عقيلة قريش آمنة بنت الحسين عليهما السلام

السيد محمد علي الحلو

عقيلة قريش آمنة بنت الحسين عليهما السلام

المؤلف:

السيد محمد علي الحلو


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة السبطين عليهما السلام العالمية
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
الصفحات: ١٥٤

فكيف تسمح نفوسهم أن تخدش غيرتهم وكرامتهم بهذه القضايا؟!

أضف إلى أن اجتماع الفرزدق وجرير غير ممكن في ظروف الهجاء والتفاخر الذي شاع بينهما ، فالنفرة التي كانت بين الشاعرين تأبى التوفيق بينهما على باب واحدة يستعطفون رضا أحد ، وقد عرف ذلك الوقوف على باب خليفة أو وال يغدق بعطاء الشعراء ، ويستريح على تزاحم المادحين ، ويأنس لاجتماع المغنين ، وهو ديدن الامويين ومنهج الزبيريين ، ولم يعرف من آل علي عليه‌السلام هذا.

وإذا أراد هؤلاء الوضاعون دفع هذه الوصمة عن أسيادهم إلى الهاشميين من آل علي عليه‌السلام ، فإن الواقع يظهر لهم خلاف ذلك ، وأعطيات خلفاء بني أمية وبني العباس وغيرهم مشهورة ، وتسول الشعراء لمديحهم أشهر من أن تذكر له شواهد.

قال جرجي زيدان وهو يتحدث عن ملوك بني أمية : واقتضت سياستهم تألف الشعراء بالمال ، فضلا عن اضطرار الشعراء وغيرهم إلى استرضائهم خوفا من قطع العطاء عنهم ، والعطاء يومئذ رواتب الجند وسائر المسلمين ، وكان المسلمون في صدر الإسلام كلهم جندا ، ولكل منهم راتب يتناوله من بيت المال على شروط مذكورة في الديوان ، فمن قبض على بيت المال قبض على رقاب الرعية ، ويجدر بهم أن يتقربوا منه ويتزلفوا إليه ، فإذا كان القابض عليه حكيما يعرف كيف يعطي ولمن يعطي ، أغناه ذلك عن سائر الأسباب ، فيزيد العطاء أو ينقصه أو يقطعه على حسب الاقتضاء.

كذلك كان يفعل الدهاة من بني أمية وقدوتهم معاوية بن أبي سفيان ، أكبر دهاة العرب .. فلم يكن الشعراء يرون بدا من استرضاء بني أمية خوفا

٦١

من قطع أعطيتهم ، فضلا عما يرجونه من الجوائز إذا أحسنوا إرضاءهم (١).

هذا هو ديدن بني أمية وأمثالهم ، وإذا أرادوا أن يدفعوا وصمة العطاء لموارد العبث والمجون من بيت المال وهو حال الخلفاء ، فإن آل علي عليه‌السلام لم يعرفوا بذلك ، بل كان عطاؤهم لله تعالى غير متجاوزين على غيرهم ، ويرون أن التعدي في صرف الأموال في غير حقها خيانة للمسلمين ، لذا وجد أعداؤهم أن يلصقوا بهم هذه التهمة للتخفيف عما ارتكبه أسيادهم ، الذين عاثوا في أموال المسلمين ، ومنعوا خيارهم ووصلوا فساقهم ، وقد عرف عن آل علي عليه‌السلام ورعهم في الأموال ، وزهدهم ومحاسبتهم في الأعطيات إلا لله تعالى.

النموذج الثالث :

روى أبو الفرج ، عن حماد ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله الزبيري قال : اجتمع بالمدينة راوية جرير وراوية كثير وراوية جميل وراوية نصيب ورواية الأحوص فافتخر كل واحد منهم بصاحبه ، وقال : صاحبي أشعر فحكموا سكينة بنت الحسين (٢).

والخبر كسابقه ، إلا أنهم استبدلوا الشعراء برواتهم ، وهو أضعف من غيره كما ترى.

النموذج الرابع :

قال الزبير : وحدثني عمي ، عن الماجشون قال :

قالت سكينة لعائشة بنت طلحة : أنا أجمل منك ، وقالت عائشة : بل أنا ،

__________________

(١) تاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان ١ : ٢٢٩.

(٢) الأغاني ١٦ : ١٧٣.

٦٢

فاختصمتا إلى عمر بن أبي ربيعة ، فقال : لأقضين بينكما ، أما أنت يا سكينة فأملح منها ، وأما أنت ياعائشة فأجمل منها (١).

رجال الخبر :

الزبير بن بكار : قال ابن أبي حاتم : رأيته ولم أكتب عنه ، وقال أحمد بن علي السليماني في كتاب الضعفاء : كان منكر الحديث.

ثم ذكر ان سبب تضعيفه هو روايته عن الضعفاء ، مثل محمد بن حسن بن زبالة ، وعمرو بن ابي بكر المؤملي ، وعامر بن صالح الزبيري وغيرهم ، فإن في كتاب النسب عن هؤلاء أشياء كثيرة منكرة (٢).

مصعب الزبيري عم الزبير بن بكار : الذي حدثه بالخبر.

نود التنويه إلى أن مصعب الزبيري هذا أساس روايات قصة سكينة بنت الحسين ، والتي أخذها منه أبو الفرج الإصفهاني المرواني ، وقد ضعفه أهل الجرح ولم يقروا له بوثاقة ، بل اتفقوا على ضعفه ، لذا فإن روايات سكينة مقطوعة الضعف لما أوردها مصعب الزبيري الضعيف المطعون بوثاقته ، وهذه جملة أقوالهم فيه :

قال النديم في الفهرست : [كان] راوية ، أديبا ، محدثا ، وهو عم الزبير ابن بكار ، وكان أبوه عبدالله من أشرار الناس ، متحاملا على ولد علي عليهم‌السلام ، وخبره مع يحيى بن عبدالله معروف (٣).

قال عنه في تقريب التهذيب : لين الحديث (٤). وتوقف فيه مالك بن

__________________

(١) الأغاني ١٦ : ١٥٩.

(٢) تهذيب التهذيب ٣ : ٢٦٩.

(٣) تهذيب التهذيب ١١ : ٣٤.

(٤) تقريب التهذيب ١ : ٥٣٣.

٦٣

أنس كما عن المغني في الضعفاء (١).

وفي تهذيب الكمال : قال أبو حاتم : مصعب الزبيري لا يحمدونه وليس بقوي ، وقال محمد بن سعد : كان قليل الحديث ، وقال النسائي فيما قرأت بخطه : مصعب منكر الحديث ، وقال في موضع آخر : في حديثه شيء ، وروى له الجماعة سوى البخاري (٢).

وفي الكامل في التاريخ لابن الأثير قال في مصعب الزبيري : وكان عالما فقيها ، إلا أنه كان منحرفا عن علي عليه‌السلام (٣).

وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب : قال عبدالله بن أحمد ، عن أبيه : أراه ضعيف الحديث ، لم أرَ الناس يحمدون حديثه. وقال عثمان الدارمي ، عن ابن معين : ضعيف. وقال معاوية بن صالح ، عن ابن معين : ليس بشيء. وقال النسائي : مصعب ليس بالقوي في الحديث. وقال ابن حبان في الضعفاء : تفرد بالمناكير عن المشاهير ، فلما كثر ذلك فيه استحق مجانبة حديثه. وقال ابن سعد : كان كثير الحديث يستضعف. وقال الدار قطني : مدني ليس بالقوي (٤).

وقد ورث مصعب تحامله وعداءه لآل علي عليه‌السلام من أبيه ، فأخذ يضع من الأخبار ما يحط به كرامة آل علي وقداستهم.

الماجشون : قال ابن حجر : الماجشون ، يعقوب بن أبي سلمة التميمي ، مولى آل المنكدر أبو يوسف المدني ، قال مصعب الزبيري : إنما

__________________

(١) المغني في الضعفاء ٢ : ٦٦٠.

(٢) تهذيب الكمال ٢٨ : ٣٦.

(٣) الكامل في التاريخ ٥ : ٢٨٨ حوادث سنة ٢٣٦.

(٤) تهذيب التهذيب ١٠ : ١٥٩.

٦٤

سمي الماجشون لكونه كان يعلم الغناء ويتخذ القيان ، وكان يجالس عروة ابن الزبير وعمر بن عبدالعزيز في إمرته ، وكان عمر يأنس إليه ، فلما استخلف عمر قدم عليه فقال له : إنا تركناك حين تركنا لبس الخز ، فانصرف عنه (١).

فالماجشون إذن صاحب لهو ومجون ، فكيف يؤخذ بخبره لا سيما هو صنيعة زبيرية وأموية؟! فاحتفاء عروة بن الزبير ومصاحبته له ، أو مجالسته لعمر بن عبد العزيز الأموي أيام إمارته ، يغني عن حاله في الضعف واللامبالاة وعدم التحرج ، وهو يجاري توجهات بني أمية وآل الزبير في الحط من كرامة آل علي صلوات الله عليهم.

فالخبر ضعيف برجاله.

على أن الخبر يتنافى والمسلمات الشرعية التي نهت الشرعية عن الإتيان بها ومزاولتها ، كتعرض المرأة إلى الأجنبي وكشف وجهها وبيان محاسنها.

حرمة نظر الأجنبي للأجنبية في الشريعة الإسلامية

نهى الإسلام عن النظر إلى الأجنبية ، وكذلك نظرها إلى الأجنبي ، وذلك لقوله تعالى : ( ولا يبدين زينتهن ) وقد فسرت الآية بأن الزينة هي مواضع الزينة ، فالآية تحث على وجوب الستر وعدم إبداء مواضع الزينة ، واحتج قوم بالإجماع ، وقد عرفت حاله ، فإن المنقول غير حجة ، والمحصل غير حاصل.

واستدل بوجوب غض النظر بما رواه سعد الإسكاف في معتبرته عن

__________________

(١) تهذيب التهذيب ١١ : ٣٤٠.

٦٥

أبي جعفر عليه‌السلام قال : «استقبل شاب من الأنصار امرأة بالمدينة وكان النساء يتقنعن خلف آذانهن فنظر إليها وهي مقبلة ، فلما جازت نظر إليها ودخل في زقاق قد سماه ببني فلان فجعل ينظر خلفها ، واعترض وجهه عظم في الحائط أو زجاجة فشق وجهه ، فلما مضت المرأة نظر فإذا الدماء تسيل على ثوبه وصدره فقال : والله لآتين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولأخبرنه ، فأتاه فلما رآه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ما هذا؟ فأخبره ، فهبط جبرئيل عليه‌السلام بهذه الآية ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون ) (١)‌» (٢).

فمورد نزول الآية هو النظر إلى المرأة ، وإطلاقها موجب إلى حرمة مورد النظر ، وإن ذهب بعضهم إلى أنّها خصّصت بالنظر الاستمتاعي بقرينة مورد النزول ، فإن الشاب الأنصاري كان نظره إلى المرأة بتلذذ ، إلا أن المورد لا يخصص الوارد كما هو معلوم.

نعم ، في رواية أحمد بن أبي عبدالله البرقي قال :

استأذن ابن أم مكتوم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعنده عائشة وحفصة فقال لهما : «قوما فادخلا البيت» ، فقالتا : إنه أعمى ، فقال : «إن لم يركما فانكما تريانه».

وغير ذلك من الأخبار ، والملازمة تدل على ثبوت الحكم في الرجل كما تدل على ثبوته في المرأة كذلك. كما أن إرادة الشارع في الغض عن النظر عدم الوقوع في الافتتان المقتضي للإتيان بالزنا ونحوه ، لذا شدد على عدم جواز النظر العمدي مع الريبة.

من هنا أمكن دفع هذا الخبر المنافي لقواعد حرمة النظر إلى الأجنبية ،

__________________

(١) النور ٢٤ : ٣٠.

(٢) الوسائل ٢٠ : ١٩٢ ، ب ١٠٤ من أبواب مقدمات النكاح ، ح ٤.

(٣) الوسائل ٢٠ : ٢٣٢ ، ب ١٢٩ من أبواب مقدمات النكاح ، ح١.

٦٦

ومحادثتها بريبة ، فكيف بالسيدة «آمنة» سكينة بنت الحسين التي تربت في حجور العفة والورع والتقوى ، على أن تحكيم عمر بن أبي ربيعة «الخليع» والمشهور بالعبث في أيتها أجمل ، يتنافى وأحكام الشريعة ، فضلا عن سيرة المسلمين ، وأعراف المجتمع المدني وقتذاك.

رمتني بدائها وانسلت

وإذا أوعزنا أسباب هذه القصص التي وضعت في حق سكينة بنت الحسين عليهما‌السلام ، لوجدنا أن دوافعها سياسية صرفة كما قدمنا. فإن بني أمية بحثوا عن كل أمر يشين آل علي عليه‌السلام فلم يجدوا ، فانحازوا إلى أسلوب الشتم والسب ، فسبوا عليا على منابرهم ثمانين عاما ، وحرصوا على إظهار معائبه فلم يجدوا لذلك سبيلا ، فألصقوا تهمهم في قصص يستملحها العامة ويجعلوها من المسلمات ، ليقابلوا بذلك ما اشتهر عنهم من العبث والمجون ومنادمة المغنين ، وما عرف عن نسائهم في ارتكاب هذا المحذور ، من مجالسة الشعراء ، والاستماع إلى المغنين ، وما اشتهر عن الشعراء كذلك في التشبيب بالنساء الأمويات المتهتكات ، وسنذكر شواهد ذلك.

ومن جهة أخرى احتدم الصراع بين الزبيرين وبين منافسيهم من العلويين ، وعرف العلويون بقداستهم ، فضلا عن مشروعية خلافتهم الإلهية ، التي تحاصر كل مدع لها ، ولا يزال معارضوهم يضيقون ذرعا بذلك. فوجدوا أن محاولة التخفيف من قداسة البيت العلوي لدى الأمة ، هو أيسر السبل في اقتناص فرص النصر الزبيري المزعوم ، فضلا عما يعانيه تاريخهم من العبث ، ومنادمة الشعراء ، ومجالسة المغنين ، وما اشتهر من أمر

٦٧

سكينة بنت خالد بن مصعب الزبيري ، ومجالسها المشهورة مع عمر بن أبي ربيعة. فأرادوا دفع هذ المنقصة وإلصاقها بمنافسيهم الأقوياء ، فاستغلوا تشابه الاسمين في إلصاق هذه التهمة ، وخلط ما وقع لسكينة بنت خالد الزبيرية ، مع سكينة بنت الحسين.

هذا كما أن الشعراء قد أكثروا من التشبيب بنساء الأمويين والزبيريين ، وتاريخ الأدب العربي سجل هذه الملاحم الشعرية ، فكانت وثائق دامغة تدين تصرفاتهم ، والتي عرف بها بنو أمية وآل الزبير ، فزحزحوا هذه التهم وألصقوها في السيدة «آمنة» سكينة بنت الحسين ، تلافيا لما أحدثه تاريخهم العبثي المشهور. وإليك من ملاحم عمر بن أبي ربيعة ، والعرجي ، والحارث بن خالد المخزومي ، وأبو دهبل الجمحي ، وحماد عجرد ، والأحوص ، وعبدالرحمن بن حسان بن ثابت وغيرهم من شعراء الغزل ، شواهد التشبيب ، وقصائد الغزل ، وما عرفوا من منادمتهم لنساء الأمويين والزبيريين :

عائشة بنت طلحة بن عبيدالله زوجة مصعب بن الزبير

١ ـ قال عمر بن أبي ربيعة مشببا بها :

لعائشة بنة التيمي عندي

حمى في القلب ، لا يرعى حماها

يذكرني ابنة التيمي ظبي

يرود بروضة سهل رباها

فقلت له وكاد يراع قلبي

فلم أر قط كاليوم اشتباها

سوى حمش بساقك مستبين

وأن شواك لم يشبه شواها

وأنك عاطل عار وليست

بعارية ولا عطل يداها (١)

__________________

(١) الأغاني ١ : ٢٠٤.

٦٨

٢ ـ إن عمر بن أبي ربيعة لقي عائشة بنت طلحة بمكة وهي تسير على بغلة لها ، فقال لها : قفي حتى أسمعك ما قلت فيك ، قالت : أوقد قلت يا فاسق؟ قال : نعم ، فوقفت فأنشدها :

ياربة البغلة الشهباء هل لك في

أن تنشري ميتا لا ترهقي حرجا

قالت بدائك مت أو عش تعالجه

فما نرى لك فيما عندنا فرجا (١)

٣ ـ ومما يغني فيه من أشعار عمر بن أبي ربيعة في عائشة بنت طلحة ، قوله في قصيدته التي أولها :

من لقلب أمسى رهينا معنى

مستكينا قد شفه ما أجنا

إثر شخص نفسي فدت ذاك شخصا

نازح الدار بالمدينة عنا (٢)

٤ ـ كان ابن محرز أحسن الناس غناء ، فمر بهند بنت كنانة بن عبدالرحمن حليف قريش ، فسألته أن يجلس لها ولصواحب لها ، ففعل وقال : أغنيكن صوتا أمرني الحارث بن خالد بن العاص بن هشام أن أغنيه عائشة بنت طلحة بن عبيد الله في شعر له قاله فيها ، وهو يومئذ أمير مكة؟ قلن : نعم ، فغناهن :

فوددت إذ شحطوا وشطت دارهم

وعدتهم عنا عواد تشغل

أنا نطاع وأن تنقل أرضنا

أو أن أرضهم إلينا تنقل (٣)

٥ ـ حجت عائشة بنت طلحة بن عبيدالله ، فجاءتها الثريا وإخوتها ، ونساء أهل مكة القرشيات وغيرهن. وكان الغريض فيمن جاء ، فدخل النسوة عليها فأمرت لهن بكسوة وألطاف كانت قد أعدتها لمن يجيؤها ،

__________________

(١) الأغاني ٢٠٦ : ١ ـ ٢٠٧.

(٢) المصدر السابق : ٢٠٨.

(٣) المصدر السابق : ٣٦٦.

٦٩

فجعلت تخرج كل واحدة ومعها جاريتها ومعها ما أمرت لها به عائشة ، والغريض بالباب حتى خرج مولياته مع جواريهن الخلع والألطاف ، فقال الغريض : فأين نصيبي من عائشة؟ فقلن له : أغفلناك وذهبت عن قلوبنا ، فقال : ما أنا ببارح من بابها أو آخذ بحظي منها ، فإنها كريمة بنت كرام ، واندفع يغني بشعر جميل :

تذكرت ليلى فالفؤاد عميد

وشطت نواها فالمزار بعيد

فقالت : ويلكم هذا مولى العبلات بالباب يذكر بنفسه هاتوه ، فدخل ، فلما رأته ضحكت وقالت : لم أعلم بمكانك ، ثم دعت له بأشياء أمرت له بها ، ثم قالت له : إن أنت غنيتني صوتا في نفسي فلك كذا وكذا .. فغناها في شعر كثير :

ومازلت من ليلى لدن طر شاربي

إلى اليوم أخفي حبها وأداجن (١)

٦ ـ قال الحارث بن خالد المخزومي متغزلا بعائشة بنت طلحة لما تزوجها مصعب بن الزبير ورحل بها إلى العراق :

ظعن الأمير بأحسن الخلق

وغدا بلبك مطلع الشرق

في البيت ذي الحسب الرفيع ومن

أهل التقى والبر والصدق

فظللت كالمقهور مهجته

هذا الجنون وليس بالغسق

أترجة عبق العبير بها

عبق الدهان بجانب الحق

ما صبحت أحدا برؤيتها

إلا غدا بكواكب الطلق(٢)

قال أبوالفرج : والحارث بن خالد أحد شعراء قريش المعدودين

__________________

(١) الأغاني ٣٧٢ : ٣ ، ٣٦٦ : ١.

(٢) تاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان : ٢٨٣ ، الأغاني ٣١٦ : ٣ وراجع أيضا ١٢٢ : ١٥.

٧٠

الغزليين ، وكان يذهب مذهب عمر بن أبي ربيعة لا يتجاوز الغزل إلى المديح ولا الهجاء ، وكان يهوى عائشة بنت طلحة بن عبيدالله ويشبب بها (١).

٧ ـ حج الحارث بن خالد المخزومي بالناس ، وحجت عائشة بنت طلحة عامئذٍ ، وكان يهواها ، فأرسلت إليه أخر الصلاة حتى أفرغ من طوافي ، فأمر المؤذنين فأخّروا الصلاة حتى فرغت من طوافها ، ثم أقيمت الصلاة فصلى بالناس ، وأنكر أهل الموسم ذلك من فعله وأعظموه (٢).

٨ ـ لما أن قدمت عائشة بنت طلحة أرسل إليها الحارث بن خالد ـ وهو أمير على مكة ـ أني أريد السلام عليك ، فإذا خف عليك أذنت ، وكان الرسول الغريض ، فقالت له : أنا حرم فإذا أحللنا إذناك. فلما أحلت سرت على بغلاتها ، ولحقها الغريض بعسفان أو قريب منه ، ومعه كتاب الحارث إليها : ما ضركم لو قلتم سددا ....

فلما قرأت الكتاب قالت : ما يدع الحارث باطله ، ثم قالت للغريض : هل أحدثت شيئا؟ قال : نعم فاستمعي ، ثم اندفع يغني في هذا الشعر ، فقالت عائشة : والله ما قلنا إلا سددا ، ولا أردنا إلا أن نشتري لسانه ، وأتى على الشعر كله ، فاستحسنته عائشة وأمرت له بخمسة آلاف درهم وأثواب ، وقالت : زدني ، فغناها في قول الحارث بن خالد أيضا ... (٣).

٩ ـ نظر ابن أبي ذئب إلى عائشة بنت طلحة تطوف بالبيت ، فقال لها : من أنت؟ فقالت :

من اللاءِ لم يحجبن يبغين حسبة

ولكن ليقتلن البريء المغفلا

__________________

(١) الأغاني ٣٠٩ : ٣.

(٢) المصدر السابق : ٣١٥.

(٣) المصدر السابق : ٣١٧.

٧١

فقال لها : صان الله ذلك الوجه عن النار ، فقيل له : أفتتنتك أبا عبدالله؟

قال : لا ، ولكن الحسن مرحوم (١).

ولا نريد التعليق على هذه الرواية ، بل نترك الأمر إلى القارىء ليحكم بنفسه.

فاطمة بنت عبدالملك بن مروان

قال عمر بن أبي ربيعة فيها :

كدت يوم الرحيل أقضي حياتي

ليتني مت قبل يوم الرحيل

لا أطيق الكلام من شدة الخو

ف ودمعي يسيل كل مسيل

ذرفت عينها وفاضت عيوني

وكلانا يلفي بلب أصيل (٢)

وفي قصة طويلة ذكرها أبوالفرج الأصفهاني ، أنها كانت ترسل جاريتها إليه ليأتي عندها ، فيغازلها ، ويتشبب بها ، ويبادلها الحديث وتبادله ، حتى شغف بها ، وطلب ملابسها التي تلي جسدها ، فأعطته ما أراد ، فزاده ذلك شغفا ، وظل يتابعها ليل نهار ، حتى قال فيها :

ضاق الغداة بحاجتي صدري

ويئست بعد تقارب الأمر

ذكرت فاطمة التي علقتها

عرضا فيا لحوادث الدهر (٣)

الثريا بنت علي بن عبدالله بن الحارث

قال فيها عمر بن أبي ربيعة حين تزوجت رجلا اسمه سهيل :

أيها المنكح الثريا سهيلا

عمرك الله كيف يجتمعان

__________________

(١) العقد الفريد ١٠٢ : ٧.

(٢) تاريخ آداب اللغة العربية ٢٨٢ : ١.

(٣) الأغاني ١٩٩ : ١.

٧٢

هي شامية إذا ما استقلت

وسهيل إذا استقل يماني (١)

رملة بنت عبدالله بن خلف أخت طلحة الطلحات

وقد شبب بها عمر بن أبي ربيعة في شعر مذكور في الأغاني فليراجع (٢).

عاتكة بنت معاوية بن أبي سفيان

وقد شبب بها أبو دهبل الجمحي ، حيث جاءت للحج فنزلت بذي طوى من مكة ، وقد اشتد الحر فأمرت جواريها فرفعن الستر ، فمر أبو دهبل فرأها وهي لا تعلم ، فما رأته ينظر إليها غضبت وشتمته وأمرت بارخاء الستر ، فقال أبو دهبل في ذلك :

إني دعاني الحين فاقتادني

حتى رأيت الظبي بالباب

يا حسنه إذ سبني مدبرا

مستترا عني بجلباب

وأنشد أبو دهبل هذه الأبيات لبعض إخوانه ، فشاعت وغنى بها المغنون ، فبلغت عاتكة ، فبعثت إليه بكسوة وجرت الرسل بينهما ، فلما صدرت عن مكة خرج معها إلى الشام ، فلما دخلت دمشق «جيرون» انقطعت عن لقائه في دمشق ، فنظم في ذلك قصيدة مطلعها :

طال ليلي وبت كالمحزون

ومللت الثواء في جيرون (٣)

رملة بنت معاوية بن أبي سفيان

شبب عبد الرحمن بن حسان برملة بنت معاوية ، فقال :

__________________

(١) تاريخ آداب اللغة العربية٢٨٢ : ١.

(٢) الأغاني ١ : ٢١٨ و ٢٢١.

(٣) تاريخ آداب اللغة العربية ٢٨٤ : ١.

٧٣

رمل هل تذكرين يوم غزال

إذ قطعنا مسيرنا بالتمني

إذ تقولين عمرك الله هل شي

ء وإن جل سوف يسليك عني

أم هل أطمعت منكم بابن حسا

ن كما قد أراك أطمعت مني (١)

عاتكة بنت عبدالله بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان

قال الاصفهاني :

عاتكة التي يشبب بها الأحوص ، عاتكة بنت عبدالله بن يزيد بن معاوية (٢).

زينب بنت عكرمة بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام

كان ابن رهيمة يشبب بها ، ويغني يونس بشعره فافتضحت بذلك ، فاستعدى عليه أخوها هشام بن عبدالملك فأمر بضربه خمسمئة سوط ، وأن يباح دمه إن وجد قد عاد لذكرها ، وأن يفعل ذلك بكل من غنى في شيء من شعره ، فهرب هو ويونس (٣).

زينب بنت يوسف بن الحكم أخت الحجاج بن يوسف الثقفي

شبب ابن نمير الثقفي بزينب بنت يوسف بن الحكم ، فكان الحجاج يتهدده ويقول : لولا أن يقول قائل صدق لقطعت لسانه ، فهرب إلى اليمن (٤).

سعدى بنت عبدالرحمن بن عوف

شبب بها عمر بن أبي ربيعة فقال :

__________________

(١) الأغاني ١٠٣ : ١٥.

(٢) الأغاني ١١٢ : ٢١.

(٣) الأغاني ٣٩٧ : ٤.

(٤) الأغاني ٢٠٩ : ٦.

٧٤

قالت سعيدة والدموع ذوارف

منها على الخدين والجلباب

ليت المغيري الذي لم أجزه

فيما أطال تصيدي وطلابي

كانت ترد لنا المنى أيامنا

إذ لا نلام على هوى وتصابي

أسعيد ما ماء الفرات وطيبه

مني على ظمأ وحب شراب

بألذ منك وإن نأيت وقلما

يرعى النساء أمانة الغياب (١)

هند بنت كنانة بن عبدالرحمن بن نضلة بن صفوان بن أمية

كان ابن محرز أحسن الناس غناء ، فمر بهند بنت كنانة ، فسألته أن يجلس لها ولصواحب لها ، ففعل وقال : أغنيكن صوتا أمرني الحارث بن خالد بن العاص أن أغنيه ... (٢).

سعدى بنت سعيد بن عمرو بن عثمان

كان الوليد بن يزيد بن عبدالملك يتعشق سعدى بنت سعيد بن عمرو ابن عثمان فقال فيها :

أسعدى ما إليك لنا سبيل

ولا حتى القيامة من تلاق

بلى ولعل دهرا أن يؤاتي

بموت من حليلك أو فراق(٣)

كما أن الوليد بن يزيد كان يتعشق سلمى بنت سعيد بن عمرو بن عثمان كذلك ، فقال فيها :

شاع شعري في سليمى وظهر

ورواه كل بدو وحضر

وتهادته الغواني بينها

وتغنين به حتى انتشر

__________________

(١) الأغاني ١٦١ : ١٧ و ١٦٢.

(٢) الأغاني ٣٦٦ : ١ ، وراجع أيضا ٣٧٢ : ٣.

(٣) العقد الفريد لا بن عبد ربه ١٨٦ : ٧.

٧٥

لو رأينا من سليمى أثرا

لسجدنا ألف ألف للأثر

واتخذناها إماما مرتضى

ولكانت حجنا والمعتمر

إنما بنت سعيد قمر

هل حرجنا أن سجدنا للقمر (١)

أم البنين زوج الوليد بن عبدالملك

دخلت عزة صاحبة كثير على أم البنين زوج عبدالملك بن مروان (٢) ، فقالت لها : أخبريني عن قول كثير :

قضى كل ذي دين فوفى غريمه

وعزة ممطول معنى غريمها

ما هذا الدين الذي طلبك به؟ قالت : وعدته بقبلة فتحرجت منها ، قالت : أنجزيها وعلي إثمها (٣).

وروى أبوالفرج الإصفهاني أن وضاحا كان يهوى امرأة من كندة يقال لها : روضة ، فلما اشتهر أمره معها ، خطبها فلم يزوجها ، وزوجت غيره ، فمكثت مدة طويلة .. ثم شبب بأم البنين بنت عبدالعزيز بن مروان زوجة الوليد بن عبد الملك ، فقتله الوليد لذلك (٤).

زينب بنت سليمان بن علي

ذكر ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان أن حماد عجرد كان يتغزل في زينب بنت سليمان بن علي ، على لسان محمد بن أبي العباس السفاح ، وكان عشقها ، ثم خطبها فمنعت منه ، فصار يتغزل فيها ، وحماد ينظم له

__________________

(١) العقد الفريد ١٨٦ : ٧.

(٢) كذا في المصدر. والصواب زوج الوليد بن عبدالملك.

(٣) العقد الفريد ١٣٤ : ٧.

(٤) الأغاني ٢٢٥ : ٦.

٧٦

الشعر على لسانه ، فبلغ ذلك أخاها محمد بن سليمان فغصب. واتفقت وفاة محمد ، فطلب ابن سليمان حمادا فتغيب منه ، ثم بلغه أنه هجاه بأبيات منها :

جداك جدان لم تعب بهما

وإنما العيب منك في البدن (١)

عائشة بنت المهدي العباسي

قال ابن عبد ربه الأندلسي : خرج رسول عائشة بنت المهدي ـ وكانت شاعرة ـ إلى الشعراء ، فيهم صريع الغواني فقال : تقرؤكم سيدتي السلام ، وتقول لكم : من أجاز هذا البيت فله مئة دينار ، فقالوا : هاته ، فأنشدهم :

أنيلي نوالا وجودي لنا

فقد بلغت نفسي الترقوه

فقال صريع :

وإني كالدلو في حبكم

هويت إذ انقطعت عرقوه (٢)

ولادة بنت المستكفي الخليفة الأموي في الأندلس

كتبت على تاجها :

أنا ولله أصلح للمعالي

وأمشي مشيتي وأتيه تيها

وأمكن عاشقي من لثم ثغري

وأعطي قبلتي من يشتهيها (٣)

ولا نريد أن نسرد أكثر من هذه الشواهد ، فقد أعرضنا عن كثير مراعاة لحرمة قرائنا الكرام من أن نشين أسماعهم بعبث نساء هؤلاء ، ومجون شعرائهم ، وهذا فيما كتب ، وما خفي كان أعظم ، وقد توخينا في عرضنا هذا إلى الأسباب والدوافع التي دفعت هؤلاء المؤرخين من بني مروان ، كأبي

__________________

(١) لسان الميزان٤٢٦ : ٢ رقم ٢٩٤٢ في ترجمة حماد عجرد.

(٢) العقد الفريد ١٩٧ : ٦.

(٣) شرح رسالة ابن زيدون بهامش شرح لامية العجم ١١ : ١ ، عنه «سكينة بنت الحسين» للمقرم : ٦٠.

٧٧

الفرج الإصفهاني صاحب الأغاني ، الذي استعرض أقاصيص وموضوعات حياة سكينة بنت الحسين عليهما‌السلام ، وما أخذه من آل الزبير من اختلاق هذه الأكاذيب ، كالزبير بن بكار ، ومصعب الزبيري وأمثالهم ، الذين ما فتؤوا من التحري عما يشين البيت العلوي ، دفعا لما ابتلي به أسلافهم من النساء كسكينة بنت خالد الزبيرية ، وعائشة بنت طلحة بن عبيدالله زوج مصعب بن الزبير ، وغيرهن من اللواتي ملئت صحائف تاريخهن بفضائح العبث ، ومجالس الغزل والغناء ، وما اشتهر عن عاتكة بنت معاوية ، وأم البنين بنت عبدالعزيز زوجة الوليد بن عبدالملك ، وسعدى بنت عبدالرحمن بن عوف ، وأمثالهن من اللواتي آثرن حياة اللهو والغناء.

ومقابل هذا يرفل آل علي بقداسة الوحي ، وطهارة النبوة ، وهم المنافسون الأقوياء لأولئك الأمويين الذين سفكوا الدماء من أجل الإبقاء على دست الحكم ، والزبيريين الذين هتكوا الحرمات من أجل المنصب كذلك ، فمتى يستقيم لهؤلاء أمر ولا تزال الأمة تنظر إلى العلويين بكل إجلال وقداسة؟ من هنا أمكننا معرفة الدوافع السياسية لاختلاق قصة سكينة بنت الحسين ، وإقحامها ملاحم اللهو الأموي والترف الزبيري.

سكينة وابن سريج

روى أبو الفرج الإصفهاني قال : أخبرني الحسين بن يحيى ، عن حماد ، عن أبيه ، عن مصعب الزبيري قال : حدثني شيخ من المكيين قال :

كان ابن سريج قد أصابته الريح الخبيثة وآلى يمينا ألا يغني ، ونسك ولزم المسجد الحرام حتى عوفي ، ثم خرج وفيه بقية من العلة فأتى قبر النبي وموضع الصلاة ، فلما قدم المدينة نزل على بعض إخوانه من أهل النسك

٧٨

والقراءة ، فكان أهل الغناء يأتونه مسلمين عليه فلا يأذن لهم بالجلوس والمحادثة ، فأقام بالمدينة حولا حتى لم يحس علته بشيء وأراد الشخوص إلى مكة ، وبلغ ذلك سكينة بنت الحسين فاغتمت اغتماما شديدا وضاقت به ذرعا ، وكان أشعب يخدمها ، وكانت تأنس بمضاحكته ونوادره وقالت لأشعب : ويلك أن ابن سريج شاخص! وقد دخل المدينة منذ حول ولم أسمع غناءه قليلا ولا كثيرا ، ويعز ذلك علي ، فكيف الحيلة في الاستماع منه ولو صوتا واحدا؟

فقال لها أشعب : جعلت فداك وأنى لك بذلك والرجل اليوم زاهد ولا حيلة فيه ، فارفعي طمعك والحسي تورك تنفعك حلاوة فمك. فأمرت بعض جواريها فوطئن بطنه حتى كادت تخرج أمعاؤه ، وخنقته حتى كادت نفسه أن تتلف ، ثم أمرت به فسحب على وجهه حتى أخرج من الدار إخراجا عنيفا ، فخرج على أسوأ الحالات ، واغتم أشعب غما شديدا وندم على ممازحتها في وقت لم ينبغ له ذلك ، فأتى منزل ابن سريج ليلا فطرقه فقيل : من هذا؟ فقال : أشعب ، ففتحوا له فرأى على وجهه ولحيته التراب والدم سائلا من أنفه وجبهته على لحيته, وثيابه ممزقة وبطنه وصدره وحلقه قد عصرها الدوس والخنق ومات الدم فيها ، فنظر ابن سريج إلى منظر فظيع هاله وراعه فقال له : ما هذا ويحك؟! فقص عليه القصة ، فقال ابن سريج : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ماذا نزل بك والحمدلله الذي سلم نفسك لا تعودن إلى هذه أبدا.

قال أشعب : فديتك هي مولاتي ولا بد لي منها ، ولكن هل لك حيلة في أن تصير إليها وتغنيها فيكون ذلك سببا لرضاها عني؟ قال ابن سريج : كلا

٧٩

والله لا يكون ذلك أبدا بعد أن تركته.

قال أشعب : قطعت أملي ورفعت رزقي وتركتني حيران بالمدينة لا يقبلني أحد ، وهي ساخطة علي فالله الله في ، أنا أنشدك الله ألا تحملت هذا الإثم فيّ.

فأبى عليه ، فلما رأى أشعب أن عزم ابن سريج قد تم على الامتناع ، قال في نفسه : لا حيلة لي وهذا خارج وإن خرج هلكت ، فصرخ صرخة أذن أهل المدينة لها ، ونبه الجيران من رقادهم ، وأقام الناس من فرشهم ، ثم سكت فلم يدر الناس ما القصة عند خفوت الصوت بعد أن قد راعهم ، فقال له ابن سريج : ويلك ما هذا؟ قال : لئن لم تصر معي إليها لأصرخن صرخة أخرى لا يبقى إلا صار بالباب ، ثم لأفتحنه ولأريهم ما بي ، ولأعلمنهم كذا وكذا ...

فلما رأى ابن سريج الجد منه قال لصاحبه : ويحك أما ترى ما وقعنا فيه ـ وكان صاحبه الذي نزل عنده ناسكا ـ فقال : لا أدري ما أقول ... نزل بنا من هذا الخبيث ... إلى أن قال : فوقع ابن سريج فيما لا حيلة له فيه.

فقال : امضي لا بارك الله فيك ، فمضى معه فلما صار إلى باب سكينة قرع الباب فقيل : من هذا؟ فقال : أشعب ... إلى أن قال : ثم أندفع يغني :

أستعين الذي يكفيه نفعي

ورجائي على التي قتلتني

فقالت له سكينة : فهل عندك يا عبيد من صبر ، ثم أخرجت دملجا من ذهب كان في عضدها وزنه أربعون مثقالا فرمت به إليه (١) ... إلى آخر القصة ، وهي طويلة الذيل اقتصرنا على مورد الحاجة.

__________________

(١) الأغاني ٤٥ : ١٧ ـ ٥١.

٨٠