الرسائل الأحمديّة - ج ٣

الشيخ أحمد آل طعّان

الرسائل الأحمديّة - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد آل طعّان


المحقق: شركة دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
الموضوع : الفقه
الناشر: دار المصطفى (ص) لإحياء التراث
المطبعة: أمين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١١

وعلى الثاني بالأخبار السابقة في دليل المشهور على الأمر الثالث من اختصاص الولاء بعصبة المرأةِ إذا كان المُنْعِم امرأةً.

ورادّاً على المشهور في استدلالهم بخبر بُرَيْدِ العِجْلِي المتقدّم بأنَّ قوله عليه‌السلام : « من الرجال » بيان للميّت ، لا لجميع ولد الميت.

والجواب : أمَّا عن إطلاق خبر الولاء ، وإطلاق أدلّة الإرث ، وإطلاق قول أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فبما عرفته مفصّلاً ، مِنْ حمل المطلق على المقيّد ، وضعفِ المرسل في السند ، وحينئذٍ فيبطل المستند.

وأمّا عن خبر مولى حمزة :

فأمّا سنداً ؛ فلكونه موثّقاً ، فلا يقاوم الصحاحَ طُرُقاً ، الصّراح مَنْطِقاً.

وأمَّا القدحُ فيه بالإرسال فليس له مجال ؛ لأنَّه وإنْ كان في ( الكافي ) (١) عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عمّن حدّثه ، إلّا أنّه في ( التهذيب ) (٢) عن الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن صفوان بن يحيى ، فيثبت الاتّصال وينتفي الإرسال.

وأمّا متناً ؛ فلاضطراب أخباره ، ففي موثّق ابن الحجّاج ما عرفته في وجه الاحتجاج ، وفي خبر منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « مات مولى لابنة حمزة ، وله ابنة ، فأعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ابنة حمزة النصف ، وابنته النصف » (٣). وفي خبر عبد الله بن شدّاد : « إن مولىً لحمزة تُوفي ، فأعطى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بنت حمزة النصف ، وأعطى الموالي النصف » (٤).

والخبران الأخيران وإِنْ لم يصحّ العمل بهما ؛ لمخالفتهما أُصول مذهبنا ولذا حُملا تارةً : على التقيّة كما هو الظاهر ، وتارةً : على وصية المولى لبنت حمزة بالنصف ، فإعطاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ابنة حمزة النصف بالوصيّة. وحمل الفضل بن شاذان

__________________

(١) الكافي ٧ : ١٧٠ / ٦.

(٢) التهذيب ٩ : ٣٣١ / ١١٩١.

(٣) التهذيب ٩ : ٣٣٠ / ١١٩٠ ، الوسائل ٢٦ : ٢٣٨ ، أبواب ميراث ولاء العتق ، ب ١ ، ح ١٧.

(٤) التهذيب ٩ : ٣٣٢ / ١١٩٢ ، الوسائل ٢٦ : ٢٣٧ ، أبواب ميراث ولاء العتق ، ب ١ ، ح ١٣.

٢١

الخبر الأخير بعد تضعيف سنده على أنّه كان قبل نزول آية الفرائض ، فنسخ بها (١) إلّا إنّ هذا الاضطراب يوهن التمسّك بهما في هذا الباب ، خصوصاً مع مخالفة المشهور بين الأصحاب.

وأمّا دلالةً ؛ فلما مرّ ، مع احتمال أنْ يكون دفع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الميراث لبنت حمزة كما في الموثّق لكونه أحد العصبة لحمزة ، وكونه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، أو لرضا غيره به ، واحتمال كونه مملوكاً أو سائبة ميراثه للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأعطاه بنت حمزة برّاً بها.

ومع قيام هذه الاحتمالات تضعفُ دلالتها ، فلا تقوى على ذلك الإثبات.

وأمّا ردّه على المشهور من جعل قوله عليه‌السلام : « من الرجال » بياناً لجميع ولد الميّت ، بجعله بياناً للميّت فهو خلافُ الظاهر من كون ( اللام ) في الميّت للعهد الذكري ، المراد به الرجل المسئول عنه ، لا للجنس كي يحتاج للبيان ، فاحتمالُهُ بعيدٌ من مذاق الأعيان ، بل لعلّه شبيهٌ بمخالفة العَيان.

نعم ، قد يوهنُ التمسك به اشتمالُه على موافقة العامّة ؛ لظهوره في انحصارِ الإرث في الولد دون الأبوين ، الذي لا قائل به منّا إلّا ابن الجنيد (٢) الموافق لأقوالهم غالباً.

إلّا إنّه أنّما يدلّ عليه بمفهوم اللقب ، وهو غيرُ معتبرٍ في المذهب ، مع احتمال وروده موردَ الأغلب.

وحُكي هذا القولُ أيضاً عن الشيخ في ( الخلاف ) (٣) و ( الإستبصار ) (٤) مستدلّاً على تشريك الإناث مع كون المُنْعِم رجلاً بالموثّق المذكور ، وعلى اختصاص عصبة المرأة إذا كانت هي المنعمة بالإجماع ، حاملاً دليل المشهور على الاختصاص بالذكور على موافقة العامّة أولي الشرور.

وحكاه في ( الجواهر ) عن ( الدروس ) ومحكي ( السرائر ) ، قال : ( وإنْ كنّا لم

__________________

(١) نقل ذلك عن الفضل في التهذيب ٩ : ٣٣٢ / ذيل الحديث ١١٩٢.

(٢) عنه في المختلف ٨ : ٨٣ ، والرياض ٩ : ١٥٥.

(٣) الخلاف ٤ : ٨٢ / مسألة ٨٨.

(٤) الاستبصار ٤ : ١٧٣.

٢٢

نتحقّقه ) (١).

والجوابُ عن الموثّق بما قد عرفت مِنْ عدم صلاحيّته لمعارضة الدليل الأوثق ، الذي هو بالصواب أوفق.

وأمّا عن موافقة العامّة فبأنّ مطلق الموافقة ليست في الترجيح مطلقة ، بل هي مشروطةٌ بما إذا كانت المعارضةُ بين الأخبار متحقّقة ، مع أنّ مخالفتها للشهرة المحقّقة وللأخبار الصحاح الصراح توجب لها السقوط والاطّراح.

ولو أوجب مطلقها عدمَ الاعتبار لكان أخبارُ الأمر الثالث أولى به ، مع ما عرفتَهُ من القوّةِ والانجبار ومزيد الاشتهار.

نعم ، تتَّجه المناقشة في تحقّق الاشتهار على وجهٍ يوجب الانجبارَ والاعتبار بما سيأتي من نقل الشهيد الأوَّل الشهرة على الخلاف (٢) ، ودعوى ابن إدريس الإجماع على مضمون رواية السكوني (٣) التي استدلَّ بها هو على قولهِ الموافق للصدوق (٤) ، وأنَّ المحكيّ عن الشيخ في ( الخلاف ) (٥) دعواه الإجماع حتى على توريث بنات المُنْعِم ، فتنعكس الشهرةُ حينئذٍ ، بل تنعدم.

وثالثها : كونُ الولاءِ للأولادِ الذكورِ والإناث ، سواء كان المُنْعِمُ رجلاً أو امرأة.

وهو المحكيُّ عن الصدوق رحمه‌الله في ( الفقيه ) (٦) ، وابن إدريس في ( السرائر ) (٧) ، بل نسبه أوّلُ الشهيدين في ( اللمعة ) للمشهور. وإنْ ناقشه ثانيهما في شرحها : بأنّه لم يعرفه لغير الصدوق ، وبأنَّه هو في ( شرح الإرشاد ) نسبه للمفيد ، وأنَّه استحسنه المحقّق. قال : ( وفيهما معاً نظر ، والحقّ أنّه قولُ الصدوق خاصّة ). ثم قال : ( والعجبُ من المصنِّف كيف يجعله هنا مشهوراً ، وفي ( الدروس ) (٨) قول الصدوق ، وفي الشرح

__________________

(١) الجواهر : ٣٩ / ٢٣٣ ، الدروس : ، السرائر ٣ : ٢٤.

(٢) اللمعة ( ضمن الروضة البهيّة ) ٨ : ١٨٣.

(٣) السرائر ٣ : ٢٤.

(٤) الفقيه ٤ : ٢٢٤.

(٥) الخلاف ٤ : ٧٩ ٨٠ / مسألة ٨٤ ، عنه في السرائر ٣ : ٢٤ ، والرياض ٩ : ١٥٤.

(٦) الفقيه ٤ : ٢٢٤ ، عنه في المختلف ٨ : ٨٤ / مسألة ٣٩.

(٧) السرائر ٣ : ٢٤.

(٨) الدروس ٢ : ٢١٥ ٢١٦.

٢٣

قول المفيد؟ ) (١) انتهى.

إلّا إنَّ في تنظّره في نقل استحسان المحقّق نظراً ؛ لتصريحه به في ( الشرائع ) (٢) وإنْ عدل عنه في ( المختصر النافع ) (٣). ولعلّه لعدم وجود نسخته عنده ، أو لانتفائِهِ بعدوله عنه.

واحتجّ له بخبر السكوني : « الولاء لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النّسب » ، وإطلاق أدلّة الإرث ، وغيرها ، والمرسل المرتضوي : « يرثُ الولاءَ مَنْ يَرثُ المالَ » ، وخصوص موثّق ابن الحجاج.

وقد تقدّمت مع الجواب عنها ، فلا طائل في إعادة الكلام عليها.

وفي ( الروضة ) بعد أنْ تعجّب من الماتن في نسبته للشهرة قال : ( وأعجبُ منه أن ابن إدريس (٤) مع اطِّراحه لخبر الواحد الصحيح تمسَّك هنا بخبر السكوني ، محتجّاً بالإجماع عليه ، مع كثرة الخلاف ، وتباين الأقوال ، والروايات ) (٥).

قلت : ولا عجب منه في بنائه على أصله ، وإنْ ضَعُفَ عند غير أهله. ولعلَّ دعوى ابن إدريس الإجماع كمحكيِّ ( الخلاف ) (٦) أيضاً هو الذي دعا الشهيد رحمه‌الله لنسبتِهِ للشهرة ؛ إذْ لا أقلَّ منها بعد عدم تحقّق الإجماع.

ولا يخفى على مَنْ تتبَّع إجماعات الشيخ رحمه‌الله والحلّي أنّها مبنيَّةٌ على غير مبنى جليٍّ ، خصوصاً إجماعات ابن إدريس المبنيّة على طريق الحدس الذي لا يخلو من تلبيس.

فلهذا تعدّدت أقوال الشيخ رحمه‌الله هنا بتعدّد كتبهِ ، وادّعى ابن إدريس إجماعات كثيرة على أقوال تفرد بها هو في مقابلة إجماعات كثيرة ، كما ذكرناه في كثير من مؤلّفاتنا الشهيرة.

ورابعها : كونُ الولاء للأولادِ الذكور دون الإناث ، سواء كان المُنْعِم رجلاً أو امرأةً ، فإن لم يكنْ ذكورٌ فللعصبة.

__________________

(١) الروضة البهية ٨ : ١٨٣ ١٨٦.

(٢) الشرائع ٤ : ٣٠.

(٣) المختصر النافع : ٣٩٤.

(٤) السرائر ٣ : ٢٤.

(٥) الروضة البهيّة ٨ : ١٨٦.

(٦) الخلاف ٤ : ٨٢ / مسألة ٨٨.

٢٤

وهو المنسوب للمفيد (١) ، ومحكيّ ( الغُنية ) (٢) ، و ( الإصباح ) (٣) ، لما مرَّ في صحيح محمّد بن قيس ، ومكاتبة محمّد بن عمر ، وحَسَنِ بُرَيْدِ العِجْلِي أو صحيحه.

وقد عرفت أنَّه لا إطلاق فيها للرجل والمرأة ؛ لظهورها في كون المُنْعِم من الذكور ، فلا تنطبق إلّا على المشهور.

وخامسها : أنَّ وارثَ الولاء وارثُ المالِ مطلقاً ، فتشتركُ جميعُ قرابةِ المُنْعِم ، حتّى قرابة الأُمّ ، ويترتّبون في الإرث على حسب مراتبهم في النسب ، سواء كان المُنْعِم رجلاً أو امرأة.

وهو المحكيّ عن ابن أبي عقيل (٤) ، وله الأخبار التي مرّت مع الجواب عنها في تلك المقامات.

وسادسها : أنّ النساءَ لا يرِثْنَ من الولاءِ شيئاً.

وهو منقولٌ عن ابن الجنيد (٥). ويُعرفُ دليله والجواب عنه من الأدلّة السابقة والجواب عنها.

وهذا القولُ أضعفُ الأقوال ، ولعلّ هذا هو الوجه في تخميسها كما في ( الرياض ) (٦) دون تسديسها كما في ( الميراثيّة اليوسفيّة ) (٧) ، أو رجوع بعض الأقوال للآخر ، إذ مناطُ الاختلاف هنا الاختلاف في أنّ المرأة إذا لم تباشرِ العتق هل ترثُ الولاء ، أم لا؟

فعن ( المقنعة ) (٨) و ( النهاية ) (٩) و ( الإيجاز ) (١٠) و ( الغُنية ) (١١) و ( الوسيلة ) (١٢)

__________________

(١) المقنعة : ٦٩٤.

(٢) الغنية ( ضمن الجوامع الفقهيّة ) : ٥٤٥.

(٣) إصباح الشيعة ( ضمن الينابيع الفقهية ) ٢٢ : ٢٩٩ ، عنه في الجواهر ٣٩ : ٢٣٣.

(٤) عنه في السرائر ٣ : ٢٤٥.

(٥) عنه في المختلف ٨٠ : ٧٧ ، فتاوى ابن الجنيد : ٢٩٢.

(٦) الرياض ٩ : ١٥٢.

(٧) الرسالة المحمّديّة في أحكام الميراث الأبديّة ( مخطوط ) : ٢٣٠.

(٨) المقنعة : ٦٩٤.

(٩) النهاية : ٥٤٧ ، ٦٧٠ ، النهاية ونكتها ٣ : ٢٧.

(١٠) الإيجاز ( ضمن الرسائل العشر ) : ٢٧٧ ، عنه في السرائر ٣ : ٢٤.

(١١) الغنية ( ضمن الجوامع الفقهية ) : ٥٤٥.

(١٢) الوسيلة : ٣٤٤.

٢٥

و ( الإصباح ) (١) و ( الجامع ) (٢) ، الثاني.

وعن الصدوق (٣) ، والحسن (٤) ، والحلّي (٥) ، الأوّل.

فيرجع قولان لقولٍ واحدٍ في الجملة وإنْ خالف أحدهما الآخر في بعض الأحوال. ولعلّه لهذا لم يذكرا كلاهما إلّا القولين الأوّلين.

وهذه الأقوالُ قد اعتمدتُ فيها على الأنقال ، لعدم التمكّن من المراجعة ؛ لعدم حضور الكتب التي تكون فيها هذه الأقوال مودعة.

إذا عرفت هذا ..

فعلى الفرق بين الرجل والمرأة : متى فُقِدَ المُنْعِم وكان رجلاً اشترك في ميراثه الآباء والأولاد ، ثم الجدّ للأب والأخ له أيضاً وإنْ تقرّبَ بالأب وحده ، ثمّ الأعمام على حسب ترتّبهم في المراتب الثلاث النسبيّة للعمومات ، خرجتْ الإناث ومَنْ تقرّب بهن على المشهور ، فبقي الباقي.

وعن ابن الجنيد تقديمه الولد على الأبوين ، والجدّ على الأخ (٦).

وهو شاذ مخالفٌ للمشهور المنصور. وما لعلّه استند إليه من صحيح العجلي أو حسنِهِ لقوله : « لجميع ولد الميّت ». قد مرَّ الجواب عنه ، فلا يصلح التعويل عليه.

أمّا إرثُ الأولادِ الذكورِ ، فالإجماع بقسميه عليه غير منكور ، وإِنّما الإشكالُ والخلاف في أُمور :

الأوّلُ : أولاد الأولاد ، هل يشترط فيهم الذكوريّة كآبائهم ، أم يشتركون مطلقاً؟

نُسِبَ لظاهر الأصحاب الثاني ؛ بناءً على عدم دخول أولاد الأولاد في إطلاق الأولاد ، وعلى أنَّ ولد الولد أنّما يرث ما يرثه أبوه ولا يعتبر مستقلا. ومَنْ خالف في

__________________

(١) الإصباح ( ضمن الينابيع الفقهية ) ٢٢ : ٢٩٩.

(٢) الجامع للشرائع : ٤٠٥.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٢٤.

(٤) عنه في السرائر ٣ : ٢٤ ، ٢٤٥.

(٥) السرائر ٣ : ٢٤ ، ٢٤٦.

(٦) عنه في المختلف ٨ : ٨٣ ٨٤ ، فتاوى ابن الجنيد : ٢٩٢ ، الرسالة المحمدية في أحكام الميراث الأبدية ( مخطوط ) : ٢٣١.

٢٦

كلا القولين خالفَ في هذين الحكمين.

الثاني : إنّ الذي يشترك مع الأولاد الذكور مطلقاً الأبوان جميعاً ، أم خصوص الأب؟

نُسب للمشهور الأوّل ، كما هو ظاهر المحدِّث المنصف المحقّق الشيخ يوسف رحمه‌الله (١) ، وفاضل ( الرياض ) (٢).

ويظهر من شهيد ( الروضة ) (٣) الاختصاصُ بالأب.

والظاهرُ أنّ الحكمَ فيها يختلف باختلاف الأقوال السابقة ، وأنّ الشهرة فيها ليست محقّقة.

وقد يستظهر خلافه من مكاتبة محمّد بن عمر ، وخبر بُرَيْدِ ، إلَّا إنَّ القدر المتيقَّن منهما اختصاصُ الذكور حال اجتماعِ الأولاد ذكوراً وإناثاً ، لا مطلقاً ، فتبقى إطلاقات أدلّة الإرث وخبر : « اللُّحمة .. » و « يرثُ الولاءَ مَنْ يرثُ المالَ » سالمةً من المقيِّد ، فينتفي الإشكال.

الثالث : هل ترثُ الأخواتُ والجدّاتُ والعمّاتُ ، أم لا؟ ، وجهان ، بل قولان.

لعلّ أشهرهما عدمُ إرثهنّ ، كما قد يستظهرُ من مكاتبة محمّد بن عمر ، وخبر بريد ؛ لقوله في الأوّل : « هو للرجال دونَ النساء » ، وفي الثانية : « لجميعِ وُلْدِ الميّت من الرجال ».

بل يظهرُ منهما أيضاً منعُ مَنْ يَتقرّبُ بالأُمّ من الإخوة والأخواتِ والأخوال والخالات والأجداد والجدّات ؛ لدلالتهما على اختصاص الإرث بالذكور دون الإناث ، بل الذكور المتقرّبون بهنّ في عدم الإرث مثلُهن.

والوجهُ فيه ظاهرٌ بعد البناء على أخبار الاختصاص بالعصبات ، وعدم إرث النساء للولاء في غير مباشرة العتق في جميع الطبقات ، ورفع اليد بها عن تلك الإطلاقات ، وإلّا فلا يخلو من إشكال ، والله العالم بحقيقة الحال.

وإنْ كان المُنْعِمُ امرأةً مع فقدها يختصّ الإرثُ بعصبتها دون الأولاد ؛ لما في

__________________

(١) الرسالة المحمّديّة في أحكام الميراث الأبديّة ( مخطوط ) : ٢٣١.

(٢) رياض المسائل ٩ : ١٥٥.

(٣) الروضة البهيّة ٨ : ١٨٧.

٢٧

صحيح محمد بن قيس : « فألحق ولاءَها لعصبتها الذين يعقلون عنها دون ولدها ». ومثلُه صحيحا يعقوب بن شعيب وأبي ولّاد السابقان.

وبالجملة ، فلا إشكالَ في منع ولدها والحرمان.

أمّا الأب : فأحتمل في ( الجواهر ) أوّلاً إرثه ؛ لعدمِ الدليل على نفيه ، ثم قال : ( إلّا إنّ قوله : « بني أبيها » وقرابتها « من قِبَلِ أبيها » ينفيه أيضاً ، بل قوله عليه‌السلام : « عصبتها » كذلك أيضاً ، بناءً على عدم كون الأب منها ).

ثم قال : ( إلَّا إنّه يبعده إرث المتقرّب به كالأخ والعمّ دونه ، فيمكن إرادة الأب ومَنْ يتقرّب به من النصوص ، ويقتصر في الخارج على الأولاد ) (١) .. إلى آخره.

وظاهره تقويةُ دخولِ الأبِ في ميراثها.

معنى العَصَبَة

وتحقيق المقام هنا ، وفي المسألةِ السابقة يتوقّفُ على تحقيقِ معنى العَصَبَة ، والعاقلة ، وأنّهما متّحدان ، أم غيران ، وأنّ الآباء والأولاد داخلون في العَصْب والعَقْل معاً ، أو في العَصْب دون العقل ، أو بالعكس.

وكلماتُ الفقهاءِ واللغويّين في هذا الباب لا تخلو من تشويشٍ واضطراب :

ففي ( مجمع البحرين ) في ( عصب ) : ( وعَصَبَةُ الرجل بالتحريك جمع عاصب ، ككَفَرَة جمع كافر ، وهم بنوه وقرابتهُ لأبيه ، والجمع العصائب. قال الجوهري : وإنَّما سُمُّوا عَصَبة لأنّهم عصبوا به ، أي : أحاطوا به ، فالأب طرفٌ ، والابن طرفٌ ، والأخ جانبٌ ، والعمّ جانبٌ ) (٢) انتهى.

وفي ( عقل ) : ( والعاقلة : التي تحمل ديةَ الخطأ ، وهم مَنْ تقرّب إلى القاتل بالأب ، كالإخوة والأعمام وأولادهما وإنْ لم يكونوا وارثين في الحال. وقيل : مَنْ يرثُ ديةَ القاتل لو قتل ، ولا يلزم مَنْ لا يرث مِنْ ديته شيئاً. وقيل : هم المستحقّون لميراث القاتل

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٩ : ٢٣٧ ٢٣٨.

(٢) مجمع البحرين ٢ : ١٢٢ عصب ، وفيه : ( والجمع : العصاب ) ، الصحاح ( الجوهري ) ١ : ١٨٢ عصب.

٢٨

من الرجال العقلاء مِنْ قِبَل أبيه وأمّه ) (١).

وهو ظاهرٌ في المخالفة بين معنى : العَصَبة ، والعاقلة ، بالأقوال الثلاثة.

وفي ( القاموس ) في ( عصب ) : ( والعَصَبَةُ محرّكة ـ : الذين يرثون الرجل عن كلالة من غير والد ولا ولد ، فأمّا في الفرائض كلُّ مَنْ لم يكنْ له فريضةٌ مسمّاة فهو عصبة ، إنْ بقي شي‌ءٌ أَخذ. وقوم الرجل : الذين يتعصّبون له ) (٢) انتهى.

وفي ( عقل ) : ( وعاقلةُ الرجلِ : عَصَبَتُهُ ) (٣) انتهى.

وهو ظاهرٌ في ترادفهما.

وفي ( مختصر الصحاح ) في ( عصب ) : ( عَصَبَةُ الرجل بنوه وقرابته لأبيه ) (٤) ، ثمّ علّل تسميته العصبة بما نقله عنه في ( المجمع ).

وفي ( عقل ) : ( وعاقلة الرجل : عَصَبَتُهُ ، وهم القرابة من الأب الذين يعطون دية مَنْ قتله خطأ. وقال أهلُ العراق : هم أهل الدواوين ) (٥) انتهى.

وهو وإنْ فسّر العاقلة بالعَصَبَة ، إِلَّا إنَّ كلامه في ( عَصَبَ ) مخالفٌ لكلامه في ( عَقَلَ ) ؛ لتفسيره هنا العاقلة والعصبة بالقرابة من الأب ، فيخرج عنهما الأب والابن ، وفي ( عصب ) فسّر العصبة بالبنين والقرابة للأب ، فيدخل فيهما الابن خاصّة.

وفي ( الغريبين ) : ( وفي الحديث : قضى بدية شبه العمد على العاقلة. أي : على العَصَبَةِ ، وهم : القرابة مِنْ قبل الأب ). انتهى.

وهو ظاهرٌ في ترادف العَصَبَة والعاقلة ، وفي اختصاصهما بالقرابة من قبل الأب ، فيخرج منهما الأب والابن.

وفي ( النهاية الأثيريّة ) في ( عصب ) : ( والعَصَبَة : الأقارب من جهة الأب ؛ لأنّهم

__________________

(١) مجمع البحرين ٥ : ٤٢٧ عقل.

(٢) القاموس المحيط ١ : ٢٥٦ باب الباء / فصل العين.

(٣) القاموس المحيط ٤ : ٢٨ باب اللام / فصل العين.

(٤) مختار الصحاح : ٤٣٥ عصب.

(٥) مختار الصحاح : ٤٤٧ عقل.

٢٩

يعصبونه ويعتصب بهم ، أي : يحيطون به ويشتدُّ بهم ) (١).

وفي ( عقل ) : ( والعاقلة : هم العَصَبَة والأقارب من قبل الأب الذين يعطون دية قتيل الخطأ ) (٢). انتهى.

وهو ظاهرٌ أيضاً في ترادف العَصَبَة والعاقلة ، وفي اختصاصهما بالقرابة من قبل الأب ، فيخرج منهما الأب والابن.

وظاهر أكثر ما هو مذكور موافقٌ لما نسب للمشهور ، من أنَّ العَصَبَة غير الأبوين والأولاد ممّن تقرّب بالأبوين أو بالأب ، كالإخوة وأولادهم وإنْ نزلوا ، والعمومة وأولادهم كذلك ، والأجداد وإنْ علوا.

بل في ( كشف اللثام ) : إنَّه المعروف من معناها.

وفي ( الرياض ) (٣) و ( الجواهر ) (٤) نقلاً عن ( السرائر ) (٥) (٦) في معنى ( العَصَبة ) : إنّهم العصبات من الرجال ، سواء كان وارثاً أو غير وارث ، الأقرب فالأقرب ، ويدخل فيها الوالدُ والولد. وقال : إجماع أصحابنا منعقد على أنَّ العاقلة جماعةُ الورّاث من الرجال دون مَنْ يتقرّب بالأمّ.

ثمّ استظهرا منه رجوع تفسيره للعصبة بالمعنى المذكور لتفسير المشهور. وردّاً على مَنْ زعم مخالفة قولِهِ لقولِهِم وعدَّه قولاً آخر. ولعلّه تعريضٌ بكاشف اللّثام.

والإنصافُ مغايرة تفسيرِهِ لتفسيرهم ( الجماعة ) ؛ لظهور تفسيرهم في خروج الآباء والأولادِ منها ، وظهور تفسيره في دخولهم ، مضافاً إلى نقلهما عنه التصريح به وإنْ

__________________

(١) النهاية ( ابن الأثير ) ٣ : ٢٤٥.

(٢) النهاية ( ابن الأثير ) ٣ : ٢٧٨.

(٣) رياض المسائل ١٠ : ٥٤٨ ٥٤٩.

(٤) الجواهر ٤٣ : ٤١٦.

(٥) السرائر ٣ : ٣٣١ ، ٣٣٢.

(٦) قد وقفت بعد إتمام هذا الجواب على كتاب ( السرائر ) ، فوجدت عبارته صريحةً في أن خروج الوالدين والمولودين من العاقلة والعصبة إنّما هو قول الشيخ في ( الخلاف ) ، تبع فيه الشافعي ، من غير استدلال عليه بإجماع طائفتنا ولا أخبارهم ، بل ذكر أخبار آحاد من طريق المخالفين استدلّ بها الشافعي ، وأن باقي أصحابنا على خلافه. وللمناقشة فيه مجال ، والله العالم بحقيقة الحال. « منه وفقه الله تعالى ». [ انظر السرائر : ٣ : ٣٣٢ ].

٣٠

شاركهم في إخراج المتقرِّب بالأمّ.

اللهمَّ إلّا أنْ يريد دخولهم في العاقلة دون العَصَبة بدليل الإجماع وإنْ خرجوا عن العصبة بالمعنى اللغوي.

نعم ، صرّح بدخولهم فيهما نجيب الدين يحيى بن سعيد في ( الجامع ) (١) ، حيث عرَّف العصبة بالآباء والأولاد ومَنْ تفرَّع عنهما من الذكور العقلاء.

وهو خلافُ ما في ( القاموس ) بالمعنى الأوّل ، و ( الغريبين ) ، و ( النهاية ) و ( مختصر الصحاح ) في ( عقل ).

كما أنَّ ما فيها خلاف ما في ( المجمع ) ، و ( الصحاح ) ، ومختصره في ( عَصَب ) ، من تفسيرها بالبنين والقرابة للأب.

مع أنَّ ما في ( المجمع ) و ( الصحاح ) لا يوافق ما في ( السرائر ) و ( الجامع ) ؛ إذْ قصارى ما فيهما دخول البنين في العَصَبَة.

أمَّا استفادةُ دخول الآباء فيها منهما كما يظهر من فاضلي ( الرياض ) و ( الجواهر ) ، مستدلّين بتعليلهما تسمية العصبة بأنّهم عصبوا به ، أي : أحاطوا به ، فالأب طرف ، والابن طرف .. إلى آخره فغيرُ ظاهرة :

أمَّا أوَّلاً ؛ فلأنَّ مقتضى قاعدة انحصار المبتدأ في الخبر انحصارُ العصبة في البنين والقرابة المخصوصين.

وأمّا ثانياً ؛ فلأنَّ قصارى تعليل التسمية مشابهتهم للأب في الإحاطة ، وأنَّهم يعتصبون ، أي : يحيطون بالرجل ، كما أنَّ الأب كذلك. ولا ريب في مغايرة المشبّه للمشبّه به ؛ ضرورة مغايرة الأسد للشجاع ، وإن عُلِّلَ تسمية الشجاع بالأسد بأنَّه مشابِهٌ له في الجرأةِ والقوّة على افتراس الفرسان كافتراس الأسدِ لسائر الحيوان.

ويستفاد من خبر حسين الرزّاز قال : أمرتُ مَنْ يسألُ أبا عبد الله عليه‌السلام : المالُ لِمَنْ

__________________

(١) الجامع للشرائع : ٥٧٣.

٣١

هو ، للأقرب أو العصبة؟ فقال : « المالُ للأقرب ، والعصبة في فيه التراب » (١) خروجُ الأبوين والأب من العصبة ، إذ لا أقرب منهم في الأنساب ، إلّا أنْ يُحمل على إرادة الأقرب فالأقرب مطلقاً ولو بالقرابة الإضافيّة لا الحقيقيّة.

ومثله أيضاً بعضُ الأخبار العاميّة ، كالمرسل في امرأة رَمَتْ أُخرى حاملاً فأسقطت ، ثمّ ماتت الرامية ، فقضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ ميراثها لبنيها وزوجها ، والعقل على عصبتها (٢).

والخبر الآخر : وامرأتين قتلت إحداهما الأُخرى ، وكان لكلٍّ منهما زوجٌ وولد ، فبرَّأ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الزوج والولد ، وجعل الدية على العاقلة (٣).

ولعلَّ عدمَ التعرّض للأب للعلمِ بعدم وجوده ، لا لدخوله.

ثمّ إنَّ الذي يظهر من كلمات الفقهاء أنّ منشأ الخلاف في دخول الآباء والأولاد في العقل وخروجهم هو الخلاف في دخولهم في العصبة وعدمه ، إلَّا إنّ ظاهرَ جماعة كالمحقّق (٤) وغيره (٥) حيث عرّفوا العصبة بمَنْ تقرّب بالأبوين أو الأب كالإخوة وأولادِهم ، والعمومة وأولادهم ، من غير نقل خلافٍ فيه ، أو خلافٍ غير معتدٍّ به ، ثمّ ذكروا الخلاف في دخول الآباء والأبناء في العقل عدمُ الخلاف المعتدّ به في عدم دخول الآباء والأولاد في العصبة ، وإنَّما الخلافُ في دخولهم في العاقلة ، وإنّ العصبة حينئذٍ أخصّ ، فكلُّ عاقلةٍ عصبة ، ولا كلُّ عصبة عاقلة.

ولعلَّه لذا خصّص الإرث بالولاء في صحيح محمّد بن قيس الوارد في عتق المرأة بعصبتها الذين يعقلون عنها دون ولدها (٦). وفي صحيحه الآخر الوارد في عتق الرجل بعصبته الذين يعقلون عنه ، إذا حدث يكون فيه عقل (٧).

__________________

(١) الكافي ٧ : ٧٥ / ١ ، الوسائل ٢٦ : ٦٤ ، أبواب موجبات الإرث ، ب ١ ، ح ٣ ، وفيه أيضاً : ٨٥ ، أبواب موجبات الإرث ، ب ٨ ، ح ١.

(٢) السنن الكبرى ٨ : ١٨٥ ١٨٦ / ١٦٣٧٢. بالمعنى.

(٣) السنن الكبرى ٨ : ١٨٥ / ١٦٣٧١ ، غوالي اللئلئ ٣ : ٦٦٦ / ١٥٨.

(٤) الشرائع : ٤ : ٢٧١ ، المختصر النافع : ٤٧٦.

(٥) القواعد ( العلّامة ) ٢ : ٣٤٢.

(٦) التهذيب ٨ : ٢٥٣ / ٩٢١ ، الوسائل ٢٣ : ٧٠ كتاب العتق ، ب ٣٩ ، ح ١. بالمعنى.

(٧) التهذيب ٨ : ٢٥٤ / ٩٢٣ ، الوسائل ٢٣ : ٧١ ، كتاب العتق ، ب ٤٠ ، ح ١. بالمعنى.

٣٢

وحينئذٍ ، فلا يلزم من دخولهم في العقل دخولهم في العصبة ، بناءً على أنّ الأصل في الصفة وضعُها للتخصيص كما هو المشهور ، لا الكشف والتوضيح كما عن الأخفش ؛ لمنع الظهور ، ومعارضته بنقل الجمهور.

إذا عرفت هذا ..

فاعلم أنَّ ما قوّاه في ( الجواهر ) أنَّما يتم على تفسير ( الجامع ) و ( السرائر ) من دخول الأب في العصبة ، مع أنَّه لم يرتضه ظاهراً وإنْ مال إلى دخوله في العقل ، إلّا أن يتمَّ الإجماع على الترادف أو التلازم وعدم الفرق.

أمَّا على المشهور بين الفقهاء واللغويّين من خروجهم عن العصبة ، فلا.

نعم ، يتّحد على تفسيرها بغير المشهور ، كمَنْ يرث دية القاتل لو قتل كما عن ( النهاية ) (١) و ( الغنية ) (٢) و ( الإصباح ) (٣) أو : المستحقّين لميراث القاتل من الرجال العقلاء ، مع أنَّه لم يرتضهما. مضافاً لمنافاته لقوله أوَّلاً : واحتمال أنَّ الأولاد والأب منها يعني به : من العصبة منافٍ لما تقدّم من الفرق بينهما ، وبين الرجل بذلك.

وأمّا استشكاله رحمه‌الله إخراج الأب والأولاد بأنَّه يبعده إرث المتقرّب به ، كالأخ والعم دونه ففي غير محلّه بعد قيام الدليل عنده على اختصاص الولاء بالعصبة ، ونصّ أكثر اللغويّين وأكثر الفقهاء على خروج الأب وحده ، أو خروجه مع الأولاد منها ، وقيام الدليل على دخول مَنْ يتقرَّب بالأب مِن الأخوة والأعمام فيها. والله العالم.

وأمَّا الأم فظاهر الأخبار السابقة حرمانها ، خصوصاً المكاتبة (٤) ؛ لاشتمالها على اختصاص الإرث بالولاء بالذكور دون الإناث ، ولذا حرمت منه البنات.

بل لعلّ في حرمانهن إيماءً إلى حرمانها ، قضاءً لحقّ الفرعيَّة والأصليَّة.

__________________

(١) النهاية ( الطوسي ) : ٧٣٧ ، عنه في الجواهر ٤٣ : ٤١٧.

(٢) الغنية ( ضمن الجوامع الفقهية ) : ٥٥٨ ، عنه في الجواهر ٤٣ : ٤١٧.

(٣) إصباح الشيعة ( ضمن سلسلة الينابيع الفقهية ) ٢٤ : ٢٨٩ ، عنه في الجواهر ٤٣ : ٤١٧.

(٤) انظر : الوسائل ٢٦ : ٢٣٩ ، أبواب ميراث ولاء العتق ، ب ١ ، ح ١٨.

٣٣

وأمَّا الخبرُ المرسل ، وخبر « اللُّحمة .. » ، فقد مرَّ الجوابُ عنهما ، وعدم الصلاحيَّة للاستدلال بهما ، مع معارضتهما بما هو أقوى منهما.

وادّعى في ( الرياض ) (١) شهرة ميراثها.

وناقشه في ( الجواهر ) (٢) : أوّلاً : بعدم تحقّقها. وثانياً : بعدم حجّيتها.

وهو كذلك ؛ لما سمعت من نصّ اللغويّين على خروجها من العصبة والعاقلة ، ولقلّة القائلين بإرث الإناث للولاء في غيره هنالك ، والله العالم بذلك.

هذا كلّه مع وجود القرابة للمُنْعِم ، وأمّا مع عدمها فيرثهُ مولى المولى مع وجوده ؛ لأنَّه هو المُنْعِم بالأصل ، فإنْ لم يوجدْ فقرابة مولى المولى لأبيه دون امّه على حسب ما مرَّ في المشهور من إرث المولى من إرث الأب والأولاد ، ثمّ الإخوة للأب والجدّ له ، ثمّ الأعمام في الرجل. وانحصار الإرث في العصبة في المرأة لظاهر خبر الحسين بن سعيد الأهوازي ، المرويّ في ( الكافي ) : كتبتُ إلى أبي جعفر عليه‌السلام : الرجلُ يموتُ ، ولا وارثَ له إلّا مواليه الذين أعتقوه ، هل يرثونه؟ وَلِمَنْ ميراثه؟ فكتب عليه‌السلام : « لمولاه الأعلى » (٣) ، بناءً على أنّ المراد به مولى المولى.

وعن الكاشاني تفسيره بأنّه ( إذا ترتّب المعتقون ، بأن أعتق رجلٌ عبداً ، ثمّ أعتق العبدُ المعتق عبداً ، وهكذا .. ، ثمّ مات العبدُ المعتَق الأخير ، فميراثه لمولى الأوّل ) (٤).

ولعلّه خلافُ الظاهر ؛ لصدق أنَّ مولى المولى مولى وإنْ كانَ بواسطةٍ ، فمع عدم القريب الحاجب يكون كالقريب ، بخلاف معتِق العبد الثاني أو الثالث أو الرابع فإنّه لا يصدق عليه أنَّه مولاه الأعلى ، بل ينحصر ميراث العبد المعتَق الأخير في مباشرة عتقه ، لأنَّه القريب الأدنى ، لا المولى الأعلى.

ولو وجد مولى المولى ومعتق الأب ، ففي ( الجواهر ) : ( إنَّ الإجماع محقّقٌ على الظاهر على تقديم مولى المولى ؛ لكونه من مباشري العتق الذين لهم الولاء ، بخلاف

__________________

(١) رياض المسائل ٩ : ١٥٥.

(٢) الجواهر ٣٩ : ٢٣٩.

(٣) الكافي : ، التهذيب ٨ : ٢٥٧ / ٩٣٤ ، الوسائل ٢٣ : ٦٢ ، كتاب العتق ، ب ٣٥ ، ح ٤.

(٤) الوافي ٢٥ : ٩٣٩ ، عنه في الجواهر ٣٩ : ٢٤١.

٣٤

مُعتِق الأب ) (١).

قلت : إنْ تمَّ الإجماعُ فحسنٌ ، وكفى به ناقلاً ومحصِّلاً وإنْ لم يكن المحصَّل حجّةً على غير محصِّلِه.

ولا ينافيه ما مرّ في صحيح العيص بن القاسم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : عن رجلٍ اشترى عبداً ، له أولادٌ مِنْ امرأة حرّة ، فأعتقه؟ قال : « ولاء ولده لِمَنْ أعتقه » (٢).

وفي صحيح ابن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : في مكاتبٍ اشتُرط عليه ولاؤه إذا أُعتق ، فنكح وليدةً لرجل آخر ، فولدت له ولداً ، فحرّر ولده ، ثمّ تُوفي المكاتب ، فورثه ولده ، فاختلفوا في ولده مَنْ يرثه؟ قال : « فألحق ولده بموالي أبيه » (٣) .. إلى آخره.

لظهورهما في الخروج عن مورد النزاع ، وإلّا ففي الخروج عن ظاهرهما إشكال ، مع تعاضدهما ببعض الأخبار.

أمَّا لو عدم مولى المولى ، فلمعتق الأب ؛ لظاهر هذه الآثار ، مع كونه أقرب الناس في الأنعام.

ولا ينافيه ما في خبر الحسن بن مسلم (٤) ، وبكر بن محمّد (٥) ، عن الصادق عليه‌السلام : من نفي المولويّة عمّن جرى العتق على أبيه دونه ، وأنه حينئذٍ أخٌ ، أو ابنُ عمٍّ.

لأنَّ صحّة نفي المولويّة عنه بمعنى كونه معتقاً بنفسه لا يستلزم نفي الولاء عنه ؛ لعدمِ التلازم بينهما ، مع ضعف الخبرين في نفسهما.

فإنْ عُدِموا أجمع ، فلضامن الجريرة ، ثمّ للإمام عليه‌السلام.

وحكى في ( الجواهر ) (٦) عن المحقِّق وغيره الاقتصار على مولى المولى ، وأنَّه مع

__________________

(١) الجواهر الكلام ٣٩ : ٢٤١.

(٢) التهذيب ٨ : ٢٥٠ / ٩١٠ ، الوسائل ٢٣ : ٦٦ ، كتاب العتق ، ب ٣٨ ، ح ١.

(٣) التهذيب ٨ : ٢٥١ / ٩١٢ ، الإستبصار ٤ : ٢١ / ٦٨ ، الوسائل ٢٣ : ٦٦ ، كتاب العتق ، ب ٣٩ ، ح ٣.

(٤) الوسائل ٢٣ : ٦٨ ، كتاب العتق ، ب ٣٨ ، ح ٩.

(٥) الوسائل ٢٣ : ٦٩ ، كتاب العتق ، ب ٣٨ ، ح ١٢.

(٦) جواهر الكلام ٣٩ : ٢٤١.

٣٥

عدمه فلضامن الجريرة ، أو الإمام عليه‌السلام.

وهو غير متّجه مع قيام الدليل ، وما نقله عنهم من التعليل عليل ، واللهُ يقول الحقَّ وهو يهدي السبيل.

الولاء موروث أم لا؟

ثمّ اعلم أنّ العلماء بعد إجماعهم على كون الولاء موروثاً به ، اختلفوا في كونه موروثاً أم لا على قولين : أشهرهما بل وأظهرهما الثاني.

وعن الشيخ رحمه‌الله نفي الخلاف فيه تارةً ، ودعوى الإجماع عليه أُخرى (١).

وعبارة ( الخلاف ) (٢) صريحةٌ في الإجماع ؛ للأصل السالم عن الناقل ، وكونه كما في الخبر : « .. لُحمةٌ كلُحمة النسب لا يباع ولا يوهب » (٣). فكما لا يقبلهما ، فكذا ما يشبههما ؛ ولخبر العيص الوارد في عتق بريرة ، الدالّ على عدم جواز شرطه في البيع ، حيث إن أهلها شرطوا ولاءها ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : « الولاء لِمنْ أعتق » (٤) ، وأبطل شرطهم ، ولما مرّ في بعض الأخبار مِنْ ثبوته في العتق عن الميّت الذي أوصى بالعتق ، لعدم تصوّر الإرثِ للحاصل بعد الموت.

وكونُه كصيدِ الشبكة والديةِ بعد الموت كالقياس مع الفارق ، وعدم تصوّر انتقال حقّ النعمة الحاصل للمُنعِم لغيره.

وصرَّح في ( الرياض ) (٥) بنسبة الأوّل لظاهر المحقّق وجماعةٍ ، مستظهراً له من خبر بُرَيْدِ العِجْلِي السابق الظاهر في إرادةِ الانتقال كالميراث من المورث ، والأخبار السابقة المتضمِّنة لكون الولاء للعصبة في المرأةِ الظاهرة في الأعمّيَّة من كونه موروثاً أو موروثاً به.

ولذا قال في ( الجواهر ) (٦) : إنّه لم يصرِّح به غيره.

__________________

(١) عنه في الجواهر ٣٩ : ٢٣٦.

(٢) الخلاف ٤ : ٧٩ ٨٠.

(٣) التهذيب ٨ : ٢٥٥ / ٩٢٦.

(٤) التهذيب ٨ : ٢٥٠ / ٩٠٧.

(٥) رياض المسائل ٩ : ١٥٥.

(٦) الجواهر ٣٩ : ٢٣٧ ، بالمعنى.

٣٦

بل التأمُّل في عبارته يعطي عدم الجزم به وإنْ استظهر دلالة تلك الأخبار عليه ، إلّا إنّ عبارة المحقّق المنصف الشيخ يوسف (١) ، وفاضل ( الرياض ) (٢) ظاهرةٌ في نسبته لجماعة ، محتجّين بأنَّه من الحقوق المتروكة ، فكان داخلاً تحت عموم الإرث.

وفيه : أوَّلاً : منع كونه من الحقوق ، بل الظاهر كونُه من الأحكام الشرعيّة اللَّابُدِّيَّة.

وثانياً : إنَّ مجرّد كونه حقّا لو سُلِّم لا يستلزم كونه موروثاً ؛ لما مرَّ من عدم كونه من الحقوق القابلة للانتقال والنَّقل ، وهي التي لا يكون وجود ذات الشخص مقوّماً لها كحقّ الجلوس في المساجد ، والمدارس ، والرِّباط ، والأسواق ، وحقِّ التولية ، والنظارة ، وحقِّ الخيار المجعول لأجنبي من المتعاقدين لتقوّم الحق فيها بذيها ، فلا تنتقل لغيره إجماعاً ، والّا لصحّ بيعُه وهبته وأخذُ عوضِه ، واللازم باطلٌ ، فكذا الملزوم.

ثمرة الخلاف

وتظهرُ ثمرة الخلاف في مواضع :

كما لو مات المُنْعِم قبل العتيق وخلّف وارثاً غير وارث يوم موت العتيق كابنٍ وابن ابن ، ثمّ مات الابنُ قبل العتيق وترك ابناً ثمّ مات العتيق ، فإنَّ ابني الابنين يتساويان في الإرث على المشهور ، ويختص الإرث بولد مَنْ كان حيّاً على القول الآخر.

وكما لو مات المُنْعِم قبل العتيق عن ولدين لأحدهما أولاد ، ثمّ مات الولد الذي له الأولاد ، ثمّ مات العتيق. فعلى المشهور : يختص ميراثه بالحيِّ من الولدين ؛ لأنَّه أقرب من ولد الولد ؛ لعدم انتقال حقّ المُنْعِم لأولاد أولاده ، وأقربُ الورثة للمُنْعِم يوم موت العتيق ولدُ الصلب ، فيختصُّ بالإرث. وعلى القول الآخر : يشاركه أولاد الولد الميّت بالمناصفة ، إذ بموت المُنْعِم انتقل حقُّ المُنْعِم منه إلى ولديه بالسويّة كغيره من الأولاد والحقوق ، فبعد موت ذي الأولاد انتقلَ حقُّه إلى أولاده ، فيتناصفون بعد

__________________

(١) الرسالة المحمدية في أحكام الميراث الأبدية ( مخطوط ) : ٢٣١.

(٢) رياض المسائل ٩ : ١٥٥.

٣٧

موت العتيق.

وكما لو مات المُنْعِم عن أخٍ من أب وابنِ أخ للأبوين ، فمات الأخ للأب عن ابنٍ قبل العتيق ، ثمّ مات العتيق. فمالُ العتيق لابن الأخ للأبوين خاصّة على المشهور. ولابن الأخ للأب خاصّة على القول الآخر. والوجه فيه ظاهرٌ ، والله العالم بالسرائر.

هذا ما اقتضاه الحال من الفروع المهمّة في السؤال ، وبقيت فروعٌ كثيرةٌ أعرضنا عنها لمزيد الاستعجال ، وطول الإمهال ، وضيق المجال. والله الموفّق لنيل الآمال.

٣٨

الرسالة السادسة والعشرون

ميراث الجدّة مع الأُخت

٣٩
٤٠