كتاب المواريث
الرسالة الخامسة والعشرون
ميراث المعتق إذا مات عتيقه
الرسالة السادسة والعشرون
ميراث الجدّة مع الأُخت
الرسالة السابعة والعشرون
مسألة في رجل عنده زوجتان ..
الرسالة الثامنة والعشرون
الحبوة
الرسالة الخامسة والعشرون
ميراث المعتق إذا مات عتيقه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ الذي له ميراثُ السماوات والأرضين ، والصلاةُ والسلامُ على محمّدٍ وآلهِ ورثةِ الأنبياءِ والمرسلين ، الثابتِ لهم الولاء على جميع العالمين.
قال السائل وفّقهُ الله تعالى لاقتناء المسائل ، واقتفاء الحجج والوسائل ـ :
( ما يقولُ مولانا في عتيق توفيَ ولا له وارث ، يرثُهُ المعتِقُ مطلقاً ، أم لا؟ ).
شروط الإرث بولاء العتق
أقول مستمداً منه سبحانه التسديد في كلِّ مقول ـ : اعلم علّمك الله الخير وسلّمك من الضير أنّ الإرثَ بولاء العتق مشروطٌ بشروطٍ ثلاثةٍ :
الأوّل : فقدُ القريب النسبي الجامع لشرائط الإرث ، قريباً كان أو بعيداً ؛ للإجماع بقسميه ، وآية ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ ) (١) ، والنصوص المستفيضة المعتبرة دالّةٌ عليه (٢).
فمتى كان للعتيق وارث نسبيٌّ اختصّ بميراثه ، ولا شيء لمعتقه ؛ لما ذكرنا.
أمّا الوارث السببي كأحد الزوجين لو كان فله نصيبه الأعلى ، والباقي للمنعِم بالعتق أو مَنْ يقوم مقامه ، على ما سيأتي إنْ شاء الله تعالى.
ولم يُحكَ الخلافُ فيه إلّا عن الحلبي (٣) ، فجعلَ الزوجَ حاجباً للمعتق دون
__________________
(١) الأنفال : ٧٥ ، الأحزاب : ٦.
(٢) انظر : الوسائل ٢٦ : ٢٣٣ ، أبواب ميراث ولاء العتق ، ب ١.
(٣) الكافي ( أبو الصلاح ) : ٣٧٤.
الزوجة ، وهو مطالبٌ بالدليل ، وليس له مِنْ سبيل.
ولا ينافي هذا الشرط ما في صحيح العِيص بن القاسم عن الصادق عليهالسلام : في رجلٍ اشترى عبداً ، [ و (١) ] له أولاد من امرأة حُرَّة ، فأعتقه؟.
قال : « ولاءُ ولده لِمَنْ أعتقه » (٢).
ولم أقف على عامل بظاهره من الأصحاب ، بل ظاهرهم الاتّفاقُ على عدم الولاء في هذه الصورة ؛ لكون أولادهِ أحراراً ، لتولّدهم من حُرَّةٍ ، فيتبعون أشرف الأبوين.
فلا بدّ من حمله ؛ إمَّا على موت الأولاد قبله ، أو على أنّ الأمّ الحُرّة كانت معتقةً ، لا حرّةً أصلية. فبعد عتق الأب ينجرُّ ولاء الأولاد من موالي الأُمّ إلى موالي الأب ، كما نسب للمشهور.
بل في ( الجواهر ) نفي الخلاف عنه ، بل الإجماع بقسميه عليه (٣) ، وتدلّ عليه جملةٌ من الأخبار الواردة في هذا المضمار (٤) ، فينتفي حينئذٍ المحذور ، واللهُ العالمُ بحقائق الأُمور.
الثاني : أنْ يكون العتقُ تبرّعاً ، لا لازماً بسبب شرعيّ.
فلو وجب العتقُ بنذرٍ أو عهدٍ أو يمينٍ أو كفّارةٍ مطلقاً ، أو حصل الانعتاق بسببٍ قهريّ من الشارع كزَمَانةٍ (٥) أو تنكيلٍ أو مُلْكِ قرابةٍ اختياراً أو قهراً كالانتقال بالإرث ، فالعتيق لا يرثه معتِقُه ، ولا مَنِ انعتق عليه ، وهو المسمّى بالسائبة ، على المشهور شهرةً عظيمةً بين الأصحاب.
بل في ( الرياض ) : ( عليه عامّة مَنْ تأخّر ) (٦).
وفيه (٧) وفي ( الجواهر ) (٨) عن ( السرائر ) (٩) نفي الخلاف فيه.
__________________
(١) من المصدر.
(٢) التهذيب ٨ : ٢٥٠ / ٩١٠ ، الوسائل ٢٣ : ٦٦ ، كتاب العتق ، ب ٣٨ ، ح ١.
(٣) جواهر الكلام ٣٩ : ٢٤٥.
(٤) الوسائل ٢٣ : ٦٦ ٧٠ ، كتاب العتق ، ب ٣٨.
(٥) الزَّمَانة : العاهة. لسان العرب ٦ : ٨٧ زمن.
(٦) رياض المسائل ٩ : ١٤٨.
(٧) رياض المسائل ٩ : ١٤٨.
(٨) جواهر الكلام ٣٩ : ٢٢٣.
(٩) السرائر ٣ : ٢٥.
وعن ( الغُنية ) (١) و ( الانتصار ) (٢) الإجماعُ عليه.
والنصوصُ المعتبرةُ المستفيضة صريحةُ الدلالة عليه (٣).
مضافاً لعدمِ دخول المذكوراتِ في قوله عليهالسلام : « الولاء لِمَنْ أعتق » (٤) ؛ لظهوره في ترتّب الولاءِ على وقوع العتق تبرّعاً من نفس المُعتِق ، فلا تشمل مَنِ انعتق قهراً على المالك ، ولا مَنْ وجب عتقُهُ بسبب مُلْزِم ، وأصالةِ عدم الولاء على أحدٍ إلّا ما خرج.
ولم يُحكَ الخلافُ في هذا الشرط إلّا عن الشيخ في ( المبسوط ) (٥) ، وابن حمزة (٦) ، فقد حكي عنهما (٧) أنّهما أثبتا الولاء على أُمِّ الولد لورثة مولاها بعد انعتاقها من نصيب ولدها.
بل عن الشيخ نفي الخلاف فيه (٨) ، بل الإجماع عليه.
ولا يخفى ما فيه ؛ لقيام الأدلّةِ المعتضدة بالشهرة المحقّقة على أنّ ميراث أُمِّ الولد إنّما هو للإمام ، مضافاً إلى عدم صدق الانعتاق المرتّب عليه الولاء بالاتّفاق.
وعنهما (٩) أنّهما أوجبا الولاء لِمَنْ ملك أحد قرابته فانعتق عليه ، سواء كان ملكه اختياراً كما إذا اشترى أباه مثلاً ، أو اضطراراً كما إذا ورثه ؛ لموثّق سماعة عن الصادق عليهالسلام ، المعارض بما هو أقوى سنداً وأكثر عدداً وأصرح دلالةً وأوضح مقالةً ، مضافاً لظهور قوله عليهالسلام فيه : « وأيُّهما مات ورثه صاحبه ، إلّا أنْ يكون [ له (١٠) ] وارثٌ أقرب [ إليه (١١) ] منه » (١٢) في إرادته عليهالسلام الإرث الحاصل بالقرابة النسبيّة ، لا الولاء ؛ ولهذا حكم عليهالسلام فيه بتوارثهما ، فلا حجّة فيه لهما.
__________________
(١) الغنية ( ابن زهرة ) ضمن الجوامع الفقهية : ٥٤٥.
(٢) الانتصار : ٣٧١.
(٣) انظر : الكافي ٦ : ١٩٧ / ٢ ، الفقيه ٣ : ٨١ / ٢٩١ ، الوسائل ٢٣ : ٧٧ ، كتاب العتق ، ب ٤٣.
(٤) التهذيب ٨ : ٢٤٩ / ٩٠٥ ، الوسائل ٢٣ : ٦١ ٦٢ ، كتاب العتق ، ب ٣٥ ، ح ١ ، ٢.
(٥) المبسوط ٦ : ٧١. (٦) الوسيلة : ٣٤٤.
(٧) الجواهر ٣٩ : ٢٢٥. (٨) المبسوط ٦ : ٧١.
(٩) المبسوط ٦ : ٧١ ، الوسيلة : ٣٤٣.
(١٠) من المصدر.
(١١) من المصدر.
(١٢) الفقيه ٣ : ٨٠ / ٢٨٧ ، الوسائل ١٨ : ٢٤٩ ، أبواب بيع الحيوان ، ب ٤ ، ح ٦.
وعن الشيخ (١) أيضاً : أنّه أثبت الولاء على العبد المنذورِ عتقُهُ ؛ لعموم « مَنْ أعتق لله » (٢) ، وغيره.
وفيه : أنّه ظاهرٌ في إرادة المتبرَّع به ، لا مطلقاً ، فليتأمّل.
وعنه رحمهالله في ( المبسوط ) (٣) أنّه أثبت الولاء على المعتق في الكفّارة ، إنْ لم يتمّ إرادته الحكاية والإيراد ، لا العمل.
وأمّا المدبَّر : فالظاهر بل المصرَّح به في بعض العبائر (٤) حصولُ الإجماع على ثبوت الولاء عليه من غير خلافٍ ظاهر. سواء قيل : أنّه عِتْقٌ بعد الموت ، أو وصيةٌ بالعتق ؛ لظهور اندراجه في تلك الأدلّةِ وكلمات فقهائنا الأكابر.
وأمَّا المكاتب : فمقتضى ما دلَّ على اشتراطِ التبرُّع بالعتق ، والشكّ في صدق كون عتقه لله تعالى بل هو كشراء العبدِ نفسَه على القول به عدمُ ثبوت الولاء عليه لسيّده أو مَنْ يقوم مقامه مطلقاً حتى مع شرط الولاء ، كما في مرسل محمّد بن أبي عمير ، المرويّ مسنداً بطريقٍ صحيحٍ عنه ، عن جميل ، قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عمّن كاتب مملوكاً واشترط عليه أنّ ميراثه له؟ قال : « رُفع ذلك إلى عليّ عليهالسلام فأبطلَ شرطه ، وقال : شرطُ اللهِ قَبْلَ شرطِك » (٥).
لكن حمله على حال وجود القريب قريبٌ ؛ بقرينة ما في ( قرب الإسناد ) عن أبي البخترِي عن الصادق عليهالسلام ، عن أبيه : « إنّ رجلاً كاتب عبداً له وشرط عليه أن له ماله إذا مات ، فسعى العبدُ في كتابته حتى عُتق ثمّ مات ، فرفع ذلك إلى عليّ عليهالسلام ، وقام أقارب المكاتب ، فقال له سيّد المكاتب : يا أميرَ المؤمنين ، فما ينفعني شرطي؟ فقال علي عليهالسلام : شرطُ اللهِ قَبْلَ شرطك » (٦).
وظاهر الجميع اتّحاد القضيّة ، فلا تطّرد تلك القضيّة ، بل يتّجه ثبوتُ الولاء
__________________
(١) عنه في الجواهر ٣٩ : ٢٢٨.
(٢) الكافي ٦ : ١٩٧ ١٩٨ / ٢ ، الوسائل ٢٣ : ٦٣ ، كتاب العتق ، ب ٣٦ ، ح ١ ، وفيهما : ( إذا أعتق لله ).
(٣) عنه في الدروس ٢ : ٢١٧ ، والجواهر ٣٩ : ٢٢٥.
(٤) الدروس ٢ : ٢١٦ ، عنه في الجواهر ٣٩ : ٢٢٦.
(٥) التهذيب ٩ : ٣٥٣ / ١٢٦٦ ، الوسائل ٢٦ : ٥٦ ، أبواب موانع الإرث ، ب ٢٢ ، ح ١.
(٦) قرب الإسناد : ١٣٠ / ٤٥٤.
بالشرطِ كما في ( الجامع ) (١) ، وعن ( الخلاف ) ، و ( الإيجاز ) (٢) ، و ( المبسوط ) (٣) ، و ( السرائر ) (٤) ، و ( الوسيلة ) (٥) ، و ( الغُنية ) (٦) ، و ( الإصباح ) (٧) ، و ( والتحرير ) (٨) ، وجعله الأقوى في ( الجواهر ) (٩).
وحكى في ( كشف اللثام ) نفي الخلاف فيه عن ( السرائر ) (١٠) ؛ لعموم : « المؤمنون .. » ، وخصوص الأخبارِ المعتبرةِ التي هي بصحّة اشتراط ولاء المكاتب كافلةٌ متكثّرة.
ولذا حُكي اختياره عن جملةٍ من الطبقة المتقدّمة ، والوسطى ، والمتأخّرة.
بل قد يستظهر إطلاق الولاء عليه من موثّق الساباطي ، عن أبي عبد الله عليهالسلام : في مكاتبة بين شريكين ، يُعتق أحدُهما نصيبه ، كيف يُصنعُ بالخادم؟ قال : « تخدمُ الباقي يوماً ، وتخدمُ نفسها [ يوماً (١١) ] » (١٢) ، للفردِ المتعارف ، وهو العتقُ بصيغتِهِ المشهورة ، فلا يشمل هذه الصورة. أو يُشكُّ في شمولِها وعدمِه ، فالبقاءُ على الأصل هو اللازم ، إِلّا أنْ يثبت الدليلُ الجازم. واللهُ العالمُ.
الشرط الثالث : ألَّا يتبرّأ المُعْتِقُ من ضمانِ جريرةِ العتيق.
فلو تبرّع بالعتق ، ولكن اشترط عدمَ الضمان للجريرة ، لم يرثه بلا خلافٍ. بل حُكي عليه الإجماعُ (١٣) ، للأخبار المعتبرة الكثيرة (١٤).
وهل يشترطُ في سقوطِ ضمان الجريرةِ الإشهادُ على التبرّي ، بحيث يكونُ شرطاً في الصحّةِ ، كالإشهادِ على الطلاق ، أم لا؟
__________________
(١) الجامع للشرائع : ٤٠٥. (٢) الإيجاز ( ضمن الرسائل العشر ) : ٢٧٨.
(٣) المبسوط ٦ : ٧١. (٤) السرائر ٣ : ٢٦.
(٥) الوسيلة : ٣٤٣. (٦) الغنية ( ضمن الجوامع الفقهية ) : ٥٤٥.
(٧) الإصباح ( الكيدري ) ضمن سلسلة الينابيع الفقهية ٢٢ : ٢٩٩.
(٨) التحرير ٢ : ٩٢. (٩) الجواهر ٣٩ : ٢٢٨.
(١٠) السرائر ٣ : ٢٦.
(١١) من المصدر.
(١٢) الكافي ٧ : ١٧٢ / ١ ، الوسائل ٢٦ : ٦١ ، أبواب موانع الإرث ، ب ٢٤ ، ح ١.
(١٣) الغنية ( ضمن الجوامع الفقهية ) : ٥٤٥ ٥٤٦ ، عنه في الرياض ٩ : ١٤٨.
(١٤) انظر : الوسائل ٢٣ : ٦٣ ، كتاب العتق ، باب ٣٦.
قولانِ ، أشهرهما الثاني ؛ للأصل ، وظهورِ الأمر به في خبر عبد الله بن سنان (١) ، وما بمعنى الأمر في خبر حمزة بن حمران (٢) في الإرشاد لحكمة الإشهاد ، كالأَمر بالإشهاد في قوله تعالى ( وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ ) (٣).
وعن الشيخ في ( النهاية ) (٤) والحلّي (٥) ، الأوّل ؛ حملاً للأمر على حقيقته من الوجوب التكليفي.
وهو ظاهرُ نجيب الدين بن سعيد في جامعه (٦) ، وحُكي أيضاً عن الصدوق (٧) ، وابن الجنيد (٨) ، بل عن الشيخ دعوى الإجماع عليه ، وهو موهونٌ بذهاب الأكثر إلى خلافه.
وهل يشترطُ التبرّي حين العتق اقتصاراً في الخروج عن عموم « الولاء لِمَنْ أعتق » (٩) على المتيقّن وهو التبرّي حين الإعتاق أم يكفي وقوعه بعده للإطلاق؟ وجهان ، بل قولان ، أشهرهما الأوّل.
وزاد بعضُ المتأخّرين شرطاً رابعاً ، وهو : ( ألّا يكون أحد والدَيْ العتيق حرّا في الأصل ؛ إذْ لو كان أحدُهما كذلك تبعه في الحريّة ، فلا عتق له ولا ولاء عليه ) (١٠).
وهو حسنٌ ، إلا إنَّ الشرطَ الأوّلَ مغنٍ عنه ، وما يوهم خلافه قد مرَّ الجوابُ عنه.
فاذا اجتمعتْ الشروطُ الثلاثةُ وجبَ الإرثُ للمُعْتِقِ مِن العتيق واحداً كانوا أم أكثر بحسب الحصص ، رجالاً كانوا أم إناثاً.
وأمَّا العتيق فلا يرث المُعتِق ؛ اقتصاراً في ما خالف الأصل على المتيقّن ،
__________________
(١) التهذيب ٨ : ٢٥٦ / ٩٢٨ ، الوسائل ٢٣ : ٧٨ ، كتاب العتق ، ب ٤٣ ، ح ٤.
(٢) التهذيب ١٠ : ١٣٠ ١٣١ / ٥٢٢ ، الوسائل ٢٦ : ٢٥٠ ، أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة ، ب ٣ ، ح ١١.
(٣) البقرة : ٢٨٢.
(٤) النهاية : ٥٤٧ و ٦٦٩ ، عنه في الرياض ٩ : ١٥٠.
(٥) السرائر ٣ : ٢٣.
(٦) الجامع للشرائع : ٥٠٨ ، عنه في الجواهر ٣٩ : ٢٣٠.
(٧) المقنع : ٤٦١ ، عنه في مختلف الشيعة ٨ : ٨٦.
(٨) عنه في الرياض ٩ : ١٥٠.
(٩) الكافي ٦ : ١٩٨ / ٤ ، الوسائل ٢٣ : ٦٤ ، كتاب العتق ، ب ٣٧ ، ح ١.
(١٠) عنه في الرسالة المحمّديّة في أحكام الميراث الأبديّة ( مخطوط ) : ٢٢٩.
واختصاص الحِكْمَة بالأوَّل ، وهو المشهورُ المنصورُ ، وعن الشيخ رحمهالله الإجماعُ عليه (١).
وعن الصدوق (٢) ، وابن الجنيد (٣) : إنَّ العتيق يرثُ معتِقَه مع فقد الوارث له ؛ نظراً لعموم المنزلة في قوله عليهالسلام في خبر السكوني : « الولاءُ لُحمةٌ كلُحمة النسب » (٤).
وهو محجوجٌ بقوله عليهالسلام : « الوَلاءُ لِمَنْ أعتق » (٥) ، فيقيَّد بموافق المذهب.
أمّا مع العلم بالعتق والشكّ في حصول الشرط ، فمقتضى قاعدة : إن الشَّكَّ في الشرط شك في المشروط ، انتفاءُ الإرث به ورجوع ميراثه للإمام. إلّا إنَّ الظاهر كونُ وجودهما من الموانع التي يصحّ نفيُها بأصل العدم ، فيثبتُ الإرثُ لوجود المقتضي وزوال المانع.
وبالجملة ، فاستحقاقُ المُعتِق إرث عتيقه سواء كان المُنْعِم رجلاً ، أو امرأة ، أو خنثى ، متَّحداً أو متعدِّداً ممّا لا ريب فيه ، ولا خلاف بين علمائنا الأشراف.
الأقوال فيما إذا مات المُنْعِم
وأمّا إذا مات المُنْعِم ، فقد وقع الخلافُ فيه على أقوال ؛ لاختلاف الأخبار الواردة في هذا المضمار :
أوّلها : ما نُسب للمشهور (٦) ، وشيخ ( النهاية ) (٧) ، و ( الإيجاز ) (٨) ، والقاضي (٩) وابن حمزة (١٠) ، وجماعة من المتأخّرين (١١) ، وهو : أنَّ المُنْعِم إن كان رجلاً كان الولاء والإرث للأولاد الذكور خاصّة ، ومع عدمهم فللعَصَبَة ؛ وإنْ كان امرأةً فلعَصَبَتِها دون أولادها وإنْ كانوا ذكوراً.
__________________
(١) الخلاف ٤ : ٨٤ / ٩١.
(٢) الفقيه ٤ : ٢٢٤ ، عنه في المختلف ٨ : ٨٤ ، والرياض ٩ : ١٤٧.
(٣) عنه في المختلف ٨ : ٨٥ ، والرياض ٩ : ١٤٧.
(٤) التهذيب ٨ : ٢٥٥ / ٩٢٦ ، الوسائل ٢٣ : ٧٥ ، كتاب العتق ، ب ٤٢ ، ح ٢.
(٥) التهذيب ٨ : ٢٤٩ / ٩٠٥ ، الوسائل ٢٣ : ٦١ ٦٢ ، كتاب العتق ، ب ٣٥ ، ح ١ ، ح ٢.
(٦) الجواهر ٣٩ : ٢٣٤. (٧) النهاية : ٦٧٠.
(٨) الإيجاز ( ضمن الرسائل العشر ) : ٢٧٧ ٢٧٨. (٩) المهذّب ٢ : ٣٦٤.
(١٠) الوسيلة : ٣٤٤. (١١) عنهم في الرياض ٩ : ١٥٣.
فهنا أُمورٌ ثلاثة :
أمّا اختصاص الإرث بالأولاد الذكور إنْ كان المُنْعِمُ رجلاً ، فيدلُّ عليه مكاتبة محمّد بن عمر لأبي جعفر عليهالسلام : عن رجلٍ مات وكان مولى لرجلٍ ، وقد مات مولاه قبله ، وللمولى ابنٌ وبنات ، لِمَنْ ميراث المولى؟ فقال : « هو للرجالِ دون النساء » (١).
وقد يستدلُّ عليه أيضاً بقول الصادق عليهالسلام فيما مرَّ من خبر بُرَيْدِ العِجْلِي ـ : « فإنّ ولاء المعتِق [ هو (٢) ] ميراثٌ لجميع ولد الميِّت من الرجال » (٣) ، بناءً على أنَّ « من الرجال » بيانٌ لجميع ولد الميت كما هو الظاهر ، مع ظهور صدره كغيره في أنَّ المُنْعِم رجلٌ لا امرأة.
وأمّا اختصاص الإرث بالعصبة للمُنْعِم مع عدم الذكور ، فيدلّ عليه صحيح محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : « قضى عليٌّ عليهالسلام في رجلٍ حرَّر رجلاً فاشترط ولاءه ، فتُوفي الذي أعتَقَ وليس له ولد إلَّا النّساء ، ثمّ تُوفي المولى وترك مالاً وله عصبةٌ ، فاحتقّ في ميراثه بنات مولاه وعصبته ؛ فقضى بميراثه للعصبة الذين يعقلون عنه » (٤).
بناءً على عود الضمير في « عصبته » على المولى ، لا للعبد ، وأنَّ الاحتقاق أي : التخاصم أنَّما وقع بين بنات المولى وعصبة المولى كما استظهره المشهور ، لا بين بنات المُنْعِم وعصبة العبد كما استظهره المحدِّث المنصف في ميراثيّته (٥) ، وفاضل ( الرياض ) (٦) ردّاً على المشهور ، وتبعهما عليه فاضل ( الجواهر ) (٧) ، بقرينة قوله سابقاً : « ثم توفي المولى وترك مالاً وله عصبة » بناءً على عود ضمير « له » للعتيق ؛ لظهوره في أنَّ المال له والعصبة له ، فيكون التخاصم بين بنات مولى المُنْعِم وعصبة العتيق ، فتقدّم
__________________
(١) التهذيب ٩ : ٣٩٧ / ١٤١٩ ، الوسائل ٢٦ : ٢٣٩ ، أبواب ميراث ولاء العتق ، ب ١ ، ح ١٨.
(٢) من المصدر.
(٣) التهذيب ٨ : ٢٥٤ / ٩٢٥ ، الوسائل ٢٣ : ٧١ ٧٢ ، كتاب العتق ، ب ٤٠ ، ح ٢.
(٤) التهذيب ٨ : ٢٥٤ / ٩٢٣ ، الإستبصار ٤ : ٢٤ / ٧٧ ، الوسائل ٢٣ : ٧١ ، كتاب العتق ، ب ٤٠ ، ح ١ ، وفي جميعها : « .. بنات مولاه والعصبة .. ».
(٥) الرسالة المحمّديّة في أحكام الميراث الأبديّة ( مخطوط ) : ٢٣٠.
(٦) رياض المسائل ٩ : ١٥٢ ١٥٣.
(٧) الجواهر ٣٩ : ٢٣٤.
عصبة العتيق على بنات المُنْعِم ؛ لما مرّ في الشرط الأول من أنّ الإرث بالولاءِ مشروطٌ بعدم الوارث بالنسب إجماعاً ، أو مع السبب أيضاً على المشهور.
لكن الأظهر عود الضمير في « له » على المُنْعِم وإنْ بَعُدَ لفظاً ؛ بقرينة معلوميّة تقديم النسب على الولاء ، فلا يحسُن التخاصم بين عصبة العتيق وبنات المُنْعِم ، مضافاً لفهم الأصحاب ، فيكون أوْلى بالصواب.
وأمّا اختصاص الإرث بالعصبة إذا كان المُنْعِم امرأةً دون أولادها مطلقاً ، فيدلّ عليه قولُ الباقر عليهالسلام في صحيح محمّد بن قيس : « قضى أميرُ المؤمنين عليهالسلام في امرأةٍ أعتقَتْ رجلاً واشترطَتْ ولاءه ولها ابنٌ ، فألحق ولاءه لعصبتها الذين يعقلون عنها دون ولدها » (١).
وقولُ الصادق عليهالسلام في صحيح يعقوب بن شعيب : عن امرأةٍ أعتقَتْ مملوكاً ، ثم ماتت؟ قال : « يرجع الولاء إلى بني أبيها » (٢).
وقولُه عليهالسلام في صحيح أبي ولّاد : عن رجل أعتق جاريةً صغيرة لم تُدْرِكْ ، وكانت أمُّه قبل أنْ يموت سألتْهُ أنْ يعتق عنها رقبةً من ماله ، فاشتراها هو وأعتقها بعد ما ماتت أمُّه ، لِمَنْ يكون ولاء العتق؟.
قال : « يكون ولاؤها لأقرباء أُمّه من قِبَل أبيها ، وتكون نفقتها عليهم حتّى تدرك وتستغني » ، قال : « ولا يكون للذي أعتقها عن امُّه من ولائها شيء » (٣).
ولا يخفى ظهورها في المراد ظهور الشمس في ساعة الرادّ ، فيتّجه المصير إليه ؛ لكثرة أدلتهِ ، وصحّتها ، واشتهارها ، وعدم المعارض لها.
وفي ( الرياض ) (٤) و ( الجواهر ) (٥) عن ( الخلاف ) (٦) ، و ( الاستبصار ) (٧) نفي الخلاف ،
__________________
(١) التهذيب ٨ : ٢٥٣ ٢٥٤ / ٩٢١ ، الإستبصار ٤ : ٢٥ / ٨٠ ، الوسائل ٢٣ : ٧٠ ، كتاب العتق ، ب ٣٩ ، ح ١ ، وفي جميعها : « الذين يعقلون عنه ».
(٢) التهذيب ٨ : ٢٥٤ / ٩٢٤ ، الإستبصار ٤ : ٢٥ / ٨٢ ، الوسائل ٢٣ : ٧٠ ، كتاب العتق ، ب ٣٩ ، ح ٣.
(٣) التهذيب ٨ : ٢٥٤ / ٩٢٤ ، الإستبصار ٤ : ٢٥ / ٨٢ ، الوسائل ٢٣ : ٧٠ ، كتاب العتق ، ب ٣٩ ، ح ٣.
(٤) رياض المسائل ٩ : ١٥٣. (٥) الجواهر ٣٩ : ٢٣٥.
(٦) الخلاف ٤ : ٨١ / مسألة ٨٦. (٧) الاستبصار ٤ : ١٧٣.
بل فيهما عن أوّلهما (١) وعن ( السرائر ) (٢) الإجماع عليها.
إذْ ليس في الباب ما يوهمُ المعارضة سوى إطلاق أدلّة الإرث ، والأَقْرَبُونَ أوْلى بِالمَعْرُوفِ (٣) ، و ( أُولوا الأرْحَامِ بَعْضُهُم أوْلى بِبَعْضٍ ) (٤) المعارض بالمقيّد ، فبنى عليه كما هو مقتضى المذهب ؛ لاتّحاد الموجب ، وخبرُ : « إن الولاء لحمةٌ كلحمة النسب » (٥) ، الظاهر تخصيص عموم منزلته بقوله عليهالسلام : « لا تباعُ ولا توهب » (٦) وإن أوجبنا الإرث بالدليل الناهض الخالي عن المعارض ، والله العالم.
ثانيها : اشتراكُ أولادِ المُنْعِم مطلقاً إذا كان المُنْعِمُ رجلاً ، والاختصاصُ بعصبة المرأة إنْ كانَ المنعم امرأةً كالأوّل.
وهو الظاهرُ من الحرّ في وسائله (٧) وإن اقتصر في عنوان الباب على التشريك مطلقاً إنْ كان المعتق رجلاً ؛ لظهوره في موافقة المشهور في الشقّ الثاني المذكور.
وحكاه المحدّث المبرور في ميراثيّته (٨) ، وفاضل ( الرياض ) (٩) عن الفاضل السبزواري في كفايته (١٠) ، مستدلّاً على الأوّل بإطلاق : « الولاء لُحمة كلحمة النسب ».
وقد يستدلّ له أيضاً بما مرّ من إطلاق أدلّة الإرث ، وقول أمير المؤمنين في المرسل : « يرث الولاء مَنْ يرث المال » (١١) ، وخصوص موثّقِ عبد الرحمن بن الحجّاج عن الصادق عليهالسلام ، قال : « مات مولى الحمزة بن عبد المطلب ، فدفع رسول الله صلىاللهعليهوآله ميراثه إلى بنت حمزة » (١٢) ، الدالّ على مشاركة الذكور للإناث إذا كان المنعِم رجلاً.
__________________
(١) الخلاف ٤ : ٨١ / مسألة ٨٦. (٢) السرائر ٣ : ٢٤.
(٣) انظر : الوسائل ٢٦ : ٢٣٣ ، أبواب ميراث ولاء العتق ، ب ١.
(٤) الأنفال : ٧٥.
(٥) التهذيب ٨ : ٢٥٥ / ٩٢٦ ، الوسائل ٢٣ : ٧٥ ، كتاب العتق ، ب ٤٢ ، ح ٢.
(٦) ذيل الحديث المتقدّم في هامش ٥.
(٧) انظر : الوسائل ٢٦ : ٢٣٣ ، أبواب ميراث ولاء العتق ، ب ١.
(٨) الرسالة المحمّدية في أحكام الميراث الأبدية ( مخطوط ) : ٢٣٠.
(٩) الرياض ٩ : ١٥٣ ١٥٤. (١٠) الكفاية ( السبزواري ) : ٣٠٥.
(١١) دعائم الإسلام ٢ : ٢٦٢ / ١٢٠٢ ، وفيه ( الميراث ) بدل : ( المال ).
(١٢) التهذيب ٩ : ٣٣١ / ١١٩١ ، الوسائل ٢٦ : ٢٣٦ ، أبواب ميراث ولاء العتق ، ب ١ ، ح ١٠.