القواعد والفوائد - ج ١

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

القواعد والفوائد - ج ١

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: السيّد عبد الهادي الحكيم
الموضوع : الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٧
الجزء ١ الجزء ٢

ولأن المسلّم يتوقعه في الحال فتأخيره إضرار به.

قاعدة ـ [٥٩]

في العام والخاصّ

حكم ما يتصرف من (جميع) في العموم حكم (جميع) ، (كأجمع) و (جمعاء) ، و (أجمعين) ، وتوابعها المشهورة (كأكتع) وأخواته.

(وسائر) شاملة إما لجميع ما بقي ، أو للجميع على الإطلاق ، على اختلاف تفسيرها (١). وكذا : (معشر) ، و (معاشر) ، و (عامة) و (كافة) ، و (قاطبة) ، و (من) الشرطية والاستفهامية ، وفي الموصولة خلاف (٢).

وقال بعضهم (٣) : (ما) الزمانية للعموم ، وإن كانت حرفا ، مثل (إِلّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً) (٤) وكذا المصدرية إذا وصلت بفعل مستقبل مثل : يعجبني ما تصنع. و (أي) في الشرط والاستفهام ، وإن اتصل بها (ما) مثل (أيما امرأة نكحت). و (متى) و (حيث)

__________________

(١) انظر : ابن منظور ـ لسان العرب : ٤ ـ ٣٩٠ ، مادة (سير).

(٢) انظر : التفتازاني ـ شرح التلويح على التوضيح : ١ ـ ٥٩ ، وشرح المحلى على جمع الجوامع ، طبع مع حاشية البناني على الشرح المذكور : ١ ـ ٤٠٩ ـ ٤١٠.

(٣) هو القرافي. انظر : الفروق : ١ ـ ١٠٠ ، وحاشية العطار على جمع الجوامع : ٢ ـ ٣.

(٤) آل عمران : ٧٥.

٢٠١

و (أين) و (كيف) و (إذا) الشرطية إذا اتصلت بواحد منها (ما). و (مهما) و (أنى) و (أيان) و (إذما) ، إذا قلنا باسميتها ، كما قاله المبرد (١) ، وعلى قول سيبويه أنها حرف (٢) ليست من هذا (٣) الباب.

قيل (٤) : و (كم) الاستفهامية.

وحكم اسم الجمع كالجمع ، كالناس ، والقوم ، والرهط. والأسماء الموصولة كالذي والتي ، إذا كان تعريفهما للجنس ، وتثنيتهما وجمعهما.

وأسماء الإشارة المجموعة مثل قوله تعالى (أُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) (٥) ، (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) (٦). وكذا مثل (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلّا أَحْصاها) (٧) ، (وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) (٨). وكذا الواقع في سياق الشرط مثل (لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ) (٩) بعد قوله : (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) (١٠).

وقال الجويني في البرهان : (أحد) للعموم في قوله تعالى : (وَإِنْ

__________________

(١) وذهب إليه أيضا ابن السراج والفارسي. انظر : ابن هشام ـ مغني اللبيب : ١ ـ ٨٧.

(٢) انظر : ابن هشام ـ مغني اللبيب : ١ ـ ٨٧.

(٣) زيادة من (م) و (أ).

(٤) انظر : ابن فارس ـ الصاحبي : ١٥٨.

(٥) التوبة : ٢٠.

(٦) البقرة : ٨٥.

(٧) الكهف : ٤٩.

(٨) القصص : ٨٨.

(٩) النساء : ١٧٦.

(١٠) النساء : ١٧٦.

٢٠٢

أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) (١).

وكذا قيل (٢) : النكرة في سياق الاستفهام الّذي هو للإنكار ، مثل قوله تعالى (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) (٣) ، (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ) (٤).

قيل : وإذا أكد الكلام بالأبد ، أو الدوام ، أو الاستمرار ، أو السرمد ، أو دهر الداهرين ، أو عوض وقط في النفي ، أفاد العموم في الزمان. وهو بين الإفادة لذلك.

قيل : وأسماء القبائل بالنسبة إلى القبيلة مثل : ربيعة ، ومضر ، والأوس ، والخزرج ، وغسان ، وإن كان التسمية لأجل ماء معين (٥).

فائدة

اشتهر : أن العام لا يستلزم الخاصّ المعين (٦). ويعنون به في الأمر والخبر ، ومن ثمَّ قالوا (٧) : إذا وكله في بيع شي‌ء ، فلا إشعار في

__________________

(١) التوبة ٦.

(٢) انظر : العطار ـ حاشية العطار على جمع الجوامع : ٢ ـ ٩.

(٣) مريم : ٦٥.

(٤) مريم : ٩٨.

(٥) يقول الجوهري : (وغسان اسم ماء نزل عليه قوم من الأزد فنسبوا إليه). الصحاح : ٦ ـ ٢١٧٤ ، مادة (غسن).

(٦) انظر : القرافي ـ الفروق : ٢ ـ ١٣.

(٧) قاله أبو حنيفة. انظر : ابن قدامة ـ المغني : ٥ ـ ١٢٥ ، وابن عابدين ـ رد المختار : ٤ ـ ٦٢٨.

٢٠٣

اللفظ بثمن معين ، وإنما جاء التعيين من جهة العرف ، فان العرف ثمن المثل ، لا الغبن ولا النقصان.

واعترض عليهم (١) : بأن مطلق الفعل أعم من المرة والمرات ، ووجوده يستلزم المرة قطعا ، لأن المرة إن وجدت فظاهر ، وإن وجدت المرات وجدت المرة بالضرورة.

فالحاصل : أن الحقيقة العامة (تارة) تقع في رتب (٢) مرتبة بالأقل والأكثر ، والجزء والكل. (وتارة) تقع في رتب (٣) متباينة. فالقسم الأول يستلزم فيه العام الخاصّ. والقسم الثاني لا يستلزم ، كالحيوان.

وحينئذ مسألة الوكالة تستلزم الأمر بالبيع بأقل ثمن يمكن ، الّذي هو مطلق الثمن ، وهو لازم للعمل بمقتضى اللفظ ضرورة ، فاللفظ دال عليه بالالتزام.

فان قيل. لا نسلم أن هذا من قبيل العام ، بل من قبيل الكل والجزء ، ولا ريب أن وجود الكل مستلزم لوجود الجزء ، فالأمر بالكل أمر بالجزء.

فالجواب : أن الأقل مع الأكثر لهما ماهية كلية مشتركة بينهما ، وذلك معنى العموم ، كقولنا : تصدق بمال ، فإنه مشترك بين الأقل والأكثر ، فيكون أعم منهما ، إذ يحمل على الأقل والأكثر ، كما يحمل الحيوان على الإنسان والفرس.

__________________

(١) انظر : القرافي ـ الفروق : ٢ ـ ١٣ ـ ١٤.

(٢) في (ك) ترتيب ، وفي (ا) ترتب ، مراتب. وما أثبتناه مطابق لما في الفروق : ٢ ـ ١٣.

(٣) في (ك) ترتيب ، وفي (ا) ترتب ، مراتب. وما أثبتناه مطابق لما في الفروق : ٢ ـ ١٣.

٢٠٤

فائدة

قسم بعض الأصوليين ترك الاستفصال في حكاية الحال إلى أقسام :

الأول : أن يعلم اطلاع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على خصوص الواقعة ، فلا ريب أن حكمه لا يقتضي العموم في كل الأحوال.

الثاني : أن يثبت بطريق ما استفهام (١) كيفيتها ، وهي تنقسم إلى حالات يختلف بسببها الحكم ، فينزل إطلاق الجواب عنها منزلة اللفظ الّذي يعم تلك الأحوال كلها.

الثالث : أن يسأل عن الواقعة باعتبار دخولها في الوجود لا باعتبار أنها وقعت ، فهذا أيضا يقتضي الاسترسال على جميع الأقسام التي تنقسم عليها ، إذ لو كان الحكم خاصا ببعضها لاستفصل ، كما فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما سئل عن بيع الرطب بالتمر : (أ ينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا : نعم. قال : فلا إذن) (٢).

الرابع : أن تكون الواقعة المسئول عنها قد وقعت في الوجود ، والسؤال عنها مطلق ، فالالتفات إلى القصد الوجوديّ يمنع القضاء على الأحوال كلها ، والالتفات إلى إطلاق السؤال وإرسال الحكم من غير تفصيل يقتضي استواء الأحوال في غرض المجيب ، فمن قال بالعموم لأجل ترك الاستفصال (٣)

__________________

(١) في (ح) و (أ) : استبهام.

(٢) انظر : سنن أبي داود : ٢ ـ ٢٢٥ ، باب ١٨ من كتاب البيوع ، ومالك ـ الموطأ : ٢ ـ ٥٤ ، وسنن ابن ماجه : ٢ ـ ٢٦١ ، باب ٥٣ من كتاب التجارات ، حديث : ٢٢٦٤ (باختلاف بسيط).

(٣) قاله الشافعي وأصحابه. انظر : القرافي ـ الفروق : ٢ ـ ٨٧ ، وشرح المحلى على جمع الجوامع ، طبع مع حاشية البناني على الشرح المذكور : ١ ـ ٤٢٦.

٢٠٥

التفت إلى هذا الوجه ، وهو أقرب إلى مقصود الإرشاد ، وإزالة الإشكال.

والفرق بين ترك الاستفصال وقضايا الأحوال : أن الأول ما كان فيه لفظ وحكم من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد السؤال عن قضية يحتمل وقوعها على وجوه متعددة ، فيرسل الحكم من غير استفصال عن كيفية تلك القضية كيف وقعت ، فان جوابه يكون شاملا لتلك الوجوه ، إذ لو كان مختصا ببعضها والحكم يختلف لبيّنه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وأما قضايا الأعيان ، فهي الوقائع التي حكاها الصحابي ليس فيها سوى مجرد فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو فعل الّذي يترتب الحكم عليه ، ويحتمل ذلك الفعل وقوعه على وجوه متعددة ، فلا عموم له في جميعها ، فيكفي حمله على صورة منها.

فمن ترك الاستفصال وقائع :

من أسلم على أكثر من أربع وخيره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كغيلان بن سلمة (١) ، وقيس بن الحارث (٢) ، وعروة بن مسعود الثقفي (٣) ، ونوفل بن معاوية (٤).

ومنه : حديث فاطمة بنت أبي حبيش (٥) : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لها ـ وقد ذكرت أنها تستحاض ـ : (إن دم الحيض أسود يعرف ، فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة ، وإذا كان الآخر فاغتسلي وصلي) (٦) ولم يستفصل هل لها عادة قبل ذلك أم لا؟ وبه احتج من

__________________

(١) انظر : سنن ابن ماجه : ١ ـ ٦٢٨ ، باب ٤٠ من كتاب النكاح ، حديث : ١٩٥٢ ، ١٩٥٣.

(٢) انظر : سنن ابن ماجه : ١ ـ ٦٢٨ ، باب ٤٠ من كتاب النكاح ، حديث : ١٩٥٢ ، ١٩٥٣.

(٣) انظر : البيهقي ـ السنن الكبرى : ٧ ـ ١٨٤.

(٤) انظر : البيهقي ـ السنن الكبرى : ٧ ـ ١٨٤.

(٥) في (ك) و (ح) : خنيس ، وما أثبتناه مطابق لما في الروايات.

(٦) لم أعثر على هذا النص وإنما الموجود بمضمونه. انظر : الحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ٢ ـ ٥٣٨ ، باب ٣ من أبواب الحيض ، حديث : ٤ ، وصحيح مسلم : ١ ـ ٢٦٢ ، باب ١٤ من كتاب الحيض ، حديث : ٦٢.

٢٠٦

قدّم من الأصحاب (١) التمييز على العادة.

ومنه : سؤال كثير من الحاج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عند الجمرة في التقديم والتأخير فيجيب : (لا حرج) (٢) ، ولم يستفصل بين العمد والسهو ، والجهل والعلم.

ومنه : جوابه (بنعم) للمرأة التي سألت عن الحج عن أمها بعد موتها (٣) ، ولم يستفصل هل أوصت أم لا؟

ومن قضايا الأعيان : ترديد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ماعزا أربع مرات في أربعة مجالس (٤). فيحتمل أن يكون (قد وقع) (٥) ذلك اتفاقا ، لا أنه شرط ، فيكفي فيه حمله على أقل مراتبه.

__________________

(١) انظر : العلامة الحلي ـ مختلف الشيعة : ١ ـ ٣٩.

(٢) انظر : صحيح مسلم : ٢ ـ ٩٤٨ ـ ٩٥٠ ، باب ٥٧ من كتاب الحج ، حديث : ٣٢٧ ـ ٣٣٤ ، والحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ١٠ ـ ١٨١ ، باب ٢ من أبواب الحلق والتقصير ، حديث : ٢.

(٣) انظر : البيهقي ـ السنن الكبرى : ٤ ـ ٣٣٥ ، باب الحج عن الميت ، حديث : ١ ، ٢.

(٤) انظر : صحيح مسلم : ٣ ـ ١٣٢١ ـ ١٣٢٢ ، باب ٤ من كتاب الحدود ، حديث ٢٢.

(٥) زيادة من (أ).

٢٠٧

وحديث أبي بكرة (١) (٢) لما ركع ومشى إلى الصف حتى دخل فيه ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (زادك الله حرصا فلا تعد) (٣) إذ يحتمل كون المشي غير كثير عادة ، كما يحتمل الكثرة ، فيحمل على ما لم يكثر ، فلا يبقى في الحديث حجة على جواز المشي في الصلاة مطلقا.

ومنها : صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على النجاشي (٤) ، إن حملت على غير الدعاء. فقيل (٥) : يحتمل أن يكون قد رفع له سريره حتى شاهده ، كما رفع له بيت المقدس حتى وصفه (٦).

وردّ : ببعد هذا الاحتمال. ولو وقع لأخبرهم به ، لأن فيه خرق

__________________

(١) هو نفيع بن الحرث أو مسروح الصحابي. تدلى يوم الطائف من الحصن ببكرة فكناه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أبا بكرة. كان من فضلاء الصحابة وصالحيهم ، كثير العبادة. وتوفي بالبصرة سنة ٥١ أو ٥٢ هـ (القمي ـ الكنى والألقاب : ١ ـ ٢٦).

(٢) في (ك) و (أ) : أبي بكر ، والصواب ما أثبتناه طبقا للرواية.

(٣) انظر : مسند أحمد : ٥ ـ ٣٩ ، وسنن أبي داود : ١ ـ ١٥٧ ، باب الرّجل يركع دون الصف ، من كتاب الصلاة.

(٤) انظر : صحيح مسلم : ٢ ـ ٦٥٦ ـ ٦٥٨ ، باب ٢٢ من كتاب الجنائز ، حديث : ٦٢ ـ ٦٧.

(٥) انظر : شرح الخرشي على مختصر خليل : ٢ ـ ١٤٣ ، وابن عابدين ـ رد المختار : ١ ـ ٩٠٨.

(٦) انظر : صحيح مسلم : ١ ـ ١٥٦ ، باب ٧٥ من كتاب الإيمان ، حديث : ٢٧٦ ، وصحيح البخاري : ٢ ـ ٣٢٦ ، باب حديث الإسراء ، حديث : ١.

٢٠٨

عادة ، فيكون معجزة ، كما أخبرهم بقصة بيت المقدس (١).

وحمله بعضهم (٢) على أن النجاشي لم يصلّ عليه ، لأنه كان يكتم إيمانه ، فلم يصل قومه عليه الصلاة الشرعية ، فمن ثمَّ قالوا : لا يصلى على الغائب الّذي صلى عليه. ولك أن تقول : لعل هذه خصوصية للنجاشي رحمه‌الله ،

قاعدة ـ [٦٠]

في المطلق والمقيد الأجود حمل المطلق على المقيد ، لأن فيه إعمال الدليلين. وليس منه : (في كل أربعين شاة شاة) (٣) مع قوله عليه‌السلام : (في الغنم السائمة الزكاة) (٤) حتى يحمل الأول على السوم ، لأن الحمل هنا يوجب

__________________

(١) انظر : ابن قدامة ـ المغني : ٢ ـ ٥١٣ ، والنوويّ ـ المجموع : ٥ ـ ٢٥٣.

(٢) انظر : ابن قدامة ـ المغني : ٢ ـ ٥١٣.

(٣) روي هذا النص عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن الباقر والصادق والكاظم عليهم‌السلام. انظر : سنن أبي داود : ١ ـ ٣٦٠ ، والحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ٦ ـ ٧٨ ـ ٧٩ ، باب ٦ من أبواب زكاة الأنعام ، حديث : ١ ، ٣.

(٤) انظر : القرافي ـ الفروق : ١ ـ ١٨٥ ، ١٩١ ، ج ٢ ـ ٤٠. وأورد النوري عن الصادق عليه‌السلام بمضمونه حديثا ، وهو قوله عليه‌السلام : (الزكاة في الإبل والبقر والغنم السائمة). انظر : مستدرك الوسائل :لا ١ ـ ٥١٥ ، باب ٦ من أبواب زكاة الأنعام ، حديث : ١.

٢٠٩

تخصيص العام ، فلا يكون جمعا بين الدليلين ، بل هذا راجع إلى أن العام هل يخص بالمفهوم أم لا؟ وكذا ليس منه : (لا تعتقوا رقبة) و (لا تعتقوا رقبة كافرة) قضية للعموم ، فهو تخصيص أيضا ، ولا دليل عليه بخلاف النكرة في سياق الأمر ، فإنها مطلقة لا عامة. وكذا في النفي.

فالحاصل : إن حمل المطلق على المقيد إنما هو في الكلي ، كرقبة ، لا في الكل كما مثلنا به.

فرع :

لو قيد بقيدين متضادين تساقطا ، وبقي المطلق على إطلاقه ، إلا أن يدل دليل على أحد القيدين ، كما ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا إحداهن بالتراب) (١). وبهذا عمل ابن الجنيد (٢) (٣). وروينا (ثلاثا) (٤). وروى العامة :

__________________

(١) انظر : المتقي الهندي ـ كنز العمال : ٥ ـ ٨٩ ، حديث : ١٨٩٠. (باختلاف بسيط).

(٢) هو محمد بن أحمد بن الجنيد أبو علي الكاتب الإسكافي من أكابر علماء الإمامية ومتكلميهم. صنف في الفقه والكلام والأدب والأصول وغيرها من علوم الإسلام ، تبلغ مصنفاته نحوا من خمسين كتابا. مات بالري سنة ٣٨١ هـ. (القمي ـ الكنى والألقاب : ٢ ـ ٢٢).

(٣) انظر : العلامة الحلي ـ مختلف الشيعة : ١ ـ ٦٣.

(٤) انظر : النوويّ ـ مستدرك الوسائل : ١ ـ ٣٠ ، باب ١ من أبواب الأسآر ، حديث : ١.

٢١٠

(أخراهن (١) بالتراب) (٢). وروينا ، ورووا : (أولاهن) (٣). فيبقى المطلق على إطلاقه ، لكن رواية (أولاهن) أشهر ، فترجحت بهذا الاعتبار.

قاعدة ـ [٦١]

أفعال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حجة ، كما أن أقواله حجة. ولو تردد الفعل بين الجبلي (٤) والشرعي فهل يحمل على الجبلي ، لأصالة عدم التشريع أو على الشرعي (٥) ، لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله بعث لبيان الشرعيات؟

وقد وقع ذلك في مواضع :

منها : جلسة الاستراحة ، وهي ثابتة من فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٦).

وبعض العامة (٧) زعم أنه إنما فعلها بعد أن بدن وحمل اللحم ، فتوهم

__________________

(١) في (ك) : إحداهن.

(٢) انظر : البيهقي ـ السنن الكبرى : ١ ـ ٢٤١ ، باب إدخال التراب في إحدى غسلاته.

(٣) انظر : الشيخ الطوسي ـ تهذيب الأحكام : ١ ـ ٢٢٥ ، باب ١٠ ، حديث : ٢٩ (عن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام) ، وصحيح مسلم : ١ ـ ٢٣٤ ، باب ٢٧ من كتاب الطهارة ، حديث : ٩١.

(٤) في (ك) : الحلّ. وما أثبتناه هو الصواب.

(٥) في (ك) : للتشريع.

(٦) انظر : البيهقي ـ السنن الكبرى : ٢ ـ ١٢٣.

(٧) انظر : ابن قدامة ـ المغني : ١ ـ ٥٢٩ ، والبابرتي ـ شرح العناية على الهداية ، بهامش فتح القدير لابن الهمام : ١ ـ ٢١٧.

٢١١

أنه للجبلة.

ومنها : دخوله من ثنية كداء (١) ، وخروجه من ثنية كدي (٢) ، فهل ذلك لأنه صادف طريقه ، أو لأنه سنة؟ وتظهر الفائدة في استحبابه لكل داخل.

ومنها : نزوله بالمحصب (٣) لما نفر في الأخير (٤) ، وتعريسه لما بلغ ذا الحليفة (٥) (٦). وذهابه بطريق في العبد ، ورجوعه بآخر.

والصحيح حمل ذلك كله على الشرعي.

__________________

(١) كداء ـ بالفتح والمد ـ الثنية العليا بمكة مما يلي المقابر ، وهو المعلى. انظر : ابن الأثير ـ النهاية : ٤ ـ ١٢ ، مادة (كدا).

(٢) كدي ـ بالضم والقصر ـ الثنية السفلى مما يلي باب العمرة. انظر نفس المصدر السابق.

(٣) المحصب هو : الشعب الّذي مخرجه إلى الأبطح بين مكة ومنى. انظر : المصدر السابق : ١ ـ ٢٣٢ ، مادة (حصب).

(٤) انظر : صحيح مسلم : ٢ ـ ٩٥١ ، باب ٥٩ من كتاب الحج ، حديث : ٣٣٧ ـ ٣٣٨.

(٥) ذو الحليفة : موضع على مقدار ستة أميال من المدينة مما يلي مكة ، وهو ماء لبني جشم. انظر : الفيروزآبادي ـ القاموس المحيط : ٣ ـ ١٢٩ ، مادة (حلف).

(٦) انظر : صحيح مسلم : ٢ ـ ٩٨١ ، باب ٧٧ من كتاب الحج ، حديث : ٤٣٠ ـ ٤٣٤.

٢١٢

قاعدة ـ [٦٢]

ما فعله عليه‌السلام ويمكن فيه مشاركة الإمام دون غيره فالظاهر أنه على الإمام ، كما كان عليه‌السلام يقضي الديون عن الموتى ، لكونه (أولى بالمؤمنين من أنفسهم) (١) وهذا حاصل في الإمام ، والمروي عن أهل البيت عليهم‌السلام : أن على الإمام أن يقضي عنه (٢).

ولما أقرّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أهل خيبر على الذّمّة قال : (أقركم ما أقركم الله) (٣) فيجوز ذلك أيضا للإمام.

وقيل (٤) : بالمنع ، لأن المعنى الّذي فعله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لأجله هو انتظار الوحي ، وهو لا يمكن في حق الإمام.

مسألة

كل فعل ظهر فيه قصد القربة ، ولم يعلم وجوبه ، اختلف فيه هل هو على الوجوب في حقنا أم الندب؟ خلاف (٥). وذلك في مواضع :

__________________

(١) الأحزاب : ٦.

(٢) انظر : الحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ١٣ ـ ٩١ ، باب ٩ من أبواب الدين والقرض ، حديث : ١ ـ ٢.

(٣) انظر : مالك بن أنس ـ الموطأ : ٢ ـ ٩٧ ، حديث : ١ ، من كتاب المساقاة ، وصحيح البخاري : ٢ ـ ١١٩ ، حديث : ١٤ من كتاب الشروط (باختلاف بسيط).

(٤) انظر : الشيرازي ـ المهذب : ٢ ـ ٢٦٠.

(٥) انظر : العلامة الحلي ـ نهاية الأصول : مبحث التأسي في الفعل ـ في بيان أن فعله هل يدل على حكم في حقنا أم لا؟ (مخطوط بمكتبة السيد الحكيم العامة بالنجف برقم ٨٨٧) ، والبيضاوي ـ منهاج الأصول : ٦١ ، والأسنوي ـ نهاية السئول : ٢ ـ ١٧٢ ، والسيد المرتضى ـ الذريعة في أصول الشريعة : ٢٦٣ (مخطوط بمكتبة السيد الحكيم العامة بالنجف برقم : ٩٤٣).

٢١٣

منها : الموالاة في الوضوء والتيمم ، بل وفي الغسل ، وفي الطواف والسعي ، وخطبة الجمعة وصلاتها ، وكذلك العيد. وعندنا يراعى ذلك حسبما يأتي في الأحكام.

ومنها : القيام في الخطبة ، والحمد ، والثناء ، والمبيت بمزدلفة. وكل ذلك صح عندنا وجوبه.

مسألة لو تعارض الفعل والقول ،

كما نقل عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه أمر بالقيام للجنازة (١) ، وقام لها ثمَّ قعد (٢) ، فالظاهر أن الثاني ناسخ للأول.

فائدة

تصرف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (تارة) بالتبليغ ، وهو الفتوى.

__________________

(١) انظر : صحيح مسلم : ٢ ـ ٦٥٩ ـ ٦٦٠ ، باب ٢٤ من كتاب الجنائز ، حديث : ٧٣ ـ ٧٧.

(٢) انظر : المصدر السابق : ٢ ـ ٦٦١ ـ ٦٦٢ ، باب ٢٥ من كتاب الجنائز ، حديث : ٨٢ ـ ٨٤.

٢١٤

(وتارة) بالإمامة ، كالجهاد ، والتصرف في بيت المال. (وتارة) بالقضاء ، كفصل الخصومة بين المتداعيين بالبينة أو اليمين أو الإقرار :

وكل تصرف في العبادة فإنه من باب التبليغ.

وقد يقع التردد في بعض الموارد بين القضاء والتبليغ :

فمنه : قوله عليه‌السلام : (من أحيا أرضا ميتة (١) فهي له) (٢). فقيل (٣) : تبليغ وإفتاء ، فيجوز الاحياء لكل أحد ، أذن الإمام فيه أم لا. وهو اختيار بعض الأصحاب (٤). وقيل : تصرف بالإمامة ، فلا يجوز الاحياء إلا بإذن الإمام ، وهو قول الأكثر (٥).

__________________

(١) في (ح) : ميتا.

(٢) سنن أبي داود : ٢ ـ ١٥٨ ، ومالك ـ الموطأ : ٢ ـ ١٢١ ، والحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ١٧ ـ ٢٢٨ ، باب ٢ من أبواب إحياء الموات ، حديث : ١.

(٣) ذهب إليه الشافعية ، وأبو يوسف القاضي ومحمد بن الحسن من الحنفية ، ومالك بن أنس. انظر : الشيرازي ـ المهذب : ١ ـ ٤٢٣ ، والسمرقندي ـ تحفة الفقهاء : ٣ ـ ٥٥٣ ، وأبا يوسف ـ الخراج : ٦٣ ـ ٦٤ ، وابن قدامة ـ المقنع : ٢ ـ ٢٨٦ ، ومالك ـ الموطأ : ٢ ـ ١٢١ ، والقرافي ـ الفروق : ١ ـ ٢٠٧.

(٤) انظر : ابن سعيد الحلي ـ الجامع : ١٦٨ (مخطوط بمكتبة السيد الحكيم العامة في النجف برقم : ٤٧٦).

(٥) انظر : الشيخ الطوسي ـ المبسوط : ٣ ـ ٢٧٠ ، وابن إدريس ـ السرائر : ٢٤٥ ، وابن زهرة ـ الغنية : ٥٤ ، والمحقق الحلي ـ شرائع الإسلام : ٣ ـ ٢٧١ ، والعلامة الحلي ـ تحرير الأحكام : ٢ ـ ١٣٠ ، وتذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٤٠٠. وهو مذهب أبي حنيفة. انظر : السمرقندي ـ تحفة الفقهاء : ٣ ـ ٥٥٣.

٢١٥

ومنه : قوله عليه‌السلام لهند بنت عتبة امرأة أبي سفيان حين قالت له : إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني وولدي ما يكفيني. فقال لها.

(خذي لك ولولدك ما يكفيك بالمعروف) (١). فقيل (٢) : إفناء ، فتجوز المقاصة للمسلط ، بإذن الحاكم وبغير اذنه. وقيل (٣) : تصرف بالقضاء ، فلا يجوز الأخذ إلا بقضاء قاض.

ولا ريب أن حمله على الإفتاء أولى ، لأن تصرفه عليه‌السلام بالتبليغ أغلب ، والحمل على الغالب أولى من النادر.

فان قيل : فلا يشترط إذن الإمام في الاحياء حينئذ.

قلنا : اشتراطه يعلم من دليل خارج لا من هذا الدليل.

ومنه : قوله عليه‌السلام : (من قتل قتيلا فله سلبه) (٤).

__________________

(١) القرافي ـ الفروق : ١ ـ ٢٠٨. ورواه البيهقي بلفظ : (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف). السنن الكبرى : ٧ ـ ٤٦٦.

(٢) انظر : الشيخ الطوسي ـ المبسوط : ٦ ـ ٣ ، والعلامة الحلي ـ تحرير الأحكام : ٢ ـ ٤٨ ، وابن قدامة ـ المغني : ٧ ـ ٥٧٠ ، وابن حزم ـ المحلى : ١٠ ـ ٩٢ ، والقرافي ـ الفروق : ١ ـ ٢٠٨ (نقلا عن الشافعي).

(٣) انظر : الشيرازي ـ المهذب : ٢ ـ ٣١٧ ، والقرافي ـ الفروق : ١ ـ ٢٠٨ (نقلا عن مالك) ، وابن المرتضى ـ البحر الزخار : ٣ ـ ٣٩٦ (نقلا عن القاسمية من الزيدية).

(٤) مالك ـ الموطأ : ١ ـ ٣٠٣.

٢١٦

فقيل : فتوى فيعم ، وهو قول ابن الجنيد (١). وقيل (٢) تصرف بالإمامة ، فيتوقف على إذن الإمام ، وهو أقوى هنا ، لأن القضية في بعض الحروب ، فهي مختصة بها. ولأن الأصل في الغنيمة أن تكون للغانمين لقوله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ ...) (٣) الآية.

فخروج السلب منه ينافي ظاهرها. ولأنه كان يؤدي إلى حرصهم على قتل ذي السلب دون غيره ، فيختل نظام المجاهدة ، ولأنه ربما أفسد الإخلاص المقصود من الجهاد. ولا يعارض بالاشتراط (بإذن الإمام) (٤) ، لأن ذلك إنما يكون عند مصلحة غالبة على هذه العوارض.

قاعدة ـ [٦٣]

الإجماع ، وهو حجة ، والمعتبر فيه قول المعصوم عندنا.

وإنما تظهر الفائدة في إجماع الطائفة مع عدم تمييز المعصوم بعينه.

فعلى هذا لو قدر خلاف واحد أو ألف معروفو النسب فلا عبرة بهم ، ولو كانوا غير معروفين قدح ذلك في الإجماع.

__________________

(١) انظر : العلامة الحلي ـ تذكرة الفقهاء : ١ ـ ٤٣١ (نقلا عنه). وهو مذهب الشافعية والحنابلة. انظر : الشيرازي ـ المهذب : ٢ ـ ٢٣٧ ، وابن قدامة ـ المقنع : ١ ـ ٤٩١ ، والمرداوي ـ الإنصاف : ٤ ـ ١٤٨.

(٢) انظر : الشيخ الطوسي ـ المبسوط : ٢ ـ ٦٦ ، ومالك بن أنس ـ الموطأ : ١ ـ ٣٠٣ ، والعلامة الحلي ـ تذكرة الفقهاء : ١ ـ ٤٣١ ، والمرداوي ـ الإنصاف : ٤ ـ ١٤٨.

(٣) الأنفال : ٤١.

(٤) زيادة من (ح) و (أ).

٢١٧

وعند العامة خلاف في اعتبار النادر ، هل يلحق بجنسه أو بنفسه (١)؟

ويتفرع على ذلك : طول مجلس المتعاقدين بما يخرج به عن العادة ، فعندنا يبقى الخيار ، إلحاقا له بجنسه (٢).

ولو أنت بولد لستة أشهر التحق به ، وإن ندر. وكذا السنة في الأصح.

ومن الإجماع : المسمى بالسكوتي ، ولا أثر له عندنا ، ولا لما يترتب عليه من حضور المالك عقد الفضولي وسكوته ، ومن سكوت البائع على وطء المشتري في مدة الخيار. أما حلق المحل رأس المحرم فالسكوت فيه موجب للكفارة. وكذا سكوت المحمول عن المجلس عن الفسخ مع تمكنه من الكلام. واعتبر الشيخ (٣) السكوت فيمن قال لرجل : هذا ابني.

وألحق به نسبه.

قاعدة ـ [٦٤]

للشرع معلل بالمصالح ، فهي إما في محل الضرورة ، أو محل الحاجة ، أو التتمة ، أو مستغنى عنها ، إما لقيام غيرها مقامها ، وإما لعدم ظهور اعتبارها (٤).

__________________

(١) انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٢٠٢ ، والقرافي ـ الفروق : ٣ ـ ٢٠٣.

(٢) وهو الأصح عند الشافعية. انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٢٠٢.

(٣) انظر : الشيخ الطوسي ـ المبسوط : ٨ ـ ١٨١.

(٤) انظر : القرافي ـ الفروق : ٤ ـ ٣٤ ، والسيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٤١٥ (نقلا عن العلائي).

٢١٨

فاشتراط عدالة المفتي في محل الضرورة ، لصون الأحكام ، وحفظ دماء الناس ، وأموالهم ، وأبضاعهم ، وأعراضهم. وأبلغ منه الإمام.

وكذا يشترط عدالة القاضي ، وأمين الحكم (١) ، والوصي ، وناظر الوقف ، والساعي ، للضرر العظيم بالاعتماد على الفاسق فيها. وكذا في الشهادة والرواية ، لأن الضرورة تدعو إلى حفظ الشرع وصونه عن الكذب.

وكل موضع تشترط فيه العدالة فهي معتبرة في نفس الأمر ، وفي الطلاق وجه أنه يكتفي بالظاهر ، إذ يقع غالبا في العوام والبوادي والقرى فاشتراط العدالة في نفس الأمر (حرج وتعطيل) (٢).

ودوام العدالة شرط في القاضي والمفتي ، لأنا محتاجون إلى دوام الاعتماد على قولهما ، وإنما يتم بالعدالة.

وأما ما هو في محل الحاجة ، فكعدالة الأب والجد في الولاية على الولد. والمؤذن ، لاعتماد أصحاب الأعذار على قوله في الأوقات. وإمام (٣) الجماعة أبلغ ، لقوله عليه‌السلام : (الأئمة ضمناء) (٤).

وأما ما هو في محل التتمة ، فكالولاية في عقد النكاح ، لأن طبع الولي (يدفعه عن الخيانة) (٥) والتقصير في حق المولى عليه ، إلا أنه

__________________

(١) في (أ) و (م) : الحاكم ، وما أثبتناه مطابق لما في الفروق : ٤ ـ ٣٤ ، والأشباه والنّظائر : ٤١٥.

(٢) في (ح) : موجب الحرج والتعطيل ، وفي (أ) : يوجب حصول الحرج والتعطيل.

(٣) في (ك) و (أ) : إمامة.

(٤) انظر : المتقي الهندي ـ كنز العمال : ٤ ـ ١٤٦ ، حديث : ٣٢٣١.

(٥) في (ح) : يردعه عن الجناية.

٢١٩

لما كان بعض الفساق لا يبالي بذلك جعلت العدالة من المكملات ، إذ ينعقد عندنا نكاح الفاسق من الأولياء. وفيه للشافعية اثنا عشر وجها (١).

ومنه : ولاية تجهيز الموتى ، لأن فرط شفقة القريب يبعثه على الاحتياط في ذلك ، ولكن مع العدالة يكون أبلغ (٢) ، فلهذا كانت العدالة هنا يستحب اعتبارها.

وأما المستغنى عنه لعدم ظهور اعتبار الحاجة إليه ، فكالإقرار ، لأن قضية الطبع حفظ النّفس والمال عن الإتلاف ، فلا يقرّ بما يضره. ومن اعتبر عدالة المقرّ في المرض ، فلأن المال قد صار في قوة ملك الغير ، فصار الإقرار كالشهادة التي تعتبر فيها العدالة في محل الضرورة (٣).

واما المستغنى عنه لقيام غيره مقامه ، فكالتوكيل ، والإيداع ، إذا صدرا من المالك ، فإنه يجوز له توكيل الفاسق وإيداعه إذا وثق به ، إذ طبع المالك يرغبه عن إتلاف ماله ، فيكفي ظنه في جوازهما. فلو كان المالك سفيها قاصر النّظر ، لم يجز له التصرف.

ولو كان المودع غير المالك لضرورة ، اعتبر في الودعي العدالة ، لوجوب الاحتياط عليه في مال غيره بالوازع الشرعي. وكذا التوكيل فيما يحتاج إلى الأمانة ، كإمساك السلعة ، والتصرف فيها. أما في مجرد العقد فلا.

__________________

(١) انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٤١٦.

(٢) في (ح) : أحوط.

(٣) انظر أكثر هذه الفروع في ـ قواعد الأحكام ، لابن عبد السلام : ١ ـ ٧٦ ـ ٧٩.

٢٢٠