القواعد والفوائد - ج ١

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

القواعد والفوائد - ج ١

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: السيّد عبد الهادي الحكيم
الموضوع : الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٧
الجزء ١ الجزء ٢

ومنه : التوثق بعزل نصيب الحمل إذا أريد قسمة التركة ، وبعزل قدر الدين لو مات المضمون عنه قبل الأجل.

قاعدة ـ [١٤١]

الغالب في المقدرات الشرعية التحقيق : كأقل الحيض وأكثره ، واعتبار المرّة في الوضوء ، والمرتين في غسل النجاسة ، ونصاب الزوجات. إلى صور كثيرة (١).

ولا ريب أن المسلم فيه إذا ذكر سنّة ، أو الوكيل إذا وكلّ في شراء عبد أو حيوان بسن مخصوص ، لا يشترط عدم زيادته عن تلك السن بقليل ، حتى لو شرط في التسليم التحقيق عسر وجوده مضافا إلى تلك الصفات (٢). وفي جواز نقصه باليوم ـ والأسبوع احتمال ، لصدق الاسم ، وعدم الالتفات إلى هذا النقص اليسير. وكذلك سن مفارقة الولد لأنه في السبع.

والأصح اعتبار التحقيق في أرطال الكر ، ومسافة القصر ، وسن البلوغ.

قاعدة ـ [١٤٢]

قد تترتب أحكام على أسباب يمكن اعتبارها في الحال والمآل ،

__________________

(١) انظر بعض هذه الصور في ـ الأشباه والنّظائر ـ للسيوطي : ٤٢٢.

(٢) انظر : نفس المصدر السابق.

٣٦١

فيقع لذلك إشكال. وصورها كثيرة (١) :

الأولى : لو حلف على أكل هذا الطعام في الغد ، فأتلفه في الحال ، فهل تلزم الكفارة معجلا؟ إن اعتبرنا المآل ، وهو الأصح ، فلا حنث ، وإلا حنث. وتظهر الفائدة : في التكفير الآن ، هل هو مجز أم لا؟

حتى لو كفر بالصوم أمكن إجزاء الغد من الصوم إذا نواه.

الثانية : لو تبين انقطاع المسلم فيه قبل المحل ، ففي تنجيز الخيار وتأخيره الوجهان ، والأقرب المنع.

الثالثة : لو كان دين الغارم مؤجلا ، ففي أخذه من الزكاة قبل الأجل الوجهان ، والأقرب الجواز.

وقد نصّ الأصحاب (٢) على أن المعذور لو حج عنه ، ثمَّ زال عذره ، وجب فعله بنفسه. وهو يعطي أن الجال مراعى بالمآل.

الرابعة : لو انقطع دم المستحاضة وظنت عوده قبل وقت يسع الطهارة والصلاة ، فتطهرت وصلت ، فاتفق أنه لم يعد ، ففيه الوجهان.

الخامسة : لو قلنا بعدم انعقاد نذر التضحية بالمعيب ، فنذر ، ثمَّ زال العيب ، فان اعتبرنا الحال ، بطل النذر ، وإن اعتبرنا المآل ، صح. ولكن الظاهر انعقاد النذر وإن كان معيبا حال النذر ، لعموم وجوب الوفاء بالنذر. نعم لو نذر أضحية مطلقة ، اشتراط فيها السلامة

__________________

(١) أورد السيوطي جملة من هذه الصور. انظر : الأشباه والنّظائر : ١٩٦ ـ ١٩٨.

(٢) انظر : الشيخ الطوسي ـ المبسوط : ١ ـ ٢٩٩ ، والمحقق الحلي ـ شرائع الإسلام : ١ ـ ٢٢٧ ، والعلامة الحلي ـ تحرير الأحكام : ١ ـ ٩٢.

٣٦٢

من العيب ، فلو عينها في معيب ثمَّ زال العيب ، جاء الوجهان.

السادسة : لو اشترى معيبا ، فلم يعلم بالعيب حتى زال العيب ، فيه الوجهان. وكذا كتابة الكافر عبده المسلم كتابة مطلقة ، لأنها تؤول إلى العتق. والأقرب عدم الاكتفاء بها ، نظرا إلى الحال.

السابعة : لو عين للسلم (١) موضعا ، فخرب (٢) ، أو أطلق العقد ، فخرب موضعه ، وارتحل المتبايعان منه ، ففيه الوجهان.

وتعينه قوي ، نظرا إلى الحال.

الثامنة : لو أسلم ثمَّ وطئ في زمان التربص ، ثمَّ أسلمت ، فالظاهر عدم وجوب المهر. وعلى اعتبار الحال يمكن وجوبه. وهو بعيد ، لأنها في حكم الزوجة. أما المعتدة رجعية لو وطئها لشبهة ثمَّ رجع ، فهل يجب المهر؟ نظر. والفرق : أن الحل العائد بالرجعة غير الحل الأول ، والعائد بالإسلام هو الأول.

التاسعة : لو ارتد الزوج لا عن فطرة ثمَّ وطئها ورجع في العدة ، احتمل ما ذكره ولو لم يرجع ، وجب المهر وجب المهر عند الشيخ (٣) ، لأنا تبينا البينونة حين الوطء. وحينئذ لو لم تسلم الزوجة ، ولم يرجع في المطلقة ، أمكن البناء على الحال والمآل ، ويقال : هما في حكم الزوجة ما دامت العدة فلا مهر ، وأن بقاء المطلق على طلاقه ، وبقاؤها على كفرها ، كشف عن البينونة. وهو ضعيف.

العاشرة : الموسر في الكفارة حال الوجوب لا يستقر عليه العتق بل المعتبر حال الأداء.

__________________

(١) (ح) و (أ) و (م) : المسلم.

(٢) في (ح) زيادة : موضعه.

(٣) انظر : المبسوط : ٤ ـ ٢٣٨.

٣٦٣

الحادية عشرة : طريان العتق في العدة تنتقل إلى عدة الحرة ، إن كان الطلاق رجعيا لا بائنا ، وفي عدة الوفاة تنتقل. ويحتمل في الطلاق البائن ذلك ، تغليبا للاحتياط ، ولعدم تعقل الفرق بينه وبين عدة الوفاة.

الثانية عشرة : المعتبر في التقاط المهايأ (١) بيوم الالتقاط ، لا بيوم التملك.

الثالثة عشرة : سيد الملتقط أولى باللقطة لو أعتقه ، اعتبارا بيوم اللقطة.

الرابعة عشرة : لو أعتقت تحت عبد ولم تعلم حتى عتق ، ففي ثبوت الخيار وجهان. ولو قلنا بالفسخ تحت الحر فلا بحث.

الخامسة عشرة : في جواز بيع الدهن النجس الوجهان ، إن قلنا بقبوله الطهارة ، أما الماء فقابل لها. وتوهم بعضهم (٢) : أن تطهير الماء لا يقع بالمكاثرة بل باستحالته من صفة النجاسة إلى صفة الطهارة.

فعلى هذا لا يصح بيعه قبل تطهيره ، كما لا يصح بيع الخمر وإن رجا انقلابها ، نظرا إلى الحال.

السادسة عشرة : بيع السباع جائز ، تبعا للانتفاع يجلدها ، وهو نظر إلى المآل.

السابعة عشرة : بيع آلات الملاهي ذات الرصاص المتقوم في صحته الوجهان ، إذ لا منفعة لها في الحال. ويحتمل الجواز ، إن

__________________

(١) المهاياة في كسب العبد : أنهما يقتسمان الزمان بحسب ما يتفقان عليه ، ويكون كسبه في كل وقت لمن ظهر له بالقسمة. انظر : الطريحي ـ مجمع البحرين : ١ ـ ٤٨٥ ، مادة (هيا).

(٢) قاله بعض الشافعية. انظر : النوويّ ـ المجموع : ٩ ـ ٢٣٦.

٣٦٤

اتخذت من جوهر نفيس ، لأنها مقصودة في نفسها ، بخلاف الخسيس (١) ، فان قصده بعيد.

الثامنة عشرة : بيع الآبق ينظر فيه إلى الحال ، فلا يصح بدون الضميمة ، وكذا الضال. ولو قدر المشتري على تحصيله اعتبرنا المآل في الصحة. وكذا بيع ما يتعذّر تسليمه إلا بعد مدة ، كالسمك في المياه المحصورة المشاهد الّذي (٢) لا يمكن تحصيلها إلا بعد تعب ، والحمام الكثير في البرج كذلك. ولو خرج واعتيد عوده ، صحّ.

والنحل مع خروجه.

التاسعة عشرة : يصح بيع المرتد ، والجاني عمدا ، وقاطع الطريق ، على اعتبار الحال. ولو كان الارتداد عن غير فطرة فأقوى في الصحة.

أما البيضة المذرة (٣) ، والعناقيد التي استحال خمرا باطنها ، ففي صحة بيعها نظرا إلى مئال الفرخ والتخليل ، بعد.

العشرون : لو اشترى حبّا فزرعه ، أو بيضا فأفرخ عنده ، ثمَّ فلس ، فاعتبار المآل هنا أقوى ، فلا يرجع البائع.

الحادية والعشرون : لو نوى المسافر أو الحائض الصوم ليلا لظن القدوم والانقطاع ، فصادف ، ففي صحة النية الوجهان.

الثانية والعشرون : لو قلنا بأن الإقرار للوارث في المرض من الثلث فهل المعتبر لمن هو وارث في الحال أو المآل حالة الموت؟

__________________

(١) في (ك) و (ح) : الخشب.

(٢) في (ح) و (أ) و (م) : إذ.

(٣) المذر : الفساد. وقد مذرت تمذر فهي مذرة. ومنه : مذرت البيضة : أي فسدت. انظر : ابن منظور ـ لسان العرب : ٥ ـ ١٦٤ ، مادة (مذر).

٣٦٥

الوجهان. أما اعتبار الثلث فقد نصّ الأصحاب (١) على اعتباره عند الوفاة.

الثالثة والعشرون : اختلاف الحال بين الجناية والتلف بطريان الإسلام أو الردة من هذا الباب. وكذا الحربية حال الجناية إذا أسلمت ثمَّ ألقت جنينا.

قاعدة ـ [١٤٣]

وقف الحكم قد يكون وقف انتقال ، وقد يكون وقف انكشاف. وعقد الفضولي محتمل للأمرين.

ومما يقوى فيه الكشف : قبول الوصية ، وزوال ملك المرتد عن غير فطرة ، إذا مات مرتدا أو قتل ، تبينا زواله بالردة ، وعتق الحصة الساري إليها العتق.

وأظهر منه في الكشف : بيع مال مورثه لظنه حيا فبان ميتا ، وبيع مال الغير لظنه فضوليا فظهر توكيله ، إن قلنا لا تتوقف الوكالة على القبول ولا على العلم. وكذا لو زوج أمة أبيه (٢) ، فظهر موته. وكذا لو عامل العبد فظهر الإذن له. وكذا لو سأله عن الإذن ، (أو سأل) (٣) الوكيل عن الوكالة ، فأنكراه ، وظهر صحة الإذن والوكالة. وهو مشكل : بما أن العقد موقوف بزعمه.

__________________

(١) انظر : الشيخ الطوسي ـ الخلاف : ٢ ـ ٤٣ ، والعلامة الحلي ـ تحرير الأحكام : ١ ـ ٢٩٤.

(٢) في (م) : ابنه.

(٣) في (ح) : وسأله.

٣٦٦

وكذا في أكثر ما مضى ، فإنه لم يقصد بالعقد قطع الملك.

وكذا لو تزوج امرأة المفقود ، فظهر ميتا ، إذا كانت قد أعتدت بأخبار ضعيف ثمَّ تزوجت به ، أو أعتق رقيق مورثه ثمَّ بان ملكه ، أو أبرأه ولا يعلم أن عليه مالا ، فظهر اشتغال ذمته ، أو أبرأه من مال أبيه عنده ، ثمَّ ظهر موت أبيه ، وكذا لو قال : أبرأتك من مال مورثي ، ويكون ذكر الأبوة والمورثية وصف تعريف ، لا اشتراط.

ولو جعلناه للاشتراط بطل الإبراء. وكذا لو باع مال أبيه بعبارة الأب أو المورث ، أما لو قال : بعتك هذه الدار ، ثمَّ ظهر موت أبيه ، فإنه أظهر في الصحة.

ولو طلق بحضور خنثيين فظهرا رجلين ، أمكن الصحة ، أو بحضور من يظنه (١) فاسقا فظهر عدلا. ويشكلان في العالم بالحكم ، لعدم قصده إلى طلاق صحيح.

وطلاق العبد زوجته المعتقة يحتمل فيه الوقف. وكذا اختيار المسلمات للفسخ وقد تخلف النصاب كافرات.

ولو أجازت المعتقة بعد طلاقها العقد احتمل الوقف.

ولو أسلمت أمة تحت عبد ، فعتقت واختارت الفسخ ، ثمَّ أسلم أمكن نفوذ الفسخ.

ولو اختلعت مرتدة ثمَّ عادت ، تبينا الصحة ، وإلا تبين البطلان ، لأنا تبينا زوال ملكها عن العين المبذولة.

ولو قذف زوجته مرتدا بعد الدخول ولا عن ، فإن أصرّ ظهر بطلانه ، وإن أسلم تبينا صحته.

ولو أوصى بالعبد المكاتب فاسدا ، أو باعه ولا يعلم بفسادها ،

__________________

(١) في (ا) : يظن.

٣٦٧

ففيه الوجهان.

والصور كثيرة جدا موجودة في تضاعيف أبواب الفقه.

وهذا وقف الكشف ، وقد يجري في الطلاق ، كما مر في طلاق المعتقة ، وكما لو طلق الوثني المسلمة في العدة وأسلم بعده ، وكذا الظهار (١) والإيلاء ، مع أن الطلاق عندنا لا يقبل التعليق ، وذلك لكون هذا تعليقا مقدرا لا محققا ، وقد يعبر عنه بأنه تعليق كشف لا تعليق انعقاد.

أما لو خالع وكيل الزوج بدون مهر المثل فلا وجه عندنا لاعتبار رضا الزوج في صحة الطلاق ، بل ينعقد باطلا.

وربما قيل : إذا قلنا : بأن الإجازة كاشفة لم (٢) لا تصح؟! قلنا : ذلك فيما يقبل الإجازة كالعقود ، أما الإيقاعات فلا ، وإلا لصح طلاق الفضولي مع الإجازة ، وليس كذلك. مع أن الّذي نصّ عليه الأصحاب (٣) أن الطلاق لا يكون معلقا على شرط ، ولا يلزم منه بطلان طلاق الفضولي إذا قيل بالكشف.

فان احتج بقولهم عليهم‌السلام : (لا طلاق إلا فيما يملك) (٤).

__________________

(١) في (ك) : الطهارة. والظاهر أن الصواب ما أثبتناه.

(٢) زيادة من (ح) و (أ).

(٣) انظر : الشيخ الطوسي ـ المبسوط : ٥ ـ ١٤ ، وسلار ـ المراسم : ٢٠ ، والعلامة الحلي ـ تحرير الأحكام : ٢ ـ ٥٤.

(٤) أورد هذا النص عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الشيخ الطوسي في ـ الخلاف : ١ ـ ٢٢٢. وأورده المتقي الهندي في ـ كنز العمال : ٥ ـ ١٥٥ ، حديث : ٣١٦٠ ، بلفظ : (لا طلاق إلا فيما تملك).

٣٦٨

قلنا : تضمن اللزوم ، لأنه قد جاء : (لا تبع ما ليس عندك) (١) مع أنا قائلون بوقوفه على الإجازة ، ويؤوّل : النهي عن البيع اللازم ، أي : لا يقع البيع لازما لما ليس عندك. إلا أنا لا نعلم قائلا من الأصحاب بصحة الطلاق مع الإجازة.

وحينئذ يمكن أن يستنبط منه : أن الإجازة في موضعها سبب ناقل لا كاشف ، استدلالا بانتفاء العلة ، لأنا استدللنا على بطلان الكشف ببطلان الطلاق المجاز ، والاستدلال الأول على صحة الطلاق المجاز بكون الإجازة كاشفة في العقود.

فائدة

لو قال واحد من ركبان السفينة لآخر عند الحاجة إلى الإلقاء : الق متاعك وأهل السفينة ضمناء ، فألقاه ، فأجازوا ، احتمل كونه من باب العقود الموقوفة ، إذ هو من باب الضمان إلا أنه ضمان ما لم يجب. أو هو معاوضة على الملقى يبدله ، وكلاهما قابل للوقف. واحتمل البطلان ، لأنه معاملة مخالفة للأصل شرعت للضرورة ، فيقتصر فيها على قدر الضرورة ، وكان من حقه سؤالهم قبل اللفظ.

__________________

وكل ما جاء عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام جاء بغير هذا اللفظ. انظر : الحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ١٥ ـ ٢٨٦ ـ ٢٨٩ ، باب ١٢ من أبواب الطلاق ، حديث : ١ ـ ١٣ ، والنوري ـ مستدرك الوسائل : ٣ ـ ٥ ، باب ١٢ من أبواب الطلاق ، حديث : ١ ـ ٥.

(١) انظر : صحيح الترمذي بشرح ابن العربي : ٥ ـ ٢٤١ ، باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك ، حديث : ١.

٣٦٩

فائدة (١)

كل فعل يأتي به في حال الشك احتياطا فيظهر الاحتياج إليه ، فإنه من هذا الباب ، حتى في العبادات ، كالطهارات والصلوات. وقد ظهر أثر هذا في صائم (٢) آخر شعبان ، والمتردد في نية الزكاة ، بل والمتردد في آخر شعبان ، وحكم باجزائه.

قاعدة ـ [١٤٤]

ذكر الشاهد السبب في الشهادة قد يكون معتبرا (٣) ، كما في صورة الترجيح ، وقد يكون فعله وتركه سواء ، كما في صور كثيرة. وقيل (٤) : قد يكون ذكر السبب قادحا في الشهادة ، كما لو قال : أعتقد أن هذا ملكه للاستصحاب ، وإن كان في الحقيقة مستندا إلى الاستصحاب. وكذا لو صرح. هذا ملكه علمته بالاستفاضة. وهذا ضعيف ، لأن الشرع جعل الاستفاضة من أسباب التحمل فكيف يضر ذكرها؟! وإنما ضر ذكر الاستصحاب ، إن قلنا به ، لأنه يؤذن بشكّه في البقاء.

ولو أهمل ذكره وأتى بصورة الجزم زال الوهم. ولو قيل : بعدم

__________________

(١) في (ا) : قاعدة.

(٢) في (ك) : صيام.

(٣) في (ك) و (ح) و (أ) : سببا.

(٤) قاله بعض الشافعية. انظر : الغزالي ـ الوجيز : ٢ ـ ١٦٢ ، والقرافي ـ الفروق : ٤ ـ ٧٣.

٣٧٠

الضرر أيضا كان قويا (١).

وكذا الكلام لو قال : هو ملكه لأني رأيت يده عليه ، أو رأيته يتصرف فيه بغير مانع.

وغاية ما يقال : إن الشاهد ليس له وظيفة ترتيب المسببات على الأسباب إنما يشهد بما يعلم ، وإنما ذلك وظيفة الحكام.

قلنا : إذا كان الترتيب شرعيا وحكاه الشاهد فقد حكى صورة الواقعة ، فكيف ترد الشهادة بما هو مستندها في الحقيقة؟!

مسألة :

لو شاهد ماء الغير يجري على سطح آخر ، أو في ساحته ، مدة طويلة بغير منازعة ، فهل للشاهد الشهادة بالاستحقاق؟

الظاهر : لا ، صرح بذلك أولا. وقال بعض العامة : يجوز كونه سببا للتحمل ، ولو صرّح به ردّت شهادته ، وهو من النمط الأول.

وربما رجحوا هذا المأخذ : بأن شاهد الرضاع لا يكفي قوله : شاهدته ممتصا للثدي يحرك شفتيه ثمَّ حلقومه ، وإن كان مستند الشهادة بإرضاع ذلك.

قلنا : وما المانع من صحة هذه الشهادة على هذا الوجه ، وليس النزاع إلا فيها؟؟

والحق الصريح : أن الشاهد إذا ذكر السبب واقتصر عليه ، لم تسمع شهادته ، لأن هذه الأسباب إنما تصح الشهادة بها إذا أفادت الشاهد القطع ، ولم يتعرض الشاهد له هنا ، وإن ذكر السبب ، وقال :

__________________

(١) في (ك) : قولا.

٣٧١

وأنا أشهد ، بصورة القطع لم يضر ذكر السبب. وكذا لو صرح وقال : مستند شهادتي السبب المعين الّذي حصل منه (١) القطع ، أو الّذي تجوز الشهادة به ، وكان من أهل المعرفة ، فإنه تسمع الشهادة في الصورتين.

قاعدة (٢) ـ [١٤٥]

لو قال لزوجاته : أيتكن حاضت فصواحباتها عليّ كظهر أمي ، فقالت إحداهن : حضت ، وصدقها ، وقع الظهار بالنسبة إليه.

ويشكل : بأن قولها لا يقبل في حقهن ، وإحلافها غير ممكن ، وقطع الزوج بذلك نادر ، ولهذا لو صرح بالمستند وقال : لم أعلم حيضها إلا بقولها ، عد مخطئا إلا مع قرينة الحال المفيدة للعلم.

ولعل الأقرب : أنه إن أخبر بعلم (٣) صدقها بالقرائن ، وقع الظهار ، وإن أطلق أمكن ذلك أيضا ، لأصالة الصدق في إخبار المسلم. ولأنه قادر على إنشاء الظهار الآن فيقبل إقراره.

قاعدة ـ [١٤٦]

لا نظر في باب الدعاوي إلى حال المدعي أو المنكر ، ولا في الأمور الشرعية كلها إلا إلى الممكن ، وإن كان الظاهر بخلافه.

__________________

(١) في (م) : لي به.

(٢) في (ح) و (م) و (أ) : فائدة.

(٣) في (م) و (أ) : بعلمه.

٣٧٢

فاستبعاد بعض العامة (١) صحة الدعوى على القاضي المرتفع من الكنّاس : أنه استأجر القاضي لكنس مرحاضه (٢) ، بعيد ، لإمكانه.

وحمله على دعوى الغاصب : قيمة العبد درهما ، أو قيمة الفرس حبة ، ممنوع. ولو فتحنا باب العرف لسمع دعوى القاضي على الكناس استئجاره على الكنس بغير بينة ، لأنه معتاد غالبا ، ولسمعنا دعوى البر التقي على المشهور بالغصب وأخذ الأموال وإنكاره أنه غصب منه شيئا ولم يخلف المنكر ، ولرددنا دعوى الفاجر الشقي على التقي المشهور بالأمانة والصدق ، وكل ذلك لم يثبت ، بل يحسم التنازع (٣) بطرد قاعدة الباب في الدعاوي ، حذرا من الاضطراب ، إذ لكل أحد أن يدعي الأمانة في نفسه ، والفجور على خصمه.

ولو أتت بولد لستة أشهر ، لحق ، وإن كان نادرا. وكذا السنة على الأقرب ، لأصالة عدم الزنا والوطء بالشبهة ، وتشوق الشارع إلى الستر ، ودرء الحدود ، فغلب الأصل على الظاهر.

ومنه : تفسير المال العظيم وشبهه بأقل ما يتمول (٤) ، وإن كان خلاف الظاهر ، لأن العظمة والجلالة وأمثالهما من الأمور الإضافية تختلف باختلاف الإضافات بالنسبة إلى اليسار والفقر والزهد والرغبة ونحو

__________________

(١) انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ٨٢ ، وابن عبد السلام ـ قواعد الأحكام : ٢ ـ ١٢٥.

(٢) في (أ) و (م) : ميضاته. وما أثبتناه مطابق لما في الفروق : ٤ ـ ٨٢.

(٣) في (ا) : الشارع.

(٤) في (ك) و (م) و (ح) : متمول ، وما أثبتناه مطابق لما في قواعد الأحكام لابن عبد السلام : ٢ ـ ١٢٣.

٣٧٣

ذلك ، فلما تعذر الضبط عرفا حمل على ما يقتضيه لغة ، وهو : أقل محتملاته بالنسبة إلى ما دونه ، أو حمل العظيم على المعنى ، أي : أنه حلال أو خالص من شبهة ، وإن كان ذلك مخالفا للظاهر (١).

فائدة

لو قال له : أنت أزنى الناس ، أو : أزنى من فلان ، فلا حدّ على القائل حتى يقول : في الناس زناة وأنت أزنى زناتهم ، أو فلان زان وأنت أزنى منه. وهذا أيضا خلاف الظاهر ، لأن الظاهر من قولهم : هو أعلم الناس ، أنه أعلم علمائهم ، وأشجع الناس ، أنه أشجع شجعانهم. ولكن هذا مجاز عرفي لا يعارض مقتضى الحقيقة اللغوية ، وهي لا تستدعي تحقق المشاركة بين المفضّل والمفضل عليه. وبتقدير التعارض يتساويان ، فيصير اللفظ به كالمجمل ، ولا دلالة في الألفاظ المجملة على شي‌ء بعينه (٢).

__________________

(١) انظر في فروع هذه القاعدة : ابن عبد السلام ـ قواعد الأحكام : ٢ ـ ١٢٢ ـ ١٢٦.

(٢) انظر هذه الفائدة في المصدر السابق : ٢ ـ ١٢٤.

٣٧٤

وهاهنا قواعد متعلقة

بالمناكحات

وهي أربع عشرة

٣٧٥
٣٧٦

الأولى

الشبهة : أمارة تفيد ظنا يترتب عليه الإقدام على ما يخالف في نفس الأمر.

والكلام هنا في وطء الشبهة ، وهي تتنوع ثلاثة أنواع :

الأول (١) : بالنسبة إلى الفاعل ، كما لو وجد امرأة في فراشه فظنها زوجته أو أمته ، أو تزوج امرأة فظهرت محرمة عليه.

والثاني (٢) : بالنسبة إلى القابل ، بأن يكون للواطئ فيها ملك أو شبهة ملك كالأمة المشتركة ، وأمة مكاتبه ، أو ولده.

والثالث (٣) : بالنسبة إلى مأخذ الحكم بأن يكون مختلفا فيه ، كالمخلوقة من الزنا. وزاد بعضهم (٤) : أن يكون الخلاف فيه (٥) معتبرا ، فقول عطاء (٦) بإباحة إعارة الإماء للوطء ويمكن أن لا يكون شبهة. والحق : أنه شبهة لمن يمكن في حقه توهم ذلك.

ويترتب على الشبهة أحكام خمسة :

الأول : سقوط الحد عمن اشتبه عليه منهما دون الآخر ، وشبهة

__________________

(١) زيادة من (ح).

(٢) زيادة من (ح).

(٣) زيادة من (ح).

(٤) انظر : ابن عبد السلام ـ قواعد الأحكام : ٢ ـ ١٦١ ، والسيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ١٣٧.

(٥) زيادة من (أ).

(٦) هو أبو محمد عطاء بن يسار المدني الهلالي ، الفقيه القاضي ، مولى ميمونة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله. كان قاضيا واعظا جليل القدر. ولد سنة ١٩ للهجرة ومات بالإسكندرية سنة ٩٧ ، أو ١٠٣ ، أو ١٠٤ للهجرة. (السخاوي ـ التحفة اللطيفة : ٣ ـ ٤٢٦).

٣٧٧

الملك يشترط فيها توهم الحل ، وإلا حدّ بقدر نصيب صاحبه.

الثاني : النسب ، ويلحق بالجاهل منهما دون العالم ، وإن جهلا ألحق بهما.

الثالث : العدة ، وهي واجبة مع جهل الواطئ ، صيانة لمائه عن الاختلاط ، ومع علمهما (١) فلا عدة ، ومع جهلها خاصة ، نظر : وقطع العامة (٢) : بأن لا عدة إلا مع الشبهة على الواطئ.

الرابع : المهر ، وهو معتبر بالشبهة على المرأة ، فلو لم يشتبه عليها فلا مهر ولو كان الزوج مشتبها عليه.

الخامس : حرمة المصاهرة ، وهي ثابتة لكل واحد من الرّجل والمرأة مع اتصافهما بالشبهة بالنسبة إلى قرابة الآخر. وقد توقف فيه بعض الأصحاب (٣). ولو اختصت الشبهة بأحدهما ، فقضية الدليل ثبوت الحرمة بالنسبة إليه ، فتحرم عليه أمها وبنتها ، وتحرم على أبيه وابنه لو كان الرّجل (٤) ذا شبهة ، ولا يحرم حينئذ أبوه ولا ابنه

__________________

(١) في (ك) و (ح) : علمها. والظاهر أن ما أثبتناه هو الصواب.

(٢) هذا هو الصحيح عند الشافعية. انظر : العلامة الحلي ـ تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٦٣٣ ، والغزالي ـ الوجيز : ٢ ـ ٧ ، والسيد البكري ـ حاشية إعانة الطالبين : ٣ ـ ٢٩٢ ـ ٢٩٣. ولكن عند الحنابلة تثبت العدة حتى من الزنا. انظر : ابن قدامة ـ المغني : ٧ ـ ٤٥٠ ، والمرداوي ـ الإنصاف : ٩ ـ ٢٨٥.

(٣) انظر : ابن إدريس ـ السرائر : ٢٨٧ ، والعلامة الحلي ـ تحرير الأحكام : ٢ ـ ١٣.

(٤) زيادة من (م).

٣٧٨

بالنسبة إليها. ولو انعكس انعكس. ويمكن عموم التحريم من الجانبين.

فرع :

وطء الشبهة وإن نشر الحرمة فلا يفيد المحرمية ، لترتبها على النكاح الصحيح ، لمسيس الحاجة إلى الاختلاط والمداخلة ، وذلك منتف في وطء الشبهة ، فليس له الخلوة بأم الموطوءة للشبهة ولا ابنتها.

الثانية

كل عضو يحرم النّظر إليه يحرم مسه ، ولا ينعكس ، فان وجه الأجنبية يجوز النّظر إليه مرة ويحرم مسه.

وقد يجوز اللمس إجماعا ويكره النّظر ، وهو الفرج من الزوجة أو المملوكة. وحرّم النّظر هنا بعض العامة (١).

أما النّظر إلى المحارم فلا شك فيه ، وكذا يجوز اللمس عندنا بغير شهوة. قاله بعض الأفاضل (٢). وحرمه بعض العامة (٣) إلا في مثل الرّأس وغيره مما ليس بعورة ، فيحرم عندهم مسّ بطن الأم

__________________

(١) هو وجه للشافعية : انظر : الشيرازي ـ المهذب : ٢ ـ ٣٥ ، والسيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٥٠٣.

(٢) انظر : العلامة الحلي ـ تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٥٧٥.

(٣) هو قول لبعض الشافعية. انظر : شمس الدين الرملي ـ نهاية المحتاج : ٦ ـ ١٩٢.

٣٧٩

وساقها وقدمها ، وتقبيل وجهها.

الثالثة

ينقسم النكاح بحسب الناكح بانقسام الأحكام الخمسة :

فالواجب : عند التوقان ، وخوف الوقوع في الحرام.

والمستحب : إذا فقد الشرط الثاني مع القدرة على النفقة والمهر ، أو مع العجز وتوقان النّفس.

ومكروه : وهو عند عدم التوقان والطول. وربما قيل (١) : لا يكره. والزيادة على الواحدة عند الشيخ (٢).

وحرام : وهو الزيادة على الأربع وشبهه بالنسبة إلى الحرائر والإماء ، والأحرار والعبيد.

ومباح : وهو ما عداه.

وكذا ينقسم بحسب المنكوحة إلى الخمسة :

الأول : حرام ، وأقسامه خمسة :

حرام عينا ، وهي الأربع عشرة المذكورة في الكتاب (٣) ، وهي

__________________

(١) انظر : ابن حمزة ـ الوسيلة : ٥٤ ، وابن قدامة ـ المغني : ٦ ـ ٤٤٨.

(٢) انظر : الشيخ الطوسي ـ المبسوط : ٦ ـ ٤.

(٣) وهو قوله تعالى في سورة النساء : ٢٢ ـ ٢٤ (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) و (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ

٣٨٠