القواعد والفوائد - ج ١

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

القواعد والفوائد - ج ١

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: السيّد عبد الهادي الحكيم
الموضوع : الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٧
الجزء ١ الجزء ٢

ولو كان مدافعا للأخبثين أو الريح فوجهان ، لاشتماله على صفة الكراهية المغلظة باعتبار سلبه الخشوع الّذي هو روح الصلاة.

ومنها : تعارض الصف الأول وفوات ركعة ، ففي إيثار الصف الأخير لتحصيل الركعة الزائدة فصاعدا ، وجهان. أما لو كان وصوله إلى الصف الأول يفوّت جميع القدوة فإنه يصلي في الصف الأخير قطعا.

ومنها : تعارض الخطاب (١) في النكاح ، كعبد عفيف عدل عالم ، وحر فاسق ، أو حر فقير عالم ، وغني جاهل ، أو معيب عالم ورع ، وصحيح فاسق جاهل ، إذا كان العيب موجبا للفسخ.

قاعدة ـ [٤٣]

المجاز لا يدخل في النصوص ـ كأسماء العدد ـ إنما يدخل في الظواهر ، فمن أطلق العشرة وقال : أردت تسعة ، لم يقبل منه ، ويعد مخطئا لغة. ومن أطلق العموم وأراد الخصوص فهو مصيب لغة.

وكل لفظ لا يجوز دخول المجاز فيه لا تؤثر النية في صرفه عن موضوعه ، فلو أخبر عن طلاق زوجته ثلاثا ، وقال : أردت اثنتين ، لم يسمع منه. ولو حلف على الأكل ، وقال : أردت الخبز ، سمع منه.

قاعدة ـ [٤٤]

الصفة ترد للتوضيح تارة ، وللتخصيص أخرى. ولها فروع :

منها : الاختلاف في ملك العبد وعدمه ، فإنه يمكن استناده إلى

__________________

(١) في (م) : الخصال ، والصواب ما أثبتناه.

١٦١

قوله تعالى (لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ) (١) فان ذلك صفة لقوله (عَبْداً) فان قلنا : إنها للتوضيح دلت على عدم ملكه مطلقا ، وإن جعلناها للتخصيص فمفهومه الملك ، لأن التخصيص بالوصف لا يدل على نفيه عن غيره.

ومنها : الاختلاف في العارية ، فإنها عندنا لا تضمن إلا بالشرط.

وعند بعض العامة (٢) تضمن من غير شرط ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله استعار من صفوان بن أمية درعا ، فقال له : أغصبا؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (بل عارية مضمونة) (٣) فالوصف للتوضيح (٤).

قلت (٥) : لم لا يكون للتخصيص ، أو يكون ذلك شرطا لضمانها؟

ومنها : لو قال لوكيله استوف ديني الّذي على فلان ، فمات ، استوفاه من وارثه ، لأن الصفة للتوضيح والتعريف. وقال بعضهم : بالمنع ، بناء على أنها للتخصيص.

ومنها : لو قال لزوجته : إن ظاهرت من فلانة الأجنبية فأنت كظهر أمي ، فإن جعلنا الأجنبية للتوضيح ، وظاهر منها بعد تزويجها ، وقع الظهاران ، وإن جعلناها للتخصيص لم يقع ، لأن التزويج يخرجها

__________________

(١) النحل : ٧٥.

(٢) ذهب إليه الشافعي وأحمد ، ونسب إلى أبي هريرة وابن عباس وعطاء ، وإسحاق بن راهويه. انظر : الشافعي ـ الأم : ٣ ـ ٢١٨ ، وابن قدامة ـ المغني : ٥ ـ ٢٠٤ ، والمرداوي ـ الإنصاف : ٦ ـ ١١٢.

(٣) وردت عدة أحاديث بهذا المضمون. انظر : البيهقي ـ السنن الكبرى : ٦ ـ ٨٩ ـ ٩٠.

(٤) انظر : الشافعي ـ الأم : ٣ ـ ٢١٨.

(٥) في (م) و (ح) و (أ) : قلنا.

١٦٢

عن كونها أجنبية ، وهو الّذي قواه الأصحاب (١).

ومنها : لو حلف : أن لا يكلم هذا الصبي ، فصار شيخا ، أو : لا آكل من لحم هذا الحمل ، فصار كبشا ، أو : لا أركب دابة هذا العبد ، فعتق وملك دابة فركبها ، فعلى التوضيح يحنث ، وعلى التخصيص لا حنث.

ويقرب منه : ما يعبر عنه الفقهاء باجتماع الإضافة والإشارة ، كقوله : لا كلمت هذا عبد زيد ، أو هذه زوجته ، أو زوجته هذه ، أو عبده هذا ، فإن الإضافة في معنى الصفة ، فإن جعلناها للتوضيح فزال الملك ، والزوجية ، فاليمين باقية ، وإن جعلناها للتخصيص انحلت. وكذا لو قال : لأعطين فاطمة زوجة زيد ، أو سعيدا عبده.

ومنه : لو أوصى لحمل فلانة من زيد ، فظهر من عمرو ، أو نفاه زيد باللعان ، فان قلنا الصفة للتوضيح فالوصية باقية ، وإن قلنا للتخصيص بطلت لو ظهر من عمرو. وفي صورة اللعان نظر ، يبنى على قاعدة اعتبار مدلول اللفظ في الحال ، أو اعتبار مدلوله المستقر ، فعلى الأول يأخذ الوصية ، وعلى الثاني لا.

قاعدة ـ [٤٥]

الإقرار في موضع يصلح للإنشاء هل يكون إنشاء؟

النص عن أهل البيت عليهم‌السلام : في المطلق على غير السنة يؤتى بشاهدين ، ثمَّ يقال له : هل طلقت فلانة؟ فإذا قال : نعم ، تعتد حينئذ (٢).

__________________

(١) انظر : الشيخ الطوسي ـ المبسوط : ٥ ـ ١٥٣ ـ ١٥٤ ، والعلامة الحلي ـ تحرير الأحكام : ٢ ـ ٦١.

(٢) انظر : الحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ١٥ ـ ٣٢٣ ، باب ٣١ من أبواب مقدمات الطلاق ، حديث : ٢.

١٦٣

وفي خبر السكوني عن الصادق عليه‌السلام : في الرّجل يقال له : هل طلقت امرأتك؟ فيقول : نعم. قال : قد طلقها حينئذ (١). وهذا فيه احتمال : أن يقصد به الإنشاء. وكثير من الأصحاب (٢) جرى على الأول ، وآخرون (٣) قيدوه بقصد الإنشاء ، وإلا جرى على الإقرار ، لأن الإقرار والإنشاء يتنافيان ، إذ الإقرار إخبار عن ماض ، والإنشاء إحداث. ولأن الإقرار يحتمل الصدق والكذب ، بخلاف الإنشاء.

وقد قطع بعض الأصحاب (٤) بأنهما لو اختلفا في الرجعة وهما (٥) في العدة ، فادعاها الزوج ، قدم قوله ، ولا يجعل إقراره إنشاء.

ويقرب منه : زوجت بنتك من فلان؟ فقال : نعم ، فقيل الزوج.

فحمله كثير من الأصحاب (٦) على قصد الإنشاء. وهو محتمل لأن يراد جعله إنشاء. والسر فيه : أن الإنشاء المراد به إحداث حل أو

__________________

(١) انظر : المصدر السابق : ١٥ ـ ٢٩٦ ، باب ١٦ من أبواب مقدمات الطلاق ، حديث : ٦.

(٢) انظر : ابن حمزة ـ الوسيلة : ٦٢ ، وابن إدريس ـ السرائر : ٣٢١ ، وابن البراج القاضي ـ جواهر الفقه : ٤٠.

(٣) استظهره العلامة الحلي في ـ المختلف : ٥ ـ ٣٤ ، من كلام الشيخ الطوسي في النهاية : ٩٨ (الطبعة الحجرية).

(٤) انظر : العلامة الحلي ـ قواعد الأحكام : ١٧٢.

(٥) في (ح) : وجاء ، والصواب ما أثبتناه.

(٦) انظر : الشيخ الطوسي ـ المبسوط : ٤ ـ ١٩٣. وتردد فيه المحقق الحلي في ـ الشرائع : ٢ ـ ٢٧٣ بعد أن صححه ، وتنظر فيه العلامة الحلي في ـ تحرير : ٢ ـ ٤ ، ولم يذكر فيه غير الشيخ الطوسي انه ذهب إلى هذا الرّأي.

١٦٤

حرمة لإرادة المنشئ ذلك ، والمخبر عن الوقوع في قوة الراضي بمضمون الخبر ، والعمدة في العقود هو الرضا الباطني ، والإنشاء وسيلة إلى معرفته ، فإذا حصل بالخبر أمكن جعله إنشاء.

وفي مسألة الطلاق نكتتان أخريان : إحداهما : عدم استعمال الصيغة المخصوصة. والثانية : أن المطلق قد يعرض فيه عدم إرادة الطلاق لو علم فساد الأول.

أما المخبر بوجود ما يعلم عدمه ، يحمل كلامه على الإنشاء صونا له عن الكذب. وحينئذ يتجه أن يقال : كل إقرار لم يسبق مضمونه يجعل إنشاء. وكذا كل إقرار سبق مضمونه للعالم بفساده. وكل إقرار سبق من معتقد صحته لا يكون إنشاء. وعلى هذا يمكن حمل مسألة المطلق على غير السنة ، إلا أن في هذا طرحا للصيغة (١) الشرعية بالكلية. نعم يمكن نفوذ هذه القاعدة في العقود الجائزة ، إذ لا صيغ لها خاصة.

قاعدة ـ [٤٦]

السبب والمسبب قد يتحدان ، وقد يتعددان. ومع تعدد الأسباب قد نقع دفعة ، وقد تترتب. ثمَّ قد تتداخل الأسباب أو المسببات وقد تتباين. فهنا مباحث :

الأول : اتحادهما ، كالقذف والحد.

الثاني : أن تتعدد الأسباب والمسبب واحد ، كأسباب الوضوء الموجبة له فيجزئ عنها وضوء واحد ، إذا نوى رفع الحدث وأطلق ، وإن نوى رفع واحد منها ، فالأصح ارتفاع الجميع ، إلا أن ينوي عدم رفع غيره فيبطل.

__________________

(١) في (ح) : للصيغ.

١٦٥

وإن تعددت أسباب الغسل ، فالأقرب أنه كذلك. وفصل بعض الأصحاب (١) نيته الجنابة المجزئة ، وعدم الجزاء غيرها عنها. وهو يعيد.

والأصل فيه : أن المرتفع ليس نفس الحدث بل المنع من العبادة المشروطة به ، وهو قدر مشترك بين الجميع ، والخصوصيات ملغاة. وهذا يسمى (تداخل الأسباب).

واختلفوا في تداخل أسباب الأغسال المسنونة إذا انضم إليها واجب.

وظاهر الروايات التداخل (٢).

ومنه : تداخل مرات الوطء بالشبهة بالنسبة إلى وجوب مهر واحد ، وتداخل مرات الزنا بوجوب حد واحد.

الثالث : أن يتعدد السبب ولكن يختلف الحكم المترتب عليها ، فإن أمكن الجمع بينهما ، بأن يندرج أحدهما في الآخر ، تداخلت ، كما إذا نوى داخل المسجد فريضة أو نافلة راتبة ، فالظاهر إجزاؤها عن صلاة التحية.

وقد قيل (٣) : بإجزاء تكبيرة الإحرام عنه وعن تكبيرة الركوع إذا نواهما.

__________________

(١) انظر : العلامة الحلي ـ منتهى المطلب : ١ ـ ٩١ ، ونهاية الأحكام الفقهية : غسل الجنابة ـ المطلب الرابع في اللواحق. (مخطوطة بمكتبة السيد الحكيم العامة بالنجف برقم ٦٦٨).

(٢) انظر : الحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ٢ ـ ٩٦٣ ، باب ٣١ من أبواب الأغسال المسنونة ، حديث : ١.

(٣) قاله بعض الحنابلة. انظر : ابن رجب ـ القواعد : ٢٤. وقد نسب المصنف في الفائدة الرابعة المتقدمة ص ٨٢ إلى الشيخ الطوسي ذلك ، ولكن قلنا هناك أنه حكم بالاجزاء فيما إذا نوى بالتكبيرة الاستفتاح خاصة. انظر : المبسوط : ١ ـ ١٠٢ ، ١٥٨ ، والخلاف : ١ ـ ٣٩.

١٦٦

أما إذا لم يمكن الجمع ، كما لو قتل واحد جماعة ، فان رتب ، قتل بالأول وكان للباقين الدية على الأقرب ، ولو عفى عنه الأول أو صولح على مال ، قتل بالثاني. وعلى هذا. ولو قتلهم دفعة ـ بأن ألقاهم في نار ، أو هدم عليهم جدارا ، أو جرحهم فماتوا جميعا ـ قتل بالجميع.

ويحتمل قتله بواحد ، تخرجه القرعة أو بعينه الإمام ، ويأخذ الباقون الدية (١). ويحتمل في الترتيب المساواة للدفعي ، وهو ظاهر بعض الأصحاب (٢).

ولو اجتمع سببا إرث ولم يتنافيا ، أعملا ، كعم هو خال. وإن تنافيا قدم الأقوى كأخ هو ابن عم. وكذا في ميراث المجوس. وقد يحكم بالتساقط عند اجتماع الأسباب ، كتعارض البينتين على قول (٣).

الرابع : أن يتحد السبب ويتعدد المسبب لكن يندرج أحدهما في الآخر ، كالزناء يوجب الحد ، وتحصل معه الملامسة وهي موجبة للتعزير ، فيغني الحد عنه. وكقطع الأطراف فإنه بالسراية إلى النّفس تدخل دية الطرف في دية النّفس. وأما القصاص فثالث الأقوال التداخل إن كان بضربة واحدة وعدمه إن تعددت (٤) وأما الزاني المحصن فيجب الرجم عليه ، وإن كان شيخا جمع بين الجلد والرجم ، وإن كان شابا فقيل (٥) :

__________________

(١) انظر : العلامة الحلي ـ تحرير الأحكام : ٢ ـ ٢٥٦.

(٢) انظر : العلامة الحلي ـ قواعد الأحكام : ٢٦١.

(٣) انظر : الشيرازي ـ المهذب : ٢ ـ ٣١١ ، والقرافي ـ الفروق : ٢ ـ ٣١.

(٤) قال به الشيخ الطوسي في ـ النهاية : ٧٧١ ، وابن الجنيد على ما نقل عنه العلامة الحلي في ـ مختلف الشيعة : ٥ ـ ٢٥٧. وقد تقدمت هذه المسألة في القاعدة السادسة عشرة ص ٤٧.

(٥) انظر : الشيخ الطوسي ـ النهاية : ٦٩٣ ، وابن حمزة ـ الوسيلة : ١٨١ ، وابن زهرة ـ الغنية : ٧٤.

١٦٧

بالتداخل ، لأن ما يوجب أعظم الأمرين بخصوصه لا يوجب أخفهما (١) بعمومه : والجمع أقرب لفعل عليّ عليه‌السلام حيث قال : (جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

ومن اتحاد السبب وتعدد المسبب ولا تداخل (٣) : الحيض ، والنفاس ومس الأموات ، والاستحاضة مع كثرة الدم فإنها توجب الوضوء والغسل عندنا.

ومنها : القتل ، يوجب الدية أو القود والكفارة والفسق مع العمد.

وإتلاف مال الغير عمدا يوجب الضمان والتعزير. وقذف المحصنة يوجب الجلد والفسق. وزنا البكر يوجب الجلد والجز والتغريب. وسائر الحدود تجامع الفسق ، والسبب واحد.

والحدث الأصغر سبب لتحريم : الصلاة ، والطواف ، وسجود السهو ، وسجود العزيمة على قوله (٤) ، ومس المصحف.

__________________

(١) في (ك) و (م) : أحدهما ، وما أثبتناه أصوب. وما ذكره المصنف دليلا لهذا القول جعله السيوطي في ـ الأشباه والنّظائر : ١٦٥ قاعدة مستقلة.

(٢) انظر : سنن الدارقطني : ٣ ـ ١٢٤ ، حديث : ١٣٨ من كتاب لحدود ، والنوري ـ مستدرك الوسائل : ٣ ـ ٢٢٢ ، باب ١ من أبواب حدود الزنا ، حديث : ١٢.

(٣) في (م) زيادة : مسببات.

(٤) انظر : النوويّ ـ المجموع : ٢ ـ ٦٧ ، وابن عابدين ـ رد المختار : ١ ـ ٨٠٢ ، وابن جزي ـ القوانين الفقهية : ٣٩ (طبعة لبنان).

١٦٨

والحدث الأكبر يزيد على ذلك : قراءة العزائم (١) ، واللبث في المساجد على الإطلاق ، والجواز في المسجدين ، وتحريم الصوم والوطء والطلاق في الحيض ، إلى أحكام كثيرة (٢).

فائدة

النكاح (قد يكون سببا) (٣) في أشياء كثيرة ، فيتعلق بالوطء : استقرار المهر المسمى بكماله. ووجوب مهر المثل إذا لم يسم أصلا. ووجوب الفرض المحكوم به إذا كانت مفوضة المهر. ووجوب مهر المثل حيث لا يصح التفويض ، وحيث تكون التسمية فاسدة ، وفي الشبهة وزنا الإكراه. ووجوب النفقة ما دامت ممكنة في الدائم. وتوزيع المسمى بحسب الأيام في المقطع. ووجوب الكسوة والمسكن في الدائم والخادم إذا كانت من أهله. ووجوب نفقة الخادم وكسوتها ـ وقد يكتفى في هذا الباب (٤) بالتمكين. وثبوت التحصن لكل منهما في الدائم وملك اليمين. ولحوق الولد بشروطه. وتحريم العزل في الدائم بغير الاذن. ووجوب عدة الطلاق والفسخ عليها. وتحريم ابنتها عليه. ووجوب القسم إما ابتداء أو إذا قسم لضرتها ـ والظاهر أن هذا لا يتبع الوطء بل التمكين. ووجوب القضاء لها في القسم إذا ظلمها ـ وهذا كالأول.

__________________

(١) في (أ) و (م) و (ح) : العزيمة.

(٢) تقدم الكلام عن هذه القاعدة في ضمن قواعد ثلاث هي : ١٤ ـ ١٦ ، ص ٤٣ ـ ٤٧.

(٣) في (ك) : سبب.

(٤) زيادة من (ك).

١٦٩

وتقرير صحة العقد في نكاح المريض إلا أن يبرأ فيكفي العقد في التقرير. ونشر الحرمة في الرضاع. وصيرورة البنت (١) محرما ـ وفي حكمها بنت ابنها وبنت بنتها فنازلا. وامتناع فسخها بالعنة الطارئة. وتحقق الفئة به في الإيلاء والظهار. ووجوب الكفارة فيهما ، ففي الظهار يتعدد.

وأما منعها من أكل الثوم ، وكل ما يتأذى برائحته ، وإجبارها على الاستحداد (٢) ، وإزالة الوسخ ، وكل منفر ، فيكفي فيه بذل المهر لها.

ووجوب النفقة عليه إذا طلق رجعيا ، ووجوب ذلك للبائن إذا كانت حاملا.

وأما وجوب الفراش ، وآلة التنظيف ، وكل ما تزال به الرائحة الكريهة ، ووجوب آلات الطبخ والأكل والشرب ، والإلزام بالغسل لو كانت ذمية إن وقفنا الاستمتاع عليه ، ووجوب أجرة الحمام مع الحاجة ، وكذا وجوب ثمن ماء الغسل على قول (٣) ، ومنعها من الخروج ، والبروز والعبادات المتطوع بها ، والأسفار غير الواجبة ، ومجاورة النجاسة والمسكر (٤) إذا كانت ذمية ، فيمكن ترتيبه على التمكين ، وبعضه على مجرد العقد. كما يترتب عليه : برّ اليمين إذا حلف ليتزوجن ، والحنث لو حلف على تركه. والخروج عن العزوبة المنهي عنها. وجواز الاستمتاع

__________________

(١) في (ك) : النسب.

(٢) الاستحداد : حلق شعر العانة. انظر : الجوهري ـ الصحاح : ١ ـ ٢٢٢ ، مادة (حدد).

(٣) ذهب إليه بعض الحنفية والحنابلة. انظر : ابن عابدين ـ رد المختار : ١ ـ ١٧٦ ، والحجاوي المقدسي ـ الإقناع : ٤ ـ ١٣٨.

(٤) في (م) و (أ) : والسكر.

١٧٠

بالمرأة ، والنّظر إلى جميع بدنها حتى العورة ، وبالعكس. واستقرار المهر بموت أحدهما ، ولو كان في مفوضة المهر وجبت المتعة. وقيل (١) : مهر المثل. ووجوب النصف إذا طلق أو فسخت لعنته قبل الدخول ، وكذا إذا أسلم قبلها قبل الدخول ، أو ارتد عن غير فطرة. إما عنها ، فالأقرب الجميع. ووجوب المتعة في مفوضة البضع إذا طلق قبل الدخول والفرض. وتحريم الأم والجمع بين الأختين ، والعمة والخالة وبنت الأخ أو الأخت إلا برضاهما. وتحريمها (٢) على أبيه فصاعدا ، وعلى ولده فنازلا. وتحريم العقد على غيرها إن كانت رابعة بالدائم ، أو ثالثة حرة والزوج عبد ، أو ثالثة أمة والزوج حر. وملك طلاقها وخلعها ، وظهارها ، والإيلاء منها ، ولعانها. وثبوت الفسخ بظهور عيب فيه ، أو فيها. ووجوب نفقتها بالتمكين. وجواز السفر بها. وتحريم العقد على الأمة إلا بإذن الحرة. وعلى أمة ثانية إن شرطنا خوف العنت وعدم الطول ـ أما العبد فله أن يتزوج الأمة على الحرة عند بعض العامة (٣) ، والأقرب المنع. وثبوت العدة بموته. والتوارث إذا لم يكن الدخول شرطا في صحة العقد ، ولا الأجل مانعا منه. وجواز غسلها. ووجوب تكفينها إذا كانت دائما. واستحقاق الصلاة عليها. والنزول معها في قبرها. وجواز ذلك لها إذا مات هو ـ وإن كان الرّجال أولى.

ويصير والده وابنه وإن علا أو سفل محرما لها. وتصير أمها وإن علت محرما له. ويملك نصف الصداق لو كان عينا وطلق قبل الدخول.

__________________

(١) انظر : الشافعي ـ الأم : ٥ ـ ٦١ ، وابن قدامة ـ المغني : ٦ ـ ٧١٦.

(٢) في (ك) و (م) : تحريمهما.

(٣) انظر : الشافعي ـ الأم : ٥ ـ ٣٨ ، وابن قدامة ـ المغني : ٦ ـ ٦٠٠ ، ومالك ـ المدونة الكبرى : ٤ ـ ٥٦.

١٧١

وبعث الحكم (١) عند الشقاق. وإلزامها بالغسل من الحيض عند الدخول إن حرمنا الوطء قبله ، وكذا لو كانت ذمية. وإلزامها بالاستحداد وما يتوقف عليه كمال الاستمتاع للتهيئة للدخول ، كما يجب في دوام النكاح. وتقديم قول الزوج في قدر الصداق ، وقولها في عدم دفعه. والتحالف لو اختلفا في تعيينه ، ولا ينفسخ العقد. وتحريمها على غيره. ومنعها من اليمين ، والنذر ، والعهد ، والإرضاع ، إذا اشتمل على منع حقه.

فائدة

ينقسم الوطء بانقسام الأحكام الخمسة بالنسبة إلى الزوجة ، فيجب بعد كل (٢) أربعة أشهر ، فلها الاستعداد عليه وان لم يكن موليا ، إلا أن المولي يجبر عليه أو على الطلاق ، وهنا يحتمل ذلك ، ويحتمل إجباره على الطلاق عينا (٣) ، ويحتمل إجباره على الوطء عينا. ولو طلق أساء وسقط الوطء إذا كان بائنا ، ولو كان رجعيا ففيه إشكال ، من حيث أنه واجب يمكن استدراكه ، ومن زوال حقيقة العصمة. فإن قلنا بإجباره عليه ووطئها فهو رجعة قطعا. والأصح عدم الإجبار. نعم لو راجعها أمكن الإجبار ، لزوال المانع ، بل يمكن لو تزوجها بعد البينونة. كما تقضى لها ليالي الجور.

وكذا يجب الوطء بعد المرافعة في الإيلاء ، وبعد المرافعة بعد ثلاثة

__________________

(١) في (ح) و (أ) : الحاكم.

(٢) زيادة من (ح).

(٣) زيادة من (ك).

١٧٢

أشهر في الظهار.

وقد يستحب الوطء ، وهو مع الإمكان ، ولا ضرر ولا مانع.

وقد يكره في الأوقات والأحوال المخصوصة.

وقد يحرم ، كالحيض ، والنفاس ، واشتباه الحيض قبلا. وفي الإحرام منه أو منها. والصوم الواجب كذلك. وعند تضيق وقت الصلاة. وفي الاعتكاف الواجب. وفي المساجد. وفي الظهار حتى يكفّر. وفي العدة عن وطء الشبهة من الغير. وبعد الإفضاء إلا أن تصلح وتلتئم فيحل (١) على قول (٢). وإذا لم تحتمل الوطء لعبالته وصغرها أو ضعفها ، أو مرض يضر الوطء بها. قيل (٣) : وفي ليلة غيرها. وإذا امتنعت قبل توفية الصداق. قيل (٤) : وفي عدة الطلاق الرجعي. ويشكل : بما أنه رجعة بنفسه (٥).

وما عدا ذلك مباح.

__________________

(١) زيادة من (ح) و (أ).

(٢) انظر : الشيخ الطوسي ـ المبسوط : ٤ ـ ٣١٨ ، وابن البراج ـ جواهر الفقه : ٣٩ ، والسيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٢٩٧ (نقلا عن العلائي).

(٣) انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٢٩٧ (نقلا عن العلائي).

(٤) انظر : الشيرازي ـ المهذب : ٢ ـ ١٠٢ ، وشمس الدين الرملي ـ نهاية المحتاج : ٧ ـ ٥٩ ، والسيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٢٩٧ (نقلا عن العلائي).

(٥) سيأتي في القاعدة الرابعة من قواعد النكاح بيان الموارد التي يحرم وطء الزوجة فيها.

١٧٣

فائدة

يتعلق بغيبوبة الحشفة في الفرج أو قدرها من مقطوعها : نقض الطهارة إلا أن يكون ملفوفا على قول ضعيف (١). ووجوب الغسل على الفاعل والقابل. ووجوب التيمم إن عجز عن الماء. وتحريم الصلاة والطواف. وسجود السهو. قيل (٢) : وسجود التلاوة.

وقراءة العزائم وأبعاضها. والمكث في المسجد. والدخول إلى المسجدين. وإفساد الصلاة والصوم إن وقع عمدا. وإفساد التتابع إن كان الصوم مشروطا فيه ذلك. ووجوب قضاء الصوم إن كان واجبا. ووجوب الكفارة في المتعين. وإفساد الاعتكاف ، ووجوب قضائه إن وجب. ووجوب إتمامه إن كان قد شرط فيه التتابع.

وإفساد الحج والعمرة. ووجوب المضي في فاسدهما. ووجوب قضائهما. ووجوب البدنة أو بدلها مع العجز ـ وهي بقرة فان لم يجد فسبع شياه إن جعلنا الكفارة كالنذر. ونفقة المرأة التي جامعها في القضاء. والتحمل للبدنة عنها ، سواء كان في موضع الفساد أولا.

وهل يتعلق بالوطء منع انعقاد إحرامهما أو ينعقدا فاسدين؟ نظر. ووجوب التفريق بين الزوجين إذا وصلا موضع الخطيئة إلى أن يقضيا المناسك.

وثبوت الفسق إذا جامع في الإحرام أو الصوم الواجب أو الاعتكاف عالما بالتحريم. وترتب التعزير على ذلك. واستحباب الوضوء

__________________

(١) ذهب إليه بعض الشافعية. انظر النوويّ ـ المجموع : ٢ ـ ١٣٤ ، والسيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٢٩٥.

(٢) انظر : الشيرازي ـ المهذب : ١ ـ ٨٦ ، وابن جزي ـ قوانين الأحكام الشرعية : ٤٤ ، وابن عبد السلام ـ قواعد الأحكام : ٢ ـ ١٠٢.

١٧٤

إذا أراد النوم ولما يغتسل ، فان تعذر فالتيمم. وكفارة الحيض وجوبا أو استحبابا. وجعل البكر ثيبا ، فيعتبر نطقها في النكاح.

ووجوب العدة بالشبهة إذا كانت ممن لها عدة. وزوال التحصين في القذف إذا كان الوطء زنا ، لا مكرهة. ووجوب الجلد والرجم والجز والتغريب. وتحريم أم الموطوء وأخته وبنته ـ والمشهور (١) أنه يكفي هنا إيلاج البعض. والخروج عن حكم العنة. والتحليل للمطلقة ثلاثا حرة ، أو اثنتين أمة. وإلحاق الولد في الشبهة بالملك أو بالزوجية ، إذا كانت الموطوءة خالية. وتحريم نفي الولد إلا مع القطع بكونه ليس منه ، ولا يكفي الظن الغالب. والتمكن من الرجعة في العدة الرجعية. والتمكن من اللعان عند نفي الولد ـ أما القذف بالزنا فلا. ووجوب التعزير لو كانت الموطوءة زوجة بعد الموت.

ووجوب القتل في اللواط إذا كانا بالغين عاقلين. والتعزير في إتيان البهيمة. وتحريم وطء الأخت إذا وطئ أختها بملك اليمين حتى تخرج التي وطئها أولا. ونشر الحرمة بالشبهة والزنا على القول به. وفي إباحة بنت الأخ المملوكة مع العمة المملوكة من غير إذن العمة إشكال للفاضل (٢) رحمه‌الله. وسقوط الامتناع من التمكين ، لأجل الصداق بعده. وسقوط عفو الولي بالطلاق بعده. وثبوت السنة والبدعة في الطلاق. وثبوت المهر بوطء المكاتبة. وثبوت بعضه بوطء المشتركة بينه وبين غيره. وصيرورة الأمة فراشا على رواية (٣). وقطع

__________________

(١) انظر : العلامة الحلي ـ قواعد الأحكام : ١٥١ ، وتحرير الأحكام : ٢ ـ ١٣ ، وتذكرة الفقهاء : ٢ ـ ٦٣٣.

(٢) انظر : العلامة الحلي ـ قواعد الأحكام : ١٥٢.

(٣) انظر : الحر العاملي ـ وسائل الشيعة : ١٥ ـ ١١٩ ـ ١٢٠ ، باب ١٩ من أبواب أحكام الأولاد ، حديث : ١.

١٧٥

العدة إذا حملت من الشبهة. والفسخ بوطء البائع ، والإجازة بوطء المشتري. وفسخ الهبة في الأمة الموهوبة في موضع جواز الرجوع. وفسخ البيع فيما لو وجد البائع بالثمن عيبا بوطء الأمة. وفي كون وطء البائع الأمة (١) مع إفلاس المشتري استرداد للأمة وجه ضعيف (٢). ورجوع الموصي به إذا لم يعزل (٣). وكونه بيانا في حق من أسلم على أكثر من أربع. وكذا في الطلاق المبهم ، والعتق المبهم على احتمال. وتوقف الفسخ على انقضاء العدة فيما لو ارتدت الزوجة مطلقا ، أو الزوج عن غير فطرة ، أو أسلمت الزوجة مطلقا ، أو الزوج وكانت الزوجة وثنية. والمنع من الرد بالعيب ، إلا في عيب الحبل ، ويرد معها نصف عشر قيمتها. وسقوط خيار الأمة إذا أعتقت تحت عبد أو حر ـ على الخلاف (٤) ـ ومكنت منه عالمة. ويمكن أن يكون هذا لأجل إخلالها بالفور ، لا لخصوصية التمكين من الوطء. وتحقق الرجعة

__________________

(١) زيادة من (ح).

(٢) وجه للشافعية. انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٢٩٤.

(٣) بمعنى أنه لو أوصى بجارية لشخص ثمَّ وطئها ولم يعزل عنها كان ذلك رجوعا عن الوصية.

(٤) ذكر العلامة الحلي في ـ المختلف : ٥ ـ ١٤ ، الخلاف في خيار الأمة إذا أعتقت تحت عبد أو حر ، فذهب كثير من علمائنا إلى أن لها الخيار مطلقا ، وقوى الشيخ الطوسي في المبسوط ٤ ـ ٢٥٨ ثبوت الخيار لها إذا كانت تحت عبد دون الحر. انظر : الشيخ المفيد ـ المقنعة : ٧٨ ، وابن إدريس ـ السرائر : ٣٠٣ ، والعلامة الحلي ـ تحرير الأحكام : ٢ ـ ٢٤.

١٧٦

به في الرجعية. ومنعه من التزويج بخامسة إذا أسلم على أربع وثنيات حتى تنقضي العدة وهنّ على كفرهن ، وكذا الأخت حتى تنقضي العدة مع بقاء الأخت على الكفر. ومنعه من اختيار الأمة لو أسلمت (١) مع الحرة حتى تنقضي العدة مع بقاء الحرة على الكفر. ووجوب مهر ثان لو وطئ المرتد وبقي على الردة ، إذا كان عن فطرة ، وفي غيرها خلاف. ووقوع الظهار المعلق به أو العتق المنذور عنده. وذبح البهيمة الموطوءة المأكولة اللحم وإحراقها ، وتغريم قيمتها ، وبيع غيرها (٢) وتغريمه القيمة. وإبطال خيار الزوجين لو تجدد العيب بعده ، إلا الجنون من الرّجل. ووجوب استبراء الأمة إذا وطئها السيد ، وأراد تزويجها أو بيعها.

فائدة

كل هذه الأحكام يتساوى فيها القبل والدبر إلا : التحليل ، والخروج من الإيلاء والإحصان ، والاستنطاق في النكاح ، فتستنطق بالوطء في القبل لا في الدبر ، وخروج المني من الدبر بعد الغسل فإنه لا يوجب الغسل عليها ، بخلاف القبل (٣) فان فيه كلاما ذكرناه في كتاب الذكرى (٤).

ويتعلق بالدبر : إبطال حصانة الموطوءة بالنسبة إلى القذف ، كما يحصل

__________________

(١) أي الأمة.

(٢) أي غير مأكولة اللحم.

(٣) انظر في هذه المواضع أيضا : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٢٩٦.

(٤) انظر : كتاب الطهارة ـ في أحكام غسل الجنابة ـ مسألة : ٩.

١٧٧

للواطئ بالنسبة إلى ذلك.

ولو لم يبق للمقطوع بقدر الحشفة فغيّبه ، فالظاهر عدم تعلق الأحكام به ، إلا تحريم أم المفعول به وأخته وبنته.

قاعدة ـ [٤٧]

قد يقوم السبب الفعلي غير المنصوب ابتداء مقام الفعلي المنصوب ابتداء ، كتقديم الطعام إلى الضيف فإنه مغن عن الاذن في الأصح ، وتسليم الهدية إلى المهدي إليه وإن لم يحصل القبول القولي في الظاهر من فعل السلف والخلف ، وكذلك صدقة التطوع ، وكسوة القريب والصاحب ، وجائزة الملك من كسوة وغيرها ، وعلامة الهدي كغمس النعل في دمه وجعله عليه أو كتابة رقعة (١) عنده ، والوطء في الرجعية ، وفي مدة الخيار من ذي الخيار ، والتقبيل كذلك ، وكذا اللمس بشهوة. أما المعاطاة في المبايعات فتفيد إباحة التصرف لا الملك ، وإن كان في الحقير ، عندنا.

ولا يكفي تسليم العوض في الخلع عن بذلها ، أو قبولها بعد إيجابه ، ولا تسليم الدية في سقوط القصاص ، بل لا بد من التلفظ بالعفو أو بمعناه.

ولو خص الإمام بعض الغانمين بأمة ، وقلنا بتوقف الملك على اختيار التملك ، فلو وطئ أمكن كونه اختيارا ، لأن الوطء دليل الملك ، إذ لا يقع هنا إلا في الملك.

ومن الأسباب الفعلية القلبية : الإرادة والكراهة ، والمحبة. فلو علق ظهارها بإضمارها بغضه ، فادعته ، صدقت ، كدعوى الحيض ، فان اتهمها أحلفها إن قلنا بيمين التهمة (٢). ولو علقه بحبها دخول النار ، أو السم ،

__________________

(١) زيادة من (م).

(٢) تقدم في قاعدة ١٩ ص ٥٠ انه استقرب تحليفها.

١٧٨

أو الأطعمة الممرضة ، فادعته ، أمكن القبول لأنه قد نصبه سببا ولا يعلم إلا منها ، وعدمه ، للقطع بكذب مدعي ذلك.

ولو علق بمشيئتها ، فالظاهر الاحتياج إلى اللفظ ، لأن كلامه يستدعي جوابا على العادة ، فلا تكفي الإرادة القلبية. وتظهر الفائدة : لو أرادت بالقلب ولما تتلفظ.

ولو تلفظت مع كونها كارهة بالقلب وقع الظهار ظاهرا ، وفي وقوعه باطنا بالنسبة إليها احتمالان : نعم ، لأن التعليق بلفظ المشيئة لا بما في الباط ، ولا ، كما لو علق بحيضها وكانت كاذبة في الاخبار عن الحيض ، فإنه لا يقع باطنا.

ولو كانت صبية فعلق على مشيئتها أو علق على مشيئة صبي ، فالأقرب الصحة مع التمييز ، لأنه اقتضى لفظه ، وقد وقع. ويحتمل المنع ، كما ليس للفظه اعتبار في الطلاق ولا في باقي العقود اللازمة.

ولو علق ظهارها على حيض ضرتها ، فادعته ، وأنكر الزوج ، حلف ، لأصالة العدم ، ولأنه تصديق في حق الضرة. ويحتمل قبول قولها ، لأنه لا يعرف إلا منها. فحينئذ لا يحلف ، لأن الإنسان لا يحلف ليحكم لغيره.

قاعدة ـ [٤٨]

الوقت قد يكون سببا للحكم الشرعي ، كأوقات الصلوات ، وهو أيضا ظرف للمكلف به ، فليس السبب الدلوك مثلا وإلا لم تجب الظهر على من أسلم أو بلغ في أثناء النهار بعد الدلوك بلحظة ، بل كل جزء من الوقت سبب للوجوب وظرف للإيقاع. وكذا أجزاء أيام الأضاحي ،

١٧٩

سبب للأمر بالأضحية وظرف لإيقاعها فيه ، ومن ثمَّ استحب على من تجدد إسلامه ، وبلوغه. أما شهر رمضان فان كل يوم من أيامه سبب للتكليف لمن استقبله جامعا للشرائط ، وليس أجزاء اليوم سببا للوجوب ، ومن ثمَّ لم يجب على البالغ أو المسلم في الأثناء الصوم (١).

فان قلت : فينبغي في المريض والمسافر ألا يجب الصوم وقد زال العذر.

قلت : المرض والسفر ليسا مانعين لسببية السبب ، وإنما منعا الحكم بالوجوب ، فإذا زال المانع ظهر أثر السبب.

واعلم : إن الوقت قد يعرى عن السببية وإن كان لا يعرى عن الظرفية ، وهو واقع في كثير ، كالمنذورات (٢) المعلقة على أسباب مغايرة للأوقات. وكالسنة بكمالها في قضاء شهر رمضان ، فإنها ظرف للإيقاع وليست سببا ، إنما السبب هو الفوات لما كان قد أثر فيه السبب الموجب للأداء ، فان موجب أداء شهر رمضان رؤية الهلال ، وموجب القضاء هو فوات الأداء. وكذا جميع العمر ظرف للواجبات الموسعة بالنذر أو الكفارة وإن كانت أسبابها مغايرة للزمان. وكذلك شهور العدد أو الأقراء ظروف للعدة ، والسبب الطلاق مثلا. وسبب الفطرة دخول هلال شوال على الأصح ، ومجموع الليلة ونصف النهار ظرف لا سبب ، فلا يجب على من كمل بعد دخول شوال (٣).

__________________

(١) تقدمت هذه المسائل في قاعدة : ٢٢.

(٢) في (م) : كالمندوبات.

(٣) تقدم الحديث عن هذه المسائل في قاعدة : ٢٤.

١٨٠