القواعد والفوائد - ج ١

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

القواعد والفوائد - ج ١

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: السيّد عبد الهادي الحكيم
الموضوع : الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٧
الجزء ١ الجزء ٢

قاعدة ـ[١٢]

السبب قد يكون قولا ، كالعقد والإيقاع.

ومنه تكبيرة الإحرام ، والتلبية. وقد يكون فعلا ، كالالتقاط ، والاحتياز (١) ، وإحياء الموات والكفر ، والزنا ، وقتل النّفس المعصومة ، والوطء المقرر لكمال المهر.

وربما كان السبب الفعلي أقوى من القولي ، فان السفيه لو وطئ أمته فأحبلها صارت أم ولد وتنعتق بموته. ولو باشر عتقها لم يصح.

والعبد لو التقط تملك السيد إن شاء ، ولو وهب لم يملك السيد ولا يتملك.

قاعدة ـ [١٣]

أقسام السبب والمسبب باعتبار الزمان ثلاثة :

الأول : ما يقارن المسبب ، كالشرب ، والزنا ، والسرقة ، والمحاربة المقارنة لاستحقاق الحدّ.

وقتل الكافر يقارنه استحقاق السلب مع الشرط ، لا بدونه في الأصح. ومثله تقارن الملك وأسبابه الفعلية ، كالحيازة ، والاصطياد ، والأخذ من المعدن ، وإحياء الموات.

القسم الثاني : ما يتقدم فيه المسبب (٢) ، كتقديم غسل الجمعة في الخميس ، وغسل الإحرام على الميقات ، وأذان الفجر ليلا ، وزكاة الفطر في شهر رمضان على قول مشهور (٣) ، إلا أن يجعل السبب دخول

__________________

(١) في (م) : والاحتطاب.

(٢) في (ا) زيادة : على السبب.

(٣) انظر : العلامة الحلي ـ مختلف الشيعة : ٢ ـ ٢٩.

٤١

الشهر فيكون من قسم المقارن. وتقديم الزكاة قبل الحول على قول (١) وعدّ منه (٢) : توريث الوارث الدية ، مع أنها لا تجب إلا بعد موت القتيل ، ويمتنع عليه الملك حينئذ ، وإنما (قدر تقدم ملكه) (٣) قبل موته لينتقل إلى وارثه. وربما التزم بجواز ملك الميت في هذه الصورة ، ولهذا تقضى منها (٤) ديونه ، وتنفذ وصاياه.

ولا يجوز ـ على ما تقدم ـ جزاء الصيد قبل موته ، وجزاء اللبس (٥) والحلق ، والطيب ، قبل فعلها (٦) ، ولا كفارة الظهار قبل العود ، ولا كفارة القتل قبل الزهوق ، ولا كفارة اليمين قبل (٧) الحنث.

القسم الثالث : ما فيه شك ، وهو صيغ العقود والإيقاعات ، فإنه يمكن أن يقال : بمقارنة الحكم للجزء الأخير من الصيغة (٨) ، أو يقع

__________________

(١) انظر : سلار الديلمي ـ المراسم : ٦ (طبع ضمن الجوامع الفقهية) ، والعلامة الحلي ـ مختلف الشيعة : ٢ ـ ١٧ (نقلا عن ابن أبي عقيل العماني بما يشعر جواز التعجيل).

(٢) انظر : القرافي ـ الفروق : ١ ـ ٧٢ ، ٣ ـ ٢٢٣.

(٣) في (م) و (أ) : قدم بقدر تملكه ، وما أثبتناه مطابق لما في الفروق.

(٤) في (م) : من هذا.

(٥) في (ح) زيادة : قبل لبسه.

(٦) في (ح) : فعلهما.

(٧) في (ك) و (م) : على.

(٨) وهو مذهب أبي الحسن الأشعري وأبي إسحاق الأسفراييني. انظر : القرافي ـ الفروق : ٣ ـ ٢١٨ ، ٢٢٤.

٤٢

عقيبه بغير فصل (١).

وتظهر الفائدة في مواضع :

منها : لو أسلم أبو الزوج الصغير وزوجته البالغة معا ، فعلى المقارنة للجزء الأخير فالنكاح باق ، وعلى الوقوع عقيبه ينفسخ ، لأن إسلام الطفل مسبب عن إسلام أبيه ، فيكون واقعا عقيبه ، وإسلام المرأة معه.

ومنها : لو باع المفلس ماله من غرمائه بالدين ، فان قلنا ارتفاع الحجر يقارن الجزء الأخير من البيع صحّ ، وإن قلنا بتعقبه بطل ، لأن صحة البيع موقوفة على رفع الحجر ، الموقوف على سقوط الدين ، الموقوف على صحة البيع ، فيدور.

وربما جزم بصحة البيع هنا ، لأن هذا الحجر لحق الغريم ، والغرض منه عدم نزول الضرر به ، وهو منفي هنا. فجرى مجرى بيع (الراهن من المرتهن) (٢) الرهن. أو نقول : مجرد إيقاع القبول معه رضاء برفع الحجر.

قاعدة ـ [١٤]

قد تتداخل الأسباب مع الاجتماع ، كالأحداث الموجبة للطهارة ،

فإذا نوى رفع واحد منها ارتفع الجميع ، إلا أن ينوي عدم رفع غيره ، فتبطل الطهارة.

وإنما حكم بالتداخل لأن الأحداث لا يمكن الحكم عليها بالارتفاع ، بل المرتفع القدر المشترك بينها ، وهو المنع من العبادة ، وخصوصيات الأحداث ملغاة.

__________________

(١) نسبه القرافي إلى جماعة من الفقهاء. انظر نفس المصدر السابق.

(٢) في (ك) : الرهن من الراهن ، وفي (ح) : الرهن من المرتهن.

٤٣

ويجري للأصحاب (١) خلاف في تداخل الأغسال المسنونة عند انضمام الواجب إليها (٢) ، والمروي التداخل (٣).

وأما الأغسال الواجبة فالأقرب تداخل أسبابها على الإطلاق ، لكن إن نوى خصوصية توجب الوضوء والغسل وجبا ، وإلا اكتفى بالغسل وحده ، كما لو نوى الجنابة.

وأما الاجتزاء بغسل الميت لمن (٤) مات جنبا ، أو حائضا بعد طهرها ، فليس من هذا الباب ، لأن (الموت يرفع) (٥) التكليف ، فلا يبقى للأسباب المتقدمة أثر. وما روي : من أنه يغسل غسل الجنابة بعد موته (٦) ، يوجب عدم التداخل في الغسلين المنسوبين إلى الولي المباشر لغسله أو نائبه. وأما الميت فلم يبق له هنا مدخل إلا في قبول التغسيل إذا كان مسلما.

ومن التداخل : موجبات الإفطار في يوم واحد على قول (٧).

__________________

(١) في (م) : لبعض الأصحاب.

(٢) ذهب العلامة الحلي إلى عدم التداخل ، وقال الشيخ الطوسي وابن أبي عقيل بالتداخل. انظر : المبسوط : ١ ـ ٤٠ ، ومنتهى المطلب : ١ ـ ١٣٣.

(٣) انظر : الحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ٢ ـ ٩٦٣ ، باب ٣١ من أبواب الأغسال المسنونة ، حديث : ١.

(٤) في (أ) و (م) : إن.

(٥) في (ا) : بالموت يرتفع.

(٦) انظر : الحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ٢ ـ ٧٢٢ ، باب ٣١ من أبواب غسل الميت ، حديث : ٧.

(٧) انظر : الشيخ الطوسي ـ المبسوط : ١ ـ ٢٧٤ ، وابن حمزة الوسيلة : ٢٣ ، والمحقق الحلي ـ شرائع الإسلام : ١ ـ ١٩٤ ، والعلامة الحلي ـ منتهى المطلب : ٢ ـ ٥٨٠.

٤٤

ويتداخل ما عدا الوطء في قول (١). ويتداخل مع عدم تخلل التكفير في آخر (٢). وعدم التداخل مع اختلاف الجنس لا مع اتحاده (٣).

ومنه تداخل مرات الزنا في وجوب حدّ واحد ، وكذا السرقات المتكررة ولم يظفر به ، والوطء المتعدد في شبهة واحدة (٤).

ولا تتداخل مرات الوطء بالاستكراه على الأقوى.

قاعدة ـ [١٥]

قد يتعدد السبب ويختلف الحكم المترتب عليه ، وهو أقسام :

الأول : ما لا يمكن فيه الجمع ، كقتل الواحد جماعة ، إما دفعة ـ كأن يسقيهم سمّا ، أو يهدم عليهم جدارا ، أو يغرقهم ، أو يحرقهم ، أو يجرحهم فيسري إلى الجميع ـ أو على التعاقب. ففي الأول يقتل بالجميع ،

__________________

(١) انظر : الشيخ الطوسي ـ الخلاف : ١ ـ ١٤٦ (نقلا عن السيد المرتضى).

(٢) انظر : العلامة الحلي ـ مختلف الشيعة : ٢ ـ ٥٧ ، وتذكرة الفقهاء : ١ ـ ٢٦٥ (نقلا عن ابن الجنيد) واختاره هو أيضا. كما ذهب إليه المالكية. انظر : ابن جزي ـ قوانين الأحكام الشرعية : ١٤٢.

(٣) انظر العلامة الحلي ـ مختلف الشيعة : ٢ ـ ٥٧ ، وقواعد الأحكام : ٢٥.

(٤) فإنه لا يوجب إلا صداق مثل واحد. انظر : القرافي ـ الفروق : ٢ ـ ٣٠.

٤٥

وفي وجه لبعض الأصحاب (١) يقتل بواحد ـ إما بالقرعة ، أو بتعيين الإمام ـ وبأخذ الباقون الدية.

وفي الثاني يقتل بالأول ، فان عفى عنه أو صولح بمال قتل بالثاني.

وعلى هذا ، ويكون (٢) لمن بعده الدية. وقيل (٣) : يقتل بالجميع كالدفعي ، ويكون لهم ديات مكملة لحقوقهم ، على احتمال مخرج مما (٤) إذا هرب القاتل أو مات وقلنا تؤخذ الدية من تركته.

الثاني : ما يتصور فيه الجمع ، كالفريضة يصليها داخل المسجد ، فإنه تتأدى بها التحية على احتمال (٥) ، وتكبيرة المأموم (٦) يدرك بها الإمام راكعا ، يتأدى بها التحريم والتكبير عند الشيخ (٧) رحمه‌الله.

الثالث : ما يمكن فيه إعمال السببين ، كما في توريث عمّ هو خال ، وجدة هي أخت ، على نكاح المجوس ، أو في الشبهة للمسلمين.

الرابع : ما يتنافيان (٨) فيه فيقدم الأقوى منهما ، كتوريث الأخ الذين هو ابن عم.

الخامس : ما يتساقطان فيه ، كتعارض البينتين على القول بالتساقط.

وتعارض الدعاوي لا تساقط فيه ، لوجوب اليمين على كل من

__________________

(١) انظر العلامة الحلي ـ تحرير الأحكام : ٢ ـ ٢٥٦.

(٢) في (ح) : يكون.

(٣) قاله عثمان البتي. انظر : الشيخ الطوسي ـ الخلاف : ٢ ـ ١٤١.

(٤) في (ح) و (م) : كما.

(٥) ذهب إليه المالكية. انظر : القرافي ـ الفروق : ٢ ـ ٢٩.

(٦) في (ا) زيادة : الّذي.

(٧) انظر : الشيخ الطوسي ـ الخلاف : ١ ـ ٤٤.

(٨) في (أ) : ما يتباينان.

٤٦

المتداعيين فيه.

قاعدة ـ [١٦]

قد يكون السبب الواحد موجبا لأمور ، وهو أقسام (١) :

الأول : ما يندرج فيه بعضها في بعض ، كالزناء ، فإنه سبب واحد ومن ضرورته الملامسة ، وهي توجب التعزير ، والزنا يوجب الحد ، فيدخل الأضعف تحت الأقوى.

وكقطع الأطراف ، فإنه بالسراية إلى النّفس تدخل دية الطرف في دية النّفس.

وأما القصاص فثالث الأقوال (٢) تداخله إن كان بضربة واحدة ، وإلا فلا.

وزنا المحصن سبب واحد له عقوبتان : الجلد ، والرجم ، فيجتمعان على الشيخ والشيخة ، وفي الشاب والشابة قولان : أصحهما الاجتماع (٣) وقيل (٤) : لا ، لأن ما يوجب أعظم الأمرين بخصوصه لا يوجب

__________________

(١) في (أ) : أنواع.

(٢) في المسألة أقوال ثلاثة : قول بالتداخل مطلقا ، وهو رأي الشيخ الطوسي في المبسوط : ٧ ـ ٢٢. وقول بعدم التداخل مطلقا ، وهو مذهبه في الخلاف : ٢ ـ ١٤٦. وابن إدريس في السرائر : ٤٣٣. وأما التفصيل فرأي الشيخ الطوسي في النهاية ، ٧٧١ ، وبه قال ابن الجنيد. انظر : العلامة الحلي ـ مختلف الشيعة : ٥ ـ ٢٥٧.

(٣) ذهب إليه كذلك ابن إدريس في السرائر : ٤٤٠.

(٤) انظر : الشيخ الطوسي ـ النهاية : ٦٩٣ (طبعة لبنان) ، وابن حمزة ـ الوسيلة : ١٨١ ، وابن زهرة ـ الغنية : ٧٤.

٤٧

أخفهما بعمومه.

الثاني : ما لا اندراج فيه ، كالحيض ، والنفاس ، وكثير الاستحاضة سبب في الوضوء والغسل ، ولا يدخل أحدهما تحت الآخر.

وكالقتل يوجب الفسق والقود والكفارة جمعا إن كان عمدا ، ويوجب الدية والكفارة إن كان خطا أو شبيها.

واستهلاك مال الغير عمدا يوجب الضمان والتعزير (١).

وقذف المحصنة أو المحصن يوجب الجلد والفسق.

وزنا البكر يوجب الجلد والجز والتغريب (٢).

والحدث الأصغر سبب لتحريم الصلاة ، والطواف ، وسجود السهو وسجود العزيمة على قول (٣) ، ومسّ خط القرآن.

والحدث الأكبر يزيد على ذلك : قراءة العزائم ، ودخول المساجد ، والاجتياز في المسجدين الشريفين ، وتحريم الصوم ، والوطء في الحيض والنفاس ، والطلاق فيه غالبا. إلى أحكام كثيرة.

وأكثر الأسباب مسببات النكاح ، عقدا ووطءا ، فإنه تترتب عليه أحكام كثيرة تأتي في الفوائد إن شاء الله تعالى (٤).

__________________

(١) في (ح) زيادة : والفسق.

(٢) التغريب : النفي عن البلد لمدة عام واحد.

(٣) انظر : النوويّ ـ المجموع شرح المهذب : ٢ ـ ٦٧ ، وابن عابدين ـ رد المختار : ١ ـ ٨٠٢ ، وابن جزي ـ القوانين الفقهية : ٣٩ (طبعة لبنان).

(٤) انظر في هذه القاعدة : ابن عبد السلام ـ قواعد الأحكام : ٢ ـ ١٠٠ ـ ١٠٣.

٤٨

قاعدة ـ [١٧] قد

يكون السبب فعليا منصوبا (١) ابتداء ، كما ذكرنا من القتل والزنا ، واللواط (٢).

وقد يكون فعليا غير منصوب (٣) من الشارع بالأصالة ولكن دلّ عليه القرائن الحالية والمقالية ، كتقديم الطعام إلى الضيف ، فإنه مبيح للأكل وإن لم يأذن بالقول ، على الأصح. وتسليم الهدية إلى المهدي إليه وإن لم يحصل الإيجاب القولي ، لظاهر فعل الخلف والسلف. وكذلك صدقة التطوع ، وكسوة (٤) القريب والصاحب (٥) ، وجوائز الملوك من كسوة ومركوب وغيرهما. وعلامة الهدي ، كغمس النعل في دمه وجعله عليه ، أو كتابة رقعة عنده. وشدّ المال على اللقيط وإركابه الدّابّة ووضعه في الخيمة أو الفسطاط. والوطء في مدة الخيار من البائع أو

__________________

(١) في (ح) و (م) و (أ) : منصوصا ، وما أثبتناه مطابق لما سيأتي منه في قاعدة ٤٧.

(٢) في (ح) و (م) : والوطء.

(٣) في (ح) و (م) و (أ) : منصوص ، وما أثبتناه مطابق لما سيأتي منه في قاعدة ٤٧.

(٤) في (ح) و (م) و (أ) : وزكاة ، ولعل ما أثبتناه أصح ، لأنه سيأتي منه في قاعدة ٤٧ عدّ كسوة القريب والصاحب من الأسباب الفعلية غير المنصوبة ابتداء ، مع اتفاق النسخ هناك على ذلك.

(٥) الصاحب : هو الّذي كثرت ملازمته ، والمعاشر عشرة طويلة. انظر : الراغب الأصفهاني ـ المفردات : ٢٧٥ ، كتاب الصاد مادة (صحب).

٤٩

المشتري. والوطء في الرجعية قطعا ، وفي الاختيار إذا أسلم أكثر من الأربع مع الزوج. وكذا التقبيل في الرجعية قطعا ، وفي الاختيار على قول (١). والمعاطاة في السلعة (٢) تفيد إباحة التصرف ، لا الملك ، وإن كان في الحقير ، عندنا.

قاعدة ـ [١٨]

لا يكفي تسليم العوض في الخلع عن بذلها لفظا ، أو قبولها بعد إيجابه ، ولا تسليم الدية في سقوط القصاص ، بل لا بد من التلفظ بالصلح وشبهه (٣).

ولو خصّ الإمام بعض الغانمين بأمة ، وقلنا بتوقف الملك على اختيار التملك ، فوطئ ، أمكن كونه اختيارا ، لأن الوطء لا يقع إلا في الملك.

قاعدة ـ [١٩]

ومن الأسباب الفعلية ما يفعل بالقلب ، كنيات الزكاة والخمس في التملك ، ونيات العبادات في ترتب أحكامها عليها.

ومنها : الإرادة ، والكراهة ، والمحبة ، والبغضاء ، فلو علّق إظهارها بإرادتها أو كراهتها أو محبتها أو بغضها ، فالظاهر وقوعه ويقبل قولها لو ادعته ، كدعوى الحيض. فلو اتهمها ، فالأقرب أنه يحلّفها.

__________________

(١) انظر : العلامة الحلي ـ تحرير الأحكام : ٢ ـ ٢٠.

(٢) في (م) : البيع.

(٣) في (ا) زيادة : كالعفو.

٥٠

ولو علّقه بما يشهد الحس (١) بعدم محبته ، كمحبة دخول النار وأكل السم ، أو الشرع ، كمحبة الكفر وعبدة الأوثان لكونهم كذلك ، فادعته ، احتمل القبول لأنه (نصبه سببا) (٢) ولا يعلم إلا منها ، وعدمه ، للقطع بكذبه. ويحتمل الفرق بين الأمرين ، لأن الطبع معين على الأول دون الثاني ، فيقبل منها في الثاني ، ولا يقبل منها (٣) في الأول ، وخصوصا مع عدم التقوي.

وكذا لو علّقه ببغضة ما يخالف الحسّ ، أو العقل ، أو الشرع.

قاعدة ـ [٢٠]

التعليق بالمشيئة يقتضي التلفظ ، فلا تكفي الإرادة المجردة ، لأن الخطاب بذلك يستدعي جوابا استدعاء عرفيا ، فلو أرادت بالقلب ولمّا تتلفظ لم يقع الظهار. ولو تلفظت مع كراهتها بالقلب ، وقع الظهار ظاهرا ، وفي وقوعه باطنا بالنسبة إليها إشكال ، من حيث أن التعليق بلفظ المشيئة ، وقد وقع ، ومن أن اللفظ دال على ما في الباطن ، فهو كما لو علّق بحيضها فادعته كاذبة ، فإنه لا يقع باطنا.

قاعدة ـ [٢١]

كل تعليق على لفظ مجرد أو فعل مجرد فإنه تتصور صحته من الصبي فلو علّق الظهار على تكلم الصبي ، أو على دخوله الدار ، صح. ولو

__________________

(١) في (ا) : العقل.

(٢) في (ح) : عين شيئا ، ويبدو أن الصواب ما أثبتناه ، فإنه سيأتي منه في قاعدة ٤٧ نفس العبارة مع اتفاق النسخ عليها هناك.

(٣) زيادة من (ح).

٥١

علقه على إرادته أو على مشيئته ، صح إن كان مميزا ، ويقبل قوله وتلفظه بالمشيئة. فلو اتهمها وكانت مميزة فليس له إحلافها ، لعدم بلوغها.

ويحتمل عدم اعتبار نية الصبي ، لأنها كما لا تؤثر في العبادات صحته ولا مشيئته كذا لا (١) تؤثر في العقود صحته.

ولو علق على فعل غير المرأة ، أو قوله ، صح ، فلو كان مما يتوقف على الإرادة ، أو نفس الإرادة وشبهها من أفعال القلوب ، قبل قوله على الأقرب في حق الزوج. ويحتمل عدمه ، لأصالة الحل ، وقول الأجنبي لا يكون حجة على غيره. وهو ضعيف ، وإلا لم يكن للتعليق فائدة.

ولو اتهمه فليس له إحلافه ، لأن اليمين لا تكون من إنسان لإثبات حق لغيره ، ولا لنفيه عن غيره.

قاعدة ـ [٢٢]

قد سلف (٢) أن الوقت قد يكون سببا لحكم شرعي ، كأوقات الصلوات ، وهو أيضا ظرف للمكلف به. ولا تتخصص السببية بأوله ، كالدلوك ـ مثلا ـ وإلا لم يجب على من بلغ بعد دخول الوقت بلحظة ، بل كل جزء من الوقت سبب للوجوب وظرف لإيقاعها فيه (٣).

__________________

(١) في (أ) و (م) : لم.

(٢) راجع ص ٤٠ ، قاعدة : ١٠.

(٣) في (ا) زيادة : ومن ثمَّ وجب على الصبي عند بلوغه في أثناء الوقت وعلى الكافر عند إسلامه وعلى المجنون عند إفاقته. (وسيتعرض المصنف إلى هذه المسألة في قاعدة ٤٨ من غير ذكر لهذه الزيادة).

٥٢

وكذا أجزاء (١) أيام الأضاحي سبب للأمر بالأضحية ، وظرف لا لإيقاعها فيها (٢) ، ومن ثمَّ استحب على من تجدد بلوغه أو إسلامه أو يساره في أثنائها.

وأما شهر رمضان فكل يوم منه سبب للوجوب على جامع الشرائط وليست أجزاؤه أسبابا ، ومن ثمَّ لم يجب على المسلم في أثنائه ، أو البالغ أو الطاهر من الحيض والنفاس (٣) (٤).

قاعدة ـ [٢٣]

إذا كان المانع مختصا بالحكم. كما في المريض والمسافر بالنسبة إلى الصوم فأجزاء النصف الأول من النهار سبب في الوجوب ، كما أن مجموع النهار سبب في الوجوب. بخلاف مانع السبب ، لأن السببية باقية فيهما ، وإنما حصل فيهما (٥) منع الحكم بالوجوب ، فإذا زال ، ظهر أثر السبب.

فان قلت : فهلا ساوى آخر النهار أوله في السببية ، كما في ثبوت كونه من الشهر فإنه يجب الصوم ولو بقي من النهار لحظة؟

__________________

(١) زيادة ليست في (ح) و (م).

(٢) في (ا) زيادة : ومن الوقت ما ليس بسبب ، كزكاة الفطرة ، بل مجرد الهلال سبب تام في وجوبها ، وليس الوقت بعده سببا ولا جزء سبب. (وسيتعرض المصنف لهذه المسألة كذلك في قاعدة ٤٨ من دون ذكر لهذه الزيادة).

(٣) انظر : ابن إدريس ـ السرائر : ٨٧ ، والنوويّ ـ المجموع : ٦ ـ ٢٥٥.

(٤) انظر في هذه القاعدة : القرافي ـ الفروق : ١ ـ ٢٢٠ ـ ٢٢١.

(٥) في (ح) : منهما.

٥٣

قلت : معظم الشي‌ء يقوم مقام ذلك الشي‌ء في مواضع ، منها : الصوم ، ولهذا أجزأ تجديد النية في النصف الأول لبقاء المعظم. بخلاف ما إذا زالت الشمس ، لزوال المعظم. فأما في اليوم الّذي يظهر وجوب الصوم فيه فالسببية حاصلة في نفس الأمر ، وإنما جهل وجودها ، فإذا علم ذلك ، تبعه الحكم. بخلاف المريض والمسافر ، فان الوجوب ليس حاصلا فيهما في نفس الأمر ، وإنما تجدد بزوال العذر.

قاعدة ـ [٢٤]

قد يعرى الوقت عن السببية ، وإن كان لا يعرى عن الظرفية ، كالمنذورات المعلقة على أسباب مغايرة للأوقات ، فوقتها جميع العمر.

وكالسنة بكمالها في قضاء شهر رمضان ، فإنها ظرف للإيقاع ، وليست سببا بل السبب هو فوات الصوم ، لتأثير السبب الموجب للأداء.

وكذلك شهور العدة أو الأقراء ظروف للعدة ، وليست أسبابا فيها وإنما السبب الطلاق أو الفسخ أو الوفاة.

وسبب الفطرة دخول شوال على الأصح ، ومجموع الليلة ونصف النهار المستقبل ظرف للأداء ، فلو بلغ في أثنائه أو أسلم لم يجب ، وكذا لو استغنى أو عقل ، أو ملك عبدا ، أو تزوج امرأة ممكّنة.

قاعدة ـ [٢٥]

كل حكم تعلق على سبب لا اختلاف فيه فإنه يحصل حين حصول السبب. وإن اختلف بحسب وقت التعليق ووقت الوقوع ، ففي اعتبار أيهما؟ وجهان. وله صور :

منها : أن يوصي إلى فاسق ، فيصير عدلا عند الوفاة ، أو إلى

٥٤

صبي (١) ، فيبلغ ، أو كافر ، فيسلم.

ومنها : لو نذر المريض الصدقة (بثلث ماله) (٢) عند برء مرضه ، فهل يعتبر ثلثه حالة البرء ، أو حالة النذر؟. أما لو كان النذر منجزا فإنه يعتبر حالة النذر قطعا.

ولو أوصى بثلث ماله فالمشهور عندنا (٣) اعتبار حالة الوفاة.

ومنها : لو أرضى العبد بمال ثمَّ أعتق ومات. أو نذر العتق أو الصدقة ، فتحرر.

ومنها : أن يعلق الظهار على مشيئة زيد وكان ناطقا ، فخرس ، فهل تعتبر الإشارة ، اعتبارا بحال مسيئته ، أو النطق ، اعتبارا بحال تعليقه؟

فيه الوجهان.

ومنها : لو نذر الصحيح عتق عبد عند شرط ، فوقع في المرض فان اعتبرنا حالة النذر ، فهو من الأصل ، وإلا فمن الثلث.

قاعدة ـ [٢٦]

كلما شك في سبب الحكم بني على الأصل ، فهنا صورتان :

إحداهما : أصالة الحل ، والشك في السبب المحرم ، فان كان هناك إمارة عول عليها ، كالطائر المقصوص والظبي المقرط (٤) ، فإنه يحرم وإن كان الأصل الحل ، لقوة الأمارة. وكذا لو بال الكلب في الكر

__________________

(١) في (ك) و (م) : الصبي.

(٢) في (ك) و (م) : الصدقة بماله.

(٣) انظر الشيخ الطوسي ـ الخلاف : ٢ ـ ٤٣ ، والعلامة الحلي ـ تحرير الأحكام : ١ ـ ٢٩٤.

(٤) القرط : الّذي يعلق في شحمة الاذن.

٥٥

ثمَّ وجده متغيرا.

وإن فقدت الأمارة بني على الحل ، كما لو مر طائر فقال رجل : إن كان هذا غرابا فزوجتي عليّ كظهر أمي. وقال الآخر : إن لم يكن غرابا فزوجتي عليّ كظهر أمي. ثمَّ غاب ، وتحقق اليأس من معرفته ، (فإن الأقرب) (١) الحل في المرأتين.

أما لو جعله في إحدى (٢) زوجتيه اجتنبهما ، لوجوب اجتناب إحداهما ، ولا يتم إلا باجتناب الجميع.

ومن ذلك : طين الطريق ، وثياب (مدمن الخمر) (٣) والنجاسة والميتة مع المذكى غير المحصور ، والمرأة المحرمة مع نساء لا ينحصرن ، فإنه يحكم بالطهارة والحل ، وإن كان الاجتناب أحوط إذا وجد ما لا شبهة فيه.

ومن ذلك : وقوع التمرة المحلوف عليها في تمر كثير ، فإنه يأكل ما عدا واحدة.

ومن ذلك : وجدان المال في أيدي الظلمة والسراق ، وإن كان الورع تركه ، بل من الورع ترك ما لا يتيقن حله (٤) ، كما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنه قال : (إني لأجد التمرة ساقطة على فراشي فلو لا أني أخشى أن تكون من الصدقة لأكلتها) (٥).

__________________

(١) في (ا) : فالأقرب.

(٢) زيادة ليست في (ك).

(٣) زيادة ليست في (ك).

(٤) في (ا) : حاله.

(٥) رواه المتقي الهندي بلفظ : (إني لانقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها ثمَّ أخشى أن تكون صدقة فألقيها) كنز العمال : ٣ ـ ٢٨٥ ، حديث : ٤٧٠٥.

٥٦

ومنه : لو غلب في بلد الحرام على الحلال بحيث يكون الحلال نادرا ، فالورع أيضا تركه ، وهو آكد من الأول إلا مع الضرورة ، فيأكل (١) من غير تبسط.

الصورة الثانية : أن يكون الأصل الحرمة ، ويشك في الإباحة ، فيبني على الحرمة ، كالصيد المرمي ، فيغيب ، فيوجد ميتا ، حرام إلا أن يقضي أن الضربة قاتلة ، إما لكونها في محل قاتل ، وإما لغلبة الظن بعدم عروض سبب آخر. وكذا اللحم المطروح ، والجلد الموضوع ، إلا مع الظن الغالب بتذكيته.

قاعدة ـ [٢٧]

كل عبادة علم سببها وشك في فعلها وجب فعلها إن كانت واجبة ، واستحب إن كانت مستحبة ، كمن شك في الطهارة بعد تيقن الحدث ، وفي فعل الصلاة ووقتها باق ، وفي أداء الزكاة ، و (٢) باقي العبادات.

ويجزم الناوي بالوجوب ، لاستصحاب الوجوب المعلوم.

وكذا لو توقف الخروج عن العهدة على فعل زيادة على الواجب نوى الوجوب في الجميع ، كالصلاة المنسية غير المعلوم عينها ، وتكون النية جازمة.

ومنه : الصلاة في الثياب الكثيرة المشتبهة بالنجس. وطعن فيه بعض الأفاضل (٣) : بأن الناوي غير جازم ، وصار إلى الصلاة عاريا.

وعلى ما قلناه فالصلاة في الجميع بنية الوجوب الجازم. وظن

__________________

(١) في (ح) : فإنه يأكل.

(٢) في (م) : وفي.

(٣) انظر : ابن إدريس ـ السرائر : ٣٣.

٥٧

بعض العامة (١) : أن الشك في هذه الصورة سبب في الوجوب. وليس الأمر كما ظن ، بل السبب هو ما قبل الشك من المقتضيات للحكم ، لكن لما توقف الخروج عن العهدة بالزائد على الواجب وجب ، ولو كان الشك سببا في الوجوب لا طرد (٢) ، فيلزم تحريم الزوجة لو شك في طلاقها ووجوب اجتنابها ، ويلزم وجوب مقتضي السهو لو شك هل عرض له في صلاته سهو؟ وليس كذلك قطعا.

قاعدة ـ [٢٨]

قد يكون الشك سببا في حكم شرعي ، كوجوب سجدتي السهو عند الشك بين الأربع والخمس ، ووجوب صلاة الاحتياط عند الشك في الأعداد ، كما هو مشهور (٣).

فان قلت : صلاة الاحتياط خارجة من (٤) ذلك ، لأنها بدل من جزء الأصل عدم فعله.

قلت : الجزئية (٥) وإن كانت ملحوظة إلا أن هناك أشياء مضافة إليها وجبت بالشك ، كتعين الحمد ، ووجوب التشهد والتسليم ، وانتقالها إلى التخيير بين الجلوس والقيام.

__________________

(١) انظر : القرافي ـ الفروق : ١ ـ ١٣١ ، ٢٢٦ ـ ٢٢٧.

(٢) في (م) زيادة : فيه.

(٣) انظر : العلامة الحلي ـ مختلف الشيعة : ١٣٢ ـ ١٣٥.

(٤) في (م) و (أ) : عن.

(٥) في (ك) : الجهة.

٥٨

قاعدة ـ [٢٩]

لو صلى ما عدا العشاء (١) بطهارة ، ثمَّ أحدث ، وصلى العشاء بطهارة ، ثمَّ ذكر فساد إحدى الطهارتين ، احتمل وجوب الخمس بعد الطهارة ، ليحصل اليقين. واحتمل وجوب صبح ورباعية يطلق فيها بين الظهر والعصر ، ثمَّ مغرب ، ثمَّ رباعية يطلق فيها بين العصر والعشاء ، ويردد بين الأداء والقضاء في هذه الرباعية مع بقاء وقت العشاء ، ومع خروجه ينوي القضاء.

فلو سها عن الوضوء الّذي كلف به الآن ثمَّ صلى الصلوات الخمس أو الأربع ، ثمَّ ذكر أنه لم يتوضأ الوضوء المخاطب به ، فعلى الاحتمال الأول ليس عليه إلا إعادة العشاء لا غير ، لأن الإخلال إن كان من طهارته (٢) الأولى فهو الآن متطهر ، وقد صلى بطهارة صحيحة ما فاته وزائدا عليه ، وإن كان من طهارته الثانية فلم يضره هذا التكرار ، ووجب عليه صلاة العشاء إن كان لم يصل الخمس بل اقتصر على الأربع. وعلى الاحتمال الثاني يحتمل هذا أيضا. ويحتمل أن يعيد ما عدا الصبح (٣) ، لأنه إذا كانت طهارته الأولى فاسدة وجب عليه الصلاة بنية جازمة ، وهنا قد وقع الترديد (٤).

__________________

(١) في (ك) زيادة : الآخرة له.

(٢) في (ك) : الطهارة.

(٣) في (ح) زيادة : والمغرب.

(٤) انظر هذه المسألة في الفروق للقرافي : ١ ـ ٢٢٧ ـ ٢٢٨.

٥٩

قاعدة ـ [٣٠]

متعلقات الأحكام (١) قسمان :

أحدهما : ما هو مقصود بالذات ، وهو المتضمن للمصالح والمفاسد في نفسه.

والثاني : ما هو وسيلة وطريق إلى المصلحة والمفسدة.

وحكم الوسائل في الأحكام الخمسة حكم المقاصد ، وتتفاوت في الفضائل بحسب المقاصد ، فكلما كان أفضل كانت الوسيلة إليه أفضل.

وقد مدح الله تعالى على الوسائل كما مدح على المقاصد بالذات ، قال الله تعالى (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ ، وَلا نَصَبٌ ، وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفّارَ ، وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً ، إِلّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ) (٢). فمدح على الظمأ والمخمصة كما مدح على النيل من العدو ، وإن لم يكن الظمأ والمخمصة بقصد المكلف ، لأنه إنما حصل بحسب وسيلته إلى الجهاد الّذي هو وسيلة إلى إعزاز الدين ، وإعلاء كلمة الله تعالى ، اللذين هما وسيلتان إلى رضوان الرب تبارك وتعالى (٣).

__________________

(١) في (ك) : الحكم

(٢) التوبة : ١٢٠.

(٣) انظر في هذه القاعدة : القرافي ـ الفروق : ٢ ـ ٣٣ ، وابن عبد السلام ـ قواعد الأحكام : ١ ـ ١٢٤ ـ ١٢٥.

٦٠