عقيلة قريش آمنة بنت الحسين عليهما السلام

السيد محمد علي الحلو

عقيلة قريش آمنة بنت الحسين عليهما السلام

المؤلف:

السيد محمد علي الحلو


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة السبطين عليهما السلام العالمية
المطبعة: محمّد
الطبعة: ١
الصفحات: ١٥٤

سكينة التي رافقت مصعبا في مسيره هي سكينة ابنته وليست زوجته ، فهي بنت مصعب من زوجته فاطمة بنت عبدالله بن السائب.

قال ابن كثير في البداية والنهاية : وكان لمصعب من الولد عكاشة وعيسى الذي قتل معه ، و «سكينة» وأمهم فاطمة بنت عبدالله بن السائب (١).

فسكينة التي رافقت مصعبا هي ابنته وليست بنت الحسين كما اختلط على رواة الخبر ، وليس لـ «آمنة» سكينة بنت الحسين في أحداث مصعب أية دخالة.

القضية الثانية

محاولة الخبر التأكيد على نظرة أموية مختلقة ، مفادها أن الذين قتلوا الحسين بن علي عليهما‌السلام هم شيعة الحسين عليه‌السلام وليس لبني أمية دخل في ذلك ، محاولة منهم لإبعاد المسؤولية عن الأمويين ، وإلقائها على عاتق الشيعة الذين راسلوا الحسين عليه‌السلام وأقنعوه بالمسير إليهم ، فوثبوا عليه وقتلوه. وبهذا يحاولون أن يجردوا الأمويين عن وصمة عار ما ارتكبوه في حق سبط الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي محاولات خاسرة كما ترى. فالشيعة لا يمكن أن يتحملوا مسؤولية سفك دماء آل البيت الأطهار عليهم‌السلام ، والكوفة عرفت بولائها لهذا البيت الطاهر ، فهم حملة أخبارهم ورواة حديثهم وأجلة أصحابهم ، ومأساة الطف إحدى نزعات بني أمية في محاولة استئصال أهل هذا البيت عليهم‌السلام ، ولا يمكن للتاريخ أن يتنكر ما ارتكبه هؤلاء من سفك دماء الأطهرين منافسة لهم وخشية على سلطانهم ، والذين ناصروا بني أمية هم خوارج هذه الأمة وشذاذها من شاميين ومرتزقة يقتاتون على موائد

__________________

(١) البداية والنهاية ٨ : ٣٢٢.

١٢١

الأمويين ، ولا يمكن بعد ذلك للشيعة أن يلتقوا مع أعدائهم التقليديين الأمويين ، ليتحالفوا معهم على محاربة أهل البيت عليهم‌السلام وسفك دمائهم.

وبهذا حاول الخبر التأكيد على قضيتي زواج آمنة من مصعب بن الزبير ، ومحاولة إلقاء مسؤولية شهادة الحسين بن علي عليهما‌السلام على عاتق شيعته ، وبراءة الأمويين من عار ما جنوه حرصا منهم على الملك والسلطان.

والنتيجة : عدم وقوع زواج السيدة «آمنة» بنت الحسين عليهما‌السلام من مصعب بن الزبير ؛ لعدم تمامية الأخبار الزبيرية الضعيفة الواردة في هذا الشأن ، فضلا عن قرائن تمنع من وقوع مثل هذا الزواج الذي صورته روايات زبيرية فقط ، رواها الزبير بن بكار ومصعب الزبيري وعروة بن الزبير ، وقد عرفت حالهم فلا نعيد.

ثانيا : عبدالله بن عثمان ابن حزام

وهو ضمن القائمة الثانية من أزواج «آمنة» سكينة بنت الحسين عليهما‌السلام التي روتها الأخبار ، وسنكتفي في رد الرواية لضعفها ، وذلك إذا ما علمنا أن رواة الخبر هما الزبيريان المعروفان ، الزبير بن بكار وعبدالله بن مصعب الزبيري ، وتقدم شرح حالهما من الضعف ورد أحاديثهما ، وكونهما يرويان المناكير ويكثران عن الضعفاء ، إلى غير ذلك من الطعون التي ذكرها أهل الجرح وطعنوا في وثاقتهما ، هذا أولا.

وثانيا : أن خبر زواج عبدالله بن عثمان ابن حزام أكده الزبيريون ؛ لكون أمه رملة بنت الزبير بن العوام ، فخؤولته الزبيرية تدفع بالرواة الزبيريين إلى إثباته ، محاولة منهم للحصول على موقف التوافق بين البيتين ، آل علي وآل الزبير ، وتصوير حالة من التقارب والتفاهم بينهما ، تغطية منهم على أحداث

١٢٢

الجمل ، وما كان من خروج الزبير بن العوام في تلك المعركة الخاسرة على إمام زمانه علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وأن آل البيت عليهم‌السلام لا يزالون ينظرون إلى الزبير وآله بعين الرضا والقبول ، وهذا ما لا يمكن قبوله فعلا ؛ إذ لا يزال الزبير وآله من الخارجين على إمام زمانهم ، ومواقف عبدالله بن الزبير العدائية لآل البيت عليهم‌السلام يشهد بها تاريخه المعروف بمغامراته ، ومحاولات التقارب المفتعلة لاسباغ الشرعية على البيت الزبيري موهونة لا يمكن قبولها ، ولا زال التباعد بين هذين البيتين ظاهرا على مواقف الفريقين ، فلا يمكن تحسين صورة الزبيريين بحالات الزواج المتعددة من السيدة آمنة ، وتبقى الفجوة بين الأطروحتين عميقة لا يمكن إلغاؤها ، وفي ضمن نظرة العداء والخلاف بين آل علي وآل الزبير لا يمكن أن نتصور صحة خبر زواج عبدالله بن عثمان من السيدة آمنة فضلا عن ضعف سنده وسقوطه عن الاعتبار.

ومما يثير الشك في صحة هذه الدعوى ، ما رواه أبو منصور البغدادي ، عن المدائني ، عن مجالد ، عن الشعبي : أن سكينة نشزت على زوجها عبدالله ابن عثمان ابن حزام فشكتها أمه رملة بنت الزبير بن العوام إلى عبدالملك (١).

ولا ندري مكان عبدالملك من قضية النشوز هذه ، مع وجود أخيها الإمام علي بن الحسين عليهما‌السلام ، الذي بإمكانه حل هذه القضية الخاصة بأخته آمنة وزوجها ، وهي ليست من الأهمية بمكان حتى تلجأ أم عبدالله إلى رفع أمر ابنها وزوجته إلى عبدالملك ، وكان يومئذ خليفة يقيم في الشام ، ورملة بنت الزبير في المدينة ، فما الذي دعا رملة إلى أن تشكو كنتها إلى الخليفة؟!

__________________

(١) بلاغات النساء : ١٤٦.

١٢٣

وهل تقتضي هذه الحادثة الخاصة ـ التي لا علاقة لها بشؤون الخلافة ـ أن يستمع الخليفة إلى دعاوي نشوز امرأة على زوجها؟!

ثم إن الحادثة معلومة دوافعها ، وهي محاولة تصوير السيدة آمنة بنت الحسين عليهما‌السلام بارتكاب مخالفات الشريعة ، والخروج عن طاعة الزوجية دون مراعاة الأحكام ، وبهذا سيحصل رواة هذا الخبر إلى تصوير أهل البيت عليهم‌السلام المعروفين بقداستهم وورعهم ، إلى أهل بيت من عامة الناس يرتكبون ما يرتكبه الآخرون من مخالفة أحكام الدين ومحظورات الشريعة.

أما رواة الخبر مثل مجالد والشعبي فليسا بشيء.

أما مجالد : فقد عده ابن عدي في الضفعاء.

قال علي بن المديني : قلت ليحيى بن سعيد : فمجالد؟ قال : في نفسي منه ... (١).

وعن بشر بن آدم ، قلت لخالد بن عبدالله الواسطي : دخلت الكوفة وكتبت عن الكوفيين ولم تكتب عن مجالد؟ قال : لأنه كان طويل اللحية. [وهي كناية عن استخفاف الواسطي بمجالد].

وعن يحيى قال : مجالد بن سعيد ، ضعيف.

وفي موضع آخر : مجالد وحجاج لا يحتج بحديثيهما.

وقال ابن عدي : سمعت ابن حماد يقول : قال السعدي : مجالد بن سعيد يضعف حديثه.

وعن عبدالرحمن بن مهدي يقول : سمعت سفيان يقول : أشعث ـ يعني ابن سوار ـ أثبت من مجالد ، وكان يحيى يضعف حديث مجالد بن

__________________

(١) الكامل في الضعفاء لابن عدي ١٦٨ : ٨.

١٢٤

سعيد وكان ابن مهدي لا يروي عنه.

وعن ابن مهدي : لا يروى عنه.

وعن ابن أبي عصمة ، عن أبي طالب : سألت أحمد بن حنبل عن مجالد ، فقال : ليس بشيء ، يرفع حديثا منكرا لا يرفعه الناس وقد احتمله الناس.

وقال النسائي : مجالد بن سعيد ، كوفي ضعيف (١).

أما الشعبي : فهو عامر بن شراحيل بن عبد ، أبو عمرو الهمداني ، أنموذج من نماذج العداء والبغض لعلي وشيعته ، فكان لا يروي عن علي بن أبي طالب عليه‌السلام على الرغم من روايته وحفظه ، واعترف بذلك ابن حجر في تهذيب التهذيب فقال : وقال الدار قطني في العلل : لم يسمع الشعبي من علي إلا حرفا واحدا ما سمع غيره (٢).

وهو يعني رواية الشعبي عن علي رواية واحدة على الرغم مما عرف به من حفظه. ولم يقتصر الأمر على ذلك ، بل أوغل في عدائه لعلي عليه‌السلام بحجة أن الشيعة كانوا السبب في تجنبه مروياته عنه عليه‌السلام فقال : لقد بغضوا إلينا حديث علي بن أبي طالب (٣).

وإذا كان هذا حال الشعبي في عدائه وبغضه لعلي عليه‌السلام ، فمتى يتم لنا قبول مروياته خصوصا ما يتعلق بأهل البيت عليهم‌السلام ، والرواية واضحة الطعن والتوهين لأهل البيت وهي من موارد الخلاف والشك في صحة الحادثة

__________________

(١) الكامل في الضعفاء ١٦٩ : ٨ ـ ١٧٠.

(٢) تهذيب التهذيب ٦٢ : ٤.

(٣) العقد الفريد لابن عبد ربه ٢٢٣ : ٢. وراجع ما ذكره ابن عبد ربه من كلام الشعبي في الشيعة ، وكونهم يهود هذه الأمة.

١٢٥

وعدم وقوعها.

أما ما رووه عن ولادة السيدة آمنة من عبدالله بن عثمان ابن حزام ولدا اسمه قرين (١) فغير صحيح ، فإن قرينا المعروف هو قرين بن المطلب بن السائب بن أبي وداعة وأمه زبيبة (٢). وليس لقرين بن عبدالله بن عثمان من وجود ، ولم تشر إلى ذلك المصادر الرجالية ، ولعل مقتضيات الواقعة أجبرت رواتها إلى اختلاق مثل هذه الشخصية الموهومة.

إذن لم يثبت زواج السيدة «آمنة» بنت الحسين عليهما‌السلام من عبدالله بن عثمان ابن حزام لضعفها سندا ، وعدم تماميتها دلالة.

ثالثا : الأصبغ بن عبدالعزيز بن مروان

وهو ممن أشارت إليه روايات الإصفهاني وابن خلكان وسبط ابن الجوزي ، واتفقت على عدم الدخول بها ـ إن صح وقوع ذلك ـ إلا خبر ابن سعد في الطبقات فقال : تزوجها. ولعله أشار إلى الأعم من الدخول وعدم الدخول ، واتفاقهم على عدم الدخول يشير إلى ما قصده ابن سعد من عدم الدخول كذلك.

والخبر لا يمكن قبوله بقرينة مهمة ، وهي : أن الأصبغ بن عبدالعزيز كان واليا لعبد الملك بن مروان في مصر ، والسيدة آمنة بنت الحسين إقامتها في المدينة ، وهي لم تغادرها أبدا ، فكيف يتسنى لهذا المرواني من زواجها؟ بل كيف ومتى وقع العقد ولم يدخل بها؟ وما هي أسباب عدم الدخول؟

__________________

(١) وجاء في الأغاني ١٦١ : ١٦ أن سكينة ولدت من هذا الحزامي بنتا. وقبلها في صفحة ١٥٩ ذكر أبوالفرج أن هذه البنت لمصعب بن الزبير. وأما قرين فهو المسمى بعثمان ولد زيد بن عمرو بن عثمان ، كما قال في الأغاني ١٦٣ : ١٦. روايات الواحدة تلو الأخرى متهافتة ، وكل رواية تنقض الأخرى ، والكل في تناقض وتهافت.

(٢) راجع الطبقات الكبرى لابن سعد ١٢٧ : ٤.

١٢٦

كل هذه الاستفهامات وغيرها ، التي نضعها على الخبر توجب توهينه وعدم قبوله ، مما يعني عدم وقوع الزواج ، وما ذكرت من أخبارها أكثرها مرسلة ، وما أسند منها فضعيف ؛ لروايته من قبل الزبير بن بكار ومصعب الزبيري ، من أبطال وضع روايات وقصص سكينة ، وقد عرفت حالهما ، وقد أشرنا في مطاوي البحث إلى أن أخبار الزواج هي تشكيلات زبيرية ـ مروانية واضحة القصد ومعلومة الإرادة.

وعلى هذا فخبر زواج الأصبغ بن عبدالعزيز من السيدة آمنة بنت الحسين غير تام.

رابعا وخامسا : زيد بن عمرو بن عثمان وإبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف

وهما المشتركان في قائمتي أبي الفرج الإصفهاني وابن سعد ، بل هما المشتركان في حدث واحد هكذا :

قال ابن سعد : فخلف عليها إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف الزهري. كانت ولته نفسها ، فتزوجها ، فأقامت معه ثلاثة أشهر ، فكتب هشام ابن عبدالملك إلى واليه بالمدينة أن فرق بينهما ففرق بينهما ... (١).

قال ابن خلكان : تزوجها زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان ، فأمره سليمان بن عبد الملك بطلاقها ففعل ... (٢).

يضعانا هذين النصين أمام تساؤلات مهمة :

الأول : اشتراك الاسمين في حدث واحد.

الثاني : ما الذي دفع هشام بن عبدالملك وسليمان بن عبدالملك أن

__________________

(١) الطبقات الكبرى لابن سعد ٣٢٠ : ٦.

(٢) وفيات الأعيان ٣٧٨ : ١.

١٢٧

يأمرا إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف ، وعمرو بن عثمان من طلاقهما للسيدة «آمنة» سكينة بنت الحسين؟

الثالث : هل كان لهذين الأمويين هشام وسليمان ولاية على نساء آل أبي طالب ، مع وجود الإمام علي بن الحسين عليهما‌السلام وآل علي وآل عقيل ، حتى يتوليا أمر طلاقهن وتسريحهن؟!

الرابع : ذكر الخبر أن السيدة آمنة ولت أمر نفسها إلى إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف فتزوجها ... فأين كان أولياء أمورها كأخيها الإمام زين العابدين عليه‌السلام ، أو ابن أخيها الإمام محمد الباقر عليه‌السلام ، حتى تولي أمر نفسها إلى أبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف الذي كان معروفا باختلاف موقفه من أهل البيت عليهم‌السلام ، وتباينه عنهم ، كما كان عليه أبوه من قبل؟!

هذه التساؤلات نضعها أمام خبري زواج السيدة آمنة من إبراهيم بن عبدالرحمن ، وزيد بن عمرو بن عثمان ، فهل نجد الإجابة الوافية لهذه التساؤلات حتى يتم لنا قبول الخبر أو رفضه؟

أحسب أن الإجابة لذلك غير وافية ، ويبقى خبر زواج السيدة آمنة من إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف ، وزيد بن عمرو بن عثمان مردودا؛ إذ لم تكن هناك قرائن على صحة قيام مثل هذين الزواجين ، بل القرائن على خلافهما ، ومن هذه القرائن :

أولا : صرح الإصفهاني في خبر خطبة أبراهيم بن عبدالرحمن أن سكينة بعثت إليه : أبلغ من حمقك أن تبعث إلى سكينة بنت الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تخطبها؟ فامسك عن ذلك (١).

__________________

(١) الأغاني ١٦١ : ١٦.

١٢٨

والخبر يشير إلى عدم وجود كفاءة بين الطرفين ، وإقدام إبراهيم على ذلك أمر مخالف لما ارتكز في أذهان الناس من عدم كفئه لبني هاشم ، ولسكينة بالخصوص ، فكيف يتم الزواج بعد ذلك؟!

ثانيا : أن ابن عساكر يروي أنها تزوجت الحسن بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف من غير ولي ، في حين تذكر بقية الأخبار أن إبراهيم ابن عبد الرحمن قد تزوجها.

قال ابن عساكر : نكحت سكينة بنت الحسين الحسن بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف بغير ولي ، فكتب عبدالملك إلى هشام بن إسماعيل أن فرق بينهما (١).

وبهذا فإن الخبر يذكر مرة أنه تزوجها إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف ، وأخرى أنه تزوجها ولده الحسن بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف ، فما معنى هذا الاضطراب؟

إذن فخبر زواج السيدة آمنة من إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف مضطرب أشد الاضطراب ، فمرة أنها تزوجته بعد أن ولته نفسها ، ومرة لم يدخل بها ، وأخرى رفضته كونه غير كفء لها ، وتارة أنها تزوجت من ولده الحسن بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف ، وهذا الاضطراب يؤكد عدم وقوع الحادثة لتناقضاتها الواضحة واضطرابها البين.

ثالثا : أن خبر زواجها من زيد بن عمرو بن عثمان ثم طلاقها من قبل سليمان بن عبدالملك أمر يثير السخرية ، فهو يصور السيدة آمنة بأنها امرأة خرقاء ، ترتكب أعمالا لا يقدم عليها إلا الأحمق ، فما معنى خروجها إلى

__________________

(١) تاريخ دمشق لابن عساكر ، تراجم النساء : ١٥٨.

١٢٩

مكة ثم عودتها إلى المدينة ثم خروجها إلى مكة ، وهكذا لا يقر لها قرار ، حتى إن ذلك أثار حفيظة الخليفة الأموي فأمر العثماني بطلاقها؟!

قال الاصفهاني : بعد طلاق سكينة من الأصبغ المرواني فخلف عليها العثماني ، وشرطت عليه ألا يطلقها ولا يمنعها شيئا تريده ، وأن يقيمها حيث خلتها أم منظور ، ولا يخالفها في أمر تريده ، فكانت تقول له : يا بن عثمان أخرج بنا إلى مكة ، فإذا خرج بها فسارت يوما أو يومين قالت : ارجع بنا إلى المدينة ، فإذا رجع يومه ذاك قالت : أخرج بنا إلى مكة ، فقال له سليمان بن عبدالملك : اعلم أنك قد شرطت لها شروطا لم تف بها فطلقها فطلقها (١).

وهذا التصرف الأهوج الذي صوره الخبر لا ينسجم مع امرأة سوية عاقلة ، بل هو يحكي عن تصرفات امرأة حمقاء لا هم لها إلا الخروج من المدينة ، ثم عودتها إليها ، ثم خروجها منها ، وهكذا دون طائل ، فكيف يمكننا قبول مثل هذا الهوس وحكايات الحمقى لامرأة توصف بأنها من عقائل قريش؟! مما يعني أن خبر الزواج أمر موضوع يراد منه المس بكرامة هذا البيت العلوي الطاهر.

رابعا : ومن القرائن المهمة على بطلان الخبر ، أن راويه هو أشعب ، وأشعب هذا متروك الحديث ضعيف ، يتعاطى الغناء واللهو ، ويكذب من أجل إضحاك الآخرين.

قال الأزدي : لا يكتب حديثه ، ونقل ابن حجر عنه في لسان الميزان أنه قال : أخذت الغناء عن معبد (٢).

__________________

(١) الأغاني ١٦٢ : ١٦ ، ١٦٣.

(٢) لسان الميزان ٥٠٣ : ١.

١٣٠

هذا هو أشعب ، فهو ليس راوية ولا يؤخذ عنه ، بل عمد إلى التهريج واللهو ، وتكسب على موائد الخلفاء فأضحكهم دون تحرج في ارتكاب ما يخالف الشريعة من الكذب والتزوير ، وهذه إحدى مفترياته متقربا بذلك الى بني امية ، ومحاولاً تصوير التقارب بينهم وبين آل عليّ عليه‌السلام بهذه المصاهرة الكاذبة ، ومن جهة أخرى محاولا الإساءة إلى آل البيت عليهم‌السلام إرضاء لنزعة الأمويين في تزوير الحقائق وانتقاصهم عليهم‌السلام.

هذه القرائن تؤكد دون أدنى شك على عدم وقوع الزواج من إبراهيم ابن عبدالرحمن بن عوف ، وزيد بن عمرو بن عثمان ، فهي محض اختلاق وتزوير.

على أنه يجب التنويه ، إلى أن المؤرخين وأصحاب الأنساب أكدوا أن عبدالله بن عمرو بن عثمان بن عفان ، وهو أخو زيد بن عمرو ، كان قد تزوج بأخت سكينة ـ فاطمة بنت الحسين ـ وكان عبدالله هذا موالا لأهل البيت عليهم‌السلام حافظا لعهدهم كما ذكروه. ولعلهم خلطوا في ذلك فجعلوا زواج سكينة بنت الحسين من زيد بن عمرو بن عثمان ، بدل زواج فاطمة بنت الحسين من عبدالله بن عمرو بن عثمان ، وهذه إحدى قرائن اضطراب الحادثة.

سادسا : عبدالله بن الحسن السبط

وهو المذكور في قائمة واحدة ، وهي قائمة أبي الفرج الإصفهاني فقط ، أما بقية القوائم فلم تذكره.

وانفراد أبو الفرج الإصفهاني في ذكر عبدالله بن الحسن من أزواج السيدة آمنة يفيدنا قرينة مهمة في صحة الزواج دون غيره ، فإن أبا الفرج الإصفهاني في صدد ذكر أزواج السيدة آمنة ، وذلك لتوجهاته في متابعة

١٣١

أنساب آل أبي طالب ، ونزعته في دراسة الأنساب ـ مع ما تلاحظ عليه من المؤاخذات في هذا المجال ـ فهو حينما يذكر أزواج السيدة آمنة ، يأخذ بنظر الاعتبار تعداد أزواجها بغض النظر عن مدة مكوثه معها وإقامته.

أما غير أبي الفرج الإصفهاني فإنهم يأخذون بالاعتبار أحوال أزواج «آمنة» سكينة بنت الحسين ، وما صاحب ذلك من وقائع وسير وملاحم وتراجم أزواجها ، وليس من اهتمامهم تعداد أزواجها بقدر ما يحاولون ذكر أحوالهم وتراجمهم وما وقع لها معهم ، وهو كما عرفت تأكيد لنزعتهم في متابعة مغامرات الغزل والتشبيب ، وملاحم العبث ومجالس اللهو والغناء ، دون الاهتمام في معرفة أنساب المترجم لهم ، بقدر اهتمامهم في التفكه بما وقع لهؤلاء واستملاح قصصهم ومغامراتهم ، وفي الوقت نفسه إمعانا في نزعة هؤلاء من أتباع توجهات أسيادهم من زبيريين ومروانيين ، وطرح ما يصبو إليه هؤلاء من الانتقاص بمقام أهل البيت الطاهر عليهم‌السلام ورمي ما «أصيبوا» به غيرهم.

ويؤيد زواجها من عبدالله بن الحسن ، ما ذهب إليه أكثر مؤرخي الفريقين وجعلوه من المسلمات الثابتة ومن هؤلاء :

١ ـ أبو علي الطبرسي في «إعلام الورى»(١).

٢ ـ أبو الحسن العمري في كتاب «المجدي في أنساب الطالبيين»(٢).

٣ ـ السيد محسن الأمين العاملي في «أعيان الشيعة»(٣).

__________________

(١) اعلام الورى : ١٢٧.

(٢) المجدي في أنساب الطالبيين : ١٩ في باب أولاد الحسن بن علي عليهما‌السلام ، وعنه مقتل الحسين عليه‌السلام للسيد عبدالرزاق المقرم : ٢٦٤.

(٣) أعيان الشيعة ٣٤٣ : ٥.

١٣٢

٤ ـ الشيخ عباس القمي في «منتهى الآمال»(١).

٥ ـ السيد عبدالرزاق المقرم في «سكينة بنت الحسين عليهما‌السلام» وفي «مقتل الحسين عليه‌السلام»(٢).

٦ ـ الشيخ محمد الصبان في «إسعاف الراغبين»(٣).

٧ ـ أبو الفرج الإصفهاني في «الأغاني»(٤).

٨ ـ المدائني في «المترادفات»(٥).

هذا هو اتفاق أهل النسب والتاريخ ، من أن زوج السيدة آمنة بنت الحسين عليهما‌السلام هو «عبدالله بن الحسن» الأكبر الملقب «بأبي بكر» وهو الذي استشهد في واقعة الطف ، أمه رملة ، وهي أم القاسم بن الحسن عليه‌السلام.

على أن عبد الله بن الحسن هذا هو غير عبدالله بن الحسن الأصغر ، الذي لم يبلغ الحلم ، استشهد وله إحدى عشرة سنة.

قال السيد المقرم في شهادة عبدالله الأصغر : ... فنظر عبدالله بن الحسن السبط عليه‌السلام وله إحدى عشرة سنة إلى عمه ، وقد أحدق به القوم فأقبل يشتد نحو عمه ، وأرادت زينب حبسه فأفلت منها ، وجاء إلى عمه وأهوى بحر بن كعب ليضرب الحسين فصاح الغلام : يا ابن الخبيثة أتضرب عمي؟ فضربه واتقاها الغلام بيده فأطنها إلى الجلد فإذا هي معلقة ، فصاح الغلام : يا عماه! ووقع في حجر الحسين فضمه إليه ، وقال : يا ابن أخي اصبر على ما

__________________

(١) منتهى الآمال ٦٨٣ : ١ كما حكاه عن بعض مشجرات الأنساب.

(٢) سكينة بنت الحسين : ١١٠ ، ومقتل الحسين عليه‌السلام : ٢٦٤.

(٣) إسعاف الراغبين على هامش نور الأبصار : ٢٠٢.

(٤) الأغاني ١٥٨ : ١٦ و ١٦٠ و ١٦٢.

(٥) المترادفات : ٦٤.

١٣٣

نزل بك واحتسب في ذلك الخير ، فإن الله تعالى يلحقك بآبائك الصالحين ... ورمى الغلام حرملة بن كاهل بسهم فذبحه وهو في حجر عمه (١).

والنتيجة : فعبدالله بن الحسن اثنان : أحدهما عبدالله الأكبر الملقب بأبي بكر وهو زوج السيدة آمنة بنت الحسين ، والثاني هو عبدالله الأصغر الذي لم يبلغ الحلم.

إذن عبدالله بن الحسن الأكبر هو زوج السيدة آمنة لم يعقب ، كما أنها لم تتزوج بعده فبقيت عليها‌السلام دون زواج حتى ماتت ـ رضوان الله عليها ـ في سنة (١١٧ هـ) في المدينة ، وهذا خلاف ما اختلقه بعضهم من تعدد أزواجها عليها‌السلام. ولا غرابة في أن السيدة آمنة بنت الحسين عليهما‌السلام لم تتزوج بعد شهادة زوجها عبدالله بن الحسن السبط ، فكان هذا ديدن البعض من نساء أهل الشرف ، والمنسوبات للبيوتات المعروفة وقتذاك ، فأمها الرباب لم تتزوج بعد الحسين عليه‌السلام ، ورفضت أن تستجيب لخاطب من الخطاب ، وهذه نائلة بنت الفرافصة زوجة عثمان بن عفان لما قتل زوجها رفضت خطبة معاوية كما ذكر ذلك ابن عبد ربه الأندلسي ، بل زاد في خبرها أنها قالت : إني رأيت الحزن يبلى كما يبلى الثوب ، وقد خفت أن يبلى حزن عثمان في قلبي ، فدعت بفهر (٢) فهشمت فاها وقالت : والله لا قعد مني رجل مقعد عثمان أبدا (٣).

وقال بعضهم : إنها جدعت أنفها مخافة أن يخطبها خاطب ، فما

__________________

(١) مقتل الحسين للسيد المقرم : ٢٨٠.

(٢) الفهر ، والفهرة : حجر رقيق تسحق به الأدوية.

(٣) العقد الفريد لا بن عبد ربه ١٧٤ : ٣. وفي طبعة دارالكتاب بتحقيق الأبياري ورفقائه : ٢٤٢.

١٣٤

حسبك بمن رأت مصارع أهلها مجزرين على أرض كربلاء؟ فالسيدة آمنة عليها‌السلام عاشت مأساة المجزرة الدامية التي نالت أباها الحسين عليه‌السلام وأخوتها ، خصوصا ما حدث لأخيها الرضيع عبدالله ، وزوجها عبدالله بن الحسن وأبناء عمومتها ، وما شاهدته من الأسر والسبي حيث يساقون هي وأهلها العقائل من بلد إلى بلد.

حزن الفاطميات

ومن السذاجة أن يتغافل هؤلاء المؤرخون الحمقى عن قضية لا يمكن إلغاؤها عن الواقع ، وهي فداحة الفاجعة التي أصابت آل البيت عليهم‌السلام في كربلاء ، وقد حضر المأساة وشاهد فصولها كاملة نساء آل علي عليه‌السلام ، وما تركته هذه الأحداث في نفوسهن الطاهرة من الحزن والبكاء الدائم على شهداء الواقعة ، وما عانينهن من ذل الأسر وسبيهن ووقوفهن في مجالس أعدائهن ، ومساءلتهن بشماتة ألغت معها كل معايير الشريعة ، وما تعارف عند المسلمين من كرامة أهل هذا البيت عليهم‌السلام واحتشامه ، فهل يبقى بعد ذلك احتمال لعاقل وغيور أن يقبل قصص تعدد الأزواج ، وحياة اللهو التي تمارسها السيدة آمنة كما صورها هؤلاء السذج؟ بغض النظر عن الموانع الدينية التي عرف بها أهل هذا البيت رجالاً ونساءً. فإن الحالة النفسية التي يعيشها الفرد منهم يستحيل قبول سلوك مثل هذه الحياة العبثية ، والانتقال بين أحضان الأزواج ، من زبيريين إلى مروانيين وأمويين ، ولو كانت أكذوبة تعدد الأزواج قد صورتها هذه الأخبار الموضوعة أنهم من بني هاشم ، أمكن تصديقها لتوفر الكفاءة الدينية ، ومن ثم العرفية في هكذا زواج ، فما حسبك وهؤلاء الأزواج من أعداء أهل البيت عليهم‌السلام؟

١٣٥

على أن الإمام الصادق عليه‌السلام صور حزن الفاطميات بقوله : «ما اكتحلت هاشمية ولا اختضبت ، ولا رؤي الدخان في بيت هاشمي خمس حجج إلى أن قتل عبيدالله بن زياد» (١).

بل إن السيدة آمنة عليها‌السلام حينما وصلت المسجد النبوي في المدينة صاحت : يا جداه إليك المشتكى مما جرى علينا ، فوالله ما رأيت أقسى من يزيد ، ولا رأيت كافرا ولا مشركا شرا منه ولا أجفى وأغلظ ، فلقد كان يقرع ثغر أبي بمخصرته وهو يقول : كيف رأيت الضرب يا حسين (٢).

هكذا عبرت السيدة آمنة عن لوعتها وتفجعها للمصاب ، فكيف تنسى بعد ذلك وترتكب حياة تعدد الأزواج؟!

والسيدة الرباب أمها بكت على أبي عبدالله حتى جفت دموعها ، فأعلمتها بعض جواريها بأن السويق يسيل الدمعة ، فأمرت أن يصنع لها السويق لاستدرار الدموع (٣).

والإمام زين العابدين عليه‌السلام يدعو إلى الحزن على أبي عبدالله عليه‌السلام ويتعجب ممن لا يحزن من أجله ، ولا يبكي على مأساة ، فقال في خطبته حين وصول المدينة بعد أن حمد الله وأثنى عليه قال :

«أيها القوم ، إن الله تعالى وله الحمد ابتلانا بمصائب جليلة ، وثلمة في الإسلام عظيمة ، قتل أبو عبدالله الحسين عليه‌السلام وعترته ، وسبيت نساؤه وصبيته وداروا برأسه في البلدان ، من فوق عامل السنان ، وهذه الرزية التي لا مثلها رزية.

أيها الناس ، فأي رجالات منكم يسرون بعد قتله؟ أم أي فؤاد لا يحزن من أجله؟ أم أية

__________________

(١) مقتل الحسين للقرم : ٣٧٦.

(٢) المصدر السابق.

(٣) المصدر السابق.

١٣٦

عين منكم تحبس دمعها وتضن عن انهمالها؟ فلقد بكت السبع الشداد لقتله ، وبكت البحار بأمواجها ، والسماوات بأركانها ، والأرض بأرجائها ، والأشجار بأغصانها ، والحيتان في لجج البحار ، والملائكة المقربون ، وأهل السماوات أجمعون.

أيها الناس ، أي قلب لا ينصدع لقتله؟ أم أي فؤاد لا يحن إليه؟ أم أي سمع يسمع بهذه الثلمة التي ثلمة في الإسلام ولا يصم؟ أيها الناس ، أصبحنا مشردين مطرودين مذودين شاسعين عن الأمصار كأننا أولاد ترك وكابل ، من غير جرم اجترمناه ، ولا مكروه ارتكابناه ، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها ، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين أن هذا إلا اختلاق ، والله لو أن النبي تقدم إليهم في قتالنا كما تقدم اليهم الوصية بنا لما زادوا على ما فعلوا بنا ، فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أعظمها وأفجعها وأكظها وأفظها وأمرها وأفدحها ، فعند الله نحتسب ما أصابنا ، وما بلغ بنا ، فإنه عزيز ذو انتقام» (١).

هذه هي وصية الإمام عليه‌السلام لشيعته بملازمة الحزن وتجدده عند ذكر سيد الشهداء عليه‌السلام ، وما ينبغي لهم ، فكيف بحال أخته الطاهرة السيدة آمنة عليها‌السلام وغيرهن من الفاطميات؟!

محاولة تشويه الحقائق إذن

إذا عرفنا أحزان أهل البيت عليهم‌السلام وتفجعهم من وقع المأساة ، علمنا أن حزنهم هذا إدانة للأمويين ولمن نحى منحاهم ، والحزن الدائم الذي رفعه أهل البيت عليهم‌السلام شعارا لمظلوميتهم ، حاول أعداؤهم مسخه وتغييره إلى حالات من التوافق والانسجام بينهم وبين أعدائهم ، بل إلغاء أحزانهم عليهم‌السلام وإحالتها إلى قضية وقتية ، شعر بها أهل البيت عليهم‌السلام بالانقباض إبان واقعة الطف ، وانتهى الأمر بنسيانها وإسدال ستار العلاقات الطيبة بين أهل

__________________

(١) مقتل الحسين عليه‌السلام للمقرم : ٣٧٤.

١٣٧

البيت عليهم‌السلام وبين الأمويين ، وأن المسألة لم تكن كما تصورها شيعتهم ، بل هي لا تعدو عن منازعة على سلطان انتهت بغلبة أحدهما وإعادة التفاهم بين الطرفين ، وجعلوا دلالة ذلك علاقات الزواج بين السيدة «آمنة» سكينة وبين أزواجها الزبيريين والأمويين ، وبذلك شطبوا على كل الأحداث التي مرت ، من خلال تحسين العلاقات بين الطرفين ، إضافة إلى إلغاء طابع المأساة الذي طبع به أهل البيت عليهم‌السلام حياتهم ، احتجاجا على ظالميهم.

في حين أن السيدة آمنة تبدو خلاف ذلك ، فهي في سعةٍ من العيش ، تمارس حياة طبيعية لا تشوبها ذكريات الطف. هذا حال المرأة التي من شأنها أن تستذكر أبدا أحزانها وتستعيد آلامها ، تعيش حياتها الطبيعية ، فكيف برجالهم؟ فهم أولى بممارسة الحياة الطبيعية ، وإقامة العلاقات الطيبة بينهم وبين الأمويين والزبيريين ، وما هذا التباعد بين الطرفين إلا تخيلات الذين يحاولون تصوير عدم الرضا والتفاهم بين الطرفين.

هكذا سعى وضاع أخبار السيدة «آمنة» سكينة عليها‌السلام إلى إلغاء حالات التظلم التي اظهرها أهل البيت عليهم‌السلام إدانة لأعدائهم ، وكشفا عن مظلوميتهم النابعة عن إبعادهم عليهم‌السلام عن حقوقهم ، واستيلاء أعدائهم على مقاماتهم التي رتبها الله لهم ، فإذا ارتكزت أخبار زواج السيدة سكينة من تشكيلات أموية وزبيرية ، وإظهار حياتها مظهر اللهو والعبث ، فمتى يبقى بحال لقداسة مظلومية أهل البيت وسمو مقامهم في الأذهان ، إذا ما انفتح القارئ عل رؤية جديدة تحاول تطبيع العلاقات بين بيتين لم يتوافقا؟ اختلفا في الله وافترقا في الله ، أي لا يزال أهل البيت عليهم‌السلام لم يتفقوا مع أطروحة أعدائهم ، مهما حاول الوضاع تصوير العلاقة بين الفريقين إلى حالة طبيعية منسجمة.

١٣٨

وحينما تزور الحقائق ...

يصل الأمر بهؤلاء الوضاعين أن يرووا روايات تخالف العقل والوجدان ، إمعانا منهم في الطعن بكرامة أهل البيت عليهم‌السلام والوصول إلى أهدافهم وغاياتهم.

فقد روى الإصفهاني عن أبي الأزهر قال : حدثنا حماد بن إسحاق ، عن أبيه ، عن الهيثم بن عدي ، عن صالح بن حسان وغيره : أن سكينة كانت عند عمرو بن حكيم بن حزام ، ثم تزوجها بعده زيد بن عمرو بن عثمان بن عفان ، ثم تزوجها مصعب بن الزبير ، فلما قتل مصعب خطبها إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف فبعثت إليه : أبلغ من حمقك أن تبعث إلى سكينة بنت الحسين بن فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تخطبها؟ فامسك عن ذلك.

قال : ثم تنفست يوما بنانة جارية سكينة وتنهدت ، حتى كادت أضلاعها تتحطم ، فقالت لها سكينة : ما لك ويلك! قالت : أحب أن أرى في الدار جلبة ـ تعني العرس.

فدعت مولى لها تثق به ، فقالت له : إذهب إلى إبراهيم بن عبدالرحمن ابن عوف فقل له : إن الذي كنا ندفعك عنه قد بدا لنا فيه ، أنت من أخوال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاحضر بيتك.

قال : فجمع عدة من بني زهرة ، وأفناء قريش من بني جمح وغيرهم ، نحوا من سبعين رجلا أو ثمانين ، ثم أرسل إلى علي بن الحسين ، والحسن ابن الحسن وغيرهم من بني هاشم. فلما أتاهم الخبر اجتمعوا وقالوا : هذه السفيهة تريد أن تتزوج إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف ، فتنادى بنوهاشم واجتمعوا وقالوا : لا يخرجن أحد منكم إلا ومعه عصا ، فجاؤوا وما بقي إلا

١٣٩

الكلام ، فقال : اضربوا بالعصي ، فاضطربوا هم وبنو زهرة ، حتى تشاجوا ، فشج بينهم يومئذ أكثر من مئة إنسان ، ثم قالت بنو هاشم : أين هذه؟ قالوا : في هذا البيت ، فدخلوا إليها فقالوا : أبلغ هذا من صنعك؟ ثم جاؤوا بكساء فبسطوه ثم حملوها ، فأخذوا بجوانبه ـ أو قال : بزواياه الأربع ـ فالتفتت إلى بنانة فقالت : يا بنانة أرأيت في الدار جلبة؟ قالت : أي والله إلا أنها شديدة (١).

هكذا يروي هؤلاء أساطير دون وازع من دين ، ولا رادع من عقل.

الخلاصة

وخلاصة بحثنا أن السيدة سكينة بنت الحسين عليهما‌السلام اسمها «آمنة» ، وسكينة لقب لقبت به ، وكل ما قيل من شعر في سكينة فهي ليست سكينة بنت الحسين التي هي آمنة ، بل هناك سكينة بنت خالد بن مصعب الزبيري ، التي كانت معروفة بملاقاتها واجتماعها مع عمر بن أبي ربيعة الشاعر ، الذي تغزل بها وشبب بغيرها ، أمثال عائشة بنت طلحة بن عبيد الله زوجة مصعب ابن الزبير ، وسعدى بنت عبدالرحمن بن عوف ، وبأم البنين بنت عبدالعزيز ابن مروان زوجة الوليد بن عبدالملك ، وغيرهن من النساء الأمويات والمروانيات ، وكانت سيرتهن مجالسة شعراء عصرهن وقتذاك ، ومسامرتهن لهم وتحرشهن بهم ، حتى عرفت فيهن ملاحم اللهو والعبث ، وهذا لعمري إحدى الانتقاصات التي وجهتها المعارضة العلوية الشيعية ، التي كانت تنظم بين الحين والآخر ضد النظام الأموي ، وما ماثلته من حركات زبيرية وأطروحات مخالفة لأهل البيت عليهم‌السلام ، وكانت هذه المعارضة تستعرض الانتهاكات الشرعية التي كانت ترتكبها هذه الأنظمة ، وما صاحبها

__________________

(١) الأغاني ١٦ : ١٦١.

١٤٠