القواعد والفوائد - ج ١

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

القواعد والفوائد - ج ١

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: السيّد عبد الهادي الحكيم
الموضوع : الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٧
الجزء ١ الجزء ٢

ترجع إلى التحريم بالنسب ، والمصاهرة ، والرضاع.

وحرام جمعا مطلقا : وهو بين الأختين.

وحرام جمعا إلا مع الاذن : كبين العمة والخالة ، وبنت الأخ وبنت (١) الأخت ، وبين الحرة والأمة.

وحرام بحسب العارض : كالشغار ، ونكاح المعتدة ، والمحرمة ، والوثنية ، والمرتدة ، والملاعنة ، والكتابية بالدوام وشبهه.

وحرام بالاشتباه : كاختلاط محرم له بنساء محصورات.

الثاني : مكروه ، وهو نكاح العقيم ، وفي الأوقات المكروهة ، ونكاح المحلل ، والخطبة على خطبة المجاب.

الثالث : مستحب ، وهو النكاح في الأقارب ، لما فيه من الجمع بين الصلة وفضيلة النكاح (٢). : يستحب التباعد ، للخبر (٣).

الرابع : واجب ، وهو متصور في الوطء في أماكن ، كوطء المظاهر والمولي ، وبعد أربعة أشهر مطلقا. وقد يكون في الأمة ، والزوجة ، إذا غلب ظنه على وقوع الفاحشة لولاه.

__________________

نِسائِكُمُ اللّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ، وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ ...). (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ ...).

(١) زيادة من (ك) و (م).

(٢) انظر : النوويّ ـ منهاج الطالبين : ٧٨ ، والغزالي ـ الوجيز : ٢ ـ ٢ ، وابن قدامة ـ الكافي : ٢ ـ ٦٦٠

(٣) وهو إما قوله عليه الصلاة والسلام : (لا تنكحوا القرابة القريبة فإن الولد يخرج ضاويا). انظر : ابن حجر العسقلاني ـ تلخيص الحبير : ٣ ـ ١٤٦. أو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (اغتربوا لا تضووا). انظر : الشريف الرضي ـ المجازات النبوية : ٧٨ ، حديث : ٥٩.

٣٨١

وأما في العقد بحسب المحل فتصوره بعيد ، إلا أن يعلم وقوع الزنا من أجنبية ويعلم أنه لو تزوجها متعة منعها ولا ضرر فيه ، فيمكن وجوبه كفاية عند قيام غيره مقامه ، وعينا عند عدم غيره.

الخامس : مباح ، وهو ما عدا ذلك.

الرابعة

يحرم وطء الزوجة مع بقاء الزوجية بأمور : الحيض ، والنفاس ، والصوم الواجب ، إما المتعين ، أو مطلقا على احتمال (١) ، والإحرام ، والاعتكاف الواجب ، والإيلاء ، والظهار قبل التكفير ، والعدة عن وطء الشبهة ، والمفضاة قبل التسع ، وقيل (٢). تخرج من حباله. ولو برئت قيل (٣) : حلت. والعاجزة عن احتمال الوطء لمرض أو صغر أو عبالة ، وعند تضيق وقت الصلاة الواجبة ، وبعد الاشتغال بها (قبل الفراغ) (٤). قيل (٥) : وفي ليلة غيرها ،

__________________

(١) انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٢٩٧ (نقلا عن العلائي).

(٢) انظر : ابن حمزة ـ الوسيلة : ٥٥ ، والعلامة الحلي ـ تحرير الأحكام : ٢ ـ ١٤.

(٣) انظر : الشيخ الطوسي ـ المبسوط : ٤ ـ ٣١٨ ، وابن البراج ـ جواهر الفقه : ٣٩ ، والسيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٢٩٧ (نقلا عن العلائي).

(٤) زيادة من (أ).

(٥) انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٢٩٧ (نقلا عن العلائي).

٣٨٢

وفيما إذا امتنعت من تسليم نفسها لأجل الصداق ، وفي المساجد ، وبحضور الناس.

ولقائل أن يقول : قد عدّ في الواجب وطء المولي والمظاهر فكيف عدّ في الحرام؟

قلت : أما في المظاهر فالأمر ظاهر ، لاختلاف الاعتبار ، فإنه حرام قبل التكفير واجب بعده. وأما في المولي ، فيوصف بالحرمة من حيث اليمين المقتضية لتحريمه ، ويوصف بالوجوب من حيث حق الزوجة. وتنجبر الحرمة بالكفارة ، وإليه الإشارة بقوله تعالى (فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١).

الخامسة

تترتب على البكارة والثيبوبة أحكام :

كالولاية ، وكاستحباب تزويج البكر ، والاكتفاء منها بالسكوت عند عرض النكاح عليها ، والوصية بجارية بكر ، والوكالة في شراء بكر ، والتفرقة في تخصيص القسم بثلاث وسبع ، واشتراط البكارة أو الثيبوبة في العقد.

ونطلق الثيبوبة أيضا على الإحصان المعتبر في الرجم.

وتزول البكارة أو تحصل الثيبوبة : بالوطء ، والجناية ، والطفرة ، والوثبة ، والمرض ، وقد تزول بالتعنيس (٢).

__________________

(١) البقرة : ٢٢٦.

(٢) عنست الجارية تعنس : إذا طال مكثها في منزل أهلها بعد إدراكها حتى خرجت من عداد الأبكار. انظر : الجوهري ـ الصحاح

٣٨٣

ولا ريب في ترتب زوال أكثر أحكام البكارة على مطلق الثيبوبة.

ونصّ الأصحاب (١) على أن العبرة في الصغيرة بالصغر لا بالبكارة ، سواء زالت بجماع أو غيره.

وهل يزول الضمان بزوالها بغير الجماع ، وكذا قصرها على ثلاث في ابتداء الدخول بها؟ احتمال. وبعض العامة يرى أن الذاهبة بكارتها بغير الجماع لا تدخل تحت البكر ولا الثيب.

السادسة

يتنصف المهر : بالفرقة قبل الدخول من الزوج ، بطلاق أو ارتداد أو إسلام ، مع التسمية. ولا ينتصف بالفسخ من قبل المرأة إلا : في العنة ، وفي إسلامها قبله على رواية (٢) ، لأن الإسلام لم يزدها إلا عزا ، وهي محسنة بتعجيل الإسلام ، والإساءة منسوبة إليه ، إذ كان من حقه سبقها إلى ذلك. وهو قول من قولي بعض العامة (٣).

وقضية الأصل تقتضي عدم المهر بالفسخ قبل الدخول مطلقا ،

__________________

٢ ـ ٩٥٠ ، مادة (عنس). (الطبعة المحققة ، طبع دار الكتاب العربي بمصر).

(١) انظر : الشيخ الطوسي ـ المبسوط : ٤ ـ ١٦٢ ، ١٦٤ ، والعلامة الحلي ـ تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٥٨٧.

(٢) انظر : الحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ١٤ ـ ٤٢٢ ، باب ٩ من أبواب النكاح ، حديث : ٧.

(٣) رواية عن ابن حنبل. انظر : ابن رجب ـ القواعد : ٣٦٠.

٣٨٤

لأن فيه تراد العوضين سليمين ، فكما يرجع بضعها إليها سالما ، فليرجع إليه صداقه سالما. ولكن (خولف في هذا) (١) بالطلاق ، جبرا لما حصل لها من الكسر بما لا مدخل لها فيه ، وأجري مجراه ما عددناه. وأما العنة فلأن غالب الفسخ يكون بعد اطلاعه على ظاهرها وباطنها ، واختلاطه بها اختلاط الأزواج ، فجبر ذلك بالنصف.

وقد قال الشيخ علي بن بابويه (٢) (٣) رحمه‌الله في الخصي إذا دلس نفسه : يفرق بينهما ويوجع ظهره ، وعليه نصف الصداق ، ولا عدة.

وتبعه ابنه في المقنع (٤).

ولو اشترى أحد الزوجين الآخر فالظاهر عدم التنصيف ، إما إذا اشترته فلصدور (٥) الفسخ منها ، وإما إذا اشتراها فلمساعدة المالك الّذي هو مستحق للمهر. وللفاضل (٦) رحمه‌الله احتمال في ثبوت نصف المهر في شرائها له ، ويلزمه بطريق أولى ثبوته في شرائه لها.

__________________

(١) في (ح) : خلف هذا.

(٢) هو أبو الحسن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي الإمامي. كان الشيخ القميين في عصره وفقيههم وثقتهم. ويعد العلماء فتاواه من الأخبار. توفي سنة ٣٢٩ هـ. (القمي ـ الكنى والألقاب : ١ ـ ٢١٧).

(٣) انظر : ابن سعيد الحلي ـ نزهة الناظر في الأشباه والنّظائر : ١٠٣ (نقلا عن الرسالة لابن بابويه).

(٤) انظر : ص ١٠٤ (طبع المطبعة الإسلامية بطهران).

(٥) في (ح) : فلصدق.

(٦) انظر : العلامة الحلي ـ قواعد الأحكام : ١٥٦ ، وهو قول للشافعية والحنابلة. انظر : الغزالي ـ الوجيز : ٢ ـ ١٥ ، وابن رجب ـ القواعد : ٣٦٢.

٣٨٥

ولو زوج الكتابي بنته الصغيرة من كتابي ، وأسلم أحد أبويها قبل الدخول ، فالأقرب السقوط ، تنزيلا لفعل الولي منزلة فعلها. ويحتمل التنصيف ، إذ لا صنع لها. وعلى الرواية السالفة لا إشكال في التنصيف.

السابعة

يجب المهر المسمى بدخول الزوج في القبل أو الدبر ، وإن كان خصيا ، إذا كان النكاح صحيحا.

ومهر المثل يجب في مواضع (١) :

في مفوضة البضع أو المهر مع الدخول وموت الحاكم ، ولو كان قد حكم أو فرض في مفوضة البضع وجب. وفي مفوضة المهر إذا مات الحاكم قبل الدخول على قول (٢). وفي اختلافهما في تعيين المهر إذا تحالفا (٣). وفي ظهور الصداق معيبا فيفسخ للعيب. ويحتمل وجوب مثله أو قيمته صحيحا ، ولو أخذت الأرش جاز وفي تلف الصداق المعين قبل القبض ولا يعلم قدره. وفي الصداق الفاسد ، وله أسباب :

الأول : الجهالة ، كعبد مبهم أو ثوب.

الثاني : عدم قبوله الملك ، كالحر والخمر والخنزير.

الثالث : أن يكون مغصوبا مع العلم بالغصب ، ولو جهلا فمثله أو قيمته. ويحتمل مهر المثل أيضا.

__________________

(١) انظر هذه المواضع : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٣٩٥ ـ ٣٩٦.

(٢) انظر : العلامة الحلي ـ قواعد الأحكام : ١٦٢.

(٣) في (ح) و (أ) : تخالفا.

٣٨٦

الرابع : أن يشترط شروطا غير مشروعة ، فإن ذلك يؤثر في فسخ الصداق والرجوع إلى مهر المثل.

الخامس : أن يتضمن ثبوته نفيه ، كما إذا (١) أولد أمة في غير ملكه بنكاح أو شبهة ولدا ، ثمَّ اشتراها ، ثمَّ تزوج ابنه منها امرأة وأصدقها أمة ، فيفسد المهر ، لأنه يتضمن دخول أمه في ملكه ، فنعتق عليه (٢) ، فلا تكون صداقا.

السادس : العقد على المولاة بدون مهر المثل.

السابع : أن يعقد لابنه الصغير بزيادة على مهر المثل. إلا أن نقول بضمان الأب الزائد. ويشكل أيضا : بأنه يدخل في ملك الابن فليس للأب التبرع به.

الثامن : مخالفة الأمر ، فيزيد عما أذن له الزوج أو ينقص عما أذنت له الزوجة. ويحتمل في الأول ثبوت الخيار للزوج في الفسخ ، لا بمعنى خيار من عقد له الفضولي.

وتظهر الفائدة : لو سكت ، فإنه يبطل خياره ويلزم العقد ، بخلاف عقد الفضولي فإنه يشترط في اللزوم تلفظه بالإجازة.

التاسع : أن يأذن الولي للسفيه ، فيزيد على مهر المثل ويدخل بها ، فإنه يجب مهر المثل ، سواء قلنا بصحة النكاح أو فساده.

العاشر : مخالفة الشرط في الصداق ، كالعقد على ثوب على أنه يساوي مائة فظهر يساوي خمسين. ويحتمل الرجوع إلى ما ظن.

الحادي عشر : شرط الخيار في الصداق ، فيتخير الفسخ فيه.

وهذا يمكن أن لا يعد صداقا فاسدا.

__________________

(١) في (أ) : لو.

(٢) زيادة من (ح).

٣٨٧

الثاني عشر : لو عقد الذميان على فاسد ، وترافعا بعد الإسلام وقبل التقابض ، فإنه قيل (١) : بوجوب القيمة عندهم. ويحتمل مهر المثل (٢). وكذا لو ترافعا ذميين قبل القبض.

الثالث عشر : لو قال : زوجتك أمتي على ان تزوجني ابنتك ، وتكون رقبة الأمة صداقا للبنت ، فإنه يصح العقدان ، إذ لا تشريك فيما يرد عليه العقد ، ويثبت مهر المثل.

الرابع عشر : لو زوج عبده بامرأة وجعل رقبته صداقا لها ، وقلنا بصحة النكاح ، فإنه يفسد المسمى ، ويجب مهر المثل أيضا (٣).

ويثبت أيضا مهر المثل بوطء الشبهة ، كما تقدم ذكر أنواعه (٤).

ومنها : وطء المرتهن بظن الإباحة ، وبوطء الإكراه. وقيل (٥) : وبوطء الأمة البغي ، وبوطء الأمة المشتراة فاسدا.

ويثبت فيما إذا أرضعت الكبيرة ضرتها الصغيرة ، فإن النكاح ينفسخ ، وتغرم الكبيرة للزوج ما غرمه للصغيرة من المهر كله أو نصفه ، ولو لم يكن سمى شيئا فمهر المثل ، فيرجع بمهر المثل على المرضعة ويحتمل ضمان المرضعة لها مهر المثل ابتداء.

__________________

(١) انظر : الشيخ الطوسي ـ الخلاف : ٢ ـ ٧٧ ، والغزالي ـ الوجيز : ٢ ـ ١٧.

(٢) وهو قول للشافعية. انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٣٩٥.

(٣) زيادة من (ح).

(٤) راجع ص ٣٧٧.

(٥) قول للشافعية. انظر : الشيرازي ـ المهذب : ٢ ـ ٦٢ ، والسيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٣٩٥.

٣٨٨

وكذا لو شهدا عليه بطلاق زوجته ، ثمَّ رجعا قبل الدخول ، احتمل ضمانهما مهر المثل ، بل وبعد الدخول. وكذا لو شهدا برضاع محرم ثمَّ رجعا. وكذا بغيره من الأسباب المحرمة ، ويرجعان.

وهنا صور مشكلة :

الأولى : إذا تداعى زوجيتها اثنان ، فصدقت أحدهما ، فللآخر إحلافها ، فلو نكلت وحلف قيل (١) : يغرّمها مهر المثل.

الثانية : لو ادعى عليها بعد تزويجها بغيره أنه راجع في العدة ، فأقرت ، لم يقبل منها ، وغرمت على احتمال (٢).

الثالثة : لو ادعت تسمية قدر ، وقال الزوج : لا أعلم ، وكان قد زوجه وكيله ، أو قال : أنسيت ، حلف على نفي العلم ، ويثبت مهر المثل. ويحتمل ما ادعته ، إذ لا معارض لها. وكذا لو ادعت على الوارث وأجاب بنفي العلم.

الرابعة : لو تنازعا في قدره ، قيل (٣) : يقدم قول الزوج ، وهو المشهور. وقيل (٤) : يتحالفان ، فمهر المثل. ولو كان دعواهما أزيد من مهر المثل أمكن تقديم قوله. ويحتمل ثبوت مهر المثل.

وكذا لو نقصت (٥) دعواهما عنه احتمل تقديم قولها ، واحتمل مهر المثل.

__________________

(١) انظر : الشيرازي ـ المهذب : ٢ ـ ٣٩ ـ ٤٠ ، والسيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٣٩٦.

(٢) انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٣٩٦.

(٣) انظر : الشيخ الطوسي ـ المبسوط : ٤ ـ ٣٠٠.

(٤) انظر : الشيرازي ـ المهذب : ٢ ـ ٦١.

(٥) في (ك) : نقضت.

٣٨٩

وهذه الأقسام ذكرها بعض الأصحاب (١) ، والأصح فيها تقديم قول الزوج.

فائدة

الّذي بيده عقدة النكاح عندنا (٢) هو الأب والجد ، ويكون أيضا السيد في مهر أمته ، وليس هو الزوج ، لأن العفو حقيقة في الإسقاط لا التزام ما سقط بالطلاق ، إذ لا يسمى ذلك عفوا. ولأن إقامة الظاهر مقام المضمر مع الاستغناء بالمضمر خلاف الأصل ، ولو أريد للزوج لقيل : أو يعفو عما استحق لكم. ولأن المفهوم من قولنا : بيده كذا ، تصرفه ، والزوج لا يتصرف في عقد النكاح إنما كان تصرفه في الوطء ، وإنما يتصرف في العقد الآن الولي.

فإن قلت : الزوج كان بيده عقدة النكاح حال العقد.

قلت : هذا (٣) معارض بالولي فإنه كان له ذلك ، فتهاترا ، وبقيت ولاية الولي الآن وثبوت يده خالية عن المعارض.

ولأن المستند إليهن العفو أولا الرشيدات ، فيجب ذكر غير الرشيدات ليستوفي القسمة. ولأن قوله تعالى (إِلّا أَنْ يَعْفُونَ) (٤) استثناء من الإثبات فيكون نفيا ، وحمله على الولي يقتضي ذلك ، ففيه طرد

__________________

(١) انظر : الشيخ الطوسي ـ المبسوط : ٤ ـ ٣٠٠.

(٢) وذهب إليه أيضا مالك بن أنس ، خلافا لأبي حنيفة والشافعي وابن حنبل. انظر : القرافي ـ الفروق : ٣ ـ ١٣٨.

(٣) زيادة من (ح) و (أ).

(٤) البقرة : ٢٣٧.

٣٩٠

لقاعدة الاستثناء ، ولو حمل على الزوج لكان إثباتا ، فيستثنى من الإثبات ، وهو خلاف القاعدة. ولأن قضية العطف التشريك ، وعلى ما قلناه يشترك المعطوف وعليه في النفي ، ولو أريد الزوج لكان إثباتا ، فلا يقع الاشتراك (١).

فان قلت : يعارض بما روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك بالتصريح (٢) (٣). وبأن قضية الأصل عدم تسلط الإنسان على مال غيره (٤).

قلت : الرواية لا تنهض حجة ، لعدم كونها من الصحاح ، مع إمكان الحمل : على أن للزوج أن يفعل ذلك ، لا أنه يكون تفسيرا للآية. والمال هنا وإن دخل على الزوجة بفواته نقص إلا أنه معرض لترغيب الزوج أو غيره في تزويجها ، فيجبر ذلك النقص ويزيد عليه (٥).

الثامنة

لا يمكن (٦) عراء وطء مباح عن مهر إلا : في تزويج عبده بأمته ،

__________________

(١) انظر هذه الأدلة في ـ الفروق ، للقرافي : ٣ ـ ١٣٩.

(٢) في (أ) و (م) : بالصريح.

(٣) روى الدار قطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (وليّ عقدة النكاح هو الزوج) سنن الدار قطني : ٣ ـ ٢٧٩ ، باب المهر ، حديث : ١٢٨.

(٤) احتج بهذين الدليلين القائلون بأن الّذي بيده عقدة النكاح هو الزوج. انظر : القرافي ـ الفروق : ٣ ـ ١٣٨.

(٥) انظر هذا الجواب في ـ الفروق : ٣ ـ ١٣٨.

(٦) في (ح) و (م) زيادة : هنا.

٣٩١

فلو أعتقها فوجهان إن كان قبل الدخول ، وإن كان بعده فقد وجب المهر بالعتق.

قيل (١) : وفيما إذا فوضت بضعها وهما حربيان ويعتقدان ذلك نكاحا ، ثمَّ أسلما بعد المسيس أو قبله ، لأنه قد سبق استحقاق وطء بلا مهر.

ولو تزوجت السفيه بغير إذن وليه جاهلة ودخل بها فإنه قبل (٢) : لا مهر لها. والأصح الوجوب. نعم لو كانت عالمة سقط على الأقرب.

وحينئذ يتصور أن يكون مباحا بالنسبة إليه إذا كان جاهلا.

ويطرد هذا في كل موضع تكون الشبهة من جانب الواطئ مع علمها. ويحتمل في السفيه وجوب مهر مثلها ، لاستناده إلى العقد ، ويؤخذ منه إما في الحال ، أو بعد فك الحجر ، لأنه كالجناية. ويحتمل وجوب أقل متمول (٣).

تنبيه (٤) :

هل يسقط المهر بعد وجوبه في تزويج رقيقي مالك ، أو لم يمسه الوجوب؟ الأقرب الثاني ، لامتناع أن يستحق على ماله مالا. ولو

__________________

(١) انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٢٩٧.

(٢) انظر : الشيخ الطوسي ـ المبسوط : ٤ ـ ٢٩٣ ، والسيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٢٩٧.

(٣) ذكر السيوطي عشرة مواضع تخلو عن مهر ، ذكر أكثرها المصنف. انظر : الأشباه والنّظائر : ٢٩٧.

(٤) في (ا) : نكتة.

٣٩٢

صرح السيد بتفويض بضع أمته صح العقد. فلو أعتق قبل الدخول ثمَّ دخل بها ، فعلى الأقرب لا شي‌ء عليه ، وعلى الآخر يجب ، إذ يجب مهر المثل بالوطء في المفوضة لا بالعقد ، وهو حينئذ حرّ.

ويحتمل أن لا شي‌ء ، لأن التصريح بالتفويض كلا تصريح ، إذ تزويج الأمة هنا لا يكون إلا خاليا عن مهر. وإذا (١) قلنا أن العقد إباحة (٢).

سقط هذا البحث.

فرع :

لو زوّج رقيقه ثمَّ باع الأمة قبل المسيس ، فأجاز المشتري العقد ، ففي وجوب مهر المثل هنا نظر ، من استناده إلى العقد الّذي لم يوجب مهرا ، وقد استحق الوطء بلا مهر ، والأصل بقاء ما كان ، ومن أن الإجازة كالعقد المستأنف. ويمكن بناؤه على أن الإجازة كاشفة أو جزء من السبب ، فعلى الأول لا يجب شي‌ء ، وعلى الثاني يجب.

التاسعة

لا يجب بالوطء الواحد إلا مهر واحد. وربما فرض أزيد في صور :

الأولى : لو وطء أمة بشبهة ، وفي أثناء الوطء باعها المولى ، فكان تمام الوطء في ملك المشتري الثاني ، فيحتمل وجوب مهر واحد يقسم بينهما أو يختص به الأول. ويحتمل وجوب مهرين ، لأن الوطء

__________________

(١) في (ح) : وإن.

(٢) بمعنى أن التزويج في رقيقي مالك ليس على حقيقة التزويج بل هو إباحة صرفة. (عن بعض الحواشي).

٣٩٣

صادف الملكين ، ولو انفرد ذلك القدر لأوجب مهرا كاملا. أما لو وطء في ملك أحدهما فنزع في ملك الآخر فالظاهر أنه لا شي‌ء للثاني ، لأنه لا يسمى وطءا. وعلى هذا يتصور تعدد المهور (١) بتعدد الملاك مع دوام الوطء.

الثانية : إذا قلنا بضمان منفعة البضع بالفوات ، لو وطء الأب زوجة ابنه لشبهة فعليه مهر لها ، ومهر لابنه ، لانفساخ النكاح (٢).

الثالثة : إذا تزوج الأب بامرأة وابنه بابنتها ، فسيقت امرأة كل منهما إلى الآخر خطأ ووطئها ، انفسخ النكاحان ، وعلى البادئ منهما مهر الموطوءة بالشبهة ونصف مهر لزوجته ، لانفساخ عقدها قبل المسيس بسبب من جهته ، وعلى الآخر مهر للموطوءة. وهل يجب عليه شي‌ء لزوجته التي سبق وطؤها من غير زوجها؟ يحتمل وجوب نصفه ، لأن الفرقة ليست من جهتها في الجملة. فحينئذ يرجع به على البادئ ، فيغرم البادئ على هذا بوطء واحد مهرا ونصفي مهر.

الرابعة : لو تزوج امرأتين في عقدين ووطء إحداهما ، ثمَّ ظهر أن إحداهما أمّ الأخرى ، وكان الوطء للمتأخرة في العقد ، فإنه يجب لها مهر المشبهة ، ويجب (٣) للمتقدمة نصف المسمى ، لأن الفسخ بسببه. ولو سبق وطء السابقة في العقد فلا إشكال ، لبطلان عقد الأخرى.

الخامسة : لو وطء الصغيرة أو اليائسة في حال الزوجية ، وطلق حال الوطء ولم يعقب بالنزع ، وجب بوطء واحد لامرأة واحدة

__________________

(١) في (ح) و (م) : المهر.

(٢) انظر هذه المسألة في ـ الأشباه والنّظائر للسيوطي : ٣٩٧.

(٣) في (ح) : ويثبت.

٣٩٤

مهران : الأول المسمى ، والثاني مهر المثل. ولو قدّر أنه عقد عقدا جديدا وجب مسميان. وهكذا.

وقد ينازع في تسمية هذا الوطء واحدا ، وفي صحة الطلاق على هذه الحالة.

العاشرة

لا يسمع من المرأة دعوى عنّة الزوج في صور :

الأولى : أن يكون صغيرا ، إذ لا حكم لكلامه ، ولا قطع ببقاء عنته بعد بلوغه.

الثانية : أن لا يكون مجنونا ، لمثل ما قلناه. ولأنه قد يدعي بعد الإفاقة الإصابة.

الثالثة : الأمة لو تزوج بها حر ، لأنها لو سمعت لبطل النكاح ، إذ من شرط صحته خوف العنت على قول (١).

الحادية عشرة

الأم أولى بالحضانة مدة الرضاع في الذّكر والأنثى. وقيل (٢) : سبع سنين في الأنثى (٣). وقد يترجح غير الأم عليها في

__________________

(١) انظر : الشيخ الطوسي ـ المبسوط : ٤ ـ ٢١٤ ، والشيرازي ـ المهذب : ٢ ـ ٤٥ ، والغزالي ـ الوجيز : ٢ ـ ٨ ، وابن قدامة ـ المغني : ٦ ـ ٥٩٦ ـ ٥٩٧.

(٢) زيادة من (ح).

(٣) انظر : الشيخ الطوسي ـ النهاية : ٥٠٤ ، والعلامة الحلي ـ تحرير الأحكام : ٢ ـ ٤٣ ، ومختلف الشيعة : ٥ ـ ٢٦ ، وابن قدامة المغني : ٧ ـ ٦١٦.

٣٩٥

صور (١) :

الأولى : أن تكون ناقصة بكفر ، ولو رده ، أو رقية ولو متجددة بسببها أو إقرارها ، وكذا لو كانت مبعضة ، فالأب أولى.

الثانية : أن تكون غير مأمونة مع كون الأب مأمونا.

الثالثة : إذا تزوجت.

الرابعة : لو امتنعت الأم من الحضانة صار الأب أولى ، ولو امتنعا معا ، فالظاهر إجبار الأب.

الخامسة : لو سافر الأب قيل (٢) : له استصحاب الولد ، وتسقط حضانة الأم.

فرع (٣) :

لو كان بها جذام ، أو برص ، وخيف العدوي أمكن كون الأب أولى (٤) ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (فرّ من المجذوم فرارك من

__________________

(١) انظر هذه الصور وغيرها في ـ الأشباه والنّظائر ، للسيوطي : ٥١١.

(٢) انظر : الشيرازي ـ المهذب : ٢ ـ ١٧٢ ، والغزالي ـ الوجيز : ٢ ـ ٧١.

(٣) في (ح) : فائدة.

(٤) وهو ما أفتى به جماعة من الشافعية. انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٥١١.

٣٩٦

الأسد) (١) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (لا يورد ممرض على مصح) (٢).

ويحتمل بقاء حضانتها ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (لا عدوى ولا طيرة) (٣).

ووجه الجمع بين الأخبار : الحمل على أن ذلك لا يحصل بالطبع ، كاعتقاد المعطلة والجاهلية ، وإن جاز أن الله تعالى يخلق ذلك المرض عند المخالطة.

الثانية عشرة

أسباب الفرقة في النكاح كثيرة (٤) : كالطلاق ، والخلع ، والمبارأة ، والفسخ لعيب أو تجدد إسلام أو كفر ، أو تجدد عتق الأمة ، والرضاع ، والمصاهرة ، والوطء لشبهة ، وسبي الزوجين أو الزوج الصغير ، واسترقاق الزوج الكبير ، والإسلام على أكثر من أربع ، أو على الأختين ، وملك أحد الزوجين صاحبه ، واللعان ، وجهل سبق أحد العقدين في

__________________

(١) انظر : مسند أحمد : ٢ ـ ٤٤٣. (عن أبي هريرة).

(٢) انظر : صحيح مسلم : ٤ ـ ١٧٤٣ ، باب ٣٣ من كتاب السلام ، حديث : ١٠٤ ، ١٠٥.

(٣) انظر : صحيح البخاري : ٤ ـ ١٢ ، باب المجذوم من كتاب الطب ، وج ٤ ـ ١٩ ، باب الطيرة من كتاب الطب ، وصحيح مسلم : ٤ ـ ١٧٤٤ ، باب ٣٣ من كتاب السلام ، حديث : ١٠٧ ، ١١١ ـ ١١٣.

(٤) ذكر السيوطي أكثر ما ذكر هنا من الأسباب. انظر : الأشباه والنّظائر : ٣١٥.

٣٩٧

وجه (١) ـ ويحتمل القرعة ـ وتوثن النصرانية تحت مسلم أو تهودها ، أو تنصر الوثنية أو تهودها ، والتدليس ، وفقد الزوج بعد البحث عنه (٢) ، وإعساره بالنفقة في قول (٣) ، والموت ، والإفضاء على قول (٤).

وكثير من هذه يستبد بها الزوجان. وفي اللعان يحتاج إلى الحضور عند الحاكم أو المتحكم.

والظهار والإيلاء (٥) ليسا فرقة ، وإنما يؤديان إلى الطلاق بعد مرافعة الحاكم. وكذا في الإعسار بالنفقة يحتاج إلى الحاكم.

تنبيه :

لا تلاقي بين الزوجين بعد بعض هذه الأسباب ، كاللعان ، والرضاع ، ووطء الشبهة (٦) ، وطلاق العدة إذا نكحها رجلان ، والإفضاء ،

__________________

(١) انظر : الشيرازي ـ المهذب : ٢ ـ ٣٩ ، والغزالي ـ الوجيز : ٢ ـ ٦ ، وابن قدامة ـ المغني : ٦ ـ ٥١١ ـ ٥١٢.

(٢) زيادة من (أ) و (ح).

(٣) انظر : القرافي ـ الفروق : ٣ ـ ١٤٥ ، وابن قدامة ـ المغني : ٧ ـ ٥٣٣ ، والغزالي ـ الوجيز ٢ ـ ٦٩ ، والشيرازي ـ المهذب : ٢ ـ ١٦٣.

(٤) انظر : الشيخ الطوسي ـ النهاية : ٤٨١ ، وابن حمزة ـ الوسيلة : ٥٥ ، والعلامة الحلي ـ تحرير الأحكام : ٢ ـ ١٤.

(٥) ذكر السيوطي أن الإيلاء فرقة. انظر : الأشباه والنّظائر : ٣١٥.

(٦) في (ح) زيادة : بالمحصنة.

٣٩٨

وقد يتوقف على تزويج بغيره ، كفى التحليل.

الثالثة عشرة

ينقسم الطلاق إلى ما عدا المباح من الخمسة (١) :

فالواجب : طلاق المولي ، والمظاهر ، وإن كان الوجوب تخييريا.

ومنه : طلاق الحكمين بإذن الزوجين إذا تعذر الصلح.

والمحرم : الطلاق البدعي.

والمستحب : طلاق من خاف أن لا يقيما حدود الله ، أو مع الريبة الظاهرة.

والمكروه : ما سوى ذلك.

ولا مباح فيه ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (أبغض الحلال إلى الله الطلاق) (٢).

فرع :

لو قسم بين الزوجات ، فلما جاءت نوبة طلق صاحبتها ، قيل (٣) : بالتحريم ، لأن فيه إسقاط حقها.

__________________

(١) انظر هذه الأقسام في ـ الأشباه والنّظائر ، للسيوطي : ٤٤٧ (نقلا عن النوويّ).

(٢) انظر : سنن أبي داود : ١ ـ ٥٠٣ ، باب في كراهية الطلاق ، والمتقي الهندي ـ كنز العمال : ٥ ـ ١٥٩ ، حديث : ٣٢٥٣.

(٣) انظر : ابن قدامة ـ المغني : ٧ ـ ٣٧ ، والسيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٤٤٧ (نقلا عن النوويّ).

٣٩٩

الرابعة عشرة

ينقسم الطلاق إلى : بائن ، ورجعي. والبائن ستة ، والرجعي ما عداه.

وضبطه بعضهم (١) ، فقال : كل من طلق طلاقا مستعقبا للعدة ، ولم يكن بعوض ، ولم يستوف عدد الطلاق ، تثبت له الرجعة.

وهو يتم على وجوب العدة على الصغيرة واليائسة ، وعلى عدمه ، لأنا إن قلنا بوجوبها ، فهو رجعي ، وإلا فهو بائن ، فلا يكون مستعقبا للعدة.

وأورد عليه : من طلق مخالعة ، ثمَّ تزوجها في العدة ، ثمَّ طلق قبل المسيس ، فإنها تعود إلى العدة الأولى ، أو تستأنف ، مع أنه غير رجعي. وكذا لو وطئها بشبهة ، فاعتدت ، ثمَّ تزوجها في العدة ، وفعل ما قلناه.

وأجيب : بأن الطلاق في الموضعين لم يستعقب عدة بل ترجع إلى عدتها الأولى وهذا يتم إن لم نقل بالاستئناف ، وإن قلنا به ـ مع بعده ـ فيجاب : بأن استعقابه العدة ليس بسبب الطلاق بل هو (٢) مسبب عن الوطء السابق على هذا العقد.

وأورد أيضا : من طلق الزوجة رجعية ، ثمَّ عاشرها في العدة معاشرة الأزواج ، فإنه لا تنقضي عدتها عند كثير من العامة (٣) ،

__________________

(١) قيل هو الغزالي في الوسيط ، كما في بعض حواشي الكتاب.

(٢) زيادة من (أ).

(٣) انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٥٠٥ (نقلا عن البلقيني).

٤٠٠