القواعد والفوائد - ج ١

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]

القواعد والفوائد - ج ١

المؤلف:

محمّد بن جمال الدّين مكّي العاملي الجزيني [ الشهيد الأول ]


المحقق: السيّد عبد الهادي الحكيم
الموضوع : الفقه
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٤٧
الجزء ١ الجزء ٢

الفائدة التاسعة والعشرون

اعتبر بعض الأصحاب (١) النية في الاعتداد ، استخراجا من أن مبدأ العدة في الوفاة من حين علم الزوجة لا من حين موته. وبعضهم (٢) جعل العلة (٣) في ذلك الإحداد.

وربما رجح الأول : بأن المرأة قد توجد صورة الإحداد في هذه المدة ، مع أنه غير كاف. مع أن باقي العدد لا يشترط فيها القصد ، فإن المطلقة تعتد من حين الطلاق وإن تأخر الخبر. وكذلك المنكوحة بالفاسد إذا لحقه الوطء ، أو وطئت لشبهة. وقد قيل (٤) : إن مبدأ عدة الشبهة لا من حين آخر وطء بل من حين انجلائها (٥) وهذا يمكن استناده إلى اعتبار النية. وإلى أنها في الظاهر في عصمة النكاح ، فلا يجامع العدة.

__________________

(١) انظر : أبا الصلاح الحلبي ـ الكافي : ١٣٠ (مخطوط بمكتبة السيد الحكيم العامة في النجف برقم ٦٤١) ، وابن زهرة ـ الغنية : ٦٨.

(٢) انظر : العلامة الحلي ـ مختلف الشيعة : ٤ ـ ٦٣ ، وقواعد الأحكام : ١٧٥.

(٣) في (ك) : العدة.

(٤) انظر : السمرقندي ـ تحفة الفقهاء : ٢ ـ ٣٦٨ ، والعلامة الحلي ـ قواعد الأحكام : ١٧٣

(٥) في (ك) و (أ) : الخلإ بها ، وما أثبتناه هو الصواب.

١٢١

الفائدة الموفية للثلاثين

ذهب بعض العامة (١) إلى أن كل عبادة لا تلتبس بعبادة أخرى (٢) لا تفتقر إلى النية ، كالإيمان بالله ورسله ، واليوم الآخر ، والتعظيم والإجلال لله ، والخوف ، والرجاء ، والتوكل ، والحياء ، والمهابة ، فإنها متميزة في أنفسها بصورها التي لا يشاركها فيها غيرها. وألحق بذلك الأذكار كلها ، والثناء على الله عزوجل بما لا يشارك فيه ، والأذان ، وتلاوة القرآن.

وهذا بالاعراض عنه حقيق ، فإن أكثر هذه يمكن صدورها على وجه الرياء ، والعبث ، والسهو ، والنسيان ، فلا تتخصص للعبادة إلا بالنية.

أما الإيمان المذكور فإنه لا يقع إلا على وجه واحد فلم تجب فيه النية.

على أن استحضار أدلة الإيمان في كل وقت يمكن أن تتصور فيه النية.

وكذا في عقد القلب على ذلك والاستدامة عليه ، وقد جاء في الحديث : (جددوا إسلامكم بقول لا إله إلا الله) (٣).

الفائدة الحادية والثلاثون

الأصل أن النية فعل المكلف ، ولا أثر لنية غيره.

وتجوز النية من غير المباشر في الصبي غير المميز ، والمجنون ، إذا حج بهما الولي.

__________________

(١) انظر : عز الدين بن عبد السلام ـ قواعد الأحكام : ١ ـ ٢٠٩ ـ ٢١٠.

(٢) زيادة من (ح).

(٣) لم أعثر على هذا النص. نعم أورد المتقي الهندي حديثا بلفظ : (جددوا إيمانكم أكثروا من قول لا إله إلا الله). كنز العمال : ١ ـ ١٠٦ حديث : ١٧٧٠.

١٢٢

وقد تؤثر نية الإنسان في فعل المكلف ، وله صور :

منها : أن يأخذ الإمام الزكاة قهرا من الممتنع ، فيمتنع أن تعرى عن النية ، فيمكن أن يقال : تجب النية من الإمام وإن كان الدافع المكلف.

ومنها : إذا أخذ (١) من المماطل قهرا فإنه يملك ما أخذه إذا نوى المقاصة. وحينئذ لو كان له على المماطل دينان فالتعيين مفوض إلى الآخذ فلو أخبر المقهور أنه نوى ، فالأقرب سماعه وترجحه (٢) على نية القابض.

ومنها : إذا استحلف الغير وكان الحالف مبطلا فإن النية نية المدعى فلا يخرج الحالف بالتورية عن إثم الكذب ، ووبال اليمين الكاذبة.

القاعدة الثانية : المشقة موجبة لليسر

لقوله تعالى (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٣) ، (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (٤). وقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : (بعثت بالحنيفية السمحة السهلة) (٥) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : (لا ضرر ولا ضرار) (٦) ، بكسر الضاد وحذف الهمزة.

__________________

(١) أي صاحب الحق.

(٢) في (م) : ترجيحه.

(٣) الحج : ٧٨.

(٤) البقرة : ١٨٥.

(٥) أورده بهذا النص المحقق الحلي في ـ معارج الأصول : ورقة : ٥٣ ـ أ (مخطوط بمكتبة السيد الحكيم العامة في النجف برقم ٣٧١) ، ورواه أحمد مجردا عن لفظة (السهلة). انظر : مسند أحمد : ٥ ـ ٢٦٦.

(٦) انظر : سنن ابن ماجه : ٢ ـ ٧٨٤ ، باب ١٧ من أبواب الأحكام ، حديث : ٢٣٤١.

١٢٣

وهذه القاعدة تعود إليها جميع رخص الشرع كأكل الميتة في المخمصة ، ومخالفة الحق للتقية قولا وفعلا ، لا اعتقادا ، عند الخوف على النّفس أو البضع ، أو المال ، أو القريب ، أو بعض المؤمنين ، كما قال الله تعالى : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْ‌ءٍ إِلّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) (١). بل يجوز إظهار كلمة الكفر عند التقية. والأقرب أنه غير واجب هنا لما في قتله من إعزاز الإسلام ، وتوطئة عقائد (٢) العوام.

ومن هذه (٣) القاعدة : شرعية التيمم عند خوف التلف من استعمال الماء ، أو الشين ، أو تلف حيوانه أو ماله.

ومنها : إبدال القيام عند التعذر في الفريضة ، ومطلقا في النافلة ، وصلاة الاحتياط غالبا.

ومنها : قصر الصلاة والصوم ، وإن كان فرض السفر مستقلا في نفسه.

ومنها : المسح على الرّأس والرجلين بأقل مسماه. ومن ثمَّ أبيح الفطر جميع الليل بعد أن كان حراما بعد النوم (٤). وكل ذلك للترغيب في العبادات وتحبيبها (٥) إلى النّفس.

ومن الرخص ما يخص ، كرخص السفر ، والمرض ، والإكراه ، والتقية. ومنها ما يعم ، كالقعود في النافلة. وإباحة الميتة عند المخمصة

__________________

(١) آل عمران : ٢٨.

(٢) في (ك) : قواعد.

(٣) زيادة من (أ).

(٤) انظر : القرافي ـ الفروق : ٢ ـ ١٨٧.

(٥) في (أ) و (م) : وتحسينها.

١٢٤

تعم عندنا (١) الحضر والسفر.

ومن رخص السفر : ترك الجمعة ، والقصر ، وسقوط القسم بين الزوجات لو تركهن ، بمعنى عدم القضاء بعد عوده ، وسقوط القضاء للمتخلفات لو استصحب بعضهن. والظاهر أن سقوط القسم تابع لمطلق السفر وإن لم تقصر فيه الصلاة.

ومن الرخص : إباحة كثير من محظورات الإحرام مع الفدية ، وإباحة الفطر للحامل ، والمرضع ، والشيخ ، والشيخة ، وذي العطاش ، والتداوي بالنجاسات والمحرمات عند الاضطرار ، وشرب الخمر لإساغة اللقمة ، وإباحة الفطر عند الإكراه عليه مع عدم القضاء ، سواء وجر في حلقه أو خوف حتى أفطر في الأصح. ولو أكره على الكلام في الصلاة فوجهان ، مع القطع بعدم الإثم. والقطع بالبطلان لو أكره على الحدث. اما الاستدبار وترك الستارة واستعمال النجاسة فكالكلام.

ومنه (٢) : الاستنابة في الحج للمعضوب والمريض المأيوس من برئه ، وخائف العدو ، والجمع بين الصلاتين في السفر ، والمرض ، والمطر ، والوحل ، والاعذار ، بغير كراهية.

ومنه : إباحة نظر المخطوبة المجيبة للنكاح ، وإباحة أكل مال الغير مع بذل القيمة مع الإمكان ، ولا معها مع عدمه ، عند الاشراف على الهلاك.

ومنه : العفو عما لا تتم الصلاة فيه منفردا مع نجاسته ، وعن دم القروح والجروح التي لا ترقأ. وعدّ منه الشيخ (٣) : دم البراغيث

__________________

(١) في (ح) و (م) و (أ) زيادة : في.

(٢) أي من التخفيف. وفي (م) هنا وما يأتي بعد ذلك : منها ، فالضمير على هذا يرجع إلى القاعدة أو الرخص.

(٣) انظر : الشيخ الطوسي ـ المبسوط : ١ ـ ٣٥.

١٢٥

ـ بناء على نجاسته ـ وما لا يدركه الطرف من الدم في الماء القليل. وطرده بعض الأصحاب (١) في كل نجاسة غير مرثية.

ومنه : قصر الصلاة في الخوف ، كمية وكيفية ، وفعلها مع الحركات الكثيرة المبطلة مع الاختيار ، وقصر المريض الكيفية.

ثمَّ التخفيف قد يكون لا إلى بدل كقصر الصلاة ، وان استحب الجبر بالتسبيح ، وترك الجمعة والظهر فرض قائم بنفسه ، وصلاة المريض.

وقد يكون إلى بدل كفدية الصائم وبعض الناسكين في بعض المناسك كبدنة عرفة ، وشاة المزدلفة ، وشاة مبيت منى.

وعد الشيخ من التخفيف : تعجيل الزكاة المالية قبل الحول ، والبدنية قبل الهلال (٢).

والرخصة قد تجب ، كتناول الميتة عند خوف الهلاك ، والخمر عند الاضطرار إلى الإساغة به ، وقصر الصلاة في السفر والخوف ، وقصر الصيام في السفر عندنا. وقد تستحب ، كنظر المخطوبة. وقد تباح ، كالقصر في الأماكن الأربعة (٣). والإبراد (٤) بالظهر في شدة الحر

__________________

(١) انظر : المصدر السابق : ١ ـ ٧.

(٢) ذهب الشيخ الطوسي إلى عدم جواز تقديم الزكاة المالية قبل حلول وقتها إلا على سبيل القرض ، وجوز ذلك في البدنية. انظر : النهاية : ١٨٣ ، ١٩١.

(٣) وهي : المسجد الحرام ، والمسجد النبوي ، ومسجد الكوفة ، والحائر الحسيني. انظر : الشهيد الأول : اللمعة الدمشقية ـ طبعت مع الروضة البهية للشهيد الثاني : ١ ـ ٣٧٥.

(٤) الإبراد لغة : انكسار الوهج والحر. انظر : ابن الأثير ـ النهاية : ١ ـ ٧١ ، باب الباء مع الراء ، مادة (برد).

١٢٦

(محتمل للاستحباب) (١) والإباحة.

وهنا فوائد :

الأولى : المشقة الموجبة للتخفيف هي : ما تنفك عنه العبادة غالبا ، أما ما لا تنفك عنه فلا ، كمشقة الوضوء والغسل في السبرات (٢) ، وإقامة الصلاة في الظهيرات ، والصوم في شدة الحر وطول النهار ، وسفر الحج ، ومباشرة الجهاد ، إذ منى التكليف على المشقة ، إذ هو مشتق من الكلفة ، فلو انتفت انتفى التكليف ، فتنتفي المصالح المنوطة به ، وقد رد الله على القائلين (لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ) (٣) بقوله (قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا) (٤).

ومنه : المشاق التي تكون على جهة العقوبة على الجرم (٥) وإن أدت إلى تلف النّفس ، كالقصاص والحدود بالنسبة إلى المحل والفاعل وإن كان قريبا يعظم ألمه باستيفاء ذلك من قريبه ، لقوله تعالى (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (٦).

والضابط في المشقة ما قدره الشارع. وقد أباح الشرع حلق المحرم

__________________

(١) في (م) و (أ) : يحتمل الاستحباب.

(٢) في (ك) : اليسيرات ، وفي (م) : الشتوات. والسبرات : جمع سبرة ـ بسكون الباء ـ وهي شدة البرد ، ومنه حديث زواج فاطمة عليها‌السلام (... فدخل عليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه غداة سبرة). انظر ابن الأثير ـ النهاية : ٢ ـ ١٤٢ ، باب السين مع الباء ، مادة (سبر).

(٣) التوبة : ٨١.

(٤) التوبة : ٨١.

(٥) في (ا) : الحرام.

(٦) النور : ٢.

١٢٧

للقمل ، كما في قصة كعب بن عجرة (١) سبب نزول الآية (٢). وأقر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عمرا (٣) على التيمم لخوف البرد (٤) ، فلتقاربهما (٥) المشاق في باقي محظورات الإحرام ، وباقي مسوغات التيمم. وليس ذلك مضبوطا بالعجز الكلي بما فيه تضييق على النّفس ، ومن ثمَّ قصرت الصلاة ، وأبيح الفطر في السفر ولا كثير مشقة فيه ولا عجز غالبا. فحينئذ يجوز الجلوس في الصلاة مع مشقة القيام وإن أمكن تحمله على عسر شديد ، وكذا باقي مراتبه. ومن ثمَّ تحلل المصدود والمحصور (٦) وإن أمكنهما المصابرة لما في ذلك من العسر.

الثانية : يقع التخفيف في العقود كما يقع في العبادات.

ومراتب الغرر فيها ثلاث (٧) :

__________________

(١) جاء في صحيح مسلم : ٢ ـ ٨٦٠ ـ ٨٦١ ، باب ١٠ من كتاب الحج ، حديث : ٨٢ ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة : (أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقف عليه ورأسه يتهافت قملا فقال : أيؤذيك هوامك؟ قلت : نعم. قال : فاحلق رأسك ..).

(٢) وهو قوله تعالى (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) البقرة : ١٩٦.

(٣) هو أبو محمد عمرو بن العاص القرشي. كان واليا على مصر في خلافة عمر. مات سنة ٤٣ هـ.

(٤) انظر : الحاكم النيسابوري ـ المستدرك على الصحيحين : ١ ـ ١٧٧ ، والبيهقي ـ السنن الكبرى : ١ ـ ٢٢٥.

(٥) في (ح) و (م) و (أ) : فلتقارنها.

(٦) في (ك) : المحصر.

(٧) ذكرها ابن عبد السلام في ـ قواعد الأحكام : ٢ ـ ١١.

١٢٨

إحداها : ما يسهل اجتنابه ، كبيع الملاقيح والمضامين (١) ، وغير المقدور على تسليمه ، وهذا لا تخفيف فيه ، لأنه أكل مال بالباطل.

وثانيها : ما يعسر اجتنابه وإن أمكن تحمله بمشقة ، كبيع البيض في قشره ، والبطيخ والرمان قبل الاختبار ، وبيع الجدار وفيه الأس (٢) وهذا يعفى عنه تخفيفا.

وثالثها : ما توسط بينهما ، كبيع الجوز واللوز في القشر الأعلى ، وبيع الأعيان الغائبة بالوصف ، والظاهر صحته لمشاركته في المشقة.

ومنه : الاكتفاء بظاهر الصبرة المتماثلة ، وبظهور مبادئ النضج في بدو الصلاح وإن لم ينته.

ومن التخفيف : شرعية خيار المجلس لما كان العقد قد وقع بغتة فيتعقبه الندم ، فشرع ذلك ليتروى. ثمَّ لما كان مدة التروي قد تزيد على ذلك جوز خيار الشرط بحسبه وإن زاد على ثلاثة أيام ، ليتدارك فيه ما عساه يحصل فيه من غبن يشق تحمله.

ومنه : شرعية المزارعة والمساقاة والقراض وإن كانت معاملة على معدوم ، لكثرة الحاجة إليها.

ومنه : إجارة الأعيان ، فإن المنافع معدومة حال العقد.

ومنه : جواز تزويج المرأة من غير نظر ولا وصف ، دفعا للمشقة

__________________

(١) المضامين : ما في أصلاب الفحول ، وهي جمع مضمون. والملاقيح : جمع ملقوح ، وهو ما في بطن الناقة ، وهي الأجنة. وفسرهما مالك بالعكس. انظر : ابن الأثير ـ النهاية : ٣ ـ ٢٦ ، مادة (ضمن) ، ومالك ـ الموطأ : ٢ ـ ٧٠.

(٢) في (ح) : الآجر.

١٢٩

اللاحقة للأقارب بذلك ، (وإيثار الحياء) (١) ، وسد باب التبرج على النساء ، بخلاف المبيع وإن كان أمة ، لعدم المشقة فيه.

ومن ذلك : شرعية الطلاق والخلع ، دفعا لمشقة المقام على الشقاق ، وسوء الأخلاق. وشرعية الرجعة في العدة غالبا ، ليتروى كما قال الله تعالى (لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) (٢). ولم يشرع في الزيادة على المرتين ، دفعا للمشقة عن الزوجات.

ومنه : شرعية الكفارة في الظهار ، والحنث ، تيسيرا من الإلزام بالمشقة ، لاستعقابه الندم غالبا.

ومنه : التخفيف عن الرقيق بسقوط كثير من العبادات (٣) ، لئلا يجتمع عليه مع شغل العبودية أمر (٤).

ومنه : شرعية الدية بدلا عن القصاص مع التراضي كما قال الله تعالى : (ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ) (٥). فقد ورد : أن القصاص كان حتما في شرع موسى على نبينا وعليه‌السلام ، كما أن الدية كانت حتما في شرع عيسى على نبينا وعليه‌السلام (٦) ، فجاءت الحنيفية بتسويغ الأمرين ،

__________________

(١) في (ح) و (م) و (أ) : وإيثارا للحياء.

(٢) الطلاق : ١.

(٣) كالجهاد ، وصلاة الجمعة ، والزكاة ، والحج. انظر : الشهيد الأول ـ اللمعة الدمشقية طبعت مع الروضة البهية للشهيد الثاني : ١ ـ ٣٠٢ ، ٢ ـ ١٢ ، ٩٦٢ ، ٣٨٢.

(٤) في (ح) : أصر.

(٥) البقرة : ١٧٨.

(٦) انظر : الشيخ الطوسي ـ تفسير التبيان : ٢ ـ ١٠٣.

١٣٠

طلبا للتخفيف ، ووضعا للآصار (١) ، وصيانة للدماء عن أيدي الموسرين الفجار.

الثالثة : التخفيف على المجتهدين إما اجتهادا جزئيا كما في الوقت ، والقبلة ،

والتوخي في الأشهر (٢) عند الصوم ، واجتهاد الحجيج في الوقوف (٣) فيخطئون بالتأخير ، دفعا للحرج في ذلك. وقيل : بالقضاء (٤).

أما لو غلطوا بالتقديم ، فالقضاء ، لندوره ، إذ يندر فيه الشهادة زورا في هلال رمضان. وهلال شوال ، وذلك قليل الوقوع.

وإما اجتهادا كليا ، كالعلماء في الأحكام الشرعية ، فلا إثم على غير المقصر وإن أخطأ ، ويكفيهم الظن الغالب المستند إلى أمارة معتبرة شرعا ، وذلك تسهيل.

ومنه : اكتفاء الحكام بالظنون في العدالة والأمانة.

الرابعة : الحاجة قد تقوم سببا مبيحا في المحرم لولاها ، كالمشقة ـ كما قلنا ـ في نظر المخطوبة ، ومحله : الوجه ، والكفان ، والجسد من وراء الثياب. ونظر المستامة من الإماء فينظر إلى ما يرى من العبيد.

وقيل (٥) : ينظر إلى ما يبدو حال المهنة. وقيل (٦) : يقتصر على

__________________

(١) الآصار : جمع أصر ، وهو الثقل والذنب. انظر : ابن منظور ـ لسان العرب : ٤ ـ ٢٣ ، حرف الراء ، فصل الألف ، مادة (أصر).

(٢) في (ك) و (م) : الأسير.

(٣) في (ك) : الوقت.

(٤) انظر : العلامة الحلي ـ تذكرة الفقهاء : ١ ـ ٣٧٣.

(٥) انظر : ابن قدامة ـ المغني : ٦ ـ ٥٦٠ ، وشمس الدين الرملي ـ نهاية المحتاج : ٦ ـ ١٨٥.

(٦) هو قول للشافعية ذكره الغزالي في ـ الوجيز : ٢ ـ ٢.

١٣١

الوجه والكفين ، كالحرة. ويجوز النّظر إلى المرأة للشهادة عليها ، أو المعاملة إذا احتاج إلى معرفتها ، ويقتصر على الوجه.

والفرق بينه وبين النّظر المباح على الإطلاق من وجهين :

أحدهما : تحريم التكرار في ذلك بخلافه هنا ، فإنه ينظر حتى يستثبت ويحرم الزائد.

والثاني : أن ذلك قد يصدر من غير قصد حتى قيل (١) : بتحريمه مع القصد ، بخلافه هنا. ولو خاف الفتنة حرم مطلقا.

ومنه : نظر الطبيب والفاصد إلى ما يحتاج إليه بحيث لا يعدّ المنكشف فيه هتكا للمرأة (٢) ، ويعذر فيه لأجل هذا السبب عادة ، وهو مطرد في جميع الأعضاء. نعم في السوأتين مزيد تأكيد في مراعاة الضرورة.

والظاهر جواز نظر الشهود إلى العورتين ليتحملوا الشهادة على الزنا ، وإلى فرج المرأة لتحمل الولادة ، وإلى الثدي لتحمل الإرضاع.

القاعدة الثالثة : قاعدة اليقين

وهي : البناء على الأصل ، أعني (٣) استصحاب ما سبق. وهو أربعة أقسام :

أحدها : استصحاب النفي في الحكم الشرعي إلى أن يرد دليل ، وهو المعبر عنه (بالبراءة الأصلية).

__________________

(١) انظر : الشيرازي ـ المهذب : ٢ ـ ٣٤ ، والنوويّ ـ منهاج الطالبين : ٧٨ ، وابن قدامة ـ المغني : ٦ ـ ٥٥٨ ـ ٥٥٩.

(٢) في (ك) : للمروة.

(٣) في (ك) و (م) و (أ) : فهو.

١٣٢

وثانيها : استصحاب حكم العموم إلى ورود مخصص ، وحكم النص إلى ورود ناسخ ، وهو إنما يتم بعد استقصاء البحث عن المخصص والناسخ.

وثالثها : استصحاب حكم ثبت شرعا ، كالملك عند وجود سببه ، وشغل الذّمّة عند إتلاف مال (١) أو التزام إلى أن يثبت رافعه.

ورابعها : استصحاب حكم الإجماع في موضع النزاع ، كما نقول : الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء ، للإجماع على أنه متطهر قبل هذا الخارج ، فيستصحب ، إذ الأصل في كل متحقق دوامه حتى يثبت معارض ، والأصل عدمه. وكما نقول في المتيمم : إذا وجد الماء في أثناء الصلاة لا ينقض تيممه ، للإجماع على صحة صلاته قبل وجوده فيستصحب حتى يثبت دليل يخرجه عن التمسك به.

ومن فروعها : طهارة الماء لو شك في نجاسته ، ونجاسته لو وقعت فيه نجاسة وشك في بلوغه الكرية ، لأن الأصل عدم بلوغها. وقيل (٢) : هو من باب تعارض الأصلين ، لأن الأصل طهارة الماء ، والشك في تأثره بالنجاسة.

ويضعف : بأن ملاقاة النجاسة المعلوم رفع حكم الأصل السابق فيحتاج إلى المانع.

أما لو كان كرا فوجده متغيرا وشك في تغيره بالنجاسة ، أو بالأجون (٣) فالبناء على الطهارة ، لأنها الأصل الّذي لا يعارضه أصل آخر.

__________________

(١) زيادة من (ح).

(٢) انظر : النوويّ ـ المجموع شرح المهذب : ١ ـ ١٢٤ ـ ١٢٥.

(٣) الأجون ، مصدر أجن الماء يأجن : إذا تغير طعمه ولونه لفساده. انظر : ابن منظور ـ لسان العرب : ١٣ ـ ٨ ، حرف النون ، فصل الألف ، مادة (أجن).

١٣٣

ومنها : عدم الالتفات لو تيقن الطهارة وشك في الحدث. وقال بعض العامة (١) : يتطهر ، لأن الصلاة ثابتة في ذمته يقينا فلا يزول إلا بيقين الطهارة.

ويرد عليه : الحد (٢) السالف في هذه القاعدة.

والإعادة لو انعكس (٣).

وإعادة الصلاة بالشك في الركعتين الأوليتين أو في الثنائية أو في الثلاثية ، لأنه مخاطب بالصلاة يقينا ، ولا يقين بالبراءة هنا إلا بإعادتها.

ولزوم الاحتياط لو شك في غير ذلك ، فان فيه مراعاة البناء على الأصل من عدم الإتيان بالزائد. ووجوب أداء الزكاة والخمس لو شك في أدائهما وسقوط الوجوب لو شك في بلوغ النصاب. وصحة الصوم لو شك في عروض المفطر. وصحة الاعتكاف لو شك في عروض المبطل. وكذا الشك في أفعال الحج بعد الفراغ منها. وعدم قتل (٤) الصبي الّذي يمكن بلوغه. ودعوى المشتري العيب ، أو تقدمه. ودعوى الغارم في القيمة.

وقد يتعارض الأصلان ، كدخول المأموم في صلاة وشك هل كان الإمام راكعا أو رافعا؟ ولكن يتأيد الثاني بالاحتياط.

وكالشك في بقاء العبد الغائب فتجب فطرته أو لا ، ويجوز عتقه

__________________

(١) هو مالك بن أنس. انظر : المدونة الكبرى : ١ ـ ١٣ ، والقرافي ـ الفروق : ١ ـ ١١١.

(٢) في (م) و (أ) : الخبر ، وما أثبتنا هو الصواب ، لأنه لم يتقدم خبر هنا.

(٣) أي يعيد لو تيقن الحدث وشك في الطهارة.

(٤) في (ح) : قبول ، وفي (م) : فداء.

١٣٤

في الكفارة أو لا. والأصح ترجيح البقاء على أصل البراءة.

وكاختلاف الراهن والمرتهن في تخمير العصير عند الرهن أو بعده لإرادة المرتهن فسخ البيع المشروط به ، فالأصل صحة البيع ، والأصل عدم القبض الصحيح ، لكن (١) الأول أقوى ، لتأييده بالظاهر من صحة القبض. وكذا لو كان المبيع عصيرا (٢).

وكذا لو اختلف البائع والمشتري في تغيير المبيع وهو مما يحتمل تغيره فالأصل عدم التغير وصحة البيع ، والأصل عدم معرفة المشتري بهذه الصفة التي هو عليها الآن ، فان حاصل دعوى البائع : أن المشتري علمه على هذه الصفة الآن. ويتأيد هذا بأصالة عدم وجوب الثمن على المشتري إلا بما يوافق علمه (٣). ويقوي إذا كان دعوى المشتري حدوث عيب في المبيع بعد الرؤية ، لأن الأصل عدم تقدم العيب على الزمان الّذي يدعي المشتري حدوثه فيه.

أما لو ادعى المشتري اشتماله على صفة كمال حال الرؤية ، كالسمن والصنعة ، وهو مفقود الآن ، وأنكر البائع اشتماله عليها ، فإنه يرجح قول البائع ، لأصالة عدم تلك الصفة.

ولو سلم (٤) المستأجر العين وادعى على المؤجر أنه غصبها من يده وأنكر الموجر ، فهنا أصلان : عدم الغصب ، وعدم الانتفاع. ويؤيد

__________________

(١) في (م) الا أن.

(٢) انظر في هذه المسألة ـ السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٧٧ ـ ٧٨.

(٣) في (ك) و (ح) : عليه ، وقد ذكر السيوطي في ـ الأشباه والنّظائر : ٧٨ هذه المسألة بمثل ما أثبتناه.

(٤) في (ك) : تسلم. وقد ذكر السيوطي هذه المسألة في ـ الأشباه والنّظائر : ٧٨ بمثل ما أثبتناه.

١٣٥

الأول : أن الأجرة مستحقة بالعقد ، والأصل بقاؤها.

ولو شك في وقوع الرضاع بعد الحولين أو قبله ، تعارضا.

ورجح الفاضل (١) : الحل.

ويشكل : بأغلبية الحرام على الحلال عند الاجتماع.

(ويندفع الإشكال : بعدم تيقن التحريم هنا) (٢).

ولو شك في حياة المقدود بنصفين ، تعارضا ، وتقديم أصل الحياة قوي.

وربما فرق بعضهم (٣) بين كونه في كفن وشبهه ، وبين ثياب الأحياء.

وهو خيال ضعيف ، لأن الميت قد يصاحب ثياب الأحياء ، والحي قد يلبس ثياب الموتى ، وخصوصا المحرم.

ومنه : اختلاف الزوجين في التمكين ، والنشوز ، أو تقدم وضع الحمل على الطلاق في صور منتشرة.

وهنا فوائد ثلاث (٤) :

__________________

(١) انظر : العلامة الحلي ـ قواعد الأحكام : ١٣٩. كما أنه الأصح عند الشافعية. انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٧٧.

(٢) زيادة من (م) ليست في (ك) و (ح). وفي (ا) وردت الزيادة بلفظ : ويندفع بعدم تيقن الحرام هنا.

(٣) قاله بعض الشافعية. انظر : ابن عبد السلام ـ قواعد الأحكام ٢ ـ ٥٥.

(٤) في (ك) : سبع ، وما أثبتناه هو الصواب لمطابقته لعدد الفوائد المذكورة هنا.

١٣٦

الأول : قد يستثنى من تغليب اليقين على الشك مسائل (١) :

منها : المتحيرة ، تغتسل عند أوقات الاحتمال ، والأصل عدم الانقطاع.

ونحن قد بينا في (الذكرى) (٢) ضعف هذا.

(ولو ارتمى الصيد ميتا حرم) (٣) ، مع أصالة عدم حدوث سبب آخر.

ويجب غسل جميع الثوب والبدن لو علم إصابة (النجاسة موضعا) (٤) وجهل تعيينها ، مع أصالة الطهارة في غير ذلك الموضع.

ولا يلتفت الشاك بعد الفراغ من العبادة ، مع أن الأصل عدم الفعل.

ومن فاتته صلاة واحدة يجب ثلاث ، مع أصالة بالبراءة.

الثانية : قد يعارض الأصل الظاهر ففي ترجيح أحدهما وجهان.

وصورة كثيرة أيضا :

كغسالة الحمام ، ورجح فيها الأصحاب الظاهر.

__________________

(١) انظر هذه المسائل في الأشباه والنّظائر للسيوطي : ٨٠ ـ ٨٢.

(٢) انظر : مباحث أحكام الحائض ، الفرع الحادي عشر ، الصورة الثالثة من صور فاقدة التمييز.

(٣) في (ك) : لو رمى الصيد حرم ، وفي نسخة أخرى في (ك): ولو وجد الصيد ميتا ، وفي ثالثة : لو رمى الصيد ميتا ، وفي (أ) و (م) : لو ارتمى الصيد حرم. والمراد من كل ذلك : أنه لو رمى صيدا فجرحه وغاب عنه ثمَّ وجده ميتا وشك هل أصابته رمية أخرى من حجر أو غيره ، حرم أكله ، لجواز استناد موته إلى ذلك السبب ، تغليبا لجانب التحريم على التحليل. وقد ذكر السيوطي هذه المسألة في ـ الأشباه والنّظائر : ٨٠. كما أن المصنف ذكرها في قاعدة ٢٦ ، فراجع.

(٤) في (ك) و (م) و (أ) : موضع.

١٣٧

وثياب مدمن الخمر وشبهه ، وطين الطريق ، ورجح فيهما الأصحاب الطهارة.

وربما فرق (بين طريق الدور) (١) والطريق في الصحاري.

ولو تنازع الراكب والمالك في الإجارة والعارية مدة [ لمثلها أجرة ] (٢) ففيه الوجهان. وترجيح قول المالك أولى ، لأن الظاهر يقتضي الاعتماد على قوله في الإذن ، فكذا في صفته (٣).

ولو تنازع القاذف والمقذوف في الحرية والرقية ، فالأقرب ترجيح الظاهر ، لأنه الأغلب في بني آدم. مع إمكان أن يجعل معتضدا بأصالة الحرية (٤).

ولو تنازع الزوجان بعد ردتهما (٥) في وقت الإسلام ، فالظاهر : ترجيحها (٦). ، فتجب النفقة. ويحتمل : ترجيح دعوى الزوج ، لأصالة البراءة من النفقة بعد الردة ، وأصالة عدم تقدم الإسلام ، والظاهر : بقاء ما كان على ما كان.

والاختلاف في شرط مفسد للعقد ، فيرجح فيه جانب الظاهر على أصالة عدم صحة العقد ، وعدم لزوم الثمن (٧). وكذا في فوات

__________________

(١) في (م) : بين طين طريق الدور وبين طين.

(٢) زيادة توضيحية.

(٣) ذكر هذه المسألة السيوطي في ـ الأشباه والنّظائر : ٧٥.

(٤) انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٧٢.

(٥) في (ح) و (أ) : ردتها.

(٦) أي ترجيح دعواها.

(٧) في (م) : التمكن ، وفي (ا) : اليمين ، والظاهر أن ما أثبتناه هو الصواب.

١٣٨

الشرط في الصحة.

وربما جعل حيض الحامل من هذا الباب (١) ، لأن الظاهر أنه دم علة ، والأصل السلامة والظاهر الغالب عدم حيض الحبلى ، فيكون لعلة (٢). وهو ضعيف.

ومنه : إذا تمعط (٣) شعر الفأرة في البئر ، فنزحت حتى غلب الظن على خروجه ، فإنه يحكم بطهارة الماء ، وإن كان الغالب أنه يبقى شي‌ء ، ترجيحا للأصل.

و [ منه ] : قطع لسان الصغير (٤).

وعد العامة منها : قضية (٥) ذي اليدين (٦) (٧) ، فإنه أعمل

__________________

(١) انظر : السيوطي ـ الأشباه والنّظائر : ٧٢.

(٢) ذهب ابن إدريس وجماعة إلى أن الدم الّذي تراه الحامل دم علة. انظر : السرائر : ٢٥.

(٣) تمعط : تساقط.

(٤) يقول الشيخ الطوسي في المبسوط : ٧ ـ ١٣٥ : (... وإذا كان طفلا لا نطق له يحال ـ كمن له شهر وشهران ـ فكان يحرك لسانه لبكاء أو لغيره ، فما تغير باللسان ففيه الدية ، لأن الظاهر أنه لسان ناطق ، فان أمارته لا تخفى).

(٥) في (م) و (أ) : قصة.

(٦) هو عمير بن عبد عمرو حليف بني. زهرة. استشهد في بدر. وسمي بذي اليدين لطول كان في يده. انظر : ابن دقيق العيد ـ شرح العمدة : ١٠١ (مخطوطة مصورة بمكتبة السيد الحكيم العامة بالنجف برقم ٤٠٨) ، والقمي ـ الكنى والألقاب : ٢ ـ ٢٣٨.

(٧) روى مسلم في صحيحة : ١ ـ ٤٠٣ ، باب ١٩ من كتاب المساجد

١٣٩

الأصل من استصحاب بقاء الصلاة تماما ، وسرعان (١) الصحابة الذين خرجوا أعملوا الظاهر من عدم السهو على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والزمان قابل للنسخ ، فجوزوا أن يكون تشريعا ، والساكتون تعارض عندهم الأصل والظاهر. وابن بابويه (*) (٢) قائل بهذه ، ولم يثبت عند باقي الأصحاب.

الثالثة : موضع الخلاف في تعارض الأصل والظاهر ليس عاما ، إذ الإجماع على تقديم الأصل على الظاهر : في صورة دعوى بيع أو شراء ، أو دين ، أو غصب ، وإن كان المدعي في غاية العدالة مع فقد العصمة ، وكان المدعى عليه معهودا بالتغلب والظلم.

كما أجمعوا على تقديم الظاهر على الأصل : في البينة الشاهدة بالحق ،

__________________

حديث : ٩٧ ، بسنده عن أبي هريرة ، يقول : صلى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إحدى صلاتي العشي ـ أما الظهر وإما العصر ـ فسلم في ركعتين. وخرج سرعان الناس [ يقولون ] قصرت الصلاة. فقام ذو اليدين فقال : يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت؟ فنظر يمينا وشمالا فقال : ما يقول ذو اليدين؟ قالوا : صدق ، لم تصل إلا ركعتين. فصلى ركعتين وسلم ..).

(١) سرعان الناس ـ بالتحريك ـ أوائلهم.

(*) هو أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي الشهير بالشيخ الصدوق من كبار علماء الإمامية وأجلائهم. كان بصيرا بالرجال ناقدا للأخبار. ورد بغداد سنة ٣٥٥ هـ وسمع منه شيوخ الإمامية وهو حدث السن. مات بالري سنة ٣٨١ هـ صنف نحوا من ثلاثمائة مصنف. (القمي ـ الكنى والألقاب : ١ ـ ٢١٦)

(٢) انظر : من لا يحضره الفقيه : ١ ـ ٢٣٤.

١٤٠