استنساخ وتصحيح هذه الرسالة في (١٩) ذي الحجة سنة (١٤١٠) هـ ـ ق في مشهد الامام الرضا عليه‌السلام على يد العبد السيد مهدي الرجائي عفى عنه.

١٥٣
١٥٤

سلسلة آثار المحقق الخاجوئي

(١٤)

رسالة

في الرضاع

للعلّامة المحقّق العارف

محمّد اسماعيل بن الحسين بن محمّد رضا المازندراني الخاجوئي

المتوفّى سنة ١١٧٣ هـ ق

تحقيق

السيّد مهديّ الرّجائي

١٥٥
١٥٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيم

الحمد لله الذي جعل الرضا ع لحمة (١) كلحمة النسب ، والصلاة على الدليل اليه سيدنا محمد الناصع الحسب ، وعلى آله الاخيار وعترته الاطهار سادات العجم والعرب.

وبعد : فقد ساءلني من هو من أكرم أحبابي وأقدم أصحابي ، في دار ضيافة كنت في صحبة جمع من الاحباب وطائفة من الاصحاب عن مسألة رضاعية ، هي أن امرأة لو أرضعت ابناً لقوم وبنتاً لآخرين ، هل لاخوة وأخوات أحد هذين المرتضعين أن ينكح في اخوة وأخوات الاخر؟

قلت : الظاهر جوازه اذ لا نسب بينهم ولا رضاع ولا مصاهرة. ثم استنظرته في الحكم به والعمل بمقتضاه الى أوان الرجوع الى أصول (٢) الاصحاب وكتبهم ،

__________________

(١) اختلفوا في ضم اللحمة وفتحها ، فقيل : هي في النسب بالضم وفي الثوب بالضم والفتح وقيل : الثوب بالفتح وقيل : النسب والثوب بالفتح ، فأما بالضم فهو ما يصاد به الصيد ، ومعنى الحديث المخالطة في الرضاع وأنه يجرى مجرى النسب كما تخالط اللحمة سد الثوب حتى يصير كالشي‌ء الواحد لما بينهما من المداخلة الشديدة « منه ».

(٢) الاصل : ما هو مجمع عبارات الحجة عليه‌السلام بعينها فقط من غير أن يكون

١٥٧

كما كان ذلك من دأبي في جل المسائل بل كلها ، فلما رجعت وجدتهم مصرحين بذلك في كتبهم وفي أصولهم ما هو كالنص الجلي فيه ، فأعلمته بأن الحال على ذلك المنوال.

فقال : إن فلاناً وسماه قد سئل عن ذلك ، فمنع منه وأسنده الى رسالة كتبها بعض الطلبة (١) ، فلما حصلناها ونظرنا فيها وجدناه صادقاً فيه ، بيد أنه لما كان قاصر التتبع والنظر أخذه من باب التسليم وقنع به ، فعمل به وأعمل بمقتضاه ، كما هو دأب أكثر أهل دهره.

وغفل وأغفل أن ذلك ليس من وظيفة أمثاله ، لان تقليد الميت على القول بجوازه ، وسيما اذا كان بناء الافتاء عليه ، انما يجوز على تقدير فقد المجتهد الحي ، لا مع وجوده وحضوره وقوله بأن المسألة الفلانية حكمها كذا.

ومع قطع النظر عن هذا فاذا بني الامر على التقليد ، فتقليد هؤلاء الفحول الجامعين بين المعقول والمنقول الكثيرين الغير المحصورين في عدد يمكن هنا

__________________

معها اجتهاد واستنباط وغير ذلك. والكتاب : وهو الذي يشمل مع ما ذكر على الاستدلالات والاستنباطات شرعاً وعقلا « منه ».

(١) أراد به ملا أبو الحسن قدس‌سره « منه » أقول : لعل هو الذي ذكره المحقق الخبير الشيخ الطهرانى في الذريعة ١١ / ١٨٨ ، قال : الرسالة الرضاعية للشريف العدل المولى أبى الحسن بن محمد طاهر بن عبد الحميد بن موسى الفتونى النباطى الاصفهانى المتوفى (١١٣٨) كما وجد بخط بعض أحفاده ، كان ابن أخت الامير محمد صالح الخاتون‌آبادي وجد صاحب الجواهر من طرف أم والده الشيخ باقر ، ينقل عنها سبطه صاحب الجواهر ، واختار فيها عموم المنزلة المختار للقدماء لظواهر الاخبار وموافقة الاحتياط ومخالفة العامة ولزوم تحليل كثير من أنواع الرضاع بقول المتأخرين وهي مبسوطة غراء ـ الى أن قال : وفرغ منها في مشهد الغرى أواخر محرم (١١٠٩) والنسخة في مكتبة الصدر مرتبة على مقدمة وخمسة أبواب ، ولعلها خط المصنف.

١٥٨

عده واحصاؤه أولى من تقليد واحد أو اثنين في غابر الدهر لا قدم لهم راسخة في هذا الشأن.

فأردت تنبيهه على ذلك بالاشارة الاجمالية الى ضعف ما قواه وأصله صاحب الرسالة فيها ، وجعله معيار التحريم وميزان التفريع وآلة الملاحظة في سائر ما يتعلق بهذا المبحث ، لئلا يغير المقلد بقول من يدعي شيئاً لا يقدر على بيان ما يدعيه ، وإن بذل فيه تمام جهده وكمال مساعيه.

فهذا هو السبب المقدم لنا على ذلك ، وإلا قلنا من عيوب أنفسنا وازاحتها عنها واماطتها عن أمثال ذلك لشغل شاغل ، وإن كان هذا أيضاً من الواجبات الا أن ذلك أوجب.

والملتمس من اخواننا الناظرين في هذه الجملة أن لا يتلقوها ابتداء بالرد أو القبول ، فان النظرة الاولى كما وردت في الاخبار المروية عن الصادقين الاخيار صلوات الله عليهم ما دامت الليل والنهار حمقاء.

وحينئذ فاللازم عليهم أن يتأملوا فيها تأملا وافياً ، فان وجدوها حقاً فهو من الحق ، وإلا فهم باصلاح الفساد أولى وترويج الكساد أخرى ، والله تعالى يعصمنا من الخطإ والزلل ، كائناً ما كان منهما في القول والعمل أنه بذلك جدير وعلى كل ما يشاء قدير.

قال ضاعف الله أجره في مقدمة الرسالة بعد نقل الخبر المنقول عن النبي والأئمة عليهم‌السلام بطرق مستفيضة بل بالغة ، أو كادت أن تبلغ حد التواتر على ما ظنه وهو « يحرم من الرضاع (١) ما يحرم من النسب » (٢) وفي معناه « ان الله حرم من

__________________

(١) رضع أمه كسمع وضرب الرَّحيم ويحرك ورضاعاً ورضاعة ويكسران والرَّحيم ككتف فهو راضع : امتص ثديها ، ورضيعك أخوك من الرضاع « منه ».

(٢) عوالى اللئالى ١ / ٤٤ ، ح ٥٥. والتهذيب ٧ / ٣٢٣ ، ح ٤٠.

١٥٩

الرضاع ما حرم من النسب » وصحيحة ابن سنان : يحرم من الرضاع ما يحرم من القرابة » (١) وغيرها من الاخبار الواردة في ذلك الباب عن الأئمة الاطياب عليهم‌السلام.

لا شك كما لا خلاف في أن كلمة « ما » هاهنا تفيد العموم ، لوضوح أن لا معنى لتحريم فرد لا على التعيين ، ينادي بذلك قول أبي عبد الله عليه‌السلام في الخبر الذي رواه عنه أبو بصير وأبو العباس وعبيد جميعاً ، على ما سيأتي في محله : كل ما يحرم من النسب فانه يحرم من الرضاع (٢).

وكذا تعليق الحكم على محض الرضاع من دون ذكر المحرم عليه ، حيث قال : يحرم من الرضاع ولم يقل يحرم على فلان يفيد العموم.

فحينئذ حاصل المعنى أن علاقة الرضاعة مساوية لعلاقة القرابة في ايجاب التحريم ، أي : كل تحريم يترتب على الثانية يترتب على الاولى أيضاً من غير فرق.

فكما أن المولودين من ماء رجل وامرأته تحصل علاقة الاخوة بينهما ، فيصير كل واحد منهما أخاً حقيقياً للاخر ، وآباؤه آباءه وأمهاته أمهاته واخوته اخوته ، وهكذا في سائر القرابات ، ويتحقق بذلك أنواع التحريم بينهم ، فكذلك في المرتضعين من لبن امرأة وزوجها تحصل تلك العلاقة ويترتب عليها ما يترتب عليها.

وبالجملة علاقة الاخوة الرضاعية مثل علاقة الاخوة النسبية يحرم فيها ما يحرم

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٧ / ٢٩٢ ، ح ٦٣.

(٢) تهذيب الاحكام ٧ / ٣١٣ ، ح ٤. يمكن أن يكون المراد أن هذا المولود المرتضع ذو جهتين ، لانه ذو نسب ورضاع ، فما يحرم عليه من جهة النسب يحرم عليه من جهة الرضاع ، والاظهر أن يقال : تقدير الكلام هكذا : يحرم من الرضاع على المرتضع ما يحرم من النسب على المنتسب ، فكما أن النسب قرينة على تقدير المنتسب ، فكذا الرضاع قرينة على تقدير المرتضع ، فتأمل « منه ».

١٦٠