تعليقة على معالم الاصول - ج ١

السيّد علي الموسوي القزويني

تعليقة على معالم الاصول - ج ١

المؤلف:

السيّد علي الموسوي القزويني


المحقق: السيّد علي الموسوي القزويني
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
ISBN: 964-470-313-8
الصفحات: ٤٤٣

دين وملّت مى باشند بلكه اعداء دولت وسلطنت نيز مى باشند ، بلكه أهمّ مقصود ايشان همان دولت وسلطنت است ... دين وملّت ديگر براى پيش نهاد وتوصّل به همين مطلب مى نمايند ، ولكن چون اين ذرّه بى مقدار چندان مجالست ومعاشرت با عامّه أهالى دوران ندارد فلذا از اين طائفه ضالّه مضّله كسانى را بر وجه تعيين وتفصيل نديده ونشناخته است ، البته اگر من بعد شناسائى در حقّ كسى پيدا شود خواهد در مقام اظهار واعلام عريضه نگار شد ، زياده سوء ادب وجسارت خواهد ، ... أدام الله شوكتكم وإجلالكم العالى بجاه نبيّه المرسل وأهل بيته وعترته الطاهرة والسلام.

أولاده :

قد أنجب قدس‌سره ابنا وأربع بنات ، وأمّا ابنه فهو :

العالم الفقيه الاصولي السيّد محمّد باقر الموسوي القزويني رحمه‌الله المتوفّى ( ١٣٣٨ ه‍. ق ) الّذي كان من أجلاّء عصره ومشاهير دهره ، ولد في أرض الغري وتخرّج على الميرزا حبيب الله الرشتي والشيخ محمّد حسن بن عبد الله الممقاني ، وله إجازات من أعلام عصره كالفاضل الشربياني والسيّد المجدّد آية الله السيّد محمّد حسن الشيرازي وغيرهما من الأعلام ، وبرز منه تأليفات كثيرة وتوفّي يوم الأربعين سنة ١٣٣٨ ه‍ بكربلاء المشرّفة ودفن في جوار مولانا الحسين عليه‌السلام (١).

وأمّا بناته :

١ ـ زوجة العالم الورع الميرزا حسين بن المولى آغا القزويني ( الخوئيني ) كما نبّه عليه العلاّمة الطهراني في الكرام البررة (٢).

٢ ـ زوجة العالم الفقيه السيّد أبو القاسم الحسيني القزويني ، وهي امّ العالم الأورع والفقيه الزاهد السيّد محمّد الحسيني المدعو ب « جزمه اى » قدس‌سره.

__________________

(١) راجع مقدمة رسالة العدالة ص ١١ ـ نقباء البشر : ج ١ ص ٢١٤.

(٢) الكرام البررة : ج ٢ ص ٥٧٧.

٢١

٣ ـ زوجة السيّد زين العابدين التنكابني رحمه‌الله وهي امّ العالم الفقيه السيّد أبو الحسن التنكابني رحمه‌الله.

٤ ـ زوجة العالم الجليل السيّد خليل بن السيّد رفيع القزويني ، وهي امّ الحكيم الالهي والفيلسوف الربّاني ، فقيه الطائفة آية الله العظمى السيّد أبو الحسن الرفيعي القزويني ( المتوفّى ١٣٩٦ ه‍ ق ).

الثناء عليه :

تعرّض لوصفه ببالغ المديح والثناء كثير من العلماء العظام وأصحاب التراجم والفهرستات.

١ ـ وفي طليعتهم ما أطرى عليه السيّد المجدّد آية الله العظمى الميرزا محمّد حسن الشيرازي رحمه‌الله ( المتوفّى ١٣١٢ ه‍. ق ) عند إجازته لولده العالم السيّد محمّد باقر ـ المتقدّم ذكره ـ حيث عبّر عن والده قدس‌سره ب « مجتهد الزماني » مع ما هو معلوم من سيرته وطريقته من شدّة تجنبّه عن بذل العناوين والألقاب إلى غير أهلها ، وهذا يكشف جليّا عن جلالة قدر سيّدنا المترجم له وعلوّ شأنه (١).

٢ ـ قال في المآثر والآثار ( ص ١٤٢ ) :

« آقا سيد على قزويني : از أعاظم مجتهدين وأجلّه حفظه شريعت ودين بود ودر علم فقه مقام تحقيق او را از معاصرين أحدى انكار نداشت ولى در اين اصول مسلّم تر مى نمود ، غالب اوقات قوانين محقّق قمى را عنوان افادت قرار

__________________

(١) هذه صورة ما أجازه : بسم الله الرحمن الرحيم : بر قاطبه مؤمنين أيّدهم الله تعالى مخفى نماند كه جناب مستطاب سلالة السادات العظام عمدة العلماء الأعلام كرّوبى نصاب ، قدسى خطاب آقا سيّد باقر ابن مرحوم « مجتهد الزماني » آقا سيّد علي أعلى الله مقامه ، آراسته بزينت تقوى ومتحلّى به حليه پرهيزكارى از جمله موثّقين بوده ومى باشند لهذا آنجناب مأذون ميباشد در تصرف كردن در جميع امور حسبيه كمال احتياط را مراعات خواهند فرمود ...

الأحقر محمّد حسن الشيرازي ـ محل خاتمه الشريف

٢٢

مى داد وبه آن كتاب كريم اعتقادى عظيم داشت وهم بر قوانين حاشيه نگاشته كه به طبع رسيده ونيز بر معالم الاصول تعليقه مبسوطى پرداخته است ، به زهد وتقوى وقدس او كمتر كسى ديده شده وآن علامه عهد وزاهد عصر همشيره زاده حاج سيد رضى الدين مجتهد قزوينى است رضوان الله عليهما ».

٣ ـ وفي ريحانة الأدب ( ج ٤ ص ٤٥٤ ) لميرزا محمّد على المدرّس الخياباني ـ :

« قزويني سيد على بن اسماعيل موسوى عالمى است فاضل ، عابد ، زاهد ، فقيه ، اصولى ، محدّث ، رجالى ، مفسّر ، معقولى ، منقولى ، از فحول علماى أواخر قرن سيزدهم هجرت كه اغلب اوقات قوانين الاصول ميرزاى قمى را تدريس مى كرده وازتأليفات اوست:

١ ـ حاشيه قوانين مذكور كه بسيار مرغوب وبين العلماء محلّ توجه ومطلوب واز تبحّر ورشاقت بيان مؤلف خود حاكى است ودر تهران چاپ شده.

٢ ـ حاشيه معالم الاصول.

٣ ـ قاعده لا ضرر ، ودر سال هزار ودويست ونود وهشت هجرت وفات يافته ».

٣ ـ قال في نقباء البشر ( ج ٤ ص ١٣٠٨ ) :

« السيّد عليّ القزويني : من الفضلاء الأجلّة والعلماء الكاملين ، ومن أرحام السيّد إبراهيم القزويني صاحب « الضوابط » وقد أجازه العلاّمة الميرزا محمّد التنكابني صاحب « قصص العلماء » المتوفّى في سنة ١٣٠٢ كما ذكره فيه ».

وكذا ذكره في الذريعة ج ٦ ص ١٧٧ ، ج ١٠ ص ٢٥٦ ، وهكذا تصدّى لترجمته غيرهم من أصحاب التراجم كما جاء في نجوم السماء ( ج ١ ص ٣٣١ ) وأحسن الوديعة ، « مينو در » يا باب الجنّة ج ٢.

وفاته :

قد جرى عليه قضاء الله ولبّى نداء ربّه في يوم الثلاثاء أربع مضين من شهر

٢٣

محرم الحرام سنة مائتين وثمان وتسعين بعد الألف من الهجرة النبويّة ( ١٢٩٨ ه‍. ق ) بعد ساعتين من النهار في بلدة قزوين ، وحمل جثمانه الشريف إلى حائر الحسين عليه‌السلام ودفن في بقعة فيها مرقد السيّد إبراهيم القزويني صاحب ضوابط الاصول وخاليه السيّد تقي والحاج السيّد رضي الدين القزويني قدس‌سرهم.

وجاء في تاريخ وفاته :

بر پيغمبريه (١) آسمان گفت

چنين : يا ليتني كنت ترابا

پى تاريخ ديدم بر مزارى

بود سيد على رضوان مآبا

فسلام عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيّا ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين. والسلام

مصادر الترجمة

١ ـ طبقات أعلام الشيعة ( نقباء البشر ـ الكرام البررة ) ـ للعلاّمة الشيخ آغا بزرگ الطهراني ـ

٢ ـ قصص العلماء ـ لميرزا محمّد التنكابني ـ

٣ ـ نجوم السماء ـ ميرزا محمّد مهدي الكشميري ـ

٤ ـ أحسن الوديعة ـ السيد مهدي بن السيّد محمّد الموسوي الخوانساري ـ

٥ ـ تاريخ روابط ايران وعراق ـ مرتضى مدرسى چهاردهى ـ

٥ ـ سيماى تاريخ وفرهنگ قزوين ـ دكتر پرويز ورجاوند ـ

٧ ـ مقدمة على رسالة في العدالة ـ للسيّد جواد العلوي ـ

٨ ـ اختلافيه كيوان ـ عباسعلى كيوان ـ

٩ ـ كيوان نامه ـ عباسعلى كيوان ـ

١٠ ـ المآثر والآثار ـ اعتماد السلطنة ـ

١١ ـ ريحانة الأدب ـ ميرزا محمّد على مدرّس الخياباني ـ

__________________

(١) پيغمبريه : مقبرة معروفة بقزوين ، يقال : دفن فيها أربعة أنبياء من بنى اسرائيل.

٢٤

١٢ ـ حاشية القوانين ـ للسيّد علي القزويني ـ

١٣ ـ فهرست مشاهير علماء زنجان ـ الشيخ موسى الزنجاني ـ

١٤ ـ سياحت شرق ـ آقا نجفى قوچانى ـ

١٥ ـ أعيان الشيعة ـ السيّد محسن الأمين ـ

١٦ ـ مستدركات أعيان الشيعة ـ السيّد حسن الأمين ـ

١٧ ـ مينو در يا باب الجنّة ـ محمّد علي گلريز ـ

١٨ ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة ـ للعلاّمة الطهراني ـ

١٩ ـ التعليقة على معالم الاصول ـ للسيّد علي القزويني ـ

٢٠ ـ ينابيع الأحكام في معرفة الحلال والحرام ـ للسيّد علي القزويني ـ

٢١ ـ مكارم الآثار ـ ميرزا محمّد علي معلّم حبيب آبادي ـ

منهجيّة التحقيق :

لا يخفى على المتتبّع ما يواجهه المحقّق من مصاعب شتّى في مسيرة عمله التحقيقي ، وبالخصوص فيما لو عزّت عليه النسخ لأجل تثبيت المواضع المضطربة أو تشخيص المقاطع المبهمة ، ممّا يضعه في دوّامة لا محيص عنها. وهذا ما دعانا إلى اتّباع الدقّة والانتباه بقدر الممكن لابتغاء المطلوب الذي جهدنا على تحقيقه.

ولذا فقد بادرنا إلى تشكيل برنامج عمل يتّخذ ما يلي أساسا له :

١ ـ اعتمدنا في مراحل عملنا على النسخة المدوّنة بخطّ المؤلّف رحمه‌الله وحدها ، بيد أنّه ظهر لنا بعد التتبّع أنّ له رحمه‌الله تحريرين من التعليقة دوّنتهما يراعتاه الشريفتان ، ولمّا كان الثاني منهما أتقن متنا وأسبك عبارة وأشدّ إيجازا من الأوّل فقد عوّلنا عليها بشكل رئيسي ، غير أنّها ـ وللأسف ـ غير تامّة ، وعليه فقد اقتصرنا على الأولى في هذه الحالة.

٢ ـ قمنا بتقويم النصّ ، وقد آلينا الدقّة المطلوبة فيها ، وتلخّص في : تقطيع النصّ إلى عدّة فقرات حسب ما تقتضيه المطالب ، ووضع العلامات الإملائية بين

٢٥

العبائر لغرض تسهيل القراءة ، والإعانة على فهم المطالب المذكورة ، وتوضيح المبهمات ، وشرح الكلمات الغريبة وإدراجها في ذيل صفحات الكتاب ، مستعينين بما جاء في أوراق التحرير الأوّل ، وما في حاشيته رحمه‌الله على « القوانين » ومنوّهين في الأثناء إلى ذلك في الهامش.

٣ ـ بذلنا ما في الوسع لتخريج الآيات الكريمة والروايات الشريفة. وأمّا الأقوال المنقولة فبادرنا إلى تخريجها بادئ الأمر ، ثمّ إرتأينا تركه حرصا منّا على التسرّع في إصدار هذا السفر القيّم بتمام أجزائه ولئلاّ يزداد في حجم مجلّداته.

٤ ـ أضفنا إلى المتن بعض الكلمات التي نراها مناسبة لمقتضى السياق ، حرصا منّا على توضيح المراد ، وإعانة للقارئ الكريم على الوصول إلى بغيته المرجوّة. هذا وقد حرصنا على أن نجعل الإضافة الواردة بين معقوفتين حفظا منّا على الأصل الّذي هو أمانة في أعناقنا.

حفيد المؤلّف

السيّد عليّ العلوي القزويني ـ نزيل قم المشرّفة

٢٦

٢٧

٢٨

تعليقة

على

معالم الاصول

٢٩

باسمه تعالى

تيسيرا لمراجعة القرّاء الكرام أوردنا من متن معالم الدين ما يخصّ كلّ مبحث قبل الشروع فيه.

مؤسّسة النشر الإسلامي

معالم الدين :

فصل

الفقه فى اللّغة : الفهم وفي الاصطلاح هو : العلم بالأحكام الشرعيّة الفرعيّة عن أدلّتها التفصيليّة. فخرج بالتقييد بالأحكام العلم بالذوات كزيد مثلا ، وبالصفات ككرمه وشجاعته ، وبالأفعال ككتابته وخياطته. وخرج بالشرعيّة غيرها كالعقليّة المحضة واللّغويّة. وخرج بالفرعيّة الاصوليّة. وبقولنا : « عن أدلّتها » علم الله سبحانه ، وعلم الملائكة والأنبياء ، وخرج بالتفصيليّة علم المقلّد في المسائل الفقهيّة ؛ فانّه مأخوذ من دليل إجماليّ مطّرد في جميع المسائل ؛ وذلك لأنّه إذا علم أنّ هذا الحكم المعيّن قد أفتى به المفتي ، وعلم أنّ كلّما أفتى به المفتي ، فهو حكم الله تعالى في حقّه ، يعلم بالضرورة أنّ ذلك الحكم المعيّن هو حكم الله سبحانه في حقّه. وهكذا يفعل في كلّ حكم يرد عليه.

وقد أورد على هذا الحدّ : أنّه إن كان المراد بالأحكام البعض لم يطّرد ؛ لدخول المقلّد إذا عرف بعض الأحكام كذلك ؛ لأنّا لا نريد به العاميّ ، بل من لم يبلغ رتبة الإجتهاد. وقد يكون عالما متمكّنا من تحصيل ذلك ، لعلوّ رتبته في العلم ، مع أنّه ليس بفقيه في الاصطلاح. وإن كان المراد بها الكلّ لم ينعكس ؛ لخروج أكثر الفقهاء عنه ، إن لم يكن كلّهم ؛ لأنّهم لا يعلمون جميع الأحكام ، بل بعضها أو أكثرها.

٣٠

ثمّ إنّ الفقه أكثره من باب الظنّ ؛ لابتنائه غالبا على ما هو ظنّيّ الدلالة او السند. فكيف اطلق عليه العلم.

والجواب : أمّا عن سؤال الأحكام ، فبأنّا نختار أوّلا : أنّ المراد البعض. قولكم : « لا يطّرد لدخول المقلّد فيه » ، قلنا : ممنوع ؛ أمّا على القول بعدم تجزّي الاجتهاد ، فظاهر ؛ اذ لا يتصوّر على هذا التقدير ، انفكاك العلم ببعض الأحكام كذلك عن الاجتهاد ؛ فلا يحصل للمقلّد ، وإن بلغ من العلم ما بلغ. وأمّا على القول بالتجزّي ، فالعلم المذكور داخل في الفقه ، ولا ضير فيه ؛ لصدقه عليه حقيقة وكون العالم بذلك فقيها بالنسبة إلى ذلك المعلوم اصطلاحا وإن صدق عليه عنوان التقليد بالاضافة إلى ما عداه.

ثمّ نختار ثانيا : أنّ المراد بها الكلّ ـ كما هو الظاهر ؛ لكونها جمعا محلّى باللاّم ، ولا ريب أنّه حقيقة في العموم ـ قولكم : « لا ينعكس لخروج أكثر الفقهاء عنه » ، قلنا : ممنوع ، إذ المراد بالعلم بالجميع التهيّؤ له ، وهو أن يكون عنده ما يكفيه في استعلامه من المآخذ والشرائط ، بأن يرجع إليه ، فيحكم. وإطلاق « العلم » على مثل هذا التهيّؤ شايع في العرف ؛ فانّه يقال في العرف : « فلان يعلم النّحو » مثلا ، ولا يراد أنّ مسائله حاضرة عنده على التفصيل. وحينئذ فعدم العلم بالحكم في الحال الحاضر لا ينافيه.

وامّا عن سؤال الظنّ ، فبحمل « العلم » على معناه الأعمّ ، أعني ترجيح أحد الطرفين ، وإن لم يمنع من النقيض ، وحينئذ فيتناول الظنّ. وهذا المعنى شايع في الاستعمال ، سيّما في الأحكام الشرعيّة.

وما يقال في الجواب أيضا ـ من أن الظنّ في طريق الحكم ، لا فيه نفسه ، وظنيّة الطريق لا تنافى علميّة الحكم ـ فضعفه ظاهر عندنا. وأمّا عند المصوّبة القائلين بأنّ كلّ مجتهد مصيب ـ كما سيأتي الكلام فيه ، إن شاء الله تعالى ، في بحث الاجتهاد ـ فله وجه. وكأنّه لهم. وتبعهم فيه من لا يوافقهم على هذا الأصل ، غفلة عن حقيقة الحال.

٣١

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله الّذي جعل فروع أحكامه منتظمة ، واصول تلك الفروع منضبطة ، وقوانين هذه الاصول محكمة ، وضوابط هذه القوانين متقنة ، والصلاة والسلام على نبيّه نبيّ الصدق الّذي كفى في طريق تصديقه واية صدقه في نبوّته وما أتى به من شرائع دينه عند العقول الصحيحة الكاملة إنّه ما أمر بشيء فقال العقل : « يا ليته نهى » ولا نهى عن شيء فقال العقل : « يا ليته أباحه » وعلى اله وخلفائه وأصحابه الذين لم ينقضوا عهده في خلفائه ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأوّلين والاخرين إلى يوم الدّين.

وبعد فيقول ـ العبد الجاني عليّ بن إسماعيل الموسوي القزويني مولدا وموطنا ـ : إنّي لما وجدت اصول الفقه من أجلّ مباني العلم بالأحكام ، وأعظم مبادئ الاجتهاد المؤدّي إلى معرفة الحلال والحرام ، حاولت الخوض في مباحثه ، وحسن النظر في مبادئه ومبانيه ، رجاء للوصول إلى كنوز معارفه وبحور معالمه ، فبالغت مستكملا للجدّ التامّ والاجتهاد التمام في تسويد أوراق تحتوي المهمّات من مسائله ، وتضبط من دقائق الأفكار ما لا يكاد يلتقط في المدوّنات من دفاتره ، والهمت أن أجعلها تعليقة على معالم الاصول لنتبرّك ببركات محاسنه ـ تأليفا وترتيبا ـ ولأجل ذا أحببت أن اسمّيها بهذه اللفظة ، رعاية لمطابقة الاسم مسمّاه ، غير إنّي أضفت إلى ما احتواه من المسائل ما كان المصنّف قد تركه ، وكثيرا من مبادئه التي كان قد أهملها ، فأرجو من الله من منّه وفضله التوفيق على إتمامها ، والتأييد للنفع والانتفاع لنفسي ، وكلّ من حاول النفع والانتفاع بها.

٣٢

[١] قوله : ( الفقه ... الخ )

وإنّما أهمل اصول الفقه ، وترك التعرّض لشرحه لغة وعرفا ، إضافة وعلما ، لكون غرضه الأصلي من وضع الكتاب التعرّض لمسائل الفقه ، وإنّما أورد جملة من مسائل اصول الفقه من باب المبادئ ، كما هو ديدن جماعة من أوائل الأصحاب ، حيث أوردوا في مفتتح كتبهم الفقهيّة كثيرا من مباحث هذا العلم ، وحيث إنّ غرضنا الأصلي هنا البحث عن هذا العلم واستكمال النظر في مسائله ، فالمناسب أن نتعرّض لبيان ما أهمله المصنّف قدس‌سره فنقول:

إنّ اصول الفقه علم لهذا العلم كما صرّح به جماعة من الاصوليّين ، وكذلك غيره من ألفاظ سائر العلوم ، كالفقه والكلام والمنطق والنحو والصرف وغيرها ، فإنّ كلاّ علم لمسمّاه الخاصّ ، ولكن ينبغي أن يعلم أنّه ليس المراد بالعلميّة هنا كونها من قبيل علم الشخص كزيد وعمرو ونحوهما ، بدليل : إنّ كلاّ منها في معناه العلمي ممّا يعرّف ويعرّف به ، وعلم الشخص ما كان مسمّاه جزئيّا حقيقيّا ، ومن حكمه ألايعرّف ولا يعرّف به ، ولا كونها من قبيل علم الجنس كاسامة ونحوه ، بدليل عدم جريان أحكام المعارف عليها لذواتها من دون اعتبار تعريف فيها بواسطة الإضافة أو اللام.

وعلم الجنس ما يجري فيه أحكام المعارف ، سواء قلنا بكونه معرفة أيضا ، كما هو قضيّة القول بالفرق بينه وبين اسم الجنس بأنّه ما وضع للماهيّة بشرط حضورها في الذهن ، واسم الجنس ما وضع لها لا بشرط.

وعليه مبنى القول بالفرق بينه وبين المعرّف باللام ، بأنّه يدلّ على التعريف بجوهره ، والمعرّف باللام يدلّ عليه بواسطة اللام.

أو قلنا : بأنّه لا فرق بينهما إلاّ في أحكام اللفظ ، من امتناع الإضافة ، ودخول اللام ، والوصف بالمعرفة ، والوقوع ذا الحال ، وغير ذلك من أحكام المعارف.

ولا ريب أنّ كلاّ من ألفاظ العلوم ممّا يصحّ إضافته وتعريفه باللام ، ولا يصحّ وصفه بالمعرفة بدون اعتبار تعريف فيه بأحد الوجهين ، كما يظهر أثر صدق هذا

٣٣

الكلام فيما عدا اصول الفقه ـ كالفقه والنحو وغيرهما ـ لسبق تعريفه بالإضافة على العلميّة ، فتعيّن أن يكون المراد بها معناه اللغوي وهو « العلامة » كما يقال : الرفع علم الفاعليّة والنصب علم المفعوليّة.

وهذا وإن كان معنى عامّا جامعا لأعلام الأشخاص ، وأعلام الأجناس ، وأسماء الأجناس وغيرها من الألفاظ الموضوعة ، لكون كلّ لفظ موضوع باعتبار دلالته على معناه الموضوع له علامة له ، غير أنّ المراد به هنا ما ينطبق على أسماء الأجناس ، لانتفاء الأوّلين حسبما عرفت ، فيكون اصول الفقه كغيره من قبيل اسم الجنس الموضوع للماهيّة الكلّيّة من حيث هي ، الّتي هي ، إمّا القدر المشترك بين جميع المسائل والقدر المعتدّ به منها الكافي في حصول الغرض المقصود من تدوينها ، أو جنس التصديق بالمسائل ، أو جنس ملكة التصديق بها ، على الخلاف الاتي.

ويمكن القول بخروج اصول الفقه عن سياق النظائر لتضمّن معناه التعريف ، ولذا يعرّف : « بأنّه العلم بالقواعد ... الخ » ولا جهة له إلاّ العلميّة ، فيكون من قبيل علم الجنس ، بخلاف الفقه مثلا المتضمّن معناه التعريف بشهادة أنّه يعرّف : « بالعلم بالأحكام ... الخ » وجهته التعريف باللام ، فيكون من قبيل اسم الجنس المعرّف.

وفي تعريف المنطق يقال : « إنّه الة قانونيّة ... الخ » وفي تعريف النحو يقال : « إنّه علم ... الخ » فالقول بالتفصيل حينئذ غير بعيد.

ثمّ في كون الألفاظ المشار إليها أسامي لنفس المسائل ، أو التصديق بها ، أو ملكة التصديق بها ، وجوه بل أقوال خيرها أوسطها ، لأنّ الامور الاصطلاحيّة يرجع لمعرفتها إلى تنصيص أربابها ، ولا نظنّ نصّا منهم أقوى ممّا اتّفقت عليه تعاريف هذه الأسامي ، إلاّ ما شذّ منها من أخذ العلم فيها جنسا ، واعتبار تعلّقه بالمسائل أو ما يرادفها كالأحكام والقواعد والقوانين والأحوال ونحوها ، فإنّه لو لا كونها عندهم أسامي للتصديق بالمسائل ، لأفضى أخذ العلم فيها جنسا إلى البينونة فيما بين الحدّ والمحدود.

٣٤

وأمّا القول بكونها لنفس المسائل ، فأوّل ما يرد عليه ويبطله : أنّه لو صحّ ذلك لا متنع الجمع في الحدود بين أخذ العلم جنسا واعتبار تعلّقه بالمسائل ومرادفاته ، ضرورة امتناع اتّحاد المتعلّق مع المتعلّق ، فوجب ألايراد المسائل من الجنس ، فلا يكون المحدود أيضا مرادا به المسائل ، لوجوب انطباق الحدّ على المحدود.

وثاني ما يرد عليه : صدق الفقيه والحكيم والمتكلّم وغيرها من الألفاظ المشتقّة من تلك الأسامي باعتبار معناها الوصفي المأخوذ فيه المبدأ صدقا حقيقيا ، ومن الممتنع كون ذلك المبدأ هو المسائل ، لأنّ القائم بالذات المأخوذة في مفاهيم هذه المشتقّات ليس هو المسائل ، ولا أنّ الذات متّصفة أو متلبّسة بها ، بل هو إمّا التصديق أو ملكته ، فوجب أن يكون مسمّى الألفاظ أيضا أحد هذين ، لوجوب التطابق بين المشتقّ والمشتقّ منه في المعنى الحدثي.

مع أنّه لم نقف لهذا القول على ما يعتمد عليه إلاّ على وجوه ضعيفة ، ربّما أمكن الاحتجاج بها :

منها : دعوى تبادر المسائل من تلك الألفاظ.

ومنها : قولهم : « النحو ما دوّنه فلان » و « المنطق ما دوّنه فلان » وهكذا ، بتقريب : إنّ المدوّن ليس إلاّ المسائل.

ومنها : قولهم : « هذا فقه أو نحو أو منطق » إشارة إلى الكتاب الحاضر ، بتقريب :

أنّ الإشارة إنّما تقع على المكتوب الّذي ليس إلاّ المسائل ، فهي مسمّى الاسم الواقع محمولا ، لامتناع حمل المبائن.

ومنها : قولهم : « هذه المسألة من النحو أو بعض منه » وما أشبه ذلك ، بتقريب : أنّ كون شيء بعضا من شيء مسمّى باسم ، يستدعى كون الاسم اسما للمجموع من الشيء الأوّل وغيره ، وهو ليس إلاّ المسألة بحكم الإشارة فكذلك غيره.

وفي الأوّل : منع واضح ، لو اريد به ما يستند إلى حاقّ اللفظ ليكون وضعيّا.

نعم شيوع إطلاقها على نفس المسائل ممّا لا مجال إلى إنكاره ، فإن اريد به ما يستند إليه أو ما هو موجود في الأمثلة المذكورة ، وفي مثل قولهم : « فلان يعلم

٣٥

النحو » وما أشبه ذلك فهو غير مجد ، لاستناده إلى أمر اخر غير الوضع ، والبواقي ترجع إلى إثبات استعمال لا يصلح دليلا على الحقيقة ، مع أنّه في جميع الموارد المذكورة حتّى في مثل « فلان يعلم النحو » استعمال مع القرينة كما يظهر بأدنى تأمّل ، مع أنّه في بعضها ليس استعمالا في المسائل فقط ، بل في المجموع منها ومن المبادئ والموضوعات كما في العبارة الاولى بدليل التدوين ، وفي بعضها استعمال في أمر مبائن كما في العبارة الثانية ، لوضوح أنّ المكتوب المشار إليه هو النقوش الحاكية عن المسائل لا أنّها نفس المسائل ، ولئن سلّمنا أصل الاستعمال بل شيوعه أيضا ـ كما أشرنا إليه ـ فهو لا يقاوم التنصيص المستفاد من الحدود ، والجمع بينهما بالتزام الاشتراك بين المسائل والتصديق بها بعيد ، مع أنّ المجاز خير منه.

وبجميع ما ذكر ظهر ضعف القول بكونها للملكات ، وممّا يزيّفه أيضا : إنّ من القواعد اتّصاف الاسم باعتبار المسمّى بما يتّصف به المسمّى من الصفات اللاحقة به ، كزيد المتّصف بما يتّصف به مسمّاه من الطول والقصر والعالميّة والشاعريّة ونحوها ، والمقام على تقدير الوضع للملكة ليس بتلك المثابة ، لاتّصاف الملكة بصفات كالشدّة والضعف والقوّة والوهن مع عدم اتّصاف الاسم من جهتها بها ، لغرابة أن يقال : « الفقه القوي ، أو الشديد ، أو الضعيف ».

وقضيّة ذلك عدم كونه اسما للموصوف بهذه الصفات ، مع أنّه ليس له وجه يعتمد عليه إلاّ توهّم تبادر الملكة منها عند الإطلاق ، كما في « فلان فقيه ، أو حكيم ، أو متكلّم ، أو نحوي ، أو اصولي » حيث لا يتبادر منها إلاّ كونه ذا ملكة.

ويؤيّده ، بل يدلّ عليه : أنّ الفنون المدوّنة ليست إلاّ كسائر الحرف والصنائع ، وإن امتازت عنها بما فيها من الشرافة وعلوّ المرتبة ، بل هي صنائع علميّة وغيرها صنائع عمليّة.

ومن المقرّر المعلوم بالاستقراء المصرّح به في كلام غير واحد ، كون ألفاظ سائر الحرف والصنائع مع الألفاظ المشتقّة منها بأسرها أسامي لملكاتها ، من دون اعتبار التلبّس والاشتغال بالمبدأ الحالي في مسمّياتها ، وكذلك ألفاظ الصنائع

٣٦

العلميّة وسائر تصاريفها ، فلا يدخل في مسمّياتها التلبّس الفعلي بالمبدأ الحالي وهو « الإذعان للنسبة » والقول : بأنّ صدق الفقيه على صاحب الملكة الّذي لا يعلم شيئا من الأحكام بعيد ، مجرّد استبعاد لا يصلح للاستناد إليه ، مع أنّ المراد بصاحب الملكة هنا من له قوّة راسخة يقتدر بها على الإذعانات الفعليّة للمسائل بمراجعة المدارك واستعمال مبادئها حين المراجعة.

ومن الظاهر أنّ هذه القوّة لا تحصل إلاّ بالممارسة التامّة في الفنّ ، المستتبعة لاستحضار مسائله واستحصال مبادئه ، مع التمكّن من إعمالها حين الرجوع إلى المدارك ، بحيث لم يكن بينه وبين الإذعان الفعلي للمسائل حالة منتظرة إلاّ الرجوع إلى المدارك والنظر فيها ، فهو في القوّة إذا كان بتلك المثابة ، يصدق عليه « الفقيه » وغيره على وجه الحقيقة بلا إشكال فيه ولا شبهة تعتريه.

وتبادر الملكة من أصل ألفاظ العلوم المتنازع فيها ممنوع ، ومن الألفاظ المشتقّة منها مسلّم ، ولكنّه لا يجدي في ثبوت كون الألفاظ المتنازع فيها أسامي للملكات ، غاية ما هنالك حصول الفرق بين المشتقّات ومبادئها ، ولعلّه وضع اخر في المشتقّات وارد على خلاف مقتضى وضع المبادئ ، نظير الكاتب والقارئ والمعلّم والخيّاط وغيرها من المشتقّات العرفيّة بالقياس إلى مبادئها الظاهرة في الحال ، مع كون المشتقّات لذوي الملكات باعتبار الوضع الجديد العرفي ، على ما عليه غير واحد من المحقّقين.

ويمكن الفرق في المبادئ أيضا بين الفقه وغيره بجعل الأوّل للملكة ، كما يرشد إليه بناؤهم في دفع الإشكال المعروف الوارد على تعريفه من جهة انتقاض عكسه بخروج أكثر الفقهاء على حمل العلم المأخوذ في جنسه على الملكة ، فإنّه لو لا المعرّف اسما للملكة فسد التعريف على هذا الحمل من جهة اخرى ، وهو لزوم البينونة بين المعرّف والمعرّف ، بل هذا أوضح فسادا من انتقاض العكس.

لا يقال : لو صحّ كون هذا اللفظ اسما للملكة ، لكان في التصديق بالمسائل مجازا ، وهو باطل.

٣٧

ويلزم ذلك على القول بذلك في مطلق ألفاظ العلوم أيضا ، إذ لو اريد بالتصديق بالمسائل ما لا ملكة معه أصلا ، فهو ممّا لا يمكن تحقّقه عادة فيما هو محلّ البحث من استناد العلم بالأحكام إلى الاجتهاد واستفراغ الوسع في الأدلّة المعهودة ، وعلى فرض إمكان تحقّقه فبطلان اللازم ممنوع بالنظر إلى الاصطلاح ، وإن كان مسلّما بالنظر إلى العرف واللغة.

ولو اريد به ما نشأ عن الملكة ـ كما في فقهائنا اليوم ـ فالملازمة ممنوعة ، لا لأنّ المسمّى خصوص التصديق لا بشرط وجود الملكة ، بل لأنّ المسمّى هو الملكة الموجودة مع التصديق ، المأخوذة في الوضع لا بشرط ذلك التصديق ، نظرا إلى أنّ حصول التصديق الفعلي مسبّبا عن الملكة لا يوجب زوال الملكة ، كما هو واضح.

ثمّ إنّ قضيّة الاعتراف بالأقوال الثلاث المذكورة ، التزام كون أسامي العلوم بأسرها من المنقولات ، لوضوح عدم كون شيء من المسائل والتصديق بها وملكة التصديق بها عين مسمّى هذه الألفاظ لغة ، مع ما في كلامهم ممّا هو بمنزلة التصريح بذلك ، حيث يتعرّضون لشرحها لغة واصطلاحا فيذكرون لها بحسب كلّ معنى.

ومن ذلك تصريحهم في خصوص اصول الفقه ، بأنّ فيه جهتين باعتبار الإضافة والعلميّة ، فإنّ اعتبار جهة الإضافة اعتراف بالمعنى الإضافي اللغوي ، كما أنّ اعتبار جهة العلميّة اعتراف بثبوت ما يغاير الأوّل ، ويعبّر عنه بالمعنى العلمي فلا بدّ وأن يكون اصطلاحيّا ليغاير الأوّل بقرينة المقابلة.

وأمّا ما يوهمه بعض عبارات بعضهم من أنّ الإضافة بنفسها تعريف لهذا العلم ، من منافاته لما ذكر بل إنكار للنقل ، نظرا إلى أنّه اعتبار للمعنى الإضافي ، وهو لا يلائم القول بثبوت المعنى العلمي المغاير له ، فإنّ القائل بالنقل لا يعتبر المعنى المنقول منه.

فيدفعه : منع منافاة ذلك للاعتراف بالنقل هنا ، لأنّ مرجع هذا الكلام عند التحقيق إلى منع انحصار تعريف المسمّى الاصطلاحي بالرسم في التعريف

٣٨

المشهور ، المعبّر عنه « بالعلم بالقواعد الممهّدة ... الخ » مثلا ، لإمكان رسمه أيضا باعتبار الإضافة المعنونة بأنّه « اصول الفقه » على معنى ما يبتنى عليه الفقه ، بناء على أنّ الماهيّة المقرّرة في نفس الأمر إذا احتوت فيها عناوين متكثّرة وجهات متعدّدة يجوز تعريفها بكلّ واحد منها ، حيث إنّ المقصود تأتي معرفتها بوجه مّا ، وهي تتأتّى بأيّ عنوان يكون ، وإن كان المأخوذ في بعضها ما هو من قبيل الغاية ، وفي الاخر ما هو من قبيل العرض.

وعلى أيّ حال كان ، فقد جرت عادة الاصوليّين في لفظ « اصول الفقه » بالبحث عن كلتا الجهتين ، استعلاما للمناسبة المعتبرة في النقل كما هو الأظهر ، أو تنبيها على صحّة إرادة كلا المعنيين في مقام التعريف ، أو على عدم تحقّق الهجر في المعنى المنقول منه على ما احتمله بعض الأجلّة ، غير أنّه اختلفت مشاربهم في التعرّض للجهتين من حيث التقديم والتأخير ، فإنّ منهم من قدّم المعنى الإضافي ـ وهم الأكثرون ـ نظرا منهم إلى تقدّمه بالطبع ، المقتضي لأولويّة تقدّمه في الوضع أيضا.

ومنهم من قدّم المعنى العلمي كبعض الأعلام (١) نظرا إلى أنّه المقصود أصالة ، فهو أولى بالتقديم من المقصود بالتبع ، ولكلّ وجه وإن كان الأوّل أولى ، لما يرتبط بالمعنى العلمي ما لا يتأتّى معرفته إلاّ بمعرفة المعنى الإضافي ، فالنظر في المعنى الإضافي يستدعي البحث في مقامين :

المقام الأوّل :

فيما يتعلّق بالجزء الأوّل من هذا المركّب وهو ال « اصول » فإنّه جمع مفرده الأصل وهو في العرف الكاشف عن اللغة يأتي لمعان :

أحدها : مبدأ الشيء وأوّله ، يقال : الملح أصله ماء ، أو في الأصل كان ماء ، والخمر أصله ماء عنب أو في الأصل كذلك ، وفلان أصله عربي أو بغدادي ،

__________________

(١) قوانين الاصول : ٥.

٣٩

أو في الأصل كان كذا » وأنت إذا تأمّلت في موارد إطلاق هذا اللفظ لوجدته أغلب استعمالا في هذا المعنى.

ومنه ما في كلام أهل الصرف عند اعلال الكلمات ، من أنّ اللفظ الفلاني أصله كذا أو في الأصل كذا فصار كذا ، ولعلّه عليه مبنى ما في عرف الاصوليّين من إطلاقه على الاستصحاب ، لما اعتبر عندهم فيه من وجود الحالة السابقة ، الّتي هي الحالة الأوّلية في الشيء.

والعجب أنّهم اقتصروا في هذا المقام على ذكر المعنى الاتي ، وتركوا هذا المعنى إلاّ قليل منهم ، مع كونه أشيع والاستعمال فيه أغلب.

وثانيها : ما ذكره الأكثر من الخاصّة والعامّة ، من أنّه ما يبتنى عليه غيره ، كما حكى التصريح به عن أبي الحسين البصري (١) ومنه أصل الجدار وأصل الشجر ، وكون مشيئة الله أصلا في الأشياء.

ومن هنا يعلم أنّ الابتناء المأخوذ في هذا المعنى ، أعمّ من كونه على نحو العلّية التامّة ، أو السببيّة باصطلاح الاصولي للحدوث أو البقاء.

نعم لا يطلق الأصل بهذا المعنى على ما هو من قبيل الشروط والمعدّات وغيرها من العلل الناقصة.

وقد أفرط في هذا المقام الامدي (٢) في محصوله ـ على ما حكي عنه ـ وكذلك في منتخبه.

وعن صاحب التحصيل (٣) أيضا من تفسيره بالمحتاج إليه ، فإنّه بحسب المفهوم يشمل ما لو كان من قبيل الشروط وغيرها ، إلاّ أن يراد به ما يرجع إلى

__________________

(١) شرح الإشنوي : ٢٦.

(٢) هو : عليّ بن أبي عليّ بن محمّد بن سالم الثعالبي ، سيف الدين الامدي ، الفقيه الاصولي المتكلّم ، صاحب كتاب « الإحكام في اصول الأحكام » توفّي سنة ٦٣١ ه‍ ، انظر ( شذرات الذهب ٥ / ١٤٤ ـ وفيات الأعيان ٢ / ٤٥٥ ).

(٣) انظر : التحصيل ـ لسراج الدين الارموي ١ : ١٦٧.

٤٠