القواعد والفوائد - ج ١

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

القواعد والفوائد - ج ١

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: السيّد عبد الهادي الحكيم
الموضوع : الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٧
الجزء ١ الجزء ٢

ولا دية.

ولو مات قبل القود ، فان غلبنا حق الله فلا شي‌ء لورثة المقتول ، وإلا أخذت من تركته على القول به في غير المحاربة.

ولو عفا الولي على مال ، فان غلبنا حق الآدمي فلا قصاص ، وتجب الدية ، ويقتل حدا ، كمرتد استوجب القصاص فعفي عنه ، وإن غلبنا حق الله تعالى لغا العفو.

وإن (١) قتل المحارب أجنبي ، كمن تولى (القتل من غير) (٢) إذن الإمام ، فإن غلبنا القصاص فعليه الدية لوارثه. والأقرب عدم الاقتصاص منه ، لأن قتله متحتم. ويحتمل القصاص ، لأنه معصوم بالنسبة إليه. وإن غلبنا حق الله عزر فقط.

ولو كان مستحق القصاص صبيا أو مجنونا فينبغي أن يخرّج عفو الولي على هذا الاختلاف ، فان غلبنا حق الآدمي لم يقتص حتى يبلغ ، أو يفيق إن أوجبنا التربص في مثله ، لئلا يفوت عليه المال لو أراده ، وإن غلبنا حق الله تعالى فعفوه لاغ ، فيقتل في الحال.

ولو تاب قبل الظفر به ، فان غلبنا حق الآدمي لم يسقط القصاص ، ويسقط التحتم (٣) ، وإن غلبنا حق الله سقط.

ومنه : اليمين المردودة على المدعي والواجبة بالنكول عليه هل هي كإقرار المدعى عليه ، أو كالبينة؟

يحتمل الأول ، لأن المدعى عليه بنكوله توصل إلى إثبات حق المدعي فأشبه إقراره.

__________________

(١) في (ح) : ولو.

(٢) في (ك) و (أ) و (م) : للمقتول بغير.

(٣) أي تحتم القصاص.

٣٠١

ووجه الثاني : أنها حجة صادرة من المدعي مع جحد (١) المدعى عليه.

وفيها فوائد :

الأولى : لو أقام المدعى عليه بعد يمين المدعي بينه أن العين ملكه ، أو أنه أدى الدين ، أو أبرئ منه ، فان قلنا كالإقرار لم تسمع ، وإن قلنا كالبينة سمعت.

الثانية : افتقار الثبوت إلى الحكم على البينة دون الإقرار.

الثالثة : هل للبائع مرابحة إحلاف المشتري على نفي علمه بزيادة الثمن عما أخبر به؟ إن قلنا كالإقرار ، فله ذلك رجاء النكول ورد اليمين ، فيكون كالتصديق له ، وإن قلنا كالبينة فلا ، لعدم سماع بينة على هذا الثمن الزائد.

الرابعة : لو أنكر الأصيل دفع الضامن فهل له إحلافه؟ إن قلنا لو صدقه رجع عليه فله ذلك ، فيحلف على نفي العلم بالدفع ، وإن قلنا لا يرجع عليه لو صدقه لعدم انتفاعه بالدفع إذ الفرض إنكار المستحق. فان قلنا اليمين كالإقرار لم يلزم بالحلف ، لأن غايته النكول ، فيحلف المدعي فهو كالإقرار ، وإن قلنا كالبينة طالبة بالحلف طمعا في نكوله فيحلف ، فيرجع ، كما لو أقام بينة.

الخامسة : لو ادعى كل من اثنين على واحد رهن عبده عنده وإقباضه إياه ، فصدق أحدهما ، قضى به للمصدق ، وهل للمكذب إحلافه؟ الظاهر : نعم ، لأنه لو صدقه غرم له. ولو قلنا : لا يغرم بالتصديق ، فهل له المطالبة باليمين؟ إن قلنا : كالإقرار ، فلا ،

__________________

(١) في (ك) و (أ) : حجب ، وفي (م) : حجة.

٣٠٢

وإن قلنا : كالبينة ، أحلف (١) ، ويستفيد به الغرم ، لا انتزاعه من الأول ، لأن البينة هنا حجة على المتداعيين ، لا على غيرهما.

السادسة : هل يطالب السفيه باليمين على نفي القتل (٢) الموجب للمال؟ إن قلنا. كالإقرار ، فلا ، لأن غايته النكول فيحلف المدعي ، فيكون كإقرار السفيه ، وهو غير مسموع ، وإن قلنا : كالبينة ، طولب. ويحتمل مطالبته باليمين ولو قلنا كالإقرار ، لأنه قد يحلف فتنقطع الخصومة ، وهو أولى من بقائها.

السابعة : لو ادعى على المفلس فأنكر ، وحلف المدعي ، إن قلنا : كالبينة ، شارك الغرماء ، وإن قلنا كالإقرار ، بني على المشاركة بالإقرار. وعلى القول بأن البينة إنما تتعلق بالمتداعيين ، لا يشارك على التقديرين.

الثامنة : لو ادعى عليه رجل (٣) بقتل الخطأ ، وثبت باليمين المردودة ، ووجبت الدية على العاقلة إن جعلناها كالبينة ، وإلا فعلى المدعى عليه. ولا فرق هنا بين المفلس وغيره إلا في مشاركة الغرماء وعدمه. ويجي‌ء الكلام السالف (٤).

إلا أن يقال : العاقلة ليست أجنبية هنا ، إذ هي قائمة مقام الجاني في الخطأ. وهو بعيد.

التاسعة : لو تداعى كل من الأختين زوجيته ، فصدق إحداهما ،

__________________

(١) في (ح) و (م) و (أ) : أجيب.

(٢) في (ك) : العلم.

(٣) زيادة من (ح).

(٤) وهو الوارد في الفائدة السابعة من أنه على القول بأن البينة تتعلق بالمتداعيين فلا يلزم العاقلة حينئذ شي‌ء.

٣٠٣

فهل للأخرى إحلافه؟ الأقرب : نعم ، لأن المقصود المهر. وأما النكاح فمدفوع بإنكاره ، فإن نكل حلفت ويبطل نكاح أختها ، إن قلنا كالبينة ، ويرد الكلام الأول.

العاشرة : لو قال في عين بيده : هي لأحد هذين ، ثمَّ عين زيدا ، فهل لعمرو إحلافه؟ فيه ما سبق.

الحادية عشرة : لو ادعى عليه عينا في يده ، فقال : هي لفلان ، فصدقه فلان ، أخذها ، وهل للمدعي إحلاف المصدق؟ إن قلنا بالغرم ، فنعم ، وإلا ففيه ما سبق.

الثانية عشرة : لو زوجها أحد الوكيلين (١) برجل والآخر بآخر ، أو ادعى زوجيتها اثنان ، فصدقت في الصورتين أحدهما ، ثبت نكاحه ، وهل يحلف (٢) للآخر؟ إن قلنا بالغرم حلف (٣) ، وإلا يبنى (٤) على الوجهين. وأما انتزاعها من الأول للثاني عند يمينه ففيه ما تقدم.

وكذا انتزاع العين من المصدق أولا في المسألة السابقة.

الثالثة عشرة : إذا باع أحد الشريكين سلعة بينهما وهو وكيل في القبض ، فادعاه المشتري عليه ، وصدقه الشريك ، وأنكر البائع ، حلف لهما ، فلو نكل البائع عن اليمين للشريك ، فحلف الشريك ، استحق نصيبه ، وللبائع المطالبة بنصيبه للمشتري بعد يمينه على عدم القبض. ولو قلنا : اليمين المردودة كالبينة وأنها حجة على الخارج ، لم يكن له مطالبة المشتري.

__________________

(١) في (م) و (أ) : الوليين.

(٢) في (أ) : تحلف.

(٣) في (ح) و (أ) : حلفت.

(٤) في (ح) و (أ) و (م) : بني.

٣٠٤

قاعدة ـ [١٠٣]

اليمين لنفي شي‌ء لا تكون لإثبات غيره.

ولها صور كثيرة :

منها : إذا اختلف البائع والمشتري في تقدم (١) العيب ، حلف البائع مع عدم البينة والقرينة ، ويحلف على القطع.

فلو اختلف (٢) بعد ذلك في الثمن وقلنا بالتحالف ، أو كان الاختلاف في تعيين الثمن ، فان التحالف فيه هو الأقرب ، ففسخ البيع إما بالحلف أو بغيره ، على اختلاف فيه ، فطلب البائع من المشتري أرش العيب الّذي اختلفا فيه أولا ، بناء على أنه استقر أنه حادث بيمين البائع ، لم يكن له ذلك ، لأن يمينه كانت لنفي الغرم عنه أو الرد ، فلا يصلح لشغل ذمة المشتري ، بل يحلف الآن المشتري على أن هذا العيب ليس بحادث ، فان حلف برئ ، ولا يثبت تقدمه بحيث يطالبه (٣) المشتري بالأرش ، فإن رد اليمين أو نكل حلف البائع الآن على حدوثه واستحق أرشه ، سواء قلنا يمين الرد كالإقرار أو كالبينة.

ومنها : لو قذفه بالزنا ، فلما دعاه للحد طلب منه يمينا على نفي الزنا وقلنا بقول الشيخ (٤) : بثبوت اليمين هنا ، فنكل أو ردها على القاذف ، فحلف القاذف أنه زنى ، سقط حد القذف عنه ، ولا

__________________

(١) في (ك) : عدم.

(٢) في (ك) : اختلفا.

(٣) في (ك) و (ح) : يطالب.

(٤) انظر : الشيخ الطوسي ـ المبسوط : ٨ ـ ٢١٥ ـ ٢١٦.

٣٠٥

يجب على المقذوف حد الزنا سواء قلنا : كالإقرار أو لا ، لأن هذه اليمين كانت لدفع (١) حد القذف عنه لا لإثبات الزنا على المقذوف.

وليس هذا كاللعان في أن نكول الزوجة عنه يوجب عليها الحد.

ومنها : لو أقر الوكيل في البيع وقبض الثمن بهما ، وأنكر الموكل القبض ، قيل (٢) : حلف الوكيل ، لاستئمانه. فلو خرج المبيع مستحقا ، ورجع المشتري على الوكيل بالثمن ، لجهله بالوكالة ، لم يكن للوكيل أن يرجع على الموكل ببدل الثمن بناء على تلك اليمين ، لأن يمينه كانت لنفي الغرم عنه ، لا لشغل ذمة الموكل ، بل القول الآن قول الموكل في عدم القبض مع يمينه ، فلو ردها على الوكيل ، أمكن القول بحلفه وبراءته حينئذ ، سواء قلنا يمين الرد كالإقرار أو كالبينة.

قاعدة ـ [١٠٤]

[ التدبير وصية بالعتق ]

لها تعلق بما قبلها ظاهر الأصحاب (٣) أن التدبير وصية بالعتق ، وليس تعليقا للعتق على صفة الموت.

__________________

(١) في (م) و (أ) : لرفع.

(٢) انظر : الرافعي ـ فتح العزيز ، بهامش المجموع للنووي : ١١ ـ ٨١.

(٣) انظر : الشيخ الطوسي ـ المبسوط : ٦ ـ ١٧١ ، وابن إدريس ـ السرائر : ٣٤٧ ، والمحقق الحلي ـ شرائع الإسلام : ٣ ـ ١٢٠.

٣٠٦

وربما تخيل ذلك في بعض المواضع.

وله عند العامة (١) فروع على هذين المأخذين : من جواز الرجوع فيه وعدمه ، والبيع بخيار ، فعلى الصفة لا يصح ، وعلى الوصية يحتمل بطلان التدبير قبل لزوم البيع ، فلا يعود إلى التدبير لو فسخ البيع ، واحتمل المراعاة.

ولو رهنه أمكن الرجوع ، لأنه عرضه للبيع ، وعدمه ، لأنه ليس بمزيل للملك ، وعلى الصفة لا بحث (٢). والعرض على البيع كالبيع.

ويمكن العدم ، لأنه لم يخرج عن الملك. أما الوطء فليس برجوع قطعا على الوجهين ، لأنه مع الحمل يؤكد التدبير. وفي المكاتبة وجهان. ويحتمل أنه إن قصد بالمكاتبة الرجوع عن التدبير كان رجوعا على القول بالوصية ، وإلا (٣) فهو مدبر مكاتب.

ولو ادعى العبد أنه دبر ، ففي سماع الدعوى تردد ، من توهم أن الإنكار رجوع.

ولو حملت ، تبعها الولد ، أما على العتق فظاهر ، وأما على الوصية فمشكل من حيث أن الوصية بالجارية لا يدخل فيها الحمل المتجدد قبل الوفاة. وهذا يوهم أنه عتق بصفة ، لفتوى الأصحاب بأن الولد مدبر (٤). وبالغوا في ذلك حتى منعوا من الرجوع في تدبيره ولو

__________________

(١) انظر : ابن رجب ـ القواعد : ٤٣٧ ـ ٤٣٨.

(٢) في (م) : لا يجب.

(٣) في (م) و (أ) زيادة : فلا.

(٤) انظر : الشيخ الطوسي ـ النهاية : ٥٥٢ ، والمبسوط : ٦ ـ ١٧٥ ، والعلامة الحلي ـ تحرير الأحكام : ٢ ـ ٨٢ ، وابن إدريس ـ السرائر : ٣٤٧ ، وابن حمزة ـ الوسيلة : ٦٨.

٣٠٧

رجع في تدبير أمه (١) ، وهو يؤكد الصفة.

قاعدة ـ [١٠٥]

العمل بالأصلين المتنافيين واقع في كثير من المسائل (٢).

وأصله : الأخذ بالاحتياط غالبا ، وما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في قضية عبد بن زمعة : (هو لك يا عبد بن زمعة ، الولد للفراش وللعاهر الحجر ، واحتجبي منه يا سودة) (٣). قيل (٤) : قال ذلك لما رأى فيه شبها بعتبة بن أبي وقاص فأتبعه للفراش بأخي سودة أم المؤمنين ، وأمرها بالاحتجاب منه ، للشك الطارئ على الفراش.

ولما روي عنهم عليهم‌السلام : في الّذي وطئ أمته ووطئها أجنبي فجورا وحصلت إمارة على كون الولد ليس منه ، فإنه لا يبيعه ولا يورثه ميراث الأولاد (٥).

__________________

(١) ذهب إليه الشيخ الطوسي. انظر : النهاية : ٥٥٣ ، والمبسوط : ٦ ـ ١٧٥.

(٢) انظر بعض هذه المسائل في ـ الأشباه والنّظائر للسيوطي : ٥٦٥ ـ ٥٦٦.

(٣) انظر : صحيح مسلم : ٢ ـ ١٠٨٠ ، باب ١٠ من أبواب الرضاع ، حديث : ٣٦.

(٤) قالته عائشة. انظر نفس المصدر السابق ، وسنن ابن ماجه : ١ ـ ٦٤٦ ، باب ٥٩ من كتاب النكاح ، حديث : ٢٠٠٤.

(٥) انظر : الحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ١٤ ـ ٥٦٣ ـ ٥٦٤ ، باب ٥٥ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث : ١ ، ٢ ، ٤.

٣٠٨

فمنها : المتحيرة إذا قلنا بالاحتياط فهي تفرض بالنسبة إلى وجوب العبادة طاهرا ، وبالنسبة إلى وجوب القضاء وتحريم الوطء وغير هما حائضا.

ومنها : حيض الحامل ، مع عدم انقضاء العدة به من صاحب الحمل ومن غيره. الأقرب الانقضاء.

واشتباه موت الصيد بالجرح ، أو الماء القليل في أحد الوجهين.

ونفي إحصان من اعترف بالولد من زوجته ، ونفي وطئها ، فإنه يلحق به الولد ولا يثبت إحصانه ، إلا أن يتصور علوقها من مائة بغير وطئها قبلا.

ولو ادعى المطلق انقضاء عدتها وأنكرت ، حلفت ، ويجب عليه الإنفاق وله التزويج بالأخت ، أو الخامسة في وجه.

واللقيط في دار الإسلام لو أقر بالرقية إن (١) أعملنا فيه الأصلين المنافيين (٢) ، على ما اختاره بعض الأصحاب.

قاعدة ـ [١٠٦]

التعليل بانتفاء المقتضي ووجود المانع مختلف فيه.

ويرجح الأول : اعتضاده بالأصل ، والثاني (٣) : على خلاف

__________________

(١) زيادة من (ك) و (م).

(٢) يقول السيوطي في نحو هذه المسألة : (اللقيطة التي أقرت بالرق بعد النكاح ، لها حكم الأحرار في الطلاق ، وحكم الإماء في عدة الوفاة). الأشباه والنّظائر : ٥٦٦.

(٣) في (ا) زيادة : كونه.

٣٠٩

الأصل.

وله فروع :

منها : أن الحكم ببطلان البيع الصادر من المميز وشبهه كالإجارة هل هو لانتفاء المقتضى ، وهي الأهلية المقتضية لصحة التصرف ، وهي التكليف ، أو لوجود المانع ، وهو انفراده عن الولي :

وتظهر الفائدة : لو أذن له الولي ، فعلى الأول البطلان بحاله ، وعلى الثاني يصح.

قاعدة ـ [١٠٧]

في الاحتياط لاجتلاب المصالح ودفع المفاسد.

وقد ظهر أثره : في الشاك في فعل من أفعال الصلاة وهو في محله ، فإنه يأتي به. والشاك في فعل الصلاة وهو في الوقت يأتي بها.

والشاك في العدد يبطل في الثنائية والثلاثية ، وهو احتياط ، إذ الأصل عدم فعل المشكوك فيه ، وفي الرباعية يبني على الأكثر ، وهو ضد الاحتياط لكنه يجبر بالتدارك. والشاك في عين الفائتة يصلي خمسا احتياطا.

وآخر يوم من شعبان يصام احتياطا. والصلاة على جميع القتلى ودفنهم احتياطا عند اشتباه المسلمين بالكفار. وترك التزويج بالمشتبهة بالمحرمة في عدد محصور.

وأصل هذا أحاديث خاصة في بعضه ، وعموم قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) (١).

__________________

(١) انظر : الحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ١٨ ـ ١٢٤ ، باب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، حديث : ٤٧ ، والسيوطي ـ الجامع الصغير بشرح المناوي : ٢ ـ ٢٣ ـ ٢٤.

٣١٠

أما إعادة الصلاة لو شك بعد الانتقال في ركن أو فعل ، أو إعادة الصوم لو شك في نيته أو غسله ، وإعادة الزكاة لو شك في استحقاق القابض ، وإعادة الحج لو شك في تمام أركانه ، بل إعادة جميع العبادات عند زيادة الفقه بعد فعلها ، فلم نظفر فيه بنص على خصوصه ، ولا بلغنا فيه نقل عن السلف ، وإن كان متأخرو الأصحاب أولو الورع يصنعونه كثيرا. وقد حققنا هذه القاعدة في كتاب الذكرى (١).

ويطرد ذلك : لو شك في الحدث بعد يقين الطهارة ، أو في دخول الوقت قبل الطهارة ، أو في اشتغال ذمته بصلاة واجبة لينوي واجب الطهارة ، أو في كون الخارج منيا ، أو في تعيين المني من صاحبي الثوب المشترك ، فطريق الاحتياط لا يحصل بمجرد الفعل في مسائل الأحداث أو الشك في الطهارات ، بل ينبغي إيجاد السبب اليقيني ثمَّ الفعل ، لأن الفعل مع النية المشكوك فيها كلا فعل عند بعض الأصحاب (٢).

ويتوغل في ذلك : إلى استحباب طلاق الزوجة مع الشك في وقوعه ، وإلى إبانتها بطلقة جديدة لو شك. ومن شك بما ذا أحرم يتمتع احتياطا. ومن شك في تمليك شي‌ء توصل إلى اليقين (٣). إلى غير ذلك مما لا ضابط له.

وقد اعتبره بعض العامة (٤) ما لم يؤد إلى كثرة الشك ، فإنه

__________________

(١) انظر : مثلا ـ الركن الثاني من كتاب الصلاة ، في الخلل الواقع في الصلاة ـ المطلب الثالث في الشك.

(٢) انظر : ابن إدريس ـ السرائر : ٣٤.

(٣) في (م) : المقر.

(٤) انظر : عز الدين بن عبد السلام ـ قواعد الأحكام : ٢ ـ ١٧ ـ ٢٤.

٣١١

مغتفر.

أما ستارة الخنثى كالمرأة ، وجمعه بين إحرام (١) الرّجل والمرأة ، فالأقرب وجوبه ، لتساوي الاحتمالين.

ومن هذا الباب الجمع بين المذاهب مهما أمكن في صحة العبادة ، والمعاملة.

__________________

(١) في (ح) و (م) : إحرامي.

٣١٢

وهاهنا قواعد

في

الاجتهاد وتوابعه

٣١٣
٣١٤

قاعدة (١) ـ [١٠٨]

إذا لم يظفر (٢) المجتهد على وجه مرجح لأحد المحتملات ففيه صور :

إحداهما : أن يكون ذلك في الأمارات ففيه وجهان : التوقف ، والتخيير.

وقيل (٣) : بل الدليلان يتساقطان ويرجع إلى البراءة الأصلية.

وثانيها : أن يكون ذلك في الأواني فيطرحها ويستعمل غيرها ، وإلا تيمم.

وثالثها : أن يكون في الثياب فيصلي في كل واحد مرة ويزيد على عدد النجس بواحد.

وقيل (٤) : يصلي عاريا. ولا إعادة عندنا.

ورابعهما : أن يشك في الوقت ، فعليه الصبر حتى يتحقق دخوله.

وخامسها : الشك في جهة القبلة فيصلي إلى أربع جهات.

وقيل (٥) : يتخير. ولا إعادة عندنا على كل حال.

__________________

(١) زيادة من (ك).

(٢) في (ح) و (م) و (أ) : يعثر.

(٣) انظر : الأسنوي ـ نهاية السئول : ٣ ـ ١٣٣ ، والعلامة الحلي ـ نهاية الأصول ـ مبحث التعادل. (مخطوط بمكتبة السيد الحكيم العامة بالنجف برقم ٨٧٨).

(٤) انظر : ابن إدريس ـ السرائر : ٣٣.

(٥) انظر : ابن قدامة ـ المغني : ١٠ ـ ٤٤٤ ، ٤٤٩ ـ ٤٥١ ، والعلامة الحلي ـ مختلف الشيعة : ١ ـ ٧٧ (نقلا عن ابن أبي عقيل المعاني). وفي قول للشافعية يتخير وعليه الإعادة. انظر الشيرازي ـ المهذب : ١ ـ ٦٨.

٣١٥

وسادسها : تحري (١) الأسير والمحبوس في شهر رمضان ، فإنه يتوخى ، فان صادف أو تأخر أجزأ ، (وإلا أعاد) (٢).

قاعدة ـ [١٠٩]

القادر على اليقين لا يعمل بالظن إلا نادرا.

كالمتوضئ من ماء قليل على شاطئ بحر أو نهر عظيم.

وهذه القاعدة مأخوذة من اختلاف الأصوليين في جواز الاجتهاد بحضرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ووقوعه (٣).

ومن قال من الأصحاب (٤) بجواز تقليد المؤذن للقادر على (العلم بالوقت) (٥) ، فهو من النادر.

__________________

(١) في (ح) : تحير.

(٢) في (ح) : ولا إعادة.

(٣) انظر : الأسنوي ـ نهاية السئول : ٣ ـ ١٧٣ ، وابن الهمام ـ التحرير في أصول الفقه : ٥٢٨ ، والآمدي ـ الإحكام : ٤ ـ ٢٣٥ ـ ٢٣٨ ، والعلامة الحلي ـ نهاية الأصول ـ مبحث الاجتهاد ـ في الاجتهاد في زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله (مخطوط بمكتبة السيد الحكيم العامة بالنجف برقم : ٨٧٨).

(٤) انظر : المحقق الحلي ـ المعتبر : ١٤٣.

(٥) في (ك) و (م) : الوقت.

٣١٦

وعدّ بعض العامة (١) مواضع مدخولة عندنا ، كالاجتهاد في الثوبين مع وجود ثوب طاهر يقينا ، وفي دخول الوقت للقادر على العلم به ، وفي استقبال الحجر مع قدرته على الكعبة ، بناء منهم على كون الحجر من الكعبة غير معلوم ، إذ رووا : أنه من البيت (٢). ورووا : أنه سبع أذرع منه ، أو ست ، أو خمس (٣). ووجوب الطواف به يدرأ هذه الخيالات.

إلا أن يقال : الطواف يجب به تأسيا وإن لم يكن من البيت. وهو بعيد (٤).

قاعدة ـ [١١٠]

هل يتكرر الاجتهاد بتكرر الواقعة؟

فيه خلاف أصولي (٥). وفي الفروع مسائل : كطلب المتيمم عند دخول وقت الثانية ، أو عند تضيقه ، والاجتهاد في القبلة للصلاة للثانية والثالثة.

__________________

(١) انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٢٠٣.

(٢) انظر : صحيح مسلم : ٢ ـ ٩٧٣ ، باب ٧٠ من كتاب الحج ، حديث : ٤٠٥.

(٣) انظر : المصدر السابق : ٢ ـ ٩٦٩ ـ ٩٧٢ ، باب ٦٩ من كتاب الحج ، حديث : ٤٠١ ـ ٤٠٣.

(٤) في (ح) : تعبد.

(٥) انظر : الأسنوي ـ نهاية السئول : ٣ ـ ١٨٩ ، وابن الحاجب ـ مختصر المنتهى : ٢٣٣.

٣١٧

وليس منه : طلب التزكية فيمن زكي أولا ، وإن طالت المدة.

قاعدة ـ [١١١]

كل مجتهدين اختلفا فيما يرجع إلى الحسّ كالقبلة ، وطهارة الإناء ، والثوب ، لا يأتمّ أحدهما بصاحبه (١). وإن اختلفا في فروع شرعية لاحقة بالصلاة ، كترك الوضوء من بعض جزئيات النوم ، ومن مسّ الفرج ، والتحريم (بأكبر) معرفا (٢) ، وإسقاط السورة ، والاجزاء بالذكر المطلق ، ووجوب القنوت ، وتكبيرات الركوع والسجود ، لم يصح اقتداء المعتقد بطلان صلاة نفسه لو فعل ما يفعله إمامه.

وربما قيل (٣) : بالصحّة. وفرق بينهما : بأن الأول يعتقد المأموم بطلان صلاته بسبب إن كان واقعا فهو إجماعي في البطلان ، بخلاف الثاني فإن الواقع ليس بإجماعي ، بل يجوز كون صلاته هي الفاسدة في بعض الصور.

ويشكل : بأن الظن واقع في الطريق فبطلان الصلاة بالإجماع ليس بحاصل إلا بعد صدق ظنه وكذب ظن صاحبه.

وقيل (٤) في الفرق : إن ذلك يؤدي إلى تعطيل الائتمام ، لكثرة المخالفة في الفروع ، بخلاف مسألة الأواني ، والقبلة ، فإنها نادرة.

__________________

(١) في (ح) : بالآخر.

(٢) في (م) : مفردا.

(٣) انظر : القرافي ـ الفروق : ٢ ـ ١٠١ ـ ١٠٢.

(٤) قاله عز الدين بن عبد السلام. انظر : القرافي ـ الفروق : ٢ ـ ١٠٠.

٣١٨

قاعدة ـ [١١٢]

لا يجوز التقليد في العقليات ، ولا في الأصول الضرورية من السمعيات ، ويجوز التقليد في غيرها للعاجز عن إدراك الدليل إذا تعلق به عمل. وكل ما لا يتعلق به عمل ، فان كان المطلوب فيه العلم لا يجوز التقليد فيه ، كالتفاضل بين الأنبياء السالفة ، وإلا جاز ، كسير الأنبياء التي لا يتعلق بها العمل ، كتقدم غزوة على غزوة ، وتأمير (١) زيد أو عمرو.

قاعدة ـ [١١٣]

لو تعارضت الأمارتان عند المجتهد فالحكم إما التخيير أو الوقف.

وقد ذكر مواضع يقع فيها التخيير عند التعارض. وقد يكون التخيير مجزوما به ، تحصيلا لمصلحة لا تتم إلا به ، كتخيير المصلي داخل الكعبة أي جدرانها شاء ، وكتخيير من ملك مائتين بين الحقاق وبنات اللبون.

فرع لطيف (٢) :

لو ابتلع خيطا قبل الفجر وأصبح صائما صوما (٣)

__________________

(١) في (ح) و (أ) : وتأمر.

(٢) زيادة من (أ).

(٣) زيادة من (ح) و (أ).

٣١٩

متعينا ، وطرفه خارج من فيه والآخر ملاصق (١) لنجاسة المعدة واعتبرنا وجوب اجتناب مثله ، فهو متردد بين أن يبقيه فيلزمه بطلان ثلاث صلوات ، وهي النهارية ، وبين أن يبتلعه فيفسد صومه ، أو يقتلعه فكذلك ، إذ هو كالمتعمد للقي‌ء ، فيحتمل التخيير ، ويحتمل مراعاة الصلاة ، لتأكدها وأفضليتها على الصوم ، ومراعاة الصوم ، لشروعه فيه قبل الصلاة (٢).

قاعدة ـ [١١٤]

الفرق بين الفتوى والحكم مع أن كلا منهما إخبار عن حكم الله تعالى يلزم المكلف اعتقاده من حيث الجملة : أن (الفتوى) مجرد إخبار عن الله تعالى بأن حكمه في هذه القضية كذا. (والحكم) إنشاء إطلاق أو إلزام في المسائل الاجتهادية وغيرها مع تقارب المدارك فيها مما يتنازع فيه الخصمان لمصالح المعاش (٣).

فبالإنشاء : تخرج الفتوى ، لأنها اخبار (٤). والإطلاق والإلزام : (نوعا الحكم) (٥) ، وغالب الأحكام إلزام.

وبيان الإطلاق فيها : الحكم بإطلاق مسجون ، لعدم ثبوت الحق عليه ، ورجوع أرض حجرها شخص ثمَّ أعرض عنها وعطلها ،

__________________

(١) في (ا) : ملاق.

(٢) ذكر هذا الفرع السيوطي في ـ الأشباه والنّظائر : ٢٣١.

(٣) انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ٤٩ ، ٥٣.

(٤) في (ح) زيادة : عن حكم الله.

(٥) في (ح) و (أ) : نوعان للحكم.

٣٢٠