القواعد والفوائد - ج ١

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

القواعد والفوائد - ج ١

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: السيّد عبد الهادي الحكيم
الموضوع : الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٧
الجزء ١ الجزء ٢

عليه ، أو عن وجوب تمكينه من إقامة ذلك عليه ، لا أنه يجب عليه فعله بنفسه.

تنبيه :

قد يكون الشي‌ء جابرا زاجرا ، كما يقال في سجود السهو ، فإنه مع جبره لنقص الصلاة يزجر الشيطان عن الوسوسة ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (كانت السجدتان ترغيما للشيطان) (١). وكذا كفارة الظهار والصوم ، والإفساد ، وقتل العمد. أما كفارة الخطأ فإنها جبر محض.

قاعدة ـ [١٢٤]

الأمانة نسبة إلى يد غير المالك تقتضي عدم الضمان.

وهي : قد تكون من المالك ، كالوديعة والعارية ، وقد تكون من الشرع وهي المسماة : بالأمانة الشرعية ، والواجب فيها المبادرة إلى إعلام المالك فان تمكن وأهمل ضمن ، وإلا فالظاهر عدم الضمان ، ولها

__________________

(١) رواه ابن ماجه في سننه : ١ ـ ٣٨٢ ، باب ١٣٢ من كتاب إقامة الصلاة ، حديث : ١٢١٠ ، بلفظ : (وكانت السجدتان رغم أنف الشيطان) وفي رواية أوردها البيهقي في ـ السنن الكبرى : ٢ ـ ٣٣١ ، بلفظ : (فالسجدتان ترغم الشيطان) وفي حديث أورده المتقي الهندي في ـ كنز العمال : ٤ ـ ١٠١ ، برقم ٢١٣٨ ، بلفظ : (والسجدتان يرغمان الشيطان).

٣٤١

صور سبع :

الأولى : لو أطارت الريح ثوبا إلى داره فيجب الإعلام ، أو أخذه وردّه إلى مالكه.

الثانية : لو انتزع الصيد من يد (١) المحرم ، أو من محل أخذه من الحرم (٢).

الثالثة : لو انتزع المغصوب من الغاصب بطريق الحسبة.

الرابعة : لو أخذ الوديعة من صبي أو مجنون خوف إتلافها.

الخامسة : لو خلص الصيد من جارح ليداويه ، أو من شبكة في الحرم.

السادسة : لو تلاعب الصبيان بالجوز ، فصار في يد أحدهما جوز الآخر ، وعلم به الوليّ ، فإنه يجب عليه رده على (٣) وليّ الآخر.

ولو تلف في يد الصبي قبل علم الولي ضمنه في ماله. ولا عبرة بعلم غير الولي من أم أو أخ ، لأنه ليس قيّما عليه ، فلو أخذه أحدهما بنية الرد على المالك أمكن إلحاقه بالأمانة. وكذا الكلام في البيض.

ولو كان أحد المتلاعبين بالغا ضمن ما أخذه من الصبي ، وهل يضمن الصبي المأخوذ من البالغ؟ نظر ، أقربه عدم الضمان ، لتسليطه على إتلافه.

السابعة : لو ظفر المقاص بغير جنس حقه فهل هو أمانة شرعية حتى يباع؟ قوّى بعض الأصحاب (٤) : الضمان.

__________________

(١) زيادة من (ح) و (أ).

(٢) في (ح) و (م) و (أ) : المحرم.

(٣) في (ا) : إلى.

(٤) انظر : المحقق الحلي ـ شرائع الإسلام : ٤ ـ ١٠٩.

٣٤٢

ويضعف ضمان الزائد عن قدر حقه إذا لم يمكن التوصل إلى حقه إلا به ، كمن كان له مائة فلم يجد إلا دابة تساوي مائتين.

قاعدة ـ [١٢٥]

منافع الأموال تضمن بالفوات والتفويت ، ومنفعة البضع بالتفويت لا غير ، وفي ضمان منفعة الحر إذا حبسه مدة وجه بالضمان (١).

وضعفوه (٢). من حيث عدم دخوله تحت اليد. ويقوى الضمان فيما لو استأجره ثمَّ حبسه ، وخصوصا مع كون الأجير خاصا ، لأن المنافع بعقد الإجارة قدرت موجودة شرعا فاستقرت الأجرة في مقابلها.

والّذي يدل على ملكها : اقتضاء العقد ذلك ، ومن ثمَّ جاز أن يؤجره غيره.

قاعدة ـ [١٢٦]

المعتبر في الضمان بيوم التلف مطلقا.

وفي قول (٣) يفرق بين الغاصب وغيره ، فيضمن الغاصب الأرفع من حين القبض إلى حين التلف ، وغيره يوم التلف. وفي قول (٤) الكل كذلك. وفي

__________________

(١) انظر : الشيرازي ـ المهذب : ١ ـ ٣٧٤.

(٢) انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ١٣٨.

(٣) هو وجه للشافعية. انظر : الرافعي ـ فتح العزيز ، بهامش المجموع للنووي : ٨ ـ ٢١٣.

(٤) انظر : العلامة ـ تذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٣٨٥ ، ٣٩٨ ، وتحرير الأحكام : ٢ ـ ١٤١ ، والشيرازي ـ المهذب : ١ ـ ٣٧٣.

٣٤٣

وجه (١) يمتد إلى حين الرد ، وهو ضعيف. نعم في المثلي تتوجه احتمالات لو تلف عند الغاصب ، والمثل (٢) موجود ، ثمَّ لم يدفعه حتى تلف. والأقرب : أن المعتبر القيمة يوم الدفع.

وقد خرج من الضمان يوم التلف : ضمان ولد الأمة إذا انعقد حرا ووجبت قيمته على الأب ، فإنها تعتبر عند الولادة لا حين الإحبال ، وإن كان قضية الأصل : أن الإتلاف إنما هو حين إلقاء النطفة ، فإنه لو لا هذا العارض كانت رقا لمولى الأمة ، فانتقلت إلى الوالد حينئذ. قيل (٣) : والسرّ فيه : أن النطفة حينئذ لا قيمة لها ، لكنه لما كانت مكملة بدم أمة ، وكان تكوّنه حيوانا بالقوى التي أودعها الله تعالى في الرحم ، صار كالثمرة المخلوقة من الشجرة ، فهو من كسب أمه (٤) ، فلذلك قدّر الإتلاف متأخرا إلى حين الوضع ، فكأنه رقيق إلى حين الوضع ، ومن ثمَّ تبع الولد أمه في أحكام كثيرة.

فإن قلت : لم لا يقال : إن الوجه في ذلك : أن الولد كالجزء من الأم ، فهو ملك لمالكها حتى ينفصل فهنالك ينتقل إلى ملك الوالد؟

قلت : يأبى ذلك الحكم بانعقاده حرّا. نعم ذكر في بعض الموارد أنه رقيق ، وأنه يجب على الأب فكه عند الولادة. وعلى هذا لا يكون

__________________

(١) انظر : المحقق الحلي ـ شرائع الإسلام : ٣ ـ ٢٤٠ ، فقد تردد في عدم اعتبار زيادة القيمة أو نقصانها بعد يوم التلف.

(٢) في (م) : والمشتري ، والظاهر أن الصواب ما أثبتناه.

(٣) انظر : ابن عبد السلام ـ قواعد الأحكام : ٢ ـ ١٥٤.

(٤) في (ا) : أمته.

٣٤٤

التلف إلا حين الولادة. وفيه تنبيه على اعتبار أرفع القيم ، فإنه من المعلوم أن قيمته عند الولادة أرفع غالبا. ولك أن تقول : الحمل على انعقاده رقيقا أولى. ويحمل قولهم : انعقد حرا ، على أدائه (١) إلى ذلك لا محالة. وهو مجاز مشهور ، وفيه توفيق بين الكلامين ، وجري على قاعدة الضمان يوم التلف.

قاعدة ـ [١٢٧]

ضابط العمد وقسيميه (٢) : أن الفاعل إما أن يقصد الفعل (٣) أو لا ، والثاني الخطأ ، والأول إما أن يقصد القتل أو لا ، والثاني الشبيه ، والأول العمد.

وهذا الضابط لا التفات فيه إلى الآلة بحيث تقتل غالبا أو لا تقتل غالبا ، ولم يعتبر فيه قصد المجني عليه. والظاهر أنه لا بد منه.

وقيل : إما أن لا يقصد أصل الفعل ، أو يقصده ، والأول الخطأ (٤) ، كمن زلق فقتل غيره ، والثاني إما أن لا يقصد المجني عليه أو يقصده ، فان لم يقصده فهو أيضا خطأ ، كمن رمى صيدا فأصاب إنسانا ، أو رمى إنسانا فأصاب غيره. وإن قصد المجني عليه

__________________

(١) في (ح) : أنه يؤول ، وفي (م) و (أ) : أنه يؤول أوله.

(٢) أي الخطأ ، والشبيه بالعمد.

(٣) في (أ) : القتل ، والصواب ما أثبتناه على ما يبدو.

(٤) في (م) زيادة : من الجاني.

٣٤٥

والفعل ، فاما أن يكون بما يقتله غالبا أو لا ، والأول هو العمد ، والثاني هو الشبيه.

وهذا لم يعتبر فيه قصد القتل ولا عدمه ، بل الآلة. اللهم إلا أن (١) يقصد بالفعل قصد القتل ، فحينئذ يختل (٢) التقسيم ، لأن الضرب للتأديب فيتفق له (٣) الموت ، خارج منه.

وقيل : إن الضرب إما أن يكون بما يقتل غالبا أولا ، والأول : العمد سواء ، كان جارحا أو مثقلا ، كالسيف والعصا. والثاني : إما أن يقتل كثيرا أو نادرا ، والثاني : لا قصاص فيه ، والأول : إما أن يكون جارحا أو مثقلا ، فان كان جارحا ، كالسكين الصغير ، فهو عمد ، وإن كان مثقلا ، كالسوط والعصا ، فشبيه.

والفرق بين الجارح والمثقل : أن الجراحات لها تأثيرات خفية يعسر الوقوف عليها ، وقد يهلك الجرح الصغير ولا يهلك الكبير. ولأن الجرح يفعله من يقصد القتل غالبا فيناط به القصاص. وأما المثقل فليس طريقا غالبا ، فيعتبر أن يتحقق في مثله كونه مهلكا لمثل هذا الشخص غالبا ، وهو يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال.

وهذا ليس فيه إلا بيان العمد على أن الفرق بين الجارح وغيره غير واضح فيه (٤).

وقيل : كل ما ظن الموت بفعله فهو عمد ، سواء قصد التلف ، أو لا ، وسواء كان متلفا غالبا ، أو لا ، كقطع الأنملة ، وكل ما شك

__________________

(١) في (ا) زيادة : يقال.

(٢) في (ك) : يحتمل. وما أثبتناه أنسب بالمعنى.

(٣) زيادة من (أ) و (ح).

(٤) زيادة من (ح) و (أ).

٣٤٦

في حصول الموت به فهو شبيه.

وفي هذا ضعف ، إذ القضاء بالدية مع الشك بعيد.

وكثير من العامة (١) يجعلون ضابط العمد هو : القصد إلى الفعل بما يقتل غالبا ، سواء قصد إزهاق الروح ، أو لا.

قاعدة ـ [١٢٨]

كلما ضمن الطرف من المجني عليه ضمنت النّفس ، إلا في صورة واحدة ، وهو (٢) : ما إذا جنى السيد على نفس المكاتب المشروط أو المطلق الخالي عن الأداء ، فإنه لا يضمنه ، لأن الكتابة بطلت بموته ، فيموت على ملك السيد. ولو جنى على طرفه ضمنه ، لبقاء الكتابة والأرش ، ككسب المكاتب.

قاعدة ـ [١٢٩]

الضمان قد يكون بالقوة وقد يكون بالفعل :

فالأوّل : هو الحكم بضمان ما يجب ضمانه عند تلفه. وأثره استعداد الذّمّة لذلك ، والعود إليه عند التلف لو كانت القيمة العليا قبله.

والضمان الفعلي (تارة) بعد تلف العين ، ولا ريب أنه مبرئ

__________________

(١) انظر : النوويّ ـ منهاج الطالبين : ١٠٢ ، والغزالي ـ الوجيز : ٢ ـ ٧٤ ، وابن قدامة ـ الكافي : ٣ ـ ٣ ، وابن حجر الهيثمي ـ فتح الجواد : ٢ ـ ١٩٧.

(٢) كذا في جميع النسخ ، ولعل الصواب : وهي.

٣٤٧

لذمة الضامن ، ويكون من باب المعاملة على ما في الذمم بالأعيان ، وهو نوع من الصلح.

و (تارة) مع بقاء العين ، لتعذر ردها ، وهو ضمان في مقابلة فوات اليد والتصرف ، والملك باق على مالكه. وفي وجه للأصحاب (١) أن الضمان في مقابلة العين المغصوبة ، لأنها التي يجب ردها ، فالضمان بدل عنها.

قلنا : العين باقية ، والفائت إنما هو اليد والتصرف ، والضمان الفعلي إنما هو عن التالف بالفعل.

وتظهر الفائدة في الظفر به فيما بعد ، فعلى الأول يترادّان ، وعلى الثاني لا ، حتى قال بعض العامة (٢) : لو كان المغصوب قريب الغاصب عتق عليه. وتوغلوا في ذلك حتى ملكوا الغاصب ما غير صفته ، كالطحن والخياطة والذبح (٣). وأنه لو جنى على العبد بما فيه قيمته ملكه ، مع قولهم : بأنه لو نقص عن القيمة لا يملك النقص (٤).

قاعدة ـ [١٣٠]

الملك قد يكون للرقبة ، وقد يكون للمنفعة ، وقد يكون للانتفاع ،

__________________

(١) انظر : العلامة الحلي ـ مختلف الشيعة : ٣ ـ ٢٧٧.

(٢) قاله أبو حنيفة. انظر : الدبوسي ـ تأسيس النّظر : ٢١.

(٣) هو مذهب الحنفية. انظر : المرغيناني ـ الهداية : ٤ ـ ١١ ـ ١٢ ، والكاشاني ـ بدائع الصنائع : ٧ ـ ١٤٨ ـ ١٤٩.

(٤) انظر : الكاشاني ـ بدائع الصنائع : ٧ ـ ٣١٣.

٣٤٨

وقد يكون للملك ، وهو المعبر عنه بقولهم : ملك أن يملك (١).

والأولان ظاهران. وأما ملك الانتفاع ، فكالوقف على الجهات العامة عند من قال ينتقل إلى الله تعالى (٢) ، فان الموقوف عليه (يملك انتفاعه به) (٣) ، كالمدارس والربط ، فله السكنى بنفسه والارتفاق ، وليس له الإجارة.

ومنه : ملك الزوج للبضع ، فإنه إنما يملك الانتفاع به ، فلهذا لو وطئت بالشبهة كان مهر المثل لها إن كانت حرّة ، وللسيد إن كانت أمة ، وليس للزوج منه (٤) شي‌ء.

ومنه : ملك الضيف الانتفاع بالأكل لا المأكول ، فليس له التصرف في الطعام بغير الأكل.

أما الوقوف (٥) الخاصة ، فإنه يملك المنفعة قطعا ، فله الإجارة ، والإعارة ، ويملك الثمرة والصوف واللبن.

وأما الإقطاع ، فالخبر يدل على أنه مملك ، كأرض الزبير (٦) ،

__________________

(١) انظر : القرافي ـ الفروق : ٣ ـ ٢٠.

(٢) هو الأصح عند الشافعية ومذهب أبي يوصف ومحمد بن الحسن من الحنفية. وقول للحنابلة. انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٣٤٧ ، والقهستاني ـ جامع الرموز : ٢ ـ ١٦٠ ، وابن رجب ـ القواعد : ٤٢٦.

(٣) في (ك) : ملك انتفاعه.

(٤) في (ح) و (م) : فيه.

(٥) في (أ) و (م) : الموقوف عليه.

(٦) عن أسماء بنت أبي بكر : (أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أقطع الزبير أرضا بخيبر فيها شجر ونخل). انظر : ابن سلام ـ الأموال : ٢٧٣.

٣٤٩

وعقيق بلال بن الحارث (١). نعم لو اعتيد الإعمار فيه لم يملك الرقبة. وكذا لو صرّح الإمام بالعمرى أو الرقبى : وحينئذ ليس للمقطع إجارة الأرض المقطعة ، كما ليس للمعمر أن يؤجر إلا مع تصريح الإمام له بذلك ، أو تعميم وجه الانتفاع. ولو عم عرف (بلد ذلك) (٢) ، صار كأنه المقصود.

وجوّز بعض متأخري العامة (٣) : الإجارة مطلقا. وعارضه متأخر منهم (٤) بالمنع ، إلا مع العرف.

وملك الملك جار في المواضع المعروفة (٥). وخاصيته : زواله بالإعراض ، وتوقفه على نية التملك ، إذا أراد ملكه الحقيقي.

قاعدة ـ [١٣١]

الغالب في التمليكات تراضي اثنين ، وقد يكفي الواحد في مواضع :

كالأخذ بالشفعة ، والمقاصة ، والمضطر في المخمصة إلى طعام الغير ،

__________________

(١) عن بلال بن الحارث المزني : (أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أقطعه العقيق أجمع). انظر : ابن سلام ـ الأموال : ٢٧٣ ، وسنن أبي داود : ٢ ـ ١٥٤ ـ ١٥٥.

(٢) في (أ) و (م) : بلده ذلك.

(٣) وهو النوويّ. انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٣٥٣.

(٤) وهو العلائي انظر نفس المصدر السابق.

(٥) انظر هذه المواضع في ـ الفروق للقرافي : ٣ ـ ٢٠ ـ ٢١.

٣٥٠

واللقطة ، والفاسخ بطريقه (١) ، والوالي باسترقاق رجال الكفار إذا أخذوا بعد تقضّي الحرب ، والغنيمة ، والسرقة من دار الحرب ، وإحياء الموات ، والاحتياز في المباحات ، وتبسط الغانمين في المأكل والعلف ، وعفو المجني عليه أو وارثه على مال ، إن قلنا بقول ابن الجنيد (٢) : من أن الواجب في قتل العمد أحد الأمرين.

أما الأب والجد المتوليان لطرفي العقد فان الاستقلال في الحقيقة قائم مقام اثنين (٣).

قاعدة ـ [١٣٢]

لا يقع العقد على الأعيان والمنافع إلا من مالك أو حكمه.

وحكم المالك : الأب ، والجد ، والوكيل ، والوصي ، والحاكم ، والأمين ، والمقاص ، وناظر الوقف ، والملتقط إذا خاف هلاك اللقطة وتعذر الحاكم ، والودعي كذلك ، وبعض المؤمنين في مال الطفل عند تعذر الولي ، وواجد البدنة هدية ويتعذر إيصالها أو نحرها وتفريقها ، على احتمال جواز البيع.

__________________

(١) أي استقلال كل فاسخ باسترداد ما بذله وبتمليك ما استبدله ، كما في قواعد الأحكام لابن عبد السلام : ٢ ـ ١٧٦.

(٢) انظر : العلامة الحلي ـ مختلف الشيعة : ٥ ـ ٢٣١ (نقلا عنه)

(٣) انظر في هذه القاعدة أيضا : ابن عبد السلام ـ قواعد الأحكام : ٢ ـ ١٧٥ ـ ١٧٦.

٣٥١

قاعدة ـ [١٣٣]

هل يجب على الولي مراعاة المصلحة في مال المولى عليه ، أو يكتفى بنفي المفسدة؟

يحتمل الأول ، لأنه منصوب لها. ولأصالة بقاء الملك على حاله.

ولأن النقل والانتقال لا بد لهما من غاية ، والعدميات لا تكاد تقع غاية.

وعلى هذا هل يتحرى الأصلح ، أو يكتفي بمطلق المصلحة؟ فيه وجهان : نعم ، لمثل ما قلناه ، ولا ، لأن ذلك لا يتناهى.

وعلى كل تقدير لو ظهر في الحال الأصلح والمصلحة لم يجز العدول عن الأصلح. ويترتب على ذلك : أخذ الولي بالشفعة للمولى عليه حيث لا مصلحة ولا مفسدة ، وتزويج المجنون حيث لا مفسدة ، وغير ذلك.

قاعدة ـ [١٣٤]

لا يجوز البناء على فعل الغير في العبادات إلا في بعض أفعال الحج القابلة للنيابة :

كالاستنابة في الطواف ، والرمي ، والذبح. إلا أن نقول : هذه عبادات مستقلة. نعم يبني النائب على ما سعى المنوب من الطريق ، ولكن السعي ليس عبادة مقصودة ، وإنما هو وسيلة إلى المقصود. وفي الاقتداء ، إن جوزنا للإمام الثاني البناء على قراءة الأول. وتحمله (١) في الخطبة ، والأذان والإقامة.

__________________

(١) في (ك) و (م) : ويحتمله.

٣٥٢

وأما العقود ، فلا بناء فيها ، فلو مات البائع قبل القبول فليس للمشتري القبول بحضرة الوارث. ولكن الخيار لما ورث أشبه بناء الوارث على خيار الميت ، لأنه خليفته.

قاعدة ـ [١٣٥]

الأصل عدم تحمل الإنسان عن غيره ما لم يأذن له فيه ، إلا في مواضع :

تحمل الولي عن الميت قضاء الصلاة ، والصيام ، والاعتكاف ، وتحمل الإمام القراءة عن المأموم مطلقا ، وعند بعض العامة (١) إذا أدركه راكعا ، وتحمله سجود السهو عن المأمومين في وجه (٢) ، وتحمل الغارم (٣) لا صلاح ذات البين ـ ولهذا (٤) تصرف الزكاة إليه ـ والتحمل في زكاة الفطرة عن الزوجة وواجب النفقة والمملوك ، بناء على ملاقاة الوجوب لهؤلاء أولا والتحمل عنهم بعده (٥).

__________________

(١) انظر : النوويّ ـ المجموع : ٤ ـ ٢١٣ ، والسيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٤٣٤ (نقلا عن ابن القاص).

(٢) قاله ابن القاص من الشافعية. انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٤٣٤.

(٣) في (ا) العازم ، وفي (ح) : القادم. والظاهر أن كليهما غير صحيح واستثناء هذا الموضع بالشكل الّذي أثبتناه أورده السيوطي في ـ الأشباه والنّظائر : ٤٣٣ نقلا عن إمام الحرمين الجويني.

(٤) في (ح) : ولذا. وفي (م) : وكذا. وفي (أ) : ولذلك.

(٥) وهو أصح القولين عند الشافعية. انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٤٣٤.

٣٥٣

ويبعد في العبد ، والقريب ، والزوجة المعسرة ، لأنهم لو تجردوا عن المنفق لما وجب عليهم شي‌ء ، فكيف يتحمل ما لم يجب؟؟

ويمكن نفي التحمل مطلقا ، لأن المخاطب بها المنفق ، والأصل عدم التقدير. فإذا قلنا بالتحمل ، فهو كالضمان الناقل لا يطالب فيه المتحمل عنه بحال.

ويتفرع على ذلك :

لو أعسر الزوج والزوجة موسرة ، أو سيد الأمة المتزوجة موسر ، فعلى التحمل يجب على الزوج والسيد.

وفيما لو أخرج الّذي وجب لأجله عن نفسه. وفي الكافر إذا عال مسلمين. وفيما إذا أيسر القريب بعد الهلال وقبل الإخراج.

وفيما إذا أسلمت دونه وأهلّ الهلال ، فعلى التحمل يؤمر بالإخراج عنها.

وتحمل المكره زوجته أو الأجنبية على القول به على الجماع في الصوم المتعين الكفارة. وفيه الوجه السالف (١) ، والأصح القطع بعدم التحمل هنا ، وفي إكراهها على الوطء في الإحرام ، لأنه إنما يتحمل ما يمكن فيه الوجوب على المتحمل عنه ، وهو غير ممكن هنا ، وإطلاق التحمل على هذا مجاز. على أن الأقرب في جميع هذه المواضع عدم حقيقة التحمل.

وتحمل الأب المزوج ولده الصغير المهر في ماله ، فان قلنا بملاقاة الابن ، فلها مطالبة أيهما شاءت. وهذا إنما يتم على القول بأنه ضمان ، وأن الضمان غير ناقل ، أما لو قلنا حكمه حكم الحوالة ، أو قلنا بأن

__________________

(١) وهو ما أشار إليه قبل قليل من أنه لا يتحمل ما لم يجب.

٣٥٤

الضمان ناقل ، كما هو مذهب الأصحاب (١) ، فليس لها مطالبة الابن على التقديرين.

والمتحمل في تزويجه عبده أضعف ، لأن العبد ليس أهلا لملاقاة الوجوب ، إلا أن نقول : يتعلق برقبته ، أو يتبع (٢) به بعد عتقه.

وتحمل العاقلة عن أنفسها. وعلى قول الشيخ المفيد (٣) (٤) رحمه‌الله بضمان العاقلة ، ثمَّ لهم الرجوع على الجاني ، يكون الوجوب قد لاقى الجاني ، قضية لإلزام كل متلف بجنايته. وتزول شناعة الشيخ ابن إدريس (٥) رحمه‌الله على الشيخ الأعظم المفيد رحمه‌الله ، ونسبته إلى خلاف الأمة ، فإن كثيرا من علماء العامة (٦) يجعلون الوجوب ملاقيا للجاني أولا ، ثمَّ تتحمله العاقلة. ويفرعون عليه : أنه إذا

__________________

(١) انظر : الشيخ الطوسي ـ النهاية : ٣١٤ ، والمحقق الحلي ـ شرائع الإسلام : ٢ ـ ١٠٨ ، والعلامة الحلي ـ قواعد الأحكام : ٦٨.

(٢) في (في) : يتعلق.

(٣) أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السلام البغدادي الشهير بالشيخ المفيد. شيخ مشايخ الإمامية ورئيسهم في الكلام والفقه والجدل عاش ستا وسبعين سنة كان مولده سنة ٣٣٦ هـ له أكثر من مائتي مصنف في مختلف العلوم الإسلامية توفي في شهر رمضان سنة ٤١٣ هـ ودفن في البقعة الكاظمية الشريفة. (القمي ـ الكنى والألقاب : ٣ ـ ١٧١).

(٤) انظر : المقنعة : ١١٦.

(٥) انظر : السرائر : ٤١٣.

(٦) انظر : الشيرازي ـ المهذب : ٢ ـ ٢١٣ ، وابن قدامة ـ المغني : ٧ ـ ٧٩٣ ، والسيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٤٣٤.

٣٥٥

انتهى التحمل إلى بيت المال وهو خال يؤخذ من الجاني (١). وأنه لو أقر بجناية الخطأ ولم تصدقه العاقلة ، وحلفوا على نفي العلم ، يحتمل أن لا يؤاخذ بإقراره ، بناء على أن الجناية في الخطأ تجب على العاقلة ابتداء ، فكأنه مقر على غيره ، فلا يلزمه شي‌ء. وإن قلنا بملاقاته الوجوب ، نفذ (٢) إقراره على نفسه. وأنه لو غرم الجاني ثمَّ اعترفت العاقلة ، فإن قلنا بملاقاته الوجوب ، رجع على العاقلة ولا يردّ الولي ما قبض ، وإن قلنا بعدمه ردّ الولي ما قبض ، ثمَّ يرجع على العاقلة.

قاعدة ـ [١٣٦]

الأصل أن كل أحد (٣) لا يملك إجبار غيره ، إلا في مواضع :

إجبار السيد رقيقه على النكاح ، وليس لرقيقه إجباره عندنا (٤).

والأب والجد الصغيرة والمجنونة ، والصغير مطلقا ، والمجنون الكبير إذا كان النكاح صلاحا له بظهور إمارة التوقان ، أو برجاء الشفاء المستند إلى الأطباء.

ولو طلبت البالغة البكر النكاح أجبر الأب والجد على تزويجها ، إن قلنا لا ولاية لها ، أو بالاشتراك.

__________________

(١) انظر : النوويّ ـ منهاج الطالبين : ١٠٩ ، والشيرازي ـ المهذب : ٢ ـ ٢١٣ ، وابن قدامة ـ المغني : ٧ ـ ٧٩٢ ـ ٧٩٣.

(٢) في (ك) و (م) : بعد.

(٣) في (ح) : واحد.

(٤) وهو قول للشافعية أيضا. انظر : الشيرازي ـ المهذب : ٢ ـ ٤٠.

٣٥٦

وهل يجبر الولي على تزويج الصغيرين عند ظهور الغبطة لهما؟ نظر.

وكذا يجبر الولي على تزويج السفيه. والأقرب أن له إجبار السفيه مع الغبطة.

والمضطر يجب صاحب الطعام ، (وصاحب الطعام) (١) يجبره إذا امتنع من الأكل وأشرف على التلف.

قاعدة ـ [١٣٧]

ولاية النكاح : بالقرابة ، والملك ، والحكم ، والوصاية. وكل منهم يزوج بالولاية إلا المالك ، فإنه يزوج بالملك ، لأنه مالك للبضع فله نقله إلى غيره بطريقه. وربما احتمل كونه بالولاية ، لما ورد : في تزويج أمة المرأة نفسها متعة (٢) ، فإنه مشعر بذلك. ولأنه لا يجوز أن تزوج الأمة بمجنون إلا برضاها عند بعض العامة (٣) ، فلها حق (٤) في نفسها. ويتفرع على ذلك عندهم : اشتراط عدالة المولى على الولاية دون الملك (٥).

__________________

(١) في (أ) و (م) : وهو.

(٢) انظر : الحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ١٤ ـ ٤٦٣ ، باب ١٤ من أبواب المتعة ، حديث : ١ ، ٢.

(٣) انظر : الشيرازي ـ المهذب : ٢ ـ ٤٨.

(٤) في (ح) زيادة : حتى.

(٥) اشتراط عدالة الولي هو الصحيح المنصوص عليه عند الشافعية. انظر : الشيرازي ـ المهذب : ٢ ـ ٣٦. وقد ذكر السيوطي في ـ الأشباه والنّظائر : ٤١٦ ثلاثة عشر طريقا في ولاية للفاسق للنكاح.

٣٥٧

وتزويج المكاتب أمته إن قلنا بالملك ، وتزويج الكافر أمته المسلمة إذا كانت أم ولد ، وقلنا بعدم البيع ، جائز على الملك ، وعلى الولاية لا يجوز.

قاعدة ـ [١٣٨]

التوقيت بالألفاظ المشتركة ولا قرينة تعين المراد باطل.

ومع (١) القرينة ، كربيع ، وجمادى ، والنفر ، وأول الشهر وآخره ، والخميس ، والعيد ، فإن قرينة الحال تحمله على الأول فيلزمه. وقيل : بالبطلان ، استضعافا للقرينة.

ويقرب منه : التعليق على ما هو في حيز الامتناع ظاهرا ، وبضرب من التأويل يصير ممكنا ، كما لو علق الظهار على حيضهما حيضة ، فظاهره يقتضي صدور (٢) الحيضة منهما ، وهو ممتنع ، فيكون تعليقا على الممتنع فلا يقع. وتأويلها : إن حاضت كل منهما (٣) حيضة ، مثل قولهم : كسانا الأمير جبة ، أي كل واحد واحدة (٤).

قاعدة ـ [١٣٩]

الأحكام التابعة لمسميات الأصل أن تناط بحصول تمام المسمى : كالحمل ، فإنه علق على وضعه العدة ، فيشترط خروجه بتمامه ،

__________________

(١) في (م) : لا مع.

(٢) في (ح) : ظهور ، وفي (م) : صدق.

(٣) في (ح) : منكما.

(٤) في (م) و (أ) : واحد.

٣٥٨

والإرث المعلق على وضعه حيا ، وكذلك الوصية ، فيشترط خروجه بأجمعه حيا ، فلا يكفي بعضه. وكذلك دية الجنين (١) ، أما الغرة أو المقدر (٢) المشهور أو الدية ، إلا أن يعلم عدم قبوله الحياة بعد ذلك ، فهو كالخارج.

ولو (٣) ماتت الأم بعد خروج بعضه ، وجبت ديته ، لعلمنا بوجوده.

أما إلحاق الولد بالناكح فالتمام شرطه الستة أشهر ، ولا يلحق الولد التام الحي الّذي يمكن أن يعيش بدونها. أما الولد الناقص فيلحق بالواطئ في الزمان الممكن.

وتظهر الفائدة في أخذ ديته لو جنى عليه ، وفي وجوب مئونة تجهيزه ، وإن نقص عن ستة أشهر. فحينئذ إطلاق أن الولد لا يلحق بأبيه إذا نقص عن الستة مقيد بالتام (٤).

ومما علق بالتام : إجزاء الحج إذا مات المحرم بعد دخوله الحرم ، بشرط دخول جميعه ، والطواف خارج البيت بشرط خروجه بجميع بدنه.

قاعدة ـ [١٤٠]

في التعليقات بالأعيان

__________________

(١) انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٢٩٤.

(٢) في (ا) : القدر.

(٣) في (م) : وأما لو.

(٤) انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٢٩٣ ـ ٢٩٤ (نقلا عن ابن الوكيل).

٣٥٩

وهي كثيرة ، وإن كان بعضها يشترك في قدر مشترك ، فالخصوصية تكفي في المباينة.

فمنها : تعلق الدين بالرهن. وتعلق الزكاة بالنصاب ، والخلاف فيه مشهور (١). وتعلق الأرش بالجاني خطأ وعمدا. وتعلق حق البائع في المبيع فيحبسه حتى يستوفي الثمن. وتعلق الدين بالتركة.

وتعلق المال المضمون بالأعيان المشروطة. وتعلق الضمان بما يجب إحضاره من الأعيان.

ويشبه الاستيثاق ، وهو في مواضع (٢) :

توثق المرأة للصداق بمنع تسليمها نفسها حتى تقبض ، والمفوضة حتى يسمي لها مهرا. وبالإشهاد على أداء الدين والقرض والعقود بأسرها ، وإن لم يكن الإشهاد واجبا. والتوثق بحبس الجاني حتى يبلغ اليتيم أو يفيق المجنون ، على القول به (٣). ومثله التوثق للغائب حتى يقدم. والتوثق بالحبس في موضعه على الحقوق ، وبالحيلولة بين المدعى عليه وبين العين بعد شهادة شاهدين مستورين حتى يزكيا ، في وجه (٤). ومثله حبس المدعى عليه إذا شهد عليه مستوران بدين أو بحدّ أو قصاص ، على احتمال (٥).

__________________

(١) انظر : العلامة الحلي ـ تذكرة الفقهاء : ١ ـ ٢٢٤.

(٢) انظر هذه المواضع في ـ قواعد الأحكام لابن عبد السلام : ٢ ـ ١٨٣.

(٣) قال به ابن عبد السلام. انظر : قواعد الأحكام ٢ ـ ١٨٣.

(٤) انظر : ابن عبد السلام ـ قواعد الأحكام : ٢ ـ ١٨٣ ، وللسيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٤٨٧.

(٥) انظر : ابن عبد السلام ـ قواعد الأحكام : ٢ ـ ١٨٣ ، والسيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٤٨٨.

٣٦٠