الرسائل الفقهيّة - ج ١

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي

الرسائل الفقهيّة - ج ١

المؤلف:

محمد اسماعيل بن الحسين بن محمد رضا المازندراني الخاجوئي


المحقق: السيد مهدي الرجائي
الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب الإسلامي
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢
الجزء ١ الجزء ٢

التصرف في حقه عليه‌السلام ، بل في مطلق الخمس ، لاحتمال أن يكون كله حق الامام عليه‌السلام ووجوب الدفن أو الوصية به الى زمان حضوره.

ومنه يعلم أن الأحوط للمالك بل الواجب عليه أن لا يصرف حصص الباقين فيهم الا بإذن من له الاذن ، فلعله يأمره بدفن الجميع أو الوصية به ، ولعله رحمه‌الله نظر الى ما يفيده ظاهر كلام المفيد.

وفيه أن هذه مسألة مختلف فيها ، وكل مسألة كذلك لا بد في العمل بها من الرجوع الى من اليه الرجوع. وهذا على ما تقرر عندهم من أن المكلف في هذا الزمان : اما مقلد ، أو مجتهد ، والأول يجب عليه الرجوع في أخذ الأحكام الى الثاني ظاهر ، وكيف يسوغ له إذا لم يكن مجتهداً ، أو مأذوناً منه أن يتولى ذلك بنفسه؟ وهو لا يعلم أن هذا حلال له أو حرام عليه ، فلعل الواجب عليه في هذا الوقت دفنه ، أو الوصاية به ، أو صرفه في المحتاجين من الشيعة ، أو في خصوص الباقين من الأصناف الى غير ذلك. فاختياره بعض ذلك دون بعض من غير مرجح ترجيح بلا مرجح ، ومعه فهو مجتهد وهو خلاف المقرر (١).

ومما قررناه علم أن الواجب على كل من وجب عليه الخمس وأراد أن يخرج من عهدة التكليف يقيناً صرفه الى من اليه الحكم ، أو الاستئذان منه في صرفه الى مصارفه ، والا لم تبرأ ذمته بإخراجه إلى الأصناف ، لاحتمال أن يكون في هذا الوقت مكلفاً بدفنه مثلا على رأي فقيه زمانه ، وحينئذ فلا يخرج عن عهدة التكليف بإخراجه إليهم ، فليتأمل.

__________________

(١) وذلك لان ترجيح الأحكام الشرعية من غير دليل شرعي لا عبرة به ، ومع دليل شرعي يفيد ظناً شرعياً بذلك الحكم اجتهاد ، والمجتهد اسم فاعل منه ، وهو العالم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية بالقوة القريبة من الفعل « منه ».

١٢١

الخاتمة

[ في جواز تفريق الخمس على المحتاجين ]

لما ثبت أن حقه عليه‌السلام ثابت ، ولم يرد فيه منه شي‌ء ، ولم يمكن في هذه الأزمان إيصاله اليه ، وكان في تأخيره بالدفن أو الوصية به الى زمان حضوره خطر عظيم وآفة ، وكان فقراء شيعته محتاجين اليه ولا ضرر عليه في صرفه إليهم وتفريقه فيهم يعلم منه بالضرورة العادية رضاه بذلك.

ومنه يعلم وهن ما حرمه ابن إدريس من تفريقه مطلقاً على بني هاشم وغيرهم إذ مسلم أن العقل والنقل من الإجماع والنصوص القرآنية وفتاوي المحصلين من أصحابنا متطابقة على تحريم التصرف في مال الغير بغير اذنه ، ولكن إذا كان ذلك الغير يتضرر بمثل هذا التصرف ، وقد سبق أن لا ضرر عليه فيه ، فينتفي المانع منه ، ولذلك جاز الاستظلال بجداره والاصطلاء بناره ، لعدم تضرره به ، مع أن دفنه أبعد من التلف من حفظه بالوصية ، فالمنع من دفنه كوجوب الإيصاء به ساقط ويؤيد ذلك أن أحدنا إذا كان غائباً وكان له مال في معرض التلف ، ولم يمكن حفظه وضبطه إلى أوان رجوعه ، وكان له أولياء متقون مضطرون اليه ، يعلم بالضرورة أن رضاه في دفعه إليهم وصرفه فيهم ، وأنه بعد إيابه إليهم لا يؤاخذ الدافع ولا المدفوع اليه ، بل يسر ويستحسن ذلك منهم ، والا لكان سفيهاً لئيماً ممن لا يعبأ به ولا بماله ، وسيدنا عجل الله فرجه وسهل مخرجه وجعلنا من الذين تقر أعينهم غداً برؤيته في امارته ودولته منزه عن ذلك.

والحمد لله أهله والصلاة على محمد وخيرة رحله. تمت بعون الله وحسن توفيقه.

وتم استنساخ وتصحيح الرسالة في (١٦) ذي الحجة سنة (١٤١٠) في مشهد الرضا عليه‌السلام على يد العبد السيد مهدي الرجائي عفي عنه.

١٢٢

سلسلة آثار المحقق الخاجوئى

(١٣)

رسالة

في أقل المدة بين العمرتين

للعلّامة المحقّق العارف

محمّد إسماعيل بن الحسين بن محمّد رضا المازندراني الخاجوئي

المتوفّى سنة ١١٧٣ هـ ق

تحقيق

السيّد مهديّ الرّجائي

١٢٣
١٢٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي ندب الى الحج والعمرة ، والصلاة على رسوله سيدنا محمد وآله كاشفي الغمرة.

وبعد : فلما أراد بعض إخواني في الدين أن يجاور بيت الله تعالى بعض تلك السنين ، وكان في نيته أن يكون أيام المجاورة من المعتمرين ، وكان أقل المدة بين العمرتين مختلفاً فيه بين أرباب اليقين ، التمس مني أن أشير الى ما هو الراجح عندي ليكون عليه مدار العمل ، حفظه الله تعالى وإيانا عن الخطأ والزلل فأجبته الى ذلك مستعيناً بالله ومتوكلا عليه ، ومفوضاً أموري كلها قليلها وجليلها اليه.

فأقول ، وأنا العبد الراجي رحمة ربه الجليل محمد بن الحسين بن محمد رضا الشهير بإسماعيل : اختلف أصحابنا رضوان الله عليهم في أقل مدة ينبغي أن يكون بين العمرتين ، فقيل : هو عشرة أيام ، فيكره أن يأتي بعمرتين بينهما أقل منها. وقيل : يحرم. وقيل : لا يكون في الشهر إلا عمرة واحدة. وقيل : لا تكون في سنة عمرتان.

١٢٥

وقيل : الأصح جواز تواليهما على كراهية ، والأفضل أن يكون بينهما شهر وأقله عشرة أيام. والى هذا القول يشير قول من قال : لا حد للمدة بين العمرتين وحسنه بعض متأخريهم ، لأن فيه جمعاً بين الاخبار الدال بعضها على الشهر ، وبعضها على السنة ، وبعضها على عشرة أيام ، بتنزيل ذلك على مراتب الاستحباب فالأفضل بينهما بعشرة أيام ، وأكمل منه بشهر ، وأكثر ما ينبغي أن يكون بينهما السنة.

وقال سيدنا الإمام في مدارك الاحكام : ذهب السيد المرتضى وابن إدريس والمحقق وجماعة إلى جواز الاتباع بين العمرتين مطلقا ، لإطلاق الأمر بالاعتمار. وقال ابن أبي عقيل : لا نجوز عمرتان في عام واحد. وقال الشيخ في المبسوط : أقل ما بين العمرتين عشرة أيام. وقال أبو الصلاح وابن حمزة والمحقق في المنافع والعلامة في المختلف : أقله شهر (١).

وأنا أذكر الأخبار الواردة في هذا الباب بعون الله الملك الوهاب ، ثم أشير الى ما هو الراجح عندي من هذه الأقوال ، مستعيناً بالله ومتوسلا برسوله وآله خير آل ، وذلك بالدليل والبيان ، لا بالتقليد أو ميل الطبع والاستحسان ، كما هو دأب أهل هذا الزمان والمكان ، وهو بلدتنا هذه المسماة بأصفهان.

والى الله المشتكى ثم الى رسوله وآله ، وسيما صاحب هذا العصر والزمان عليه وعلى آبائه المعصومين صلوات الله الملك المنان ، اللهم عجل فرجه وسهل مخرجه ، واهدنا به لما اختلف فيه من الحق بإذنك انك تهدي من تشاء الى صراط مستقيم.

__________________

(١) المدارك ص ٥٤٣ ، الطبعة الحجرية.

١٢٦

فصل

[ الأخبار الواردة في أقل المدة بين العمرتين ]

في الكافي : في باب العمرة المبتولة في موثقة يونس بن يعقوب قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : ان علياً عليه‌السلام كان يقول في كل شهر عمرة (١).

وفيه : في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : في كتاب علي عليه‌السلام في كل شهر عمرة (٢).

وفيه : في رواية علي بن أبي حمزة قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل يدخل في السنة المرة أو المرتين أو الأربعة كيف يصنع؟ قال : إذا دخل فليدخل ملبياً ، وإذا خرج فليخرج محلا ، قال : ولكل شهر عمرة ، فقلت : يكون أقل؟ قال : لكل عشرة أيام عمرة ، ثم قال : وحقك لقد كان في عامي هذه السنة ست عمر. قلت : لم ذاك؟ فقال : كنت مع محمد بن إبراهيم بالطائف ، فكان كلما دخل دخلت معه (٣).

وفي الفقيه : في باب العمرة في كل شهر وفي أقل ما يكون ، عن إسحاق ابن عمار قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام : السنة اثنا عشر شهراً يعتمر لكل شهر عمرة (٤).

أقول : اختلف كلام أصحابنا المتأخرين في سند هذه الرواية.

فقال ملا ميرزا محمد في أواخر رجاله الأوسط : طريق الصدوق إلى إسحاق ابن عمار صحيح ، الا أن في إسحاق قولا كما في الخلاصة (٥).

__________________

(١) فروع الكافي ٤ / ٥٣٤ ، ح ١.

(٢) فروع الكافي ٤ / ٥٣٤ ، ح ٢.

(٣) فروع الكافي ٤ / ٥٣٤ ، ح ٣.

(٤) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٤٥٨ ، ح ٢٩٦٤.

(٥) الخلاصة ص ٢٠٠.

١٢٧

وقال مولانا الفاضل عناية الله القهبائي في أواخر كتابه المسمى بمجمع الرجال بعد نقل السند عن مشيخة الفقيه هكذا : وما كان فيه عن إسحاق بن عمار فقد رويته عن أبي رضي‌الله‌عنه عن عبد الله بن جعفر الحميري عن علي بن إسماعيل عن صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمار ، السند حسن.

وقال في الحاشية : لعل المراد بعلي بن إسماعيل ابن أخي إسحاق بن عمار ابن حيان (١).

والظاهر أنه انما حكم بكونه حسناً لاشتماله على علي هذا ، وأشار بقوله « عمار بن حيان » الى الرد على العلامة في الخلاصة حيث جعل اسحاقين : إسحاق ابن عمار بن حيان الثقة الإمامي الراوي عن المعصوم ، وإسحاق بن عمار بن موسى الساباطي الفطحي الغير الراوي عنه متحداً واشتبه الأمر عليه واضطرب كلامه فيهما ، كما لا يخفى على الناظر اليه.

والحق أن المراد به هنا ابن حيان الصيرفي ، كما أشار إليه هذا الفاضل زيد أجره ، والسند كما أفاد حسن لا صحيح.

وفي الفقيه أيضاً : عن علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال : لكل شهر عمرة ، قال فقلت له : أتكون أقل من ذلك؟ قال : لكل عشرة أيام عمرة (٢).

قال الشارح الفاضل التقي المتقي قدس‌سره في شرحه على الفقيه بعد نقل قوله عليه‌السلام « ولكل شهر عمرة » أي : لا أقل ولا أكثر كما فهمه الراوي ، ولهذا قال : فقلت له أتكون أقل من ذلك (٣).

__________________

(١) مجمع الرجال ٧ / ٢٢٥.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٤٥٨ ، ح ٢٩٦٥.

(٣) روضة المتقين ٥ / ٩٠.

١٢٨

أقول : لا يخفى أن قوله هذا لا يدل على أنه فهم من قوله عليه‌السلام هذا نفي الأكثر بل فهمه منه في غاية البعد ، لأنه إذا جازت لكل شهر عمرة ، فجوازها لأكثر منه كهو ونصفه وثلثه وربعه الى غير ذلك أولى ، نعم تخصيص الشهر لما كان موهماً لنفي جواز إيقاعها في أقل منه سأله عنه ، فقال : أتكون لأقل من شهر عمرة ، قال عليه‌السلام في جوابه : نعم لكل عشرة أيام عمرة. فيكون الوجه في تخصيص الشهر تأكد استحباب إيقاعها في كل شهر ، لا عدم جواز إيقاعها في أقل منه كما فهموا منه ، كيف؟ ولو كان الأمر كذلك لكان بين الحكمين تناقض ولا يخفى.

ومن هذا الخبر يستفاد وجه التوفيق بين أخباره وأخبار دلت على استحباب إيقاعها في أقل منه ، فإن الأولى محمولة على تأكد الاستحباب والثانية على أصله.

ولا يذهب عليك أن ظاهر الكليني والصدوق يفيد أنهما كانا يعملان برواية العشرة أيضاً ، لأن كلا منهما شهد في أول كتابه بأن ما يرويه فيه هو الحجة التي عليها العمل ، وبها يؤدي فرض الله عزوجل.

هذا وروى الشيخ في الاستبصار في باب أنه تجوز في كل شهر عمرة بل في عشرة أيام ، عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : كان علي عليه‌السلام يقول : لكل شهر عمرة (١).

وفي التهذيب عن يونس بن يعقوب قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : كان علي عليه‌السلام يقول : لكل شهر عمرة (٢).

وسند الروايتين فيه صحيح.

وفيه : عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : العمرة في كل سنة مرة (٣).

__________________

(١) الاستبصار ٢ / ٣٢٦ ، ح ١.

(٢) تهذيب الاحكام ٥ / ٤٣٥ ، ح ١٥٥.

(٣) تهذيب الاحكام ٥ / ٤٣٥ ، ح ١٥٧.

١٢٩

وفيه : عن حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام وجميل عن زرارة عن أعين عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : لا تكون عمرتان في سنة (١).

فصل

[ الجمع بين الاخبار الواردة ]

قال الشيخ في الكتابين : المراد بهذين الخبرين أنه لا يكون في السنة عمرة يتمتع بها الى الحج الا دفعة واحدة. وأما العمرة المبتولة التي لا يتمتع بها الى الحج ، فهي جائزة في كل شهر (٢). وفي الاستبصار : بل في عشرة أيام (٣). وقد سبق لهما محمل آخر.

والحاصل أن العمرة في هذين الخبرين مطلقة ، فاما أن تقيد بالمرتبطة بالحج وحينئذ فلا إشكال. أو يقال : المراد بها المبتولة ، ولكنها منزلة على مرتبة من مراتب الاستحباب كما سبق ، وسيأتي أيضاً أن أكثر ما ينبغي أن يكون بين العمرتين المبتولتين من الفصل والزمان هو السنة ، ولعل الأول أولى فتأمل.

وأما حمله على التقية ، كما حمله عليها صاحب الوافي فيه بعد نسبته ما حمله عليه شيخ الطائفة إلى البعد ، ففي غاية البعد ، بل هو خلاف الواقع والعيان ، لان المعروف من مخالفينا في هذا العصر والزمان هو أنه تكون في كل يوم عمرة بل عمرتان ، كما نقل عن فعل بعضهم بعض من نثق بقوله من أصحابنا أنه رآه أتى بعمرتين في يوم من أيام شهر رمضان ، فإذا كان مذهبهم هذا فكيف يصح

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٥ / ٤٣٥ ، ح ١٥٨.

(٢) تهذيب الأحكام ٥ / ٤٣٥.

(٣) الإستبصار ٢ / ٣٢٦.

١٣٠

حمل رواية السنة على التقية؟ وهو قدس‌سره أعرف بما قال ، والله أعلم بحقيقة الحال.

وقد علم مما نقلناه عن الشيخ أنه كما قال في المبسوط (١) بأن أقل مدة بين العمرتين عشرة أيام ، كذلك قال بها في الاستبصار (٢) ، وعلم منه ومما سبق جواب ما قال به ابن أبي عقيل من عدم جواز العمرتين في عام واحد مستدلا بهذين الخبرين.

والسبب المقدم لنا على هذا التأويل أن روايات السنة بدونه تدل على عدم جواز العمرة مطلقاً في كل سنة الا مرة ، وروايات الشهر تدل على استحبابها في كل شهر ، وهما صحيحتا الأسانيد ، فإذا تعارضتا تساقطتا ، فيبقى دليل القول بجواز التوالي سالماً عن المعارض ، لضعف سند رواية عشرة أيام.

فإذا أردنا التوفيق بينهما ، فلا بد لنا من حمل الاولى على ما حملها عليه شيخ الطائفة ، من أن العمرة المرتبطة بالحج لا تكون في كل سنة إلا مرة ولا تكون مرتين إذ لا حج في كل سنة إلا مرة. وحملها على مرتبة من مراتب الاستحباب كما مضى وسيأتي أيضاً ، وان كان جامعاً بين الاخبار أيضاً الا أنه بعيد عند التأمل.

وأما الجواب عن قول من قال بأن أقل الفصل بين العمرتين هو الشهر مستدلا بالاخبار السالفة ، فهو أن هذه الاخبار غير صريحة في المنع من تكرار العمرة في الشهر الواحد ، إذ من الجائز أن يكون الوجه في تخصيص الشهر تأكد استحباب إيقاعها في كل شهر ، ولا يلزم من ذلك عدم مشروعية تكرارها في الشهر الواحد ، الا أن إثبات المشروعية يتوقف على ورود الأمر بذلك خصوصاً أو عموماً ولم أقف في ذلك على نص يعتد به ، والمسألة محل تردد ، وان كان اعتبار الشهر

__________________

(١) المبسوط ١ / ٣٠٩.

(٢) الاستبصار ٢ / ٣٢٦.

١٣١

لا يخلو من قوة ، كذا ذكره السيد الإمام في مدارك الاحكام (١).

وحاصله أن العبادات الشرعية توقيفية لا بد وأن تكون متلقاة من الشارع ، وتكرار العمرة في الشهر الواحد مما لم يرد فيه منه أمر لا خصوصاً ولا عموماً.

وأما ما ورد فيه عن ابن أبي حمزة من جواز تكرارها في الشهر الواحد ، فهو ضعيف السند فلا يعتد به. وفيه أن إطلاق الأمر بالاعتمار ، وعموم قول سيد الأبرار صلوات الله عليه وآله الأطهار : العمرة إلى العمرة كفارة ما بينهما حيث لم يفصل (٢). يدلان على مشروعية تكرارها في الشهر الواحد.

ومثله صحيحة ابن عمار عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام : المعتمر يعتمر في أي شهور السنة شاء (٣). حيث أطلق ولم يفصل ، فيفيد العموم ومشروعية تكرارها في الشهر الواحد. فيبقى القول بالعشرة ، ودليله وان كان ضعيفاً لا يعتد به ، سالماً عن المعارض ، متأيداً بما ذكرناه من الإطلاق والعموم ، وكذا القول بجواز الاتباع.

وبالجملة عدم الدليل على عدم الجواز مع الإطلاق والعموم المذكورين دليل على الجواز ، والأول مسلم عنده كما سبق ، والثاني ظاهر مما سبق.

ومما قررناه ونقلناه ظهر وجه التوفيق بين تلك الاخبار ، وجواز الإتيان بعمرتين بينهما أقل من عشرة أيام من غير كراهية فيه ، لأن تأكد استحبابها في كل شهر لا يستلزم مفضولية إيقاعها في أقل منه.

والحاصل أن العمرة لما كانت من العبادات المرغب فيها لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « العمرة إلى العمرة كفارة ما بينهما » و « المعتمر يعتمر في أي شهور السنة شاء » فتكرارها

__________________

(١) مدارك الاحكام ص ٥٤٣.

(٢) عوالي اللئالى ٣ / ١٦٩ ، برقم : ٧١.

(٣) فروع الكافي ٤ / ٥٣٦ ، ح ٦.

١٣٢

مطلوب ، فكلما كان تكرارها أكثر كان ثوابها وآثارها المطلوبة منها كذلك ، فإذا لم يقدر المكلف على الإتيان بها ولاءً ، فعليه أن يأتي بها في كل عشرة أيام ، فإذا لم يقدر عليه فالإتيان بها في كل شهر مما لا بد منه ، فعليه أن لا يتركه.

والأظهر في الجواب أن يقال : غاية ما يمكن فهمه من قوله « في كل شهر » أو « لكل شهر عمرة » هو التأكيد والترغيب في إيقاعها في كل شهر.

وأما أن الفصل بين العمرتين لا بد وأن يكون بشهر ، فمما لا يمكن فهمه منه ، بل لا يصح هو في نفسه ، فان من الجائز أن يعتمر في كل شهر من شهور السنة الاثنا عشر من أبعد المواقيت ، فان في هذا الفرض لا يتحقق الفصل بينهما بشهر كما لا يخفى.

وبالجملة فمثل هذا عند من تأمل فيه أوضح من أن يحتاج الى بيان ، ولكن وقوع الالتباس فيه على جم غفير من السلف يدعو إلى زيادة توضيح الحال مخافة سريان الوهم الى الخلف.

فصل

[ الأقوال في أقل المدة بين العمرتين ]

قال الفاضل العلامة في القواعد : ويستحب تكرار العمرة ، واختلف في الزمان بين العمرتين ، فقيل : سنة. وقيل : شهر. وقيل : عشرة أيام. وقيل بالتوالي.

قال في الإيضاح : الأول لابن أبي عقيل ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : العمرة في كل سنة مرة. ولقول الصادق عليه‌السلام : لا تكون عمرتان في سنة واحدة.

والثاني قول أبي الصلاح.

والثالث قول الشيخ لقول أبي الحسن عليه‌السلام : ولكل شهر عمرة ، فسأله علي

١٣٣

ابن أبي حمزة أنكون أقل؟ فقال : تكون لكل عشرة أيام عمرة.

والرابع قول السيد المرتضى وابن إدريس ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : العمرة إلى العمرة كفارة ما بينهما ولم يفصل. والأصح عندي جواز التوالي ، والجواب عن الروايات الأول بمنع صحة السند والدلالة انتهى (١).

وفيه إيماء لطيف إلى صحة سند الرواية الأخيرة ووضوح دلالتها ، ولكن لا وجه لمنع صحة سند الروايات الدالة على الشهر ، وان كان لمنع دلالتها وجه كما عرفت ، لما عرفت من صحة سند رواية عبد الرحمن بن الحجاج ومعاوية بن عمار ويونس بن يعقوب.

نعم ما نقله من الرواية غير صحيحة ، ولكنه لا ينفعه ولا يضر المستدل ، مع أن روايتي السنة في التهذيب صحيحتان ، لانه رواهما عن موسى بن القاسم عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : العمرة في كل سنة مرة (٢).

قال : وما رواه أيضاً عن حماد بن عيسى عن حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام وجميل عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : لا تكون عمرتان في سنة (٣).

وطريق الشيخ الى موسى هذا صحيح ، كما يظهر من مشيخته ، قال قدس الله ضريحه فيها : وما ذكرته عن موسى بن القاسم بن معاوية بن وهب ، فقد أخبرني الشيخ أبو عبد الله ، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه ، عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن الحسن الصفار ، وسعد بن عبد الله ،

__________________

(١) الإيضاح ١ / ٣٢١ ـ ٣٢٢.

(٢) تهذيب الاحكام ٥ / ٤٣٥ ، ح ١٥٧.

(٣) تهذيب الاحكام ٥ / ٤٣٥ ، ح ١٥٨.

١٣٤

عن الفضل بن عامر (١) ، وأحمد بن محمد ، عن موسى بن القاسم (٢) انتهى.

والطريق كما ترى صحيح على الظاهر ، نعم جوابه بمنع الدلالة موجه ، ولا حاجة له الى منع صحة السند ، إذ لا دلالة لشي‌ء من الاخبار الدالة على الشهر على مقصود من تمسك بها ، وهو وجوب الفصل بين العمرتين أو استحبابه بشهر بل غاية ما دلت عليه استحباب إيقاع العمرة في كل شهر.

وأما أن الفصل بينهما يجب أو يستحب أن يكون بشهر حتى يحرم أو يكره إيقاعها في أقل منه ، فلا دلالة له عليه بشي‌ء من الدلالات ، كيف وصريح قول سيدنا الصادق عليه‌السلام في رواية إسحاق بن عمار السابقة الحسنة أو الصحيحة : السنة اثنا عشر شهراً يعتمر لكل شهر عمرة (٣). يقتضي أن لا يكون الفصل بينهما بشهر.

فان من البين أن لكل عمرة زماناً ، فلنفرضه يوما مثلا وهو أقل ما يمكن أن تقع فيه عمرة ، فإذا وضعنا من السنة اثنا عشر يوماً كل يوم بإزاء عمرة ، يلزم منه أن لا يكون الزمان الواقع بين كل عمرتين شهراً ، وهو واضح.

فان قلت : يمكن توجيه كلامه قدس‌سره بأن روايات الشهر وان كانت صحيحة السند الا أنها قاصرة الدلالة ، ورواية العشرة وان دلت على المدعى الا أنها ضعيفة السند.

قلت : هذا عن سياق كلامه بعيد ، لانه ذكر لقولي الشهر والعشرة رواية علي بن أبي حمزة ، وهي كما أنها ضعيفة السند ، كذلك قاصرة الدلالة ، فيظهر منه أن مراده منع مجموع الأمرين ، وهما الصحة والدلالة بالنسبة إلى روايات

__________________

(١) في المشيخة : غانم.

(٢) تهذيب الأحكام ١٠ / ٨١ ، المشيخة.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٢ / ٤٥٨.

١٣٥

كل من الأقوال الثلاثة ، كما هو الظاهر أيضاً من قوله بمنع صحة السند والدلالة بالواو ، لا منع الصحة بالنسبة الى بعض والدلالة بالنسبة إلى آخر ، فتأمل.

فصل

[ حول الرواية الدالة على التوالي بين العمرتين ]

لا يذهب عليك أن استدلال السيد وابن إدريس بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « العمرة إلى العمرة كفارة ما بينهما » (١) يفيد أنه كان متواتراً عندهما ، لان من المشهور الذي لا يدفعه أحد أنهما كانا لا يعملان بأخبار الآحاد ، قائلين بأنها لا تفيد علماً ولا عملا.

قال الشيخ زين الدين في شرح دراية الحديث : الشيخ المحقق ابن إدريس كان لا يجيز العمل بخبر الواحد مطلقا. وقد قال قبيل ذلك : ان المرتضى والأكثر على ما نقله جماعة كانوا مانعين من العمل بخبر الواحد مطلقا (٢).

فلو لم يكن في الباب خبر الا هذا لكفى في إثبات هذا المطلب ، لان ترك الاستفصال كما أشير إليه يفيد عموم المقال ، فيعم العشرة وما دونها وما فوقها من الشهر والسنة.

وحينئذ فروايات الشهر : اما محمولة على تأكد الاستحباب كما سلف ، أو على مرتبة من مراتب الاستحباب ، جمعاً بين الاخبار ، وسيما إذا كان الخبر متواتراً عند بعضهم.

ولعل هذا مراد الشيخ زين الدين في شرح الشرائع حيث قال بعد نقل قول المصنف قدس‌سرهما « ويستحب المفردة في كل شهر ، وأقله عشرة أيام ، ويكره

__________________

(١) عوالي اللئالى ٣ / ١٦٩.

(٢) الرعاية في علم الدراية للشهيد الثاني ص ٩٢ ـ ٩٣.

١٣٦

أن يأتي بعمرتين بينهما أقل من عشرة ، وقيل : يحرم ، والأول أشبه » : قد اختلفت الاخبار وأقوال الأصحاب في أقل ما يجب أن يكون بين العمرتين ، فقيل : لا تكون في السنة إلا عمرة واحدة. وقيل : في الشهر ، وبه أصح (١) الروايات. وقيل : أقله عشرة أيام.

ولم يجعل المرتضى بين العمرتين حداً ، واختاره المصنف وجماعة ، وهو أقوى ، والاخبار منزلة على مراتب الاستحباب لئلا تتنافى ، فالأفضل الفصل بينهما بعشرة أيام ، وأكمل منه شهر ، وأكثر ما ينبغي أن يكون بينهما سنة ، والا ففيه نظر لان ما ذكره من حديث التنزيل لا يدل على أقوائية ما اختاره المصنف وجماعة من جواز التوالي وعدم حد بين العمرتين.

بل نقول : إثبات مشروعية أصل التوالي يتوقف على ورود الأمر بذلك خصوصاً أو عموماً لما مر من توقيفية العبادات الشرعية ، فكيف إثبات أقوائيته؟ فما لم يتمسك بما ذكرناه من عموم مضمون حديث سيد الأبرار وإطلاق الأمر بالاعتمار لا يثبت هذا المطلب.

والظاهر أنه أراد ـ كما أومأنا اليه ـ أن مختار المصنف أقوى دليلا ، الا أنه لم يذكر دليله ، بل بادر الى تنزيل الاخبار لكونه أهم عنده. وفيه ما عرفته ، لانه مبني على أن الفصل بين العمرتين بسنة أفضل من الفصل بينهما بشهر ، والفصل به أفضل من الفصل بعشرة أيام ، وليس الأمر كذلك ، بل الوجه في تخصيص الشهر تأكد استحباب إيقاع العمرة في كل شهر ، وهذا لا يستلزم مفضولية إيقاعها في أقل منه كما عرفته.

وبالجملة فرق بين حمل روايات الشهر على تأكد الاستحباب ، وبين حملها على مراتب الاستحباب ، إذ الأول لا يستلزم مفضولية إيقاع العمرة في أقل من

__________________

(١) كون رواياته أصح من روايات السنة والتوالي ممنوع « منه ».

١٣٧

الشهر ، بخلاف الثاني. والظاهر من الروايات هو الأول ، على أن رواية الفصل بعشرة أيام ضعيفة السند بعلي بن أبي حمزة ، فلا يثبت بها الاستحباب ، لانه حكم من الاحكام ، وقد أطبقوا على أن الخبر الضعيف لا يثبت به حكم.

فان قلت : هذا الاستدلال يحتمل أن يكون من صاحب الإيضاح ذكره دليلا لهم ، وعلى هذا فلا يثبت كون هذا الخبر متواتراً عندهم.

قلت : هذا احتمال بعيد بل باطل ، إذ لا إجماع هنا ولا آية ولا رواية ولا دليل اجتهادي سوى إطلاق الأمر بالاعتمار ، فلو لم يكن هذا الخبر دليلهم على هذا المطلب ، لكان قولهم هذا مجرد دعوى بلا دليل ، وهذا ينافي عدالتهم المتفق عليها بين أرباب الرجال.

ويدل على كون هذا الاستدلال من السيد ما نقل عنه أنه استدل في المسائل الناصرية على ما ذهب اليه بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله « العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما » حيث قال : ولم يفصل عليه‌السلام بين أن يكون ذلك في سنة أو سنتين وشهر أو شهرين (١).

وقال ابن إدريس بعد نقل اختلاف الأصحاب في أقل ما يكون بين العمرتين ، وان بعضهم قال : لا أوقت وقتاً ولا أجعل بينهما مدة ، وتصح في كل يوم عمرة : وهذا القول يقوى في نفسي وبه أفتي ، واليه ذهب السيد في الناصريات ، ثم قال : وما روي في مقدار ما يكون بين العمرتين بأخبار آحاد لا يوجب علماً ولا عملا (٢).

أقول : وأما ما أفاده العلامة في المختلف بقوله : واستدلاله ـ أي : السيد ـ غير ناهض ، إذ حكمه عليه‌السلام بكون العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما لا دلالة فيه على التقدير ولا على عدمه.

ففيه أن الأصل عدم التقدير ، والعمرة مشروعة بالاتفاق ، فلا اختصاص لها

__________________

(١) المسائل الناصريات مسألة : ١٣٩.

(٢) السرائر ص ٦٣٤.

١٣٨

بوقت دون آخر ، فإذا انتفت دلالة الاخبار على التقدير ، لان بعضها كأخبار الشهر لا دلالة عليه ، وبعضها ضعيف السند ، وبعضها مأول توفيقاً بين الاخبار ، يثبت أن العمرة لا وقت لها ولا مدة لما بينهما ، بل تصح في كل يوم عمرة ، مع أن السيد قد بين طريق دلالته على عدم التقدير بقوله « ولم يفصل » وحاصله أن ترك الاستفصال دليل عموم المقال ، فيعم عمرتين بينهما فصل بشهر وعشرة أيام وغيرهما.

وأيضاً يمكن أن يقال : انهم لما لم يكونوا عاملين باخبار الآحاد ، فأخبار السنة والشهر وعشرة أيام ليست بمعتبرة عندهم ، وعلى هذا فلا دليل هنا يدل على تحديد ما بين العمرتين ، ولذلك لم يجعلوا للمدة بينهما حداً لعدم الدليل عليه ، فجوزوا الاتباع بينهما مطلقا لإطلاق الأمر بالاعتمار.

أقول : وبمثل هذا يمكن أن يستدل من قبل العامل بأخبار الآحاد أيضاً ، لأن بعد انتفاء دلالة روايات الشهر على الفصل بشهر وضعف رواية عشرة أيام ، يظهر أن لا دليل هنا على تحديد ما بين العمرتين ، والتحديد بحد بدونه ترجيح لا مرجح معه ، وبه يثبت أن لا حد للمدة بينهما ، ويؤيده أصالة عدم الحد ، فهذا الاستدلال مشترك بين الفريقين ، وعلى التقريرين يثبت أصل المدعى ، فتأمل.

فإن قلت : ان المحقق في المعتبر بعد أن استدل على طهارة سؤر الجلال بروايتي علي بن أبي حمزة وعمار قال : لا يقال علي بن أبي حمزة واقفي وعمار فطحي فلا يعمل بروايتهما. لأنا نقول : الوجه الذي لأجله عمل برواية الثقة قبول الأصحاب وانضمام القرائن ، لأنه لو لا ذلك لمنع العقل من العمل بخبر الثقة ، إذ لا قطع بقوله ، وهذا المعنى موجود هنا ، فإن الأصحاب عملوا برواية هؤلاء هنا كما عملوا هناك (١) انتهى. ولعله لذلك حكم هنا باستحباب المفردة في كل عشرة أيام.

__________________

(١) المعتبر ١ / ٩٤.

١٣٩

قلت : ان جماعة من الأصحاب ومنهم المحقق لم يعملوا برواية ابن أبي حمزة هنا ، كما صرح به الشارح الفاضل من اختيارهم القول بالتوالي ، وكذا كل من قال بروايات الشهر والسنة ووجوب العمل بها ، نعم شر ذمة قليلة منهم عملوا بروايته وبهذا لا ينجبر ضعفه. وبالجملة رواية العشرة ضعيفة السند.

وأما روايات الشهر ، فهي وان كان فيها ما هو صحيح السند ، الا أنه لا ينافي القول بالتوالي ودليله ، بل تجمع معه كما مر غير مرة ، فينبغي أن يكون مدار العمل عليه ، لركون النفس بقوة دليله اليه ، مع أن العمل به كما عرفت لا يوجب طرح شي‌ء من الاخبار ، بخلاف العمل بغيره ، والجمع بين الاخبار مهما أمكن أولى من اطراح بعضها رأساً ، وخاصة إذا كان ذلك البعض مما تلقاه بالقبول جم غفير من الفحول ، وجمع كثير من ذوي الأحلام والعقول.

هذا وقد استبان مما حررناه ضعف قول صاحب المدارك ، وان كان اعتبار الشهر لا يخلو من قوة ، وقوة قول صاحب المسالك وهو أقوى.

أما الأول ، فلما عرفته من عدم دلالة روايات الشهر على أن الفصل بين العمرتين لا بد وأن يكون بشهر.

وأما الثاني ، فلان بعد انتفاء دلالة روايات الشهر على الفصل بشهر وضعف رواية العشرة ، ووجوب تأويل روايات السنة تخلصاً عن التناقض بين الاخبار ، مع إطلاق الأمر بالاعتمار ، وعموم قول سيد الأبرار : العمرة إلى العمرة كفارة ما بينهما ، وقول سيدنا الصادق عليه‌السلام : المعتمر يعتمر في أي شهور السنة شاء ، تثبت قوة القول بالتوالي وعدم حد ما بين العمرتين ، فلو بدل الأقوى بالقوي لكان في محله ، إذ لا قوة لشي‌ء من الأقوال الثلاثة السابقة ، كما يظهر من التأمل في أطراف ما حررناه ، فتأمل.

١٤٠